موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 0%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

موسوعة كربلاء

مؤلف: الدكتور لبيب بيضون
تصنيف:

الصفحات: 735
المشاهدات: 423441
تحميل: 4228


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 423441 / تحميل: 4228
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء 1

مؤلف:
العربية

الفصل السابع

فلسفة النهضة الحسينيّة وأهدافها

١ ـ أسباب ضة الحسينعليه‌السلام

٢ ـ مبررات النهضة

٣ ـ متى يجب القيام؟

٤ ـ لماذا خرج الحسينعليه‌السلام بعياله؟

٥ ـ هل ألقى الحسينعليه‌السلام بيده إلى التهلكة؟

ـ بين هجرة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهجرة السبطعليه‌السلام

٦ ـ معالم النهضة المقدّسة

٧ ـ أهداف ضة الحسينعليه‌السلام

٨ ـ ثمرات النهضة الحسينية

ـ فلسفة الابتلاء.

٢٦١

نهضة الإمام الحسين (ع)

قال الامام الحسين (ع) في وصيته لاخيه محمد بن الحنفية :

إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ، ولا مفسدا ولا ظالما ، وانما خرجت أطلب الاصلاح في أمة جدي محمد (ص).

أريد أن آمر بالمعروف وانهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدي محمد (ص) وسيرة أبي علي بن أبي طالب (ع).

وقال الشاعر على لسان الامام الحسين (ع) :

إن كان دين محمد لم يستقم

الا بقتلي ، يا سيوف خذيني

٢٦٢

الفصل السابع

فلسفة النهضة الحسينيّة وأهدافها

* تعريف بالفصل :

قبل الدخول في النهضة الحسينية وأحداثها المختلفة ، لا بدّ لنا من معرفة أسبابها وأهدافها ونتائجها. وهو ما سنعالجه في هذا الفصل.

نبدأ الفصل بالتفريق بين معنى (النهضة) ومعنى الثورة ، ثم نبيّن أسباب النهضة التي واكبت موت معاوية ومجيء يزيد ، وقد تغيرت الأوضاع ومستوى الانحراف عما كانت عليه في عهد الإمام الحسنعليه‌السلام ، وأصبح الإسلام على عتبة الزوال والاضمحلال. فكان لا بدّ لقائد الأمة وهو الحسينعليه‌السلام من القيام بمسؤوليته في التصحيح والأمر بالمعروف. لقد كان تصميم بني أمية من خلال معاوية على تقويض الإسلام ، وفق المستوى النظري والعملي ، فحاولوا الإبقاء على المظهر الخارجي للإسلام كغطاء ، للإجهاض على معانيه وجوهره الداخلي. ومن أهم مظاهر ذلك التغيير إحباط نظام الشورى ، وجبر المسلمين على نظام الملكية الوراثية ، الّذي يحاربه الإسلام ولا يرضى به. فاستلم معاوية الحكم قهرا عن المسلمين ، بالخديعة والمكر والنزاع والخروج على إمام زمانه ، وهو يعلم أنه من الطلقاء الذين ناهضوا هم وآباؤهم الدعوة الإسلامية منذ بزوغها ، والذين لا تجوز لهم الخلافة قطعا ، مصداقا لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان ، الطلقاء وأبناء الطّلقاء».

وقد استخدم معاوية وبنو أمية في حربهم للإسلام ، ولنشر المبادئ المعاكسة للإسلام ، كلّ وسيلة من وسائل الإرهاب والتجويع والتهجير والتفريق للتسلط على المسلمين. وبما أن المسلمين كانوا قد وصلوا إلى وضع معنوي مائع مهلهل ، فقد عملت أساليب بني أمية فعلها فيهم ، واستعبدتهم لأنهم كانوا عبيدا للدنيا ، وكان الدين لعقا على ألسنتهم ، يحوطونه ما درّت معايشهم. لكن أهداف هذه الردّة

٢٦٣

الجديدة ضد الإسلام ، بعد ردّة مسيلمة الكذاب ، لم تدم كثيرا بفضل نهضة الحسينعليه‌السلام وإيقاظه ضمائر المسلمين للدفاع عن دينهم وشريعتهم ، ونبذ أعداء الإسلام المتبرقعين بلباسه ورسمه. فكانت ثورة كربلاء نقطة الانطلاق إلى ثورات مستمرة لم تسكن حتّى قوّضت عرش الأمويين عام ١٣٢ ه‍. وكما يقول الفيلسوف الألماني (ماربين) : «إن الحسين قد أدى الغاية الأساسية من نهضته بأسلوبه الفذّ العبقري ، حتّى أن استشهاده قد قصم عمر تلك الدولة العنصرية إلى أقل من مائة عام ، بينما كان يتوقع لها أن تعيش أضعاف تلك المدة».

وبعد مناقشة أسباب النهضة ومراميها ، نردّ على من زعم أن الحسينعليه‌السلام كان مخطئا في خروجه على يزيد ، وأنه بخروجه شقّ عصا المسلمين ، وهؤلاء نفسهم لم ينسبوا إلى معاوية هذا الحكم حين شقّ عصا الطاعة فعلا وخرج على إمام زمانه أمير المؤمنين عليعليه‌السلام وحاربه ، وسبّب بذلك تشتت المسلمين وتنازعهم ، وبالتالي أضعف الإسلام والمسلمين إلى يوم الدين.

ثم نردّ على من ادّعى أن الحسينعليه‌السلام قد ألقى بنفسه إلى التهلكة ، إذ لم يكترث بالنصائح العديدة التي وجّهت إليه. كما نردّ على الذين أنكروا عليه حمله نساءه وأطفاله معه إلى كربلاء.

وكما قال بعضهم : لو قدّر هؤلاء الناصحون الأخطار المحيطة بالإسلام في ذلك المنعطف التاريخي الحاسم ، كما قدّرها الحسينعليه‌السلام ، لكان الأولى بهم نصرته بالسيف والسنان ، عن تقديم النصيحة له بالقول واللسان.

وننهي الفصل بلمحة عن «فلسفة الابتلاء». وكيف أن الله يبتلي المؤمنين أكثر من الفاسقين والكافرين ، ليعلي من منزلتهم ويجعلهم قدوة ومنارا للآخرين.

ـ الفرق بين الثورة والنهضة :

المقصود من كلمة (النهضة) في هذا الفصل ، تلك الحركة المدروسة المخططة التي قام بها الإمام الحسينعليه‌السلام ، والتي كان عارفا بمقاصدها ومصمما على خوضها ، مهما كلفّه ذلك من إيثار وبذل وتضحيات.

ولم تكن تلك الحركة وليدة الصدفة والاتفاقات ، ولا نتيجة ردود فعل ولا أحقاد ، بل كانت خطة مقررة ، تسير على خط مرسوم ، من أول حركتها إلى آخر أحداثها ، تنهج على مبدأ راسخ ورسالة ثابتة. خطة رسمها الإمام العظيم ، ذو العقل

٢٦٤

الكبير والقلب الجريء ، لا يبغي من ورائها النتائج الوقتية الآنيّة ، بقدر ما يرمي إلى نتائجها الجسيمة البعيدة المدى.

وبحق لقد كانت شهادة الحسينعليه‌السلام في كربلاء يوم عاشوراء ، المشعل الّذي ألهب الثورة في قلوب المسلمين للحفاظ على عقيدتهم والدفاع عن شريعتهم ، بعد ما أظهرعليه‌السلام حقيقة منتحلي الإسلام ، من الأعوان والحكام. فما لبثت الثورات أن تعاقبت تباعا بعد استشهاد الحسينعليه‌السلام ، حتّى تقوّض عرش بني أمية في قرن من الزمن ، وقد كان مقدّرا له أن يدوم عدة قرون.

١ ـ أسباب نهضة الحسينعليه‌السلام

* مدخل :

لم تكن معركة الحق مع الباطل سهلة بسيطة ، بل كانت متشابكة المعالم. وحين استلم عثمان الخلافة طأطأ بنو أمية فرحا ، وعلموا أن الأمر قد توطّد لهم. وفعلا فإن عثمان ـ وهو من وجوه بني أمية ـ قد فعل ما حذّره منه سلفه عمر بن الخطاب ، فعزل الولاة الأكفاء ، واستبدل بهم ولاة من بني أمية ، حتّى صار مروان بن الحكم طريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمين سرّ الخليفة ، يسرح ويمرح.

ولما تولى الخلافة الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام أصيب بنو أمية بنكسة عارمة ، وخافوا أن يفلت الأمر من أيديهم إلى الأبد ، فقاموا بقيادة زعيمهم معاوية ، الّذي تمركز في الشام ، قاموا بإعلان الحرب على الإمام وخلع الطاعة عن خليفة الإسلام. وبما أنه ليس لهم أي سهم وقدم في الإسلام أمام عليعليه‌السلام . فحاولوا إيهام الرأي العام بأن علياعليه‌السلام له ضلع في مقتل عثمان ، أو أنه متواطئ مع قتلته لأنه لم يقبض عليهم ويحاكمهم.

وفي الواقع إن الّذي قتل عثمان هو معاوية ، لأنه منّاه بالمساعدة العسكرية سرّا ، حتّى إذا أحيط به أسلمه وتخلّى عنه. أما قتلة عثمان ، فإن الأمر لما صار بيد معاوية لم يحاكمهم ولم يقبض عليهم ، فما عدا مما بدا!.

وتنفس بنو أمية الصعداء حين اغتيل عليعليه‌السلام ، فتنادوا لحرب الإمام الحسنعليه‌السلام ، بعد أن فتنوا أصحابه بالأموال ، وأفسدوا ضمائرهم بالآمال.

٢٦٥

فكانت حكمة الحسنعليه‌السلام أن يلوذ بالصلح حقنا للدماء. لكن الحسينعليه‌السلام وإن رضي بالصلح طاعة لأخيه الحسنعليه‌السلام ، إلا أنه كان كمن يجدع أنفه بالمقراض ويضرب بالسياط. وظل محترما لعهد الصلح الّذي أمضاه أخوه رغم تخلّي معاوية عنه ، فلم يجد بعد وفاة أخيه أية مصلحة في التحرك ، مادام معاوية حيا.

لكن ما أن هلك معاوية سنة ٦٠ ه‍ حتّى صمم الحسينعليه‌السلام على إعلان النهضة المقدسة ، لتوفّر ظروفها وأسبابها. ومن هذه الظروف تكشير يزيد عن أنيابه للإجهاز على آخر رمق من الإسلام ، ثم تنادي العراقيين لعقد رايتهم تحت لواء الحسينعليه‌السلام . وقد صرّح الحسينعليه‌السلام بأنه لم يبايع معاوية ولن يبايع يزيد ، وأنه يرفض كل حلّ سلمي أو وسط. وحتى لو كان بعض أهل العراق قد شبّ على الشقاق والنفاق والغدر والخيانة ، فكان لا بدّ له كمسؤول عن الدين والإسلام ، من متابعة المسيرة معهم إلى آخر الطريق. لأن من واجبه إقامة الحجة عليهم ، واستيعابهم وعدم التخلي عنهم.

ولم يكن من رأيهعليه‌السلام البقاء في الحجاز ، لأن أهلها لم يكونوا من المتعاطفين معه ، ولا أن يسير إلى اليمن لأنهم لم يثبتوا صلابتهم سابقا. فكان العراق ملجأه الوحيد.

وحتى مع علم الحسينعليه‌السلام بغدر أهل العراق وسرعة تقلّبهم ، وبأن مصيره القتل المعلوم ، إلا أن ذلك لا يسوّغ له شرعا إلا أن يعاملهم على الظاهر ، وينهد إليهم عند الطلب. فكان هو كبش الفداء ، الّذي قدّم نفسه عامدا متعمدا ، قربانا لإحياء دين جده ، إن لم يكن ذلك عاجلا فآجلا.

وكان كلما نصحه أحد من أصحابه ، كأخيه محمّد بن الحنفية أو ابن عمه عبد الله بن عباس أو ابن عمه عبد الله بن جعفر أو غيرهم ، بالبقاء أو المسير إلى جهة أخرى ، كان يشكرهم على نصيحتهم ، ويعتذر لهم بأن ما قضى الله فهو كائن ، وأن مسيره إلى مصرعه ليس بأمره.

وحين قال له ابن الحنفية : فما سبب حملك هذه النسوة معك؟ أجابعليه‌السلام :«قد شاء الله تعالى أن يراهنّ سبايا».

٢٦٨ ـ الدوافع إلى النهضة :

(وقعة كربلاء للشيخ الركابي ص ٧٤)

إن جملة من العوامل دفعت الإمام الحسينعليه‌السلام إلى إعلان نهضته إثر حكم

٢٦٦

يزيد ، منها نقض معاوية لبنود الصلح بتولية يزيد ، ومنها مكاتبة أهل العراق للحسينعليه‌السلام يطلبون منه النهوض.

والسؤال الّذي يطرح نفسه بإلحاح ، هو مدى تأثير دعوة أهل الكوفة للإمامعليه‌السلام للثورة ، وهل إن هذا العامل يعتبر سرّ التحرك الحسيني؟. وما هي الدوافع الحقيقية من تحرك الإمامعليه‌السلام ؟. أهي للشهادة كما صوّرها البعض ، باعتبار أنه يعلم مصيره المحتوم؟ أم لإقامة حكومة إسلامية؟.

وللإجابة على هذا السؤال نقول : إن حركة الإمام الحسينعليه‌السلام هي حركة روحية ، وحاجة نفسية ، كحاجة الإنسان إلى الماء والغذاء. فلو أن الحسينعليه‌السلام لم يكن عالما بمصيره ، لم يكن تحرّكه المندفع من الشعور الذاتي ليتغير عما فعل.

٢٦٩ ـ الأسباب المباشرة وغير المباشرة لنهضة الحسينعليه‌السلام وما هو تكليفه الواقعي والظاهري :

(مقتل الحسين للسيد عبد الرزاق المقرّم ص ١٩٧)

قال السيد عبد الرزاق المقرّم بعد عرضه لنصائح الأصحاب :

هذه غاية ما وصل إليه إدراك من رغب في تريّثهعليه‌السلام عن السفر إلى العراق.وأبو عبد الله الحسينعليه‌السلام لم تخف عليه نفسيات الكوفيين وما شيبت من الغدر والنفاق ، ولكن ماذا يصنع بعد إظهارهم الولاء والانقياد له والطاعة لأمره ، وهل يعذر أمام الأمة في ترك ما يطلبونه من الإرشاد والانقاذ من مخالب الضلال ، وتوجيههم إلى الأصلح الّذي يرضي الله رب العالمين ، مع أنه لم يظهر منهم الشقاق والخلاف. واعتذارهعليه‌السلام عن المصير إليهم بما جبلوا عليه من الخيانة كما فعلوا مع أبيه وأخيه ، يسبب إثارة اللوم من كل من يبصر ظواهر الأشياء. والإمام المقيّض لهداية البشر أجلّ من أن يعمل عملا يكون للأمة الحجة عليه. والبلاد التي أشاربها ابن عباس وغيره لا منعة فيها ، وما أجرى بسر بن أرطاة مع أهل اليمن يؤكد وهنهم في المقاومة والضعف عن ردّ الباغي.

وبهذا يصرّح الشيخ التستري أعلى الله مقامه ، فإنه يقول : كان للحسينعليه‌السلام تكليفان : واقعي وظاهري.

أما [التكليف الواقعي] الّذي دعاه للإقدام على الموت وتعريض عياله للأسر وأطفاله للذبح مع علمه بذلك ، فالوجه فيه أن عتاة بني أمية قد اعتقدوا أنهم على

٢٦٧

الحق ، وأن عليا وأولاده وشيعتهم على الباطل ، حتّى جعلوا سبّه من أجزاء صلاة الجمعة ، وبلغ الحال ببعضهم أنه نسي اللعن في خطبة الجمعة ، فذكره وهو في السفر فقضاه. وبنوا مسجدا سمّوه (مسجد الذكر) فلو بايع الحسين يزيد وسلّم الأمر إليه لم يبق من الحق أثر ، فإن كثيرا من الناس يعتقد بأن المحالفة لبني أمية دليل استصواب رأيهم وحسن سيرتهم. وأما بعد محاربة الحسين لهم وتعريض نفسه المقدسة وعياله وأطفاله للفوادح التي جرت عليهم ، فقد تبيّن لأهل زمانه والأجيال المتعاقبة أحقيته بالأمر وضلال من بغى عليه.

وأما [التكليف الظاهري] فلأنهعليه‌السلام سعى في حفظ نفسه وعياله بكل وجه ، فلم يتيسّر له وقد ضيّقوا عليه الأقطار ، حتّى كتب يزيد إلى عامله على المدينة أن يقتله فيها ، فخرج منها خائفا يترقّب ، فلاذ بحرم الله الّذي هو أمن الخائف وكهف المستجير ، فجدّوا في إلقاء القبض عليه أو قتله غيلة ولو وجد متعلقا بأستار الكعبة ، فالتزم بأن يجعل إحرامه عمرة مفردة وترك التمتع بالحج ، فتوجه إلى الكوفة لأنهم كاتبوه وبايعوه وأكدوا المصير إليهم لإنقاذهم من شرور الأمويين ، فألزمه التكليف بحسب ظاهر الحال إلى موافقتهم إتماما للحجة عليهم ، لئلا يعتذروا يوم الحساب بأنهم لجؤوا إليه واستغاثوا به من ظلم الجائرين ، فاتّهمهم بالشقاق ولم يغثهم. مع أنه لو لم يرجع إليهم ، إلى أين يتوجه وقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت؟!. وهو معنى قولهعليه‌السلام لعبد الله بن جعفر :

«لو كنت في حجر هامّة من هذه الهوام ، لاستخرجوني حتّى يقتلوني».

٢٧٠ ـ من أسباب نهضة الحسينعليه‌السلام لأحد علماء الأزهر :

(الحسين في طريقه إلى الشهادة للسيد علي بن الحسين الهاشمي ص ١٢)

قال الأستاذ محمّد عبد الباقي سرور ، أحد علماء الأزهر ، في كتابه (الثائر الأول في الإسلام) ص ٧٩ ط مصر :

فلو بايع الحسين يزيد الفاسق المستهتر ، والذي أباح الخمر والزنا ، وحطّ بكرامة الخلافة إلى مجالسة الغانيات وعقد حلقات الشراب في مجلس الحكم ، والذي ألبس الكلاب والقرود جلاجل من ذهب ، ومئات الألوف من المسلمين صرعى الجوع والحرمان. لو بايع الحسين يزيد أن يكون خليفة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على هذا الوضع ، لكانت فتيا من الحسين بإباحة هذا للمسلمين. وكان سكوته هذا أيضا على

٢٦٨

هذا رضى ، والرضى عن ارتكاب المنكرات ولو بالسكوت إثم وجريمة في حكم الشريعة الاسلامية. والحسين بوضعه الراهن في عهد يزيد هو الشخصية الأولى المسؤولة في الجزيرة العربية بل في البلاد الاسلامية كافة ، عن حماية التراث الإسلامي ، لمكانته في المسلمين ولقرابته من رسول رب العالمين ، ولكونه بعد موت كبار المسلمين أعظم المسلمين في ذلك الوقت علما وزهدا وحسبا ومكانة.فعلى هذا الوضع أحسّ بالمسؤولية تناديه وتطلبه لإيقاف المنكرات عند حدها ، ولا سيما أن الّذي يرتكب هذه المنكرات ويشجع عليها هو الجالس في مقعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

هذا أولا ، وثانيا : إنهعليه‌السلام جاءته المبايعات بالخلافة من جزيرة العرب ، وجاءه ثلاثون ألفا من الخطابات من ثلاثين ألفا من العراقيين من سكان البصرة والكوفة ، يطلبون فيها منه الشخوص لمشاركتهم في محاربة العربيد (يزيد بن معاوية). وألحّوا في تكرار هذه الخطابات ، حتّى قال رئيسهم عبد الله بن أبي الحصين الأزدي : يا حسين سنشكوك إلى الله تعالى يوم القيامة إذا لم تلبّ طلبنا وتقوم لنجدة الإسلام. وكيف والحسين ذو حمية دينية ونخوة إسلامية ، والمفاسد تترى أمام عينيه ، كيف لا يقوم بتلبية النداء!. وعلى هذا الوضع لبّىعليه‌السلام النداء كما تأمر به الشريعة الإسلامية ، فنحا نحو العراق.

(أقول) : ولقد فات الأستاذ سرور أن يكمل كلامه المنصف فيقول : وبالحق لو لم يقم الحسينعليه‌السلام بثورته هذه ، لما كانت تقوم للإسلام قائمة من بعده ، لطغيان الباطل وانطفاء شعلة الإسلام.

٢ ـ مبررات النهضة

* مدخل :

يتساءل الكثيرون : لماذا قام الحسينعليه‌السلام بنهضته المباركة ، في حين لزم الحسينعليه‌السلام جانب الصمت؟. والواقع أن الظروف التي صارت في عصر يزيد تختلف كثيرا عن الظروف التي كانت في عهد معاوية. فحين صالح الإمام الحسنعليه‌السلام مكرها ، ثم داس معاوية على وثيقة الصلح ، انكشفت حقيقته لأتباع الحسنعليه‌السلام وقد كانوا مغرورين به ، فأصبحوا مهيئين للثورة ضده أكثر من ذي قبل.

٢٦٩

هذا من ناحية المحكومين ، أما من ناحية الحاكم ، فإن يزيد كان معلنا بالفسق ، بينما معاوية فقد كان متسترا به ، وإن موت معاوية جعل الحسينعليه‌السلام في حلّ من عقد الصلح كل هذا دفع الحسينعليه‌السلام إلى إعلان النهضة المقدسة في وجه الباطل.

يقول أحدهم في هذا المعنى : (مجموعة نفيسة ، ص ٤٤٨ ط إيران)

لما مات معاوية وانقضت مدة الهدنة التي كانت تمنع الحسينعليه‌السلام من الدعوة إلى نفسه ، أظهر أمره بحسب الإمكان ، وأبان عن حقه للجاهلين به ، حالا بعد حال ، إلى أن اجتمع له في الظاهر الأنصار. فدعا إلى الجهاد وشمّر للقتال ، وتوجّه بولده وأهل بيته من حرم الله وحرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحو العراق ، للاستنصار بمن دعاه من شيعته على الأعداء.

وقد اقتطعت هذه الفقرات من كتاب (الأئمة الاثنا عشر ـ دراسة تحليلية) للأستاذ عادل الأديب ، من ص ١٠٥ ـ ١٢٣ :

٢٧١ ـ تغير الأوضاع بين عصر الحسنعليه‌السلام وعصر الحسينعليه‌السلام :

إن دور الإمام الحسنعليه‌السلام يختلف عن دور الإمام الحسينعليه‌السلام . ففي مرحلة الإمام الحسينعليه‌السلام ارتفع الشك عن المسلمين في صحة المعركة وشرعيتها ، وأصبح المسلمون في هذه المرحلة يعيشون تجربة الإمام عليعليه‌السلام كمثل أعلى للحكم الإسلامي العادل. وأدركوا أن انتصار بني أمية هو انتصار للإرستقراطية الجاهلية التي ناصبت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه العداء ، والتي جاهدها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى قضى عليها ، وأقاموا على أنقاضها دعائم الإسلام.

ولا ندهش إذا كره المسلمون بني أمية وغطرستهم وكبريائهم وإثارتهم للأحقاد القديمة ونزوعهم للروح الجاهلية ، والأمويون لم يعتنقوا الإسلام إلا سعيا وراء مصالحهم الشخصية(١) . وهم أول من ابتدع وبشكل سافر في التاريخ الإسلامي نظما وتقاليد بعيدة عن الإسلام ، محاولة منهم التشبّه بملوك الفرس والبيزنطيين ، وحوّلوا الخلافة إلى ملك كسروي وعصب قيصري(٢) .

__________________

(١) تاريخ الإسلام للدكتور حسن إبراهيم ، ج ١ ص ٢٧٨.

(٢) رسالة في معاوية والأمويين للجاحظ ، تحقيق عزة العطار ، ص ١٦.

٢٧٠

٢٧٢ ـ الإسلام على شفا جرف هار :(المصدر السابق ص ١٠٦)

أما بالنسبة لواقع المجتمع الإسلامي ووعيه لقضية الإسلام ، فقد تلخصت نظرة الحسينعليه‌السلام له بالحقيقة التالية : وذلك أن الأمة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم تكن تملك وعيا عقائديا ، وأن أقصى ما أفادته منه عاطفة رسالية ، أخذت تتضاءل بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نتيجة للأخطاء والتقصيرات المتراكمة والمتلاحقة ، التي مارسوها عبر حياتهم العلمية والعملية ، هذه التقصيرات والأخطاء التي قد لا يحسّ بكل واحد منها على حدة ، ولكنها حين تتراكم تتحول إلى واقع فاسد ، والواقع الفاسد يتحول إلى فتنة(١) ، كما حدث للحسينعليه‌السلام في زمن يزيد.

٢٧٣ ـ الحسينعليه‌السلام أمام مسؤولية الثورة :(المصدر السابق)

هذه الحقائق هي التي دفعت بالحسينعليه‌السلام لأن يخوض غمار معركة يائسة ، حتّى ولو كان لا يرجى منها النصر العسكري الآني. فالمعركة خاسرة لا محالة في حسابها العاجل ، ولكنه استهدف بعمله هذا أن يهزّ ضمير الأمة ، وأن يعيد للإنسان المسلم همّه الرسالي الكبير ، بعد أن غرق حتّى أذنيه بهموم مصلحية صغيرة. فرأى الحسينعليه‌السلام أن يشقّ طريقه في وسط الأمة ، وأن يبذل وجوده ، ووجود أصحابه وأهله وذويه ، بعمل فدائي لاهب ، وأن لا يبخل على مسيرته بما تحتاجه من وقود ، إن من دماء الأمة وآلامها ، وإن من قلبه ودمه.

إلا أن الحسينعليه‌السلام بكل ما حفل به من صفات وظروف مواتية ، أدرك أن تحريك الأمة وهزّها ، لا يمكن أن تجدي له الكلمات والخطب الحماسية ، بل لا بدّ من تحريك إرادتها المهزومة بفدية تتوهج بالدم ، مبرهنا على صدق رؤيته للحاضر والمستقبل ، بتضحيته الفريدة.

٢٧٤ ـ بين فقدان الثقة وفقدان الإرادة :(المصدر السابق ، ص ١٠٨)

لقد أسرع الحسينعليه‌السلام بأخذ زمام المبادرة بعد أن أدرك بأن المجتمع في ظرفه الحالي وتأثره الشديد بالتخدير الديني للأفكار المضللة التي روّج لها بنو أمية ، وخوفه من القمع المادي ، وخضوعه الطويل للحكام المستبدين ؛ لا يمكن أن تنبعث فيه مفاهيم الرسالة ، بطريق الحوار الفكري والإقناع ، فهو آخر شيء يمكن أن يؤثر

__________________

(١) الكامل لابن الأثير ، ج ٣ ص ٢٦٤.

٢٧١

فيه. ولأن الأمة كما ذكرنا في عصر الإمام الحسنعليه‌السلام قد ابتليت بظاهرة الشك في القيادة ، فكان الصلح أسلوبا تسترجع معه الثقة ؛ أما الأمة في عصر الحسينعليه‌السلام فقد ابتليت بفقدان الإرادة ، وتميّعت فيها إرادة النضال ، وأصبح المسلمون أذلاء مستضعفين ، فهم يدركون بعد الخليفة الأموي عن الإسلام ، وأن الحسينعليه‌السلام هو القائد الحق ، ولكن إرادتهم كانت ضعيفة إزاء نصرة الحسينعليه‌السلام ، وكما قيل : «قلوبهم مع الحسين ، وسيوفهم عليه»(١) .

هذا القول الأخير هو تصوير دقيق ومعبّر للمجتمع الّذي وصل إليه الوضع الأموي ، بكل ما ملك من أسباب القوة والتشريد والتقتيل ، فكانت بوادر الخنوع والرضا بالوضع القائم ، لإيجاد مختلف الوسائل والمبررات على القعود والاستكانة(٢) .

فالحسينعليه‌السلام أراد باستشهاده الفاجع إيقاظ الإرادة المخدّرة بفعل المذاهب الدينية المفتعلة ، ولكي تكون سوطا لاهبا يدمي ظهور الحكام ، وموقظا بها تلك النفوس الغافلة لتقوم بمحاكمة واعية لذاتها إزاء نظرة الرسالة ، ويعينها في تحرير إرادتها من ظاهرة القلق والتردد الفكري ، وتفاقم شكّها في القيادة الحكيمة ، وهو بهذا يخرجها إلى مواقف ثابتة ، تأخذ أبعادها بوعي من تحديات الشريعة الإسلامية وموقفها الصارم من الإنحراف.

٢٧٥ ـ الحسينعليه‌السلام لا يعبأ بالنصائح والتحذيرات :

وإزاء إصرار الإمامعليه‌السلام على خطة الثورة ، نشطت محاولات كثيرة تنصح الحسينعليه‌السلام بعدم القيام بأي عمل من شأنه أن يشعل فتيل المواجهة مع يزيد ، بحجة الفشل المحتم لنتائج المواجهة العسكرية المحتملة ، ولكن الإمامعليه‌السلام كان يعرف هدفه جيدا ببصيرته المعصومة ، بأنه سوف ينتصر باستشهاده الفاجع ، ولا يفكر بنتائج الربح العسكري الآني ، مع علمه بقلة العدد وخذلان الناصر : «ألا وإني زاحف بهذه الأسرة ، على قلة العدد وخذلان الناصر».

ولمن يريد أن يفهم الحسينعليه‌السلام في ثورته ، عليه أن يبحث عن أهدافه ونتائج

__________________

(١) القول للفرزدق الشاعر ، انظر الطبري ، ج ٤ ص ٢٩٠.

(٢) ثورة الحسينعليه‌السلام في الواقع التاريخي والوجدان الشعبي للشيخ محمّد مهدي شمس الدين ، ص ٢١.

٢٧٢

ثورته ، في غير النصر الآنيّ الحاسم ، وفي غير الاستيلاء على مقاليد الحكم والسلطان.

فالنصوص المتوفرة لدينا تدلّ بصراحة على أن الحسينعليه‌السلام كان عالما بالمصير الّذي كان ينتظره. ولقد كان يجيب من ينصحه بالمهادنة والسكوت ، ومن يخوفونه بالموت :

«لقد غسلت يدي من الحياة ، وعزمت على تنفيذ أمر الله»(١) .

٢٧٦ ـ محاولة معاوية حرف مبادئ الإسلام على المستويين النظري والعملي :

(المصدر السابق ، ص ١١٧)

لقد مال الإمام الحسنعليه‌السلام من خلال صلحه مع معاوية إلى إيقاف العمل السياسي والعسكري الظاهر ولو مؤقتا ، لكي يسترجع الإمامعليه‌السلام قيادته ، وثقة الجماهير به ، بعد أن ينكشف معاوية أمام الجماهير ، وتتضح معالم أطروحته الجاهلية لها. فمعاوية في أواخر حياته فقد كل رصيده الروحي ، وكل تلك المبررات التي اصطنعها لنفسه ، محاولا تزييفها في نفوس المسلمين.

وحين سيطر معاوية على الحكم نتيجة للهدنة مع الحسنعليه‌السلام بدأ يعمل بدأب من أجل تهديم الإسلام وحرفه ، ومن أجل تثبيت أطروحته وقيادته الجاهلية ، سواء على المستوى النظري أو المستوى العملي.

٢٧٧ ـ تغيير مفاهيم الإسلام :

(المصدر السابق)

أخذ معاوية يعمل على طمس وتشويه النظرية الإسلامية ومحاولة تزييفها ، ولعل أخطر ما توصل إليه الأمويون من طرق التغلب على الشعور الإسلامي الثائر ، وتحطيم ما لأهل البيتعليهم‌السلام من سلطان روحي على المسلمين ؛ وذلك بتخدير شعورهم الديني ، وإيجاد تبرير ديني لسلطان بني أمية ، أو على الأقل لكبح الجماهير عن الثورة ، برادع داخلي هو الدين نفسه.

وتمثلت أساليبه في طمس النظرية الإسلامية وتزييفها بالخطين التاليين :

١) ـ اختلاق الأحاديث وشراء الأحاديث من بعض الذين كان لهم من

__________________

(١) ثورة الحسينعليه‌السلام في الواقع التاريخي والوجدان الشعبي ، ص ٢٠.

٢٧٣

الاستعداد في ذم عليعليه‌السلام والبراءة منه ، والكذب على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مقابل عطاء كبير. أما بالنسبة للذين أبوا الانصياع لأوامره في الدس والكذب على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد نعتهم بالروافض ، لأنهم رفضوا مسايرته وتنفيذ خططه الجاهلية ، وحاول الضغط عليهم وإرهابهم بشتى الوسائل.

فقد كتب معاوية إلى ولاته بعد «عام الجماعة «أن برئت الذمة ممن روى شيئا في فضل أبي تراب وأهل بيته. فقام الخطباء المنافقون في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليا ويبرؤون منه. وكان أشد الناس بلاء على حكمه حينئذ أهل الكوفة لكثرة ما بها من شيعة الإمامعليه‌السلام ، فاستعمل عليها زياد بن سمية وضم إليه البصرة ، فكان يتتبع الشيعة فيقتلهم تحت كل حجر ومدر ، وقطع الأيدي والأرجل ، وسمل العيون ، وصلبهم على جذوع النخل ، وطردهم وشرّدهم عن العراق(١) .

وقد عملت أحاديث عمرو بن العاص وأبي هريرة والمغيرة بن شعبة وعمرو ابن الزبير عملها السام ، وأعطت ثمارها الخبيثة ، في صورة تسليم تام وخضوع أعمى للحكم الأموي(٢) .

٢) ـ اختلاق الفرق الدينية ذات الأغراض السياسية باسم الإسلام ، لتبرير حكم بني أمية ، بعد أن توضع لها التفسيرات الدينية المضللة ، وتصاغ بأطر إسلامية مزيفة ، تتّخذ اسم (المرجئة) تارة (والجبرية) أخرى ، هادفين من وراء هذا العمل الدنيء لفت أنظار المسلمين عن الثورة.

فمعاوية أول من قال بالفكرة الجبرية ودافع عنها ، وأوهم الناس أنه طالما كل شيء يجري بقضاء الله ، فإن تولّيه الحكم هو بأمر الله ومشيئته ، وهو يؤتي الملك من يشاء ، وينزع الملك ممن يشاء. فاعتلاؤه إلى السلطة هو عطاء إلهي ومشروع.

أما المرجئة فكانوا عونا وسندا لحكم معاوية ، جاءت آراؤهم ومعتقداتهم تبريرا لخلافته ، وإقناعا للمسلمين بوجوب طاعته. وتتلخص فكرتهم في توقّف الحكم

__________________

(١) ثورة الحسينعليه‌السلام في الواقع التاريخي والوجدان الشعبي للشيخ محمّد مهدي شمس الدين ، ص ١٦٤.

(٢) الحركات السرية في الإسلام للذكتور محمود إسماعيل ، ص ٩٣. والمغني في أبواب التوحيد والعدل للقاضي عبد الجبار ، ج ٨ ص ٤.

٢٧٤

على فاعل الكبيرة ، وإرجاء أمره إلى الله ، فهو يحاسبه وليس نحن. ويقولون بأن الإيمان تصديق بالقول وليس بالعمل.

ولا غرو فقد تحول معظم المسلمين إلى «الإرجاء «وعنوا بأمورهم الداخلية ، دون النظر إلى نوعية السلطة الحاكمة ، وخاصة عند حدوث الفتن.

ويستند المرجئة لترويج مذهبهم بحديث ينقلونه عن لسان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :

«ستكون فتن ، القاعد فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي ...».

وفعلا نرى أن ظاهرة التخدير الديني أخذت تتمكن من النفوس وتتجاوب معها ، وأخذ الوعي الإسلامي بالانحسار ، حتّى أصبح الإسلام مهددا في وجوده كرسالة للحياة.

٢٧٨ ـ استخدام أساليب الإرهاب والتجويع والتهجير والتفريق ، للتسلط على المسلمين :

(المصدر السابق ، ص ١٢١)

أما على مستوى الأمة التطبيقي ، فقد مارس معاوية ألوانا كثيرة من الإذلال ، ومحاولات دؤوبة لتمييع شخصية الأمة ، وإثارة الضغائن والأحقاد القومية والإقليمية والطبقية داخل المجتمع الإسلامي.

حتّى أننا نشاهد ذلك الإنسان المسلم الّذي حارب بالأمس طاغوت كسرى ، ووقف أمامه متحديا بكل إباء ، وعاش هموم المظلومين والمحرومين في كل أرجاء الأرض ، ينقلب فجأة إلى فرد لا يهمه إلا عطاؤه وطعامه ومصالحه الشخصية الحقيرة.

فبنو أمية استعانوا بكل وسائل القمع والقهر لتبديد قوة الخصوم ، وسحق الجماعات المعارضة لهم بالأساليب التالية :

١ ـ الإرهاب : وكان الرجل ـ على عكس مبدأ الإسلام ـ يؤخذ بمجرد الشبهة ، ويجرى القصاص مع أهل بيته إذا لم يمكن مسكه. وسيرة زياد بن أبيه لم تنس بعد ، فقد خطب في أهل العراق مهددا بأنه سيأخذ البريء بالمسيء. حتّى إذا ردّه حجر بن عديّ في هذا وذكّره بقوله تعالى :( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) [الأنعام : ١٦٤] صنع معه ما صنع ، حتّى كانت حادثة قتل حجر وأصحابه رضي الله عنهم.

٢٧٥

٢ ـ التجويع : فكانت سياسة معاوية تخفيض جرايات أهل العراق وزيادة جرايات أهل الشام ، مبررا عمله هذا بقوله : الأرض لله ، وأنا خليفة الله ، فما آخذ من مال الله فهو لي ، وما تركته كان جائزا لي.

٣ ـ الطرد الجماعي والتهجير : فقد حمل زياد بن أبيه والي العراق في زمن معاوية خمسين ألفا من الكوفيين وأجبرهم على النزوح من الكوفة إلى خراسان ، وبذلك حطّم المعارضة في الكوفة وخراسان معا.

٤ ـ إحياء النزعة القبلية والعنصرية : كان يثيرها معاوية لسببين :

الأول : لضمان ولاء القبائل له.

الثاني : لضرب بعضهم ببعض.

ولقد أثار معاوية العصبية العنصرية عند العرب عموما ضد المسلمين غير العرب.

٢٧٩ ـ نهضة الحسينعليه‌السلام :(المصدر السابق ، ص ١٢٣)

ومن هنا رأى الحسينعليه‌السلام أن كل شيء جاهز ، ليطلق الإسلام صيحته في حسم هذا الركام الّذي يغطّ في نوم عميق ، لعلها تشقّ سمعه ولو بعد حين. وكان الحسينعليه‌السلام أول من شقّ طريقه في وسط الأمة ، ورمى بثقله في إصلاح كيانها من الداخل ، ولم يبخل على مسيرته بما تحتاجه من وقود ، من نفسه ومن دماء أصحابه.

٣ ـ متى يجب القيام؟

* مدخل :

كانت دعوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أول أمرها سرّية ، حتّى اجتمعت له مقوّمات معينة لإعلانها على الملأ. ومن أهم هذه المقوّمات وجود الأنصار الصادقين. ولذلك قال الإمام عليعليه‌السلام : «لو تمكّنت من أربعين رجلا ...». وحين اجتمع له الأنصار بعد عثمان قام بالأمر ، وقال في آخر خطبته الشّقشقيّة : «أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة (أي خلق الناس) ، لولا حضور الحاضر ، وقيام الحجة بوجود الناصر ، وما أخذ الله على العلماء في أن لا يقارّوا على كظةّ ظالم ولا سغب مظلوم ؛ لألقيت حبلها على غاربها ..». أي لو لا هذه الأشياء لأقلعت عن الخلافة وتركتها.

٢٧٦

من هذه الوثيقة المقدسة ، نتعرّف على أسباب النهضة لإحقاق الحق وإزهاق الباطل ، وهي :

١ ـ وجود الأنصار الملتزمين ، الذين لا يسلمون رئيسهم عند الوثبة.

٢ ـ أن النهضة تكون أكثر تعيّنا على العلماء وهم قادة الحق والدين ، فالله قد أخذ ميثاقهم على إنكار كل ظلم وحيف ، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إذا كان في ذلك فائدة تحصل ، آنيّة أو مستقبلية.

ومن هذا المنطلق وجد الحسينعليه‌السلام أن الانحراف عن الدين استشرى ، وأنه قد تسلّط على الخلافة أعتى وجوه القوم. فحين آنس من الأنصار القيام ،

لم يتلكأ ساعة عن إعلان النهضة. إنها المسؤولية الشرعية الكبرى التي تقع على كل مسلم ، وعلى كل عالم ، فكيف على إمام الأمة وممثل الإسلام؟!.

وفي مقابل هذه النهضة المبينة ، بدأ الإعلام الأموي يفعل فعله.

٢٨٠ ـ الإعلام الأموي المضاد للثورة :

(ثورة الحسين في الواقع التاريخي والوجدان الشعبي ص ٢٨ ـ ٣١)

قال الشيخ محمّد مهدي شمس الدين :

لقد تمثلت جهود الأمويين في سبيل تعطيل فعل الثورة في الأمة باتجاهات ثلاثة :

ـ الاتجاه الأول : رفع مسؤولية يزيد عما حدث ، وإلقاء المسؤولية على ابن زياد.تماما كما فعل في كتابه الصغير الّذي وصفه المؤرخون بأنه (أذن فأرة) وقد أرفقه يزيد مع كتابه الكبير إلى الوليد بن عتبة واليه على المدينة ، بأخذ البيعة من أهلها. وجاء في كتابه الصغير : خذ البيعة من الحسينعليه‌السلام ، فإن أبى فاضرب عنقه ، وابعث إليّ برأسه. أراد بهذا الكتاب الصغير أيضا تعمية الأمر على الناس وخداعهم وإضاعة المسؤولية.

ـ الاتجاه الثاني : تشويه الثورة ، ومنه إيهام الناس بأن الحسينعليه‌السلام عرض على يزيد أن يضع يده في يده. وهذا محال ينفيه تصريح عقبة بن سمعان. ثم إيهام الناس أن الثورة هي من صنع الخوارج والحرورية.

٢٧٧

ـ الاتجاه الثالث : نزع صفة الشرعية عن الثورة الحسينية ، وأن الحسينعليه‌السلام كان مخطئا في قيامه على يزيد.

وقد صوّب أكثر علماء السنة قيام الحسينعليه‌السلام على الظلم والفساد ، نعطي أمثلة منهم.

٢٨١ ـ تصويب الخارجين على الظلم :

(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي ، ص ٦٨)

يقول ابن عماد : والعلماء مجمعون على تصويب قتال عليعليه‌السلام لمخالفيه ، لأنه الإمام الحق. ونقل الاتفاق أيضا على تحسين خروج الحسينعليه‌السلام على يزيد ، وخروج ابن الزبير وأهل الحرمين على بني أمية ، وخروج ابن الأشعث ومن معه من كبار التابعين وخيار المسلمين على الحجاج. ثم الجمهور رأوا جواز الخروج على من كان مثل يزيد والحجاج ، ومنهم من جوّز الخروج على

كل ظالم.

وعدّ ابن حزم خروم الإسلام أربعة : قتل عثمان ، وقتل الحسينعليه‌السلام ، ويوم الحرّة ، وقتل ابن الزبير.

٢٨٢ ـ قول ابن الجوزي :

(ثورة الحسين في الواقع التاريخي والوجدان الشعبي ، ص ٣٢)

قال ابن الجوزي في (السرّ المصون) :

من الاعتقادات العامية التي غلبت على جماعة من المنتسبين إلى السنة أنهم قالوا : كان يزيد على الصواب ، والحسينعليه‌السلام مخطئ في الخروج عليه وإنما يميل إلى هذا جاهل بالسيرة ، عاميّ المذهب ، يظن أنه يغيظ بذلك الرافضة.

٢٨٣ ـ قول الشوكاني :

(نيل الأوطار للشوكاني ، ج ٧ ص ١٤٧)

وقال الشوكاني : لقد أفرط بعض أهل العلم ، فحكموا بأن الحسين السبط رضي الله عنه وأرضاه ، باغ على الخمّير السّكّير الهاتك لحرمة الشريعة المطهرة يزيد بن معاوية لعنهم الله. فياللعجب من مقالات تقشعر منها الجلود ، ويتصدّع من سماعها كل جلمود.

٢٧٨

٢٨٤ ـ تأييد نهضة الحسينعليه‌السلام للشيخ محمّد عبده :

(مقتل الحسين للمقرم ، ص ١٣)

قال الشيخ محمّد عبدهرحمه‌الله : إذا وجدت في الدنيا حكومة عادلة تقيم الشرع ، وحكومة جائرة تعطله ، وجب على كل مسلم نصر الأولى وخذل الثانية.

ثم قال : ومن هذا الباب ، خروج الإمام الحسينعليه‌السلام سبط الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على إمام الجور والبغي ، الّذي ولي أمر المسلمين بالقوة والمكر يزيد بن معاوية ، خذله الله ، وخذل من انتصر له من الكرامية والنواصب(١) . قال تعالى :( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ ) (٩) [الحجرات : ٩].

٢٨٥ ـ من الّذي خرج على إمام زمانه؟ :

(أقول) : ولقد دفع التعصب المقيت بعض المؤرخين حتّى إلى تخطئة الإمام الحسينعليه‌السلام في نهضته ، وقالوا : إنه كان يجب عليه أن لا يخرج على إمام زمانه!. سمعت هذا بأذني من إذاعة دمشق في الخمسينات ، في حديث للأستاذ الشهير علي الطنطاوي قبل ارتحاله إلى السعودية. فلقد قال : إن يزيد هو الإمام الواجب الطاعة ، وإن الحسين مخطئ لأنه خرج على إمام زمانه!.

(أقول) : ومتى كان يزيد إمام زمان الحسينعليه‌السلام ؟. ومن الّذي وضعه إماما عليهم ، سواء من أهل الحل والعقد ، أو من أجلّاء الصحابة والتابعين ، من الأنصار والمهاجرين؟. لا بل إن أبناء الصحابة المشهورين كلهم لم يبايعوا يزيد رغم الإنذار والوعيد ؛ أمثال : عبد الرحمن بن أبي بكر ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير.وإذا كان لا يجوز القيام ضدّ الفاجر المتسلط يزيد لأنه إمام زمانهم ، فلما ذا قام أهل المدينة بثورتهم ضد يزيد وأخرجوا عامله منها؟ وكانت لهم معه وقعة الحرّة في المدينة ، التي قتل فيها أجلّاء الصحابة والتابعين!. أفهؤلاء كلهم كانوا على خطأ ، ويزيد هو الوحيد الّذي كان على حق ، يا شيخ علي؟!.

__________________

(١) تفسير المنار ، ج ١ ص ٣٦٧ في تفسير سورة المائدة الآية ٣٦ و ٣٧ ؛ وج ١٢ ص ١٨٣ و ١٨٥.

٢٧٩

٤ ـ لماذا خرج الحسينعليه‌السلام بعياله؟

٢٨٦ ـ ما العذر في خروج الحسينعليه‌السلام من مكة بأهله وعياله؟ :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٢٥)

قال السيد المرتضى في كتاب (تنزيه الأنبياء) :

فإن قيل : ما العذر في خروج سيد الشهداءعليه‌السلام من مكة بأهله وعياله إلى الكوفة ، والمستولي عليها أعداؤه والمتأمّر فيها من قبل يزيد اللعين بتسلط الأمر والنهي ، وقد رأى صنع أهل الكوفة بأبيه وأخيهعليهم‌السلام ، وأنهم غادرون خوّانون؟وكيف خالف ظنّه ظنّ جميع نصحائه في الخروج ، وابن عباس يشير عليه بالعدول عن الخروج ويقطع على العطب فيه ، وابن عمر لما ودّعه يقول له : أستودعك الله من قتيل إلى غير ذلك ممن تكلم في هذا الباب. ثم لما علم بقتل مسلم بن عقيل وقد أنفذه رائدا له ، كيف لم يرجع ، ويعلم الغرور من القوم ويفطن بالحيلة والمكيدة؟ ثم كيف استجاز أن يحارب بنفر قليل لجموع عظيمة خلفها موادّ لها كثيرة؟ ثم لما عرض عليه ابن زياد الأمان وأن يبايع يزيد ، كيف لم يستجب حقنا لدمه ودماء من معه من أهل بيته وشيعته ومواليه ، ولم ألقى بيده إلى التهلكة؟. وبدون هذا الخوفسلّم أخوه الحسنعليه‌السلام الأمر إلى معاوية ، فكيف يجمع بين فعليهما في الصحة؟.

يقول السيد محسن الأمين في (لواعج الأشجان) ص ٢١٩ ط نجف :

وقد أجاب السيد المرتضى عن هذا السؤال بما حاصله : إن الحسينعليه‌السلام غلب على ظنه بمقتضى ما جرى من الأمور ، أنه يصل إلى حقه بالمسير ، فوجب عليه ، وذلك بمكاتبة وجوه الكوفة وأشرافها وقرائها ، مع تقدّم ذلك منهم في أيام الحسنعليه‌السلام وبعد وفاته ، وإعطائهم العهود والمواثيق طائعين مبتدئين مكررين للطلب ، مع تسلطهم على واليهم في ذلك الوقت وقوتهم عليه وضعفه عنهم ...ثم يقول السيد المرتضى عليه الرحمة : وأما الجمع بين فعله وفعل أخيه الحسنعليه‌السلام فواضح صحيح ، لأن أخاه سلّم (الأمر) كفّا للفتنة وخوفا على نفسه وأهله وشيعته ، وإحساسا بالغدر من أصحابه ، وهذا (أي الحسين) لمّا قوي في ظنه النصرة ممن كاتبه ووثق له ، ورأى من أسباب قوة نصّار الحق وضعف نصّار الباطل ،

٢٨٠