موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 8%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 452261 / تحميل: 5265
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

أنّه كان على خط التوحيد وعلى دين آبائه، نقل المؤرّخون: إنّ عبد الله بن عبد المطّلب أقبل من الشام في عِيرٍ لقريش فنزل بالمدينة وهو مريض، فأقام بها حتّى توفّي ودفن في دار النابغة في الدار الصغرى إذا دخلت الدار عن يسارك، وليس بين أصحابنا فيه اختلاف(١) .

وقد ماترضي‌الله‌عنه والنبي جنين في بطن أُمّه.

وأمّا والدته فهي « آمنة بنت وهب » خرجت مع النبي وهو ابن خمس أو ستّ سنين ونزلت بالمدينة تزور أخوال جدّه، وهم بنو عدي بن النجار، ومعها أُمُّ أيمن فأقامت عندهم، ولـمـّا خافت على ولدها من اليهود خرجت من المدينة، فلمّا وصلت إلى الأبواء توفّيت ودفنت فيها(٢) .

وبذلك ولد النبي يتيماً وعاش يتيماً وإليه يشير قوله سبحانه ويقول:

( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ ) ؟ ( الضحى / ٦ ).

ولعلّ الحكمة في تولّده ونشوئه يتيماً أحد الأُمور التالية أو جميعها:

أ ـ إنّ هذا الطفل سيلقى عليه في مستقبل حياته قولاً ثقيلاً كما يقول سبحانه:

( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ) ( المزمّل / ٥ ).

وأيّ قول أثقل من هداية الأُمّة الأُمّيّة إلى معالم السعادة، ولا يقوم بهذا العبء الثقيل إلّا الأمثل فالأمثل من الشخصيات التي ملأ روحها الصمود والثبات، ولا تحصل تلك الحالة إلّا بعد تذوّق مرارة الدهور ومآسي الأيّام حتّى يقع في بوتقة الأحداث ويخرج مؤهّلاً لحمل عبء الرسالة وهداية النّاس، وقد صار كزبر الحديد، عركته المحن، وحنَّكته التجارب.

ب ـ ولد يتيماً ونشأ يتيماً حتّى يقف على الوضع المأساوي السائد على الأيتام

__________________

(١) تاريخ الطبري: ج ١ ص ٨.

(٢) الاتحاف للبشراوي: ص ١٤٤، سيرة زيني دحلان، بهامش السيرة الحلبية: ج ١ ص ٥٧.

٦١

في عامّة الأجيال، ولأجل ذلك يترتّب على قوله:( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ ) قوله:( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ) .

ج ـ ما روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام : « إنّ الله عزّ وجلّ أيْتَمَ نَبِيَّه لِئَلاّ يكون لأحدٍ عَلَيْهَ طَاعَة »(١) .

وروي عن الإمام الرضاعليه‌السلام أنّه قال: « لئلاّ يجب عليه حق لمخلوق »(٢) .

نعم ربّما يفسّر اليتيم في الآية الكريمة بالوحيد كما يقال الدرّة اليتيمة ولكنّه لا يناسب قوله:( فَآوَىٰ ) كما أنّه لا يناسب مع ما رتّب عليه من عدم قهر اليتيم.

٢ ـ الهداية بعد الضلالة

الضلالة ضد الهداية فماذا يراد من الضلالة في الآية ؟

هل يراد أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان في فترة من عمره مضطرب العقائد، منحرف السلوك، ولم يكن على طريق واضح مطمئن ثم هداه الله بالأمر الذي أوحى به إليه ؟ أو أنّ المراد من الضلالة، وهو الضلالة الذاتية التي تعمّ كُلّ الموجودات الحيّة من النبات والحيوان والإنسان، لولا هداية الله تبارك وتعالى التي اُشير إليها في قوله سبحانه:

( الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ ) ( طه / ٥٠ ). وقال:( وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ ) ( الأعلى / ٣ ).

والنبات بما هو موجود ممكن، ضالّ لا يهدي إلى طريق إلّا بهداية الله تبارك وتعالى، وكذلك الحشرات والحيوانات، فالنحل بوحي منه سبحانه يسلك سبيل الكمال، كما أنّ الحيوان بهداية منه سبحانه يقف على طريق الحياة، والإنسان بما

__________________

(١) علل الشرايع: ج ١ ص ١٣١.

(٢) عيون أخبار الرضا: ص ٢١٠.

٦٢

أنّه ممكن ضالّ فاقد للهداية، وإنّما يعرف طرق السعادة بهداية منه سبحانه، وعلى ذلك فالآية تشير إلى الضلالة الذاتية التي هي من لوزام وجود الإنسان الممكن ولا يمكن تحديد ذلك بوقت دون وقت، بل الإنسان منذ أن خرج من بطن أُمّه يُولَد ضالاًّ، والله سبحانه في الآية المتقدّمة يشير إلى ذاك النوع من الضلالة.

ويؤيّده أنّ مدار البحث في الآيات ما يرجع إلى أيّام طفوليته وصباه فتفسيرها بالضلالة بمعنى الحيرة في العقيدة، وضلال الشعاب التي تتبلور في أيام الشباب وما بعده بعيد عن سياق الآيات ويخالف ما هو المعلوم من حال النبي انّه كان موحّداً مؤمناً منذ طفولته إلى شبابه إلى أن أوحى الله إليه سبحانه.

إنّ الضلالة تطلق على معنيين يجمعهما فقد الهداية:

الأول: هيئة نفسانيّة تحيط بالقلب فيكفر بالله سبحانه، وآياته، وبيّناته، وأنبيائه، ورسله، أو ببعض منها، فالضلالة في الكفّار والمنافقين من هذا القسم، فهم منحرفون في التصوّرات والعقائد، منحرفون في السلوك والأوضاع.

الثاني: فقد الهداية مع كونه لائقاً بها غير أنّه يكون باب الهداية مسدوداً في وجهه كما هو الحال في الأطفال والأحداث فهؤلاء في أوان حياتهم يفقدون الهداية لولا أنّ الله سبحانه يريهم الطريق من طرق الفطرة وهداية العقل ثمّ الشرع.

فالنبي كان ضالاًّ بهذا المعنى أي كان يفقد الهداية الذاتية وإنّما هداه الله سبحانه منذ أن تعلّقت مشيئته بهدايته، وربّما يذكر مبدأها الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام في بعض كلماته وقال: « ولقد قرن الله من لدن إن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم ليلاً ونهاراً »(١) .

فوزان قوله تعالى:( وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَىٰ ) وزان قوله سبحانه:( الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ ) وقوله:( إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إلّاالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا

__________________

(١) نهج البلاغة الخطبة ١١٧ ( طبع عبده ).

٦٣

الصَّالِحَاتِ ) ( العصر / ٢ و ٣ ).

فليس الخسران في الآية أمراً وجوديّاً مثل الخسران الموجود في الكافر والمنافق فإنّ الخسران فيهما ينقلب إلى أمر وجودي وهيئة ظلمانيّة في النفس والروح، بل المراد هو عدم الهداية الذاتية لغرض إنّ كلّ إنسان ممكن، وكلّ ممكن غير واجد لشيء من صميم ذاته، وإنّما يجد ما يجد من جانبه سبحانه.

نعم، لو عاش وصار شابّاً وكهلاً وأنكر آيات الله، ودلائل وجوده، وأنبيائه، ورسله، فعند ذلك يتبدّل الخسران بمعنى فقد الهداية إلى هيئة ظلمانيّة تحدق بالقلب وتظلمه. فالضلالة بالمعنى الأوّل تقارن وجود الإنسان منذ أن يفتح عينه على الحياة، وبالمعنى الثاني تكون مكتسبة.

فتحصل من هذا البحث: انّ الآية لاتمت بحيرة العقيدة، وضلال الشعاب في فترة من العمر حتّى يستدل بها عليه كونه كافراً قبل البعثة أو في برهة من حياته، ويحقّق هذا المعنى ويثبّته بوضوح انّ السورة بموضوعها وتعبيرها تعكس لمسة من حنان، ونسمة من رحمة، وطائف من ودّ، وكلّها تسلية وترويج وتطمين للنبي، وانّه سبحانه قام بأمر حياته وهدايته من أوان يتمه وفقده لأبيه، وهذا يجر إلى القول بأنّه ناظر إلى الهداية أوان الحياة بعد طروء اليتم عليه، وعندئذ فالضلالة تعتبر أمراً عدميّاً لا أمراً وجوديّاً.

٣ ـ الإغناء بعد العيلولة

يذكر سبحانه من مننه الكبرى على النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله انّه كان فقيراً فأغناه الله تعالى بالكسب.

روى ابن هشام: كانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم إيّاه بشيء تجعله لهم، فكانت قريش قوماً تجّاراً فلمّا بلغها عن رسول الله ما بلغها من صدق حديثه، وعظم أمانته، وكرم أخلاقه بعثت

٦٤

إليه فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجراً وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجّار مع غلام لها يقال له « ميسرة »، فقبله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منها وخرج في مالها ذلك، وخرج معها غلامها « ميسرة » حتّى قدم الشام، ثمّ باع رسول الله سلعته التي خرج بها واشترى ما أراد أن يشتري(١) .

ويظهر ممّا رواه أبو الحسن البكري في كتاب الأنوار، أنّ عمّة أبا طالب هو الذي أرشده إلى هذا الأمر وأنّه قال لابن أخيه: إنّ هذه خديجة بنت خويلد قد انتفع بمالها أكثر النّاس، وهي تعطي مالها سائر من يسألها التجارة ويسافرون، فهل لك يا ابن أخي أن تمضي معي إليها، ونسألها أن تعطيك مالاً تتّجر فيه ؟ فقال: نعم(٢) .

وقد صرّح أبو طالب في خطبته خديجة لابن أخيه بأنّه عائل مُقلّ، فقال: هذا محمّد بن عبد الله لا يوازن برجل من قريش إلّا رجّح عليه، ولا يقاس بأحد منهم إلّا عظم عنه، وإن كان في المال مقلاًّ، فانّ المال ورق حائل، وظلّ زائل(٣) ، وهذا يعرب وقت الإغناء، وانّه تحقّق بعد الاتّجار بمال خديجة.

فهذه الآيات الثلاث تعرب عن الودّ، والحبّ، والرحمة والإيناس التي عمّ النبي في أوان حياته والكل ظاهر من خلال الآيات الثلاث:

( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ *وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَىٰ *وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَىٰ )

٤ ـ تسميته بمحمّد وأحمد

إنّ القرآن الكريم يتفنّن في توصيف النبي وذكره بل في تسميته والإيماء إليه.

فتارة يشير إليه بإحدى الصفات العامّة الشاملة لكل إنسان كما في قوله

__________________

(١) السيرة النبوية لابن هشام: ج ١ ص ١٩٩.

(٢) بحار الأنوار: ج ١٦ ص ٢٢.

(٣) المصدر نفسه: ص ٦ نقلاً من مناقب ابن شهر آشوب: ج ١ ص ٢٦.

٦٥

سبحانه:( فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ ) ( النجم / ١٠ ).

وفي إضافة العبد إلى نفسه إلماع إلى تكريمه وتقرّبه منه.

وأُخرى يخاطبه بالألقاب الخاصّة بأنبيائه ورسله فيقول:( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ) أو( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ ) .

وثالثة يخصّه بإسميه اللّذين يدعى بهما في الإسلام أعني « محمداً » و « أحمد ».

أمّا الأول فقد جاء في مواضع أربعة من القرآن:

١ ـ( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ) ( الأحزاب / ٤٠ ).

٢ ـ( وَمَا مُحَمَّدٌ إلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ) ( آل عمران / ١٤٤ ).

٣ ـ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ ) ( محمد / ٢ ).

٤ ـ( مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) ( الفتح / ٢٩ ).

وأمّا الثاني فقد جاء في موضع واحد حيث يقول سبحانه:

( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ) ( الصف / ٦ ).

وليس الرسول بدعاً من بين الرسل في كونه ذا اسمين، فقد سبقه في ذلك ثلّة من الأنبياء كيوشع بن نون وهو ذو الكفل في القرآن، ويعقوب بن إسحاق وهو إسرائيل، ويونس وهو ذو النون في القرآن، وعيسى وهو المسيح.

ويظهر من الروايات المتضافرة انّ اسمهُ في السماء أحمد، فقد جاء نفر من اليهود إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ممّا سألوه انّه لم سمّيت محمداً

٦٦

وأحمد و ...، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أمّا محمّد فإنّي محمود في الأرض، وأمّا أحمد فإنّي محمود في السماء(١) .

والمراد من السماء عالم الوحي ويؤيّده ما دلّت عليه آية الصف من تبشير المسيح بمعنى نبيّ اسمه أحمد.

« أحمد » من أسمائهصلى‌الله‌عليه‌وآله

لا ريب في أنّ أحمد أحد أسمائه المعروفة ولا يتردّد في تسميته به من له تتبّع في سيرته وتاريخ حياته، وهذا أبو طالب شيخ الأباطح يذكره في أشعاره بهذا الإسم.

قال أبو طالب:

أَلا إنّ خير الناس نفساً ووالداً

إذا عدّ سادات البريّة أحمد(٢)

وقال ابن هشام: ولـمـّا خشى أبو طالب دهماء العرب أن يركبوه مع قومه، قال قصيدته التي تعوّذ فيها بحرم مكّة وبمكانه منها، وتودّد أشراف قومه، وهو على ذلك يخبرهم وغيرهم في ذلك من أنّه غير مسلّم رسول الله ولا تاركه بشيء أبداً حتّى يهلك دونه، ومن تلك القصيدة قوله:

لعمري لقد كلّفت وجداً بأحمد

وأحببته حبّ الحبيب المواصل

فلا زال في الدّنيا جمالاً لأهلها

وزيناً لمن والاه ربّ المشاكل

فأصبح فينا أحمد في أرومة

تقصّر عنها سورة المتطاول

وقال « حسان بن ثابت » شاعر عهد الرسالة في رثاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :

__________________

(١) علل الشرايع: ص ٥٣.

(٢) ديوان أبي طالب: ص ١٣.

٦٧

مفجعة قد سفّها فقد أحمد

فظلّت لآلاء الرسول تعدد

أطالت وقوفاً تذرف العين جحده

على طلل القبر الذي فيه أحمد(١)

إلى غير ذلك من القصائد التي طفحت باسمهصلى‌الله‌عليه‌وآله « أحمد » وقد أوعزنا إلى جملة منها في « مفاهيم القرآن »(٢) .

٥ ـ تبشير المسيح بنبيٍّ باسم « أحمد »

أخبر القرآن الكريم بأنّ المسيح يوم بعث إلى بني إسرائيل بشّر بالنبي الخاتم باسمه أحمد وقال:

( وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ )

ثمّ إنّ رجال الكنائس أمام هذه البشارة على قولين:

تارة يقولون: إنّ المسيح بشّر برسول يأتي من بعده اسمه أحمد وهذا لا ينطبق على نبي الإسلام، فإنّ اسمه محمّد بنص القران واتّفاق المسلمين.

وأُخرى ينكرون أصل وجود البشارة في الأناجيل، وإنّه لم يرد أيّ تبشير بهذا.

والوجه الأوّل من السقوط والردائة بمرحلة لا يستحقّ الجواب، فقد عرفت أنّ القرآن كما أسماه محمّداً سمّاه أحمد، وايضاً كما عرفت انّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يدعى منذ نعومة أظفاره بكلا الاسمين وقد أطراه الشعراء وفي مقدّمتهم عمّه البارّ في قصائدهم واسموه بأحمد(٣) .

والمهم هو القول الثاني، ولكن إنكاره لجاج وعناد، وهنا نذكر مورداً واحداً:

__________________

(١) السيرة النبويّة: ج ١ ص ٢٧٢.

(٢) السيرة النبوية: ج ٢ ص ٦٦٧ و ٦٦٩.

(٣) مفاهيم القرآن: ج ٣ ص ٥٥٠ ـ ٥٥٦.

٦٨

قد وردت هذه البشارة في أبواب إنجيل يوحنّا ونحن ننقلها عن التراجم العربية المطبوعة عام ١٨٢١ م وسنة ١٨٣١ م وسنة ١٨٤٤ م في مدينة « لندن » فالباب الرابع عشر من إنجيل يوحنّا يتضمّن العبارات التالية:

١ ـ «إنْ كُنْتُم تُحِبُّونِي فَاحفَظُوا وَصَايَاي » (١٥).

٢ ـ «واَنَا اَطْلبُ مِنَ الأبِ فيعطيكم فارقليط آخر ليثبت معُكمْ إلى الأبد » (١٦).

٣ ـ «روح الحَقّ الَّذي لَنْ يطيق العالم أن يقبله لأنّه ليس يراه ولا يعرفه وأنتم تعرفونه لأنّه مقيم عندكم وهو ثابت فيكم » (١٧).

٤ ـ «والفارقليط، روح القدس، الذي يرسله الأب بإسمي هو يعلّمكم كل شيء وهو يذكّركم كلّما قلته لكم » (٢٦).

٥ ـ «والآن قد قلت لكم قبل أن يكون حتى إذا كان تؤمنون » (٣٠).

وفي الباب الخامس عشر من إنجيل يوحنّا هكذا:

١ ـ «إذا جاء الفارقليط الذي أرسله أنا إليكم من الأب، روح الحقّ الذي من الأب ينبثق هو يشهد لأجلي » (٢٦).

٢ ـ «وأنتم تشهدون لأنّكم معي من الإبتداء » (٢٧).

وفي الباب السادس عشر من انجيل يوحنّا جاءت العبارات التالية:

١ ـ «لكنّي أقول لكم الحق انّه خير لكم أن أنطلق لأنّي إن لم أنطلق لم يأتكم الفارقليط فأمّا إن انطلقت أرسلته إليكم » (٧).

٢ ـ «فاذا جاء ذلك فهو يوبّخ العالم على خطيّة وعلى برّ وعلى حكم » (٨).

٣ ـ «أمّا على الخطية فلأنّهم لم يؤمنوا بي » (٩).

٤ ـ «وامّا على البر فلانّي منطلق إلى الأب ولستم تروني بعد » (١٠).

٦٩

٥ ـ «وأمّا على الحكم فإنّ اركون (١) هذا العالم قددين » (١١).

٦ ـ «وانّ لي كلاماً كثيراً أقوله لكم ولكنّكم لستم تطيقون حمله الآن » (١٢).

٧ ـ «واذا جاء روح الحق ذاك فهو يعلّمكم جميع الحق لأنّه ليس ينطق من عنده بل يتكلّم بكل ما يسمع ويخبركم بما سيأتي » (١٣).

٨ ـ «وهو يمجّدني لأنّه يأخذ ممّا هو لي ويخبركم » (١٤).

٩ ـ «جميع ما هو للأب فهو لي فمن أجل هذا قلت إنّ ممّا هو لي يأخذ ويخبركم » (١٥).

قبل تبيين الإستدلال على دلالة هذه الجمل على البشارة بأحمد، نقدّم ذكر أمرين.

١ ـ أجمع المؤرّخون على أنّ الأناجيل الثلاثة غير « متّي » كتبت من أوّل يومها باللّغة اليونانيّة، وأمّا إنجيل متّي فكان عبرياً من أوّل إنشائه، وعلى هذا فالمسيح بشّر بما بشر ـ في إنجيل يوحنّا ـ باللّغة العبرية، وإنّما نقله إلى اليونانيّة كاتب الإنجيل الرابع يوحنّا وكان عليه التحفّظ على اللفظ الذي تكلّم به المسيح في مورد المبشّر به، لأنّ القاعدة الصحيحة عدم تغيير الاعلام والإتيان بنصّها الأصلي لاترجمة معناه، ولكن « يوحنّا » لم يراجع هذا الأصل وترجمه إلى اليونانيّة، فضاع لفظه الأصلي الذي تكلّم به المسيح وبقيت ترجمته، فاللفظ العبراني الذي قاله عيسىعليه‌السلام مفقود، واللفظ اليوناني الموجود ترجمة.

وفي غبّ ذلك حصل الإختلاف في المراد منه، ثمّ مترجموا العربية عرّبوا اللّفظ اليوناني ب‍ « فارقليط ».

وأمّا اللفظ اليوناني الذي وضعه الكاتب يوحنّا مكان اللفظ العبري، فهو مردّد بين كونه « باراكلي طوس » الذي هو بمعنى المـُعزّي والمسلِّي والمعين والوكيل، أو « بيركلوطوس » الذي هو بمعنى المحمود الذي يرادف أحمد، ولأجل تقارب

__________________

(١) وفي الترجمة المطبوعة في بيروت « رئيس هذا العالم ».

٧٠

الكلمتين في الكتابة، والتلفّظ، والسماع، حصل التردّد في المبشّر به، ومفسّروا إنجيل يوحنّا يصرّون على الأوّل، وادعوا أنّ المراد منه هو روح القدس وانّه نزل على الحواريين في اليوم الخمسين بعد فقد المسيح كما ذكر في كتاب « أعمال الرسل »(١) .

وإليك نصّه: « لـمّا حضر يوم الخمسين ( بعد عروج المسيح أو صلبه على زعمهم ) كان الجميع معها بنفس واحدة، وصار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة ملأ كل البيت، حيث كانوا جالسين وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنّها من نار، واستقرّت على كل واحد منهم، وامتلأ الجميع من روح القدس وابتدؤا يتكلّمون بالسنة اُخرى، كما أعطاهم الروح أن ينطقوا ».

ولكن القرائن المفيدة للقطع واليقين تفيد أنّ المراد منه هو الأوّل، وأنّ المسيح بصدد التبشير عن ظهور نبي في مستقبل الأيّام واليك بيان هذه القرائن:

١ ـ إنّ المسيح قال: « إن كنتم تحبّوني فاحفظوا وصاياي وأنا أطلب من الأب فيعطيكم فارقليط آخر ».

إنّ هذا الخطاب يناسب أن يكون المبشّر به نبيّاً من الأنبياء، إذ لو كان « فارقليط » عبارة عن الروح النازل يوم الدار لما كان هناك حاجة إلى هذا التأكيد، لأنّ تأثيره في القلوب تأثير تكويني ـ كما عرفت من النّص ـ لا يمكن لأحد التخلّف عنه ولا يبقى في القلوب معه شك، وهذا بخلاف تأثير النبي فإنّه يؤثّر ببيانه وكلامه في القلوب، وهو يختلف حسب اختلاف طبائع المخالفين واستعدادهم، ولأجل ذلك أصرّ على الإيمان به في بعض جمله وهو:

« والآن قد قلت لكم قبل أن يكون حتى إذا كان تؤمنون به ».

وقد عرفت ممّا نقلناه من كتاب أعمال الرسل انّ تأثير روح القدس كان تأثيراً تكوينيّاً غير خاضع لإرادة الإنسان.

__________________

(١) أعمال الرسل، الإصحاح الثاني: الجمل١ ـ ٤.

٧١

٢ ـ إنّه وصف المبشّر به بلفظ « آخر » وهذا لا يناسب كون المبشّر به روح القدس لعدم تعدّده واتّحاده بالأب والابن اتّحاداً حقيقيّاً، فلا يقال في حقّه « فارقليط » آخر، بخلاف الأنبياء فإنّهم يجيئون واحداً بعد الآخر في فترة بعد فترة.

٣ ـ إنّ المسيح قال: « هو يذكّركم كلّما قلته لكم ».

إنّ من البعيد نسيان الحواريين تعاليم المسيح في مدة لا تزيد على خمسين يوماً حتى يذكّرهم روح القدس، وهذا بخلاف ما إذا قلنا بأنّ المراد هو النبي الخاتم الذي ظهر بعد مضي قرون ستّة، وقد لعبت الأهواء بتعاليم الأنبياء وحرّفت الكنائس والرهبان ما جاء به المسيحعليه‌السلام .

٤ ـ إنّ المسيح قال: « هو يشهد لأجلي » فلو كان المراد هو نزول الروح يوم الدار بعد خمسين يوماً كانت هذه الشهادة لغواً لعدم حاجة التلاميذ إلى شهادته لأنّهم كانوا يعرفون المسيح حق المعرفة، والمنكرون للمسيح لم تحضرهم تلك الروح، وهذا بخلاف ما إذا اُريد منه النبي المبشّربه فإنّ نبيّنا شهد للمسيح وصدّقه ونزّهه عن ادعاء الالوهيّة كما أبرأ اُمّه من تهمة الزنا، وهذا واضح لمن تدبّر آيات الذكر الحكيم.

٥ ـ إنّ المسيح قال: « إن لم أنطلق، لم يأتكم الفارقليط، فأمّا إن انطلقت أرسلته إليكم ».

فعلّق مجيئه بذهاب نفسه مع أنّ مجيء الروح غير معلّق على ذهاب المسيح بشهادة أنّه ئنزل على الحواريين في حضور المسيح، لـمّا أرسلهم إلى الأطراف والأكناف فنزوله ليس مشروط بذهابه، فلابد أن يكون المراد منه شخص يكون مجيئه موقوفاً على ذهاب المسيح كما هو الحال في النبي الخاتم لأنّه جاء بعد ذهاب المسيح، وكان مجيئه موقوفاً على ذهابه لأنّ وجود رسولين ذوي شريعتين مستقلّتين في زمان واحد غير جائز، بخلاف ما إذا كان الآخر متبعاً لشريعة الأوّل أو يكون كل من الرسل متبعاً لشريعة واحدة فيجوز في هذه الصورة وجود اثنين أو أكثر في زمان

٧٢

واحد ومكان واحد كما ثبت وجودهم بين زمان « الكليم » و « المسيح ».

٦ ـ قال المسيح: « إنّه يوبّخ العالم ».

وهذا لا ينطبق إلّا على نبي الإسلام لأنّه وبّخ العالم من المشركين واليهود والنصارى توبيخاً لا يشك فيه إلّا معاند متكبّر بخلاف الروح النازل يوم الدار، إذ لم يكن هناك وجه للتوبيخ لأنّه لم يكن هناك مخالفين للمنهج الصحيح.

٧ ـ قال المسيح:

« إنّ لي كلاماً كثيراً أقوله لكم ولكنّكم لستم تطيقون حمله الآن ».

هذا يعرب من أنّ فارقليط يأتي بأحكام لم يكونوا يطيقونها زمان تكلّم المسيح، هذا لا ينطبق على نزول الروح يوم الدار، لأنّه ما زاد حكماً على أحكام المسيح وأي أمر حصل لهم أزيد من أقواله إلى زمان صعوده ؟

نعم بعد نزول هذا الروح أسقطوا جميع أحكام التوراة ما عدا بعض الأحكام العشرة المذكورة في الباب العشرين من سفر الخروج وأحلّوا جميع المحرّمات.

وهذا بخلاف ما إذا اُريد نبي يزيد في شريعته أحكاماً إلى أحكام موروثة من المسيح ويثقل حملها على المكلّفين، ضعفاء الإيمان.

٨ ـ إنّ المسيح قال: « لأنّه ليس ينطق من عنده بل يتكلّم بكل ما يسمع ويخبركم بما سيأتي ».

هذا يعرب من أنّ فارقليط سيواجه التكذيب فسوف يكذّبه بنو اسرائيل فأراد دعم دعوته وانّه صادق في كل ما يقول ولا مجال لمظنّة التكذيب في حق الروح النازل يوم الدار، على أنّ الروح أحد الثلاثة وبوجه نفسه سبحانه، فلا معنى لقوله بل يتكلّم بما يسمع، وهذا بخلاف أن يراد منه نبي من الأنبياء الذين لا يتكلّمون إلّا بوحي منه، قال سبحانه:

( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَىٰ *إِنْ هُوَ إلّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) ( النجم / ٣ و ٤ ).

٧٣

هذه القرائن وغيرها ممّا يظهر للقارئ بعد التدبّر فيما ورد في الإصحاحات الثلاث ( الرابع عشر، الخامس عشر، والسادس عشر )، تفيد القطع واليقين بأن المبشّر به هو نبي لا غير »(١) .

وممّا يؤيد ذلك أنّ المراد من « الفارقليط » هو النبي هو ما ذكره مؤرّخوا المسيحيين أنّ بعض الناس قبل ظهور النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ادّعى أنّه هو الفارقليط الموعود قالوا: إنّ « منتنس » المسيحي الذي كان في القرن الثاني من الميلاد وكان مرتاضاً شديداً ادّعى في قرب سنة ١٧٧ من الميلاد أنّه هو الفارقليط الموعود الذي وعد بمجيئه عيسىعليه‌السلام وتبعه اُناس كثير وهذا يعرب عن أنّ المتبادر من الفارقليط في القرون الاُولى المسيحية هو النبي المبشّر به. وعن صاحب « لب التواريخ »: إنّ اليهود والمسيحيين من معاصري محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا منتظرين لنبي وكان هذا سبباً لرجوع عدّة من المسيحيين إلى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي ادّعى أنّه هو ذاك المنتظر.

إنجيل « برنابا » والتبشير بالنبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله

إنّ الكتاب الذي جاء به المسيحعليه‌السلام كان كتاباً واحداً وهو عبارة عن هديه والأحكام التي جاء بها وبشارته بمن يجيء بعده، وإنّما كثرت الأناجيل لأنّ كل من كتب سيرته سمّاه إنجيلاً لاشتماله على ما بشّر وهدى به الناس، ومن تلك الأناجيل، إنجيل برنابا، و « برنابا » حواري من أنصار المسيح الذين يلقّبهم رجال الكنيسة بالرسل، صحبه بولس زمناً بل هو الذي عرّف التلاميذ ببولس بعد ما اهتدى بولس ورجع إلى اُورشليم ولم يكن من هذا الإنجيل أثر في المجتمع المسيحي حتى عُثِرَ في اُروبا على نسخة منه منذ قرابة ثلاثة قرون وهذا هو الإنجيل الذي حرّم

__________________

(١) لاحظ في الوقوف على تلك القرائن وغيرها اظهار الحق: ج ٢ ص ٢٨٣ ـ ٢٨٧، وأنيس الاعلام في نصرة الإسلام: ج ٥ ص ١٧٩ ـ ٢٣٩، ولمؤلّف الكتاب الأخير قصّة عجيبة حول الوقوف على مفاد « فارقليط » التي صارت سبباً لاستبصاره، فراجعه.

٧٤

قرائته « جلاسيوس الأوّل في أواخر القرن الخامس للميلاد » وهذا الإنجيل يباين الأناجيل الأربعة في النقاط التالية:

١ ـ ينكر ألوهية المسيح وكونه ابن الله.

٢ ـ يعرف الذبيح بأنّه إسماعيل لا إسحاق.

٣ ـ وإنّ المسيح المنتظر هو محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد ذكر محمّداً باللفظ الصريح في فصول وافية الذيول.

٤ ـ إنّ المسيح لم يصلب بل حمل إلى السماء وإنّ الذي صلب إنّما كان « يهوذا » الخائن فجاء مطابقاً للقرآن، قد قام بترجمته من الإنجليزية إلى العربية الدكتور خليل سعادة وقدّم له مقدّمة نافعة وطبع في مطبعة المنار بتقديم السيد محمد رشيد رضا عام ١٣٢٦ ه‍ ق.

روى البيهقي: قال أبو زكريا: ولنبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله خمسة أسماء في القرآن: محمّد، وأحمد، وعبد الله، وطه، ويس.

قال الله عزّ وجلّ في ذكر محمّد:( مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ ) وقال:( وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) وقال الله عزّ وجلّ في ذكر عبد الله:( وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عبد الله يَدْعُوهُ ) ـ يعني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة الجن ـ( كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ) ( الجن / ١٩ ).

وإنّما كانوا يقعون بعضهم على بعض، كما أنّ اللبد يتّخذ من الصوف، فيوضع بعضه على بعض فيصير لبداً، وقال عزّ وجلّ:( طه *مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ ) ( طه / ١ و ٢ ) والقرآن إنّما نزل على رسول الله دون غيره، وقال عزّ وجلّ:( يس ) يعني يا إنسان والإنسان هنا العاقل وهو محمّد، إنّك لمن المرسلين.

ثمّ قال: قلت وزاد غيره من أهل العلم، فقال: سمّاه الله تعالى في القرآن: رسولاً، نبيّاً، اُمّيّاً. وسمّاه: شاهداً، ومبشّراً، ونذيراً، وداعياً إلى الله باذنه ،

٧٥

وسراجاً منيراً. وسمّاه: رؤوفاً رحيماً. وسمّاه: نذيراً مبيناً. وسمّاه: مذكّراً، وجعله رحمة، ونعمة، وهادياً. وسمّاه: عبداًصلى‌الله‌عليه‌وآله كثيراً(١) .

أقول: والمراد من الإسم هنا أعم من الوصف، فإنّ كثيراً منها صفاته ـ صلوات الله عليه ـ لا إسمه بمعنى العلم.

وروى أيضاً بسنده عن محمّد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إنّ لي أسماء.

أنا محمد، أنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعده أحد(٢) .

قال العلماء: « كثرة الأسماء دالّة على عظم المسمّىٰ ورفعته وذلك للعناية به وبشأنه ولذلك ترى المسمّيات في كلام العرب أكثرها محاولة واعتناء ».

قال النواوي: وغالب هذه الأسماء التي ذكروها إنّما هي صفات كالعاقب والحاشر، فإطلاق الإسم عليها مجاز، ونقل الغزالي: « الإتّفاق على أنّه لا يجوز أن نسمّي رسول الله باسم لم يسمّه به أبوه ولا سمّا به نفسه الشريفة » أقرّه الحافظ ابن حجر في « الفتح » على ذلك(٣) .

قلت: ما ادعاه من الاتّفاق غير ثابت، والمسألة غير معنونة في كلام الكثير فكيف يمكن ادّعاء الاتّفاق عليه، وكلّ صفة تنبثق عن تكريمه وتوقيره وكان ( صلّى

__________________

(١) دلائل النبوّة: ج ١ ص ١٥٩ ـ ١٦٠.

(٢) دلائل النبوّة: ج ١ ص ١٥٢. واخرجه البخاري كما في التعليقة في كتاب المناقب، باب ما جاء في أسماء رسول الله.

(٣) دلائل النبوّة: ج ١ ص ١٥٥، في التعليقة: إنّ جماعة أفردوا أسماء رسول الله بالتصنيف منهم بدر الدين البلقيني، وكانت قصيدته الميميّة بديعة لم ينسج على منوالها ناسج، ورتّب السيوطي أسماءه على حروف المعجم في كتابه « الرياض الأنيقة في شرح أسماء خير الخليقة ».

٧٦

الله عليه وآله وسلّم ) واجداً لمبدئها فيصحّ توصيفه به.

روى البيهقي عن ابن عباس، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ الله عزّ وجلّ قسّم الخلق قسمين، فجعلني في خيرهما قسماً، وذلك قوله:( وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ ) و( أَصْحَابُ الشِّمَالِ ) فأنا من أصحاب اليمين وأنا خير أصحاب اليمين. ثمّ جعل القسمين ثلاثاً، فجعلني في خيرها ثلثاً، فذلك قوله تعالى:( فَأَصْحَابُ المَيْمَنَةِ ) ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) . فأنا من السابقين، وأنا خير السابقين. ثمّ جعل الأثلاث: قبائل، فجعلني في خيرها قبيلة، وذلك قول الله تعالى:( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) وأنا أتقى ولد آدم، وأكرمهم على الله ولا فخر، ثمّ جعل القبائل بيوتاً، فجعلني في خيرها بيتاً، وذلك قوله عزّ وجلّ:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) فأنا وأهل بيتي مطهّرون من الذنوب(١) .

٦ ـ اُمّيّة النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله

القرآن الكريم يصف النبي في غير واحد من الآيات بالاُمّية ويقول:( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ) ( الأعراف / ١٥٧ ).

فقد وصف سبحانه نبيّه في هذه الآية بخصال عشر وهي أنّه:

١ ـ رسول، ٢ ـ نبي، ٣ ـ اُمّي، ٤ ـ مكتوب اسمه في التوارة والإنجيل، ٥ ـ منعوت فيهما بأنّه يأمر بالمعروف، ٦ ـ وينهى عن المنكر، ٧ ـ ويحل لهم الطيبات، ٨ ـ ويحرّم عليهم الخبائث، ٩ ـ ويضع عنهم إصرهم، ١٠ ـ ويضع عنهم الأغلال التي كانت عليهم.

__________________

(١) دلائل النبوّة: ج ١ ص ١٧٠ و ١٧١.

٧٧

ويقول سبحانه أيضاً:( فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) ( الأعراف / ١٥٨ ).

وقد عرفت أنّه سبحانه يصف قوم النبي بالأُمّيين بل العرب جميعاً بهذا الوصف، كما تعرّفت على معنى الأُمّي عند البحث عن ثقافة قوم النبي وحضارتهم، فلا حاجة إلى إعادة البحث عن معنى الاُمّي وذكر نصوص أئمّة اللّغة إنّما المهم في المقام نقد الآراء الشاذة في تفسير الاُمّي، وإليك البحث عنها واحداً بعد آخر:

أ ـ الأُمّي منسوب إلى أُمّ القرى

ربّما يقال: إنّ الأُمّي هو المنسوب إلى « أُمّ القرى » وهي علم من أعلام مكّة كما يشير إليه قوله سبحانه:

( وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا ) ( الشورى / ٧ ).

وعلى ذلك فلا يدل على أنّ النبي كان أُمّيّاً بمعنى أنّه لا يقرأ ولا يكتب.

يلاحظ عليه:

أوّلاً: انّ أُمّ القرى ليست من أعلام مكّة وإنّما هي كلّية لها مصاديق، منها مكّة المكرّمة، يقول سبحانه:

( وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً ) ( القصص / ٥٩ ). أي حتّى يبعث في أُمّ القرى وعاصمتها رسولاً.

قال ابن فارس في المقاييس: « كل مدينة هي أُمّ ما حولها من القرى ».

ثانياً: لو صحّ كونها من أعلام مكّة، فالصحيح عند النسبة إليها « هو القروي » لا « الأُمّي »(١) .

__________________

(١) راجع شرح ابن عقيل: ج ٢ ص ٣٩١ عند البحث عن « ياء » النسب.

٧٨

ثالثاً: لو كان المراد من الأُمّي هو المنسوب إلى أُمّ القرى لكان الإتيان به في ثنايا الخصال العشر إقحاماً بلا وجه واقتضاباً بلا جهة، بخلاف ما إذا قلنا بأنّه إيعاز إلى أُمّيّته وعدم قراءته وكتابته ولكن في الوقت نفسه جاء بكتاب عجز كلُّ البلغاء عن معارضته، واخرسّ الفصحاء عن مباراته.

وعلى الجملة إنّ توصيف النبي بالأُمّي وقومه بالأُمّيين، إيعاز إلى هذه النكتة، وأنّ هذا النبي خرج من قوم غير قارئين ولا كاتبين ولا متحضّرين كما هو أيضاً غير قارئ ولا كاتب، ومع ذلك أتى بشريعة متقنة وسنن محكمة وكتاب بديع بلا بديل.

ب ـ الأُمّي غير المنتحل لملّة أو كتاب سماوي

وربّما يقال: إنّ الأُمّي هو غير المنتحل لملّة أو كتاب من الكتب السماوية ولو أطلق على العرب أنّهم أُمّيون فالمراد أنّهم غير منتحلين لكتاب من الكتب السماوية ويدل على ذلك أنّه سبحانه يجعل أهل الكتاب في مقابل الأُمّيين ويقول:

( وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ) ( آل عمران / ٢٠ ).

يلاحظ عليه: أنّ توصيف العرب بالاُميّيين لا لأجل عدم إنتحالهم لملّة أو كتاب سماوي بل لأجل عدم إقتدارهم على القراءة والكتابة، فقد كانت الاُمّية بهذا المعنى سائدة عليهم كما كان التعرّف عليهما هو الغالب على أهل الكتاب، فصحّ لأجل ذلك التقابل بين أهل الكتاب والأُمّيين ويعود معنى الآية: « قل » للطائفتين الأُمّيين غير القارئين والكاتبين وأهل الكتاب الذين لهم اقتدار بهما.

والذي يدل على أنّ هذا هو ملاك التقابل هو أنّه سبحانه يصف بعض أهل الكتاب بالاُميّة ويقول:( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إلّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إلّا يَظُنُّونَ ) ( البقرة / ٧٨ ).

٧٩

فالآية بحكم رجوع الضمير « ومنهم » إلى اليهود تقسّم اليهود إلى طائفتين:

طائفة يعلمون الكتاب لثقافتهم وتمكّنهم من القراءة والكتابة وبالتالي تمكّنهم من التطلّع على التوراة والإستفادة منها.

وطائفة فاقدة للثقافة وغير قادرة على القراءة والكتابة وبالتالي جاهلين بكتابهم الذي نزل بلسانهم والجهل بلغتهم قراءة وكتابة يلازم جهلهم بسائر اللغات غالباً خصوصاً في بيئة اليهود الذين يقدّمون تعليم لغتهم على سائر اللغات.

فلو كان الاُمّي بمعنى غير المنتحل لكتاب ولا ملّة فما معنى تقسيم أهل الكتاب إلى طائفيتن أُمّي وغير أُمّي ؟.

ج ـ الاُمّي من لا يعرف المتون السامية

الأُمّي عبارة عمّن لم يعرف المتون العتيقة السامية التي كتبت بها زبر الأوّلين من التوارة والإنجيل وإن كان عالماً بسائر اللغات قادراً بقرائتها وكتابتها يقول سبحانه:

( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إلّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إلّا يَظُنُّونَ ) .

فإنّ قوله: « لا يعلمون الكتاب » جملة تفسيريّة لقوله « أُمّيون » فالأُمّي من لا يحسن تلاوة الإنجيل والتوراة.

يلاحظ عليه: أنّ إرادة المعنى المذكور من « الأُمّيّين » في الآية لا يثبت أنّ الأُمّي عبارة عمّن لا يعرف اللّغة السامية بل الأُمّي من لا يعرف القراءة والكتابة وذلك يختلف حسب البيئة والظروف.

ففي العصور التي سادت فيها اللّغة السامية التي بها تكتب الدواوين والرسائل، وعليها لغة دينهم وكتابهم، يكون الاُمّي عبارة عمّن لا يعرف تلك اللغة، ـ وبحسب الطبع ـ من كان جاهلاً في أمثال تلك الظروف بلغته الواجبة الضرورية ،

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

٢٠٥ ـ رواية الحسن بن كثير :

وقد روى الحسن بن كثير وعبد خير ، قالا : لما وصل عليعليه‌السلام إلى كربلا وقف وبكى ، وقال : بأبي أغيلمة يقتلون ههنا. هذا مناخ ركابهم ، هذا موضع رحالهم ، هذا مصرع الرجل.

ـ رواية أخرى :(شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٣ ص ١٧١)

عن الحسن بن كثير ، عن أبيه ، أن علياعليه‌السلام أتى كربلاء ، فوقف بها ، فقيل له :

يا أمير المؤمنين ، هذه كربلاء. فقال : ذات كرب وبلاء. ثم أومأ بيده إلى المكان ، فقال : ههنا موضع رحالهم ومناخ ركابهم.

ثم أومأ بيده إلى مكان آخر ، فقال : ههنا مهراق دمائهم. ثم مضى إلى ساباط.

٢٠٦ ـ شهداء كربلاء مثل شهداء بدر (رض):

(أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ، ج ٤ ص ١٤٣)

في منتخب كنز العمال عن الطبراني في الكبير ما لفظه عن شيبان بن محرم ، قال :إني لمع عليعليه‌السلام إذ أتى كربلاء ، فقال : يقتل في هذا الموضع شهداء ليس مثلهم إلا شهداء بدر.

ـ شهداء كربلاء لا يسبقهم سابق :(المنتخب للطريحي ، ص ٨٧)

عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : مر أمير المؤمنينعليه‌السلام بكربلاء ، فبكى حتى اغرورقت عيناه بالدموع ، وقال : هذا مناخ ركابهم ، هذا ملقى رحالهم ، ههنا تراق دماؤهم. طوبى لك من تربة عليها يراق دم الأحبة. مناخ ركاب ومنازل شهداء ، لا يسبقهم من كان قبلهم ولا يلحقهم من كان بعدهم.

٢٠٧ ـ إخبار عليعليه‌السلام أن الحسينعليه‌السلام يقتل وموضع ذلك ، وما في ذلك من معجزات :(مدينة المعاجز لهاشم البحراني ، ص ١٢٠)

روى الشيخ الصدوق بسنده عن ابن عباس ، قال : كنت مع عليعليه‌السلام في خروجه من صفين. فلما نزلنا نينوى ـ وهي بشط الفرات ـ قال بأعلى صوته : يابن عباس أتعرف هذا الموضع؟ قلت : لا أعرفه يا أمير المؤمنين. فقال عليعليه‌السلام : لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي لبكائي. قال فبكىعليه‌السلام طويلا حتى اخضلت لحيته وسالت الدموع على صدره ، وبكينا معه ، وهو يقول : أوه أوه ، مالي

٢٢١

ولآل أبي سفيان مالي ولآل حزب الشيطان وأولياء الكفر. صبرا صبرا يا أبا عبد الله ، فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم. ثم دعا بماء فتوضأ وضوء الصلاة ، فصلى ما شاء الله أن يصلي.

وذكر نحو كلامه ، إلا أنه نعس عند انقضاء صلاته وكلامه ساعة ، ثم انتبه فقال :يابن عباس. قلت : ها أنذا. فقال : ألا أحدثك عما رأيت في منامي آنفا عند رقدتي؟ فقلت : نامت عينك ورأيت خيرا يا أمير المؤمنين. قالعليه‌السلام : رأيت كأني برجال قد نزلوا من السماء ، معهم أعلام بيض ، قد تقلدوا سيوفهم ، وهي بيض تلمع ، وقد خطّوا حول هذه الأرض خطة. ثم رأيت كأن النخيل قد ضربت بأغصانها الأرض ، تضرب بدم عبيط (أي طري) ، وكأني بالحسين سخلي وفرخي ومضغتي ومخي ، قد غرق فيه ، يستغيث فلا يغاث. وكأن الرجال البيض (الذين) نزلوا من السماء ، ينادونه ويقولون : صبرا آل الرسول ، فإنكم تقتلون على يدي شرار الناس ، وهذه الجنة يا أبا عبد الله مشتاقة إليك. ثم يعزّونني ويقولون : يا أبا الحسن أبشروا فقد أقرّ الله عينك يوم يقوم الناس لرب العالمين. ثم انتبهت هكذا.

والذي نفس علي بيده ، لقد حدثني الصادق المصدق أبو القاسمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أني سأمر بها في خروجي إلى أهل البغي علينا. وهي أرض كرب وبلاء ، يدفن فيها الحسينعليه‌السلام وسبعة عشر رجلا من ولدي وولد فاطمةعليها‌السلام . وإنها لفي السموات معروفة تذكر أرض كرب وبلاء ، كما تذكر بقعة الحرمين وبقعة بيت المقدس. ثم قال : يا بن عباس ، اطلب حولها بعر الظباء ، فو الله ما كذبت ولا كذبت ، وهي مصفرة ، لونها لون الزعفران. فطلبتها فوجدتها مجتمعة. فناديته : يا أمير المؤمنين قد أصبتها على الصفة التي وصفتها لي. فقال عليعليه‌السلام : صدق الله ورسوله.

ـ قصة مرور عيسىعليه‌السلام بكربلاء :

ثم قام عليعليه‌السلام يهرول حتى جاء إليها فحملها وشمها ، وقال : هي هي ، أتعلم يابن عباس ما هذه الأبعار؟ هذه قد شمها عيسى بن مريم ، وذلك أنه مرّ بها ومعه الحواريون ، فرأى ههنا ظباء مجتمعة وهي تبكي ، فجلس عيسىعليه‌السلام وجلس الحواريون. فبكى وبكى الحواريون ، وهم لا يدرون لم جلس ولم بكى. فقالوا : يا روح الله وكلمته ما يبكيك؟ قال : أتعلمون أي أرض هذه ، هذه أرض من يقتل فيها

٢٢٢

فرخ رسول الله أحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفرخ الحرة الطاهرة البتول ، شبيهة أمي ، ويلحد فيها أطيب من المسك ، لأنها طينة الفرخ المستشهد ، وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء. فهذه الظباء تكلمني وتقول : انها ترعى هذه الأرض شوقا إلى تربة الفرخ المبارك ، وزعمت أنها آمنة في هذه الأرض.

ثم ضرب بيده البعيرات فشمها ، وقال : هذه بعر الظباء على هذا الطيب لمكان حشيشها. اللهم فأبقها أبدا حتى يشمها أبوه ، فتكون له عزاء وسلوة. فبقيت إلى يومنا هذا وقد اصفرت لطول زمنها ، وهذه أرض كرب وبلاء.

ثم قال بأعلى صوته : يا رب عيسى بن مريم ، لا تبارك في قتلته والمعين لهم والخاذل له. ثم بكى طويلا وبكينا معه حتى سقط لوجهه وغشي عليه طويلا. ثم أفاق فأخذ البعر فصّره في ردائه وأمرني أن أصرها كذلك.

ثم قال : يابن عباس ، إذا رأيتها تتفجر دماء عبيطا ويسيل منها دم عبيط ، فاعلم أن أبا عبد اللهعليه‌السلام قد قتل بها ودفن.

قال ابن عباس : فوالله لقد كنت أحفظها أشد من حفظي لما افترض اللهعزوجل علي ، وأنا لا أحلها من طرف كمي. فبينا أنا نائم في البيت فإذا هي تسيل دما عبيطا ، وان كمي قد امتلأ دما عبيطا. فجلست وأنا باك ، وقلت : قتل والله الحسين ، والله ما كذبني قط في حديث ، ولا أخبر بشيء أن يكون إلا كان كذلك ، لأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخبره بأشياء لا يخبر بها غيره. ففزعت وخرجت وذلك عند الفجر ، فرأيت والله المدينة كأنها ضباب لا يستبين منها أثر عين. ثم طلعت الشمس فرأيت كأنها منكسفة ، ورأيت كأن حيطان المدينة عليها دم عبيط. فجلست وأنا باك ، وقلت قتل والله الحسينعليه‌السلام .

وسمعت صوتا من ناحية البيت ، وهو يقول : اصبروا آل الرسول قتل الفرخ النحول ، نزل الروح الأمين ببكاء وعويل. ثم بكى بأعلى صوته وبكيت. فأثبتّ عندي تلك الساعة ، وكان شهر محرم يوم عاشور لعشر مضين منه ، فوجدته قتل يوم ورد علينا خبره ، وتاريخه كذلك. فحدثت بهذا الحديث الذين كانوا معه فقالوا :والله لقد سمعنا ما سمعت ونحن في المعركة ، ولا ندري ما هو. قلت : أترى أنه الخضرعليه‌السلام .

٢٢٣

٢٠٨ ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام حين مر بكربلاء وهو سائر إلى صفين :

(وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص ١٤٠ ط ٢)

قال نصر بن مزاحم : حدثني مصعب بن سلام عن هرثمة بن سليم ، قال :غزونا مع علي بن أبي طالبعليه‌السلام غزوة صفين. فسار حتى انتهى إلى كربلاء ، فنزل إلى شجرة فصلى إليها ، فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها ، ثم قال : واها لك أيتها التربة ، ليحشرن منك (وفي رواية : ليقتلن بك) قوم يدخلون الجنة بغير حساب.

فلما رجع هرثمة من غزوته إلى امرأته ـ وهي جرداء بنت سمير ، وكانت شيعة لعليعليه‌السلام ـ فقال لها زوجها هرثمة : ألا أعجّبك من صديقك أبي الحسن؟ لما نزلنا كربلا رفع إليه من تربتها فشمها ، وقال : «واها لك يا تربة ، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب». وما علمه بالغيب؟! فقالت : دعنا منك أيها الرجل ، فإن أمير المؤمنين لم يقل إلا حقا.

فلما بعث عبيد الله بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين بن عليعليه‌السلام وأصحابه ، قال هرثمة : كنت فيهم في الخيل التي بعث إليهم ، فلما انتهيت إلى القوم وحسين وأصحابه ، نظرت إلى الشجرة ، فذكرت الحديث وعرفت المنزل الذي نزلنا فيه مع عليعليه‌السلام ، والبقعة التي رفع إليه من ترابها ، والقول الذي قاله ، فكرهت مسيري. فأقبلت على فرسي حتى وقفت على الحسينعليه‌السلام ، فسلمت عليه وحدثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل.

فقال الحسينعليه‌السلام : فأنت معنا أم علينا؟ فقلت : يابن رسول الله لا معك ولا عليك. تركت أهلي وولدي وعيالي ، أخاف عليهم من ابن زياد.

فقال الحسينعليه‌السلام : فولّ في الأرض هربا حتى لا ترى لنا مقتلا ، فو الذي نفس محمد بيده لا يرى مقتلنا اليوم رجل ولا يغيثنا إلا أدخله الله النار. قال هرثمة :فأقبلت في الأرض هاربا حتى خفي علي مقتله.

ملاحظة : هذه الفقرة هي جمع عدة روايات مع بعض ، إحداها وردت في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج ٣ ص ١٦٩ ط مصر ـ تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم.

٢٠٩ ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام بما سيحدث في كربلاء :

(المصدر السابق ، ص ١٤١)

حدّث نصر بن مزاحم عن مصعب بن سلام عن سعيد بن وهب ، قال : بعثني

٢٢٤

مخنف بن سليم إلى عليعليه‌السلام عند توجهه إلى صفين. فأتيته بكربلاء ، فوجدته يشير بيده ويقول : ههنا! فقال له رجل : وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال : ثقل آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينزل ههنا ، فويل لهم منكم ، وويل لكم منهم!.

فقال له الرجل : ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين؟ قال (ويل لهم منكم) تقتلونهم ، (وويل لكم منهم) يدخلكم الله بقتلهم إلى النار.

٢١٠ ـ حديث الإمام الحسنعليه‌السلام عن مصرع أخيه الحسينعليه‌السلام :

(مناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٣٨ ط نجف)

روى الإمام الصادق عن آبائهعليهم‌السلام قال : دخل الحسين على أخيه الحسنعليهما‌السلام يوما ، فلما نظر إليه بكى. فقال له الحسنعليه‌السلام : ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال :أبكي لما يصنع بك. فقال له الحسنعليه‌السلام : إن الذي يؤتى إليّ سم يدس إلي فأقتل به(١) ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله. يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدّعون أنهم من أمة جدك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وينتحلون بك الإسلام ، فيجتمعون على قتلك وسفك دمك ، وانتهاك حرمتك ، وسبي ذراريك ونسائك ، وانتهاب ثقلك ، فعندها تحلّ ببني أمية اللعنة ، وتمطر السماء دما ورمادا ، ويبكي عليك كل شيء ، حتى الوحوش في الفلوات ، والحيتان في البحار.

٢١١ ـ إخبار الحسينعليه‌السلام بمقتله :

عن معاوية بن قرة قال : قال الحسينعليه‌السلام : والله ليعتدن عليّ كما اعتدت بنو اسرائيل في السبت.

قال : وأنبأنا علي بن محمد ، عن جعفر بن سليمان الضبعي ، (قال) قال الحسينعليه‌السلام : والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من فرم الأمة.

__________________

(١) اللهوف على قتلى الطفوف ، ص ١٤.

٢٢٥

أخبار أخرى

٢١٢ ـ ورود سلمان (رض) كربلاء :

(وسيلة الدارين في أنصار الحسين للسيد إبراهيم الزنجاني ، ص ٧١)

في الخبر عن المسيب بن نجبة الفزاري ، قال : خرجت أستقبل سلمان الفارسي حين أقبل من المدينة إلى المدائن. فلما وصل إلى كربلاء تغير حاله وبكى ، وقال :هذه مصارع إخواني. هذا موضع رحالهم ، وهذا مناخ ركابهم ، وهذا مهراق دمائهم. يقتل بها خير الأولين وابن خير الآخرين.

٢١٣ ـ إخبار أبي ذر الغفاري بمقتل الحسينعليه‌السلام ونتائج ذلك :

(الإرشاد للشيخ المفيد ، ص ٢٣٦)

في (كامل الزيارة) عن عروة بن الزبير ، قال : سمعت أبا ذر ، وهو يومئذ قد أخرجه عثمان إلى الربذة ، فقال له الناس : يا أبا ذر أبشر ، فهذا قليل في الله. فقال ما أيسر هذا ، ولكن كيف أنتم إذا قتل الحسين بن عليعليه‌السلام قتلا (أو قال : ذبح ذبحا)؟. والله لا يكون في الإسلام بعد قتل الخليفة (يعني علي بن أبي طالب) أعظم قتيلا منه. وإن الله سيسل سيفه على هذه الأمة لا يغمده أبدا. ويبعث ناقما من ذريته فينتقم من الناس. وإنكم لو تعلمون ما يدخل على أهل البحار ، وسكان الجبال في الغياض والآكام ، وأهل السماء من قتله ، لبكيتم والله حتى تزهق أنفسكم. وما من سماء يمر بها روح الحسينعليه‌السلام إلا فزع له سبعون ألف ملك ، يقومون قياما ترعد مفاصلهم إلى يوم القيامة. وما من سحابة تمر وترعد وتبرق إلا لعنت قاتله. وما من يوم إلا وتعرض روحه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيلتقيان.

٢١٤ ـ ملازمة رجل من بني أسد أرض كربلاء :

(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ، ص ٢١٢)

قال العريان بن الهيثم : كان أبي يتبدى فينزل قريبا من الموضع الذي كانت فيه معركة الحسينعليه‌السلام . فكنا لا نبدو إلا وجدنا رجلا من بني أسد هناك. فقال له أبي : أراك ملازما هذا المكان!. قال : بلغني أن حسيناعليه‌السلام يقتل ههنا ، فأنا أخرج إلى هذا المكان ، لعلي أصادفه فأقتل معه.

قال ابن الهيثم : فلما قتل الحسينعليه‌السلام قال أبي : انطلقوا بنا ننظر ، هل الأسدي فيمن قتل مع الحسينعليه‌السلام . فأتينا المعركة وطوّقنا ، فإذا الأسدي مقتول.

٢٢٦

(أقول) لعل هذا الشهيد هو أنس بن الحرثرحمه‌الله . وهذا درس يعلمنا أن المؤمن النبيه يسعى نحو الحق حتى يدركه ، فينال أعلى درجات السعادة والكرامة ، كما فعل أنس بن الحرث الأسدي.

٤ ـ أخبار بمن يقتل الحسينعليه‌السلام

٢١٥ ـ الحسينعليه‌السلام يخبر بأن عمر بن سعد سيقتله :

(كشف الغمة ٢ / ٩ وإرشاد المفيد ص ٢٨٢ والبحار ٤٤ / ٢٦٣)

روى سالم بن أبي حفصة ، (قال) قال عمر بن سعد للحسينعليه‌السلام : يا أبا عبد الله ، إن قبلنا أناسا سفهاء يزعمون أني أقتلك. فقال له الحسينعليه‌السلام : إنهم ليسوا سفهاء ، ولكنهم حلماء. أما إنه يقر عيني أن لا تأكل من برّ العراق بعدي إلا قليلا.

٢١٦ ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام بأن عمر بن سعد يقتل ابنه الحسينعليه‌السلام :

عن الأصبغ بن نباتة ، قال : بينا أمير المؤمنينعليه‌السلام يخطب الناس ، وهو يقول :سلوني قبل أن تفقدوني ، فو الله لا تسألوني عن شيء مضى ولا شيء يكون إلا أنبأتكم به. فقام إليه سعد بن أبي وقاص ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني كم في رأسي ولحيتي من شعرة. فقال : أما والله لقد سألتني عن مسألة حدثني خليلي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنك ستسألني عنها. وما في رأسك ولحيتك من شعرة إلا وفي أصلها شيطان جالس ، وإن في بيتك لسخلا يقتل ابني الحسينعليه‌السلام . وكان عمر بن سعد يومئذ يدرج بين يديه.

(أقول) : فلما كان من أمر الحسينعليه‌السلام ما كان ، تولى عمر بن سعد قتل الحسينعليه‌السلام ، وكان الأمر كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وفي رواية (الإرشاد) للمفيد ص ٢٠ قال له عليعليه‌السلام :

وآية ذلك مصداق ما خبّرتك به. ولو لا أن الذي سألت عنه يعسر برهانه لأخبرتك به ، ولكن آية ذلك ما أنبأتك به من لعنتك وسخلك الملعون.

قال ابن سيرين : وقد ظهرت كرامات علي بن أبي طالبعليه‌السلام في هذا ، فإنه لقي قاتل الحسينعليه‌السلام وهو شاب ، فقال : ويحك ، كيف بك إذا قمت مقاما تخير فيه بين الجنة والنار ، فتختار النار؟

وسيرد هذا الخبر عند الحديث عن عمر بن سعد ، الذي تولى قيادة الجيش لقتال

٢٢٧

الحسينعليه‌السلام ، وقد نصحه الحسينعليه‌السلام كثيرا ، ولكن حب الدنيا أعمى قلبه.

تنبيه حول السائل :ذكر فخر الدين الطريحي في (المنتخب) ص ١٦٦ : أن الذي سأل الإمامعليه‌السلام : كم شعرة في رأسي ، هو يزيد والد خولي بن يزيد الأصبحي.ولعل بعض الروايات تشير إلى أنه سنان بن أنس ، والله أعلم.

يقول العلامة المجلسي في البحار ، ج ٤٤ ص ٢٥٧ : لا يخفى ما في الحديث من تسمية الرجل السائل المتعنت بأنه سعد بن أبي وقاص ، حيث أن سعد بن أبي وقاص اعتزل عن الجماعة وامتنع عن بيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فاشترى أرضا واشتغل بها ، فلم يكن ليجيء إلى الكوفة ويجلس إلى خطبة الإمام عليعليه‌السلام .ومن جهة أخرى إن عمر بن سعد قد ولد في السنة التي مات فيها عمر بن الخطاب وهي سنة ٢٣ ه‍ فكان عمره حين خطب الإمامعليه‌السلام هذه الخطبة بالكوفة غلاما بالغا أشرف على العشرين ، لا أنه سخل في بيته.

ولما كان أصل القصة مسلمة مشهورة ، عدل الشيخ المفيد في (الإرشاد) عن تسمية الرجل ، وتبعه الطبرسي في (إعلام الورى) ص ١٨٦. ولعل الصحيح ما ذكره ابن أبي الحديد ، حيث ذكر الخطبة في شرحه على النهج ، ج ١ ص ٢٥٣ عن كتاب (الغارات) لابن هلال الثقفي عن زكريا بن يحيى العطار عن فضيل عن محمد الباقرعليه‌السلام وقال في آخره : والرجل هو سنان بن أنس النخعي.

٢١٧ ـ إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يزيد هو قاتل الحسينعليه‌السلام :

أخرج الطبراني عن معاذ بن جبل ، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يزيد ، لا بارك الله في يزيد. نعي إليّ الحسينعليه‌السلام وأتيت بتربته ، وأخبرت بقاتله. والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعونه ، إلا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم ، وسلط عليهم شرارهم وألبسهم شيعا (أي جماعات متفرقين).

وأخرجه ابن عساكر عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا بلفظ : يزيد ، لا بارك الله في يزيد ، الطّعان اللعّان ، أما إنه نعي إلي حبيبي وسخلي حسين ، أتيت بتربته ورأيت قاتله. أما إنه لا يقتل بين ظهراني قوم فلا ينصرونه ، إلا عمّهم الله بعقاب.

وأخرج أبو يعلى عن أبي عبيدة (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يزال أمر أمتي قائما بالقسط حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية ، يقال له : يزيد.

وأخرج ابن أبي شيبة وأبو يعلى والروياني والحافظ أبوبكر محمد بن اسحق ابن

٢٢٨

خزيمة السلمي النيسابوري والبيهقي وابن عساكر والضياء ، عن أبي ذر ، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية. وزاد الروياني : يقال له يزيد.

٢١٨ ـ رواية أخرى :

(معجم الطبراني ص ١٣٠ ومقتل الخوارزمي ص ١٦٠ وكنز العمال ١٣ / ١١٣ وأمالي الشجري ص ١٦٩)

في معجم الطبراني عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن معاذ بن جبل أخبره قال :خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متغير اللون ، فقال : أنا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوتيت فواتح الكلام وخواتمه ، فأطيعوني ما دمت بين أظهركم ، فإذا ذهب بي فعليكم بكتاب اللهعزوجل ، أحلوا حلاله وحرموا حرامه ، (فإذا) أتتكم الموتة أتتكم بالروح والراحة.كتاب الله من الله سبق ، أتتكم فتن كقطع الليل المظلم ، كلما ذهب رسل جاء رسل ، تناسخت النبوة فصارت ملكا. رحم الله من أخذها بحقها ، وخرج منها كما دخلها.

أمسك يا معاذ واحص!. قال : فلما بلغت خمسة ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يزيد ، لا بارك الله في يزيد. ثم ذرفت عيناه. ثم قال : نعي إلي حسين ، وأوتيت بتربته ، وأخبرت بقاتله. والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعونه ، إلا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم ، وسلط عليهم شرارهم وألبسهم شيعا.

ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : واها لفراخ آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خليفة مستخلف مترف ، يقتل خلفي وخلف الخلف.

أمسك يا معاذ. فلما بلغت عشرة ، قال : الوليد(١) اسم فرعون ، هادم شرائع الاسلام ، يبوء بدمه رجل من أهل بيته ، يسل الله سيفه فلا غماد له ، ويختلف الناس فكانوا هكذا ، وشبك بين أصابعه.

ثم قال : وبعد العشرين والمائة موت سريع وقتل ذريع ، فيه هلاكهم ، ويلي عليهم رجل من ولد العباس.

__________________

(١) لعل المقصود به الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، وهو الذي مزّق القرآن وقال :

تهددني بجبار عنيد

فها أنا ذاك جبار عنيد

إذا ما جئت ربك يوم حشر

فقل : يا ربّ مزّقني الوليد

٢٢٩
٢٣٠

الفصل السادس

المآتم الحسينيّة

١ ـ إقامة ذكرى الحسينعليه‌السلام والحزن عليه

ـ إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام

٢ ـ فضل البكاء والحزن على الحسينعليه‌السلام

٣ ـ إقامة ذكرى الحسينعليه‌السلام ومراسم الحزن يوم عاشوراء

ـ اتخاذ بني أمية يوم عاشوراء يوم عيد وفرح

ـ أحاديث موضوعة في فضل يوم عاشوراء وأنه عيد

ـ هل يجوز صيام يوم عاشوراء؟

٤ ـ فلسفة المآتم الحسينية

٢٣١
٢٣٢

الفصل السادس

المآتم الحسينيّة

* مقدمة الفصل :

لا يخفى أن مصيبة الحسينعليه‌السلام الكبيرة قد أقضّت مضجع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستحوذت عليه كل اهتمامه. فلا عجب إذا رأيناه يقيم المأتم على الحسينعليه‌السلام منذ مولده ، وفي عدة مناسبات من حياته. وعلى ذلك سار الأئمة الأطهار ودعوا كل من شايع الحسينعليه‌السلام إلى إقامة الحزن والعزاء عليه في كل مكان وزمان ، ولا سيما يوم العاشر من المحرم ، حتّى صار شعارهم :

«كل أرض كربلا ، وكل يوم عاشورا»

في حين كان بعض المسلمين عمدا أو جهلا يقيمون الفرح في ذلك اليوم ، جريا على السنّة التي اختطها لهم بنو أمية من غابر الزمان.

وسوف نتكلم في هذا الفصل حول إقامة المآتم الحسينية ، ثم فضل الحزن والبكاء على الحسينعليه‌السلام ، ثم إقامة مراسم العزاء والحزن والحداد يوم العاشر من المحرم كل عام. ونتعرض إلى بعض خصوصيات يوم عاشوراء ، والمحاولات المغرضة لتغيير مفهومه وصرفه عن حقيقته. ثم ننهي الفصل بفلسفة المآتم الحسينية ، وتتضمن أهداف ذكرى الحسينعليه‌السلام والفوائد التي تحققها المجالس الحسينية ، وأن هدفها ليس فقط الحزن والبكاء ، وإنما العظة واليقظة والاعتبار ، وتبديل السلوك وتعديل المسار ، والخروج من مستنقع الخطايا والأوزار ، إلى رياض الأخيار وجنان الأبرار.

١ ـ مآتم الحسينعليه‌السلام

مرت في الفصل السابق روايات مستفيضة حول إخبار جبرئيل للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنبأ استشهاد الحسينعليه‌السلام ، ثم إخبار محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهله وأصحابه بذلك. وكان في

٢٣٣

تلك الأحوال يضع الحسين الطفل في حضنه ، ويبكي بكاء شديدا ، ويقبّله من فمه ونحره ، ويشمّه ويضمه إلى صدره ، فكانت تلك المشاهد أول المآتم المقامة على الحسينعليه‌السلام في حياته وقبل مماته. وعلى هذا الهدي المحمدي سار شيعة الحسينعليه‌السلام من بعده ، يقيمون المآتم والعزاء عليه ، بعد موته واستشهاده ، اقتداء بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومشاركة له في محنته ومصيبته.

٢١٩ ـ مأتم الحسينعليه‌السلام في دار فاطمةعليها‌السلام :

(قادتنا : كيف نعرفهم؟ ، ج ٦ ص ١٢٠)

روى الخوارزمي عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال : زارنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعملنا له حريرة ، وأهدت لنا أم أيمن قعبا من لبن وزبدا وصفحة من تمر. فأكل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأكلنا معه. ثم وضّأت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقام فاستقبل القبلة ، فدعا الله ما شاء. ثم أكبّ على الأرض بدموع غزيرة مثل المطر. فهبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن نسأله!.

فوثب الحسينعليه‌السلام فقال : يا أبتي رأيتك تصنع ما لم أرك تصنع مثله!.فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا بني إني سررت بكم اليوم سرورا لم أسرّ بكم مثله. وإن حبيبي جبرئيل أتاني فأخبرني أنكم قتلى ، وأن مصارعكم شتى ، فدعوت الله لكم ، وأحزنني ذلك.

فقال الحسينعليه‌السلام : يا رسول الله ، فمن يزورنا على تشتّتنا ، ويتعاهد قبورنا؟.قال : طائفة من أمتي ، يريدون برّي وصلتي. فإذا كان يوم القيامة شهدتها بالموقف ، وأخذت بأعضادها ، فأنجيتها والله من أهواله وشدائده.

٢٢٠ ـ في دار أم سلمة :

(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ، ص ١٧٦)

وروى ابن عساكر بإسناده عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند ، عن أبيه (قال) قالت أم سلمة : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نائما في بيتي ، فجاء الحسينعليه‌السلام . قالت : فقصد الباب ، فسبقته على الباب مخافة أن يدخل فيوقظه. قالت : ثم غفلت في شيء ، فدبّ فدخل ، فقعد على بطنه.

قالت : فسمعت نحيب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فجئت فقلت : يا رسول الله ، والله ما علمت به. فقال : إنما جاءني جبرئيلعليه‌السلام وهو على بطني قاعد ، فقال لي :

٢٣٤

أتحبّه؟. فقلت : نعم. قال : إن أمتك ستقتله. ألا أريك التربة التي يقتل بها؟.(قال) فقلت : بلى. قال : فضرب بجناحه فأتى بهذه التربة. قالت : فإذا في يده تربة حمراء ، وهو يبكي ويقول : يا ليت شعري من يقتلك بعدي؟!.

وفي رواية أخرى للخوارزمي : (قادتنا ـ ج ٦ ص ١٢٦)

قال : ثم أخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تلك القبضة التي أتاه بها الملك ، فجعل يشمّها ويبكي ، ويقول في بكائه : الله م لا تبارك في قاتل ولدي ، وأصله نار جهنم.

ثم دفع تلك القبضة إلى أم سلمة ، وأخبرها بقتل الحسينعليه‌السلام بشاطئ الفرات ، وقال : يا أم سلمة خذي هذه التربة إليك ، فإنها إذا تغيرت وتحولت دما عبيطا ، فعند ذلك يقتل ولدي الحسينعليه‌السلام .

إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام

٢٢١ ـ إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٩٣)

يقول الفاضل الدربندي : اعلم أن من تأمل في الأخبار المروية من طرق العامة في فضل الحسن والحسينعليه‌السلام ومناقبهما ، علم أن البكاء على الحسينعليه‌السلام وإقامة تعزيته في كل سنة ، بل في كل شهر ، بل في كل أسبوع ، بل في كل ليلة ، من أفضل العبادات وأشرف الطاعات والقربات. فلعنة الله على كل متعصب من المخالفين ، الذين يأخذون يوم عاشوراء عيدا ، ويسمّون الاجتماع للعزاء والبكاء على سيد الشهداء بدعة ، وذلك كابن حجر العسقلاني ومن مثله.

٢٢٢ ـ ثواب إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام :

(المنتخب للطريحي ، ص ٢٨ ط ٢)

روي أنه لما أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسينعليه‌السلام وما يجري عليه من المحن ، بكت فاطمةعليه‌السلام بكاء شديدا ، وقالت : يا أبتي متى يكون ذلك؟. قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : في زمان خال مني ومنك ومن عليعليه‌السلام . فاشتد بكاؤها ، وقالت : يا أبة فمن يبكي عليه؟. ومن يلتزم بإقامة العزاء له؟. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :يا فاطمة إن نساء أمتي يبكون على نساء أهل بيتي ، ورجالهم يبكون على رجال

٢٣٥

أهل بيتي ، ويجددون العزاء جيلا بعد جيل في كل سنة. فإذا كان يوم القيامة تشفعين أنت للنساء ، وأنا أشفع للرجال. وكل من بكى على مصاب الحسينعليه‌السلام أخذنا بيده وأدخلناه الجنة.

يا فاطمة ، كل عين باكية يوم القيامة ، إلا عين بكت على مصاب الحسينعليه‌السلام ، فإنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة.

٢ ـ فضل البكاء والحزن على الحسينعليه‌السلام

٢٢٣ ـ البكاء على أمناء الرحمن :

(المنتخب للطريحي ، ص ١٦ ط ٢)

يقول فخر الدين الطريحي : فيا إخواني ، كيف لا نبكي على أمناء الرحمن ، وسادات أهل الزمان؟. وكيف لا نجدد النوح والأحزان ، في كل آن ومكان؟. على الشهيد العطشان ، النائي عن الأهل والأوطان ، المدفون بلا غسل ولا أكفان؟.فعلى الأطائب من أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فليبك الباكون ، وإياهم فليندب النادبون ، ولمثلهم تذرف الدموع من العيون.

٢٢٤ ـ فضيلة البكاء من خشية الله :

(أخبار الدول للقرماني ص ١١١)

قال الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام : ما اغرورقت عين بمائها من خشية الله ، إلا وحرّم اللهعزوجل وجه صاحبها على النار. فإن سالت على الخدين دموعه ، لم يرهق وجهه قتر ولا ذلّة. وما من شيء إلا له جزاء إلا الدمعة ، فإن الله تعالى يكفّر بها بحور الخطايا. ولو أن باكيا بكى في أمة ، لحرّم الله تلك الأمّة على النار.

(أقول) : ومن هذا القبيل بكاء المؤمن على الإمام الحسينعليه‌السلام .

٢٢٥ ـ البكاء من خوف الله وخشيته :

(أسرار الشهادة ، ص ٤٨)

يقول الفاضل الدربندي : ومنها أن البيت المبني من الطين إذا انهدم أمكن إصلاحه بقرب من الماء ، فكذلك الإنسان المخلوق أصله من الطين ، إذا فسد أمره بارتكاب المعصية ، أمكنه تداركه بإرسال العبرات على الحسرات. كما قال أمير

٢٣٦

المؤمنين ، وسيد الموحدين ، وتاج رؤوس البكّائينعليه‌السلام : أمحوا المثبّتات من العثرات بالمرسلات من العبرات.

٢٢٦ ـ البكاء على الحسينعليه‌السلام هو من خشية الله :

(المصدر السابق ، ص ٤٩)

ويقول الفاضل الدربندي : واعلم أن البكاء على مصاب أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا سيما على مصاب سيد الشهداء روحي له الفداء ، ليس أمرا مغايرا للبكاء من خوف الله تعالى. حتّى يتمشّى سؤال : أهل البكاء من خوف الله تعالى أفضل ، أم البكاء على سيد الشهداءعليه‌السلام ؟. بل إن البكاء عليه هو البكاء في محبة الله ، والبكاء المنبعث عن التقرب إلى الله.

٢٢٧ ـ البكاء من خوف الله قسمان :

(المصدر السابق)

ثم يقول الفاضل الدربندي : فإن شئت أن توضّح المطلب في غاية الإيضاح فقل :إن البكاء من خوف الله تعالى ينحلّ إلى نوعين وينقسم إلى قسمين :

الأول : أن يكون منشأ البكاء معاصي الإنسان ، وتذكّره لحالة الاحتضار وأهوال البرزخ والمحشر والعقوبات التي يستحقها. فهذا البكاء وإن كان يطلق عليه أيضا أنه بكاء من خوف الله وقسم منه ، إلا أنه في الحقيقة يرجع إلى بكائه على نفسه وعلى ذنبه.

الثاني : أن يكون ذلك البكاء في مقام محبة الله تعالى ، وملاحظة عظمة صفاته وكبريائه وجبروته ، وفي مقام التفكر في التقصير في عبادته. وهذا في مقام ذوق حلاوة مناجاته ومحبته التي انبعثت عنها المحبة والموالاة لأوليائه وحججه ، فلا يلاحظ في هذا القسم أصلا رجاء الثواب ولا الخوف من العقاب. فلا شك أن هذا القسم من البكاء هو أفضل من القسم الأول. ومما لا شك فيه أن البكاء على مصاب آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذا القسم ، إذ قد عرفت أن المحبة والموالاة لهم مما يرجع إلى محبة الله وموالاته. ويتضح هذا المطلب عند الفطن المتدبر ، إذا لا حظ عوم الأئمة الطاهرين ، وسباحة حجج الله المعصومين ، في بحار البلايا وقواميس المصائب ، لأجل محبة الله تعالى.

شرح : القواميس : جمع قاموس ، وهو البحر العظيم.

٢٣٧

٢٢٨ ـ ثواب البكاء عامة على الحسين ومصيبة سائر الأئمةعليه‌السلام :

(الخصال الأربعمائة ٢ / ٦٣٥ والبحار ٤٤ / ٢٨٧)

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إن الله تبارك وتعالى اطّلع إلى الأرض فاختارنا ، واختار لنا شيعة ينصروننا ، ويفرحون لفرحنا ، ويحزنون لحزننا ، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا ، أولئك منا وإلينا.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كل عين باكية إلا عين بكت على مصاب الحسينعليه‌السلام ، فإنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة».

وقال الإمام الرضاعليه‌السلام للريان بن شبيب : إن سرّك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان ، فاحزن لحزننا ، وافرح لفرحنا ، وعليك بولايتنا. فلو أن رجلا تولّى حجرا حشره الله معه يوم القيامة.

وقال الإمام عليعليه‌السلام : كل عين يوم القيامة باكية ، وكل عين يوم القيامة ساهرة ، إلا عين من اختصه الله بكرامته ، وبكى على ما ينتهك من الحسين وآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . (راجع مقتل العوالم ص ٥٢٥).

٢٢٩ ـ من قطرت عينه قطرة على الحسينعليه‌السلام :

(مجالس المفيد ، ص ٣٤٠ وأمالي الطوسي ١ / ١١٦ والبحار ٤٤ / ٢٧٩)

عن الإمام الحسينعليه‌السلام قال : ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة ، أو دمعت عيناه فينا دمعة ، إلا بوّأه الله تعالى بها في الجنة (غرفا يسكنها) حقبا. (وفي رواية) : أحقابا أحقابا.

شرح : الحقبة من الدهر : مدة لا وقت لها ، جمعها : حقب. وهي كناية عن الدوام.

٢٣٠ ـ فضيلة البكاء على الحسينعليه‌السلام :

(مقتل العوالم ، ج ١٧ ص ٥٢٦)

في (تفسير علي بن إبراهيم) عن الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام قال : كان علي ابن الحسينعليه‌السلام يقول : أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن عليعليه‌السلام دمعة ، حتّى تسيل على خده ، بوّأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا. وأيما مؤمن دمعت عيناه (دمعا) حتّى يسيل دمعه على خده ، لأذى مسّنا من عدونا في الدنيا ، بوّأه الله مبوّأ صدق في الجنة. وأيما مؤمن مسّه أذى فينا ، فدمعت عيناه حتّى يسيل

٢٣٨

دمعه على خديه ، من مضاضة ما أوذي فينا ، صرف الله عن وجهه الأذى ، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار.

٢٣١ ـ البكاء على الحسينعليه‌السلام يحطّ الذنوب :

(بحار الأنوار للمجلسي ، ج ٤٤ ص ٢٨٢)

عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال لفضيل : تجلسون وتتحدثون؟. قال : نعم جعلت فداك. قال : إن تلك المجالس أحبّها ، فأحيوا أمرنا يا فضيل ، فرحم الله من أحيا أمرنا.

يا فضيل ، من ذكرنا أو ذكرنا عنده ، فخرج من عينه مثل جناح الذباب ، غفر الله له ذنوبه ، ولو كانت أكثر من زبد البحر.

٢٣٢ ـ حديث : نفس المهموم لظلمنا تسبيح :

(مجالس المفيد ، ص ٣٣٨ وأمالي الطوسي ١ / ١١٥ والبحار ٤٤ / ٢٧٨)

عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال : نفس المهموم لظلمنا تسبيح ، وهمهّ لنا عبادة ، وكتمان سرّنا جهاد في سبيل الله.

ثم قالعليه‌السلام : يجب أن يكتب هذا الحديث بالذهب.

٢٣٣ ـ حديث : من دمعت عينه فينا دمعة :

(مجالس المفيد ، ص ١٧٤ وأمالي الطوسي ١ / ٩٧ والبحار ٤٤ / ٢٧٩)

عن محمّد بن أبي عمارة الكوفي ، قال : سمعت جعفر بن محمّدعليه‌السلام يقول :من دمعت عينه فينا دمعة ، لدم سفك لنا ، أو حقّ لنا أنقصناه ، أو عرض انتهك لنا أو لأحد من شيعتنا ، بوّأه الله تعالى بها في الجنة حقبا.

٢٣٤ ـ حديث : من ذكرنا عنده :

(كامل الزيارات ، ص ١٠٤ والبحار ٤٤ / ٢٨٥)

عن فضيل بن فضالة ، عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال : من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ، حرّم الله وجهه على النار.

وروي عن الصادقعليه‌السلام قال : لكل سرّ ثواب ، إلا الدمعة فينا.

٢٣٩

٢٣٥ ـ حديث الإمام الصادقعليه‌السلام لمسمع كردين :

(كامل الزيارات ، ص ١٠١ والبحار ٤٤ / ٢٨٩)

سأل الإمام الصادقعليه‌السلام مسمع كردين ، وهو من أهل العراق : هل يبكي على الحسينعليه‌السلام ؟ فقال : بلى

قال : ثم استعبر واستعبرت معه. فقالعليه‌السلام : الحمد لله الّذي فضّلنا على خلقه بالرحمة ، وخصّنا أهل البيت بالرحمة.

يا مسمع ، إن الأرض والسماء لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين رحمة لنا. وما بكى لنا من الملائكة أكثر. وما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا. وما بكى أحد رحمة لنا ولما لقينا ، إلارحمه‌الله قبل أن تخرج الدمعة من عينيه. فإذا سالت دموعه على خده غفر الله ذنوبه ، ولو كانت مثل زبد البحر. فلو أن قطرة من دموعه سقطت في جهنم ، لأطفأت حرّها حتّى لا يوجد لها حرّ. وإن الموجع لنا قلبه ليفرح يوم يرانا عند موته ، فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتّى يرد علينا الحوض. وإن الكوثر ليفرح بمحبّنا إذا ورد عليه ، حتّى أنه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه.

٢٣٦ ـ حديث : من تذكر مصابنا وبكى :

(أمالي الصدوق ، ص ٦٨ وبحار الأنوار ٤٤ / ٢٧٨)

قال الإمام الرضاعليه‌السلام : من تذكّر مصابنا وبكى لما ارتكب منا ، كان معنا في درجاتنا يوم القيامة. ومن ذكّر بمصابنا فبكى وأبكى ، لم تبك عينه يوم تبكي العيون. ومن جلس مجلسا يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.

٢٣٧ ـ الحسينعليه‌السلام قتيل العبرة :

(أمالي الطوسي ، ص ١٢١)

عن الإمام الصادقعليه‌السلام (قال) قال الحسين بن عليعليه‌السلام : أنا قتيل العبرة ، قتلت مكروبا ، وحقيق على الله أن لا يأتيني مكروب قط ، إلا ردّه الله وأقلبه إلى أهله مسرورا.

وعن الحسينعليه‌السلام قال : أنا قتيل العبرة ، لا يذكرني مؤمن إلا استعبر.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735