موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 13%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 452154 / تحميل: 5261
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

ما وجب معه عليه الطلب والخروج. فلما انعكس ذلك وظهرت أمارات الغدر فيه وسوء الاتفاق ، رام الرجوع والمكافّة والتسليم كما فعل أخوه ، فمنع من ذلك وحيل بينه وبينه. فالحالان متفقان ، إلا أن التسليم والمكافّة عند ظهور أسباب الخوف لم يقبلا منه ، ولم يجب إلى الموادعة ، وطلبت نفسه فمنع منها بجهده ، حتّى مضى كريما إلى جنة الله ورضوانه ، وهذا واضح لمتأمله (انتهيكلام السيد المرتضى).

٢٨٧ ـ تعليق العلامة المجلسي :(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٢٦)

قال المحقق المحدث المجلسي بعد نقل كلام السيد المرتضى :

وقد مضى في كتابه (الإمامة) وكتاب (الفتن) أخبار كثيرة دالة على أن كلا منهمعليه‌السلام كان مأمورا بأمور خاصة ، مكتوبة في الصحف السماوية النازلة على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهم كانوا يعملون بها. ولا ينبغي قياس الأحكام المتعلقة بهم على أحكامنا. وبعد الاطلاع على أحوال الأنبياءعليهم‌السلام وأن كثيرا منهم كانوا يبعثون فرادى في ألوف من الكفرة ، ويسبّون آلهتهم ويدعونهم إلى دينهم ، ولا يبالون بما ينالهم من المكاره والضرب والحبس والقتل والإلقاء في النار ، ولا ينبغي الاعتراض على أئمة الدين في أمثال ذلك ، مع أنه بعد ثبوت عصمتهم بالبراهين والنصوص المتواترة ، لا مجال للاعتراض عليهم ، بل يجب التسليم لهم في كل ما صدر عنهم.

على أنك لو تأملت حق التأمل علمت أنهعليه‌السلام فدى بنفسه المقدسة دين جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم تنزلزل أركان دولة بني أمية إلا بعد شهادته ، ولم يظهر للناس كفرهم وضلالتهم إلا عند فوزه بسعادته. ولو كان يسالمهم ويوادعهم كان يقوى سلطانهم ويشتبه على الناس أمرهم ، فتعود بعد حين أعلام الدين طامسة وآثار الهداية مندرسة. مع أنه قد ظهر لك من الأخبار السابقة أنهعليه‌السلام هرب من المدينة خوفا من القتل.

إلى مكة ، وكذا خرج من مكة بعد ما غلب على ظنه أنهم يريدون غيلته وقتله ، حتّى لم يتيسّر له أن يتمّ حجّه ، فتحلل وخرج منها خائفا يترقب. وقد كانوا ضيّقوا عليه جميع الأقطار ولم يتركوا له موضعا للفرار.

ولقد رأيت في بعض الكتب المعتبرة أن يزيد أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر عظيم ، وولاه أمر الموسم ، وأمّره على الحاج كلهم ، وكان قد أوصاه بقبض

٢٨١

الحسينعليه‌السلام سرا ، وإن لم يتمكن منه بقتله غيلة. ثم إنه دسّ مع الحاج في تلك السنة ثلاثين رجلا من شياطين بني أمية ، وأمرهم بقتل الحسينعليه‌السلام على أي حال اتفق. فلما علم الحسينعليه‌السلام بذلك حلّ من إحرام الحج وجعلها عمرة مفردة.

وقد روي بأسانيد معتبرة ، أنهعليه‌السلام لما منعه محمّد بن الحنفية عن الخروج

إلى الكوفة ، قال : «والله يا أخي لو كنت في جحر هامّة من هوام الأرض ، لاستخرجوني منه حتّى يقتلونني». بل الظاهر أنه لو كان يسالمهم ويبايعهم لا يتركونه ، لشدة عداوتهم وكثرة وقاحتهم ، بل كانوا يغتالونه بكل حيلة ويدفعونه بكل وسيلة. وإنما كانوا يعرضون البيعة عليه أولا لعلمهم بأنه لا يوافقهم في ذلك.ألا ترى مروان ابن الحكم كيف كان يشير على والي المدينة بقتله قبل عرض البيعة عليه؟. وكان عبيد الله بن زياد يقول : اعرضوا عليه فلينزل على أمرنا ، ثم نرى فيه رأينا؟.

ألا ترى كيف أمنّوا مسلم بن عقيل ، ثم قتلوه؟!.

فأما معاوية فإنه مع شدة عداوته وبغضه لأهل البيتعليهم‌السلام كان ذا دهاء ونكراء وحزم ، وكان يعلم أن قتلهم علانية يوجب رجوع الناس عنه وذهاب ملكه وخروج الناس عليه ، فكان يداريهم ظاهرا على كل حال. ولذا صالحه الحسنعليه‌السلام ولم يتعرض له الحسينعليه‌السلام . ولذا كان معاوية يوصي ولده اللعين بعدم التعرض للحسينعليه‌السلام لأنه كان يعلم أن ذلك يصير سببا لذهاب دولته (انتهى كلام العلامة المجلسي).

٢٨٨ ـ لماذا خرج الحسينعليه‌السلام بعياله إلى العراق؟ :(مقتل المقرم ص ١٢٥)

ان الكلمة السديدة الناضجة في وجه حمل الحسين عياله إلى العراق مع علمه بما يقدم عليه ومن معه على القتل ، هو أنهعليه‌السلام لما علم بأن قتلته سوف تذهب ضياعا لو لم يتعقبها لسان ذرب(١) وجنان ثابت ، يعرّفان الأمة ضلال ابن ميسون(يزيد) وطغيان ابن مرجانة (ابن زياد) ، باعتدائهما على الذرية الطاهرة الثائرة في وجه المنكر ، ودحض ما ابتدعاه في الشريعة المقدسة.

وعرف سيد الشهداءعليه‌السلام من حرائر الرسالةعليه‌السلام الصبر على المكاره وملاقاة

__________________

(١) ذرب اللسان : ذو لسان حادّ. ولسان ذرب : أي فصيح.

٢٨٢

الخطوب والدواهي بقلوب أرسى من الجبال ، فلا يفوتهن تعريف الملأ المغمور بالترّهات والأضاليل ، نتائج أعمال هؤلاء المضلين ، وما يقصدونه من هدم الدين ، وأن الشهداء أرادوا بنهضتهم مع إمامهم إحياء شريعة جده محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وفي الحقيقة لقد أدت عقائل الوحي هذه الرسالة الجوهرية الخطيرة ، بجرأة وإخلاص ، وثبات ورباطة جأش ، رغم تفاقم الخطب وعظم المصيبة وقساوة المحنة فهاهي عقيلة الوحي زينبعليها‌السلام أخت الحسينعليه‌السلام تقف بجرأة وحزم أمام ابن زياد الجبار المتهور ، تفرغ عن لسان أبيها ، تقول له بكلام أنفذ من السهم ، وتلقمه حجرا وهي تقول :

«هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّ وتخاصم ، فانظر لمن الفلج (أي الفوز) ثكلتك أمك يابن مرجانة».ثم لا ننسى خطبها في الكوفة ومواقفها في الشامعليها‌السلام .

وها هي فاطمة بنت الحسين وأم كلثوم وسكينةعليهم‌السلام يتحدثن بمثل ما تحدثت به عمتهن زينبعليها‌السلام ، في ذلك الموقف الرهيب المحفوف بسيوف الخسف والغدر والجور ، فما يستطيع أحد أن يتفوه بكلمة واحدة مهما أوتي من الجرأة والثبات والصمود ، ومهما بلغ من القوة والمنعة والمنزلة ، فكيف بهنّ وقد أعلنّ للملأ أجمع عن كل موبقات ابن ميسون وابن مرجانة.

هذا على أنه وإن وضع الله الجهاد ومكافحة الأعداء عن المرأة وأمرها بلزوم بيتها ، فذاك فيما إذا قام بتلك المكافحة غيرها من الرجال ، وأما إذا توقف إقامة الحق عليها فقط ، بحيث لولا قيامها لدرست أسس الشريعة وذهبت الغاية من تضحية الصفوة ، كان الواجب القيام به.

ينتج من هذا أن جهاد العقيلات في معركة كربلاء كان في طرف موازنة مع جهاد الشهداء.

وجاء في (اللهوف) ص ٤٧ : ومما يمكن أن يكون سببا لحمل الحسينعليه‌السلام عياله ، أنه إن تركها بالحجاز أو غيرها من البلاد ، كان يزيد بن معاوية قد أنفذ ليأخذهن إليه ، وصنع بهن من الاستئصال وسيّئ الأعمال ، ما يمنع الحسين من الجهاد والشهادة.

٢٨٣

٥ ـ هل ألقى الحسينعليه‌السلام بيده إلى التهلكة؟

٢٨٩ ـ هل عرّض الحسينعليه‌السلام نفسه للتهلكة؟ :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٩)

يقول السيد عبد الرزاق المقرّم عن استشهاد الأئمةعليهم‌السلام :

وليس في إقدامهم على الشهادة إعانة على إزهاق نفوسهم القدسية وإلقائها في التهلكة الممنوع منه بنص الذكر المجيد ، فإن الإبقاء على النفس والحذر من إيرادها مورد الهلكة إنما يجب إذا كان مقدورا لصاحبها أو لم يقابل بمصلحة أهمّ من حفظها. وأما إذا وجدت هنا لك مصلحة تكافىء تعريض النفس للهلاك ، كما في الجهاد والدفاع عن النفس ، مع العلم بتسرب القتل إلى فئة من المجاهدين ، فيجب عندها بذل النفس والتضحية بها. ولقد أمر الله الأنبياء والمرسلين والمؤمنين فمشوا إليه قدما موطّنين أنفسهم على القتل وكم فيهم سعداء ، وكم من نبي قتل في سبيل دعوته ولم يبارح قوله دعوته حتّى أزهقت نفسه الطاهرة!. وقد تعبّد الله طائفة من بني إسرائيل بقتل أنفسهم فقال :( إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ ) [البقرة : ٥٤].

وقد أثنى سبحانه على المؤمنين في إقدامهم على القتل والمجاهدة في سبيل تأييد الدعوة الإلهية ، فقال تعالى :( إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ) [التوبة : ١١١] وقال تعالى :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ) [البقرة : ٢٠٧] وقال تعالى :( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (١٦٩) [آل عمران : ١٦٩].

٢٩٠ ـ التعبّد بالقتل أسمى درجات السعادة ، وليس هو إلقاء إلى التهلكة :

(اللهوف للسيد ابن طاووس ، ص ١٢)

يقول السيد ابن طاووس : ولعل بعض من لا يعرف حقائق شرف السعادة بالشهادة ، يعتقد أن الله لا يتعبّد بمثل هذه الحالة. أما سمع في القرآن الصادق المقال ، أنه تعبّد قوما بقتل أنفسهم ، فقال تعالى :( إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ ) [البقرة : ٥٤] أنه هو القتل ، وليس الأمر كذلك ، وإنما التعبد به من أبلغ درجات السعادة.

٢٨٤

ثم يعرض تفسير آية التهلكة بما ذكره الإمام الصادقعليه‌السلام ، وهو أن بعض الصحابة تخلّفوا عن نصرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأقاموا في بيوتهم لإصلاح أحوالهم ، فنزلت الآية :( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) [البقرة : ١٩٥] ومعناه : إن تخلّفتم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأقمتم في بيوتكم ألقيتم بأيديكم إلى التهلكة وسخط الله عليكم فهلكتم. وليست هذه الآية في رجل يحرّض على العدو أو يطلب الشهادة بالجهاد في سبيل الله رجاء الثواب والآخرة.

٢٩١ ـ دفع شبهة : هل ألقى الحسينعليه‌السلام بنفسه إلى التهلكة؟ :

(الأنوار النعمانية لنعمة الله الجزائري ، ج ٢ ص ٢٣٦)

يقول السيد نعمة الله الجزائري :

واعلم أن جماعة من مخالفينا أورد واهنا شبهة ، بل وربما قاله بعض الجهال فينا ، وهو أن الحسينعليه‌السلام كان عالما بأن يجري عليه ما جرى قبل مسيره إلى العراق ، فلم سار إليها حتّى صار كالمعين على نفسه؟. وهذه شبهة ركيكة ، والجواب عنها من وجوه :

الوجه الأول : أن الإمام إذا وجد الأعوان وجب عليه القيام بأمر الجهاد ، ولا يجوز له التقاعد عنه لظنه بهم الخذلان له ، كما لم يجز للأنبياءعليهم‌السلام ترك الجهاد لهذه المظنّة ، بل قاموا بالدعوة حتّى أصيبوا من الأمة بالمصائب العظام ، كما وقع لأولي العزم وغيرهم ، استتماما لحجة الله تعالى على الخلائق.

الوجه الثاني : أنهعليه‌السلام لو لم يسر إلى العراق لما تركوه ، ولو ذهب إلى المكان البعيد ، مصداقا لقولهعليه‌السلام لأخيه محمّد بن الحنفية ، حين نصحه بأن يلحق بالرمال من اليمن حتّى ينظر بواطن أهل العراق ، فقال له : يا أخي نعم ما رأيت من الصلاح ، ولكن هؤلاء القوم ما يسكتون عن طلبي أينما ذهبت حتّى يسفكوا دمي ، فعند ذلك يلبسهم الله ذلّ الدنيا والآخرة.

الوجه الثالث : أن الأنبياء والأئمةعليهم‌السلام قد خصّهم الله تعالى بأنواع من التكاليف ، فلعل هذا ـ وهو الإلقاء إلى التهلكة ـ منها ، نظرا إلى الحكم والمصالح الإلهية.

فإن قلت : كيف لم يبايع ليزيد حتّى لا يصل إليه الضرر ، كما بايع أخوه الحسنعليه‌السلام ؟ قلت : هذا مجرد كلام ، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. وذلك

٢٨٥

أنهعليه‌السلام رأى أخاه الحسنعليه‌السلام لما سالم معاوية ، وكيف فعل به أولا ، وكيف غدر به آخرا ، حتّى قتله مسموما. فما كان يصنع ابنه يزيد مع الحسينعليه‌السلام إلا أسوأ من هذا ، لأن معاوية كان فيه الدهاء ، وما كان يتجرأ على قتل الحسينعليه‌السلام ظاهرا ، ولهذا أوصى عند موته ليزيد ، أنك [إن] تظفر بالحسينعليه‌السلام فلا تقتله ، واذكر فيه القرابة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٢٩٢ ـ بين هجرة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهجرة السبطعليه‌السلام :

(من وحي الثورة الحسينية لهاشم معروف الحسني ، ص ٣١)

يقول السيد هاشم معروف الحسني :

هناك هجرتان من أجل الإسلام ورسالة الإسلام :

الأولى منهما : كانت فرارا من الموت الّذي استهدف رسالة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشخصه ، وقد نفّذها الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمر من ربه ، ليتابع رسالته وينقذها من مشركي مكة وجبابرة قريش وعلى رأسهم أبو سفيان.

والثانية : قام بها سبطه الزكي الحسين بن عليعليه‌السلام ولكنها كانت للشهادة ، بعد أن أدرك أن الأخطار المحدقة برسالة جده ، لا يمكن تفاديها وتجاوزها إلا بشهادته.

لقد هاجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مكة إلى المدينة لأجل رسالته ، بعد أن تآمرت قريش على قتله لتتخلص منها ، لأن بقاءها وانتشارها مرهون بحياته ، وبعد أن وجدت أن جميع وسائل العنف التي استعملتها معه خلال ثلاثة عشر عاما لم تغير من موقفه شيئا ، كما لم تجدها جميع الاغراءات والعروض السخية. وكان ردّه الأخير على عروض أبي سفيان وأبي جهل ومغرياتهما أن قال : «والله لو وضعتم الشمس في يميني ، والقمر في شمالي ، على أن أترك هذا الأمر ما تركته ، حتّى يحكم الله أو أهلك دونه».

وظل الحزب الأموي بقيادة أبي سفيان وأبنائه يتحيّن الفرص ويستغل المناسبات ليجهض على الإسلام وعلى قادة الإسلام ، بعد أن عملوا بكل جهدهم لإفراغ الإسلام من مضمونه الحقيقي واتخاذه أداة ظاهرية للوصول إلى الحكم.

وحين عادت الجاهلية تعصف برياحها على بلاد الإسلام ، وتلقي بظلها على المسلمين ، سطع ضوء في الظلام ومن بين ركام الإسلام المتداعي ، وأضاءت للملأ

٢٨٦

ملامح أمل جديد في دياجي ذلك الظلام المطبق ، وبدا للعالم إنسان يخطّ على التراب بدمه هذه الكلمات :

«ألا وإني لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برما».

إنه الحسين ، ابن علي وفاطمة الزهراءعليهم‌السلام سبط ذلك الرسول الّذي هاجر [الهجرة الأولى] من مكة إلى المدينة ، لأجل رسالته ولا نقاذها من الشرك والوثنية.جاء يهاجر [الهجرة الثانية] لأجل نفس الرسالة ولانقاذها من الشذوذ والانحراف والجور والفساد. خرج من مدينة جده محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عاصمة أبيه الكوفة ، خرج مهاجرا لإحياء دين جده ورسالته ، وإيقاظ الآمال في نفوس الفقراء والمستضعفين ، الذين باتوا يساقون كالأنعام بيد الولاة والحكام.

ولقد رضي الحسينعليه‌السلام أن يقدّم نفسه وأهله قربانا لهذه الرسالة ، حين رأى الموت والشهادة أحلى إلى قلبه من العقد الّذي يزيّن جيد الفتاة ، وحين أدرك أن لا عزّة ولا كرامة إلا بالجهاد والفداء.

لقد هاجر الحسينعليه‌السلام من مدينة جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أرض الشهادة والخلود ، ليقدّم دمه الزكي ودماء إخوته وأنصاره ثمنا لإحياء شريعة جده محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنقاذها من الضياع والاندثار.

وهكذا كانت نهضة الحسينعليه‌السلام الامتداد الطبيعي لرسالة جده محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وجهاد الحسينعليه‌السلام امتدادا لجهاد جده وأبيهعليه‌السلام ، مصداقا لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«حسين مني وأنا من حسين». فعقيدة الحسين هي من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ورسالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحيى وتبقى بالحسينعليه‌السلام .

٦ ـ معالم النهضة المقدسة

٢٩٣ ـ ثلاثة مشاعل من رسالة الحسينعليه‌السلام :

(مجلة الإسلام في معارفه وفنونه للشيخ حبيب آل إبراهيم ، بعلبك ،

السنة العاشرة ، العدد الأول ، نيسان ١٩٦٨)

ماهي رسالة الحسينعليه‌السلام ؟

تعال نسأل عنها الإمام الحسين نفسه

في يوم شهادته بالذات رفع الشهيد شعارات ثلاثة ،

٢٨٧

كانت خير عنوان للرسالة التي خرج يؤديها بدمه ،

ودم الشهداء الذين معه.

هذه الشعارات هي : المسؤولية ـ التصميم ـ العزّة.

١ ـ المسؤولية :

قال الإمام الحسينعليه‌السلام : «إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ، ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يحكم الله وهو خير الحاكمين».

هذه الكلمات مشاعل ، تضيء الطريق للسالكين ، بها يحدد سيد الشهداء أغراض نهضته : إنه لم يخرج طمعا بمنصب ولا عن انحراف ، إنما خرج يطلب الإصلاح في دين جده خاتم الرسلصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يريد أمرا بمعروف ونهيا عن منكر.

ها هنا مشعل!. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إنه المسؤولية ؛ مسؤولية المسلم عن عقيدته وممارستها.

ولقد كان أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام حيثما سار وثار ، نموذجا مثاليا للمسلم حين تحيق بعقيدته الآفات والأخطار.

ثم قال الحسينعليه‌السلام : «فمن قبلني بقبول الحق ، فالله أولى بالحق ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر ، حتّى يحكم الله ، وهو خير الحاكمين».

إنه ينادي : أيها الناس لا يكن ميزان قبولكم إياي شخصي ، إنما اقبلوني لأني أمثّل حقا. فمن قبلني فإنما يقبل الحق ، ومن ردّ عليّ فإنما يردّ على الحق هكذا ترتفع المبادئ فوق الأشخاص. وحينذاك تضيع النفوس وحاجاتها ، ويبقى المبدأ هو القائم البارز. ونعم ، يبقى الشخص بمقدار ما يمثّل من مبدأ.

٢ ـ التصميم :

وقالعليه‌السلام : «ألا وإن الدعيّ ابن الدعيّ ، قد ركز بين اثنتين : بين السّلةّ والذلة ، وهيهات منا الذلة ، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ، وجدود طابت ، وحجور طهرت ، وأنوف حميّة ، ونفوس أبيّة ، لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام».

٢٨٨

ها هو الحسينعليه‌السلام يعلن تصميمه على أداء رسالته ، وأنه لن يتراجع. وأنه يؤثر أن يموت ميتة الكرام في سبيل الرسالة ، على أن يطيع اللئام ولكن لماذا؟. من أين ينبع هذا التصميم؟.

من الله ورسوله ، ومن تربيته ، ومن نفسه. فلا الله يرضى له التراجع ولا رسوله ، ولا حقّ من ربّوه ، ولا نفسه.

مزيج من الدوافع ، لا أشمل ولا أكمل : الدين والتربية والنفسية. كلها تدفعه لأن يعلنها صريحة مدوّية : أنه لن يتراجع عن أداء رسالته ، ولو كلّفه ذلك مصرعه ...والدين في المقدمة.

وهذا مشعل!. الدين حافز لا يرضى التراجع ، ولا يقبل بأنصاف الحلول.

٣ ـ العزّة :

ثم قالعليه‌السلام : «لا والله ، لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقرّ إقرار العبيد».

كلمات تنضح بالعزة

إنه لن يسكت ذليلا ، ولن يسكت عبدا والمنحرفون يريدونه ذليلا وعبدا معا. ولو أنه ذل واستعبد لربما أنالوه ما يرضيه ؛ ولكنه عزّ ، وإذ عزّ ثار ولكم تكلّف.

العزة غاليا( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) [المنافقون : ٨].

وهذا مشعل!. الإيمان عزّ ، ولا ذلّ مع الإيمان.

٧ ـ أهداف نهضة الحسينعليه‌السلام

* مدخل :

قبل أن يسير الحسينعليه‌السلام من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة ، دعا بدواة وبياض وكتب وصية تاريخية لأخيه محمّد بن الحنفية. وهذه الوصية هي أفضل وثيقة صادرة عن صاحب النهضة ، يوضح فيها بجلاء أهداف نهضته المباركة ، يقول فيها :

«إني لم أخرج أشرا (أي فرحا) ولا بطرا ، ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن

٢٨٩

المنكر ، وأسير بسيرة جدي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسيرة أبي علي بن أبي طالبعليه‌السلام .فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق ، ويحكم بيني وبينهم وهو خير الحاكمين».

ففي هذه الوثيقة يبيّن الحسينعليه‌السلام ما يلي :

١ ـ أن نهضته ليس غرضها السلطان والدنيا وما يلازمها من الفرح والبطر ، ولا الإفساد والظلم.

٢ ـ أن نهضته تنطلق من مبدأ وجوب الإصلاح لكل فاسد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

٣ ـ أن غايته الأولى والأخيرة إحقاق الحق الّذي أبطله المتحكمون والمبطلون ، المتمثل بسيرة جده محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبيه عليعليه‌السلام .

٤ ـ أنه سوف يعمل جاهدا لتطبيق مبادئه السامية مستعينا بأنصار الحق ، وسوف يبذل في سبيل ذلك كل غال ورخيص ، ويصبر على تنفيذ ذلك ولو ضحّى بنفسه وما يملك.

والحسينعليه‌السلام رغم علمه بمصيره وشهادته ، التي وصلت حدّ الاشتهار ، إلا أنه كان يعمل وفق تكليفه الشرعي المبني على ظواهر الأمور.

٢٩٤ ـ هدفان رئيسيان للنهضة :

(الوثائق الرسمية لثورة الحسين لعبد الكريم الحسيني القزويني ، ص ١٢)

لو تصفحنا الوثائق الأولى لقائد هذه الثورة ـ الحسينعليه‌السلام ـ لرأيناها تحمل الهدفين التاليين :

١ ـ الثورة على حكم يزيد ، أي تغيير الجهاز الحاكم.

٢ ـ إقامة الشريعة الاسلامية وتطبيقها ، في مقابل المخالفات التي أشاعها الحكام آنذاك.

٢٩٥ ـ الحسينعليه‌السلام فاتح وليس مغامرا :(مقتل الحسين للمقرم ، ص ٥٦)

كان الحسينعليه‌السلام يعتقد في نهضته أنه فاتح منصور ، لما في شهادته من إحياء دين الرسول وإماتة البدعة وتفظيع أعمال المناوئين وتفهيم الأمة أنه أحق بالخلافة من غيره ، وإليه يشير في كتابه إلى بني هاشم :

٢٩٠

«من لحق بي منكم استشهد ، ومن تخلفّ لم يبلغ الفتح»(١) .

فإنهعليه‌السلام لم يرد بالفتح إلا ما يترتب على نهضته وتضحيته من نقض دعائم الضلال وكسح أشواك الباطل عن الشريعة المطهرة ، وإقامة أركان العدل والتوحيد ، وأن الواجب على الأمة القيام في وجه المنكر.

وهذا معنى كلمة الإمام زين العابدينعليه‌السلام لإبراهيم بن طلحة بن عبيد الله

لما سأله حين رجوعه إلى المدينة : «من الغالب؟». فقال السجّادعليه‌السلام : إذا دخل وقت الصلاة فأذّن وأقم ، تعرف الغالب!(٢) .

فإنه يشير إلى تحقّق الغاية التي ضحّى سيد الشهداء بنفسه القدسية من أجلها ، وفشل يزيد بما سعى له من إطفاء نور الله تعالى ومحو ذكر أهل البيتعليهم‌السلام ، وما أراده أبوه من نقض مساعي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإمائة الشهادة له بالرسالة ، بعد أن كان الواجب على الأمة في أوقات الصلوات الخمس الإعلان بالشهادة لنبي الإسلام ، ذلك الّذي هدم صروح الشرك وأبطل عبادة الأوثان. كما وجب على الأمة الصلاة على النبي وعلى آله الطاهرين في التشهدين ، وأن الصلاة عليه بدون الصلاة على آله : بتراء(٣) .

كما أن العقيلة زينبعليها‌السلام أشارت إلى هذا الفتح بقولها ليزيد : «فكد كيدك ، واسع سعيك ، وناصب جهدك ، فو الله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا تدرك أمدنا ، ولا يرحض عنك عارها وشنارها».

تصريحات الفيلسوف الألماني ماربين

٢٩٦ ـ أسرار شهادة الحسينعليه‌السلام للفيلسوف الألماني (ماربين):

(ذكرى الحسين للشيخ حبيب آل إبراهيم ، ج ٨ ص ٥٢)

قال الحكيم الألماني ماربين في كتابه (السياسة الإسلامية) من جملة كلام طويل :

لا يشك صاحب الوجدان إذا دقّق النظر في أوضاع ذاك العصر ، وكيفية نجاح بني

__________________

(١) كامل الزيارات ، ص ٧٥ ؛ وبصائر الدرجات للصفار ، ج ١٠ ص ١٤١.

(٢) أمالي الشيخ الطوسي.

(٣) الصواعق المحرقة ، ص ٨٧.

٢٩١

أمية في مقاصدهم واستيلائهم على جميع طبقات الناس وتزلزل المسلمين ، أن الحسين قد أحيا بقتله دين جده وقوانين الإسلام. ولو لم تقع تلك الواقعة ، ولم تظهر تلك الحسّيات الصادقة بين المسلمين لأجل قتل الحسين ، لم يكن الإسلام على ماهو عليه الآن قطعا ، بل كان من الممكن ضياع رسومه وقوانينه حيث كان يومئذ حديث العهد.

عزم الحسينعليه‌السلام على إنجاح هذا المقصد وإعلان الثورة ضد بني أمية من يوم توفي والده ، فلما قام يزيد مقام معاوية خرج الحسينعليه‌السلام من المدينة ، وكان يظهر مقصده العالي ، ويبث روح الثورة في المراكز الإسلامية المهمة كمكة والعراق وأينما حل ، فازدادت نفرة قلوب المسلمين ، التي هي مقدمة الثورة على بني أمية ، ولم يكن يجهل يزيد مقاصد الحسينعليه‌السلام ، وكان يعلم أن الثورة إذا أعلنت في جهة والحسين قائدها مع تنفر المسلمين عموما من حكومة بني أمية وميل القلوب وتوجه الانظار إلى الحسينعليه‌السلام ، عمّت جميع البلدان ، وفي ذلك زوال ملكهم وسلطانهم ، فعزم يزيد قبل كل شيء من يوم بويع على قتل الحسينعليه‌السلام . ولقد كان هذا أعظم خطأ سياسي صدر من بني أمية ، فجعلهم نسيا منسيا ولم يبق منهم أثر ولا خبر.

وأعظم الأدلة على أن الحسينعليه‌السلام أقدم على قتل نفسه ولم تكن من غرضه سلطنة ولا رئاسة ، هو أنه مضافا إلى ما كان عليه من العلم والسياسة والتجربة التي وقف عليها زمن أبيه وأخيه في قتال بني أمية ، كان يعلم أنه مع عدم تهيئة الأسباب له واقتدار يزيد ، لا يمكنه المقاومة والغلبة.

وكان يقول من يوم توفي والده إنه يقتل وأعلن يوم خروجه من المدينة أنه يمضي إلى القتل ، وأظهر ذلك لأصحابه والذين أتبعوه من باب إتمام الحجة ، حتى يتفرق الذين التفوا حوله طمعا بالدنيا ، وطالما كان يقول «وخير لي مصرع أنا لاقيه». ولو لم يكن قصده ذلك ولم يكن عالما عامدا ، لجمع الجنود ولسعى في تكثير أصحابه وزيادة استعداده ، لا أن يفرق الذين كانوا معه. ولكن لما لم يكن له قصد إلا القتل مقدمة لذلك المقصد العالي ، وإعلان الثورة المقدسة ضد يزيد ، رأى أن خير الوسائل إلى ذلك (الانفراد والمظلومية) ، فإنّ أثر هذه المصائب أشد وأكثر في القلوب.

من الظاهر أن الحسينعليه‌السلام مع ما كانت له من المحبوبية في قلوب المسلمين

٢٩٢

في ذلك الزمان ، لو كان يطلب قوة واستعدادا لأمكنه أن يخرج إلى حرب يزيد جيشا جرارا ، ولكنه لو صنع ذلك لكان قتله في سبيل السلطة والإمارة ، ولم يفز (بالمظلومية) التي انتجت تلك الثورة العظيمة. هذا هو الذي جعله لا يبقي معه إلا الذين لا يمكن انفكاكهم عنه ، كأولاده وإخوانه وبني أخوته وبني أعمامه وجماعة من خواص أصحابه ، حتى أنه أمر هؤلاء أيضا بمفارقته ، ولكنهم أبوا عليه ذلك ، وهؤلاء أيضا كانوا من المعروفين بين المسلمين بجلالة القدر وعظم المنزلة وقتلهم معه مما يزيد في عظم المصيبة وأثر الوقعة. نعم إن الحسينعليه‌السلام بمبلغ علمه وحسن سياسته بذل كمال جهده في إفشاء ظلم بني أمية وإظهار عداوتهم لبني هاشم وسلك في ذلك كل طريق.

ولما كان يعلم الحسينعليه‌السلام عداوة بني أمية له ولبني هاشم ، ويعرف أنهم بعد قتله يأسرون عياله وأطفاله ـ وذلك يؤيد مقصده ويكون له أثر عظيم في قلوب المسلمين سيما العرب كما قد وقع ـ حملهم معه وجاء بهم من المدينة.

نعم إن ظلم بني أمية وقساوة قلوبهم في معاملاتهم مع حرم محمد وصباياه أثّر في قلوب المسلمين تأثيرا عظيما لا ينقص عن أثر قتله وأصحابه. ولقد أظهر في عمله هذا عقيدة بني أمية في الإسلام وسلوكهم مع المسلمين سيما ذراري نبيهم. لهذا كان الحسين يقول في جواب أصحابه والذين كانوا يمنعونه عن هذا السفر : «إني أمضي إلى القتل» ولما كانت أفكار المانعين محدودة وأنظارهم قاصرة لا يدركون مقاصد الحسينعليه‌السلام العالية ، لم يألوا جهدهم في منعه ، وآخر ما أجابهم به أن قال لهم «شاء الله ذلك وجدي أمرني به». فقالوا إن كنت تمضي إلى القتل فما وجه حملك النسوة والأطفال ، فقال : «إن الله شاء أن يراهن سبايا». ولما كان الحسين بينهم رئيسا روحانيا لم يكن لهم بدّ من السكوت.

ومما يدل على أنه لم يكن له غرض إلا ذلك المقصد العالي الذي كان في نفسه ، ولم يتحمل تلك المصائب لسلطنة وإمارة ولم يقدم على هذا الخطر من غير علم ودارية ـ كما تصوره بعض المؤرخين منا ـ أنه قال لبعض ذوي النباهة قبل الواقعة بأعوام كثيرة ، على سبيل السلوة : إنه بعد قتلي وظهور تلك المصائب المحزنة ، يبعث الله رجالا يعرفون الحق من الباطل ، يزورون قبورنا ، ويبكون على مصابنا ، ويأخذون بثأرنا من أعدائنا ، أولئك جماعة ينشرون دين الله وشريعة جدي ، وأنا وجدي نحبهم وهو يحشرون معنا يوم القيامة. وليتأمل المتأمل في كلام

٢٩٣

الحسينعليه‌السلام وحركاته يرى أنه لم يترك طريقا من السياسة إلا سلكه في إظهار شنائع بني أمية وعداوتهم القلبية لبني هاشم ومظلومية نفسه ، وهذا مما يدل على حسن سياسته وقوة قلبه وتضحية نفسه ، في طريق الوصول إلى المقصد الذي كان في نظره ، حتى أنه في آخر ساعات حياته عمل عملا حير عقول الفلاسفة ، ولم يصرف نظره عن ذلك المقصد العالي مع تلك المصائب المحزنة والهموم المتراكمة وكثرة العطش والجراحات ، وهو قصة (عبد الله الرضيع). فلما كان الحسينعليه‌السلام يعلم أن بني أمية لا يرحمون له صغيرا رفع طفله الصغير تعظيما للمصيبة على يده أمام القوم وطلب منهم أن يأتوه بشربة من الماء فلم يجيبوه إلا بالسهم.

ويغلب على الظن أن غرض الحسينعليه‌السلام من هذا العمل تفهيم العالم بشدة عداوة بني أمية لبني هاشم وأنها إلى أي درجة بلغت. ولا يظن أحد أن يزيد كان مجبورا على تلك الأعمال المفجعة لأجل الدفاع عن نفسه ، لأن قتل الطفل الرضيع في تلك الحال بتلك الكيفية ، ليس هو إلا توحش وعداوة سبعية ، منافية لقواعد كل دين وشريعة ، ويمكن أن تكون هذه الفاجعة كافية لافتضاح بني أمية ورفع الستار عن قبائح أعمالهم ونياتهم السيئة بين العالم ، سيما المسلمين ، وأنهم يخالفون الإسلام في حركاتهم بل يسعون بعصبية جاهلية إلى إبادة آل محمد وجعلهم أيدي سبأ.

ونظرا لتلك المقاصد العالية التي كانت في نظر الحسينعليه‌السلام مضافا إلى وفور علمه وسياسته التي كان لا يشك فيها اثنان لم يرتكب أمرا يوجب إجبار بني أمية للدفاع عن أنفسهم ، حتى أنه مع ذلك النفوذ والاقتدار الذي كان له في ذلك العصر لم يسع في تسخير البلاد الإسلامية وضمها إليه ولا هاجم ولاية من ولايات يزيد إلى أن حاصروه في واد غير ذي زرع ، قبل أن تبدو منه أقل حركة عدائية أو تظهر منه ثورة ضد بني أمية لم يقل الحسينعليه‌السلام سأكون ملكا أو سلطانا أو أصبح صاحب سلطة. نعم كان يبث روح الثورة في المسلمين بنشره شنائع بني أمية واضمحلال الدين إن دام ذلك الحال ، وكان يخبر بقتله ومظلوميته وهو مسرور. ولما حوصر في تلك الأرض القفراء أظهر لهم من باب إتمام الحجة بأنهم لو تركوه لرحل بعياله وأطفاله وخرج من سلطة يزيد ، ولقد كان لهذا الإظهار الدال على سلامة نفس الحسينعليه‌السلام في قلوب المسلمين غاية التأثير.

لقد قتل قبل الحسينعليه‌السلام ظلما وعدوانا كثير من الرؤساء الروحانيين وأرباب

٢٩٤

الديانات وقامت الثورة بعد قتلهم بين تابعيهم ضد الأعداء ، كما وقع مكررا في بني إسرائيل ، وقصة يحيى من أعظم الحوادث التاريخية ، ومعاملة اليهود مع المسيح لم ير نظيرها إلى ذلك العهد ، ولكن واقعة الحسينعليه‌السلام فاقت الجميع لم يرشدنا التاريخ إلى أحد من الروحانيين وأرباب الديانات أنه أقدم على قتل نفسه عالما عامدا لمقاصد عالية لا تنجح إلا بقتله ، فإن كل واحد من أرباب الديانات الذين قتلوا ، ثار عليهم أعداؤهم وقتلوهم ظلما ، وبمقدار مظلوميتهم قامت الثورة بعدهم ، ومقاصد الحسينعليه‌السلام كانت على علم وحكمة وسياسة وليس لها نظير في التاريخ ، فإنه لم يزل يوالي السعي في تهيئة أسباب قتله نظرا لذلك المقصد العالي ، ولم نجد في التاريخ رجلا ضحّى بحياته عالما عامدا لترويج ديانته من بعده إلا الحسينعليه‌السلام .

المصائب التي تحمّلها الحسينعليه‌السلام في طريق إحياء دين جده تفوق على مصائب أرباب الديانات السابقين ، ولم ترد على أحد منهم. نعم إن هناك رجالا قتلوا في طريق إحياء الدين ولكنهم لم يكونوا كالحسين ، فإنه ضحّى بنفسه العزيزة في طريق إحياء دين جده وفداه بأولاده وإخوانه وأقربائه وأحبابه وأمواله وعياله ، ولم تقع هذه المصائب دفعة واحدة حتى تكون في حكم مصيبة واحدة ، بل وقعت متوالية واحدة بعد أخرى ، ويختص الحسينعليه‌السلام دون غيره بتواتر أمثال هذه المصائب كما يشهد له التاريخ.

لم تنته المصائب التي وردت على الحسينعليه‌السلام من قتله وقتل أصحابه وتسيير نسائه وبناته ، إلا وانكشف الغطاء عن سرائر بني أمية وقبائح أعمالهم ، وظهرت بين المسلمين الحسيات السياسية ، وتوطدت أسباب الثورة ضد سلطنة يزيد وبني أمية ، وعلم الجميع أن بني أمية مخربو الإسلام ، وصار الجميع يرفض بدعهم وتقولاتهم ، وعرفوا بالظلم والغصب ، بالعكس من بني هاشم فإنهم عرفوا بالمظلومية وأن لهم الرئاسة الروحانية بالاستحقاق ، وإليهم تنمى الحقيقة الروحانية.

كأن المسلمين بعد قتل الحسينعليه‌السلام قد دخلوا في دور جديد وظهرت الروحانية الإسلامية بأجلى مظاهرها وتجددت بعد أن كانت مندرسة غائبة عن أذهان المسلمين وكما أنه لا يشك اثنان في تفوق مصائب الحسينعليه‌السلام على جميع مصائب روحاني السلف ، فكذلك لا يشك في الثورة التي حدثت بعده بأنها فاقت جميع الثورات السالفة وأن امتدادها وأثرها أكثر ، وأن بها ظهرت للعالم (مظلومية

٢٩٥

آل محمد) فكانت أولى نتائج هذه الثورة اختصاص الرئاسة الروحانية التي لها أهمية عظمى في عالم السياسة ببني هاشم ، وخصوصا في أولاد الحسينعليه‌السلام (فكان منهم أئمة الشيعة) ونظرة عموم المسلمين إلى بني هاشم سيما أولاد الحسين نظرهم إلى الروحانيين. ولم يطل العهد حتى نزعت تلك السلطة من بني أمية وزالت السلطة والقدرة من آل يزيد في أقل من قرن ، واندرست آثارهم على وجه لم يبق منهم عين ولا أثر. وأينما ذكرت أسماؤهم في متون الكتب قرنها المسلمون بكلمة الشماتة ، وكل ذلك نتيجة سياسة الحسين الذي يمكن أن يقال إنه لم يأت في أرباب الديانات والروحانيين رجل عرف عواقب الأمور مع بعد نظر وحسن سياسة كالحسينعليه‌السلام .

قبل أن تصل سبايا الحسين إلى الشام قامت الثورة ضد يزيد وظهرت بمظلومية الحسين سرائر بني أمية ، وكشف الغطاء عن نياتهم وتوجه اللوم على يزيد حتى من أهل بيته وحرمه(١) . وصار يزيد يسمع تقديس الحسينعليه‌السلام وأولاد علي وعظمتهم ومظلوميتهم بعد أن لم يكن يمكن ذكرهم عنده بخير. وكان يصعب عليه ذلك إلا أنه لم يكن له بدّ غير السكوت ، ولما أراد تبرئة نفسه من تلك الأعمال ألقى المسؤولية على عماله ولم يزل يسمع محامد الحسينعليه‌السلام . قال يزيد ذات يوم : إن سلطنة الحسين كانت أهون عليّ من هذا المقام العالي الذي فاز به آل علي وبنو هاشم.

وأخيرا فشيعة الحسينعليه‌السلام لم يزالوا يستفيدون من هذه الثورات ، وتزيد قوة بني هاشم وعظمتهم حتى لم يمض أقل من قرن إلا وصارت السلطنة الإسلامية الوسيعة في بني هاشم من دون مزاحم ، وأبادوا بني أمية على وجه لم يبق منهم اسم ولا رسم. (انتهى كلام ماربين).

__________________

(١) قال السيد عبد الرزاق المقرم في مقتله صفحة ٢٠ : ولقد فشا الانكار على يزيد حتى من حريمه وأهل بيته ، حتى أن زوجته هند بنت عمرو بن سهيل وكان زوجة عبد الله بن عامر بن كريز ، فأجبره معاوية على طلاقها لرغبة يزيد فيها فإنها لما أبصرت الرأس مصلوبا على باب دارها ، والأنوار النبوية تتصاعد منه إلى عنان السماء ، وشاهدت الدم يتقاطر طريا ويشم منه رائحة طيبة ، عظم مصابه في قلبها فلم تتمالك أن دخلت على يزيد في مجلسه مهتوكة الحجاب وهي تصيح : رأس ابن بنت رسول الله مصلوب على دارنا. فقام إليها وغطاها وقال لها : أعولي على الحسين فإنه صريخة بني هاشم ، عجّل عليه ابن زياد قصد بذلك تعمية الامر وإبعاد السبة عنه وذلك بإلقاء التبعة على عامله

٢٩٦

إنها لكلمات حرة صادقة جاءت على لسان رجل غربي مدقق مطّلع. ومن المؤسف أن نرى أمثال هذا الفيلسوف من الغربيين أشد إنصافا ودفاعا عن الحق ، حتى من علماء العرب أنفسهم (وإن تتولّوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) صدق الله العظيم.

٢٩٧ ـ مختصر ما حصل للحسينعليه‌السلام حتّى مقتله :

(تاريخ الخلفاء للسيوطي ، ص ٢٠٧)

يقول السيوطي : فأما ابن الزبير فلم يبايع ، ولا دعا إلى نفسه.

وأما الحسينعليه‌السلام فكان أهل الكوفة يكتبون إليه يدعونه إلى الخروج إليهم زمن معاوية ، وهو يأبى. فلما بويع يزيد أقام على ما هو مهموما ، يجمع الإقامة مرة ، ويريد المسير إليهم أخرى. فأشار عليه ابن الزبير بالخروج.

وكان ابن عباس يقول له : لا تفعل.

وقال له ابن عمر : «لا تخرج ، فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيّره الله بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة. وإنك بضعة منه ، ولا تنالها (أي الدنيا).

(وفي رواية تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني ، ج ٢ ص ٣٥٧) : «لا ينالها أحد منكم ، وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير ، فأبى».

واعتنقه [ابن عمر] وبكى ، وقال : أستودعك الله من قتيل!. فكان ابن عمر يقول :غلبنا حسين بالخروج ، ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة.

وكلّمه في ذلك أيضا جابر بن عبد الله الأنصاري وأبو سعيد الخدري وأبو واقد الليثي وغيرهم ، فلم يطع أحدا منهم.

وصمم على المسير إلى العراق. فقال له ابن عباس : والله إني لأظنك ستقتل بين نسائك وبناتك كما قتل عثمان ، فلم يقبل منه. فبكى ابن عباس وقال : أقررت عين ابن الزبير.

وبعث أهل العراق إلى الحسينعليه‌السلام الرسل والكتب يدعونه إليهم ، فخرج من مكة إلى العراق في عشر ذي الحجة ، ومعه طائفة من آل بيته ، رجالا ونساء وصبيانا.

فكتب يزيد إلى واليه بالعراق عبيد الله بن زياد بقتاله ، فوجّه إليه جيشا من أربعة آلاف ، عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص ، فخذله أهل الكوفة ، كما هو شأنهم مع

٢٩٧

أبيه من قبله. فلما رهقه السلاح عرض عليهم الاستسلام والرجوع ، والمضي إلى يزيد فيضع يده في يده [هذه الدعوى مغلوطة من وضع الإعلام الأموي] فأبوا إلا قتله!. فقتل وجيء برأسه في طست ، حتّى وضع بين يدي ابن زياد ؛ لعن الله قاتله ، وابن زياد معه ويزيد أيضا.

ويتابع السيوطي حديثه فيقول : وكان قتله بكربلاء. وفي قتله قصة فيها طول ، لا يحتمل القلب ذكرها ، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وقتل معه ستة عشر رجلا من أهل بيته

ولما قتل الحسينعليه‌السلام وبنو أمية ، بعث ابن زياد برؤوسهم إلى يزيد ، فسرّ بقتلهم أولا ، ثم ندم لمّا مقته المسلمون على ذلك ، وأبغضه الناس ، وحقّ لهم أن يبغضوه. اه

٨ ـ ثمرات النهضة الحسينية

٢٩٨ ـ نهضة الحسينعليه‌السلام تحقق أهدافها القريبة والبعيدة ، ثمرات نهضة الحسينعليه‌السلام :

(الأئمة الاثنا عشر لعادل الأديب ، ص ١٣٦)

لقد استطاعت ثورة الحسينعليه‌السلام أن تحقق من قيامها الثمرات التالية :

١ ـ وضع الحدّ الفاصل أمام الجماهير ، بين الإسلام الصحيح والحكم الأموي الخادع ، وتحطيم الإطار الديني المزيّف الّذي كان الأمويون يحيطون به سلطانهم ، وبيان مدى بعده عن الدين.

٢ ـ الشعور بالإثم : ولّد استشهاد الحسينعليه‌السلام المفجع في كربلاء في ضمير كل مسلم استطاع أن ينصره فلم ينصره ، بعد أن عاهده على الثورة ولّد فيهم الشعور بالإثم ، ولزوم التكفير عن ذلك التقصير.

ولقد قدّر لهذا الشعور بالإثم أن يظل دائم الأوار ، حافزا دائما إلى الثورة والانتقام ، من رؤوس الفتنة والانحراف ، وقدّر له أن يدفع الناس إلى الثورات على الأمويين والظالمين كلما سنحت الفرصة.

٣ ـ تنمية الروح النضالية في الإنسان المسلم ، وتحطيم كل الحواجز النفسية والاجتماعية التي حالت دون الثورة.

٢٩٨

ولكي نخرج بفكرة واضحة عن مدى تأثير ثورة الحسينعليه‌السلام في بعث روح الثورة والنضال في المجتمع الإسلامي ، يحسن بنا أن نلاحظ أن هذا المجتمع خلال عشرين عاما من مقتل الإمام عليعليه‌السلام وحتى ثورة الحسينعليه‌السلام أخلد إلى السكون ولم يقم بأي ثورة أو احتجاج جدّي جماعي على ألوان الاضطهاد والظلم والقتل وسرقة أموال الأمة ، التي كان يقوم بها الأمويون وأعوانهم ، بل خلد إلى الخنوع والنوم والتسليم.

أما بعد ثورة الحسينعليه‌السلام واستشهاده ، فقد اندلعت الثورات على يد الجماهير وتوثّبت الروح النضالية فيهم ، وبدؤوا يبحثون عن زعيم يقودهم لنزع قيد الخنوع والاستسلام ، وإرجاع الحياة والحركة للإسلام. ونلاحظ هذه الروح الثورية في كل الثورات التي حملت شعار الثأر لدم الحسينعليه‌السلام والتي هي في واقعها تثأر لكرامة الإسلام والمسلمين.

٢٩٩ ـ ثورات على خطّ الحسينعليه‌السلام :(المصدر السابق ، ص ١٣٩)

ونجمل هنا ذكر بعض هذه الثورات :

١ ـ ثورة التوابين : التي اندلعت في الكوفة بقيادة الصحابي سليمان بن صرد الخزاعي ، وكانت ردّ فعل مباشر لمقتل الحسينعليه‌السلام ، وانطلقت من مبدأ الشعور بالإثم والتقصير في نصرة الحسينعليه‌السلام . وكانت سنة ٦٥ ه‍.

٢ ـ ثورة أهل المدينة : وكانت تهدف إلى تقويض سلطان الأمويين الظالم اللاإسلامي ، وقد بدأت هذه الثورة بطرد حاكم يزيد من المدينة ، ومعه كل الأمويين وعددهم ألف شخص. فكان من نتيجة ذلك أن بعث يزيد بالمجرم السفّاك مسلم بن عقبة المرّي ، الّذي اشتهر باسم (مسرف) من شدة ما أسرف في قتل أهل المدينة من أبناء الصحابة والتابعين. وقد سبى المدينة ثلاثة أيام ، حتّى أن جيشه افتضّ ألف فتاة عذراء من بنات الصحابة الأجلاء.

٣ ـ ثورة المختار الثقفي : الّذي خرج من العراق طالبا الأخذ بالثأر من قتلة الحسينعليه‌السلام ، وذلك سنة ٦٦ ه‍. فتتبّع المختار قتلة الحسينعليه‌السلام وآله ، وقتلهم ومثّل بهم. فقتل منهم في يوم واحد مائتين وثمانين رجلا ، حتّى قتل منهم الآلاف.ولم ينج منه أحد ، حتّى عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وأضرابهم.

٢٩٩

٤ ـ ثورة ابن الأشعث : وفي سنة ٨١ ه‍ ثار عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث على الحجاج في العراق ، وخلع عبد الملك بن مروان. وقد استمرت ثورته إلى سنة ٨٣ ه‍ ، وأحرزت انتصارات عسكرية ، ثم قضى عليها الحجاج بمساعدة جيوش شامية.

٥ ـ ثورة الشهيد زيد بن علي : وفي سنة ١٢٢ ه‍ ثار في الكوفة على طغيان الأمويين زيد بن علي ، وهو ابن الإمام زين العابدينعليه‌السلام . ولكن سرعان ما أخمدت ثورته ، وقتل وصلبرحمه‌الله .

وكان من نتيجة هذه الثورات تقويض ملك بني أمية خلال تسعين سنة ، وقد كان يتوقع له أن يستمر مئات السنين.

فلسفة الابتلاء

٣٠٠ ـ الدنيا دار ابتلاء :

(الأنوار النعمانية للسيد نعمة الله الجزائري ، ج ٢ ص ٢٣٦)

يقول السيد نعمة الله الجزائري : اعلم أيّدك الله أن البلاء إنما كتب على المؤمن ، وأن الدنيا ليست بدار ثواب ولا بدار عقاب ، لم يرض سبحانه بأن يجعل ثواب المؤمن فيها ولا عقاب الكافر فيها ، وذلك لقلة أيامها ونقصان الأعمار فيها ، ومن ثم بعث الدواهي والمصائب فيها إلى أحبابه وأقاربه.

ولا مصيبة مثل مصيبة مولانا الحسينعليه‌السلام ، فإنها هدّت أركان الدين وصدّعت قواعد الشرع المبين ، وأبكت الأجفان وأقرحت القلوب. ولعمري إنها المصيبة التي يتسلى بها المؤمن عن كل مصاب ، والداهية المنسية له مفارقة الخلان والأحباب.

٣٠١ ـ المؤمن أشدّ ابتلاء :

(المنتخب للطريحي ، ص ١٦٨)

روي أن رجلا جاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوقف بين يديه ، فقال : يا رسول الله إني أحب اللهعزوجل ، فقال : استعدّ للبلاء!. فقال : يا رسول الله وإني أحبك ، فقال له : استعدّ للفقر!. فقال : وإني أحبّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقال : استعدّ لكثرة الأعداء!.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

٦٩٣ ـ اغتنموا الفرص فإنها تمرّ مرّ السحاب :

(سيد الشهداء للسيد مصطفى الاعتماد ، ص ٦٣)

لقد صدق الإمام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام حيث قال :

«اغتنموا الفرص ، فإنها تمرّ مرّ السحاب».

وأية فرصة مواتية كهذه الفرصة التي سنحت لعبيد الله بن الحر الجعفي ، حيث جاءه الحسينعليه‌السلام يتخطى الأرض بقدميه ، وهو يدعوه إلى النجاة والتشرف بمثل هذا المصرع العظيم الّذي تتمناه الملايين من البشر ، فيعرض عنها ، ويندم بعده بما يشاء الندم ، فلم ينفع الظالمين الندم ، بعد تفويتهم الفرصة ، مكابرة وعنادا ، أو تجهّلا وغباء( يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) (٥٢) [غافر : ٥٢].

٦٩٤ ـ شخصان يعتذران عن نصرة الحسينعليه‌السلام :

(مقتل الحسين للمقرم ، ص ٢٢٦ ط ٣ نجف)

وفي هذا الموضع اجتمع بالحسينعليه‌السلام عمرو بن قيس المشرقي وابن عمه ، فقال لهما الحسينعليه‌السلام : جئتما لنصرتي؟. قالا له : إنا كثيرو العيال ، وفي أيدينا بضائع للناس ، ولم ندر ماذا يكون ، ونكره أن نضيّع الأمانة.

فقال لهماعليه‌السلام : انطلقا فلا تسمعا لي واعية ، ولا تريا لي سوادا ، فإنه من سمع واعيتنا أو رأى سوادنا ، فلم يجبنا أو يغثنا ، كان حقا على اللهعزوجل أن يكبّه على منخريه في النار(١) .

٦٩٥ ـ محاورة الحسينعليه‌السلام مع ابنه علي الأكبرعليه‌السلام وقد رأى رؤيا أثناء رحيله من قصر بني مقاتل :

(لواعج الأشجان ، ص ٨٧)

فلما كان آخر الليل أمر الحسينعليه‌السلام فتيانه فاستقوا من الماء ، ثم أمر بالرحيل.ثم ارتحل من (قصر بني مقاتل) ليلا.

__________________

(١) عقاب الأعمال للصدوق ص ٣٥ ؛ ورجال الكشّي ص ٧٤.

٥٨١

قال عقبة بن سمعان : فسرنا معه ساعة ، فخفق وهو على ظهر فرسه خفقة(١) [الخفقة : النومة اليسيرة] ثم انتبه ، وهو يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، والحمد لله رب العالمين. وكرر ذلك مرتينأو ثلاثا.

فأقبل إليه ابنه علي بن الحسينعليهما‌السلام فقال : يا أبة جعلت فداك ، ممّ حمدت واسترجعت؟. قال : يا بني إني خفقت برأسي خفقة ، فعنّ لي فارس على فرس ، وهو يقول : القوم يسيرون والمنايا تسير إليهم ، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا.

فقال له علي الأكبرعليه‌السلام : يا أبة لا أراك الله سوءا ، ألسنا على الحق؟!. قال :بلى والذي إليه مرجع العباد. قال : إذن لا نبالي أن نموت محقّين. فقال له الحسينعليه‌السلام : جزاك الله من ولد ، خير ما جزى ولدا عن والده.

[قرى طف كربلاء]

«نينوى»

٦٩٦ ـ الحسينعليه‌السلام يتياسر حتّى يصل إلى نينوى :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٨٨)

فلما أصبح الحسينعليه‌السلام نزل فصلى الغداة ، ثم عجّل الركوب. فأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرّ بهم ، فيأتيه الحرّ فيردّه وأصحابه. فجعل إذا ردّهم نحو الكوفة ردا شديدا يتياسرون كذلك ، حتّى انتهوا إلى (نينوى).

٦٩٧ ـ كتاب ابن زياد إلى الحر بالتضييق على الحسينعليه‌السلام :

(المصدر السابق)

فإذا براكب على نجيب له وعليه السلاح متنكب قوسا ، مقبل من الكوفة ، وهو مالك بن النّسر الكندي ، فوقفوا جميعا ينتظرونه. فلما انتهى إليهم سلّم على الحر وأصحابه ، ولم يسلّم على الحسينعليه‌السلام وأصحابه. ودفع إلى الحر كتابا من ابن

__________________

(١) كذا في تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣١ ؛ وفي مقتل الخوارزمي ج ١ ص ٢٢٦ ومناقب ابن شهراشوب ج ٢ ص ٢٤٥ : أن الحسينعليه‌السلام رأى ذلك في (الثعلبية). وفي مقتل العوالم ص ٤٨ أنهعليه‌السلام نام القيلولة في (العذيب) ، ومثل ذلك في مقتل أبي مخنف ص ٤٨. ذكر هذا كله السيد المقرم في مقتله من حاشية ص ٢٢٧.

٥٨٢

زياد ، فإذا فيه : أما بعد ، فجعجع بالحسين [أي ضيّق عليه واحبسه] حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي ، ولا تنزله إلا بالعراء ، في غير حصن ولا ماء. (وفي مثير ابن نما : لأنه عات ظلوم). وقد أمرت رسولي أن يلزمك فلا يفارقك حتّى تأتيني بإنفاذك أمري ، والسلام.

٦٩٨ ـ الحر يمنع الحسينعليه‌السلام من نزول (نينوى) أو (الغاضرية) أو (شفية)(١) :

(المصدر السابق)

فعرض لهم الحر وأصحابه ومنعوهم من المسير ، وأخذهم الحر بالنزول في ذلك المكان ، على غير ماء ولا قرية.

فقال الحسينعليه‌السلام : ويلك ما دهاك ، ألست قد أمرتنا أن نأخذ على غير الطريق ، فأخذنا وقبلنا مشورتك؟. فقال الحر : صدقت يابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكن هذا كتاب الأمير عبيد الله قد وصل يأمرني فيه بالتضييق عليك.

فقال له الحسينعليه‌السلام : دعنا ويحك ننزل هذه القرية (يعني : نينوى) أو هذه (يعني : الغاضرية) أو هذه (يعني : شفية). فقال : لا أستطيع ، هذا رجل قد بعث عليّ عينا.

٦٩٩ ـ من كلام لهعليه‌السلام وقد دعاه زهير بن القين إلى مبادءة أصحاب الحر بالقتال بعد أن منعوه من نزول نينوى :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٤)

فقال للحسينعليه‌السلام رجل من أصحابه يقال له زهير بن القين البجلي :

يابن رسول الله ذرنا نقاتل هؤلاء القوم ، فإن قتالنا إياهم الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا معهم بعد هذا(٢) فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به. فقال له الحسينعليه‌السلام : صدقت يا زهير ، ولكن ما كنت لأبدأهم بالقتال حتّى يبدؤوني.

__________________

(١) انظر التعريف ببعض قرى الطف بعد قليل ، مع المصور الجغرافي لفرع نهر الفرات المار قريبا من كربلاء ، والمسمى : نهر العلقمي (الشكل ١١).

(٢) مناقب ابن شهراشوب ج ٣ ص ٢٤٧ ط نجف.

٥٨٣

فقال له زهير : فسر بنا حتّى ننزل كربلاء(١) فإنها على شاطئ الفرات ، فنكون هناك ، فإن قاتلونا قاتلناهم واستعنا بالله عليهم. فدمعت عينا الحسينعليه‌السلام حين ذكر (كربلاء) وقال : الله م إني أعوذ بك من الكرب والبلاء.

(وفي مقتل المقرم ، ص ٢٢٨) : قال زهير بن القين : يابن رسول الله إن قتال هؤلاء أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم ، فلعمري ليأتينا ما لا قبل لنا به. فقال الحسينعليه‌السلام : ما كنت لأبدأهم بقتال. ثم قال زهير : ههنا قرية بالقرب منا على شط الفرات ، وهي في عاقول(٢) حصينة ، والفرات يحدق بها إلا من وجه واحد.قال الحسينعليه‌السلام : ما اسمها؟. فقال : تسمى العقر(٣) . فقالعليه‌السلام : نعوذ بالله من العقر. والتفت الحسين إلى الحر وقال : سر بنا قليلا ثم ننزل. فساروا جميعا حتّى إذا أتوا أرض كربلاء وقف الحر وأصحابه أمام الحسينعليه‌السلام ومنعوهم عن المسير ، وقالوا : إن هذا المكان قريب من الفرات.

ويقال : بينا هم يسيرون إذ وقف جواد الحسينعليه‌السلام ولم يتحرك ، كما أوقف الله ناقة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند الحديبية. فعندها سأل الحسين عن الأرض؟ فقال له زهير : سر راشدا ولا تسأل عن شيء حتّى يأذن الله بالفرج. إن هذه الأرض تسمى الطف(٤) . فقالعليه‌السلام : فهل لها اسم غيره؟. قال : تعرف كربلاء. فدمعت عيناه وقال : الله م أعوذ بك من الكرب والبلاء ، ههنا محطّ ركابنا ومسفك دمائنا

__________________

(١) كربلاء : موضع في طريق البرية عند الكوفة. وتقع كربلاء على خط الطول ٤٣ درجة و ٥٥ دقيقة شرقي غرينتش ، وعلى خط العرض ٣٤ درجة و ٤٥ دقيقة شمال خط الاستواء ، في المنطقة المعتدلة الشمالية. وذكر المؤرخون أن كربلاء كانت في عهد البابليين معبدا ، وأن اسمها محرّف من كلمتي (كرب) بمعنى معبد أو مصلّى أو حرم ، و (أبلا) بمعنى (إله) باللغة الآرامية ، فيكون معناها (حرم الإله).

(٢) العاقول : منعطف الوادي والنهر.

(٣) جاء في كتاب (الحسين في طريقه إلى الشهادة) ص ١٢٨ أن هناك قريتين مندرستين تقعان على الفرات جنوب الأنبار (الفلوجة اليوم) يقال لهما عقر الغربي ، وهي التي أشار إليها زهير على الحسينعليه‌السلام أن ينزل بها.

(٤) الطف في اللغة : ما أشرف من أرض العرب على ريف العراق. وسمي (الطف) لأنه مشرف على العراق ، من أطفّ على الشيء ، بمعنى أطلّ. وطف الفرات : هو الشاطئ الّذي به قتل الحسينعليه‌السلام وأصحابه ، وهي أرض بادية قريبة من الريف.

٥٨٤

ومحل قبورنا. (وفي لواعج الأشجان ، ص ١٠٣ : ههنا مناخ ركابنا ومحط رحالنا ومقتل رجالنا ومسفك دمائنا) بهذا حدّثني جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) .

٧٠٠ ـ تعريف ببعض قرى طف كربلاء :

ينقسم نهر الفرات عند وصوله إلى منطقة كربلاء إلى فرعين :

ـ الأول : فرع شرقي ، يشكل شط الحلة أو (سورا).

ـ الثاني : فرع غربي ، يشكل نهر العلقمي ، وهو يمرّ قريبا من كربلاء في الشمال ، ثم يمرّ من الكوفة في الجنوب ، وكان لذلك يسمى : شط الكوفة ، ويسمى اليوم شط (الهندية).

ويقع على نهر العلقمي في الشمال تجمّع قرى طف كربلاء (انظر الشكل ١١ التالي) مثل : نينوى والغاضرية وشفية والعقر.

ـ فأما (نينوى) : فتقع شرق كربلاء على الضفة الشرقية لنهر نينوى ، الّذي يتفرع عن الفرات الأصلي.

وقال شيخنا المظفر : كانت نينوى قرية مسكونة ، وأراد الحسينعليه‌السلام النزول بها ، فمنعه الحر.

وفي (مجلة المقتبس ، ج ١٠ سنة ١٣٣٠ ه‍) : كانت نينوى من قرى الطف الزاهرة بالعلوم ، وصادف عمرانها زمن الإمام الصادقعليه‌السلام . وفي أوائل القرن الثالث لم يبق لها خبر.

ومنطقة نينوى تمتد من أراضي السليمانية اليوم إلى سور بلدة كربلاء. ولا بأس أن ننوه بأن نينوى هذه هي غير (نينوى) التي في شمال العراق ، الواقعة على الضفة الشرقية لنهر دجلة في محاذاة الموصل.

ـ وأما (الغاضرية) أو الغاضريات : نسبة إلى غاضرة ، وهي امرأة من بني عامر ، وهم بطن من أسد ، كانوا يسكنون هذه الأرض. وتقع اليوم شمالي

(الهيابي) التي فيها مصانع الآجر. وتبعد شمالا عن بلدة كربلاء كيلومترا تقريبا ، وهي تمتد من (لجنقة) فما دونها إلى بلدة كربلاء.

ـ وأما (شفية) : فهي بئر لبني أسد.

ـ وأما (العقر) : فقد كانت بها منازل بخت نصّر.

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ١٠ ص ١٨٨ ؛ واللهوف على قتلى الطفوف ، ص ٤٥.

٥٨٥

(الشكل ١١) : خارطة كربلاء يوم ورود الحسين (ع) إليها

مأخوذة من كتاب (بغية النبلاء في تاريخ كربلاء للسيد عبد الحسين الكليدار)

(الشكل ١٢) مصور الحائر الحسيني والمخيّم والقبر الشريف

٥٨٦

٧٠١ ـ جواد الحسينعليه‌السلام يتوقف عن المسير في كربلاء :

(المنتخب لفخر الدين الطريحي ، ص ٤٣٩ ط ٢)

فسار الحسينعليه‌السلام والحر ، حتّى انتهوا إلى أرض كربلاء ، إذ وقف الجواد الّذي تحت الحسينعليه‌السلام ولم ينبعث من تحته ، وكلما حثّه على المسير لم ينبعث خطوة واحدة. فقال الإمامعليه‌السلام : يا قوم ما يقال لهذه الأرض؟. فقالوا : نينوى.فقال : هل لها اسم غير هذا؟. قالوا : نعم ، تسمى (كربلاء). فعند ذلك تنفّس الصعداء ، فقال : هذه والله كرب وبلاء. ههنا والله ترمّل النسوان ، وتذبّح الأطفال ، وههنا والله تهتك الحريم. فانزلوا بنا يا كرام. فههنا محل قبورنا ، وههنا والله محشرنا ومنشرنا ، وبهذا أوعدني جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا خلف لوعده.

٧٠٢ ـ ما اسم هذه الأرض؟ :

(أخبار الدول للقرماني ، ص ١٠٧)

ذكر الدميري في (حياة الحيوان) أن الحسينعليه‌السلام لما وصل إلى كربلاء سأل عن اسم المكان؟. فقالوا له : كربلاء ، فقال : كرب وبلاء. لقد مرّ أبي بهذا المكان عند مسيره إلى صفين ، وأنا معه. فوقف ، وسأل عن هذا المكان؟. وقال : ههنا محطّ ركابهم ، وههنا مهراق دمائهم. فسئل عن ذلك؟. فقال : نفر من آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقتلون ههنا ثم أمر بأثقاله فحطّت في ذلك المكان.

٧٠٣ ـ سؤال الحسينعليه‌السلام عن اسم كربلاء ، وخبر القارورة :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٩ ط ٢ نجف)

ثم قال الحسينعليه‌السلام : ما يقال لهذه الأرض؟. فقالوا : كربلا ، ويقال لها أرض نينوى ، قرية بها. فبكى ، وقال : كرب وبلاء. أخبرتني أم سلمة قالت : كان جبرئيل عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنت معي ، فبكيت ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : دعي ابني ، فتركتك. فأخذك ووضعك في حجره. فقال جبرئيل : أتحبه؟. قال : نعم. قال : فإن أمتك ستقتله!. قال : وإن شئت أن أريك تربة أرضه التي يقتل فيها؟. قال : نعم.قالت : فبسط جبرئيل جناحيه على أرض كربلاء فأراه إياها.

فلما قيل للحسينعليه‌السلام : هذه أرض كربلاء ، شمّها وقال : هذه والله هي الأرض التي أخبر بها جبرئيل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنني أقتل فيها. (وفي رواية) :فقبض منها قبضة فشمّها.

٥٨٧

٧٠٤ ـ أول نزول الحسينعليه‌السلام كربلاء :

(الفاجعة العظمى للسيد عبد الحسين الموسوي الحائري ، ص ١١٧)

قال في (روضة الشهداء) : فلما سمع الحسينعليه‌السلام باسم [كربلاء] نزل عن الفرس. فلما وطئ الأرض بأقدامه الشريفة تغيّر لون التراب وصار كلون الزعفران ، وسطع منه غبار علا وجهه ولحيته بحيث اغبرّ رأسه ولحيته الشريفة. فنظرت أم كلثومعليها‌السلام إليه ، قالت : واعجباه من هذه البيداء ، ما أشدّ وأعظم هولها ، أرى منها هولا عظيما. فسلّاها الحسينعليه‌السلام .

٧٠٥ ـ الحسينعليه‌السلام ينعى نفسه :(المصدر السابق)

وفي بعض كتب التواريخ : أن الحسينعليه‌السلام أخذ من تراب كربلاء وشمّها ، وقال : ههنا والله تخضب لحيتي بدمي. ههنا والله تقطّع أوداجي ، ويعزّى جدي وأبي وأمي من ملائكة السماء. هذه والله هي الأرض التي أخبر بها جبرئيلعليه‌السلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأني أقتل فيها.

٧٠٦ ـ نزول كربلاء :

(في سير أعلام النبلاء للذهبي ، ج ٣ ص ٣٠٨) : فعدل الحسينعليه‌السلام

إلى كربلاء ، وأسند ظهره إلى [قصميا] ، (وفي تذكرة الخواص لسبط

ابن الجوزي ، ص ٢٥٧ : إلى [قصب]) حتّى لا يقاتل إلا من وجه واحد. وكان معه خمسة وأربعون فارسا ، ونحو من مئة راجل.

٧٠٧ ـ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ :

(الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ج ٢ ، ص ٥)

قال : فلقيه الجيش على خيولهم بوادي السباع ، فلقوهم وليس معهم ماء.فقالوا : يابن بنت رسول الله ، اسقنا. قال : فأخرج لكل فارس صحفة من ماء ، فسقاهم بقدر ما يمسك برمقهم. ثم قالوا : سر يابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما زالوا يرجونه ، وأخذوا به على الجرف ، حتّى نزلوا بكربلاء.

فقال الحسينعليه‌السلام : أي أرض هذه؟. قالوا : كربلاء. قال : هذا كرب وبلاء.قال : فنزلوا وبينهم وبين الماء ربوة ، فأراد الحسينعليه‌السلام وأصحابه الماء ، فحالوا بينهم وبينه!. فقال له شهر بن حوشب : لا تشربوا منه حتّى تشربوا من الحميم!.

٥٨٨

الباب الخامس

في كربلاء

الفصل ١٨ ـ كربلاء ونزول كربلاء

ـ اليوم الثالث من المحرّم : لقاء عمر بن سعد

ـ اليوم السادس من المحرم : تجهيز الجيوش

ـ اليوم السابع من المحرم : الحصار ومنع الماء

الفصل ١٩ ـ اليوم التاسع من المحرّم : خطبة امتحان الأصحاب

ـ ليلة العاشر من المحرم : صلاة ودعاء

الفصل ٢٠ ـ يوم عاشوراء : خطبة الحسينعليه‌السلام الأولى والثانية

ـ فهارس الجزء الأول من الموسوعة

٥٨٩
٥٩٠

الفصل الثامن عشر

في كربلاء

(الخميس ٢ محرم سنة ٦١ ه‍)

وكان نزول الحسينعليه‌السلام في كربلاء يوم الخميس الثاني من شهر المحرّم سنة ٦١ هجرية. وقد قطع في مسيرته ستة عشر منزلا ، مكث في بعضها يوما أو يومين أو ثلاثة أيام ، وكان مجموع سفره ٢٤ يوما.

* تعريف بالباب الخامس :

يشمل هذا الباب إقامة الحسينعليه‌السلام في كربلاء من اليوم الثاني من المحرم وحتى اليوم العاشر منه ، حين وضع عمر بن سعد السهم في كبد قوسه ، وقال :اشهدوا لي عند الأمير أنني أول من رمى. فينتهي بذلك الجزء الأول من الموسوعة ، ليبدأ الجزء الثاني مع بداية القتال يوم عاشوراء.

وسوف يتمّ تقسيم هذا الباب إلى فصول متميزة حسب التوقيت الزمني للأيام التسعة التي قضاها الحسينعليه‌السلام في كربلاء ففي اليوم الثاني قامعليه‌السلام بنصب الخيام وترتيبها. وفي اليوم الثالث التقى مع طلائع جيش عمر بن سعد الذين جاؤوا لقتاله. وفي اليوم السادس وردت عليه الجيوش إلى كربلاء حتّى تكاملت ثلاثين ألفا. وفي اليوم السابع جاء الأمر من ابن زياد بمنع الماء عن الحسينعليه‌السلام ، فنزل عمرو بن الحجاج واستحل مشرعة الفرات ، وبدأ الحصار على الحسينعليه‌السلام .وفي الأثناء كانت المفاوضات تتمّ بين الحسينعليه‌السلام وعمر بن سعد دون جدوى.وفي اليوم التاسع من المحرم بدأ زحف الجيش الأموي نحو مخيّم الحسينعليه‌السلام ، فطلب منهم الحسينعليه‌السلام بواسطة أخيه العباس الإمهال إلى اليوم التالي ليقضوا آخر ليلة من حياتهم بالصلاة والدعاء. ثم يشمل الفصل الأخير حوادث اليوم العاشر من المحرم ، من الصباح وحتى بدء القتال بعد صلاة الظهر وسوف نبدأ هذا الباب بإعطاء لمحة عن نهر الفرات ، ثم عن كربلاء : تاريخها وجغرافيتها وفضلها.

٥٩١

«نهر الفرات»

٧٠٨ ـ مجرى نهر الفرات :

ينبع نهر الفرات من تركيا ، ثم يمرّ بسورية حيث يرفده البليخ عند الرقة ، والخابور عند البصيرة. ثم يدخل الأراضي العراقية عند (البوكمال) فيمرّ بعانة وهيت والرمادي [انظر المصور] ثم الفلوجة والمسيّب ، حيث ينقسم إلى فرعين.

(الشكل ١٣) : مجرى نهر الفرات ودجلة

يقول الأستاذ طه الهاشمي في كتابه (مفصّل جغرافية العراق) ص ١٤٧ : وفي جنوب قرية المسيّب الواقعة على الضفة اليسرى ، ينقسم نهر الفرات إلى فرعين :الفرع الغربي ويسمى بشط الهندية ، والفرع الشرقي ويسمى بشط الحلة.

وفى شمال (السماوة) قليلا يجتمع الفرعان معا [انظر الشكل ١٣ و ١٤].

٥٩٢

وعندما قلّت المياه في شط الحلة ، شيّدوا سدة الهندية لتوزيع المياه بشكل متساو على الفرعين. وهو يقع جنوب المسيب وعلى بعد ٥ أميال ، حيث يفترق الفرعان.

وقد كان شط الهندية يدعى قديما (شط الكوفة) لأنه يمرّ من الكوفة. وقد سماه بعض المؤرخين العرب : نهر العلقمي أيضا.

وبعد اجتماع الفرعين ، يلتقي نهر الفرات بنهر دجلة في شط العرب الّذي يصب في الخليج العربي [طول نهر الفرات الكلي ٢٧٣٦ كم].

يقول المسعودي في (التنبيه والإشراف) : ثم ينقسم الفرات إلى جهتين : قسم منهما يتوجه يسيرا نحو المغرب يسمى (العلقمي) يمرّ بالكوفة وغيرها ، والقسم الآخر يسمى (سورا) يمرّ بمدينة سورا ، ويسقي كثيرا من أعمال السواد.

ولا بأس أن ننوه بأن مجاري الأنهار القديمة تختلف كثيرا عن مجاريها الحالية ، بفعل العوامل الطبيعية ، فكم من أنهار قد انتقلت من مكانها إلى مكان آخر ، وكم من شاطئ كان بحرا في الماضي ثم أصبح اليوم أرضا يابسة ، كما حصل لمصب شط العرب في الخليج ، فقد كانت البصرة في الماضي ميناء على البحر ، واليوم تبعد عنه عدة كيلومترات.

وأغلب الظن أن مجرى نهر الفرات الّذي كانت الكوفة عليه ، قد ابتعد باستمرار باتجاه الشرق حتّى أصبح على ما هو عليه اليوم.

٧٠٩ ـ نهر العلقمي :(نهضة الحسين لهبة الدين الشهرستاني ، ص ٩٠)

يقول السيد هبة الدين : وأما نهر الفرات ، فكان عموده الكبير ينحدر من أعاليه يسقي القرى إلى ضواحي الكوفة. وكذلك ينشق من عمود النهر من شمالي المسيب نهر كفرع منه ، يسيل على بطاح ووهاد شمال شرقي كربلاء ، حتّى ينتهي إلى قرب مثوى سيدنا العباسعليه‌السلام ثم إلى نواحي الهندية ، ثم ينحدر فيقترن بعمود الفرات في شمال غربي قرية ذي الكفل ، ويسمى حتّى اليوم (العلقمي).

وفي (مدينة الحسين) لمحمد حسن مصطفى آل كليدار ، ج ٢ ص ٤ ، يقول :

سمي فرع الفرات القريب من كربلاء (بالعلقمي) لأحد سببين :

١ ـ ذهب فريق من المؤرخين إلى الاعتقاد بأن القسم المحاذي من هذا النهر لطف كربلاء قد كلّف بحفره رجل من بني علقمة ، بطن من تميم ، جدهم علقمة بن زرارة بن عدس ، فسمي النهر (بالعلقمي).

٥٩٣

(الشكل ١٤) : مصور نهر دجلة والفرات ، والمواقع الهامة عليهما

٥٩٤

٢ ـ والفريق الثاني من المؤرخين قالوا : سمي النهر بالعلقمي لكثرة شجر العلقم (الحنظل) حول حافتي النهر. ذكر ذلك النويري في كتابه (بلوغ الأرب في فنون الأدب).

ونهر العلقمي هو الّذي ملكه عمرو بن الحجاج بأمر من ابن زياد ، فبعث خمسمائة من خيله فاستحلوه ، ومنعوا الحسينعليه‌السلام من الوصول إليه منذ اليوم السابع. وقد حاول العباسعليه‌السلام الاستسقاء منه أكثر من مرة ، وفي المرة الأخيرة استشهد وهو راجع منه ، يحمل القربة إلى الأطفال الظمأى والنساء العطشى. وكان على ضفة النهر بعض النخيل.

وقد صاغ بعض الشعراء أبياتا فيها تورية بين (العلقمي) والعلقم ، مؤداها أن نهر العلقمي ليته كان علقما إذ لم يشرب منه العباسعليه‌السلام حين ذهب للاستسقاء ، فقتل قرب النهر دون أن يشرب ، يقول :

وهوى بجنب العلقميّ فليته

للشاربين به يداف العلقم

وفي حين نقل الحسينعليه‌السلام كل المستشهدين إلى مكان واحد قريبا من المخيم ، فإن العباس هو الوحيد الّذي ترك في مكانه ، ودفن في مكان استشهاده الّذي يبعد ٣٥٠ مترا شرق مرقد الحسينعليه‌السلام وقريبا من النهر.

ملفّ كربلاء

٧١٠ ـ مدينة كربلاء :

(أضواء على معالم محافظة كربلاء لمحمد النويني ، ص ٢٥)

تقع مدينة كربلاء في الجنوب الغربي من بغداد ، على بعد ١٠٥ كم ، وتقع شمال غرب الكوفة على بعد ٧٢ كم. وهي تقع في بقعة يحيط بها النخيل الوارف ، تحفّها بساتين الفاكهة. وفيها مرقد مولانا الحسينعليه‌السلام وأخيه العباسعليه‌السلام بمنائرهما وقبابهما الذهبية.

والملاحظ أن كربلاء بعيدة قليلا عن ماء الفرات (نهر العلقمي). ويسمى المكان الّذي نزل فيه الحسينعليه‌السلام يوم الثاني من المحرم وخيّم فيه هو وأصحابه (بالمخيّم) ويقع جنوب غرب مرقد الحسينعليه‌السلام . ويسمى الجزء من نهر العلقمي القريب من المرقد (المسنّاة) وهو الّذي حاول العباسعليه‌السلام الاستسقاء منه وقتل قريبا منه ، حيث قبره الآن (انظر الشكل ١٢).

٥٩٥

٥٩٦

ويخترق اليوم مدينة كربلاء طولا فرع من نهر الحسينية لتأمين الشرب ، وهو يتفرع عن الفرات بالقرب من سدّ الهندية.

ويبلغ تعداد مدينة كربلاء حوالي مائة ألف نسمة ، وهي أصغر من النجف حيث قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام .

ولم تكن كربلاء في العهد القديم قبل الفتح الاسلامي بلدة تستحق الذكر ، بل كانت قرية بسيطة عليها مزارع وضياع الدهّاقين الفرس.

٧١١ ـ حال كربلاء قبل الإسلام :(الأرض والتربة الحسينية ، ص ٣٧)

يصف أحدهم مزايا هذه الأرض الطبيعية وما كان لها من المكانة والحرمة عند الأمم القديمة قبل الإسلام بقوله : وإن أسمى تلك البقاع وأنقاها تربة ، وأطيبها طينة ، وأزكاها نفحة ، هي تربة كربلاء ، تلك التربة الحمراء الزكية ، وكانت قبل الإسلام قد اتخذت نواويس ومعابد ومدافن للأمم الغابرة ، كما يشير به كلام الإمام الحسينعليه‌السلام في خطبته حيث يقول : «كأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين (النواويس) وكربلاء».

٧١٢ ـ مكانة كربلاء بعد الاسلام :

مدينة كربلاء المقدسة من أهم مدن العراق ، تمتاز بقدسيتها وبتاريخها الحافل بالأمور العظام والحوادث الجسام.

فقد أخبرتنا الأسفار التاريخية عن معارك خطيرة دارت رحاها في ربوع هذه المحافظة ، منها معركة القادسية بين العرب والفرس سنة ١٤ ه‍ ، التي انتصر فيها المسلمون على أعظم امبراطورية فارسية ، بقيادة سعد بن أبي وقاص في خلافة عمر ابن الخطاب. والقادسية تبعد عن الكوفة جنوبا بمقدار مرحلة [أي حوالي ٤٥ كم].

ثم كانت معركة كربلاء سنة ٦١ ه‍ ، التي كانت أكبر معركة تصحيحية في صدر الإسلام. فزادت قدسية كربلاء منذ أن حلّ فيها ثاني السبطين وريحانة رسول الله الحسينعليه‌السلام .

٧١٣ ـ اشتقاق اسم كربلاء :

تعددت الآراء حول أصل تسمية (كربلاء) نذكر منها ستة آراء :

١ ـ فالكربلة : رخاوة في القدمين ، يقال : جاء يمشي مكربلا. فيجوز على هذا أن تكون أرض هذا الموضع رخوة ، فسميت كربلاء.

٥٩٧

٢ ـ ويقال كربلت الحنطة : إذا هذّبتها ونقّيتها. فيجوز على هذا أن تكون هذه الأرض منقّاة من الحصى والدّغل ، فسميت بذلك.

٣ ـ الكربل : اسم ورد أحمر ، قد نبت في هذه الأرض ، فسميت الأرض باسم كربلاء.

٤ ـ وقيل : إن اسمها مأخوذ من كرب وبلاء ، لأنها من أول ما خلقت هذه الأرض كانت محلا للبلاء والهول والاضطراب حتّى أن كل من كان يمرّ بها كانت تحدث له أشياء عجيبة ، ويشعر بالغم والهم حتّى يخرج منها.

وتذكر الروايات أن أكثر الأنبياء مرّوا بها ، منهم آدم ونوح وإبراهيم وإسماعيل وموسى وعيسى ومحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إضافة لآخرين مثل الإمام عليعليه‌السلام وسلمان وغيرهما.

٥ ـ إن (كربلاء) لها جذر ديني قديم ، وهي مركبة من كلمتين : (كرب) بمعنى حرم ، و (ابلا) بمعنى الإله ، أي أنها (حرم الإله) ، وهو لفظ آشوري ، مما يدل على أنه كان هناك فيها حرم إله يعبد.

ويذكر السيد إبراهيم الزنجاني في (وسيلة الدارين) ص ٧٣ أن أصل الكلمة معبد ، فيقول : يرجع تاريخ كربلاء إلى عهد البابليين ، وقد كانت معبدا لسكان بلدين هما : نينوى ، وعقر بابل ، بابل الكلدانيين الواقعين بالقرب منها. واسم كربلاء مؤلف من كلمتين : (رب) بمعنى مصلّى أو معبد أو حرم ، و (إيلا) بمعنى الله ، باللغة الآرامية ، أي (حرم الله).

٦ ـ (أقول) : وحين التقيت بالأخ الدكتور سهل البدري في طهران ذكر لي معنى جديدا عن كربلاء قال : بنتيجة تحقيقاتي عن كربلاء ، وجدت أنها في اللغة السامرية والبابلية تعني (الرجل القربان) ، وفي اللغات الأكادية والعبرية والآشورية والآرامية تعني (قربان الله).

٧ ـ أنها مشتقة من (كور بابل) أي مجموعة قرى بابلية.

يقول السيد عبد الرزاق الحسني في (موجز تاريخ البلدان العراقية) ص ٥٤ : رأى بعضهم أن التوصل إلى معرفة كربلاء وتاريخها القديم قبل الإسلام قد يأتي عن طريق معرفة اشتقاق هذه الكلمة ، فاحتمل أن تكون لفظة (كربلاء) منحوتة من كلمة (كور بابل) العربية ، بمعنى مجموعة قرى بابلية كثيرة ، منها :

٥٩٨

ـ نينوى : القريبة من أراضي سد الهندية.

ـ الغاضرية : المشهورة اليوم بأراضي الحسينية.

ـ كربلة : وهي القريبة اليوم من مدينة كربلاء جنوبا وشرقا.

ـ كربلاء (أو عقر بابل) : وهي قرية في الشمال الغربي من الغاضرية وبأطلالها أثريات مهمة.

ـ النواويس : التي كانت مقبرة عامة قبل الفتح الاسلامي.

ـ الحير (أو الحائر) : وهو اليوم موضع قبر الحسينعليه‌السلام إلى حدود الصحن الشريف.

وغير ذلك من القرى الكثيرة (راجع نهضة الحسين للشهرستاني ، ص ٦٦).

مناقشة وردّ اشتباه :

يقول السيد محمّد حسن آل كليدار في كتابه (مدينة الحسين) ص ١٢ :

كور بابل ليست أصل كربلا : لما فتح الساسانيون العراق على عهد شابور ذي الأكتاف ، قسّموا العراق إلى إستانات [ولايات] ، وكل إستانة إلى طسج [قضاء] ، وقسّموا هذه الطساسيج إلى رساتيق [نواحي] ، فأصبحت الأراضي الواقعة بين عين التمر والفرات طسجا ، وهي ستة طساسيج من إستانة (بهقباد) ، ومنها طسج بابل ، وطسج النهرين (الّذي تنتمي إليه مدينة كربلاء).

ولما فتح المسلمون العراق في عهد عمر بن الخطاب عام ١٤ ه‍ بقيادة سعد ابن أبي وقاص ، أصبح اسم الطّسج السابق : كور بابل.

وقد أخطأ بعض المؤرخين في ترجمة الاسم الأصلي لكربلاء ، والتبس الأمر عليهم فظنوا أنه محرّف من كور بابل ، والصحيح أنه من كرب إيلا ، أي حرم الإله.

٧١٤ ـ أسماء كربلاء :

لكربلاء أسماء متعددة قديمة. بعضها مختص بها ، ويختلف باختلاف المساحة المقصودة من المدينة أو الحرم. وقد يكون بعض تلك الألفاظ هو أسماء ، وبعضها الآخر أوصاف لها. وبعضها يطلق على قرى وأماكن قريبة منها وواقعة في منطقتها.

فمن أسمائها : نينوى والغاضرية والنواويس والعقر والطف ومشهد الحسينعليه‌السلام والحائر والحير وشاطئ الفرات وعموراء وصفورا ومارية.

٥٩٩

إلا أن أهم هذه الأسماء هو (الحائر) لما أحيط بهذا الاسم من الحرمة والتقديس ، أو أنيط به من أعمال وأحكام في الفقه والعبادات.

وإليك تعريف سريع ببعض المواقع الهامة في منطقة كربلاء :

٧١٥ ـ الطّف :

الطفّ في اللغة له عدة معان :

١ ـ ما أشرف من أرض العرب على ريف العراق. قال أبو سعيد : سمي الطف لأنه مشرف على العراق ، من أطفّ على الشيء ، بمعنى : أطلّ.

٢ ـ الطف : طف الفرات ، أي الشاطئ.

٣ ـ الطف : أرض من ضاحية الكوفة في طريق البرية ، فيها كان مقتل الحسينعليه‌السلام . وهي أرض بادية قريبة من الريف ، فيها عدة عيون ماء جارية ، منها : الصيد ، والقطقطانة ، والرّهيمة ، وعين جمل وذواتها. وهي عيون كانت للموكلين بالمسالح التي كانت وراء خندق سابور الّذي حفره بينه وبين العرب وغيرهم.

٧١٦ ـ بابل :

(الفهرست : معجم الخريطة التاريخية للممالك الإسلامية لأمين واصف بك ، ص ١٩)

بابل مدينة من أقدم وأكبر مدن العالم القديم ، على الجانب الأيسر من نهر الفرات. بناها الكلدانيون ، وهي مدينة النمرود. اشتهرت في الأزمان الغابرة بالثروة والحضارة. وفيها مات الاسكندر المكدوني سنة ٣٢٣ ق. م وحملت جثته إلى الاسكندرية.

قال المفسرون في قوله تعالى :( وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ ) [البقرة : ١٠٢] هي بابل العراق ، التي اتخذها البابليون عاصمة لهم.

قال : فأما الملوك الأوائل ، أعني ملوك النبط وفرعون وإبراهيم ، فإنهم كانوا نزلا ببابل ، وكذلك بخت نصّر ، الّذي يزعم أهل السير أنه ممن ملك الأرض بأسرها ، انصرف بعد ما أحدث ببني إسرائيل ما أحدث ، انصرف إلى بابل فسكنها.

قال أبو المنذر هشام بن محمّد الكلبي : إن مدينة بابل كانت اثني عشر فرسخا في مثل ذلك. وكان بابها مما يلي الكوفة. وكان الفرات يجري ببابل حتّى صرفه بخت نصّر إلى موضعه الآن ، مخافة أن يهدم عليه سور المدينة ، لأنه كان يجري معه.

٦٠٠

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735