موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 8%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 452184 / تحميل: 5263
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

يقول فخر الدين الطريحي : ولما كان الإمام الحسينعليه‌السلام حبيب الملك الديّان ، وولي الواحد المنّان ، وحجة الله على العباد ، لا جرم ابتلاه الله بأهل العناد والفساد.

٣٠٢ ـ كيف يترك الله أولياءه يقتلون ويغلبون! :

(بحار الأنوار للمجلسي ، ج ٤٤ ص ٢٧٦ ط ٣ بيروت)

قال حمران للإمام الباقرعليه‌السلام : جعلت فداك يا أبا جعفر ، أرأيت ما كان من أمر قيام علي بن أبي طالب والحسن والحسينعليهم‌السلام وخروجهم وقيامهم بدين الله ، وما أصيبوا من قتل الطواغيت إياهم والظفر بهم ، حتّى قتلوا أو غلبوا؟.

فقالعليه‌السلام : يا حمران ، إن الله تبارك وتعالى قدّر ذلك عليهم ، وقضاه وأمضاه وحتمه ، ثم أجراه. فبتقدّم علم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليهم في ذلك ، قام علي والحسن والحسينعليهم‌السلام ، وبعلّم صمت من صمت منا.

ولو أنهم يا حمران حين نزل بهم ما نزل من أمر الله وإظهار الطواغيت عليهم ، سألوا الله دفع ذلك عنهم ، وألحّوا عليه في طلب إزالة ملك الطواغيت ، إذا لأجابهم ودفع ذلك عنهم ، ثم كان انقضاء مدة الطواغيت وذهاب ملكهم أسرع من سلك منظوم انقطع فتبدد. وما كان الّذي أصابهم من ذلك يا حمران لذنب اقترفوه ولا لعقوبة معصية خالفوا الله فيها ، ولكن لمنازل وكرامة من الله أراد أن يبلغوها ، فلا تذهبنّ فيهم المذاهب!.

٣٠٣ ـ لماذا غلب الأئمةعليه‌السلام ولم ينصروا ، وأن ذلك ابتلاء :

(مقتل العوالم للشيخ عبد الله البحراني ، ج ١٧ ص ٥١٩)

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أعظم الناس بلاء الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل».

ـ ابتلاء أيوبعليه‌السلام :(الخصال ٢ / ٣٩٩ ؛ والبحار ٤٤ / ٢٧٥)

عن الإمام جعفر الصادق عن أبيهعليهما‌السلام قال : إن أيوب ابتلي سبع سنين من غير ذنب. وإن الأنبياء لا يذنبون ، لأنهم معصومون مطهرون ، لا يذنبون ولا يزيغون ولا يرتكبون ذنبا صغيرا ولا كبيرا.

وإنما ابتلاه اللهعزوجل بالبلاء العظيم (وهو المرض) الّذي يهون معه على

٣٠١

جميع الناس ، لئلا يدّعوا له الربوبية ، إذا شاهدوا ما أراد الله أن يوصله إليه ، من عظائم نعمه تعالى متى شاهدوه ، ليستدلوا بذلك على أن الثواب من الله تعالى ذكره ، على ضربين : استحقاق واختصاص ؛ ولئلا يحتقروا ضعيفا لضعفه ، ولا فقيرا لفقره ، ولا مريضا لمرضه. وليعلموا أنه يسقم من يشاء ، ويشفي من يشاء ، متى شاء كيف شاء ، بأي سبب شاء. ويجعل ذلك عبرة لمن شاء ، وشقاوة لمن شاء ، وسعادة لمن شاء. وهوعزوجل في جميع ذلك عدل في قضائه ، وحكيم في أفعاله. لا يفعل بعباده إلا الأصلح لهم ، ولا قوة لهم إلا به.

٣٠٤ ـ ابتلاء الأنبياء والأئمةعليهم‌السلام لإعلاء منزلتهم عند الله

(معاني الأخبار ، ص ٣٨٣ ؛ والكافي ٣ / ٤٥٠ ؛ والبحار ، ٤٤ / ٢٧٦)

عن ابن رئاب ، قال : سألت أبا عبد الله الصادقعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل :( وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ) (٣٠) [الشورى : ٣٠]؟ أرأيت ما أصاب علياعليه‌السلام وأهل بيته ، هو بما كسبت أيديهم؟. وهم أهل بيت طهارة معصومون؟. فقالعليه‌السلام : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يتوب إلى اللهعزوجل ويستغفره في كل يوم وليلة مائة مرة من غير ذنب. إن اللهعزوجل يخصّ أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب.

توضيح : يقول صاحب (مقتل العوالم) : أي كما أن الاستغفار يكون في غالب الناس لحطّ الذنوب وفي الأنبياء لرفع الدرجات ، فكذلك المصائب.

٣٠٥ ـ كيف يسلّط الله أعداءه على أوليائه؟ :

(البحار ٤٤ / ٢٧٣ ؛ وإكمال الدين ٢ / ٥٠٧ ؛ وعلل الشرائع ١ / ٢٤١ ، والاحتجاج ٢ / ٢٨٧)

عن محمّد بن إبراهيم بن اسحق الطالقاني ، قال : كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح ، وهو أحد سفراء المهديعليه‌السلام الأربعة ، فقام إليه رجل فقال له :أريد أن أسألك عن شيء. فقال له : سل عما بدا لك. فقال الرجل : أخبرني عن الحسين بن عليعليه‌السلام أهو ولي الله؟. قال : نعم. قال : أخبرني عن قاتله لعنه الله ، أهو عدوّ الله؟. قال : نعم. قال الرجل : فهل يجوز أن يسلّط الله عدوه على وليه؟.

فأجابه الحسين بن روح ، بأن الله سبحانه بعث الأنبياء من نفس أجناسهم بشرا مثلهم يستأنسوا بهم ، ولما كانوا من جنسهم لم يؤمنوا بهم حتّى يؤتوهم المعجزات ، فكل نبي قدّم لقومه المعجزات.

٣٠٢

ثم قال الحسين بن روح : فلما أتوا بمثل هذه المعجزات ، وعجز الخلق من أممهم عن أن يأتوا بمثله ، كان من تقدير اللهعزوجل ، ولطفه بعباده وحكمته ، أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات ، في حال غالبين ، وفي أخرى مغلوبين ، وفي حال قاهرين ، وفي حال مقهورين. ولو جعلهمعزوجل في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ، ولم يبتلهم ولم يمتحنهم ، لا تخذهم الناس آلهة من دون اللهعزوجل ، ولما عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والاختبار.

قال محمّد بن إبراهيم بن اسحق : فعدت إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح من الغد وأنا أقول في نفسي : أتراه ذكر ما ذكر لنا يوم أمس من عند نفسه؟. فقال لي : يا محمّد بن إبراهيم ، بل ذلك من الأصل ، ومسموع من الحجة صلوات الله عليه.

٣٠٦ ـ الشهادة أعلى درجات الكرامة :

(رأس الحسينعليه‌السلام لابن تيمية ، ص ٢٠ و ٢١)

ووقع القتل في كربلاء ، حتّى أكرم الله الحسينعليه‌السلام ومن أكرمه من أهل بيته بالشهادة ، رضي الله عنهم وأرضاهم. وأهان بالبغي والظلم والعدوان من أهانه ، بما انتهكه من حرمتهم ، واستحله من دمائهم. وكان ذلك من نعمة الله على الحسينعليه‌السلام وكرامته له ، لينال منازل الشهداء. حيث لم يحصل له من أول الإسلام من الابتلاء والامتحان ما حصل لسائر أهل بيته ، كجدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبيه وعمه وعم أبيه.

وفي صحيح مسلم عنه أنه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم : أذكّركم الله في أهل بيتي ، أعادها ثلاثا.

وإذا كانوا أفضل الخلق ، فلا ريب أن أعمالهم أفضل الأعمال.

ولما كان الحسن والحسينعليه‌السلام سيدي شباب أهل الجنة ، وكانا قد ولدا بعد الهجرة في عزّ الإسلام ، ولم ينلهما من الأذى والبلاء ما نال سلفهما الطيب ، فأكرمهما الله بما أكرمهما به من الابتلاء ، ليرفع درجاتهما ، وذلك من كرامتهما عليه ، لا من هوانهما عنده.

وفي المسند وغيره ، عن فاطمة بنت الحسينعليها‌السلام عن أبيها الحسينعليه‌السلام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «ما من مسلم يصاب بمصيبة فيذكر مصيبته ، وإن قدمت ،

٣٠٣

فيحدث لها استرجاعا ، إلا أعطاه الله من الأجر مثل أجره يوم أصيب بها». فهذا الحديث رواه الحسينعليه‌السلام وعنه بنته فاطمةعليها‌السلام التي شهدت مصرعه. وقد علم الله أن مصيبة الحسينعليه‌السلام تذكر على طول الزمان.

* * *

٣٠٤

الباب الثاني

الأوضاع السابقة للنهضة

الفصل ٨ ـ الصراع بين الحق والباطل :

ـ العداوة بين بني أمية وبني هاشم

ـ خروج معاوية على إمام زمانه

الفصل ٩ ـ خلافة الإمام الحسنعليه‌السلام

ـ صلح الإمام الحسنعليه‌السلام مع معاوية

الفصل ١٠ ـ حكم معاوية بن أبي سفيان

ـ سبّ معاوية للإمام عليعليه‌السلام

ـ الحكم الأموي وسماته

ـ هنات معاوية الأربع

ـ وصية الإمام الحسنعليه‌السلام ووفاته

ـ قتل حجر بن عدي وعمرو بن الحمق

ـ استخلاف معاوية ليزيد

ـ قصة أرينب بنت اسحق

ـ مرض معاوية ووفاته

الفصل ١١ ـ حكم يزيد بن معاوية

٣٠٥
٣٠٦

الباب الثاني

الأوضاع السابقة للنهضة

قال تعالى :( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ ) (٧٣) [الأنبياء : ٧٣]

* مقدمة الباب :

يتضمن هذا الباب من الموسوعة إعطاء فكرة عامة عن الأوضاع التي سبقت نهضة الحسينعليه‌السلام وواقعة كربلاء ، والتي لها علاقة ماسّة بها ، وهي الفترة التي واكبت خلافة الإمام الحسنعليه‌السلام ثم توقيعه الصلح مع معاوية ، ثم وفاة الحسنعليه‌السلام واستلام الحسينعليه‌السلام مقاليد الإمامة ، ثم هلاك معاوية وتولي يزيد السلطة.

ولا بأس أن ننوه أنه في هذه الفترة وفي كل فترة كان هناك للمسلمين إمامان :

إمام للجسم والجسد يتولى الحكم في الأشياء المادية والدنيوية ، مثل معاوية ويزيد ، ثم ملوك بني أمية وبني العباس. وإمام للنفوس والقلوب يتولى الشؤون الروحية والدينية ، وهو الحسن والحسينعليهما‌السلام ثم أئمة أهل البيتعليهم‌السلام .

وسواء تولى الأئمةعليهم‌السلام المسؤولية الأولى أم لم يتولوها ، فإنهم يتولون دائما المسؤولية الثانية ، وهي الإمامة الدينية. وهذا فحوى قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للسبطين :

«الحسن والحسين إمامان ، قاما أو قعدا».

أي قاما بالخلافة الدنيوية أو لم يقوما بها.

لذلك لما قال الرشيد للإمام موسى الكاظمعليه‌السلام وقد لقيه عند الكعبة المشرفة :

أنت الّذي تبايعك الناس سرا؟. أجابه الإمامعليه‌السلام :

«أنا إمام القلوب ، وأنت إمام الجسوم!».

(الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ١٥٠)

٣٠٧

الفصل الثامن

الصراع بين الحق والباطل

٣٠٧ ـ صراع الحق والباطل :

اقتضت إرادة الله أن تكون الأرض مسرحا للصراع بين الحق والباطل ، ليميز الله الخبيث من الطيب( قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ ) [البقرة : ٣٠]. وكان الشيطان وأعوانه من الإنس والجن يمثلون الباطل والشر ، وكان الأنبياء وأعوانهم من الصدّيقين والشهداء يمثلون الحق والخير. وقتل قابيل هابيل معلنا بداية الصراع بين خط الخير ومنعرج الباطل. وكانت قوة أهل الباطل بكثرة الأعوان ، بينما قوة أهل الحق بما تسلحوا من الإيمان. وجال الباطل جولته والحق جولاته في ملحمة لا تفتر ولا تنتهي ، مصداقا لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «جولة الباطل ساعة ، وجولة الحق إلى الساعة».

وإن أنس لا أنس صراع الجبابرة المترفين في وجه الأنبياء والمرسلين ، في كل فترة من الزمن ، وكل حقبة من السنين. وكان لا بدّ لقيام الحجة من مواجهة دموية في كل حين ، ينتصر فيها الإيمان تارة ليظهر فضل الله على المؤمنين ، أو يتغلب الباطل فترة ليمحّص الله المؤمنين من الكافرين ، ويعلم الشاكرين والصابرين.

وكانت المحنة الكبرى للناس أجمعين ، حين بادت البشرية إلا من ثمانين ، وانتصر أهل السفينة على الباغين أجمعين ثم نجا إبراهيم من نار النمرود وسافر إلى فلسطين ، كما نجا من بعده موسى في طور سينين ، وكما رفع عيسى إلى السماء من أيدي المجرمين ، وكما تغلّب خاتم الرسل على المشركين ، فاتحا ومطهّرا للبلد الأمين ، فدخل الناس أفواجا في الدين المبين.

تلك قصة النصر التي اشتبكت لحمتها بقصة المعاناة والمآسي على مدى السنين ، منذ قدّم إبراهيم كبشه السمين ، فداء عن ابنه الأمين ، إلى ذبح يحيى الّذي أخلص للحق اليقين ، ثم إلى ذبح الحسين فداء للدين ، وقربانا لرب العالمين. وكما قال الفيلسوف إقبال :

٣٠٨

في الكعبة العليا وقصّتها

نبأ يفيض دما على الحجر

بدأت بإسماعيل عبرتها

ودم الحسين نهاية العبر

٣٠٨ ـ العداوة بين بني أمية وبني هاشم :

ولتتم إرادة الله في الاختبار والامتحان ، كان في كل زمان ومكان ، هابيل وقابيل ، مؤمن وكافر ، ومصدّق ومكذّب.

وغمرت الجاهلية الجهلاء كل العرب في الروابي والبيداء ، حتّى تنازعوا وتحاربوا وكادوا يصيرون إلى الفناء. وكان مرتكز نزاعهم على التفاضل والتكاثر ، والأثرة والتفاخر. وظهر ذلك أوضح ما يكون بين بني أمية وبني هاشم. ذلك أن بني هاشم اشتهروا بالتوحيد والعفة والأخلاق ، بينما مال بنو أمية إلى الشرك والمال والفساد. ومنذ اللحظة التي ولد فيها هاشم وعبد شمس توأمين في بطن واحد من عبد مناف ، دقّ بينهما الشقاق والعداء ، وسالت الجراحة بالدماء. فقد ولد هاشم ملتصقا إبهام رجله بجبهة عبد شمس (والد أمية) ، وكان لا بدّ من سفح دم لفصلهما عن بعضهما ، فكان هذا مؤذنا بالدم بينهما في كل جيل ؛ من أمية وهاشم ، إلى حرب وعبد المطلب ، إلى أبي سفيان ومحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلى معاوية وعليعليه‌السلام ، إلى يزيد والحسينعليه‌السلام . وهذا الواقع الأليم حقيقة لا مفرّ منها. ولقد أحسن من صوّر هذا الحال ، وبيّن هذا المآل ، حيث أو جز فقال(١) :

عبد شمس قد أضرمت لبني ها

شم حربا يشيب منها الوليد

فابن حرب للمصطفى وابن هند

لعليّ ، وللحسين يزيد

ويحكى أنه لما اختلف أمية مع عمه هاشم ، وادّعى أنه أفضل من هاشم ، احتكما فحكم الكاهن الخزاعي بأفضلية هاشم ، وكان جزاء أمية النفي من مكة عشر سنين.فاختار الشام وسار إليها. وظلت هذه الروح العدائية في ابنه حرب ثم صخر (وهو أبو سفيان) في الجاهلية ، ثم في معاوية ويزيد ومروان بن الحكم بعد الإسلام.

ولا نستغرب لذلك أن يكون أبو سفيان رئيس جيوش الكفر التي قامت تحارب نبي الإيمان ، وتحاول وأد رسالة الدين والإسلام. في حين قام مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهله يؤمنون بتعاليم السماء ، ويبذلون لها النفوس والدماء.

__________________

(١) النزاع والتخاصم للمقريزي ، ص ٣٣ و ٣٤.

٣٠٩

٣٠٩ ـ عداء مستحكم زاد مع الأيام :

وظل هذا العداء والحقد والضغن مستحكما في قلوب بني أمية حتّى كانت معركة بدر الكبرى ، التي كسرت شوكة الكفر والطغيان ، ورفعت راية الحق والإيمان ، خفّاقة بكل مكان. عندها هاجت الأحقاد واستحكم أوارها ، وكادت تميت المشركين غيظا ، وخاصة أبا سفيان ، الّذي قتل له فيها العديد من أقربائه وذويه ...وكلما اشتدت الدعوة الإسلامية انتشارا ، كلما زاد تصدّي بني أمية لها ، بكل نفس ونفيس ، وزاد معه عداؤهم للدين الجديد ، ولبني هاشم على وجه التحديد.

والذي يظهر هذه الحقيقة المرّة البالغة ، أن أبا سفيان وزوجته هند بنت عتبة عملا حثيثا على قتل الحمزة بن عبد المطلب عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأسد الله وأسد رسوله. فلما كانت غزوة أحد بعثا العبد (وحشي) وأغروه بالمال ليقتل عليا أو الحمزةعليهما‌السلام .فاعتذر عن عليعليه‌السلام ، وظل يترصد حمزة حتّى رماه برمح فوقع في ظهره ، فهدّ مصرعه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وبعد أن نالت هند حملها في قتل الحمزة ، لم تكتف بقتله ، حتّى جاءت إلى القتلى تبحث عن جثته ، حتّى إذا وجدتها ، شقّت صدره وأخرجت كبده ، وأرادت أن تمضغها فلم تقدر فلفظتها ، وقالت ما قالت ، فسمّيت : «آكلة الأكباد».

وكيف لا يعادي بنو أمية بني هاشم ، وبنو هاشم هم الذين قتلوا يوم بدر في سبيل الله : عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة وابنه الوليد بن عتبة؟!. وكيف لا يعادي معاوية عليا وقد قتل خاله الوليد بن عتبة ، وأخاه حنظلة بن أبي سفيان ، وشارك في قتل عمه شيبة ، وقتل غيرهم من بني عبد شمس ، مثل العاص بن سعيد بن العاص بن أمية.

وبعد كل هذا يظهر الله دينه على الجزيرة العربية كلها ، فيخسأ أبو سفيان ومن معه ، ويتحقق أبو سفيان من الأسر أو القتل ، حين دخل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكة فاتحا.فذهب العباس عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينصح أبا سفيان بأن يعلن إسلامه ولو ظاهرا ، فيسلم أبو سفيان خوفا من الموت. عند ذلك يقول النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسماحته المعهودة :«من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ...». ولما عرض عليه أبو سفيان ومعاوية ومروان وطغمتهم الحاقدة ، قال لهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اذهبوا فأنتم الطلقاء». فأطلق سراحهم وأجلاهم عن مكة ، وأراد أن لا يرى وجوههم في حياته ، فسمّوا لذلك «الطّلقاء». وأصبح بنو أمية مسلمين بالأمر الواقع ، ولكن القلوب عليلة والنفوس مريضة ، ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم!.

٣١٠

٣١٠ ـ معاوية في عهد الخلفاء الأربعة :

(تاريخ أبي الفداء ، ج ٢ ص ١٠٣)

قال أبو الفداء : أسلم معاوية مع أبيه عام الفتح ، واستكتبه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(أقول) : هذا الكلام لا يوحي بأن معاوية كان كاتبا للوحي. والصحيح أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استخدمه لكتابة بعض الرسائل التي بعثها للملوك فقط. اه.

واستعمله عمر على الشام أربع سنين من خلافته. وأقرّه عثمان مدة خلافته نحو اثنتي عشرة سنة. وتغلّب على الشام محاربا ضد الإمام عليعليه‌السلام أربع سنين.

فكان أميرا وملكا على الشام نحو أربعين سنة.

وكان حليما حازما داهية ، عالما بسياسة الملك.

٣١١ ـ معاوية في زمن عمر :

كانت علاقات بني أمية مع بلاد الشام جيدة ، منذ نفي أمية إليها في الجاهلية.وكان يقوّي ذلك تجاراتهم إلى الشام في الصيف. ولعل هذا هو الّذي حدا بعمر بن الخطاب على تعيين معاوية واليا على الشام ، ولكنه لو كان يتفرّس في أحلامه ما وضعه عليها.

وكان أبو سفيان وبنو أمية لا يرغبون في الظاهر في خلافة أبي بكر ، فحاولوا تأييد بني هاشم عن طريق العباس. والحقيقة أن هدفهم لم يكن حبّ بني هاشم ، وإنما إلقاح الفتنة بين المسلمين ليصفو الجوّ لهم ، فيصيدوا صيدهم في الماء العكر. لكن الإمام علياعليه‌السلام أنكر عليهم تأييدهم له وشكرهم.

ولما أصبح معاوية واليا على الشام ، بدأ يقلّد الإفرنج في مظاهر الحكم ، فلا يخرج من قصره إلا بموكب ولا يعود إلا بموكب ، وأكثر من لبس الحرير والديباج والثياب المنمّقة ، فأنكر عمر عليه ذلك.

يروى أنه لما عيّن عمر بن الخطاب معاوية على الشام ، زاره يوما فرأى منه أشياء لا تعجبه ، فاستنكر عليه ما وصلت إليه حاله من البذخ والبهرجة والإسراف ، مما لا يجوز في الإسلام. فأجابه معاوية بدهائه ، أنه إنما يفعل ذلك مجاراة لجيرانه الروم.فقال له عمر قوله المشهور : إن كان ما تقوله حقا فهو رأي مصيب ، وإن كان كذبا فهو خدعة أريب.

٣١١

ـ محاورة عمر لمعاوية حين زاره بالشام :

(أنساب الأشراف للبلاذري ، ج ٤ ص ١٦٨ ط دمشق)

قال البلاذري : وحدثني هشام بن عمار قال : بلغنا أن عمر بن الخطاب لما أتى الشام رأى معاوية في موكب يغدو ويروح فيه. فقال له : يا معاوية تروح في موكب وتغدوفي مثله ، وبلغني أنك تصبح في منزلك وذوو الحاجات ببابك!. فقال : يا أمير المؤمنين

إنا بأرض عدوّنا قريب منها ، وله علينا عيون ذاكية ، فأردت أن يروا للإسلام عزا.

فقال عمر : إنّ هذا لكيد لبيب أو خدعة أريب. فقال معاوية : يا أمير المؤمنين فأمرني بما شئت أنته إليه. فقال : ويحك ما ناظرتك في أمر أعتب فيه عليك إلا تركتني منه في أضيق سبلي ، حتّى ما أدري أآمرك أم أنهاك!

٣١٢ ـ معاوية في زمن عثمان :

ولما تولى عثمان الخلافة في تمثيلية الستة أصحاب الشورى ، وهو من بني أمية ، أبقى بالطبع معاوية في ولايته على الشام. فخلا له الجو ليسرح ويمرح ، ويقوّي مركزه في الشام ، غير آبه بعثمانومن ورائه مروان. ويؤثر عنه أنه كان يهيّج الناس ضد عثمان طمعا في التخلص منه ، والتوسع في السلطة.

لكن الشعب المسلم المسكين الّذي عانى من ارستقراطية بني أمية في عهد عثمان ، رجع إلى وعيه ، وظهر له التبر من الرغام ، وتحقق أن عدالته المنهوبة لن يرجعها له غير الإمام الهمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام . فأقبلت زحوف المسلمين بعد مقتل عثمان على الإمام عليعليه‌السلام تبايعه بالخلافة ، بل تطالبه بالقيام بأمرها. فقام بالأمر ليصلح ما فسد ، بعد أن انحلت عرى الحق عروة عروة.وأصابت بني أمية الفجأة بخلافة سيف الله الغالب الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

٣١٣ ـ أخبار ملفقة وتعصب مفضوح :

(المنتخب للطريحي ، ص ١٤)

قال الشيخ فخر الدين الطريحي : وسمّوا معاوية خال المؤمنين ، لأن أخته أم حبيبة بنت أبي سفيان أم المؤمنين ، ولم يسمّوا محمّد بن أبي بكر خال المؤمنين من

٣١٢

جهة أخته عائشة. مع أن معاوية كان من المؤلفة قلوبهم ، بينما كان محمّد بن أبي بكر اليد اليمنى للإمام عليعليه‌السلام . ومع أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في معاوية : «لعن الله معاوية الطليق ابن الطليق». لأن معاوية وأباه أبا سفيان وأمه هند بنت عتبة كانوا من الطلقاء. وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه». وسمّوا معاوية كاتب الوحي ، ولم يكتب كلمة واحدة منه ، وإنما نقل أنه كان من كتّاب الرسائل فقط. وظل معاوية مشركا متحديا للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى فتح مكة في شهر رمضان لثمان سنين من الهجرة. فلما لم يجد له مأوى صار إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مضطرا وأظهر الإسلام. وكان إسلامه قبل وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخمسة أشهر. وطرح نفسه على العباس عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتشفّع فيه ، فعفى النبي عنه. ثم إن العباس تشفّع لمعاوية عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجعله من جملة كتّاب الرسائل ، فأجابه إلى ذلك.

(أقول) : وكيف يأمن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على شخص من المؤلفة قلوبهم ومن الطلقاء ومن أكبر أعدائه ، أن يكتب له الوحي؟!. ويترك الصحابة الموثوقين!. هذا محال.

٣١٤ ـ كتّاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

يقول المسعودي : وكتب له معاوية قبل وفاته بأشهر.

ويقول : وكتب له عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، ثم لحق بالمشركين بمكة مرتدا.(أقول) : هؤلاء الكتّاب ليسوا كتّابا للقرآن ، وإنما كانوا يكتبون بين يدي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سائر ما يعرض من أموره وحوائجه ، أو يكتبون رسائله إلى الملوك ، أو عهوده وعقوده وما يتعلق بالمعاملات وأموال الصدقات. وبعضهم كان يكتب مغانم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبعضهم كان يترجم له رسائل الملوك.

٣١٥ ـ خروج معاوية على الإمام عليعليه‌السلام :

بعد هذا كله لا نستغرب أن يقوم مثل معاوية في وجه إمام زمانه ، ومن تجب طاعته في عنقه ، وهو الخليفة الرابع علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ويقوم بأول خروج معلن على الدولة الإسلامية ، محاولا الانفصال عنها أو تصفيتها لصالح مصالحه الملكية ونزعاته التسلطية ، النابعة من مبدأ هدم الدين لتحصيل الدنيا. وماذا يتوقع أن يعمل ابن رئيس الشرك أبي سفيان ، الطليق ابن الطليق ، غير هذا؟ إذا ما قورن بالصحابة الكرام والمجاهدين في سبيل الإسلام!.

٣١٣

يقول ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، تحقيق محمّد أبوالفضل إبراهيم ، ج ١ ص ٣٤٠ :

ومعاوية مطعون في دينه عند شيوخنا (يقصد المعتزلة ، وهم فرقة من السنة) ، يرمى بالزندقة. وقد ذكرنا في نقض (السفيانية) على شيخنا أبي عثمان الجاحظ ، ما رواه أصحابنا في كتبهم الكلامية عنه من الإلحاد والتعرض لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما تظاهر به من الجبر والإرجاء. ولو لم يكن شيء من ذلك ، لكان في محاربته الإمامعليه‌السلام ما يكفي في فساد حاله ، لا سيما على قواعد أصحابنا ، وكونهم بالكبيرة الواحدة يقطعون على المصير إلى النار والخلود فيها ، إن لم تكفّرها التوبة.

لقد اجتمع في معاوية على الإمام عليعليه‌السلام ضغنان : ضغن عصبي منشؤه جاهلي ، وضغن ديني منشؤه عدم الإيمان بالإسلام.

ولقد اتبع معاوية للوصول إلى الحكم خطين :

الأول : التردّي برداء الإسلام بقدر ما يخدم ذلك مصالحه ويوصله إلى مآربه في الملك.

الثاني : بما أنه لا يقارن بالإمام عليعليه‌السلام بشيء من الأشياء ، وليس هو ممن تجوز له الخلافة بحال من الأحوال ، فقد اتّبع الأسلوب المعاكس (أو ما نسميه بالإعلام المضاد) في خلق الدعايات المضللة ضد الإمام عليعليه‌السلام ليحط من قيمة الإمام في نظر الناس ، فيرتفع هو على حساب ذلك. وكان من ذلك أنه ادّعى على الإمام عليعليه‌السلام أنه قتل عثمان أو شرك في دمه ، فكان لا بدّ له ـ وهو من بني أمية ـ أن يأخذ بثأره ، وبهذه الحيلة يصل إلى الحكم. وليس من الغريب على من لا يفرّقون بين الناقة والجمل ، أن يقنعهم معاوية أن مثل علي بن أبي طالب يجب لعنه وسبّه حتّى على منابر الإسلام ، فبدأ بسبّه هو ومن بعده يزيد البارّ به وبنو أمية ألف شهر ، وهي مدة حكمهم البالغة نحو ثلاث وثمانين سنة.

٣١٦ ـ من المسؤول الحقيقي عن دم عثمان؟ تلكّؤ معاوية عن نصرة عثمان حتّى قتل :

(خطط الشام لمحمد كرد علي ، ج ١ ص ١٣٦)

يقول الأستاذ محمّد كرد علي : واختلفت الآراء في تبعة معاوية من مقتل عثمان ، فقال فريق : إن عثمان كتب إلى معاوية : «إن أهل المدينة قد كفروا وخلعوا الطاعة

٣١٤

ونكثوا البيعة ، فابعث إليّ من قبلك من مقاتلة الشام على كل صعب وذلول». فتربص به معاوية وكره إظهار مخالفة أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد علم اجتماعهم ، فأبطأ أمره على عثمان ، حتّى كان ما كان من مقتله.

أما الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام فقد ثبت أنه قرّع عثمان على التفريط وأنذره بأن عاقبته تكون القتل ، بقوله «أحذّرك أن تكون إمام هذه الأمة الّذي يقتل ، فيفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة».

ـ معاوية قتل عثمان :

(أنساب الأشراف للبلاذري ، تحقيق د. إحسان عباس ، قسم ٤ ج ١ ص ٣٦)

قال البلاذري : ادّعى معاوية على عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث أنه شرك في دم عثمان ، فقال لمعاوية : إني كنت أنهى عثمان عما قيل فيه ، وكنت تأمره به ، فلما اشتدّ الأمر والتقت حلقتا البطان ، كتب إليك يستنصرك ، فأبطأت عنه حتّى قتل.

٣١٧ ـ اعتراف دامغ للغزالي بانحراف معاوية ويزيد عن الإسلام :

(مقتل سيد الشهداء للسيد عبد الكريم خان ، ص ٢٤)

قال حجة الإسلام الحافظ أبو حامد الغزالي الشافعي (ت ٥٠٥ ه‍) في كتابه (سرّ العالمين وكشف ما في الدارين) وهو ما نقله عنه الحافظ سبط ابن الجوزي الحنفي في كتابه (تذكرة الخواص ، ص ٣٧) حيث قال الغزالي :

ثم العجب من منازعة معاوية لعلي الخلافة ، وقد قطع الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طمع من طمع فيها بقوله : «إذا ولي خليفتان ، فاقتلوا الأخير منهما». والعجب من حقّ واحد كيف ينقسم بين اثنين ، والخلافة ليست بجسم ولا عرض فينجز.

إلى أن قال : أول حكومة [أي محاكمة] تجري بين العباد في المعاد ، هي المحاكمة بين علي ومعاوية ، فيحكم الله لعلي على معاوية ، والباقون تحت المشيئة.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعمار : «تقتلك الفئة الباغية «وقد قتلته فئة معاوية يوم صفين. ولا ينبغي للإمام أن يكون باغيا ، ولأن الإمامة تضيق عن شخصين كما أن الربوبية لا تليق بإلهين اثنين.

٣١٥

٣١٨ ـ أما يكفي لمعاوية محاربته لإمام زمانه وسبّه؟ :

(المنتخب للطريحي ، ص ١٥ ط ٢)

وقد قاتل معاوية علياعليه‌السلام وهو رابع الخلفاء الراشدين ، وهو إمام حق ، وكل من حارب إماما حقا فهو باغ وطاغ. وقد بالغ في محاربة الإمام عليعليه‌السلام بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقتل جمعا كثيرا من خيار الصحابة ، وطال حربه معه حتّى هلك عالم كثير.

(أقول) : قتل في معركة صفين من عسكر معاوية ٤٥ ألفا ، ومن عسكر الإمام عليعليه‌السلام ٢٥ ألفا. ا ه

ثم انه استمر مع قومه على سبّ عليعليه‌السلام على منابر الإسلام ثمانين سنة. ولم يكفه ذلك حتّى سمّ الحسن الزكيعليه‌السلام عن طريق زوجته جعدة بنت الأشعث.

٣١٩ ـ حقيقة معاوية وحقيقة عليعليه‌السلام :

(محاضرة قيّمة للأستاذ سعيد عاشور المصري ، ص ٢٠)

يقول المستشرق (نيكولسن) في كتابه (تاريخ المسلمين) عن سبب انتصار معاوية على الإمام عليعليه‌السلام :

على الرغم مما امتاز به علي من فضائل كثيرة ، أهمها النشاط والذكاء ، وبعد النظر والحكمة والوفاء ، والبلاغة والفصاحة والشجاعة ، إلا أنه كانت تنقصه صفة هامة لا بدّ منها لنجاح السياسة [يقصد بالسياسة هنا التلون والقدرة على الخداع ، وهذا مما لا يمكن أن يتطبّع به الإمام عليعليه‌السلام ، وهو القائل : لو لا التقى لكنت أدهى العرب] ، ولذا تغلّب عليه منافسوه الذين عرفوا من أول الأمر أن الحرب خدعة ، والذين كانوا لا يتورعون عن ارتكاب أي جرم ، يبلغ بهم الغاية.

ثم يقول الأستاذ سعيد عاشور رئيس قسم التاريخ في جامعة القاهرة ، عند كلامه حول لزوم إعادة كتابة التاريخ الإسلامي : هذا ما يقوله مؤرخ مسيحي غير مسلم ، مستشرق كبير ، درس وتمعّن. بينما نحن في كتبنا التي تدرّس لأولادنا لا نقول مثل هذه الحقيقة ، بل نمرّ بها مرور الكرام ، ونتغاضى عن تحديد الأحداث.

فإذا أردنا أن نعيد كتابة التاريخ ، علينا أن نقف وقفة ووقفات أمام هذه الأمور.

ـ دهاء ومكر معاوية :(المحاضرة السابقة ، ص ١٧)

قامت الخلافة الأموية ونجح معاوية فيما ذهب إليه ، ولكن عن أي طريق؟.

٣١٦

طريق بعيد عن الأخلاق ، طريق يتّسم بالمكر والدهاء ، والبعد عن قواعد الشرف.ونحن نعلم جميعا أنه في الإسلام وفي نظام الإسلام ، نجد أن الدين والسياسة مرتبطان ارتباطا كبيرا.

نعم السياسة تحتاج في كثير من الأحيان إلى قدر من الخداع ، ولكن الرجل المستقيم الّذي لا يعرف كيف يخادع ، ولا يعرف كيف ينافق ، ولا يعرف كيف يسير بوجهين ، هذا الرجل عادة لا يستطيع أن يصيب حظا في السياسة ، أو الاشتغال بالسياسة.

إن قيام معاوية بن أبي سفيان في الخلافة اعتمد إلى حد كبير على الخديعة.والدولة الأموية أسست على غير تقوى ، أسست على قدر من الخداع ومن النفاق.ولعل في اتجاه الأمويين بعد ذلك بعيدا عن روح الإسلام الأولى ، وفي تحويل الخلافة إلى نظام قيصري أقرب إلى أسلوب أباطرة الرومان منه إلى بساطة الإسلام وروح الإسلام ؛ لعل في هذا ما يكفي.

ـ جريمة سبّ الإمام عليعليه‌السلام :(المصدر السابق ، ص ١٨)

ويتابع الأستاذ عاشور كلامه قائلا :

ولكن الشيء الّذي كان لا ينبغي أن يحدث في الإسلام ، والذي يجرح شعور كل مسلم ، هو أن معاوية بن أبي سفيان ، وولاة معاوية في كثير من الأمصار ، وخاصة حيث كان يكثر أنصار علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، مثل الكوفة ؛ نجد أنهم دأبوا على سبّ آل البيتعليهم‌السلام وعلى سبّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام نفسه. وكلنا نعلم ماذا كان يقول زياد ابن أبيه وغير زياد ، من سباب ، هو في حقيقة الأمر ليس موجها إلى عليعليه‌السلام بقدر ما هو موجه إلى المسلمين كافة وإلى نبي المسلمين ، إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

هذه كلها أشياء ، كان ينبغي أن تكون صفحة الإسلام خالية منها ، الصفحة المشرقة المضيئة. كان ينبغي أن تكون هذه البقعة السوداء غير موجودة في تاريخ الإسلام ، وفي تاريخ المسلمين.

ـ مثلث الشرّ :(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٤٩٩)

قال الفاضل الدربندي : بنو أمية هم الشجرة الملعونة ، وأشدهم كفرا مروان

٣١٧

ومعاوية ويزيد ، ولكن يزيد أشدهم كفرا ونفاقا وطغيانا ، وإلى هذا المعنى تشير الآية الشريفة بنحو من التورية ، وهي قوله تعالى :( وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً ) (٦٠) [الإسراء : ٦٠].

وقال صفحة ٢٠٩ : اعلم أن أطغى بني أمية بعد يزيد ، وأشدهم كفرا ونفاقا ، وأبغضهم إلى الله تعالى ورسوله وآله المعصومين ، هو مروان بن الحكم. ولم ينج منهم إلا النادر ، مثل :

ـ معاوية الثاني : المؤمن العابد.

ـ عمر بن عبد العزيز : الناجي الوحيد من نسل مروان.

ـ خالد بن سعيد بن العاص : مؤمن بني أمية.

٣١٨

الفصل التاسع

خلافة الإمام الحسنعليه‌السلام

٣٢٠ ـ ترجمة الإمام الحسنعليه‌السلام :

(أمالي الصدوق ، ج ٣ ص ١١٠)

ولد الإمام الحسن بن عليعليهما‌السلام في السنة الثالثة للهجرة. ولقد سمّاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بوحي من السماء على لسان جبرئيل الحسن ، كما سمّى أخاه الحسين ، على اسم ابني هرون ، وهما شبّر وشبير ، وتعني هاتان الكلمتان في العبرية الحسن والحسين.

وتوفيعليه‌السلام شهيدا بالسم سنة ٥٠ من الهجرة لسبع مضين من صفر ، وعمره الشريف ٤٧ سنة. وكانت مدة إمامته ٩ سنوات و ٤ شهور. وقد دسّ له معاوية السم بعد خلاف سياسي طويل بواسطة زوجته جعدة بنت الأشعث. وقد دفن عند جدته فاطمة بنت أسد في البقيع.

ومما أثر عن جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله فيه : «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا».وقوله : «هذا سيد ، وأرجو أن يصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين في آخر الزمان».

٣٢١ ـ خلافة الحسنعليه‌السلام وصلحه ووفاته :

(التنبيه والإشراف للمسعودي ، ص ٢٦٠)

قال المسعودي : بويع الحسنعليه‌السلام بعد وفاة أبيه بيومين ، وذلك لسبع بقين من شهر رمضان سنة ٤٠ ه‍. ثم صالح معاوية في شهر ربيع الأول سنة ٤١ ه‍. وقد رأى قوم أن ذلك كان في جمادى الآخرة أو الأولى من هذه السنة. والأول أشهر وأصح عندنا من مدة أيامه. وكانت خلافته إلى أن صالح ، ستة أشهر وثلاثة أيام.وتوفي بالمدينة مسموما فيما ذكر ، في شهر ربيع الأول سنة ٤٩ ه‍ ، وله ست وأربعون سنة ، ودفن ببقيع الغرقد مع أمه فاطمةعليهما‌السلام .

٣١٩

٣٢٢ ـ أين الثرى من الثريا؟ :

(الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ٣٦)

وروي أنه لما قدم معاوية المدينة ، قبل أن تشتعل نار الحرب ، صعد معاوية المنبر ، فقال : ومن علي؟.

فقام الحسنعليه‌السلام فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :

إن الله لم يبعث نبيا إلا جعل له عدوا من المسلمين ، قال تعالى :( وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ ) [الفرقان : ٣١]. وأنا ابن علي وأنت ابن صخر ، وأمك هند وأمي فاطمة ، وجدتك قيلة وجدتي خديجة. فلعن الله ألأمنا حسبا وأخملنا ذكرا ، وأعظمنا كفرا وأشدنا نفاقا. فصاح أهل المسجد : آمين ، ثلاثا. فقطع معاوية خطبته وفرّ إلى منزله.

٣٢٣ ـ معاوية يعلن الحرب على الإمام الحسنعليه‌السلام :

(المعارف لابن قتيبة ، ص ٩٢ ط ٢)

لما قتل الإمام عليعليه‌السلام بويع للحسنعليه‌السلام بالكوفة ، وبويع لمعاوية بالشام.فسار معاوية يريد الكوفة ، وسار الحسنعليه‌السلام يريده ، فالتقوا ب (مسكن) من أرض الكوفة

[تقع مسكن على بعد ٥٠ كم شمال بغداد]. فصالح الحسنعليه‌السلام معاوية لحقن الدماء وبايع له ، ودخل معه الكوفة. ثم انصرف معاوية إلى الشام. واستعمل على الكوفة المغيرة ابن شعبة ، وعلى البصرة عبد الله بن عامر ، ثم جمعهما لزياد بن أبيه.وانصرف الحسنعليه‌السلام إلى المدينة ، فمات بها. وكانت وفاته لخمس ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة خمسين ، وهو ابن سبع وأربعين سنة. ويذكر أن زوجته جعدة بنت الأشعث هي التي سمّته بحيلة من معاوية.

٣٢٤ ـ تخاذل أصحاب الحسنعليه‌السلام عنه :

(أمالي الصدوق ، ج ٣ ص ١١٠)

لما توفي أمير المؤمنين عليعليه‌السلام سنة ٤٠ ه‍ تولى الخلافة من بعده ابنه الحسنعليه‌السلام وبايعه أصحابه. وبدأ معاوية الانفصالي يحيك له الفتن ، ويبعث الأعيان لاغتياله ، فلم يفلح.

ولما سمع الحسنعليه‌السلام بمسير جيش من الشام لقتاله ، جهّز جيشا خليطا من

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

الحذر الحذر. (فما نزل حتّى دخلت النظارة المسجد من قبل باب التمّارين يشتدون ويقولون : قد جاء مسلم بن عقيل). فنزل عن المنبر مسرعا وبادر حتّى دخل القصر وأغلق الأبواب.

نهضة مسلم بن عقيلعليه‌السلام

٥٥٤ ـ خروج مسلم بن عقيل للقتال :(لواعج الأشجان ، ص ٤٧)

قال عبد الله بن حازم : أنا والله رسول ابن عقيل إلى القصر لأنظر ما فعل هانئ.فلما ضرب وحبس ، ركبت فرسي فكنت أول داخل الدار على مسلم بن عقيل بالخبر. فإذا نسوة من (مراد) مجتمعات ينادين : يا عبرتاه يا ثكلاه!.

فدخلت على مسلم فأخبرته الخبر ، فأمرني أنادي في أصحابه ، وقد ملأ به الدور حولهم ، وكانوا فيها أربعة آلاف. فقال لمناديه ناد : يا منصور أمت! وكان ذلك شعارهم. (وكان قد بايعه ثمانية عشر ألفا). فتنادى أهل الكوفة واجتمعوا عليه.

فاجتمع إليه أربعة آلاف ، فعقد لعبد الله بن عزيز الكندي على ربع كندة وربيعة ، وقال : سر أمامي في الخيل. وعقد لمسلم بن عوسجة الأسدي على ربع مذحج وأسد ، وقال : انزل في الرجال. وعقد لأبي ثمامة الصائدي على ربع تميم وهمدان. وعقد للعباس بن جعدة [بن هبيرة] الجدلي على ربع المدينة. وعبأ ميمنته وميسرته ووقف هو في القلب.

٥٥٥ ـ زحف مسلم إلى القصر ، لقتال ابن زياد المتحصّن فيه :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٠٦ ؛ ولواعج الأشجان ص ٤٧)

وأقبل مسلم بن عقيل في وقته ذلك ، ومعه ثمانية عشر ألفا أو يزيدون ، وبين يديه الأعلام والسلاح الشاك. وهم في ذلك يشتمون ابن زياد ويلعنون أباه. وأقبل مسلم يسير حتّى خرج في بني الحرث بن كعب ، ثم خرج على مسجد الأنصار ، حتّى أحاط بالقصر.

(قال عبد الله بن حازم : وتداعى الناس واجتمعوا. فما لبثنا إلا قليلا حتّى امتلأ المسجد من الناس والسّوقة. وما زالوا يتوثّبون حتّى المساء.

وبعث عبيد الله إلى وجوه أهل الكوفة ، فجمعهم عنده في القصر. وأحاط مسلم بالقصر فضايق بعبيد الله أمره. وكان أكثر عمله أن يمسك باب القصر ، وليس معه إلا

٤٨١

ثلاثون رجلا من الشرطة وعشرون رجلا من أشراف الناس ، وأهل بيته وخاصته.وأقبل من نأى عنه من أشراف الناس يأتونه من قبل الباب الّذي يلي دار الروميين).

وركب أصحاب ابن زياد ، واختلط القوم فاقتتلوا قتالا شديدا ، وابن زياد في جماعة من الأشراف قد وقفوا على جدار القصر ينظرون إلى محاربة الناس (وأصحاب مسلم يرمونهم بالحجارة ، ويشتمونهم ويفترون على عبيد الله وعلى أمه وأبيه).

٥٥٦ ـ تخذيل الناس عن مسلم :(مثير الأحزان للجواهري ، ص ٢٣)

فدعا ابن زياد كثير بن شهاب ، وأمره أن يخرج فيمن أطاعه من مذحج ، فيسير في الكوفة ويخذّل الناس ويخوّفهم من الحرب ، ويحذّرهم عقوبة السلطان. وأمر محمّد بن الأشعث أن يخرج فيمن أطاعه من كندة ، فيرفع راية أمان لمن جاءه من الناس. وقال لشبث بن ربعي وحجّار بن أبجر وشمر بن ذي الجوشن مثل ذلك.

فخرجوا يردّون الناس عن مسلم ويخوّفونهم السلطان ، حتّى اجتمع إليهم عدد كثير من قومهم وغيرهم ، فصاروا إلى ابن زياد.

فقال كثير بن شهاب : أصلح الله الأمير ، معك في القصر ناس كثير من أشراف الناس وغيرهم!. فبعث عبيد الله إلى الأشراف فجمعهم ، ثم أشرفوا على الناس (من فوق القصر) فمنّوا أهل الطاعة بالزيادة والكرامة ، وخوّفوا أهل المعصية الحرمان والعقوبة وأهل الشام.

٥٥٧ ـ ابن زياد يخذّل الناس عن مسلم ، ويخوّفهم بمجيء جند الشام :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٠٦)

قال : وجعل رجل من أصحاب ابن زياد يقال له : كثير بن شهاب ، ومحمد بن الأشعث ، والقعقاع بن شور ، وشبث بن ربعي ، ينادون فوق القصر بأعلى أصواتهم : ألا يا شيعة مسلم بن عقيل ، ألا يا شيعة الحسين بن علي ، الله الله في أنفسكم وأهليكم وأولادكم ، فإن جنود أهل الشام قد أقبلت ، وإن الأمير عبيد الله قد عاهد الله ، لئن أنتم أقمتم على حربكم ولم تنصرفوا من يومكم هذا ، ليحرمنّكم العطاء ، وليفرّقنّ مقاتلتكم في مغازي أهل الشام ، وليأخذن البريء بالسقيم ، والشاهد بالغائب ، حتّى لا يبقى منكم بقية من أهل المعصية إلا أذاقها وبال أمرها.

٤٨٢

٥٥٨ ـ تفرّق الناس إلى بيوتهم :(المصدر السابق ، ص ٢٠٧)

فلما سمع الناس مقالة أشرافهم أخذوا يتفرقون ويتخاذلون عن مسلم بن عقيل ، ويقول بعضهم لبعض : ما نصنع بتعجيل الفتنة ، وغدا تأتينا جموع أهل الشام!.فينبغي أن نقعد في منازلنا وندع هؤلاء القوم حتّى يصلح الله ذات بينهم.

قال : وكانت المرأة تأتي أخاها وأباها أو زوجها أو بنيها فتشرده. ثم جعل القوم يتسللون ، والنهار يمضي حتّى غربت الشمس.

٥٥٩ ـ تفرّق الناس عن مسلم حتّى بقي وحيدا :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٤٩ ط نجف)

فلما سمع الناس مقالتهم أخذوا يتفرقون. وكانت المرأة تأتي ابنها وأخاها فتقول : انصرف ، الناس يكفونك. ويجيء الرجل إلى ابنه وأخيه ويقول : غدا يأتيك أهل الشام ، فما تصنع بالحرب والشر ، انصرف. فيذهب به فينصرف. فما زالوا يتفرقون حتّى أمسى ابن عقيل في خمسمائة.

فلما اختلط الظلام جعلوا يتفرقون (فدخل مسلم المسجد الأعظم) فصلى المغرب وما معه إلا ثلاثون نفسا في المسجد. فلما رأى أنه قد أمسى وليس معه إلا أولئك النفر ، خرج متوجها إلى أبواب كندة. فلم يبلغ الأبواب إلا ومعه عشرة. ثم خرج من الباب فإذا ليس معه إنسان!.

فالتفت فإذا هو لا يحسّ أحدا يدله على الطريق ولا يدله على منزله ، ولا يواسيه بنفسه إن عرض له عدو. فمضى على وجهه متحيّرا في أزقة الكوفة لا يدري أين يذهب ، حتّى خرج إلى دور بني جبلة من كندة (انظر الشكل ٦ ـ مخطط الكوفة القديمة ، حيث تظهر منازل كندة في جنوبي الكوفة ، وأبواب كندة) صفحة ٥٦٠.

٥٦٠ ـ كيف عمل ابن زياد على تخذيل الناس :

(مثير الأحزان للجواهري ، ص ٢٣)

لما أحيط بابن زياد وهو في القصر ، فكّر بتخذيل الناس عن مسلم ، واستخدم لذلك عدة طرق منها :

١ ـ التخويف من الحرب والتحذير من عقوبة السلطان.

٢ ـ إغراء الناس بإعطاء الأمان لمن يأتيه.

٤٨٣

٣ ـ إغراء المطيع بزيادة العطاء ، وحرمان العاصي من العطاء.

٤ ـ تخويف الناس بأن جيش الشام زاحف إليهم ، وأنهم لا يقدرون عليه.

٥ ـ بعث رجال يشيعون الإنهزامية في نفوس الناس ، حتّى يقول كل واحد : لا علاقة لي بهذا الأمر!.

٥٦١ ـ ابن زياد يصلي العشاء بالناس ويحذّرهم :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ١٨١)

ولما تفرّق الناس عن مسلم وسكن لغطهم ولم يسمع ابن زياد أصوات الرجال ، أمر من معه في القصر أن يشرفوا على ظلال المسجد لينظروا هل كمنوا فيها ، فكانوا يدلون القناديل ويشعلون النار في القصب ويدلونها بالحبال إلى أن تصل إلى صحن الجامع ، فلم يروا أحدا ، فأعلموا ابن زياد.

فنزل إلى المسجد قبل العتمة [أي وقت صلاة العشاء] وأجلس أصحابه حول المنبر. وأمر فنودي في الكوفة : برئت الذمة من رجل من الشرطة والعرفاء والمقاتلة ، صلى العتمة إلا في المسجد.

فامتلأ المسجد ، ثم صلى بالناس. وقام فحمد الله ، ثم قال : أما بعد ، فإن ابن عقيل السفيه الجاهل قد أتى ما رأيتم من الخلاف والشقاق ، فبرئت الذمة من رجل وجدناه في داره ، ومن أتانا به فله ديّته. فاتقوا الله عباد الله ، والزموا طاعتكم وبيعتكم ، ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلا.

ثم أمر صاحب شرطته الحصين بن تميم أن يفتش الدور والسكك ، وحذّره بالفتك به إن أفلت مسلم ، وخرج من الكوفة.

فوضع الحصين الحرس على أفواه السكك ، وتتبع الأشراف الناهضين مع مسلم ، فقبض على عبد الأعلى بن يزيد الكلبي ، وعمارة بن صلخب الأزدي ، فحبسهما ثم قتلهما.

٥٦٢ ـ صفة أهل العراق والكوفيين خاصة :

(مختصر تاريخ العرب لسيد أمير علي [١٨٤٩ ـ ١٩٢٨ م] ، ص ٧٢)

يقول سيد أمير علي : كان أهل العراق والكوفة ، أنصار علي والحسن والحسينعليهم‌السلام ، وهم وإن كانوا متحلّين بالحماسة وشدة البأس ، إلا أنهم قوم

٤٨٤

قلبّ يعوزهم الثبات والحزم. فبينما تراهم يوما شديدي الحماسة لعقيدة يدينون بها ، أو متفانين في الإخلاص لشخص يعضدونه ، إذ بهم في اليوم التالي قد أعرضوا عن العقيدة التي آمنوا بها ، وخذلوا الشخص الّذي أجمعوا على نصرته بالأمس.ولقد قرّحوا قلب الإمام عليعليه‌السلام ، ثم خذلوا الإمام الحسنعليه‌السلام ، ثم قتلوا الإمام الحسينعليه‌السلام .

٥٦٣ ـ التجاء مسلم إلى دار طوعة :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٠٧)

فلما رأى مسلم ذلك استوى على فرسه ومضى في بعض أزقة الكوفة ، وقد أثخن بالجراحات ، لا يدري أين يذهب. حتّى صار إلى امرأة يقال لها (طوعة) ، وقد كانت قبل ذلك أم ولد للأشعث بن قيس ، فتزوجها رجل من حضرموت يقال له أسيد الحضرمي ، فولدت له (بلال) بن أسيد [وهي امرأة عربية موالية لآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لها شأن كبير في نساء الكوفة].

وكانت المرأة واقفة على باب دارها تنتظر ابنها. فسلّم عليها مسلم فردّتعليه‌السلام . فقال: يا أمّة الله اسقيني ماء ، فسقته فجلس على بابها.

(ودخلت ثم خرجت) فقالت له : يا عبد الله ، ما شأنك أليس قد شربت؟!. قال :بلى.

(وفي مثير الأحزان للجواهري ، ص ٢٤) : «قالت : فاذهب إلى أهلك ، فسكت.ثم أعادت مثل ذلك فسكت. ثم قالت في الثالثة : يا سبحان الله يا عبد الله ، قم إلى أهلك عافاك الله ، فإنه لا يصلح لك الجلوس على باب داري ولا أحلّه لك. فقام مسلم وقال : يا أمة الله ما لي في هذا المصر أهل ولا عشيرة ، فهل لك في أجر ومعروف ، ولعلي مكافيك بعد اليوم. قالت :

يا عبد الله وما ذاك؟. قال : أنا مسلم بن عقيل ، كذّبني هؤلاء القوم وغرّوني وأخرجوني».

قال السيد أسد حيدر في كتابه (مع الحسين في نهضته) ص ١١٢ :

«وكانت طوعة امرأة عربية موالية لآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شأنها شأن كبير ، من نساء الكوفة اللواتي أثبت التاريخ مواقفهن الحاسمة في مناصرة أهل البيتعليهم‌السلام . ولكن الإطار الّذي برزت فيه صورتها في هذا الحادث هو غير إطارها الواقعي».

قالت : أنت مسلم؟. قال : نعم. قالت : ادخل ، فدخل إلى بيت [أي غرفة] في

٤٨٥

دارها غير البيت الّذي تكون فيه ، وفرشت له (وجاءته بمصباح) وعرضت عليه العشاء فلم يتعشّ.

٥٦٤ ـ بلال بن طوعة يفشي أمر مسلم بن عقيل :

(مثير الأحزان للجواهري ، ص ٢٤)

ولم يكن بأسرع من أن جاء ابنها [بلال] فرآها تكثر الدخول والخروج إلى ذلك البيت (وهي باكية). فألحّ عليها ، فأعلمته بعد أن أخذت عليه العهود بالكتمان.(فسكت الغلام ولم يقل شيئا. ثم أخذ مضجعه ونام).

(وفي مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٠٨) :

«فلما أصبح ابن زياد ، نادى في الناس أن اجتمعوا. ثم خرج من القصر فدخل المسجد ، ثم صعد المنبر فقال : أيها الناس ، إن مسلم بن عقيل السفيه الجاهل ، أتى هذا البلد وأظهر الخلاف وشق عصا المسلمين ، وقد برئت الذمة من رجل أصبناه في داره. ومن جاء به فله ديته ، والمنزلة الرفيعة من أمير المؤمنين ، وله كل يوم حاجة مقضيّة

وأقبل محمّد بن الأشعث حتّى دخل على عبيد الله بن زياد. فلما رآه قال : مرحبا بمن لا يتّهم في مشورة. وأقبل [بلال] إلى عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث فأخبره بمكان مسلم. فقال : اسكت إذن ولا تخبر أحدا. وأقبل عبد الرحمن إلى أبيه فسارّه في أذنه بأن مسلما في منزل طوعة. ثم تنحّى ، فقال ابن زياد : ما الّذي قال لك عبد الرحمن؟. فقال : أصلح الله الأمير ، البشارة الكبرى. قال : وما تلك فمثلك من يبشّر بخير؟. فأخبره بذلك ، فسرّ عدوّ الله ، وقال له : قم فأتني به ولك ما بذلت من الجائزة الكبرى والحظ الأوفى».

٥٦٥ ـ مهاجمة مسلم وإمساكه بعد تمنيته بالأمان الخادع :

(مقتل المقرّم ، ص ١٨٣)

وعند الصباح أعلم ابن زياد بمكان مسلم ، فأرسل ابن الأشعث (ومعه عبيد الله بن العباس السلمي) ليقبض عليه. ولما سمع مسلم وقع حوافر الخيل عرف أنه قد أتي. فعجّل دعاءه الّذي كان مشغولا به بعد صلاة الصبح. ثم لبس لامته [أي درعه] وقال لطوعة : قد أدّيت ما عليك من البرّ ، وأخذت نصيبك من شفاعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ولقد رأيت البارحة عمي أمير المؤمنينعليه‌السلام في المنام ، وهو يقول لي : أنت معي غدا.

٤٨٦

٥٦٦ ـ البسالة الهاشمية :(المصدر السابق)

ثم بادر مسرعا إلى فرسه فأسرجه وألجمه ، وصبّ عليه درعه واعتجر بعمامته وتقلّد سيفه.

وخرج إليهم بسيفه وقد اقتحموا عليه الدار ، فشدّ عليهم يضربهم بسيفه ، حتّى أخرجهم من الدار. ثم عادوا إليه فشدّ عليهم كذلك ، فأخرجهم مرارا من الدار ، وهو يقول:

هو الموت فاصنع ويك ما أنت صانع

فأنت بكأس الموت لا شكّ جارع

فصبرا لأمر الله جلّ جلاله

فحكم قضاء الله في الخلق ذائع

فقتل منهم واحدا وأربعين رجلا.

(وفي مثير الأحزان للجواهري ، ص ٢٥) :

فلما رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق البيت ، وأخذوا يرمونه بالحجارة ، ويلهبون النار في أطنان القصب [جمع طنّ : وهي حزمة القصب] ثم يرمونها عليه من فوق البيت. فلما رأى ذلك خرج إليهم مصلتا سيفه في السكّة ، وكان من قوّته أنه يأخذ الرجل بيده فيرمي به فوق البيت.

(وفي كتاب : مع الحسين في نهضته ، ص ١٠٧) :

وقد اشترك في حربه الرجال والنساء والأطفال ؛ فالرجال بالسيوف والرماح والنبال ، والنساء بالنار في أطنان القصب ، تلهب نارا فترميه بها من أعلى السطوح(١) ، والأطفال يرمونه بالحجارة ، وهو يقابل ذلك بشجاعة وبسالة وثبات.

٥٦٧ ـ ابن الأشعث يطلب المدد :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٠٩)

وخرج مسلم في وجوه القوم كالأسد المغضب يضاربهم بسيفه ، حتّى قتل جماعة. وبلغ ذلك ابن زياد ، فأرسل إلى محمّد بن الأشعث : سبحان الله

أبا عبد الرحمن ، بعثناك إلى رجل واحد لتأتينا به ، فثلم في أصحابك ثلمة عظيمة (فكيف إذا أرسلناك إلى غيره؟).

فأرسل إليه محمّد بن الأشعث : أيها الأمير ، أتظن أنك بعثتني إلى بقّال من

__________________

(١) مروج الذهب للمسعودي ، ج ٣ ص ٦٨.

٤٨٧

بقّالي الكوفة ، أو جرمقاني من جرامقة الحيرة(١) . أفلا تعلم أيها الأمير أنك بعثتني إلى أسد ضرغام ، وبطل همام ، في كفّه سيف حسام ، يقطر منه الموت الزّؤام؟!.

٥٦٨ ـ الأمان الكاذب :

(المصدر السابق)

فأرسل إليه ابن زياد أن أعطه الأمان ، فإنك لن تقدر عليه إلا بالأمان المؤكد بالأيمان. فجعل محمّد بن الأشعث يناديه : ويحك يابن عقيل لا تقتل نفسك ، لك الأمان. فيقول مسلم : لا حاجة لي في أمان الغدرة الفجرة ، وينشد :

أقسمت لا أقتل إلا حرّا

وإن رأيت الموت شيئا نكرا

كل امرئ يوما ملاق شرّا

ردّ شعاع النفس فاستقرّا

أضربكم ولا أخاف ضرّا

ضرب همام يستهين الدهرا

ويخلط البارد سخنا مرّا

ولا أقيم للأمان قدرا

أخاف أن أخدع أو أغرّا

والأبيات لحمران بن مالك الخثعمي قالها يوم القرن.

٥٦٩ ـ مقاومة حتّى النهاية :(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ١٨٤)

واشتدّ القتال ، فاختلف مسلم مع بكير بن حمران الأحمري بضربتين ، فضرب بكير فم مسلم فقطع شفته العليا ، وأسرع السيف إلى السفلى ، وفصلت له ثنيّتاه [الثنايا : هي الأسنان الأمامية من الفم]. وضربه مسلم على رأسه ضربة منكرة ، وأخرى على حبل العاتق ، حتّى كادت أن تطلع إلى جوفه.

وأثخنت مسلم الجراحات وأعياه نزف الدم ، فاستند إلى جنب تلك الدار ، فتحاملوا عليه يرمونه بالسهام (والنبل) والحجارة. فقال :

(ويلكم) ما لكم ترموني بالحجارة كما ترمى الكفار ، وأنا من أهل بيت النبي المختار!.(ويلكم) أما ترعون حق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عترته؟!.

فقال له ابن الأشعث : لا تقتل نفسك وأنت في ذمتي. قال مسلم : أؤسر وبي طاقة؟. لا والله لا يكون ذلك أبدا. وحمل على ابن الأشعث فهرب منه.

__________________

(١) الجرامقة : جماعة من العجم سكنوا أول الإسلام في الموصل.

٤٨٨

ثم حملوا عليه من كل جانب وقد اشتدّ به العطش ، فطعنه رجل من خلفه ، فسقط إلى الأرض وأسر.

٥٧٠ ـ كيف احتالوا على مسلم وأمسكوه :

(المنتخب للطريحي ، ص ٤٢٧)

وقيل : إنهم احتالوا عليه ، وحفروا له حفرة عميقة في وسط الطريق ، وأخفوا رأسها بالدغل والتراب ، ثم انطردوا بين يديه ، فوقع بتلك الحفرة ، وأحاطوا به ، فضربه ابن الأشعث على محاسن وجهه ، فلعب السيف في عرنين أنفه ومحاجر عينيه ، حتّى بقيت أضراسه تلعب في فمه. فأوثقوه وأخذوه أسيرا إلى ابن زياد.

٥٧١ ـ مسلم بن عقيل يبكي لقدوم الحسينعليه‌السلام :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢١١)

(وفي رواية) : إن محمّد بن الأشعث لما أعطى مسلما الأمان ، رمى بسيفه ، فأخذوه وحملوه على بغلة ، فدمعت عيناه. فقال محمّد : إني لأرجو أن لا بأس عليك.فقال : ويحك ما هو إلا الرجاء ، فأين أمانكم؟. إنا لله وإنا إليه راجعون ، وبكى.

فقال عبيد الله بن العباس السلمي : من يطلب مثل الّذي طلبت لا يبكي. فقال مسلم : إني والله ما على نفسي أبكي ، لكني أبكي على أهلي المقبلين إليكم ، أبكي على الحسين وآل الحسينعليه‌السلام .

ولما ركب على البغلة ونزع منه السيف ، استرجع وقال : هذا أول الغدر ، وأيس من نفسه ، وعلم أن لا أمان له من القوم.

فقال لمحمد بن الأشعث : إني لأظنك تعجز عن أماني ، أفتستطيع أن تبعث رجلا عن لساني يبلّغ حسينا ، فإني لا أراه إلا قد خرج إلى ما قبلكم ، هو وأهل بيته ، فيقول له : إن مسلما بعثني إليك ، وهو أسير في يد العدو ، يذهبون به إلى القتل ، فارجع بأهلك ، ولا يغرّنّك أهل الكوفة ، فإنهم أصحاب أبيك الّذي كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل. إن أهل الكوفة قد كذّبوني ، فكتبت إليك وليس لمكذوب رأي.

فقال محمّد : والله لأفعلن. ودعا بإياس الطائي ، وكتب معه إلى الحسينعليه‌السلام ما قاله مسلم عن لسان مسلم. وأعطاه راحلة وزادا. فذهب فاستقبل الحسينعليه‌السلام في (زبالة).

٤٨٩

٥٧٢ ـ مسلم يطلب شربة من الماء :

(الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٦٦)

(وجيء به إلى ابن زياد) فلما جلس مسلم على باب القصر رأى جرة فيها ماء بارد (وكان له يومان ما شرب الماء) ، فقال : اسقوني من هذا الماء. فقال له مسلم بن عمرو الباهلي : أتراها ما أبردها ، والله لا تذوق منها قطرة ، حتّى تذوق الحميم في نار جهنم. فقال له ابن عقيل : من أنت؟. قال : أنا من عرف الحق إذ تركته ، ونصح الأمة والإمام إذ غششته ، وسمع وأطاع إذ عصيته ، أنا مسلم بن عمرو. فقال له ابن عقيل : لأمك الثكل ، ما أجفاك وأفظّك وأقسى قلبك وأغلظك. أنت يابن باهلة أولى بالحميم ، والخلود في نار جهنم مني. (ثم جلس وتساند إلى حائط القصر).

(وفي مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٠) :

ثم قال : ويحكم يا أهل الكوفة ، اسقوني شربة من ماء. فأتاه غلام لعمرو ابن حريث المخزومي بقلّة فيها ماء ، وقدح من قوارير [أي زجاج] ، فصبّ القلّة في القدح وناوله ، فأخذ مسلم القدح بيده. فكلما أراد أن يشرب امتلأ القدح دما ، فلم يقدر أن يشرب من كثرة الدم ، وسقطت ثنيّتاه في القدح ، فامتنع من شرب ذلك الماء (وقال : لو كان من الرزق المقسوم لشربته).

(وفي كتاب المحن لمحمد بن أحمد التميمي ، ص ١٤٥) :

فلما أسر مسلم لغب ، فقال : اسقوني ماء. ومعه رجل من آل أبي معيط (هو عمارة بن عقبة بن أبي معيط) وشمر بن ذي الجوشن. فقال له شمر :

لا نسقيك إلا من النّيل!. فقال المعيطي : والله لا نسقيه إلا من الفرات!. قال :فأمر غلاما له ، فأتاه بإبريق ماء وقدح من قوارير ومنديل. قال : فسقاه ، وتمضمض وخرج الدم ، فما زال يمجّ الدم ولا يسيغ شيئا ، حتّى قال : أخّروه عني.

٥٧٣ ـ ما قاله مسلم بن عقيل لعبيد الله بن زياد حين أدخل عليه وأيقن بالهلاك:

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢١١)

ثم أتي بمسلم رضي الله عنه فأدخل على ابن زياد فأوقف ولم يسلّم عليه. فقال له الحرسي : سلّم على الأمير. فقال له مسلم : اسكت لا أم لك ، ما لك والكلام ، ما

٤٩٠

هو لي بأمير فأسلّم عليه(١) .(وفي مقتل المقرم ص ١٨٧ أنه قال) : «السلام على من اتّبع الهدى ، وخشي عواقب الردى ، وأطاع الملك الأعلى». فقال ابن زياد : لا عليك سلّمت أو لم تسلّم ، فإنك مقتول(٢) . فقال مسلم : إن قتلتني فلقد قتل من هو شرّ منك من هو خير مني.

(وفي رواية لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٥٧ ط نجف) :

«فقال له ابن زياد : قتلني الله إن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد في الإسلام. فقال له مسلم : أما إنك أحقّ من أحدث في الإسلام ما لم يكن. وإنك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السريرة ولؤم الغلبة لأحد أولى بها منك».

ثم قال لمسلم : يا شاقّ يا عاقّ ، خرجت على إمامك وشققت عصا المسلمين وألقحت الفتنة!. فقال : كذبت يابن زياد ، إنما شقّ عصا المسلمين معاوية وابنه يزيد ، وإنما ألقح القتنة أنت وأبوك زياد بن عبيد ابن بني علاج من ثقيف. وأنا أرجو أن يرزقني الله الشهادة على يدي شرّ بريّته(٣) فوالله ما خلعت وما غيرت ، وإنما أنا في طاعة الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو أولى بالخلافة من معاوية وابنه وآل زياد. فقال له ابن زياد : يا فاسق ألم تكن تشرب الخمر بالمدينة!.فقال مسلم : الله يعلم أني ما شربتها قط ، وأحقّ مني بشرب الخمر من يقتل النفس الحرام ويقتل على الغضب والعداوة والظنّ ، وهو في ذلك يلهو ويلعب كأن لم يصنع شيئا.

فقال له ابن زياد : يا فاسق منتّك نفسك أمرا حال الله دونه وجعله لأهله. فقال له مسلم : ومن أهله يابن مرجانة؟. فقال له : يزيد بن معاوية. فقال مسلم : الحمد لله (على كل حال) رضينا بالله حكما بيننا وبينكم. فقال له ابن زياد : أتظن أن لك في الأمر شيئا؟. فقال : لا والله ، ما هو بالظن ولكنه اليقين.

فقال ابن زياد له : قتلني الله إن لم أقتلك شرّ قتلة فقال له مسلم : والله لو كان معي عشرة ممن أثق بهم ، وقدرت على شربة ماء ، لطال عليك أن تراني في هذا

__________________

(١) اللهوف ، ص ٣٠ ؛ وتاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢١٢.

(٢) المنتخب للطريحي ، ص ٢٠٠ ؛ ومقتل أبي مخنف ، ص ٣٦.

(٣) مثير الأحزان لابن نما الحلي ، ص ١٧.

٤٩١

القصر. ولكن إن كنت قد عزمت على قتلي فأقم لي رجلا من قريش حتّى أوصي إليه بما أريد.

٥٧٤ ـ وصية مسلم بن عقيلعليه‌السلام :(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٢)

ثم نظر مسلم إلى عمر بن سعد بن أبي وقاص ، فقال له : إن بيني وبينك قرابة ، فاسمع مني ، فامتنع. فقال له ابن زياد : ما يمنعك من الاستماع لابن عمك؟. فقام عمر بن سعد إليه. فقال له مسلم : أوصيك بتقوى الله ، فإن التقوى درك كل خير.ولي إليك حاجة. فقال عمر : قل ما أحببت. فقال : حاجتي إليك أن تستردّ فرسي وسلاحي من هؤلاء القوم ، فتبيعه وتقضي عني سبعمائة درهم استدنتها في مصركم هذا ، وأن تستوهب جثتي إن قتلني هذا الفاسق ، فتواريني التراب ، وأن تكتب للحسينعليه‌السلام أن لا يقدم ، فينزل به ما نزل بي.

فقال عمر بن سعد : أيها الأمير ، إنه يقول كذا وكذا. فقال ابن زياد : يابن عقيل ، أمّا ما ذكرت من دينك فإنما هو مالك تقضي به دينك ، ولسنا نمنعك أن تصنع به ما أحببت. وأما جسدك فإنا إذا قتلناك فالخيار لنا ، ولسنا نبالي ما صنع الله بجثتك.وأما الحسين فلا ، ولا كرامة.

٥٧٥ ـ (رواية أخرى) لوصية مسلمعليه‌السلام :(العقد الفريد ج ٤ ص ٣٠٧)

فنظر مسلم في وجوه الناس ، فقال لعمرو بن سعيد (لعله تصحيف : عمر ابن سعد) : ما أرى قرشيا هنا غيرك ، فادن مني حتّى أكلمك. فدنا منه ، فقال له :

هل لك أن تكون سيد قريش ما كانت قريش؟. إن حسينا ومن معه ـ وهم تسعون إنسانا ما بين رجل وامرأة ـ في الطريق ، فارددهم واكتب لهم بما أصابني.

وقال عمرو لابن زياد : أتدري ما قال لي؟. قال ابن زياد : اكتم على ابن عمك.قال : هو أعظم من ذلك. قال : وما هو؟. قال : قال لي إن حسينا ومن معه أقبل ، وهم تسعون إنسانا ما بين رجل وامرأة ، فارددهم واكتب إليه بما أصابني.

فقال له ابن زياد : أما والله إذ دللت عليه ، لا يقاتله أحد غيرك.

٥٧٦ ـ محاورة مسلم بن عقيل مع عبيد الله بن زياد وقد اتّهم مسلما بالفرقة بين المسلمين ، ومصرع مسلمعليه‌السلام :(مقتل الخوارزمي ج ١ ص ٢١٣)

ثم قال ابن زياد : ولكن أريد أن تخبرني يابن عقيل لماذا أتيت أهل هذا البلد ،

٤٩٢

وأمرهم جميع وكلمتهم واحدة ، فأردت أن تفرّق عليهم أمرهم وتحمل بعضهم على بعض. فقال له مسلم : ليس لذلك أتيت ، ولكنّ أهل هذا المصر زعموا أن أباك قتل خيارهم وسفك دماءهم ، وأن معاوية حكم فيها ظلما بغير رضى منهم ، وغلبهم على ثغورهم التي أفاء الله بها عليهم ، وأن عاملهم يتجبّر ويعمل أعمال كسرى وقيصر ، فأتينا لنأمر بالعدل ، وندعو إلى الحكم بكتاب الله إذ كنا أهله ، ولم تزل الخلافة لنا ـ وإن قهرنا عليها ـ رضيتم بذلك أم كرهتم ، لأنكم أول من خرج على إمام هدى وشقّ عصا المسلمين ، ولا نعلم لنا ولكم مثلا ، إلا قول الله تعالى :( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) [الشعراء : ٢٢٧].

(وفي مقتل الحسين للمقرّم ، ص ١٨٩ تتمة الكلام) : «قال ابن زياد : ما أنت وذاك ، أولم نكن نعمل فيهم بالعدل!. قال مسلم : إن الله يعلم أنك غير صادق ، وأنك لتقتل على الغضب والعداوة وسوء الظن. فشتمه ابن زياد وشتم عليا وعقيلا والحسين(١) . فقال مسلم : أنت وأبوك أحقّ بالشتم ، فاقض ما أنت قاض يا عدوّ الله(٢) . فنحن أهل بيت موكّل بنا البلاء(٣) ».

شهادة مسلم بن عقيلعليه‌السلام

فقال ابن زياد : اصعدوا به إلى أعلى القصر واضربوا عنقه ، وأتبعوا رأسه جسده.فقال مسلم : أما والله يابن زياد ، لو كنت من قريش أو كان بيني وبينك رحم لما قتلتني ، ولكنك ابن أبيك. فازداد ابن زياد غضبا. (قيل : إنه يشير بهذا الكلام إلى أن عبيد الله مثل أبيه زياد ، دعيّان وليسا من قريش).

ودعا ابن زياد برجل من أهل الشام قد كان مسلم ضربه على رأسه ضربة منكرة (وهو بكر بن حمران) فقال له : خذ مسلما إليك وأصعده إلى أعلى القصر واضرب

__________________

(١) كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ١٤ ؛ وتاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢١٣.

(٢) اللهوف على قتلى الطفوف ، ص ٣١.

(٣) مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٣.

٤٩٣

أنت عنقه بيدك ، ليكون ذلك أشفى لصدرك. قال : فأصعد مسلم إلى أعلى القصر وهو يسبّح الله ويستغفره ويهلله ويكبّره(١) ويقول : الله م احكم بيننا وبين قوم غرّونا وخذلونا وكذّبونا. وتوجه نحو المدينة وسلّم على الحسينعليه‌السلام (٢) .

وأشرف به الشامي على موضع الحذّائين ، وضرب عنقه ، ورمى برأسه وجسده إلى الأرض(٣) .

٥٧٧ ـ تاريخ خروج مسلم وقتلهعليه‌السلام :

(في تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٦ ط ٢ نجف) :

قال هشام : وخرج الحسينعليه‌السلام من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة. وكان يوم التروية في اليوم الّذي خرج فيه مسلم بن عقيل بالكوفة.

(وفي لواعج الأشجان ، ص ٧٠) : أن استشهاد مسلم كان يوم عرفة ، لتسع خلون من ذي الحجة على رواية المفيد ، (وفي رواية) يوم التروية(٤) لثمان مضين منه.

ترجمة مسلم بن عقيلعليه‌السلام

هو ابن عقيل بن أبي طالب. كان شجاعا باسلا وهماما حازما. صدق فيه قول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لله درّ أبي طالب لو ولد الناس كلهم لكانوا شجعانا».وقال فيه الحسينعليه‌السلام يخاطب أهل الكوفة : «وأنا باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل». وما يمنعه أن يكون كذلك وإنه في الصميم من هاشم ، والذروة من بني عمرو العلى ، والقلب من آل عبد مناف؟!.

__________________

(١) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢١٣.

(٢) أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٢٥٩.

(٣) مثير الأحزان لابن نما ، ص ١٨.

(٤) سمّي اليوم الثامن من ذي الحجة (يوم التروية) لأنهم كانوا يرتوون فيه من الماء من منى ، ويخرجون إلى عرفات.

٤٩٤

تابع : ترجمة مسلم بن عقيل

وقال السيد الميانجي في (العيون العبرى) ص ٤٦ و ٤٧ :

كان خروج مسلم بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان ليال مضين من ذي الحجة ، وقتل يوم الأربعاء يوم عرفة لتسع خلون منه سنة ستين. وكان له من العمر يوم استشهد ما يناهض الستين. وما في بعض الكتب من أنهعليه‌السلام كان يوم قتل ابن ثمانية وعشرين ليس في محله كما هو واضح.

وقال : أمه أم ولد تسمى (عليّة) اشتراها عقيل من الشام ، وكان مسلم صهرا لأمير المؤمنينعليه‌السلام لبنته (رقيّة).

وكفى في فضله وجلالته إرسال الحسينعليه‌السلام إياه سفيرا ورسولا إلى أهل الكوفة.

وفي (أمالي الصدوق) عن ابن عباس ، قال عليعليه‌السلام : يا رسول الله ، إنك لتحبّ عقيلا؟. قال : إي والله ، إني لأحبه حبّين : حبا له ، وحبا لحب أبي طالب له ، وإن ولده لمقتول في محبة ولدك ، فتدمع عليه عيون المؤمنين ، وتصلي عليه الملائكة المقربون. ثم بكى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى جرت دموعه على صدره. ثم قال : إلى الله أشكو ما تلقى عترتي من بعدي.

ولم أعثر تحقيقا لعدد أولاده ، والذي ثبت منهم : عبد الله بن مسلم قتل في الطف ، ومحمد بن مسلم أمه أم ولد قتل بعد أخيه عبد الله ، وبنت لها إحدى عشرة أو ثلاث عشرة سنة ، كانت مع أهلالبيت ومع بنات الحسينعليهم‌السلام في سفر كربلاء.

وأما الغلامان الصغيران اللذان قتلا في الكوفة بعد الوقعة ، فقد ذهب بعض أرباب المقاتل إلى أنهما كانا من ولد مسلم بن عقيل ، وأنهما بقيا سنة في السجن ثم قتلا (نقلا عن أمالي الشيخ الصدوق) لكنه مما لا يساعده الاعتبار. والذي ذهب إليه العلامة المجلسي في (البحار) أنهما من ولد جعفر الطيارعليه‌السلام .

٤٩٥

٥٧٨ ـ قصة إنجاب عقيل لمسلم بن عقيل من (عليّة):

(إبصار العين للشيخ السماوي ، ص ٤٠)

روى المدائني (قال) قال معاوية بن أبي سفيان لعقيل بن أبي طالب يوما : هل من حاجة فأقضيها لك؟. قال : نعم ، جارية عرضت عليّ ، وأبى أصحابها أن يبيعوها إلا بأربعين ألفا.

فأحبّ معاوية أن يمازحه ، فقال : وما تصنع بجارية قيمتها أربعون ألفا وأنت أعمى؟!. تجتزئ بجارية قيمتها أربعون درهما!. فقال عقيل : أرجو أن أطأها فتلد لي غلاما ، إذا أغضبته ضرب عنقك بالسيف!. فضحك معاوية ، وقال : مازحناك يا أبا يزيد. وأمر فابتيعت له الجارية ، التي أولد منها مسلما.

ولما مات عقيل تخاصم مسلم مع معاوية في أرض بالمدينة ، فامتنع معاوية عن ردّها ، فقال له مسلم : أما دون أن أضرب رأسك بالسيف فلا. فاستلقى معاوية ضاحكا يضرب برجليه ، ويقول له : يا بني ، هذا والله ما قاله لي أبوك حين ابتاع أمّك!.

شهادة هانئ بن عروة (رض)

٥٧٩ ـ إخراج هانئ بن عروة رضي الله عنه للقتل :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٥٩ ط نجف)

ثم أمر ابن زياد بهانئ بن عروة أن يخرج فيلحق بمسلم بن عقيل. فقام محمّد بن الأشعث إلى عبيد الله بن زياد فكلمه في شأن هانئ بن عروة ، فقال : إنك قد عرفت منزلة هانئ في المصر وبيته في العشيرة ، وقد علم قومه أني وصاحبي سقناه إليك ، وأنشدك الله لما وهبته لي ، فإني أكره عداوة المصر وأهله. فوعده أن يفعل.

ثم بدا له [أي بدا له شيء جعله يغيّر رأيه] وأمر بهانئ في الحال ، وقال : أخرجوه إلى السوق ، فاضربوا عنقه.

٤٩٦

٥٨٠ ـ مصرع هانئ بن عروة رضي الله عنه :

(مقتل المقرم ، ص ١٩٠)

ثم أخرج هانئ إلى مكان من السوق يباع فيه الغنم وهو مكتوف ، فجعل يصيح :وامذحجاه ولا مذحج لي اليوم ، واين مني مذحج (يستغيث بقبيلته). فلما رأى أن أحدا لا ينصره جذب يده ونزعها من الكتاف ، وقال : أما من عصا أو سكين أو حجر أو عظم يدافع رجل عن نفسه!. ووثبوا عليه وأوثقوه كتافا. وقيل له : مدّ عنقك ، فقال : ما أنا بها سخيّ ، وما أنا بمعينكم على نفسي ، فضربه بالسيف مولى لعبيد الله بن زياد تركي اسمه (رشيد) فقتله ، وهو يقول : إلى الله المعاد ، الله م إلى رحمتك ورضوانك.

٥٨١ ـ سحل جثتي مسلم وهانئرحمهما‌الله :

(المصدر السابق)

وأمر ابن زياد بسحب مسلم وهانئ بالحبال من أرجلهما في الأسواق(١) وصلبهما بالكناسة منكوسين(٢) . وأنفذ الرأسين إلى يزيد فنصبهما في درب من دمشق(٣) .

وفي مسلم وهانئرحمهما‌الله يقول عبد الله بن الزبير الأسدي :

فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري

إلى هانئ في السوق وابن عقيل

إلى بطل قد هشّم السيف وجهه

وآخر يهوي من طمار قتيل

تري جسدا قد غيّر الموت لونه

ونضح دم قد سال كل مسيل

أصابهما أمر اللعين فأصبحا

أحاديث من يسعى بكل سبيل

شرح : الطمار : بفتح الطاء وكسرها ، المكان المرتفع.

__________________

(١) المنتخب للطريحي ، ص ٣٠١.

(٢) مناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢١٢ ط إيران ؛ ومقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٥.والكناسة : ضاحية مندرسة ، كانت كناسة لبني أسد ، أي محل رمي الأنقاض لهذه القبيلة ، عند مخرج الكوفة من الغرب ، ثم أصبحت فيها تجارة النقليات وصناعتها (انظر الشكل ٦) ص ٥٦٠.

(٣) تاريخ أبي الفداء ، ج ١ ص ١٩٠ ؛ والبداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ١٥٧.

٤٩٧

ترجمة هانئ بن عروة رضي الله عنه

كان هانئ بن عروة هو وأبوه من وجوه الشيعة في الكوفة. ويروى أنه كان صحابيا كأبيه. وحضر مع أمير المؤمنين عليعليه‌السلام حروبه الثلاث. وكان من أركان حركة حجر بن عديّ الكندي ضد زياد بن أبيه.

وروى المسعودي أنه كان شيخ مراد وزعيمها ، وكان معمّرا ، ذكر بعضهم أنه عاش ٨٣ سنة ، وقيل بضعا وتسعين سنة. وكان يتوكأ على عصا بها زجّ ، وهي التي ضربه ابن زياد بها لما أحضر عنده ، حتّى هشّم أنفه وجبينه. وكان مقتله يوم التروية سنة ٦٠ ه‍ ، في نفس اليوم الّذي قتل فيه مسلم بن عقيل رضوان الله عليهما.

٥٨٢ ـ دفن جثتي مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة رضي الله عنهما :

(وسيلة الدارين في أنصار الحسين لابراهيم الزنجاني ، ص ٢٠٩)

قال الثعلبي : بقيت تلك الجثة الطاهرة على وجه الأرض من غير غسل ولا كفن.ولما دجى الليل ونامت كل عين ، شدّت زوجة ميثم التمّار على نفسها ، وخرجت إلى الكنائس ، وحملت مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وحنظلة بن مرة إلى دارها.ولما انتصف الليل ونامت كل عين حملتهم إلى جنب المسجد الأعظم [مسجد الكوفة] ودفنتهم بدمائهم ، ولم يعلم بها أحد إلا زوجة هانئ ابن عروة ، لأنها كانت في جوارها.

٥٨٣ ـ كتاب من ابن زياد إلى يزيد مع رأسي مسلم وهانئ رضي الله عنهما :

(مقتل الحسين للسيد عبد الرزاق المقرّم ، ص ١٩١ ط ٣ نجف)

وبعث ابن زياد برأس مسلم بن عقيل إلى يزيد ، وهو أول رأس حمل من رؤوس بني هاشم ، وجثة مسلم أول جثة صلبت منهم.

وكتب إليه : أما بعد ، فالحمد لله الّذي أخذ لأمير المؤمنين بحقه ، وكفاه مؤونة عدوه. أخبر أمير المؤمنين أكرمه الله : أن مسلم بن عقيل لجأ إلى دار هانئ بن عروة المرادي ، وأني جعلت عليهما العيون ودسست إليهما الرجال ، وكدتهما حتّى

٤٩٨

استخرجتهما ، وأمكن الله منهما ، فقدمتهما فضربت أعناقهما. وقد بعثت إليك برأسيهما والسلام.

٥٨٤ ـ ردّ يزيد على كتاب ابن زياد ، وشكره على صنيعه :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٥٢٦)

فكتب إليه يزيد يشكره ويقول : قد عملت عمل الحازم ، وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش. وقد صدق ظني فيك. وبلغني أن الحسين قد توجه إلى العراق ، فضع له المناظر والمسالح ، واحترس منه ، واحبس على الظنّة ، وخذ على التهمة.واكتب إليّ في كل ما يحدث من خير وشر ، والسلام.

مصرع عبد الأعلى ابن يزيد الكلبيرحمه‌الله

٥٨٥ ـ مقتل عبد الله بن يزيد الكلبي :

(أنصار الحسين للشيخ محمّد مهدي شمس الدين ، ص ١٢٢ ط ٢)

عبد الأعلى الكلبي شاب كوفي ، ممن بايعوا مسلم بن عقيل. لبس سلاحه حين أعلن مسلم تحركه ، بعد القبض على هانئ بن عروة ، وخرج من منزله ليلحق بمسلم في محلة بني فتيان ، فقبض عليه كثير بن شهاب بن الحصين الحارثي من مذحج.وكان كثير قد استجاب لعبيد الله بن زياد حين أمره أن يخرج فيمن أطاعه من مذحج ، فيخذّل الناس عن مسلم بن عقيل.

فأخذ كثير بن شهاب الشابّ عبد الأعلى بن يزيد الكلبي ، فأدخله على عبيد الله بن زياد. فقال عبد الأعلى لابن زياد : إنما أردتك ، فلم يصدّقه. وأمر به فحبس (راجع تاريخ الطبري ، ج ٥ ص ٣٦٩).

ثم إن عبيد الله بن زياد لما قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة ، دعا بعبد الأعلى الكلبي ، فأتي به. فقال له : أخبرني بأمرك. فقال : أصلحك الله ، خرجت لأنظر ما يصنع الناس ، فأخذني كثير بن شهاب. فقال له : فعليك وعليك من الأيمان المغلظة ، إن كان أخرجك إلا ما زعمت!. فأبى أن يحلف. فقال عبيد الله : انطلقوا

٤٩٩

بهذا إلى جبانة السبيع فاضربوا عنقه بها. فانطلقوا به فضربت عنقهرحمه‌الله (راجع تاريخ الطبري ، ج ٥ ص ٣٧٩).

مصرع عمارة ابن صلخب الأزديرحمه‌الله

٥٨٦ ـ مقتل عمارة بن صلخب الأزدي :(المصدر السابق)

عمارة بن صلخب شاب كوفي ، كان قد خرج لنصرة مسلم بن عقيل حين بدأ تحركه ، فقبض عليه وحبس. ثم دعا به عبيد الله بن زياد بعد أن قتل مسلم ابن عقيل وهانئ بن عروة ، فأرسله إلى قبيلته من الأزد (وهم من أكبر أنصاره) فقتله في قومه رضوان الله عليه.

(أقول) : هذان نموذجان حيّان من شبان كثيرين من أهل الكوفة ، قاموا بدافع من شبابهم الغض لينصروا الحق ، فأخذهم ابن زياد اللعين وأعدمهم ، دون أن تصلنا أخبارهم.

٥٨٧ ـ حبس المختار بن أبي عبيدة الثقفي :

(مقتل المقرم ص ١٨١)

وفي يوم مقتل مسلمعليه‌السلام حبس ابن زياد المختار بن أبي عبيدة الثقفي لخروجه مع مسلم(١) .

وكان المختار عند خروج مسلم في قرية له تدعى خطوانية (وهي ناحية في بابل العراق) فجاء بمواليه يحمل راية خضراء ، ويحمل عبد الله بن الحارث راية حمراء ، وركز المختار رايته على باب عمرو بن حريث ، وقال : أردت أن أمنع عمرو(٢) .

ووضح لهما قتل مسلم وهانئ ، وأشير عليهما بالدخول تحت راية الأمان عند عمرو بن حريث ، ففعلا. وشهد لهما ابن حريث باجتنابهما مسلم بن عقيل. وأمر

__________________

(١) الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٦٨.

(٢) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢١٥.

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735