موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 10%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 451871 / تحميل: 5257
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

الفصل الرابع

الإمام الحسينعليه‌السلام ترجمته وفضائله

١ ـ نسب الإمام الحسينعليه‌السلام

٢ ـ مولده ووفاتهعليه‌السلام وعمره الشريف

٣ ـ ولادة الحسينعليه‌السلام وتسميته ورضاعه ـ أولادهعليه‌السلام

٤ ـ أوصاف الحسينعليه‌السلام وهيئته وجماله

٥ ـ فضائل الحسينعليه‌السلام :

ـ فضائل الحسينعليه‌السلام الخاصة

ـ الإمام الحسينعليه‌السلام والقرآن

ـ جملة من مناقب الحسينعليه‌السلام

٦ ـ الذرية والإمامة :

ـ قصة الحجاج مع يحيى بن يعمر

ـ قصيدة لابن المعتز ، وردّ صفي الدين الحلي عليها.

١٦١
١٦٢

الفصل الرابع :

الإمام الحسينعليه‌السلام

(ترجمته وفضائله)

١٠٦ ـ الإمام الحسينعليه‌السلام :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ١ ص ٣٩)

ثالث أئمة أهل البيت الطاهر ، وثاني السبطين السعيدين ، سيدي شباب أهل الجنّة ، وريحانتي المصطفى ، وأحد الخمسة أصحاب العبا ، وسيد الشهدا.

الإمام الهمام ، وقرة باصرة سيد الأنام. سبط الرحمة ، وكاشف الغمة. مهجة الزهرا ، وثمرة فؤاد علي المرتضى. الّذي حمله ميكائيل ، وناغاه في المهد جبرائيل. الإمام القتيل ، الّذي اسمه مكتوب على سرادق عرش الجليل : الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة. الشافع في يوم الجزاء ، سيدنا ومولانا سيد الشهداء ، عليه سلام الله الملك الأعلى. الّذي بولايته ربيّت ، وبكأسه الأوفى من صغري شربت ورويت.

ريحانة الرسول ، وقرة عين البتول. وثمرة قلب الوصي ، وشقيق الزكي. أحد الثقلين ، وحبيب خيرة الثقلين ، أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام .

١ ـ نسب الإمام الحسينعليه‌السلام

١٠٧ ـ نسبه الشريف :

الإمام الحسينعليه‌السلام هو أحد أولاد الإمام عليعليه‌السلام من زوجته العصماء فاطمة الزهراء ، بنت الرسول الأعظم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد ولدت خديجة الكبرى أم المؤمنينعليها‌السلام .

للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدة أولاد ذكور وإناث ، مات أكثرهم صغيرا ، ولم ينجب منهم ذرية سوى فاطمةعليها‌السلام التي تزوجها الإمام عليعليه‌السلام فولدت له الحسن والحسين ، ثم زينب العقيلة (المدفونة في ضاحية دمشق) وأم كلثوم. ولو لا الحسن

١٦٣

والحسينعليهما‌السلام لا نقطعت سلالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد تربيا في حجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان يحبهما حبا جمّا ، ويعتبرهما بمثابة أولاده. ومن ألقابهما السبطان(١) وسيدا شباب أهل الجنّة ، وريحانتا رسول الله. وهو الإمام بعد أخيه الحسنعليه‌السلام بنصّ أبيه وجده ، حيث قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحسن والحسين

إمامان ، قاما أو قعدا».

٢ ـ مولد الحسينعليه‌السلام ووفاته وعمره الشريف

١٠٨ ـ مولد الحسينعليه‌السلام ووفاته وعمره الشريف :

قال ابن سعد في (الطبقات) : علقت فاطمة بالحسينعليه‌السلام لخمس ليال خلون من ذي القعدة سنة ثلاث من الهجرة ، بعد مولد الحسنعليه‌السلام بخمسين ليلة.

ووضعته في شعبان لليال خلون منه سنة أربع هجرية.

وقال ابن شهراشوب في مناقبه (ج ٣ ص ٢٣١ ط نجف) :

ولد الحسينعليه‌السلام عام الخندق في المدينة يوم الخميس أو الثلاثاء لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة ، بعد أخيه بعشرة أشهر وعشرين يوما. وروي أنه لم يكن بينه وبين أخيه إلا الحمل ، والحمل ستة أشهر.

وقال مصعب الزبيري في (نسب قريش ، ص ٤٠) :

ولد الحسينعليه‌السلام لخمس ليال خلون من شعبان سنة ٤ من الهجرة.

وقال العلامة المجلسي في (بحار الأنوار) :

الأشهر في ولادتهعليه‌السلام أنه ولد لثلاث خلون من شعبان سنة ٤ ه‍ يوم الخميس. وقيل ولد في ٥ شعبان سنة ٤ ه‍ ، وهو قول الشيخ المفيد.

وقال السيد محسن الأمين في (الأعيان) :

وكانت مدة حمله ستة أشهر. وروي أنه لم يولد لستة أشهر ، إلا عيسى بن مريم ، ويحيى بن زكريا ، والحسين بن عليعليهم‌السلام .

وروى الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام عن أبيه قال : لم تكن بين ولادة الحسنعليه‌السلام والحمل بالحسينعليه‌السلام إلا طهر واحد.

والعلماء مجمعون على أن وفاة الحسينعليه‌السلام كانت بكربلاء يوم العاشر من

__________________

(١) السبط : يطلق على ابن البنت ، والحفيد : يطلق على ابن الولد ، ذكرا كان أو أنثى.

١٦٤

المحرم سنة ٦١ ه‍ ، والأغلب أنه قتل يوم الجمعة بعد الظهر ، وقيل يوم السبت.ودفن بكربلاء من غربي الفرات.

فيكون عمره الشريف سبعا وخمسين سنة ، وبالدقة ستا وخمسين سنة وخمسة أشهرعليه‌السلام .

١٠٩ ـ معاصرته للمعصومينعليهم‌السلام :

وقد عاش الحسينعليه‌السلام من حياته مع جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبع سنين ، ومع أبيه أمير المؤمنين عليعليه‌السلام بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثين سنة ، ومع أخيه الحسن بعد وفاة أبيهعليه‌السلام نحو عشر سنين ، وعاش بعد وفاة أخيه الحسنعليه‌السلام إلى حين مقتله الشريف نحو عشر سنين.

وحين توفي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم فاطمة الزهراءعليها‌السلام بعده بقليل ، كان عمر الحسينعليه‌السلام سبع سنين ، فعاش وأخوه يتيمين.

٣ ـ ولادة الحسينعليه‌السلام وتسميته ورضاعه

١١٠ ـ ولادة الحسينعليه‌السلام وتسميته :

(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ٩٣)

لما ولد الحسينعليه‌السلام جاءت به أمه فاطمةعليها‌السلام إلى جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاستبشر به ، وأذّن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، وحنّكه بريقه وتفل

في فمه.

فلما كان اليوم السابع عقّ عنه بكبش (العقيقة : هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم سبوعه عند حلق شعره) وأعطى القابلة رجل العقيقة. وأمر أمه أن تحلق رأسه وتتصدق بوزن شعره فضة ، وكان وزنه درهما. وسماهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حسينا ، وهو مشتق من اسم (حسن) بالتصغير.

١١١ ـ اسمه الشريف :

يقول محمّد مهدي المازندراني في (معالي السبطين) ج ١ ص ٤٧ : اسمه الحسين ، وفي التوراة (شبير) ، وفي الانجيل (طاب).

وحسين مصغّر حسن ، كما أن شبير مصغّر شبّر ، وهذا التصغير لأجل التعظيم

١٦٥

كما لا يخفى على البصير. ولم يسمّ أحد بهذا الاسم قبله ، كما أن يحيىعليه‌السلام لم يسمّ باسمه أحد قبله. والاسم الكريم (الحسين) صفة مشبّهة في الاشتقاق ، والصفة المشبهة تعني اللزوم والديمومة.

وقد ذكر ابن الأعرابي أن الله قد حجب اسم الحسن والحسينعليهما‌السلام حتّى سمّى بهما النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبطيه ، وهما اسمان من أسماء أهل الجنّة ، وما سمّت الجاهلية بهما.

وفي (مدينة المعاجز) ص ٢٧٥ ط حجر إيران :

عن زرارة عن عبد الخالق بن عبد ربه ، قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول :( نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ) [مريم : ٧] الحسين بن عليعليهما‌السلام لم يكن له من قبل سميّا ، ويحيى بن زكرياعليه‌السلام لم يكن له من قبل سميّا. ولم تبك السماء إلا عليهما أربعين صباحا. (قال) قلت : ما بكاؤهما؟. قال : تطلع الشمس حمراء وتغرب حمراء.

١١٢ ـ ألقابهعليه‌السلام :

للحسينعليه‌السلام ألقاب كثيرة منها : أبو عبد الله ، والسيد ، والسبط ، والإمام الشهيد ، وسيد شباب أهل الجنّة.

ونقش خاتمه : (لكل أجل كتاب) أو (حسبي الله) أو (إنّ الله بالغ أمره).

١١٣ ـ ولادة الحسينعليه‌السلام :

(معالي السبطين ، ج ١ ص ٣٧)

قالت صفية بنت عبد المطلب عمة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لما سقط الحسينعليه‌السلام من بطن أمه ، كنت قد وليته. قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عمة هلمي إليّ بابني. فقلت : يا رسول الله إنا لم ننظفه بعد. فقال : يا عمة أنت تنظفينه!. إن الله تبارك وتعالى قد نظفّه وطهّره. فدفعته إليه وهو في خرقة بيضاء ، فأذّن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، ووضع لسانه في فيه ، وأقبل الحسين (على لسان النبي) يمصّه. قالت : فما كنت أحسب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يغذوه إلا لبنا أو عسلا.

قالت صفية : فقبّله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين عينيه ، ثم دفعه إليّ وهو يبكي ويقول : لعن الله قوما هم قاتلوك يا بني (يقولها ثلاثا). فقلت : فداك أبي وأمي ، ومن يقتله؟.قال : يقتله فئة باغية من بني أمية.

١٦٦

(أقول) : لم يسمع بأن ينعى أحد قبل موته ومنذ يوم ولادته ، وهذا مخصوص بالحسينعليه‌السلام ؛ نعاه ناع يوم ولادته ، ونعاه ناع يوم شهادته.

١١٤ ـ رواية أسماء بنت عميس :

(إعلام الورى في أعلام الهدى للطبرسي ، ص ٢١٤)

في مسند الإمام الرضاعليه‌السلام عن علي بن الحسينعليه‌السلام قال : حدثتني أسماء بنت عميس ، قالت : لما كان بعد الحول من مولد الحسنعليه‌السلام ولد الحسينعليه‌السلام . فجاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا أسماء هاتي ابني ، فدفعته إليه في خرقة بيضاء ، فأذّن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، ووضعه في حجره وبكى.قالت أسماء : فداك أبي وأمي ممّ بكاؤك؟. قال : من ابني هذا. فقلت : إنه ولد الساعة. قال : يا أسماء تقتله الفئة الباغية من بعدي ، لا أنالهم الله شفاعتي.

ثم قال : يا أسماء لا تخبري فاطمةعليها‌السلام فإنها حديثة عهد بولادته. ثم قال لعليعليه‌السلام : أي شيء سمّيت ابني هذا؟. قال : ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله ، وقد كنت أحب أن أسميه (حربا). فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما كنت لأسبق باسمه ربي. فأتاه جبرئيل فقال : الجبار يقرئك السلام ، ويقول : سمّه باسم ابن هرون. فقال : ما اسم ابن هرون؟. قال : شبير. قال : لسان عربي. قال : سمّه الحسين ، فسماه الحسينعليه‌السلام .

ثم عقّ عنه يوم سابعه بكبش ، وحلق رأسه وتصدق بوزن شعره ورقا ، وطلا رأسه بالخلوق (نوع من الطيب) وقال : الدم فعل الجاهلية. وأعطى القابلة فخذ الكبش.

١١٥ ـ رواية أم الفضل :

(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ٩٣)

روى الحاكم في (المستدرك) بسنده عن أم الفضل بنت الحارث (زوجة العباس ابن عبد المطلب) أنها دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : يا رسول الله إني رأيت حلما منكرا الليلة. قال : وما هو؟. قالت : إنه شديد. قال : وما هو؟. قالت : رأيت كأن قطعة (وفي رواية : بضعة) من جسدك قطعت ووضعت في حجري. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رأيت خيرا ، تلد فاطمة إنشاء الله غلاما ، فيكون في حجرك. قالت :فولدت فاطمة الحسينعليه‌السلام فكان في حجري ، كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فدخلت يوما إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوضعته في حجره ، فأخذ يلاعبه ساعة. ثم

١٦٧

حانت مني التفاتة ، فإذا عينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تهريقان بالدموع. فقلت : يا نبي الله ، بأبي أنت وأمي مالك؟. قال : أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا.فقلت : هذا!. فقال : نعم ، وأتاني بتربة من تربته حمراء.

وقد دمجنا روايتين بنفس المضمون مع بعضهما.

١١٦ ـ لماذا لم ترضع فاطمة الحسينعليه‌السلام :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٠٩ ط نجف) عن أبي المفضل بن خير بإسناده ، أنه اعتلّت فاطمةعليها‌السلام لما ولدت الحسينعليه‌السلام وجف لبنها.فطلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرضعا فلم يجد ، فكان يأتيه فيلقمه إبهامه فيمصّها ، ويجعل الله له في إبهام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رزقا يغذوه.

ويقال : بل كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدخل لسانه في فيه فيغرّه كما يغرّ الطائر فرخه(١) . فجعل الله له في ذلك رزقا. ففعل أربعين يوما وليلة ، فنبت لحمه من لحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

تعليق :

يبدو من الروايات أن فاطمةعليها‌السلام لما ولدت بالحسينعليه‌السلام مرضت وجفّ لبنها ، فأرضعته أم الفضل زوجة العباس عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلبن ابنها (قثم بن العباس). وهذا معارض لما ورد من أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الّذي أرضعه.

والظاهر أن الحسينعليه‌السلام لما لم يرضع من أمه فاطمةعليها‌السلام عرض على غيرها من المرضعات ، فرفض الرضاع. فكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يضع إبهامه في فيه ، فيمصّ ما يكفيه ، فنبت لحم الحسينعليه‌السلام من لحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودمه ، وهذا مصداق قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «حسين مني ، وأنا من حسين».

ويمكن الجمع بين الأمرين ، بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرضع الحسينعليه‌السلام أربعين ليلة حتّى نبت لحمه من لحمه ، ثم ردّه إلى أم الفضل فأرضعته وحضنته.

ولله درّ الشاعر حيث قال :

لله مرتضع لم يرتضع أبدا

من ثدي أنثى ، ومن طه مراضعه

يعطيه إبهامه آنا وآونة

لسانه ، فاستوت منه طبائعه

__________________

(١) غرّ الطائر فرخه يغرّه : أي زقّه الطعام

١٦٨

١١٧ ـ ماذا فعلوا به؟ :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١١٦)

نبت لحم الحسينعليه‌السلام من لحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعظمه من عظم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودمه من دم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ولذا كان يشمّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقبّله ، ويقول : «حسين مني ، وأنا من حسين».

يقول الشيخ محمّد مهدي المازندراني :

أما اللحم الّذي تربّى من دم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد وزّعته سيوف أهل الكوفة ورماحهم. وأما الدم الّذي تربّى من دم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد أراقته سيوف بني أمية.وأما العظم الّذي تربّى من عظم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد هشّمته الخيل بحوافرها. يقول الشاعر :

ومن ارتبى طفلا بحجر محمّد

حتّى اغتذى وحي الإله رضيعا

يغذو غذاء المرهفات وبعد ذا

منه ترضّ الصافنات ضلوعا

وقد تربّى الحسينعليه‌السلام في حجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يزل في حجره ، فإذا نامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ظهره ، يرقى الحسين على صدره ويجلس عليه. وهذا الصدر الشريف هو الّذي طحنوه يوم عاشوراء. يقول الشاعر :

يومان لم ترني الأيام مثلهما

فسرّني ذا وهذا زادني أرقا

يوم الحسين رقى صدر النبي به

ويوم شمر على صدر الحسين رقى

١١٨ ـ أولاد الحسينعليه‌السلام :

للحسينعليه‌السلام ستة ذكور وأربع بنات ، هم :

ـ علي الأكبر : قاتل بين يدي أبيه حتّى قتل شهيدا في كربلاء.

ـ علي الأوسط : زين العابدينعليه‌السلام وكان مريضا في كربلاء.

ـ علي الأصغر : أصابه سهم في كربلاء وهو طفل فمات.

ـ عبد الله الرضيع : قتل بين يدي أبيه وهو يستسقي له الماء.

ـ محمّد وجعفر : ماتا صغيرين في حياة أبيهماعليه‌السلام .

ـ البنات : زينب وفاطمة وسكينة ورقيةعليهم‌السلام .

* وقد مرّ ذلك مفصّلا فيما مضى من الكتاب ، فراجع ص ١٢١.

١٦٩

والذكر المخلّد هو لزين العابدينعليه‌السلام أبي الأئمة ، الّذي منه اتصلت سلالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد كان مريضا يوم كربلاء على وشك الموت ، ثم شفاه الله من علته ليكون منه النسل النبوي الشريف.

٤ ـ أوصاف الحسينعليه‌السلام وهيئته وجماله

١١٩ ـ أوصاف الحسينعليه‌السلام وهيئته :

(غصن الرسول : الحسين بن عليعليه‌السلام لفؤاد علي رضا ، ص ٣٤)

في كتاب (الشفا) للقاضي عياض من أحاديث عدة ، أن الحسينعليه‌السلام كان واسع الجبين ، كثّ اللحية تملأ صدره ، واسع الصدر ، عظيم المنكبين ، ضخم العظام ، عبل العضدين والذراعين والأسافل ، رحب الكفين والقدمين ، أنور المتجرد ، ربعة القد ، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد ، رجل الشعر ، متماسك البدن.

١٢٠ ـ صفة شعره ولحيته الشريفة وخضابه :

(المصدر السابق ص ٣٥)

روى ابن عساكر عن قال : رأيت الحسينعليه‌السلام وهو أسود الرأس واللحية إلا من شعرات ههنا في مقدّم لحيته ، فلا أدري بعد ذلك ، هل خضب أم ترك ، أو ما شاب منه غير ذلك.

وروى ابن كثير في (البداية والنهاية) ، (قال) قال سفيان : قلت لعبيد الله بن زياد:رأيت الحسين؟. قال : نعم ، أسود الرأس واللحية إلا شعرات ههنا في مقدّم لحيته ، فلا أدري أخضب وترك ذلك المكان تشبّها برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو لم يكن شاب منه غير ذلك.

وقال الذهبي في (سير أعلام النبلاء) ص ٢٩١ : وروى المطلب بن زياد عن السدي قال : رأيت الحسينعليه‌السلام وله جمّة خارجة من تحت عمامته (أخرجه الطبراني برقم ٢٧٩٦).

وعن الشعبي قال : رأيت الحسينعليه‌السلام يتختّم في شهر رمضان.

وفي (بحار الأنوار) للمجلسي ، ج ٤٥ ص ٨٤ ط ٣ : سأل رجل الحسينعليه‌السلام

١٧٠

وهو في قصر بني مقاتل : يا أبا عبد الله ، هذا الّذي أرى خضاب أو شعرك؟. فقال :خضاب ، والشيب إلينا بني هاشم يعجل.

وقال المفيد في (الإرشاد) : كانعليه‌السلام يخضب بالحناء والكتم(١) ، وقتل وقد نصل الخضاب من عارضيه(٢) .

١٢١ ـ جمال الحسينعليه‌السلام :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ١ ص ٥٩)

كان الحسينعليه‌السلام جيد البدن ، حسن القامة ، جميل الوجه ، صبيح المنظر ، نور جماله يغشى الأبصار ، وله مهابة عظيمة ، ويشرق منه النور بلحية مدوّرة ، قد خالطها الشيب. أدعج العينين (أي شديد سواد العين وبياضها مع سعة) ، أزجّ الحاجبين ، واضح الجبين ، أقنى الأنف (أي في أنفه ارتفاع في وسط القصبة مع ضيق في المنخرين).

وكان الحسنعليه‌السلام يشبه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من رأسه إلى صدره ، والحسينعليه‌السلام يشبه من صدره إلى رجليه.

وقال السيد محسن الأمين في (الأعيان) ج ٤ ص ٩٧ : ومما يدل على جمال الحسينعليه‌السلام ووضاءة وجهه وشبهه برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ما رواه البخاري في صحيحه في باب مناقب الحسن والحسينعليه‌السلام بسنده عن أنس بن مالك ، قال :أتى عبيد الله بن زياد برأس الحسينعليه‌السلام فجعل في طشت ، فجعل ينكت الرأس ، وقال في حسنه : ما رأيت مثل هذا حسنا. فقال أنس بن مالك : كان أشبههم برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . أي أشبه أهل البيت بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وروى ابن كثير وابن عساكر عن شهاب بن خراش ، أنه كان في صوت الحسينعليه‌السلام غنّة.

١٢٢ ـ نور وجههعليه‌السلام :

في (المنتخب) للطريحي ، أن الحسينعليه‌السلام كان إذا جلس في المكان المظلم

__________________

(١) الكتم : نبت يخلط بالحناء ، ويخضب به الشعر فيبقى لونه.

(٢) يقال : نصل الخضاب من اللحية ، إذا بانت أصولها ، بأن مضى عليها أكثر من ثلاثة أيام ، فهي سوداء وأصل الشعر أبيض.

١٧١

يهتدي إليه الناس ببياض جبينه ونحره ، كأن الذهب يجري في تراقيه. وإذا تكلم رؤي النور يخرج من بين ثناياه. ولم يكن يمرّ في طريق فتبعه أحد إلا عرف أنه سلكه ، لطيب رائحته.

وإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثيرا ما [كان] يقبّل الحسين بنحره وجبهته.

٥ ـ فضائل الحسينعليه‌السلام

١٢٣ ـ بعض فضائل الحسينعليه‌السلام :

فضائل الإمام الحسينعليه‌السلام لا يحدها عدّ ولا حصر ، بدءا من الحسب والنسب ، وانتهاء بالسعادة والشهادة. فجده سيد الكائنات محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمه فاطمة سيدة نساء العالمين ، وهو وأخوه سيدا شباب أهل الجنّة ، وهما مع جدهما وأبيهما وأمهما أصحاب الكساء ، الذين طهّرهم الله من كل رجس ، وفضّلهم على كل نفس ، فكانوا سادة الأمجاد ، وحجج الله على العباد.

يقول الشيخ عباس القمي في (نفس المهموم) : اعلم أن مناقب مولانا الحسينعليه‌السلام واضحة الظهور ، وسنا شرفه ومجده مشرق النور ، فله الرتبة العالية والمكانة السامية في كل الأمور. وكيف لا يكون كذلك ، وقد اكتنفه الشرف من جميع أكنافه ، وظهرت مخايل السؤدد على شمائله وأعطافه ، وكاد الجمال يقطر من نواحيه وأطرافه!.

١٢٤ ـ وصف الإمام الحجةعليه‌السلام للحسينعليه‌السلام في زيارة الناحية :

قال الحجة المهديعليه‌السلام في زيارة الناحية المقدسة ، معددا بعض مناقب الحسينعليه‌السلام : كنت للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولدا ، وللقرآن سندا ، وللأمة عضدا ، وفي الطاعة مجتهدا. حافظا للعهد والميثاق ، ناكبا عن سبل الفسّاق. باذلا للمجهود ، طويل الركوع والسجود. زاهدا في الدنيا زهد الراحل عنها ، ناظرا إليها بعين المستوحشين منها.

١٢٥ ـ فضائل مشتركة للحسينعليه‌السلام :

في (مناقب ابن شهراشوب) وغيره ، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الولد ريحانة ، وريحانتاي من الدنيا الحسن والحسينعليه‌السلام ».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة».

١٧٢

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهما : «ابناي هذان إمامان ، قاما أو قعدا».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهما : «هذان ابناي ، فمن أحبهما فقد أحبني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني».

وروى محمّد بن أبي عمير عن رجاله ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : قال الحسنعليه‌السلام لأصحابه : إن لله مدينتين ، إحداهما في المشرق اسمها (جابلقا) ، والأخرى في المغرب اسمها (جابرسا) ، فيهما خلق لله تعالى لم يهمّوا بمعصية له قط. والله ما فيهما حجة لله على خلقه غيري وغير أخي الحسينعليه‌السلام .

فضائل الحسينعليه‌السلام الخاصة

١٢٦ ـ ما علّمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ١٤٦)

قيل للحسينعليه‌السلام : ما سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. قال سمعته يقول :

«إن الله يحبّ معالي الأمور ، ويكره سفسافها». وعقلت عنه أنه يكبّر فأكبّر خلفه ، فإذا سمع تكبيري أعاد التكبير حتّى يكبّر سبعا. وعلّمني( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) (١) [الإخلاص : ١] ، وعلّمني الصلوات الخمس.

وسمعته يقول : «من يطع الله يرفعه ، ومن يعص الله يضعه ، ومن يخلص نيّته لله يزينه ، ومن يثق بما عند الله يغنه ، ومن يتعزز على الله يذلّه».

١٢٧ ـ حديث سلمان رضي الله عنه :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٢٦ ط نجف)

عن سليم بن قيس الهلالي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : دخلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإذا الحسينعليه‌السلام على فخذيه ، وهو يقبّل عينيه ويلثم فاه ، ويقول :«أنت سيّد ابن سيد أخو سيد ، وأنت إمام ابن إمام أخو إمام ، وأنت حجة ابن حجة أخو حجة ، وأنت أبو حجج تسعة من صلبك ، تاسعهم قائمهم».

١٢٨ ـ حديث ابن عباس رضي الله عنه :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٦)

روى الخوارزمي بإسناده عن ابن عباس قال : حضرت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند وفاته وهو يجود بنفسه ، وقد ضمّ الحسينعليه‌السلام إلى صدره ، وهو يقول :

١٧٣

«هذا من أطائب أرومتي ، وأبرار عترتي ، وخيار ذرّيتي ؛ لا بارك الله فيمن لم يحفظه من بعدي».

قال ابن عباس : ثم أغمي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ساعة ، ثم أفاق فقال :

«يا حسين ، إنّ لي ولقاتلك يوم القيامة مقاما بين يدي ربي وخصومة ، وقد طابت نفسي إذ جعلني الله خصما لمن قاتلك يوم القيامة».

١٢٩ ـ الحسينعليه‌السلام سبط من الأسباط :

(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢٢٣)

حدثنا الحسين بن عرفة عن يعلى بن مرة (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«حسين مني وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسينا. حسين سبط من الأسباط». أي أمّة من الأمم.

١٣٠ ـ حديث البراء بن عازب :

(قادتنا : كيف نعرفهم؟ ، ج ٦ ص ١٧)

روى محب الدين الطبري في (ذخائر العقبى ، ص ١٣٣) بإسناده عن البراء بن عازب (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسن أو للحسينعليهما‌السلام : «هذا مني وأنا منه ، وهذا يحرم عليه ما يحرم عليّ».

١٣١ ـ حديث جابر بن عبد الله :

(المصدر السابق)

روى جابر بن عبد الله الأنصاري قال : من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة ، فلينظر إلى الحسين بن عليعليهما‌السلام ، فإني سمعت ذلك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١٣٢ ـ أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء :

وفي (القمقام) قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أحبّ أن ينظر إلى أحب أهل الأرض إلى أهل السماء ، فلينظر إلى الحسينعليه‌السلام . إنما الحسينعليه‌السلام باب من أبواب الجنّة ، من عانده حرّم الله عليه ريح الجنّة».

فكيف بمن قتله وسفك دمه وسلب أثوابه وأوطأ الخيل صدره؟!.

١٧٤

١٣٣ ـ الحسينعليه‌السلام باب من أبواب الجنّة :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٤٥)

وروى الخوارزمي بإسناده عن عبد الله (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«بي أنذرتم ، ثم بعلي بن أبي طالب اهتديتم ، وقرأ( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) [الرعد : ٧] ، وبالحسن أعطيتم الإحسان ، وبالحسين تسعدون ، وبه تشقون.

ألا وإن الحسينعليه‌السلام باب من أبواب الجنّة ، من عانده حرّم الله عليه رائحة الجنّة».

١٣٤ ـ حديث أبي بن كعب :

في (البحار) عن أبي بن كعب ، قال : دخل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسينعليه‌السلام فقال له : مرحبا بك يا أبا عبد الله ، يا زين السموات والأرضين!. فقال أبّي : وكيف يكون يا رسول الله زين السموات والأرضين أحد غيرك؟. فقال :

«يا أبيّ ، والذي بعثني بالحق نبيا ، إن الحسين بن عليعليهما‌السلام في السماء أكبر منه في الأرضين ، وإنه لمكتوب على يمين العرش :

الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة»

وفي رواية الشيخ الصدوق :

(مصباح هدى وسفينة نجاة ، وإمام غير وهن ، وعزّ وفخر ، وعلم وذخر. وإن اللهعزوجل مركّب في صلبه نطفة مباركة طيبة زكية ، خلقت من قبل أن يكون مخلوق في الأرحام ، أو يجري ماء في الأصلاب ، أو يكون ليل أو نهار).

ثم أخذ بيده ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أيها الناس ، هذا الحسين بن علي فاعرفوه وفضّلوه كما فضّله الله ، فو الذي نفسي بيده إنه لفي الجنّة ، ومحبّيه في الجنّة ، ومحبّي محبّيه في الجنّة».

١٣٥ ـ عوّض الله الحسينعليه‌السلام عن قتله بأربع خصال :

عن حميد بن مسلم ، قال : سمعت الباقر والصادقعليهما‌السلام يقولان : إن الله تعالى عوّض الحسينعليه‌السلام عن قتله ، أن جعل الإمامة في ذريته ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ، ولا تعدّ أيام زائريه جائيا وراجعا من عمره.

١٧٥

وسوف نشرح بعد قليل الخصلة الأولى (الإمامة من ذريته). أما فيما يتعلق (بفضل تربته) فنرجئ بحثه إلى آخر الموسوعة.

فضائل الحسينعليه‌السلام على لسان الصحابة

١٣٦ ـ كلام عبد الله بن عمر :

(قادتنا : كيف نعرفهم؟ ، ج ٦ ص ٢٤)

روى ابن حجر بإسناده عن العيزار بن حرب : بينا عبد الله بن عمر جالس في ظل الكعبة ، إذ رأى الحسينعليه‌السلام مقبلا ، فقال : هذا أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم.

١٣٧ ـ الحسينعليه‌السلام أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٢ ط نجف)

روى ابن الأثير بإسناده عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه ، قال : كنت في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حلقة فيها أبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمرو بن العاص ، فمرّ بنا الحسينعليه‌السلام فسلّم عليه القوم ، فسكت عبد الله بن عمرو ، حتّى إذا فرغوا رفع عبد الله بن عمرو صوته فقال : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. ثم أقبل على القوم فقال : ألا أخبركم بأحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء؟. قالوا : بلى. قال :هذا هو المقتفي (يقصد الحسين) ، والله ما كلمني بكلمة من ليالي صفين ، ولأن يرضى عني أحبّ إليّ من أن تكون لي حمر النّعم.

١٣٨ ـ حكم المحرم الّذي يقتل الذباب :

(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢٢٢)

روى البخاري من حديث شعبة ومهدي بن ميمون ، عن محمّد بن أبي يعقوب ، سمعت ابن أبي نعيم ، قال : سمعت عبد الله بن عمر ، وقد سأله رجل من أهل العراق عن المحرم يقتل الذباب؟. فقال : أهل العراق يسألون عن قتل الذباب ، وقد قتلوا ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«هما ريحانتاي من الدنيا».

١٧٦

وروى الترمذي عن عقبة بن مكرم ، عن وهب بن جرير ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي يعقوب ، نحوه : أن رجلا من أهل العراق سأل ابن عمر عن دم البعوض يصيب الثوب (أطاهر هو أم نجس؟). فقال ابن عمر : انظروا إلى أهل العراق يسألون عن دم البعوض ، وقد قتلوا ابن بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكر تمام الحديث ، ثم قال :

حسن صحيح.

١٣٩ ـ حكم دم البعوض في الصلاة :

(إسعاف الراغبين للصبان ص ١٩٣)

روى البخاري والترمذي وغيرهما عن ابن عمر ، أنه سأله رجل عن دم البعوض ، طاهر أم لا؟.(وفي رواية) أنه سأله عن المحرم بالحج يقتل الذباب ، ماذا يلزمه إذا قتله؟. فقال له : ممن أنت؟. فقال : من أهل العراق. فقال : انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض (وفي الرواية الثانية : عن قتل الذباب) مع حقارته ، وقد أفرطوا وقتلوا ابن نبيهم مع جلالته ، وقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «الحسنان ريحانتاي من الدنيا».

وفي رواية ابن الصباغ المالكي في (الفصول المهمة) ص ١٧٢ ط ٢ :والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «هما سيدا شباب أهل الجنّة».

رواية مشابهة عن الحسن البصري :

(الإتحاف بحب الأشراف ، ص ٧٢)

وسأل أهل الكوفة مرة الحسن البصري عن دم البعوض؟. فقال : تستحلون دم الحسينعليه‌السلام وتسألون عن دم البعوض؟. ما رأيت أجهل منكم!.

الإمام الحسينعليه‌السلام والقرآن

١٤٠ ـ التشابه بين الحسينعليه‌السلام والقرآن :

(الخصائص الحسينية ، ص ٢٠٣)

ألفّ الشيخ جعفر التستري كتابا فريدا في موضوعه ، جمع فيه كل الخصال التي اختص بها الحسينعليه‌السلام ، وسمّاه (الخصائص الحسينية) نقتطف منه هذه الفقرات.

١٧٧

قال الشيخ جعفر التستري :

* القرآن فيه البسملة مائة وأربعة عشر مكانا ، والحسينعليه‌السلام في بدنه جروح السيف مثل البسملة مائة وأربعة عشر.

* القرآن يقسّم إلى أربعة أقسام : طوال ومئين ومثاني ومفصّل(١) ، والحسينعليه‌السلام أربعة أقسام : رأس على الرمح مسافر ، وجسد في كربلا مطروح ، ودم على أجنحة الطيور وفي القارورة الخضراء عند الملك ، ومفصّل من صغار أعضاء أطراف الجسد متفرقة.

* القرآن سمّاه الله مباركا ، فقال :( هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ ) ، وقد سمّى الله الحسينعليه‌السلام في تسميته مباركا ، في وحيه للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا واسطة ، فيقول :

«بورك من مولود عليه صلواتي وبركاتي ورحمتي».

* القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين ، والحسينعليه‌السلام شفاء للأمراض الباطنة ، وتربته للأمراض الظاهرة ، وهو رحمة للمؤمنين ، أكثر فوزهم يكون به.

١٤١ ـ في الآيات النازلة في حق الحسينعليه‌السلام في القرآن :

(المصدر السابق ، ص ٢٠٨)

يقول الشيخ جعفر التستري :

١ ـ في بيان الحمل بهعليه‌السلام وولادته ، وهو قوله تعالى :( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) (١٥) [الأحقاف : ١٥].

__________________

(١) قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أعطيت السّبع الطوال مكان التوراة ، والمئين مكان الإنجيل ، والمثاني مكان الزبور ، وفضّلت بالمفصّل». وإليك بيان ذلك :

السبع الطوال : من البقرة إلى التوبة. المئين : بعد السبع الطوال ، وهي سبع سور تحوي كل واحدة مائة آية أو يزيد قليلا أو يقلّ ، وهي : بنو إسرائيل ـ الكهف ـ مريم ـ طه ـ الأنبياء ـ الحج ـ المؤمنون. المثاني : السور بعد المئين. المفصّل : السور القصار بعد الحواميم إلى آخر القرآن. وذكر وجه التسمية لها بالمفصل ، أن هذه السور قصيرة ، ولذلك كثر الفصل بينها بالتسمية.

١٧٨

ومن الثابت أن الّذي ولد لستة أشهر ، فكان حمله ورضاعه ثلاثون شهرا ، هو الحسينعليه‌السلام ويحيى بن زكرياعليه‌السلام .

يقول : فلو قال في الآية : (وأصلح لي ذريتي) لكانت ذريته كلهم أئمة ، ولكنه قال( وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ) [الأحقاف : ١٥] أي بعضهم ، وهم الأئمة الأطهار من نسل الحسينعليه‌السلام .

٢ ـ في بيان خروجه من المدينة ، وهو قوله تعالى :( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩)الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ ) (٤٠) [الحج : ٣٩ ـ ٤٠].

عن الإمام الصادقعليه‌السلام أن هذه الآية نزلت في عليعليه‌السلام وجعفر وحمزة ، وجرت في الحسينعليه‌السلام أيضا.

٣ ـ في قلة أنصاره ، وهو قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ) [النساء : ٧٧]. وفي هذا إشارة إلى ما عمل الحسنعليه‌السلام حين كفّ يده وصالح.( فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ ) [النساء : ٧٧] أي مع الحسين( إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ ) [النساء : ٧٧]. وهذا إشارة إلى وقت خروج القائمعليه‌السلام .

٤ ـ في مجمل بيان شهادته ومكانه وحالاتهعليه‌السلام ، وهي قوله تعالى :( كهيعص ) (١) [مريم : ١]. وسوف نتناول شرح هذه الآية في الفصل القادم.

٥ ـ فيما نودي من الله به عند قتلهعليه‌السلام ، وهي قوله تعالى :

( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧)ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨)فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩)وَادْخُلِي جَنَّتِي ) (٣٠) [الفجر : ٢٧ ـ ٣٠]. يقول الإمام الصادقعليه‌السلام : يعني الحسينعليه‌السلام ، فهو ذو النفس المطمئنة الراضية المرضيّة.

٦ ـ في طلب ثأره في الرجعة ، وهي قوله تعالى :( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً ) (٣٣) [الإسراء : ٣٣].فالحسينعليه‌السلام قتل مظلوما ، ووليه الّذي سيأخذ بثأره هو الحجة القائمعليه‌السلام .( فَلا يُسْرِفْ فِي ) [الإسراء : ٣٣] : أي لا يقتل إلا من شرك في قتله.

٧ ـ في الانتقام له يوم القيامة ، وهي قوله تعالى :( وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨)بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) (٩) [التكوير : ٨ ـ ٩]. عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنها نزلت في الحسينعليه‌السلام ،

١٧٩

لأن الحسينعليه‌السلام وعياله وأطفاله يوم عاشوراء قبل أن يستشهدوا أحاط بهم الأعداء وعزلوهم عن العالم وضيّقوا عليهم الخناق ، ومنعوهم من كل مقوّمات الحياة ، فهم كالموؤودة في التراب.

والمقصود( الْمَوْؤُدَةُ ) (٨) [التكوير : ٨] : ولاية أهل البيتعليهم‌السلام التي وأدها المسلمون في كربلاء ، بدون ذنب جنته. فيسألون عنها يوم القيامة ، بأي ذنب قتلوها؟!.

وفي (مناقب ابن شهراشوب) ج ٣ ص ٢٣٧ ط نجف :

عن الإمام الباقرعليه‌السلام في قوله تعالى :( وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ ) (٨) [التكوير : ٨] يقول : يسألكم عن الموؤودة التي أنزل عليكم فضلها ، مودة ذي القربى ، وحقّنا الواجب على الناس ، وحبّنا الواجب على الخلق. قتلوا مودتنا ، بأي ذنب قتلونا؟.

جملة من مناقب الإمام الحسينعليه‌السلام

سوف نسرد في هذه الفقرة باقة من مناقب الإمام الحسينعليه‌السلام ، وهي تشمل محبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له ، ثم عبادته وسخاءه ورأفته بالفقراء وإباءه للضيم وشجاعته.

يقول الشيخ أحمد فهمي محمّد في كتابه (ريحانة الرسول : الشهيد المظلوم) :وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شديد الحب للحسينعليه‌السلام لشوق فؤاده إلى الذرية من سلالته.

١٤٢ ـ شدة حب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسينعليه‌السلام :

(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ١٠٠)

قال ابن عباس : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحب الحسينعليه‌السلام ويحمله على كتفه ويقبّل شفتيه وثناياه.

ومرّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بيت فاطمةعليها‌السلام فسمع الحسينعليه‌السلام يبكي ، فقال : بنيّة سكّتيه ، ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني».

(أقول) : لم يستطع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يسمع بكاء الحسينعليه‌السلام من غاية شفقته عليه ، ليت شعري فما حاله ليلة الحادي عشر من المحرم ، حين وقف عليه فرآه مقطّع الرأس ، ومبضّعا بالسيوف والنبال والرماح ، وقد قطع الجمّال يديه!.

١٤٣ ـ أيهما أحبّ إلى النبي : الحسين أم علي؟ :

(معالي السبطين للشيخ محمّد مهدي الحائري ، ج ١ ص ٨٨)

في (تظلّم الزهراء) عن كتاب (منتخب آثار أمير المؤمنين) : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

قلبه إنّما هو شرّ ير كلّ يوم. فحزن الربّ أنّه عمل الإنسان في الأرض. وتأسّف في قلبه. فقال الربّ: أمحو عن وجه الأرض الإنسان الّذى خلقته. الإنسان مع بهائم ودبّابات وطيور السماء. لأنّى حزنت أنّى عملتهم. وأمّا نوح فوجد نعمة في عين الربّ.

هذه مواليد نوح. كان نوح رجلاً بارّاً كاملاً في أجياله - وسار نوح مع الله. وولد نوح ثلاثة بنين ساما وحاما ويافث. وفسدت الأرض أمام الله وامتلأت الأرض ظلما. ورأى الله الأرض فإذا هي قد فسدت. إذ كان كلّ بشر قد أفسد طريقه على الأرض.

فقال الله لنوح نهاية كلّ بشر قد أتت أمامى. لأنّ الأرض امتلأت ظلما منهم. فها أنا مهلكهم مع الأرض. اصنع لنفسك فلكا من خشب جفر، تجعل الفلك مساكن. وتطليه من داخل ومن خارج بالقار. وهكذا تصنعه. ثلاث مائة ذراع يكون طول الفلك وخمسين ذراعاً عرضه وثلاثين ذراعاً ارتفاعه. وتصنع كوّاً للفلك وتكمّله إلى حدّ ذراع من فوق. وتضع باب الفلك في جانبه. مساكن سفليّة ومتوسّطة وعلويّة تجعله. فها أنا آت بطوفان الماء على الأرض لاُهلك كلّ جسد فيه روح حياة من تحت السماء. كلّ ما في الأرض يموت. ولكن اُقيم عهدي معك. فتدخل الفلك أنت وبنوك امرأتك ونساء بنيك معك. ومن كلّ حىّ من كلّ ذى جسد اثنين من كلّ تدخل إلى الفلك لاستبقائها معك. تكون ذكرا واُنثى. من الطيور كأجناسها. ومن البهائم كأجناسها ومن كلّ دبّابات الأرض كأجناسها. اثنين من كلّ تدخل إليك لاستبقائها. وأنت فخذ لنفسك من كلّ طعام يؤكل واجمعه عندك. فيكون لك ولها طعاماً. ففعل نوح حسب كلّ ما أمره به الله. هكذا فعل.

وقال(١) الربّ لنوح: ادخل أنت وجميع بنيك إلى الفلك. لأنّى إيّاك

____________________

(١) الاصحاح السابع من سفر التكوين.

٢٦١

رأيت بارّا لدىّ في هذا الجيل. من جميع البهائم الطاهرة تأخذ معك سبعة سبعة ذكرا واُنثى. ومن البهائم الّتى ليست بطاهرة اثنين ذكر واُنثى. ومن طيور السماء أيضاً سبعة سبعة ذكرا واُنثى. لاستبقاء نسل على وجه كلّ الأرض. لأنّى بعد سبعة أيّام أيضاً أمطر على الأرض أربعين يوماً وأربعين ليلة. وأمحو عن وجه الأرض كلّ قائم عملته. ففعل نوح حسب كلّ ما أمره به الربّ.

ولمّا كان نوح ابن ستّمائة سنة صار طوفان الماء على الأرض. فدخل نوح وبنوه وامرأته ونساء بنيه معه إلى الفلك من وجه مياه الطوفان. ومن البهائم الطاهرة والبهائم الّتى ليست بطاهرة ومن الطيور وكلّ ما يدبّ على الأرض. دخل اثنان اثنان إلى نوح إلى الفلك ذكر واُنثى. كما أمر الله نوحاً.

وحدث بعد السبعة الأيّام أنّ مياه الطوفان صارت على الأرض. في سنة ستّمائة من حياة نوح في الشهر الثاني في اليوم السابع عشر من الشهر في ذلك اليوم انفجرت كلّ ينابيع الغمر العظيم وانفتحت طاقات السماء. وكان المطر على الأرض أربعين يوماً وأبعين ليلة. في ذلك اليوم عينه دخل نوح وسام وحام ويافث بنو نوح وامرأة نوح وثلاث نساء بنيه معهم إلى الفلك. هم وكلّ الوحوش كأجناسها وكلّ الدبّابات الّتى تدبّ على الأرض كأجناسها وكلّ الطيور كأجناسها كلّ عصفور ذى جناح. ودخل إلى نوح إلى الفلك اثنين اثنين من كلّ جسد فيه روح حياة. والداخلات دخلت ذكرا واُنثى من كلّ ذى جسد كما أمره الله. وأغلق الربّ عليه.

وكان الطوفان أربعين يوماً على الأرض. وتكاثرت المياه ورفعت الفلك فارتفع عن الأرض. وتعاظمت المياه كثيراً جدّاً على الأرض فكان الفلك يسير على وجه المياه. وتعاظمت المياه كثيراً جدّاً على الأرض فتغطّت جميع الجبال الشامخة الّتى تحت كلّ السماء. خمسة عشرة ذراعاً في الارتفاع تعاظمت المياه فتغطّت الجبال. فمات كلّ ذى جسد كان يدبّ على الأرض من الطيور والبهائم والوحوش وكلّ الزحّافات الّتى كانت تزحف على الأرض وجميع الناس. كلّ ما في أنفه نسمة روح حياة من كلّ ما في اليابسة مات. فمحا الله كلّ قائم كان على وجه الأرض. الناس

٢٦٢

والبهائم والدبّابات وطيور السماء فانمحت من الأرض. وتبقّى نوح والّذين معه في الفلك فقطّ. وتعاظمت المياه على الأرض مائة وخمسين يوماً.

ثم(١) ذكر الله نوحاً وكلّ الوحوش وكلّ البهائم الّتى معه في الفلك وأجاز الله ريحاً على الأرض فهدأت المياه. وانسدّت ينابيع الغمر وطاقات السماء فامتنع المطر من السماء. ورجعت المياه عن الأرض رجوعاً متوالياً وبعد مائة وخمسين يوماً نقصت المياه. واستقرّ الفلك في الشهر السابع في اليوم السابع عشر من الشهر على جبال أراراط. وكانت المياه تنقص نقصا متوالياً إلى الشهر العاشر وفي العاشر في أوّل الشهر ظهرت رؤس الجبال.

وحدث من بعد أربعين يوماً أنّ نوحاً فتح طاقة الفلك الّتى كان قد عملها. وأرسل الغراب فخرج متردّدا حتّى نشفت المياه عن الأرض. ثمّ أرسل الحمامة من عنده ليرى هل قلّت المياه عن وجه الأرض. فلم يجد الحمامة مقرّا لرجلها فرجعت إليه إلى الفلك لأنّ مياها كانت على وجه كلّ الأرض فمدّ يده وأخذها وأدخلها عنده إلى الفلك. فلبث أيضاً سبعة أيّام اُخر وعاد فأرسل الحمامة من الفلك. فأتت إليه الحمامة عند المساء وإذا ورقة زيتون خضراء في فمها فعلم نوح أنّ المياه قد قلّت عن الأرض. فلبث أيضاً سبعة أيّام اُخر فأرسل الحمامة فلم يعد يرجع إليه أيضاً.

وكان في السنة الواحدة والستّمائة في الشهر الأوّل في أوّل الشهر أنّ المياه نشفت عن الأرض فكشف نوح الغطاء عن الفلك ونظر فإذا وجه الأرض قد نشف. وفي الشهر الثاني في اليوم السابع والعشرين من الشهر جفّت الأرض.

وكلّم الله نوحاً قائلا. اخرج من الفلك أنت وامرأتك وبنوك ونساء بنيك معك. وكلّ الحيوانات الّتى معك من كلّ ذى جسد الطيور والبهائم وكلّ الدبّابات الّتى تدبّ على الأرض أخرجها معك ولتتوالد في الأرض وتثمر وتكثر على الأرض. فخرج نوح وبنوه وامرأته ونساء بنيه معه، وكلّ الحيوانات وكلّ

____________________

(١) الاصحاح الثامن من سفر التكوين.

٢٦٣

الدبّابات وكلّ الطيور كلّ ما يدبّ على الأرض كأنواعها خرجت من الفلك.

وبنى نوح مذبحا للربّ. وأخذ من كلّ البهائم الطاهرة ومن كلّ الطيور الطاهرة وأصعد محرّقات على المذبح. فتنسّم الربّ رائحة الرضا وقال الربّ في قلبه: لا أعود ألعن الأرض أيضاً من أجل الإنسان لأنّ تصوّر قلب الإنسان شرّير منذ حداثته ولا أعود أيضاً اُميت كلّ حىّ كما فعلت. مدّة كلّ أيّام الأرض زرع وحصاد وبرد وحرّ وصيف وشتاء ونهار وليل لا يزال.

وبارك الله(١) نوحاً وبنيه وقال لهم أثمروا واكثروا واملأوا الأرض ولتكن خشيتكم ورهبتكم على كلّ حيوانات الأرض وكلّ طيور السماء مع كلّ ما يدبّ على الأرض وكلّ أسماك البحر قد دفعت إلى أيديكم. كلّ دابّة حيّة تكون لكم طعاماً كالعشب الأخضر دفعت إليكم الجميع. غير أنّ لحما بجنابة دمه لا تأكلوه. وأطلب أنا دمكم لأنفسكم فقطّ من يد كلّ حيوان أطلبه ومن يد الإنسان أطلب نفس الإنسان من يد الإنسان أخيه. سافك دم الإنسان بالإنسان يسفك دمه لأنّ الله على صورته عمل الإنسان. فأثمروا أنتم واكثروا وتوالدوا في الأرض وتكاثروا فيها.

وكلّم الله نوحاً وبنيه معه قائلا. وها أنا مقيم ميثاقي معكم ومع نسلكم من بعدكم. ومع كلّ ذوات الأنفس الحيّة الّتى معكم الطيور والبهائم وكلّ وحوش الأرض الّتى معكم من جميع الخارجين من الفلك حتّى كلّ حيوان الأرض. اُقيم ميثاقي معكم فلا ينقرض كلّ ذى جسد أيضاً بمياه الطوفان ولا يكون أيضاً طوفان ليخرّب الأرض. وقال الله هذه علامة الميثاق الّذى أنا واضعه بينى وبينكم وبين كلّ ذوات الأنفس الحيّة الّتى معكم إلى أجيال الدهر. وضعت قوسى في السحاب فتكون علامة ميثاق بينى وبين الأرض.فيكون متى أنشر سحابا على الأرض وتظهر القوس في السحاب. أنّى أذكر ميثاقي الّذى بينى وبينكم وبين كلّ نفس حيّة في كلّ جسد فلا يكون أيضاً المياه طوفانا لتهلك كلّ ذى جسد. فمتى كانت القوس في السحاب أبصرها لاذكر ميثاقاً أبديّاً بين الله وبين كلّ نفس حيّة في كلّ جسد على

____________________

(١) الاصحاح التاسع من سفر التكوين.

٢٦٤

الأرض. وقال الله لنوح: هذه علامة الميثاق الّذى أنا أقمته بينى وبين كلّ ذى جسد على الأرض.

وكان بنو نوح الّذين خرجوا من الفلك ساما وحاما ويافث وحام هو ابوكنعان هؤلاء الثلاثة هم بنو نوح ومن هؤلاء تشعّبت كلّ الأرض.

وابتدأ نوح يكون فلّاحا وغرس كرما. وشرب من الخمر فسكر وتعرّى داخل خبائه. فأبصر حام أبوكنعان عورة أبيه وأخبر أخويه خارجا. فأخذ سام ويافث الرداء ووضعاه على أكتافهما ومشيا إلى الوراء وسترا عورة أبيهما ووجهاهما إلى الوراء فلم يبصرا عورة أبيهما.

فلمّا استيقظ نوح من خمره علم ما فعل به ابنه الصغير. فقال: ملعون كنعان عبد العبيد يكون لإخوته. وقال: مبارك الربّ إله سام وليكن كنعان عبداً لهم. ليفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام وليكن كنعان عبداً لهم.

وعاش نوح بعد الطوفان ثلاثماوة وخمسين سنة. فكانت كلّ أيّام نوح تسع ماءة وخمسين سنة ومات. انتهى ما قصدنا إيراده.

وهو - كما ترى - يخالف ما جاء في القرآن الكريم من وجوه:

منها: أنّه لم يذكر فيه حديث استثناء امرأة نوح بل صرّح بدخولها الفلك ونجاتها مع بعلها، وقد اعتذر عنه بعض: أنّ من الجائز أن يكون لنوح زوجان اُغرقت إحداهما ونجت الاُخرى.

ومنها: أنّه لم يذكر فيه ابن نوح الغريق وقد قصّه القرآن.

ومنها: أنّه لم يذكر فيه المؤمنون غير نوح وأهله بل اقتصر عليه وعلى بنيه وامرأته ونساء بنيه.

ومنها: أنّه ذكر فيه جملة عمر نوح تسعمائة وخمسين سنة، وظاهر الكتاب العزيز أنّها المدّة الّتى لبث فيها بين قومه يدعوهم إلى الله قبل الطوفان. قال تعالى:( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ) العنكبوت: ١٤.

٢٦٥

ومنها: ما ذكر فيه من حديث قوس قزح وقصّة إرسال الغراب والحمامة للاستخبار وخصوصيّات السفينة من عرضها وطولها وارتفاعها وطبقاتها الثلاث ومدّة الطوفان وارتفاع الماء وغير ذلك فهى خصوصيّات لم تذكر في القرآن الكريم وبعضها بعيد مستبعد كالميثاق بالقوس، وقد كثر الاقتصاص بمثل هذه المعاني في قصّة نوحعليه‌السلام في لسان الصحابة والتابعين، وأكثرها بالاسرائيليّات أشبه.

٥ - ما جاء في أمر الطوفان في أخبار الاُمم وأساطيرهم:

قال صاحب المنار في تفسيره: قد ورد في تواريخ الاُمم القديمة ذكر للطوفان منها الموافق لخبر سفر التكوين إلّا قليلا ومنها المخالف له إلّا قليلا.

وأقرب الروايات إليه رواية الكلدانيّين، وهم الّذين وقع الطوفان في بلادهم فقد نقل عنهم (برهوشع) و (يوسيفوس) أنّ (زيزستروس) رأى في الحلم بعد موت والده (اُوتيرت) أنّ المياه ستطغى وتغرق جميع البشر، وأمره ببناء سفينة يعتصم فيها هو وأهل بيته وخاصّة أصدقائه ففعل. وهو يوافق سفر التكوين في أنّه كان في الأرض جيل من الجبّارين طغوا فيها وأكثروا الفساد فعاقبهم الله بالطوفان.

وقد عثر بعض الإنجليز على ألواح من الآجر نقشت فيها هذه الرواية بالحروف المسماريّة في عصر آشور بانيبال من نحو ستّمائة وستّين سنة قبل ميلاد المسيح، وأنّها منقولة من كتابة قديمة من القرن السابع عشر قبل المسيح أو قبله فهى أقدم من سفر التكوين.

وروى اليونان خبرا عن الطوفان أورده أفلاطون وهو أنّ كهنة المصريّين قالوا لسولون - الحكيم اليونانىّ - أنّ السماء أرسلت طوفانا غيّر وجه الأرض فهلك البشر مراراً بطرق مختلفة فلم يبق للجيل الجديد شئ من آثار من قبله ومعارفهم.

وأورد (مانيتون) خبر طوفان حدث بعد هرمس الأوّل الّذى كان بعد ميناس الأوّل، وهذا أقدم من تاريخ التوراة أيضاً، وروى عن قدماء اليونان خبر طوفان عمّ الأرض كلّها إلّا (دوكاليون) وامرأته (بيرا) فقد نجوا منه.

وروى عن قدماء الفرس طوفان أغرق الله به الأرض بما انتشر فيها من الفساد و

٢٦٦

الشرور بفعل أهريمان إله الشرّ، وقالوا: إنّ هذا الطوفان فار أوّلا من تنّور العجوز (زول كوفه) إذ كانت تخبز خبزها فيه، ولكنّ المجوس أنكروا عموم الطوفان وقالوا: إنّه كان خاصّاً بإقليم العراق وانتهى إلى حدود كردستان.

وكذا قدماء الهنود يثبتون وقوع الطوفان سبع مرّات في شكل خرافيّ آخرها أنّ ملكهم نجا هو وامرأته في سفينة عظيمة أمره بصنعها إلهه فشنو وسدّها بالدسر حتّى استوت على جبل جيمافات - هملايا - ولكنّ البراهمة كالمجوس ينكرون وقوع طوفان عامّ أغرق الهند كلّها، وروى تعدّد الطوفان عن اليابان والصين وعن البرازيل والمكسيك وغيرهما، وكلّ هذه الروايات تتّفق في أنّ سبب ذلك عقاب الله للبشر بظلمهم وشرورهم. انتهى.

وقد(١) وقع في (أوستا) وهو كتاب المجوس المقدّس أنّ (أهورامزدا) أوحى إلى (إيما) (وتعتقد المجوس أنّه جمشيد الملك) أنّه سيقع طوفان يغرق الأرض، وأمره أن يبنى حائطا مرتفعا غايته يحفظ من في داخله من الغرق، وأن يجمع في داخله جماعة من الرجال والنساء صالحة للنسل، ويدخل فيه من كلّ جنس من أجناس الحيوان زوجين اثنين، ويبنى في داخل السور بيوتا وقبابا في طبقات مختلفة يسكنها الناس المجتمعون هناك ويأوى إليها الدوابّ والطيور، وأن يغرس في داخله ما ينفع في حياة الناس من الأشجار المثمرة، ويحرث ما يرتزق به الناس من الحبوب الكريمة فيحتفظ بذلك ما به حياة الدنيا وعمارتها.

وفي تاريخ الأدب الهندي(٢) في قصّة الطوفان: أنّه بينما كان (مانو) (هو ابن الإله عند الوثنيّين) يغسل يديه إذ جاءت في يده سمكة، وممّا اندهش به أنّ السمكة كلّمته وطلبت إنقاذها من الهلاك ووعدته جزاء عليه أنّها ستنقذ (مانو) في المستقبل من خطر عظيم، والخطر العظيم المحدق الّذى أنبأت به السمكة كان طوفاناً سيجرف جميع المخلوقات، وعلى ذلك حفظ (مانو) السمكة في المرتبان.

____________________

(١) ترجمة كتاب أوستا بالفرنسية المطبوعة بباريس.

(٢) على ما في قصص الأنبياء لعبد الوهاب النجار.

٢٦٧

فلمّا كبرت أخبرت (مانو) عن السنة الّتى سيأتي فيها الطوفان ثمّ أشارت على مانو أن يصنع سفينة كبيرة ويدخل فيها عند طوفان الماء قائلة: أنا اُنقذك من الطوفان، فمانو صنع السفينة والسمكة كبرت أكثر من سعة المرتبان لذلك ألقاها في البحر.

ثم جاء الطوفان كما أنبأت السمكة، وحين دخل (مانو) السفينة عامت السمكة إليه فربط السفينة بقرن على رأسها فجرّتها إلى الجبال الشماليّة، وهنا ربط مانو السفينة بشجرة، وعند ما تراجع الماء وجفّ بقى مانو وحده. انتهى.

٦ - هل كانت نبوّتهعليه‌السلام عامّة للبشر؟

مسألة اختلفت فيها آراء العلماء. فالمعروف عند الشيعة عموم رسالته، وقد ورد من طرق أهل البيتعليهم‌السلام ما يدلّ عليه، وعلى أنّ اُولى العزم من الأنبياء وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد (صلّى الله عليه وآله وعليهم) كانوا مبعوثين إلى الناس كافّة.

وأمّا أهل السنّة فمنهم من قال بعموم رسالته مستندا إلى ظاهر الآيات الناطقة بشمول الطوفان لأهل الأرض كلّهم كقوله:( رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ) نوح: ٢٦ وقوله:( لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ ) هود: ٤٣، وقوله:( وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ ) الصافّات: ٧٧، وما ورد في الصحيح من حديث الشفاعة أنّ نوحاً أوّل رسول أرسله الله إلى أهل الأرض ولازمه كونه مبعوثاً إليهم كافّة.

ومنهم من أنكر ذلك مستنداً إلى ما ورد في الصحيح عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وكان كلّ نبىّ يبعث إلى قومه خاصّة وبعثت إلى الناس كافّة) وأجابوا عن الآيات أنّها قابلة للتأويل فمن الجائز أن يكون المراد بالأرض هي الّتى كانوا يسكنونها وهى وطنهم كقول فرعون لموسى وهارون:( وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ ) يونس: ٧٨.

فمعنى الآية الاُولى: لا تذر على هذه الأرض من كافرى قومي ديارا، وكذا المراد بالثانية: لا عاصم اليوم لقومي من أمر الله، والمراد بالثالثة: وجعلنا ذرّيّته هم الباقين من قومه.

والحقّ أنّ البحث لم يستوف حقّه في كلامهم، والّذى ينبغى أن يقال: أنّ النبوّة إنّما ظهرت في المجتمع الإنسانيّ عن حاجة واقعيّة إليها ورابطة حقيقيّة بين

٢٦٨

الناس وبين ربّهم وهى تعتمد على حقيقة تكوينيّة لا اعتباريّة جزافيّة فإنّ من القوانين الحقيقيّة الحاكمة في نظام الكون ناموس تكميل الأنواع وهدايتها إلى غاياتها الوجوديّة، وقد قال تعالى:( الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ ) الأعلى: ٣، وقال:( الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ ) طه: ٥١.

فكلّ نوع من أنواع الكون متوجّه منذ أوّل تكوّنه إلى كمال وجوده وغاية خلقه الّذى فيه خيره وسعادته، والنوع الإنسانيّ أحد هذه الأنواع غير مستثنى من بينها فله كمال وسعادة يسير إليها ويتوجّه نحوها أفراده فرادى ومجتمعين.

ومن الضرورىّ عندنا أنّ هذا الكمال لا يتمّ للإنسان وحده لوفور حوائجه الحيويّة وكثرة الأعمال الّتى يجب أن يقوم بها لأجل رفعها فالعقل العمليّ الّذى يبعثه إلى الاستفادة من كلّ ما يمكنه الاستفادة منه واستخدام الجماد وأصناف النبات والحيوان في سبيل منافعه يبعثه إلى الانتفاع بأعمال غيره من بنى نوعه.

غير أنّ الأفراد أمثال وفي كلّ واحد منهم من العقل العمليّ والشعور الخاصّ الإنسانيّ ما في الآخر ويبعثه من الانتفاع إلى مثل ما يبعث إليه الآخر ما عنده من العقل العمليّ، واضطرّهم ذلك إلى الاجتماع التعاونيّ بأن يعمل الكلّ للكلّ وينتفع من عمل الغير بمثل ما ينتفع الغير من عمله فيتسخّر كلّ لغيره بمقدار ما يسخّره كما قال تعالى:( نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ) الزخرف: ٣٢.

وهذا الّذى ذكرناه من بناء الإنسان على الاجتماع التعاونيّ اضطرارىّ له ألزمه عليه حاجة الحياة وقوّة الرقباء فهو في الحقيقة مدنىّ تعاونيّ بالطبع الثانيّ وإلّا فطبعه الأوّلىّ أن ينتفع بكلّ ما يتيسّر له الانتفاع حتّى أعمال أبناء نوعه، ولذلك مهما قوى الإنسان واستغنى واستضعف غيره عدا عليه واُخذ يسترقّ الناس ويستثمرهم من غير عوض قال تعالى:( إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) إبراهيم: ٣٤ وقال:( إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ ) العلق: ٨.

ومن الضرورىّ أنّ الاجتماع التعاونيّ بين الأفراد لا يتمّ إلّا بقوانين يحكم

٢٦٩

فيها وحفّاظ تقوم بها، وهذا ممّا استمرّت سيرة النوع عليه فما من مجتمع من المجتمعات الإنسانيّة كاملاً كان أو ناقصاً، راقياً كان أو منحطّاً إلّا ويجرى فيه رسوم وسنن جرياناً كليّاً أو أكثريّاً ، التاريخ والتجربة والمشاهدة أعدل شاهد في تصديقه وهذه الرسوم والسنن وإن شئت فسمّها القوانين هي موادّ وقضايا فكريّة تطبّق عليها أعمال الناس تطبيقاً كلّيّاً أو أكثريّاً في المجتمع فينتج سعادتهم حقيقة أو ظنّاً فهى اُمور متخلّلة بين كمال الإنسان ونقصه، وأشياء متوسّطة بين الإنسان وهو في أوّل نشأته وبينه وهو مستكمل في حياته عائش في مجتمعه تهدى الإنسان إلى غاية وجوده فافهم ذلك.

وقد علم أنّ من الواجب في عناية الله أن يهدى الإنسان إلى سعادة حياته وكمال وجوده على حدّ ما يهدى سائر الأنواع إليه فكما هداه بواجب عنايته من طريق الخلقة والفطرة إلى ما فيه خيره وسعادته وهو الّذى يبعثها إليه نظام الكون والجهازات الّتى جهّز بها إلى أن يشعر بما فيه نفعه ويميّز خيره من شرّه وسعادته من شقائه كما قال تعالى:( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ) الشمس: ١٠.

يهديه بواجب عنايته إلى اُصول وقوانين اعتقاديّة وعمليّة يتمّ له بتطبيق شؤون حياته عليها كماله وسعاته فإنّ العناية الإلهيّة بتكميل الأنواع بما يناسب نوع وجودها توجب هذا النوع من الهداية كما توجب الهداية التكوينيّة المحضة.

ولا يكفى في ذلك ما جهّز به الإنسان من العقل - وهو ههنا العمليّ منه - فإنّ العقل كما سمعت يبعث نحو الاستخدام ويدعو إلى الاختلاف، ومن المحال أن يفعل شئ من القوى الفعّالة فعلين متقابلين ويفيد أثرين متناقضين، على أنّ المتخلّفين من هذه القوانين والمجرمين بأنواع الجرائم المفسدة للمجتمع كلّهم عقلاء ممتّعون بمتاع العقل مجهّزون به.

فظهر أنّ هناك طريقا آخر لتعليم الإنسان شريعة الحقّ ومنهج الكمال والسعادة غير طريق التفكّر والتعقّل وهو طريق الوحى، وهو نوع تكليم إلهىّ يعلّم

٢٧٠

الإنسان مايفوز بالعمل به والاعتقاد له في حياته الدنيويّة والاُخرويّة.

فإن قلت: الأمر سواء فإنّ شرع النبوّة لم يأت بأزيد ممّا لو كان العقل لأتى به فإنّ العالم الإنسانيّ لم يخضع لشرائع الأنبياء كما لم يصغ إلى نداء العقل، ولم يقدر الوحى أن يدير المجتمع الإنسانيّ ويركّبه صراط الحقّ فما هي الحاجة إليه؟

قلت: لهذا البحث جهتان: جهة أنّ العناية الإلهيّة من واجبها أن تهدى المجتمع الإنسانيّ إلى تعاليم تسعده وتكمّله لو عمل بها وهى الهداية بالوحى ولا يكفى فيها العقل، وجهة أنّ الواقع في الخارج والمتحقّق بالفعل ما هو؟ وإنّما نبحث في المقام من الجهة الاُولى دون الثانية، ولا يضرّ بها أنّ هذه الطريقة لم تجر بين الناس إلى هذه الغاية إلّا قليلا. وذلك كما أنّ العناية الإلهيّة تهدى انواع النبات والحيوان إلى كمال خلقها وغاية وجودها ومع ذلك يسقط أكثر أفراد كلّ نوع دون الوصول إلى غايته النوعيّة ويفسد ويموت قبل البلوغ إلى عمره الطبيعيّ.

وبالجملة فطريق النبوّة ممّا لا مناص منه في تربية النوع بالنظر إلى العناية الإلهيّة وإلّا لم تتمّ الحجّة بمجرّد العقل لأنّ له شغلاً غير الشغل وهو دعوة الإنسان إلى ما فيه صلاح نفسه، ولو دعاه إلى شئ من صلاح النوع فإنّما يدعوه إليه بما فيه صلاح نفسه فأفهم ذلك وأحسن التدبّر في قوله تعالى:( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) النساء: ١٦٥.

فمن الواجب في العناية أن ينزّل الله على المجتمع الإنسانيّ دينا يدينون به وشريعة يأخذون بها في حياتهم الاجتماعيّة دون أن يخصّ بها قوماً ويترك الآخرين سدى لا عناية بهم، ولازمه الضرورىّ أن يكون أوّل شريعة نزلت عليهم شريعة عامّة.

وقد أخبر الله سبحانه عن هذه الشريعة بقوله عزّ من قائل:( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً

٢٧١

وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ) البقرة: ٢١٣، فبيّن أنّ الناس كانوا أوّل ما نشأوا وتكاثروا على فطرة ساذجة لا يظهر فيهم أثر الاختلافات والمنازعات الحيويّة ثمّ ظهر فيهم الاختلافات فبعث الله الأنبياء بشريعة وكتاب يحكم بينهم بالحقّ فيما اختلفوا فيه، ويحسم مادّة الخصومة والنزاع.

ثمّ قال تعالى فيما امتنّ به على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ) الشورى: ١٣. ومقام الامتنان يقضى بأنّ الشرائع الإلهيّة المنزلة على البشر هي هذه الّتى ذكرت لا غير، وأوّل ما ذكر من الشريعة هي شريعة نوح، ولو لم يكن عامّة للبشر كلّهم وخاصّة في زمنهعليه‌السلام لكان هناك إمّا نبىّ آخر ذو شريعة اُخرى لغير قوم نوح ولم يذكر في الآية ولا في موضع آخر من كلامه تعالى، وإمّا إهمال سائر الناس غير قومهعليه‌السلام في زمنه وبعده إلى حين.

فقد بان أنّ نبوّة نوحعليه‌السلام كانت عامّة، وأنّ له كتاباً وهو المشتمل على شريعته الرافعة للاختلاف، وأنّ كتابه أوّل الكتب السماويّة المشتملة على الشريعة، وأنّ قوله تعالى في الآية السابقة( وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ) هو كتابه أو كتابه وكتاب غيره من اُولى العزم: إبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد (صلّى الله عليه وآله وعليهم).

وظهر أيضاً أنّ ما يدلّ من الروايات على عدم عموم دعوتهعليه‌السلام مخالف للكتاب وفي حديث الرضاعليه‌السلام أنّ اُولى العزم من الأنبياء خمسة لكلّ منهم شريعة وكتاب ونبوّتهم عامّة لجميع من سواهم نبيّا أو غير نبىّ، وقد تقدّم الحديث في ذيل قوله تعالى:( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ) البقرة ٢١٣، في الجزء الثاني من الكتاب.

٧ - هل الطوفان كانت عامّة لجميع الأرض؟ تبيّن الجواب عن هذا السؤال في الفصل السابق فإنّ عموم دعوتهعليه‌السلام يقضى بعموم العذاب ، وهو نعم القرينة على أنّ المراد بسائر الآيات الدالّة بظاهرها على العموم ذلك كقوله تعالى حكاية عن نوح

٢٧٢

عليه‌السلام :( رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ) نوح: ٢٦، وقوله حكاية عنه:( لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ ) هود: ٤٣، وقوله: و( وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ ) الصافّات: ٧٧.

ومن الشواهد من كلامه تعالى على عموم الطوفان ما ذكر في موضعين من كلامه تعالى أنّه أمر نوحاً أن يحمل من كلّ زوجين اثنين فمن الواضح أنّه لو كان الطوفان خاصّاً بصقع من أصقاع الأرض وناحية من نواحيها كالعراق - كما قيل - لم يكن أيّ حاجة إلى أن يحمل في السفينة من كلّ جنس من أجناس الحيوان زوجين اثنين. وهو ظاهر.

واختار بعضهم كون الطوفان خاصّاً بأرض قوم نوحعليه‌السلام قال صاحب المنار في تفسيره: أمّا قوله في نوحعليه‌السلام بعد ذكر تنجيته وأهله:( وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ ) فالحصر فيهم يجوز أن يكون إضافيّاً أي الباقين دون غيرهم من قومه، وأمّا قوله:( وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ) فليس نصّاً في أنّ المراد بالأرض هذه الكرة كلّها فإنّ المعروف من كلام الأنبياء والأقوام وفي أخبارهم أن تذكر الأرض ويراد بها أرضهم ووطنهم كقوله تعالى حكاية عن خطاب فرعون لموسى وهارون:( وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ ) يعنى أرض مصر، وقوله:( وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا ) فالمراد بها مكّة، وقوله:( وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ ) والمراد بها الأرض الّتى كانت وطنهم، والشواهد عليه كثيرة.

ولكن ظواهر الآيات تدلّ بمعونة القرائن والتقاليد الموروثة عن أهل الكتاب على أنّه لم يكن في الأرض كلّها في زمن نوح إلّا قومه وأنّهم هلكوا كلّهم بالطوفان ولم يبق بعده فيها غير ذرّيّته، وهذا يقتضى أن يكون الطوفان في البقعة الّتى كانوا فيها من الأرض سهلها وجبلها لا في الأرض كلّها إلّا إذا كانت اليابسة منها في ذلك الزمن صغيرة لقرب العهد بالتكوين وبوجود البشر عليها فإنّ علماء التكوين وطبقات الأرض - الجيولوجيّة - يقولون إنّ الأرض كانت عند انفصالها من الشمس

٢٧٣

كرة ناريّة ملتهبة ثمّ صارت كرة مائيّة ثمّ ظهرت فيها اليابسة بالتدريج.

ثمّ أشار إلى ما استدلّ به بعض أهل النظر على عموم الطوفان لجميع الأرض من أنّا نجد بعض الأصداف والأسماك المتحجّرة في أعالي الجبال وهذه الأشياء ممّا لا تتكوّن إلّا في البحر فظهورها في رؤس الجبال دليل على أنّ الماء قد صعد إليها مرّة من المرّات، ولن يكون ذلك حتّى يكون قد عمّ الأرض هذا.

وردّ عليه بأنّ وجود الأصداف والحيوانات البحريّة في قلل الجبال لا يدلّ على أنّه من أثر ذلك الطوفان بل الأقرب أنّه من أثر تكون الجبال وغيرها من اليابسة في الماء كما قلنا آنفاً فإنّ صعود الماء إلى الجبال أيّاماً معدودة لا يكفى لحدوث ما ذكر فيها.

ثمّ قال ما ملخّصه: أنّ هذه المسائل التاريخيّة ليست من مقاصد القرآن ولذلك لم يبيّنها بنصّ قطعيّ فنحن نقول بما تقدّم إنّه ظاهر النصوص ولا نتّخذه عقيده دينيّة قطعيّة فإن أثبت علم الجيولوجيّة خلافه لا يضرّنا لأنّه لا ينقض نصّاً قطعيّاً عندنا. انتهى.

أقول: أمّا ما ذكره من تأويل الآيات فهو من تقييد الكلام من غير دليل، وأمّا قوله في ردّ قولهم بوجود الأصداف والأسماك في قلل الجبال: إنّ صعود الماء إليها في أيّام معدودة لا يكفى في حدوثها ! ففيه أنّ من الجائز أن تحملها أمواج الطوفان العظيمة إليها ثمّ تبقى عليها بعد النشف فإنّ ذلك من طوفان يغمر الجبال الشامخة في أيّام معدودة غير عزيز.

وبعد ذلك كلّه قد فاته ما ينصّ عليه الآيات أنّهعليه‌السلام اُمر أن يحمل من كلّ جنس من أجناس الحيوان زوجين اثنين فإنّ ذلك كالنصّ في أنّ الطوفان عمّ البقاع اليابسة من الأرض جميعاً أو معظمها الّذى هو بمنزلة الجميع.

فالحقّ أنّ ظاهر القرآن الكريم - ظهوراً لا ينكر - أنّ الطوفان كان عامّا للأرض، وأنّ من كان عليها من البشر اُغرقوا جميعاً، ولم يقم لهذا الحين حجّة قطعيّة تصرّفها عن هذا الظهور.

٢٧٤

وقد كنت سألت صديقى الفاضل الدكتور سحابيّ المحترم اُستاذ الجيولوجيا بكلّيّة طهران أن يفيدني بما يرشد إليه الأبحاث الجيولوجيّة في أمر هذا الطوفان العامّ إن كان فيها ما يؤيّد ذلك على وجه كلّىّ فأجابني بإيفاد مقال محصّله ما يأتي مفصّلا في فصول:

١ - الأراضي الرسوبيّة: تطلق الأراضي الرسوبيّة في الجيولوجيا على الطبقات الأرضيّة الّتى كوّنتها رسوبات المياه الجارية على سطح الأرض كالبطائح والمسيلات الّتى غطّتها الرمال ودقاق الحصى.

نعرف الأراضي الرسوبيّة بما تراكم فيها من الرمال ودقاق الحصى الكرويّة المدوّرة فإنّها كانت في الأصل قطعات من الحجارة حادّة الأطراف والزوايا حوّلتها إلى هذه الحالة الاصطكاكات الواقعة بينها في المياه الجارية والسيول العظيمة ثمّ إنّ الماء حملها وبسطها على الأرض في غايات قريبة أو بعيدة بالرسوب.

وليست تنحصر الأراضي الرسوبيّة في البطائح فغالب الأراضي الترابيّة من هذا القبيل تخالطها أو تكوّنها رمال بالغة في الدقّة، وقد حملها لدقّتها وخفّتها إليها جريان المياه والسيول.

نجد الأراضي الرسوبيّة وقد غطّتها طبقات مختلفة من الرمل والتراب بعضها فوق بعض من غير ترتيب ونظم، وذلك - أوّلا - أمارة أنّ تلك الطبقات لم تتكوّن في زمان واحد بعينه - وثانياً - أنّ مسير المياه والسيول أو شدّة جريانها قد تغيّر بحسب اختلاف الأزمنة.

ويتّضح بذلك أنّ الأراضي الرسوبيّة كانت مجارى ومسايل في الأزمنة السابقة لمياه وسيول هامّة وإن كانت اليوم في معزل من ذلك.

وهذه الأراضي الّتى تحكى عن جريان مياه كثيرة جدّاً وسيلان سيول هائلة عظيمة توجد في أغلب مناطق الأرض منها أغلب نقاط إيران كأراضي طهران وقزوين وسمنان وسبزوار ويزد وتبريز وكرمان وشيراز وغيرها، ومنها مركز بين النهرين وجنوبه، وما وراء النهر، وصحراء الشام، والهند، وجنوب فرنسا، وشرقيّ

٢٧٥

الصين، ومصر، وأكثر قطعات إمريكا، وتبلغ صخامة الطبقة الرسوبيّة في بعض الأماكن إلى مآت الأمتار كما أنّها في أرض طهران تجاوز أربعمائة مترا.

وينتج ممّا مرّ أوّلا: أنّ سطح الأرض في عهد ليس بذاك البعيد (على ما سيأتي توضيحه) كان مجرى سيول هائلة عظيمة ربّما غطّت معظم بقاعها.

وثانياً: أنّ الطغيان والطوفان - بالنظر إلى ضخامة القشر الرسوبيّ في بعض الأماكن - لم يحدث مرّة واحدة ولا في سنة أو سنين معدودة بل دام أو تكرّر في مآت من السنين كلّما حدث مرّة كون طبقة رسوبيّة ثمّ إذا انقطع غطّتها طبقة ترابيّة ثمّ إذا عاد كوّن اُخرى وهكذا وكذلك اختلاف الطبقات الرسوبيّة في دقّة رمالها وعدمها يدلّ على اختلاف السيلان بالشدّة والضعف.

٢ - الطبقات الرسوبيّة أحدث القشور والطبقات الجيولوجيّة: ترسب الطبقات الرسوبيّة عادة رسوباً اُفقيّاً ولكن ربّما وقعت أجزاؤها المتراكمة تحت ضغطات جانبيّة قويّة شديدة على ما بها من الدفع من فوق ومن تحت فتخرج بذلك تدريجاً عن الاُفقيّة إلى التدوير والالتواء، وهذا غير ظاهر الأثر في الأزمنة القصيرة المحدودة لكن إذا تمادى الزمان بطوله كمرور الملايين من السنين ظهر الأثر وتكوّنت بذلك الجبال بسلاسلها الملتوية بعض تلالها في بعض وترتفع بقللها من سطوح البحار.

ويستنتج من ذلك أنّ الطبقات الرسوبيّة والقشور الاُفقيّة الباقية على حالها من أحدث الطبقات المتكوّنة على البسيط، والدلائل الفنّيّة الموجودة تدلّ على أنّ عمرها لا يجاوز عشرة آلاف إلى خمس عشرة ألف سنة من زماننا هذا(١) .

٣ - انبساط البحار واتساعها بانحدار المياه إليها . كان تكوّن القشور الرسوبيّة الجديدة عاملاً في انبساط أكثر بحار الكرة واتّساعها بأطرافها فارتفعت

____________________

(١) ويستثنى من ذلك بعض ما في أطراف بالّتيك وسائر المناطق الشماليّة من طبقات رسوبيّة اُفقيّة باقية على حالها من أقدم العهود الجيولوجيّة لجهات مذكورة في محلّها.

٢٧٦

مياهها وغطّت أكثر سواحلها، وعملت جزائر في السواحل أحاطت بها من معظم جوانبها.

فمن ذلك جزيرة بريطانيّة انقطعت في هذا الحين من فرنسا وانفصلت من اُوربه بالكلّيّة، وكانت اُوربه من ناحية جنوبها وإفريقا من ناحية شمالها مرتبطتين برابط برّىّ إلى هذا الحين فانفصلتا باتّساع البحر المتوسّط (مديترانه) وتكوّن بذلك شبه جزيرة إيطاليا وشبه جزيرة تونس من شمالها الشرقيّ وجزائر صقلية وسردينيا وغيرها وكانت جزائر أندنيسيا من ناحية جاوا وسوماترا إلى جنوبىّ جزيرة اليابان متّصلة بآسيا من جهة الجنوب الشرقيّ إلى هذا الحين فانفصلت وتحوّلت إلى صورتها الفعليّة، وكذا انقطاع إمريكا الشماليّة من جهة شمالها عن شمال اُوربه أحد الآثار الباقية من هذا العهد عهد الطوفان.

وللحركات والتحوّلات الأرضيّة الداخليّة آثار قويّة في سير هذه المياه واستقرارها في البقاع الخافضة المنحدرة ولذلك كان ينكشف الماء عن بعض البقاع الساحليّة المغمورة بماء البحار في حين كان الطوفان مستوليا على أكثر البسيط يكوّن بحيرات ويوسّع بحارا، ومن هذا الباب سواحل خوزستان الجنوبيّة انكشف عنها ماء الخليج(١) .

٤ - العوامل المؤثّرة في إزدياد المياه وغزارة عملها في عهد الطوفان . الشواهد الجيولوجيّة الّتى أشرنا إلى بعضها تؤيّد أنّ النزولات الجوّيّة كانت غير عاديّة في أوائل الدور الحاضر من أدوار الحياة الإنسانيّة وهو عهد الطوفان، وقد كان ذلك عن تغيّرات جوّيّة هامّة خارقة للعادة قطعاً.

فكان الهواء حارّاً في هذه الدورة نسبة لكن كان ذلك مسبوقا ببرد شديد وقد غطّى معظم النصف الشماليّ من الكرة الثلج والجمد والجليد فمن المحتمل قويّاً أنّ المتراكم من جمد الدورة السابقة عليه كان باقيا لم يذب بعد في النجود في أكثر بقاع المنطقة المعتدلة الشماليّة.

____________________

(١) وقد كانت مدينة شوش وقصر الكرخة في زمن الملوك الهخامنشيّة بإيران على ساحل البحر وكانت السفن الشرعيّة الجارية في خليج فارس تلقى مراسيها امام القصر.

٢٧٧

فعمل الحرارة في سطح الأرض في دورتين متواليتين على ما به من متراكم الجمد والجليد يوجب تغيّراً شديداً في الجوّ وانقلاباً عظيماً مؤثّراً في ارتفاع بخار الماء إليه وتراكمه فيه تراكماً هائلاً غير عادىّ وتعقّبه نزولات شديدة وأمطار غزيرة غير معهودة.

نزول هذه الأمطار الغزيرة الهاطلة ثمّ استدامتها النزول على الارتفاعات والنجود وخاصّة على سلاسل الجبال الجديدة الحدوث في جنوب آسيا ومغربها وجنوب اُوربه وشمال إفريقا كجبال(١) ألبرز وهيماليا وآلب وفي مغرب إمريكا عقّب جريان سيول عظيمة هائلة عليها تنحت الصخور وتحفر الأرض وتقلع أحجاراً وتحملها إلى الأراضي والبقاع المنحدرة وتحدث أودية جديدة وتعمّق اُخرى قديمة وتوسّعها ثمّ تبسط ما تحمله من الحجارة والحصى والرمل تجاهها قشورا رسوبيّة جديدة.

وممّا كان يمدّ الطوفان السماويّ في شدّة عمله يزيد حجم السيول الجارية أنّ حفر الأودية الجديدة كان يكشف عن ذخائر مائيّة في بطن الأرض هي منابع الآبار والعيون الجارية فيزيل القشور الحافظة لها المانعة من سيلانها فيفجّر العيون ويجريها مع السيول المطريّة، ويزيد في قوّة تخريبها ويعينها في إغراق ما على الأرض من سهل وجبل وغمره.

غير أنّ الذخائر الأرضيّة متناهية محدودة تنفد بالسيلان وبنفادها وإمساك السماء عن الإمطار ينقضى الطوفان وتنحدر المياه إلى البحار والأرضي المنخفضة وإلى بعض الخلاء والسرب الموجود في داخل الأرض الّذى أفرغته السيول بالتفجير والمصّ.

٥ - نتيجة البحث . وعلى ما قدّمناه من البحث الكلّىّ يمكن أن ينطبق ما قصّه الله تعالى من خصوصيّات الطوفان الواقع في زمن نوحعليه‌السلام كقوله تعالى:

____________________

(١) فهى أقل عمرا من سائر جبال الأرض لم تعمر أكثر من مليونى سنة ولذلك كانت أشهق جبال الأرض وأعلى قللا من غيرها لقلة ما ورد عليها من أسباب النحت كالا مطار والرياح.

٢٧٨

( ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجّرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر) القمر: ١٢، وقوله:( حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ ) هود: ٤٠، وقوله:( وقيل يا أرض ابلعى ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضى الأمر) هود: ٤٤. انتهى.

وممّا يناسب هذا المقام ما نشره بعض جرائد(١) طهران في هذه الأيّام وملخّصه: أنّ جماعة من رجال العلم من إمريكا بهداية من بعض رجال الجند التركيّ عثروا في بعض قلل جبل آراراط في شرقيّ تركيا في مرتفع ١٤٠٠ قدم على قطعات أخشاب يعطى القياس أنّها قطعات متلاشية من سفينة قديمة وقعت هناك تبلغ بعض هذه القطعات من القدمة ٢٥٠٠ قبل الميلاد.

والقياس يعطى أنّها قطعات من سفينة يعادل حجمه ثلثى حجم مركب (كوئين مارى) الإنجليزيّة الّتى طولها ١٠١٩ قدما وعرضها ١١٨ قدما، وقد حملت الأخشاب إلى سانفرانسيسكو لتحقيق أمرها وأنّها هل تقبل الانطباق على ما تعتقده أرباب النحل من سفينة نوح؟عليه‌السلام .

٦ - عمره عليه‌السلام الطويل : القرآن الكريم يدلّ على أنّهعليه‌السلام عمّر طويلا، وأنّه دعا قومه ألف سنة إلّا خمسين عاما يدعوهم إلى الله سبحانه، وقد استبعده بعض الباحثين لما أنّ الأعمار الإنسانيّة لا تتجاوز في الأغلب المائة أو المائة والعشرين سنة حتّى ذكر بعضهم أنّ القدماء كانوا يعدّون كلّ شهر من الشهور سنة فالألف سنة إلّا خمسين عاما يعدل ثمانين سنة إلّا عشرة شهور. وهو بعيد غايته.

وذكر بعضهم أنّ طول عمرهعليه‌السلام كان كرامة له خارقة للعادة، قال الثعلبيّ في قصص الأنبياء في خصائصهعليه‌السلام : وكان أطول الأنبياء عمرا وقيل له أكبر الأنبياء وشيخ المرسلين، وجعل معجزته في نفسه لأنّه عمّر ألف سنة ولم ينقص له سنّ ولم تنقص له قوّة. انتهى.

____________________

(١) جريدة كيهان المنتشرة أوّل سبتامبر ١٩٦٢ المطابق لغرة ربيع الاول ١٣٨٢ الهجرية القمرية عن لندن. آسوشتيدبرس.

٢٧٩

والحقّ أنّه لم يقم حتّى الآن دليل على امتناع أن يعمّر الإنسان مثل هذه الأعمار بل الأقرب في الاعتبار أن يعمّر البشر الأوّلىّ بأزيد من الأعمار الطبيعيّة اليوم بكثير لما كان لهم من بساطة العيش وقلّة الهموم وقلّة الأمراض المسلّطة علينا اليوم وغير ذلك من الأسباب الهادمة للحياة، ونحن كلّما وجدنا معمّرا عمّر مائة وعشرين إلى مائة وستّين وجدناه بسيط العيش قليل الهمّ ساذج الفهم فليس من البعيد أن يرتقى بعض الأعمار في السابقين إلى مآت من السنين.

على أنّ الاعتراض على كتاب الله في مثل عمر نوحعليه‌السلام وهو يذكر من معجزات الأنبياء الخارقة للعادة شيئاً كثيراً لعجيب. وقد تقدّم كلام في المعجزة في الجزء الأوّل من الكتاب.

٧ - أين هو جبل الجودى : ذكروا أنّه بديار بكر من موصل في جبال تتّصل بجبال أرمينيّة، وقد سمّاه في التوراة أراراط. قال قى القاموس: و الجودىّ جبل بالجزيرة استوت عليه سفينة نوحعليه‌السلام ، ويسمّى في التوراة (أراراط) انتهى، وقال في مراصد الاطّلاع: الجودىّ مشدّدة جبل مطلّ على جزيرة ابن عمر في شرقيّ دجلة من أعمال الموصل استوت عليه سفينة نوح لمّا نضب الماء.

٨ - ربّما قيل : هب إنّه أغرق قوم نوح بذنبهم فما هو ذنب سائر الحيوان الّذى على الأرض حيث هلكت بطاغية المياه؟ وهذا من أسقط الاعتراض فما كلّ هلاك ولو كان عامّا عقوبة وانتقاماً، والحوادث العامّة الّتى تهلك الاُلوف ثمّ الاُلوف مثل الزلازل والطوفانات والوباء والطاعون كثير الوقوع في الدهر، ولله فيما يقضى حكم.

( كلام في عبادة الأصنام في فصول)

١ - الإنسان واطمئنانه إلى الحسّ : الإنسان يجرى في حياته الاجتماعيّة على اعتبار قانون العلّيّة والمعلوليّة الكلّىّ وسائر القوانين الكلّيّة الّتى أخذها من هذا النظام العامّ المشهود، وهو على خلاف ما نشاهده من أعمال سائر الحيوان و

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735