من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟

من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟0%

من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟ مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 978-964-2501-97-7
الصفحات: 482

من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف:

ISBN: 978-964-2501-97-7
الصفحات: 482
المشاهدات: 39237
تحميل: 3559

توضيحات:

من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 482 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39237 / تحميل: 3559
الحجم الحجم الحجم
من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟

من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟

مؤلف:
ISBN: 978-964-2501-97-7
العربية

وفي بعض المصادر : أنّه كان معاوية على المنبر يأخذ البيعة ليزيد ، فقالت عائشة : هل استدعى الشيوخ لبنيهم البيعة؟!

قال : لا.

قالت : فبمن تقتدي؟! فخجل.

فلمّا زارته عائشة في بيته ، هيّأ حفرةً ، فوقعت فيها وكانت راكبةً ، فماتت ، فكان عبد الله بن الزبير يعرّض به :

لقد ذهب الحمار بأُمّ عمرٍو

فلا رجعت ولا رجع الحمارُ

وبقي الّذين أشار إليهم بقوله للأنصاريّين :

«وإنّما هم أبناؤهم ، فابني أحبّ إليّ من أبنائهم»(١) يعني :

الإمام الحسينعليه‌السلام وهو ابن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام.

وعبد الرحمن بن أبي بكر.

وعبد الله بن عمر بن الخطّاب.

وعبد الله بن الزبير بن العوّام.

فجعل يطلب منهم البيعة بشتّى الأساليب ، كما سيأتي.

سمّ عبد الرحمن بن أبي بكر

وكان من أشهر المعارضين لولاية يزيد : عبد الرحمن بن أبي بكر ، فقد عارض ذلك بشدّةٍ وقال :

«أهرقلية؟! إذا مات كسرى كان كسرى مكانه؟! لا نفعل والله أبداً».

__________________

(١) انظر المقدِّمة الخامسة من الكتاب

١٢١

فبعث إليه بمئة ألف درهم ، فردّها عبد الرحمن وقال : «أبيع ديني بدنياي؟!».

وما لبث أن مات(١) .

وروى ابن الأثير : إنّ مروان خطب فقال : «إنّ أمير المؤمنين قد اختار لكم فلم يأل ، وقد استخلف ابنه يزيد بعده.

فقام عبد الرحمن بن أبي بكر فقال : كذبت ـ والله ـ يا مروان ، وكذب معاوية ، ما الخيار أردتما لأُمّة محمّد ، ولكنّكم تريدون أنْ تجعلوها هرقليّة ، كلّما مات هرقل قام هرقل.

فقال مروان : هذا الذي أنزل الله فيه( وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفّ لَّكُمَا ) (٢) الآية.

فسمعت عائشة مقالته ، فقامت من وراء الحجاب وقالت : يا مروان! يا مروان! فأنصت الناس ، وأقبل مروان بوجهه ، فقالت : أنت القائل لعبد الرحمن أنّه نزل فيه القرآن؟! كذبت والله ، ما هو به ، ولكنّه فلان بن فلان ، ولكنّك أنت فضض من لعنة نبيّ الله.

وقام الحسين بن عليّ ، فأنكر ذلك.

وفعل مثله ابن عمر وابن الزبير.

فكتب مروان بذلك إلى معاوية»(٣) .

وروى البخاري فقال : «كان مروان على الحجاز ، استعمله معاوية ،

__________________

(١) الاستيعاب ٢ / ٨٢٥ ـ ٨٢٦ رقم ١٣٩٤

(٢) سورة الأحقاف ٤٦ : ١٧

(٣) الكامل في التاريخ ٣ / ٣٥١ ـ ٣٥٢ حوادث سنة ٥٦ ، وانظر : تاريخ الخلفاء ـ للسيوطي ـ : ٢٤٢ ـ ٢٤٣

١٢٢

فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يُبايَع له بعد أبيه ، فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئاً ، فقال : خذوه! فدخل بيت عائشة فلم يقدروا عليه ، فقال مروان : إنّ هذا الذي أنزل الله فيه :( وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي ) ؛ فقالت عائشة من وراء الحجاب : ما أنزل الله فينا شيئاً من القرآن ، إلّاأنّ الله أنزل عذري»(١) .

وقال ابن حجر في شرحه : «قال بعض الشرّاح : وقد اختصره فأفسده! والذي في رواية الإسماعيلي : فقال عبد الرحمن : ما هي إلّا هرقلية! فقال عبد الرحمن : سُنّةُ هرقلَ وقيصر!

ولابن المنذر من هذا الوجه : أجئتم بها هرقلية تبايعون لأبنائكم؟!

قوله : فقال : خذوه! فدخل بيت عائشة فلم يقدروا ؛ أي امتنعوا من الدخول خلفه إعظاماً لعائشة. وفي رواية أبي يعلى : فنزل مروان عن المنبر حتّى أتى باب عائشة ، فجعل يكلّمها وتكلّمه ثمّ انصرف!

في رواية أبي يعلى : فقال مروان : اسكتْ ، ألستَ الذي قال الله فيه فذكر الآية ، فقال عبد الرحمن : ألستَ ابن اللعين الذي لعنه رسول الله؟!

فقالت عائشة : كذب والله ما نزلت فيه ولكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه»(٢) .

هذا ، وقد توعّد معاوية عبد الرحمن بن أبي بكر غير مرّة :

عن الزهري ، عن ذكوان مولى عائشة بنت أبي بكر ، قال : لمّا أجمع

__________________

(١) صحيح البخاري ٦ / ٢٣٧ ح ٣٢٣

(٢) فتح الباري ٨ / ٧٤٠ ـ ٧٤١ ح ٤٨٢٧

١٢٣

معاوية أن يبايع لابنه يزيد حجّ ، فقدم مكّة في نحوٍ من ألف رجلٍ ، فلمّا دنا من المدينة خرج ابن عمر وابن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر ، فلمّا قدم معاوية المدينة صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ ذكر ابنه يزيد فقال : من أحقّ بهذا الأمر منه؟!

ثمّ ارتحل فقدم مكّة ، فقضى طوافه ودخل منزله وأرسل إلى عبد الرحمن بن أبي بكر ، فتشهّد وأخذ في الكلام ، فقطع عليه كلامه فقال : إنّك ـ والله ـ لوددتُ أنّا وكلناك في أمر ابنك إلى الله ، وإنّا ـ والله ـ لا نفعل ، والله لتردّنّ هذا الأمر شورى بين المسلمين ، أو لنعيدنّها عليك جذعة. ثمّ وثب فقام.

فقال معاوية : اللهمّ اكفنيه بما شئت.

ثمّ قال : على رسلك أيّها الرجل ، لا تشرفنّ بأهل الشام ، فإنّي أخاف أن يسبقوني بنفسك ، حتّى أُخبرهم العشية أنّك قد بايعت ، ثمّ كن بعد ذلك على ما بدا لك من أمرك(١) .

وفي تاريخ الطبري : «بايع الناس ليزيد بن معاوية غير الحسين بن عليّ وابن عمر وابن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر وابن عبّاس.

فلمّا قدم معاوية أرسل إلى عبد الرحمن بن أبي بكر فقال : يا ابن أبي بكر ، بأيّة يدٍ أو رجلٍ تقدم على معصيتي؟!

قال : أرجو أن يكون ذلك خيراً لي.

فقال : والله لقد هممت أن أقتلك.

قال : لو فعلت لأتبعك الله به لعنةً في الدنيا وأدخلك به في الآخرة

__________________

(١) تاريخ الخلفاء : ٢٣٥ ـ ٢٣٦ ، وانظر : الإمامة والسياسة ١ / ٢٠٤ ـ ٢١٢

١٢٤

النار»(١) .

قالوا : فلم يلبث إلّايسيراً حتّى مات ، بعدما خرج معاوية من المدينة(٢) .

سمّ عبد الرحمن بن خالد وكان أهل الشام يريدونه

وهكذا فعل بعبد الرحمن بن خالد بن الوليد ـ وكان حامل اللواء الأعظم معه في صِفّين(٣) ! ـ لمّا رأى توجّه أهل الشام إليه وحبّهم له

قال الحافظ ابن عبد البرّ : «إنّه لمّا أراد معاوية البيعة ليزيد ، خطب أهل الشام وقال لهم : يا أهل الشام! إنّه قد كبرت سنّي ، وقرب أجلي ، وقد أردت أنْ أعقد لرجلٍ يكون نظاماً لكم ، وإنّما أنا رجل منكم ، فأروا رأيكم.

فأصفقوا واجتمعوا وقالوا : رضينا عبدَ الرحمن بن خالد.

فشقّ ذلك على معاوية ، وأسرّها في نفسه.

ثمّ إنّ عبد الرحمن مرض ، فأمر معاوية طبيباً عنده يهوديّاً ، وكان عنده مكيناً ، أنْ يأتيه فيسقيه سقية يقتله بها. فأتاه فسقاه ، فانخرق بطنه فمات»(٤) .

وقد سمّى ابن عساكر الطبيب اليهودي فقال : «فأمر ابن أثال أنْ يحتال في قتله ، وضمن له إنْ هو فعل ذلك أن يضع عنه خراجه ما عاش ، وأن

__________________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ٢٤٨ ـ ٢٤٩ حوادث سنة ٥٦ ه

(٢) التاريخ الكبير ـ للبخاري ـ ٥ / ٢٤٢ رقم ٧٩٥ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٣٤٣ ، أُسد الغابة ٣ / ٢٦٥ رقم ٣٣٣٨

(٣) الأخبار الطوال : ١٧٢

(٤) الاستيعاب ٢ / ٨٢٩ ـ ٨٣٠ رقم ١٤٠٢

١٢٥

يولّيه جباية خراج حمص ، فلمّا قدم عبد الرحمن حمص منصرفاً من بلاد الروم ، دسّ إليه ابن أثال شربةً مسمومةً مع بعض مماليكه ، فشربها ، فمات بحمص ، فوفّى معاوية بما ضمن له ، وولّاه خراج حمص ووضع عنه خراجه»(١) .

قال ابن عبد البرّ : «ثمّ دخل أخوه المهاجر بن خالد دمشق مستخفياً هو وغلام له ، فرصدا ذلك اليهودي ، فخرج ليلاً من عند معاوية ، فهجم عليه ومعه قوم هربوا عنه ، فقتله المهاجر.

وقصّته هذه مشهورة عند أهل السير والعلم بالآثار والأخبار ، اختصرناها ، ذكرها عمر بن شبّة في أخبار المدينة ، وذكرها غيره»(٢) .

وذكر ابن عساكر أنّ معاوية حبس خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد ، ولم يخرج من الحبس حتّى مات معاوية(٣) .

عاقبة أمر زياد بن أبيه

بقي أنْ نذكر عاقبة أمر زياد بن أبيه ، فإنّه أشار على معاوية أن لا يعجل في استخلاف يزيد ، كما أمر يزيد بالكفّ عن كثير ممّا كان يصنع ؛ وفي بعض المصادر ما يفيد أنّه كان يريدها لنفسه ، ويشهد بذلك

__________________

(١) تاريخ دمشق ١٦ / ١٦٤ رقم ١٨٩٧ ، وانظر : أنساب الأشراف ٥ / ١١٨ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٣٢ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٠٢ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٣٠٩ ، البداية والنهاية ٨ / ٢٥ حوادث سنة ٤٦ ه

(٢) الاستيعاب ٤ / ١٤٥٣ رقم ٢٥٠٣ ، أُسد الغابة ٤ / ٥٠٢ رقم ٥١٢٨ ، ولم نجده في كتاب ابن شبّة المطبوع

(٣) تاريخ دمشق ١٦ / ٢١٥ رقم ١٩١٩

١٢٦

أنّ معاوية لمّا وصلته رسالة زيادٍ قال : «ويلي على ابن عبيد ، لقد بلغني أنّ الحادي حدا له أنّ الأمير بعدي زياد ، والله لأردّنّه إلى أُمّه سميّة وإلى أبيه عبيد»(١) .

قالوا : «فخرج في إبهامه طاعونة ، فما أتت عليه إلّاجمعة حتّى مات»(٢) ممّا يظنّ قويّاً بكونه ممّن قتلهم معاوية وكان عليه أهل البيت عليهم الصلاة والسلام قد دعوا عليه لِما كان يصنع بشيعتهم.

٢ ـ التبعيد

وحتّى بنو أُمّية ، كانوا لا يتوهّمون وصول يزيد إلى الحكم يوماً من الأيّام ، بل لقد كان فيهم من يمنّي نفسه بذلك.

بل ظاهر ما جاء في تاريخ ابن عساكر(٣) من أنّه : «كان أهل المدينة عبيدهم ونساؤهم يقولون : والله لا ينالها يزيد حتّى ينال هامه الحديد ، إنّ الأمير بعده سعيد(٤) ».

هو أنّ هذا كان رأي أهل المدينة كلّهم.

ثمّ ذكروا أنّ سعيداً طرح الموضوع على معاوية بصراحةٍ ، وأنّه قد

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٢٨

(٢) تاريخ دمشق ١٩ / ٢٠٣ رقم ٢٣٠٩ ، وانظر : تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٤٧ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٣٨ حوادث سنة ٥٣ ه‍ ، الاستيعاب ٢ / ٥٣٠ رقم ٨٢٥ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٣٤١ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٤٩٦ رقم ١١٢

(٣) تاريخ دمشق ٢١ / ٢٢٣

(٤) أي : سعيد بن عثمان بن عفّان ، الذي عزله معاوية سنة ٥٧ ه‍ عن خراسان ، وولّاها عبيد الله بن زياد بعدما كان قد ولّاها إيّاه قبل عزله عنها بسنة واحدة.

انظر : تاريخ دمشق ٢١ / ٢٢٣

١٢٧

طلب منه أن يرشّحه للحكم بدلاً عن يزيد.

قال ابن كثير : «وقد عاتب معاويةَ ـ في ولايته يزيد ـ سعيدُ بن عثمان ابن عفّان ، وطلب منه أنْ يولّيه مكانه ، وقال له سعيد في ما قال :

إنّ أبي لم يزل معتنياً بك حتّى بلغت ذروة المجد والشرف ، وقد قدّمتَ ولدك علَيَّ وأنا خير منه أباً وأُمّاً ونفساً.

فقال له : أمّا ما ذكرت من إحسان أبيك إليَّ فإنّه أمر لا ينكر. وأمّا كون أبيك خيراً من أبيه فحقٌّ ، وأُمّك قرشية وأُمّه كلبية فهي خير منها. وأمّا كونك خيراً منه ، فوالله لو ملئت إليّ الغوطة رجالاً مثلك لكان يزيد أحبّ إليَّ منكم كلّكم»(١) .

وقد روى ابن خلّكان كلام سعيدٍ بألفاظٍ أُخرى تهمّنا في المباحث الآتية ، قال :

«إنّ سعيد بن عثمان بن عفّان ـ رضي الله عنه ـ دخل على معاوية بن أبي سفيان ، فقال له : علام جعلت ولدك يزيد وليّ عهدك دوني؟! فوالله لأبي خير من أبيه ، وأُمّي خير من أُمّه ، وأنا خير منه ، وقد ولّيناك فما عزلناك ، وبنا نلت ما نلت.

فقال له معاوية : أمّا قولك وأمّا قولك : إنّكم ولّيتموني فما عزلتموني ، فما ولّيتموني ، وإنّما ولّاني من هو خير منكم عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ، فأقررتموني ، وما كنت بئس الوالي منكم ، لقد قمت بثأركم ، وقتلت قتلة أبيكم ، وجعلت الأمر فيكم ، وأغنيت فقيركم ، ورفعت الوضيع منكم.

__________________

(١) البداية والنهاية ٨ / ٦٥ حوادث سنة ٥٦ ه

١٢٨

فكلّمه يزيد في أمره فولّاه خراسان»(١) .

وقال ابن عساكر : إنّ معاوية عزله عن خراسان في سنة ٥٧(٢) .

وقال البلاذري : «كان معاوية قد خاف سعيداً على خلعه ، ولذلك عاجله بالعزل»(٣) .

قال ابن عساكر : «قدم سعيد بن عثمان المدينة ، فقتله غلمان جاء بهم من الصَّغْد ، وكان معه عبد الرحمن بن أرطاة بن سيحان حليف بني حرب بن أُميّة»(٤) .

قالوا : ثمّ قتل الغلمانُ بعضُهم بعضاً فلم يبق منهم أحد(٥) .

هذا بالنسبة إلى سعيد بن عثمان بن عفّان باختصار ، وقضيّته غامضة جدّاً.

وكذلك كان موقف غيره من بني أُميّة ، كمروان بن الحكم :

روى ابن قتيبة والمسعودي ، أنّ مروان بن الحكم كتب إلى معاوية : «إنّ قومك قد أبوا إجابتك إلى بيعتك ابنك ، فَارْأَ رأيك».

فلمّا بلغ معاوية كتابه عرف أنّ ذلك من قبله ، فكتب إليه يأمره أنْ

__________________

(١) وفيات الأعيان ٦ / ٣٤٨ رقم ٨٢١ ترجمة يزيد بن مفرغ الحميري ؛ وانظر : الأغاني ١٨ / ٢٧٠ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٣٥٥

(٢) تاريخ دمشق ٢١ / ٢٢٣ ، وانظر : تاريخ خليفة بن خيّاط : ١٧٠ ، مرآة الجنان ١ / ١٠٤ ، شذرات الذهب ١ / ٦١

(٣) فتوح البلدان ٤٠٣

(٤) تاريخ دمشق ٢١ / ٢٢٧ ، وانظر : نسب قريش : ١١١ ، الأغاني ١ / ٤٢ وج ٢ / ٢٤٦

(٥) جواهر التاريخ ٢ / ٣٤١

١٢٩

يعتزل عمله ، ويخبره أنّه قد ولّى المدينة سعيد بن العاص(١) .

ثمّ إنّ مروان أقبل في وفدٍ كثيرٍ من قومه حتّى نزل دمشق ، ودخل على معاوية ، وجعل يخطب بين يديه إلى أن قال :

«وأيم الله ، لولا عهود مؤكّدة ومواثيق معقّدة ، لأقمت أود وليّها ، فأقم الأمر يا ابن أبي سفيان ، وأهدئ من تأميرك الصبيان ، واعلم أنّ لك في قومك نظراً ، وأنّ لهم على مناوأتك وزراً».

فغضب معاوية من كلام مروان غضباً شديداً ، ثمّ كظم غيظه ، وأخذ بيده وتكلّم معه ، ورحّب به وطيّب خاطره ، ووعده بالأموال له ولأهل بيته(٢) .

٣ ـ بذل الأموال

ومن جملة أساليبه للعهد ليزيد : بذل الأموال على الوفود إليه والشخصيّات في الحجاز وغيرها ، فقد ذكروا أنّه أشار على المغيرة بن شعبة أن يوفد إليه وفداً من الكوفة يطالبونه بالعهد ليزيد والبيعة معه ، فأرسل أربعين رجلاً من وجوه الكوفة ، وأمَّر عليهم ابنه عروة بن المغيرة ، فدخلوا على معاوية فقاموا خطباء ، فذكروا أنّه إنّما أشخصهم إليه النظر لأُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالوا : يا أمير المؤمنين! كبرت سنّك وتخوّفنا الانتشار من بعدك ؛ يا أمير المؤمنين ، أَعْلِمْ لنا علماً وحُدَّ لنا حدّاً ننتهي إليه.

__________________

(١) عزله سنة ٥٨ ه‍ ؛ وفي تاريخ الطبري ٣ / ٥٨ أنّه لمّا عزل مروان عن المدينة ولّى عليها الوليد بن عتبة بن أبي سفيان

(٢) انظر : الإمامة والسياسة : ١٩٧ ـ ١٩٩ ، مروج الذهب ٣ / ٢٨ ـ ٢٩

١٣٠

قال : أشيروا علَيَّ.

قالوا : نشير عليك بيزيد ابن أمير المؤمنين.

قال : وقد رضيتموه؟

قالوا : نعم.

قال : وذاك رأيكم؟

قالوا : نعم ، ورأي مَن بعدنا.

فأصغى إلى عروة ـ وهو أقرب القوم منه مجلساً ـ فقال : لله أبوك! بكم اشترى أبوك من هؤلاء دينهم؟

قال : بأربعمئة.

قال : لقد وجد دينهم عندهم رخيصاً(١) .

قالوا : وأعطى معاوية شخصيّات وفد البصرة جوائز ، كلّ واحد مئة ألف درهم ، وكان فيهم الحتات التميمي ـ وكان عثماني الهوى ـ ، فأعطاه سبعين ألفاً ، فرجع إلى معاوية ، فقال : ما ردّك يا أبا مُنازل؟

قال : فضحتني في بني تميم ، أما حسبي صحيح ، أَوَلستُ ذا سنّ؟! أَوَلستُ مطاعاً في عشيرتي؟!

قال معاوية : بلى.

قال : فما بالك خَسَسْتَ بي دون القوم؟!

فقال : إنّي اشتريت من القوم دينهم ، ووكلتك إلى دينك ورأيك في عثمان بن عفّان ـ وكان عثمانياً ـ.

قال : وأنا فاشترِ منّي ديني.

__________________

(١) تاريخ دمشق ٤٠ / ٢٩٨ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٣٥٠ حوادث سنة ٥٦ ه

١٣١

فأمر له بتمام جائزة القوم ، فمات قبل أن يقبضها(١) .

وكما جاء في المصادر ، فإنّه وعد مروان «بالأموال له ولأهل بيته» ، وكذلك فعل مع غيره من وجوه الناس :

فلقد أعطى عبدَ الله بن عمر بن الخطّاب ٠٠٠ / ١٠٠ درهم ، فقبل وسكت(٢)

وأعطى عبدَ الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة ٠٠٠ / ١٠٠ درهم أيضاً ، فردّها وقال : لا أبيع ديني بدنياي(٣) .

وأعطى يزيدُ بن معاوية المنذرَ بن الزبير بن العوّام ٠٠٠ / ١٠٠ درهم ، فأخذها وقال للناس : «إنّ يزيد والله لقد أجازني بمئة ألف درهم ، وإنّه لا يمنعني ما صنع إليَّ أنْ أُخبركم خبره وأصدقكم عنه ، والله إنّه ليشرب الخمر ، وإنّه ليسكر حتّى يدع الصلاة»(٤) .

٤ ـ المكاتبة

وإذا كان أهل الشام مخالفين ويرشّحون عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، وكان بنو أُميّة معارضين ويرشّحون سعيد بن عثمان بن عفّان فلأنْ يكون بنو هاشم معارضين أَوْلى ، فقد كلّف معاوية واليه على المدينة

__________________

(١) انظر : تاريخ دمشق ١٠ / ٢٧٨ ـ ٢٧٩ ، الكامل ٣ / ٣٢٢ في التاريخ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢١١ حوادث سنة ٥٠ ه

(٢) فتح الباري ١٣ / ٨٧ ح ٧١١٤

(٣) انظر : البداية والنهاية ٨ / ٧٢ حوادث سنة ٥٨ ه‍ ، الإصابة ٤ / ٣٢٨ رقم ٥١٥٥ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٥٤٢ ح ٦٠١٥

(٤) تاريخ الطبري ٣ / ٣٥٠ ـ ٣٥١ حوادث سنة ٦٢ ه

١٣٢

أن يطلب منهم البيعة.

فكتب سعيد بن العاص إليه :

«أمّا بعد ، فإنّك أمرتني أنْ أدعو الناس لبيعة يزيد ابن أمير المؤمنين ، وأنْ أكتب إليك بمن سارع ممّن أبطأ ، وإنّي أُخبرك أنّ الناس عن ذلك بطاء ، لا سيّما أهل البيت من بني هاشم ، فإنّه لم يجبني منهم أحد ، وبلغني عنهم ما أكره

فكتب معاوية إلى عبد الله بن العبّاس وإلى عبد الله بن الزبير وإلى عبد الله بن جعفر وإلى الإمام الحسينعليه‌السلام ، كتباً ، وأمر سعيد بن العاص أنْ يوصلها إليهم ويبعث بجواباتها»(١) .

٥ ـ السفر إلى الحجاز والخديعة

ثمّ إنّه قد اضطرّ معاوية إلى السفر إلى الحجاز ، فاجتمع بالأربعة الّذين كاتبهم ، وتحدّث معهم ، ولم يسفر ذلك عن نتيجة فخرج في يوم من الأيّام ودخل المسجد ومعه رجاله من أهل الشام ويبلغون الألف ، ونودي له في الناس فاجتمعوا إليه ، والإمام الحسينعليه‌السلام ، وعبد الرحمن وابن الزبير وابن عمر جالسون عند المنبر ، فخطب وقال :

«أيّها الناس! إنّا وجدنا أحاديث الناس ذات عوار ، وإنّهم قد زعموا أنّ الحسين بن عليّ ، وعبد الرحمن بن أبي بكر ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير ، لم يبايعوا يزيد ؛ وهؤلاء الرهط الأربعة هم عندي سادة المسلمين وخيارهم ، وقد دعوتهم إلى البيعة فوجدتهم إذاً سامعين

__________________

(١) انظر : الإمامة والسياسة ١ / ١٩٩ و ٢٠٠

١٣٣

مطيعين ، وقد سلّموا وبايعوا ، وسمعوا وأجابوا وأطاعوا.

فضرب أهل الشام بأيديهم إلى سيوفهم فسلّوها ثمّ قالوا :

يا أمير المؤمنين! ما هذا الذي تعظّمه من أمر هؤلاء الأربعة؟! إئذن لنا أن نضرب أعناقهم ، فإنّا لا نرضى أن يبايعوا سرّاً ، ولكنْ يبايعوا جهراً حتّى يسمع الناس أجمعون.

فقال معاوية : سبحان الله! ما أسرع الناس بالشرّ ، وما أحلى بقاءهم عندهم ، اتّقوا الله يا أهل الشام ولا تسرعوا إلى الفتنة ، فإنّ القتل له مطالبة وقصاص ، فإنّهم قد بايعوا وسلّموا ، وارتضوني فرضيت عنهم.

فلمّا سئل الإمامعليه‌السلام عن ذلك قال : «لا والله ما بايعنا ، ولكنّ معاوية خادعنا وكادنا ...»(١) .

وروى الطبراني بسنده عن محمّد بن سيرين ، قال : «لمّا بايع معاوية ليزيد حجَّ ، فمرّ بالمدينة فخطب الناس ، فقال : إنّا قد بايعنا يزيد فبايعوا.

فقام الحسين بن عليّ فقال : أنا ـ والله ـ أحقّ بها منه ، فإنّ أبي خير من أبيه ، وجدّي خير من جدّه ، وإن أُمّي خير من أُمّه ، وأنا خير منه.

فقال معاوية : أمّا ما ذكرت أنّ أنّ جدّك خير من جدّه ، فصدقت ، رسول الله خير من أبي سفيان بن حرب ، وأمّا ما ذكرت أنّ أُمّك خير من أُمّه ، فصدقت ، فاطمة بنت رسول الله خير من بنت مجدل ، وأمّا ما ذكرت أنّ أباك خير من أبيه ، فقد قارع أبوه أباك فقضى الله لأبيه على أبيك ، وأمّا

__________________

(١) انظر : الفتوح ـ لابن أعثم ـ ٤ / ٣٤٧ ـ ٣٤٨ ، الإمامة والسياسة ١ / ٢١٣ ، العقد الفريد ٣ / ٣٦٠ ، المنتظم ٤ / ١٠٤ ـ ١٠٥ ، البداية والنهاية ٨ / ٦٤ ـ ٦٥ حوادث سنة ٥٦ ه‍ ، تاريخ الخلفاء : ٢٣٦

١٣٤

ما ذكرت أنّك خير منه ، فلهو أربّ منك وأعقل ، ما يسرّني به مثلك ألف»(١) .

أقول :

فيه شهادة للقول بأنّ معاوية وبني أُميّة هم الأصل في مقالة الجبر

ثمّ انظر كيف يزعم ـ بقلّة حياء ـ أفضليّة يزيد على الإمام الحسينعليه‌السلام !!

__________________

(١) المعجم الكبير ١٩ / ٣٥٦ ح ٨٣٣ ، وانظر : مجمع الزوائد ٥ / ١٩٨

١٣٥
١٣٦

الفصل الرابع :

شهادة الإمام الحسن بسمّ معاوية

١٣٧
١٣٨

أمّا الإمام الحسن السبطعليه‌السلام فلأنّ معاوية قد عاهده على رجوع الأمر إليه من بعده ، حتّى إنّ الأحنف بن قيس أيضاً قد ذكّره بذلك(١) فكان أن صمّم على القضاء عليه ، فدسّ إليه السمّ على يد جعدة بنت الأشعث بن قيس ، في قضيّة مفصّلةٍ اتّفق على روايتها رواة الفريقين

تجد ذلك في سائر كتب أصحابنا ، كالكافي والإرشاد ومناقب آل أبي طالب ، وغيرها(٢) .

وقال ابن عبد البرّ : «قال قتادة وأبو بكر ابن حفص : سمّ الحسن بن علي ، سمّته امرأته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي. وقالت طائفة : كان ذلك منها بتدسيس معاوية إليها وما بذل لها في ذلك

قال : ذكر أبو زيد عمر بن شبّة وأبو بكر بن أبي خيثمة ، قالا : حدّثنا

__________________

(١) فقد قال له : إنّ أهل الحجاز وأهل العراق لا يرضون بهذا ولا يبايعون ليزيد ما كان الحسن حيّاً» ؛ انظر : الإمامة والسياسة ١ / ١٩١

(٢) الكافي ١ / ٤٦٢ باب مولد الحسنعليه‌السلام ح ٣ ، الإرشاد ٢ / ١٥ ، مناقب آل أبي طالب ٤ / ٤٧ ـ ٤٨ ، كشف الغمّة ١ / ٥٨٤ ـ ٥٨٥ ، الاحتجاج ٢ / ٧١ ـ ٧٣ ح ١٥٩ و ١٦٠.

وانظر من كتب الجمهور ـ مثلاً ـ : المنتظم ٤ / ٤٨ ـ ٤٩ ، البداية والنهاية ٨ / ٣٥ ، تاريخ الخميس ٢ / ٢٩٣ ، العقد الفريد ٣ / ٣٥١

١٣٩

موسى بن إسماعيل ، قال : حدّثنا أبو هلال ، عن قتادة ، قال : دخل الحسين على الحسن ، فقال : يا أخي إنّي سُقيت السمَّ ثلاث مرار ، لم أُسْقَ مِثْل هذه المرّة ، إنّي لأضَعُ كَبدي.

فقال الحسين : مَنْ سقاك يا أخي؟

قال : ما سؤالك عن هذا؟! أَتريدُ أن تقاتلهم؟! أَكِلُهُم إلى الله.

فلمّا مات ورَد البريد بموته على معاوية ، فقال : يا عجباً من الحسن ، شرب شربةً من عسل بماء رومة ، فقضى نحبه.

وأتى ابن عبّاس معاوية ، فقال له : يا بن عبّاس! احتسب الحسن ، لا يحزنك الله ولا يسوؤك.

فقال : أمّا ما أبقاك الله لي يا أمير المؤمنين فلا يحزنني الله ولا يسوؤني.

قال : فأعطاه على كلمته ألف ألف وعروضاً وأشياء ، وقال : خُذها واقْسِمْها على أهلك.

حدّثني عبد الوارث ، حدّثنا قاسم ، حدّثنا عبد الله بن رَوح ، حدّثنا عثمان بن عمر بن فارس ، قال : حدّثنا ابن عون ، عن عمير بن إسحاق ، قال : كنّا عند الحسن بن عليّ ، فدخل المخرج ثمّ خرج ، فقال : لقد سُقِيت السمَّ مراراً وما سُقيتُه مثلَ هذه المرة ، لقد لفظتُ طائفة من كبدي ، فرأيتني أَقلِبُها بعودٍ معي.

فقال له الحسين : يا أخي! مَنْ سقاك؟!

قال : وما تُريد إليه؟! أتريد أن تقتله؟!

قال : نعم.

١٤٠