موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 0%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

موسوعة كربلاء

مؤلف: الدكتور لبيب بيضون
تصنيف:

الصفحات: 735
المشاهدات: 423905
تحميل: 4235


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 423905 / تحميل: 4235
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء 1

مؤلف:
العربية

يقول فخر الدين الطريحي : ولما كان الإمام الحسينعليه‌السلام حبيب الملك الديّان ، وولي الواحد المنّان ، وحجة الله على العباد ، لا جرم ابتلاه الله بأهل العناد والفساد.

٣٠٢ ـ كيف يترك الله أولياءه يقتلون ويغلبون! :

(بحار الأنوار للمجلسي ، ج ٤٤ ص ٢٧٦ ط ٣ بيروت)

قال حمران للإمام الباقرعليه‌السلام : جعلت فداك يا أبا جعفر ، أرأيت ما كان من أمر قيام علي بن أبي طالب والحسن والحسينعليهم‌السلام وخروجهم وقيامهم بدين الله ، وما أصيبوا من قتل الطواغيت إياهم والظفر بهم ، حتّى قتلوا أو غلبوا؟.

فقالعليه‌السلام : يا حمران ، إن الله تبارك وتعالى قدّر ذلك عليهم ، وقضاه وأمضاه وحتمه ، ثم أجراه. فبتقدّم علم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليهم في ذلك ، قام علي والحسن والحسينعليهم‌السلام ، وبعلّم صمت من صمت منا.

ولو أنهم يا حمران حين نزل بهم ما نزل من أمر الله وإظهار الطواغيت عليهم ، سألوا الله دفع ذلك عنهم ، وألحّوا عليه في طلب إزالة ملك الطواغيت ، إذا لأجابهم ودفع ذلك عنهم ، ثم كان انقضاء مدة الطواغيت وذهاب ملكهم أسرع من سلك منظوم انقطع فتبدد. وما كان الّذي أصابهم من ذلك يا حمران لذنب اقترفوه ولا لعقوبة معصية خالفوا الله فيها ، ولكن لمنازل وكرامة من الله أراد أن يبلغوها ، فلا تذهبنّ فيهم المذاهب!.

٣٠٣ ـ لماذا غلب الأئمةعليه‌السلام ولم ينصروا ، وأن ذلك ابتلاء :

(مقتل العوالم للشيخ عبد الله البحراني ، ج ١٧ ص ٥١٩)

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أعظم الناس بلاء الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل».

ـ ابتلاء أيوبعليه‌السلام :(الخصال ٢ / ٣٩٩ ؛ والبحار ٤٤ / ٢٧٥)

عن الإمام جعفر الصادق عن أبيهعليهما‌السلام قال : إن أيوب ابتلي سبع سنين من غير ذنب. وإن الأنبياء لا يذنبون ، لأنهم معصومون مطهرون ، لا يذنبون ولا يزيغون ولا يرتكبون ذنبا صغيرا ولا كبيرا.

وإنما ابتلاه اللهعزوجل بالبلاء العظيم (وهو المرض) الّذي يهون معه على

٣٠١

جميع الناس ، لئلا يدّعوا له الربوبية ، إذا شاهدوا ما أراد الله أن يوصله إليه ، من عظائم نعمه تعالى متى شاهدوه ، ليستدلوا بذلك على أن الثواب من الله تعالى ذكره ، على ضربين : استحقاق واختصاص ؛ ولئلا يحتقروا ضعيفا لضعفه ، ولا فقيرا لفقره ، ولا مريضا لمرضه. وليعلموا أنه يسقم من يشاء ، ويشفي من يشاء ، متى شاء كيف شاء ، بأي سبب شاء. ويجعل ذلك عبرة لمن شاء ، وشقاوة لمن شاء ، وسعادة لمن شاء. وهوعزوجل في جميع ذلك عدل في قضائه ، وحكيم في أفعاله. لا يفعل بعباده إلا الأصلح لهم ، ولا قوة لهم إلا به.

٣٠٤ ـ ابتلاء الأنبياء والأئمةعليهم‌السلام لإعلاء منزلتهم عند الله

(معاني الأخبار ، ص ٣٨٣ ؛ والكافي ٣ / ٤٥٠ ؛ والبحار ، ٤٤ / ٢٧٦)

عن ابن رئاب ، قال : سألت أبا عبد الله الصادقعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل :( وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ) (٣٠) [الشورى : ٣٠]؟ أرأيت ما أصاب علياعليه‌السلام وأهل بيته ، هو بما كسبت أيديهم؟. وهم أهل بيت طهارة معصومون؟. فقالعليه‌السلام : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يتوب إلى اللهعزوجل ويستغفره في كل يوم وليلة مائة مرة من غير ذنب. إن اللهعزوجل يخصّ أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب.

توضيح : يقول صاحب (مقتل العوالم) : أي كما أن الاستغفار يكون في غالب الناس لحطّ الذنوب وفي الأنبياء لرفع الدرجات ، فكذلك المصائب.

٣٠٥ ـ كيف يسلّط الله أعداءه على أوليائه؟ :

(البحار ٤٤ / ٢٧٣ ؛ وإكمال الدين ٢ / ٥٠٧ ؛ وعلل الشرائع ١ / ٢٤١ ، والاحتجاج ٢ / ٢٨٧)

عن محمّد بن إبراهيم بن اسحق الطالقاني ، قال : كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح ، وهو أحد سفراء المهديعليه‌السلام الأربعة ، فقام إليه رجل فقال له :أريد أن أسألك عن شيء. فقال له : سل عما بدا لك. فقال الرجل : أخبرني عن الحسين بن عليعليه‌السلام أهو ولي الله؟. قال : نعم. قال : أخبرني عن قاتله لعنه الله ، أهو عدوّ الله؟. قال : نعم. قال الرجل : فهل يجوز أن يسلّط الله عدوه على وليه؟.

فأجابه الحسين بن روح ، بأن الله سبحانه بعث الأنبياء من نفس أجناسهم بشرا مثلهم يستأنسوا بهم ، ولما كانوا من جنسهم لم يؤمنوا بهم حتّى يؤتوهم المعجزات ، فكل نبي قدّم لقومه المعجزات.

٣٠٢

ثم قال الحسين بن روح : فلما أتوا بمثل هذه المعجزات ، وعجز الخلق من أممهم عن أن يأتوا بمثله ، كان من تقدير اللهعزوجل ، ولطفه بعباده وحكمته ، أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات ، في حال غالبين ، وفي أخرى مغلوبين ، وفي حال قاهرين ، وفي حال مقهورين. ولو جعلهمعزوجل في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ، ولم يبتلهم ولم يمتحنهم ، لا تخذهم الناس آلهة من دون اللهعزوجل ، ولما عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والاختبار.

قال محمّد بن إبراهيم بن اسحق : فعدت إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح من الغد وأنا أقول في نفسي : أتراه ذكر ما ذكر لنا يوم أمس من عند نفسه؟. فقال لي : يا محمّد بن إبراهيم ، بل ذلك من الأصل ، ومسموع من الحجة صلوات الله عليه.

٣٠٦ ـ الشهادة أعلى درجات الكرامة :

(رأس الحسينعليه‌السلام لابن تيمية ، ص ٢٠ و ٢١)

ووقع القتل في كربلاء ، حتّى أكرم الله الحسينعليه‌السلام ومن أكرمه من أهل بيته بالشهادة ، رضي الله عنهم وأرضاهم. وأهان بالبغي والظلم والعدوان من أهانه ، بما انتهكه من حرمتهم ، واستحله من دمائهم. وكان ذلك من نعمة الله على الحسينعليه‌السلام وكرامته له ، لينال منازل الشهداء. حيث لم يحصل له من أول الإسلام من الابتلاء والامتحان ما حصل لسائر أهل بيته ، كجدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبيه وعمه وعم أبيه.

وفي صحيح مسلم عنه أنه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم : أذكّركم الله في أهل بيتي ، أعادها ثلاثا.

وإذا كانوا أفضل الخلق ، فلا ريب أن أعمالهم أفضل الأعمال.

ولما كان الحسن والحسينعليه‌السلام سيدي شباب أهل الجنة ، وكانا قد ولدا بعد الهجرة في عزّ الإسلام ، ولم ينلهما من الأذى والبلاء ما نال سلفهما الطيب ، فأكرمهما الله بما أكرمهما به من الابتلاء ، ليرفع درجاتهما ، وذلك من كرامتهما عليه ، لا من هوانهما عنده.

وفي المسند وغيره ، عن فاطمة بنت الحسينعليها‌السلام عن أبيها الحسينعليه‌السلام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «ما من مسلم يصاب بمصيبة فيذكر مصيبته ، وإن قدمت ،

٣٠٣

فيحدث لها استرجاعا ، إلا أعطاه الله من الأجر مثل أجره يوم أصيب بها». فهذا الحديث رواه الحسينعليه‌السلام وعنه بنته فاطمةعليها‌السلام التي شهدت مصرعه. وقد علم الله أن مصيبة الحسينعليه‌السلام تذكر على طول الزمان.

* * *

٣٠٤

الباب الثاني

الأوضاع السابقة للنهضة

الفصل ٨ ـ الصراع بين الحق والباطل :

ـ العداوة بين بني أمية وبني هاشم

ـ خروج معاوية على إمام زمانه

الفصل ٩ ـ خلافة الإمام الحسنعليه‌السلام

ـ صلح الإمام الحسنعليه‌السلام مع معاوية

الفصل ١٠ ـ حكم معاوية بن أبي سفيان

ـ سبّ معاوية للإمام عليعليه‌السلام

ـ الحكم الأموي وسماته

ـ هنات معاوية الأربع

ـ وصية الإمام الحسنعليه‌السلام ووفاته

ـ قتل حجر بن عدي وعمرو بن الحمق

ـ استخلاف معاوية ليزيد

ـ قصة أرينب بنت اسحق

ـ مرض معاوية ووفاته

الفصل ١١ ـ حكم يزيد بن معاوية

٣٠٥
٣٠٦

الباب الثاني

الأوضاع السابقة للنهضة

قال تعالى :( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ ) (٧٣) [الأنبياء : ٧٣]

* مقدمة الباب :

يتضمن هذا الباب من الموسوعة إعطاء فكرة عامة عن الأوضاع التي سبقت نهضة الحسينعليه‌السلام وواقعة كربلاء ، والتي لها علاقة ماسّة بها ، وهي الفترة التي واكبت خلافة الإمام الحسنعليه‌السلام ثم توقيعه الصلح مع معاوية ، ثم وفاة الحسنعليه‌السلام واستلام الحسينعليه‌السلام مقاليد الإمامة ، ثم هلاك معاوية وتولي يزيد السلطة.

ولا بأس أن ننوه أنه في هذه الفترة وفي كل فترة كان هناك للمسلمين إمامان :

إمام للجسم والجسد يتولى الحكم في الأشياء المادية والدنيوية ، مثل معاوية ويزيد ، ثم ملوك بني أمية وبني العباس. وإمام للنفوس والقلوب يتولى الشؤون الروحية والدينية ، وهو الحسن والحسينعليهما‌السلام ثم أئمة أهل البيتعليهم‌السلام .

وسواء تولى الأئمةعليهم‌السلام المسؤولية الأولى أم لم يتولوها ، فإنهم يتولون دائما المسؤولية الثانية ، وهي الإمامة الدينية. وهذا فحوى قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للسبطين :

«الحسن والحسين إمامان ، قاما أو قعدا».

أي قاما بالخلافة الدنيوية أو لم يقوما بها.

لذلك لما قال الرشيد للإمام موسى الكاظمعليه‌السلام وقد لقيه عند الكعبة المشرفة :

أنت الّذي تبايعك الناس سرا؟. أجابه الإمامعليه‌السلام :

«أنا إمام القلوب ، وأنت إمام الجسوم!».

(الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ١٥٠)

٣٠٧

الفصل الثامن

الصراع بين الحق والباطل

٣٠٧ ـ صراع الحق والباطل :

اقتضت إرادة الله أن تكون الأرض مسرحا للصراع بين الحق والباطل ، ليميز الله الخبيث من الطيب( قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ ) [البقرة : ٣٠]. وكان الشيطان وأعوانه من الإنس والجن يمثلون الباطل والشر ، وكان الأنبياء وأعوانهم من الصدّيقين والشهداء يمثلون الحق والخير. وقتل قابيل هابيل معلنا بداية الصراع بين خط الخير ومنعرج الباطل. وكانت قوة أهل الباطل بكثرة الأعوان ، بينما قوة أهل الحق بما تسلحوا من الإيمان. وجال الباطل جولته والحق جولاته في ملحمة لا تفتر ولا تنتهي ، مصداقا لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «جولة الباطل ساعة ، وجولة الحق إلى الساعة».

وإن أنس لا أنس صراع الجبابرة المترفين في وجه الأنبياء والمرسلين ، في كل فترة من الزمن ، وكل حقبة من السنين. وكان لا بدّ لقيام الحجة من مواجهة دموية في كل حين ، ينتصر فيها الإيمان تارة ليظهر فضل الله على المؤمنين ، أو يتغلب الباطل فترة ليمحّص الله المؤمنين من الكافرين ، ويعلم الشاكرين والصابرين.

وكانت المحنة الكبرى للناس أجمعين ، حين بادت البشرية إلا من ثمانين ، وانتصر أهل السفينة على الباغين أجمعين ثم نجا إبراهيم من نار النمرود وسافر إلى فلسطين ، كما نجا من بعده موسى في طور سينين ، وكما رفع عيسى إلى السماء من أيدي المجرمين ، وكما تغلّب خاتم الرسل على المشركين ، فاتحا ومطهّرا للبلد الأمين ، فدخل الناس أفواجا في الدين المبين.

تلك قصة النصر التي اشتبكت لحمتها بقصة المعاناة والمآسي على مدى السنين ، منذ قدّم إبراهيم كبشه السمين ، فداء عن ابنه الأمين ، إلى ذبح يحيى الّذي أخلص للحق اليقين ، ثم إلى ذبح الحسين فداء للدين ، وقربانا لرب العالمين. وكما قال الفيلسوف إقبال :

٣٠٨

في الكعبة العليا وقصّتها

نبأ يفيض دما على الحجر

بدأت بإسماعيل عبرتها

ودم الحسين نهاية العبر

٣٠٨ ـ العداوة بين بني أمية وبني هاشم :

ولتتم إرادة الله في الاختبار والامتحان ، كان في كل زمان ومكان ، هابيل وقابيل ، مؤمن وكافر ، ومصدّق ومكذّب.

وغمرت الجاهلية الجهلاء كل العرب في الروابي والبيداء ، حتّى تنازعوا وتحاربوا وكادوا يصيرون إلى الفناء. وكان مرتكز نزاعهم على التفاضل والتكاثر ، والأثرة والتفاخر. وظهر ذلك أوضح ما يكون بين بني أمية وبني هاشم. ذلك أن بني هاشم اشتهروا بالتوحيد والعفة والأخلاق ، بينما مال بنو أمية إلى الشرك والمال والفساد. ومنذ اللحظة التي ولد فيها هاشم وعبد شمس توأمين في بطن واحد من عبد مناف ، دقّ بينهما الشقاق والعداء ، وسالت الجراحة بالدماء. فقد ولد هاشم ملتصقا إبهام رجله بجبهة عبد شمس (والد أمية) ، وكان لا بدّ من سفح دم لفصلهما عن بعضهما ، فكان هذا مؤذنا بالدم بينهما في كل جيل ؛ من أمية وهاشم ، إلى حرب وعبد المطلب ، إلى أبي سفيان ومحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلى معاوية وعليعليه‌السلام ، إلى يزيد والحسينعليه‌السلام . وهذا الواقع الأليم حقيقة لا مفرّ منها. ولقد أحسن من صوّر هذا الحال ، وبيّن هذا المآل ، حيث أو جز فقال(١) :

عبد شمس قد أضرمت لبني ها

شم حربا يشيب منها الوليد

فابن حرب للمصطفى وابن هند

لعليّ ، وللحسين يزيد

ويحكى أنه لما اختلف أمية مع عمه هاشم ، وادّعى أنه أفضل من هاشم ، احتكما فحكم الكاهن الخزاعي بأفضلية هاشم ، وكان جزاء أمية النفي من مكة عشر سنين.فاختار الشام وسار إليها. وظلت هذه الروح العدائية في ابنه حرب ثم صخر (وهو أبو سفيان) في الجاهلية ، ثم في معاوية ويزيد ومروان بن الحكم بعد الإسلام.

ولا نستغرب لذلك أن يكون أبو سفيان رئيس جيوش الكفر التي قامت تحارب نبي الإيمان ، وتحاول وأد رسالة الدين والإسلام. في حين قام مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهله يؤمنون بتعاليم السماء ، ويبذلون لها النفوس والدماء.

__________________

(١) النزاع والتخاصم للمقريزي ، ص ٣٣ و ٣٤.

٣٠٩

٣٠٩ ـ عداء مستحكم زاد مع الأيام :

وظل هذا العداء والحقد والضغن مستحكما في قلوب بني أمية حتّى كانت معركة بدر الكبرى ، التي كسرت شوكة الكفر والطغيان ، ورفعت راية الحق والإيمان ، خفّاقة بكل مكان. عندها هاجت الأحقاد واستحكم أوارها ، وكادت تميت المشركين غيظا ، وخاصة أبا سفيان ، الّذي قتل له فيها العديد من أقربائه وذويه ...وكلما اشتدت الدعوة الإسلامية انتشارا ، كلما زاد تصدّي بني أمية لها ، بكل نفس ونفيس ، وزاد معه عداؤهم للدين الجديد ، ولبني هاشم على وجه التحديد.

والذي يظهر هذه الحقيقة المرّة البالغة ، أن أبا سفيان وزوجته هند بنت عتبة عملا حثيثا على قتل الحمزة بن عبد المطلب عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأسد الله وأسد رسوله. فلما كانت غزوة أحد بعثا العبد (وحشي) وأغروه بالمال ليقتل عليا أو الحمزةعليهما‌السلام .فاعتذر عن عليعليه‌السلام ، وظل يترصد حمزة حتّى رماه برمح فوقع في ظهره ، فهدّ مصرعه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وبعد أن نالت هند حملها في قتل الحمزة ، لم تكتف بقتله ، حتّى جاءت إلى القتلى تبحث عن جثته ، حتّى إذا وجدتها ، شقّت صدره وأخرجت كبده ، وأرادت أن تمضغها فلم تقدر فلفظتها ، وقالت ما قالت ، فسمّيت : «آكلة الأكباد».

وكيف لا يعادي بنو أمية بني هاشم ، وبنو هاشم هم الذين قتلوا يوم بدر في سبيل الله : عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة وابنه الوليد بن عتبة؟!. وكيف لا يعادي معاوية عليا وقد قتل خاله الوليد بن عتبة ، وأخاه حنظلة بن أبي سفيان ، وشارك في قتل عمه شيبة ، وقتل غيرهم من بني عبد شمس ، مثل العاص بن سعيد بن العاص بن أمية.

وبعد كل هذا يظهر الله دينه على الجزيرة العربية كلها ، فيخسأ أبو سفيان ومن معه ، ويتحقق أبو سفيان من الأسر أو القتل ، حين دخل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكة فاتحا.فذهب العباس عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينصح أبا سفيان بأن يعلن إسلامه ولو ظاهرا ، فيسلم أبو سفيان خوفا من الموت. عند ذلك يقول النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسماحته المعهودة :«من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ...». ولما عرض عليه أبو سفيان ومعاوية ومروان وطغمتهم الحاقدة ، قال لهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اذهبوا فأنتم الطلقاء». فأطلق سراحهم وأجلاهم عن مكة ، وأراد أن لا يرى وجوههم في حياته ، فسمّوا لذلك «الطّلقاء». وأصبح بنو أمية مسلمين بالأمر الواقع ، ولكن القلوب عليلة والنفوس مريضة ، ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم!.

٣١٠

٣١٠ ـ معاوية في عهد الخلفاء الأربعة :

(تاريخ أبي الفداء ، ج ٢ ص ١٠٣)

قال أبو الفداء : أسلم معاوية مع أبيه عام الفتح ، واستكتبه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(أقول) : هذا الكلام لا يوحي بأن معاوية كان كاتبا للوحي. والصحيح أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استخدمه لكتابة بعض الرسائل التي بعثها للملوك فقط. اه.

واستعمله عمر على الشام أربع سنين من خلافته. وأقرّه عثمان مدة خلافته نحو اثنتي عشرة سنة. وتغلّب على الشام محاربا ضد الإمام عليعليه‌السلام أربع سنين.

فكان أميرا وملكا على الشام نحو أربعين سنة.

وكان حليما حازما داهية ، عالما بسياسة الملك.

٣١١ ـ معاوية في زمن عمر :

كانت علاقات بني أمية مع بلاد الشام جيدة ، منذ نفي أمية إليها في الجاهلية.وكان يقوّي ذلك تجاراتهم إلى الشام في الصيف. ولعل هذا هو الّذي حدا بعمر بن الخطاب على تعيين معاوية واليا على الشام ، ولكنه لو كان يتفرّس في أحلامه ما وضعه عليها.

وكان أبو سفيان وبنو أمية لا يرغبون في الظاهر في خلافة أبي بكر ، فحاولوا تأييد بني هاشم عن طريق العباس. والحقيقة أن هدفهم لم يكن حبّ بني هاشم ، وإنما إلقاح الفتنة بين المسلمين ليصفو الجوّ لهم ، فيصيدوا صيدهم في الماء العكر. لكن الإمام علياعليه‌السلام أنكر عليهم تأييدهم له وشكرهم.

ولما أصبح معاوية واليا على الشام ، بدأ يقلّد الإفرنج في مظاهر الحكم ، فلا يخرج من قصره إلا بموكب ولا يعود إلا بموكب ، وأكثر من لبس الحرير والديباج والثياب المنمّقة ، فأنكر عمر عليه ذلك.

يروى أنه لما عيّن عمر بن الخطاب معاوية على الشام ، زاره يوما فرأى منه أشياء لا تعجبه ، فاستنكر عليه ما وصلت إليه حاله من البذخ والبهرجة والإسراف ، مما لا يجوز في الإسلام. فأجابه معاوية بدهائه ، أنه إنما يفعل ذلك مجاراة لجيرانه الروم.فقال له عمر قوله المشهور : إن كان ما تقوله حقا فهو رأي مصيب ، وإن كان كذبا فهو خدعة أريب.

٣١١

ـ محاورة عمر لمعاوية حين زاره بالشام :

(أنساب الأشراف للبلاذري ، ج ٤ ص ١٦٨ ط دمشق)

قال البلاذري : وحدثني هشام بن عمار قال : بلغنا أن عمر بن الخطاب لما أتى الشام رأى معاوية في موكب يغدو ويروح فيه. فقال له : يا معاوية تروح في موكب وتغدوفي مثله ، وبلغني أنك تصبح في منزلك وذوو الحاجات ببابك!. فقال : يا أمير المؤمنين

إنا بأرض عدوّنا قريب منها ، وله علينا عيون ذاكية ، فأردت أن يروا للإسلام عزا.

فقال عمر : إنّ هذا لكيد لبيب أو خدعة أريب. فقال معاوية : يا أمير المؤمنين فأمرني بما شئت أنته إليه. فقال : ويحك ما ناظرتك في أمر أعتب فيه عليك إلا تركتني منه في أضيق سبلي ، حتّى ما أدري أآمرك أم أنهاك!

٣١٢ ـ معاوية في زمن عثمان :

ولما تولى عثمان الخلافة في تمثيلية الستة أصحاب الشورى ، وهو من بني أمية ، أبقى بالطبع معاوية في ولايته على الشام. فخلا له الجو ليسرح ويمرح ، ويقوّي مركزه في الشام ، غير آبه بعثمانومن ورائه مروان. ويؤثر عنه أنه كان يهيّج الناس ضد عثمان طمعا في التخلص منه ، والتوسع في السلطة.

لكن الشعب المسلم المسكين الّذي عانى من ارستقراطية بني أمية في عهد عثمان ، رجع إلى وعيه ، وظهر له التبر من الرغام ، وتحقق أن عدالته المنهوبة لن يرجعها له غير الإمام الهمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام . فأقبلت زحوف المسلمين بعد مقتل عثمان على الإمام عليعليه‌السلام تبايعه بالخلافة ، بل تطالبه بالقيام بأمرها. فقام بالأمر ليصلح ما فسد ، بعد أن انحلت عرى الحق عروة عروة.وأصابت بني أمية الفجأة بخلافة سيف الله الغالب الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

٣١٣ ـ أخبار ملفقة وتعصب مفضوح :

(المنتخب للطريحي ، ص ١٤)

قال الشيخ فخر الدين الطريحي : وسمّوا معاوية خال المؤمنين ، لأن أخته أم حبيبة بنت أبي سفيان أم المؤمنين ، ولم يسمّوا محمّد بن أبي بكر خال المؤمنين من

٣١٢

جهة أخته عائشة. مع أن معاوية كان من المؤلفة قلوبهم ، بينما كان محمّد بن أبي بكر اليد اليمنى للإمام عليعليه‌السلام . ومع أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في معاوية : «لعن الله معاوية الطليق ابن الطليق». لأن معاوية وأباه أبا سفيان وأمه هند بنت عتبة كانوا من الطلقاء. وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه». وسمّوا معاوية كاتب الوحي ، ولم يكتب كلمة واحدة منه ، وإنما نقل أنه كان من كتّاب الرسائل فقط. وظل معاوية مشركا متحديا للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى فتح مكة في شهر رمضان لثمان سنين من الهجرة. فلما لم يجد له مأوى صار إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مضطرا وأظهر الإسلام. وكان إسلامه قبل وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخمسة أشهر. وطرح نفسه على العباس عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتشفّع فيه ، فعفى النبي عنه. ثم إن العباس تشفّع لمعاوية عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجعله من جملة كتّاب الرسائل ، فأجابه إلى ذلك.

(أقول) : وكيف يأمن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على شخص من المؤلفة قلوبهم ومن الطلقاء ومن أكبر أعدائه ، أن يكتب له الوحي؟!. ويترك الصحابة الموثوقين!. هذا محال.

٣١٤ ـ كتّاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

يقول المسعودي : وكتب له معاوية قبل وفاته بأشهر.

ويقول : وكتب له عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، ثم لحق بالمشركين بمكة مرتدا.(أقول) : هؤلاء الكتّاب ليسوا كتّابا للقرآن ، وإنما كانوا يكتبون بين يدي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سائر ما يعرض من أموره وحوائجه ، أو يكتبون رسائله إلى الملوك ، أو عهوده وعقوده وما يتعلق بالمعاملات وأموال الصدقات. وبعضهم كان يكتب مغانم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبعضهم كان يترجم له رسائل الملوك.

٣١٥ ـ خروج معاوية على الإمام عليعليه‌السلام :

بعد هذا كله لا نستغرب أن يقوم مثل معاوية في وجه إمام زمانه ، ومن تجب طاعته في عنقه ، وهو الخليفة الرابع علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ويقوم بأول خروج معلن على الدولة الإسلامية ، محاولا الانفصال عنها أو تصفيتها لصالح مصالحه الملكية ونزعاته التسلطية ، النابعة من مبدأ هدم الدين لتحصيل الدنيا. وماذا يتوقع أن يعمل ابن رئيس الشرك أبي سفيان ، الطليق ابن الطليق ، غير هذا؟ إذا ما قورن بالصحابة الكرام والمجاهدين في سبيل الإسلام!.

٣١٣

يقول ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، تحقيق محمّد أبوالفضل إبراهيم ، ج ١ ص ٣٤٠ :

ومعاوية مطعون في دينه عند شيوخنا (يقصد المعتزلة ، وهم فرقة من السنة) ، يرمى بالزندقة. وقد ذكرنا في نقض (السفيانية) على شيخنا أبي عثمان الجاحظ ، ما رواه أصحابنا في كتبهم الكلامية عنه من الإلحاد والتعرض لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما تظاهر به من الجبر والإرجاء. ولو لم يكن شيء من ذلك ، لكان في محاربته الإمامعليه‌السلام ما يكفي في فساد حاله ، لا سيما على قواعد أصحابنا ، وكونهم بالكبيرة الواحدة يقطعون على المصير إلى النار والخلود فيها ، إن لم تكفّرها التوبة.

لقد اجتمع في معاوية على الإمام عليعليه‌السلام ضغنان : ضغن عصبي منشؤه جاهلي ، وضغن ديني منشؤه عدم الإيمان بالإسلام.

ولقد اتبع معاوية للوصول إلى الحكم خطين :

الأول : التردّي برداء الإسلام بقدر ما يخدم ذلك مصالحه ويوصله إلى مآربه في الملك.

الثاني : بما أنه لا يقارن بالإمام عليعليه‌السلام بشيء من الأشياء ، وليس هو ممن تجوز له الخلافة بحال من الأحوال ، فقد اتّبع الأسلوب المعاكس (أو ما نسميه بالإعلام المضاد) في خلق الدعايات المضللة ضد الإمام عليعليه‌السلام ليحط من قيمة الإمام في نظر الناس ، فيرتفع هو على حساب ذلك. وكان من ذلك أنه ادّعى على الإمام عليعليه‌السلام أنه قتل عثمان أو شرك في دمه ، فكان لا بدّ له ـ وهو من بني أمية ـ أن يأخذ بثأره ، وبهذه الحيلة يصل إلى الحكم. وليس من الغريب على من لا يفرّقون بين الناقة والجمل ، أن يقنعهم معاوية أن مثل علي بن أبي طالب يجب لعنه وسبّه حتّى على منابر الإسلام ، فبدأ بسبّه هو ومن بعده يزيد البارّ به وبنو أمية ألف شهر ، وهي مدة حكمهم البالغة نحو ثلاث وثمانين سنة.

٣١٦ ـ من المسؤول الحقيقي عن دم عثمان؟ تلكّؤ معاوية عن نصرة عثمان حتّى قتل :

(خطط الشام لمحمد كرد علي ، ج ١ ص ١٣٦)

يقول الأستاذ محمّد كرد علي : واختلفت الآراء في تبعة معاوية من مقتل عثمان ، فقال فريق : إن عثمان كتب إلى معاوية : «إن أهل المدينة قد كفروا وخلعوا الطاعة

٣١٤

ونكثوا البيعة ، فابعث إليّ من قبلك من مقاتلة الشام على كل صعب وذلول». فتربص به معاوية وكره إظهار مخالفة أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد علم اجتماعهم ، فأبطأ أمره على عثمان ، حتّى كان ما كان من مقتله.

أما الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام فقد ثبت أنه قرّع عثمان على التفريط وأنذره بأن عاقبته تكون القتل ، بقوله «أحذّرك أن تكون إمام هذه الأمة الّذي يقتل ، فيفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة».

ـ معاوية قتل عثمان :

(أنساب الأشراف للبلاذري ، تحقيق د. إحسان عباس ، قسم ٤ ج ١ ص ٣٦)

قال البلاذري : ادّعى معاوية على عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث أنه شرك في دم عثمان ، فقال لمعاوية : إني كنت أنهى عثمان عما قيل فيه ، وكنت تأمره به ، فلما اشتدّ الأمر والتقت حلقتا البطان ، كتب إليك يستنصرك ، فأبطأت عنه حتّى قتل.

٣١٧ ـ اعتراف دامغ للغزالي بانحراف معاوية ويزيد عن الإسلام :

(مقتل سيد الشهداء للسيد عبد الكريم خان ، ص ٢٤)

قال حجة الإسلام الحافظ أبو حامد الغزالي الشافعي (ت ٥٠٥ ه‍) في كتابه (سرّ العالمين وكشف ما في الدارين) وهو ما نقله عنه الحافظ سبط ابن الجوزي الحنفي في كتابه (تذكرة الخواص ، ص ٣٧) حيث قال الغزالي :

ثم العجب من منازعة معاوية لعلي الخلافة ، وقد قطع الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طمع من طمع فيها بقوله : «إذا ولي خليفتان ، فاقتلوا الأخير منهما». والعجب من حقّ واحد كيف ينقسم بين اثنين ، والخلافة ليست بجسم ولا عرض فينجز.

إلى أن قال : أول حكومة [أي محاكمة] تجري بين العباد في المعاد ، هي المحاكمة بين علي ومعاوية ، فيحكم الله لعلي على معاوية ، والباقون تحت المشيئة.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعمار : «تقتلك الفئة الباغية «وقد قتلته فئة معاوية يوم صفين. ولا ينبغي للإمام أن يكون باغيا ، ولأن الإمامة تضيق عن شخصين كما أن الربوبية لا تليق بإلهين اثنين.

٣١٥

٣١٨ ـ أما يكفي لمعاوية محاربته لإمام زمانه وسبّه؟ :

(المنتخب للطريحي ، ص ١٥ ط ٢)

وقد قاتل معاوية علياعليه‌السلام وهو رابع الخلفاء الراشدين ، وهو إمام حق ، وكل من حارب إماما حقا فهو باغ وطاغ. وقد بالغ في محاربة الإمام عليعليه‌السلام بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقتل جمعا كثيرا من خيار الصحابة ، وطال حربه معه حتّى هلك عالم كثير.

(أقول) : قتل في معركة صفين من عسكر معاوية ٤٥ ألفا ، ومن عسكر الإمام عليعليه‌السلام ٢٥ ألفا. ا ه

ثم انه استمر مع قومه على سبّ عليعليه‌السلام على منابر الإسلام ثمانين سنة. ولم يكفه ذلك حتّى سمّ الحسن الزكيعليه‌السلام عن طريق زوجته جعدة بنت الأشعث.

٣١٩ ـ حقيقة معاوية وحقيقة عليعليه‌السلام :

(محاضرة قيّمة للأستاذ سعيد عاشور المصري ، ص ٢٠)

يقول المستشرق (نيكولسن) في كتابه (تاريخ المسلمين) عن سبب انتصار معاوية على الإمام عليعليه‌السلام :

على الرغم مما امتاز به علي من فضائل كثيرة ، أهمها النشاط والذكاء ، وبعد النظر والحكمة والوفاء ، والبلاغة والفصاحة والشجاعة ، إلا أنه كانت تنقصه صفة هامة لا بدّ منها لنجاح السياسة [يقصد بالسياسة هنا التلون والقدرة على الخداع ، وهذا مما لا يمكن أن يتطبّع به الإمام عليعليه‌السلام ، وهو القائل : لو لا التقى لكنت أدهى العرب] ، ولذا تغلّب عليه منافسوه الذين عرفوا من أول الأمر أن الحرب خدعة ، والذين كانوا لا يتورعون عن ارتكاب أي جرم ، يبلغ بهم الغاية.

ثم يقول الأستاذ سعيد عاشور رئيس قسم التاريخ في جامعة القاهرة ، عند كلامه حول لزوم إعادة كتابة التاريخ الإسلامي : هذا ما يقوله مؤرخ مسيحي غير مسلم ، مستشرق كبير ، درس وتمعّن. بينما نحن في كتبنا التي تدرّس لأولادنا لا نقول مثل هذه الحقيقة ، بل نمرّ بها مرور الكرام ، ونتغاضى عن تحديد الأحداث.

فإذا أردنا أن نعيد كتابة التاريخ ، علينا أن نقف وقفة ووقفات أمام هذه الأمور.

ـ دهاء ومكر معاوية :(المحاضرة السابقة ، ص ١٧)

قامت الخلافة الأموية ونجح معاوية فيما ذهب إليه ، ولكن عن أي طريق؟.

٣١٦

طريق بعيد عن الأخلاق ، طريق يتّسم بالمكر والدهاء ، والبعد عن قواعد الشرف.ونحن نعلم جميعا أنه في الإسلام وفي نظام الإسلام ، نجد أن الدين والسياسة مرتبطان ارتباطا كبيرا.

نعم السياسة تحتاج في كثير من الأحيان إلى قدر من الخداع ، ولكن الرجل المستقيم الّذي لا يعرف كيف يخادع ، ولا يعرف كيف ينافق ، ولا يعرف كيف يسير بوجهين ، هذا الرجل عادة لا يستطيع أن يصيب حظا في السياسة ، أو الاشتغال بالسياسة.

إن قيام معاوية بن أبي سفيان في الخلافة اعتمد إلى حد كبير على الخديعة.والدولة الأموية أسست على غير تقوى ، أسست على قدر من الخداع ومن النفاق.ولعل في اتجاه الأمويين بعد ذلك بعيدا عن روح الإسلام الأولى ، وفي تحويل الخلافة إلى نظام قيصري أقرب إلى أسلوب أباطرة الرومان منه إلى بساطة الإسلام وروح الإسلام ؛ لعل في هذا ما يكفي.

ـ جريمة سبّ الإمام عليعليه‌السلام :(المصدر السابق ، ص ١٨)

ويتابع الأستاذ عاشور كلامه قائلا :

ولكن الشيء الّذي كان لا ينبغي أن يحدث في الإسلام ، والذي يجرح شعور كل مسلم ، هو أن معاوية بن أبي سفيان ، وولاة معاوية في كثير من الأمصار ، وخاصة حيث كان يكثر أنصار علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، مثل الكوفة ؛ نجد أنهم دأبوا على سبّ آل البيتعليهم‌السلام وعلى سبّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام نفسه. وكلنا نعلم ماذا كان يقول زياد ابن أبيه وغير زياد ، من سباب ، هو في حقيقة الأمر ليس موجها إلى عليعليه‌السلام بقدر ما هو موجه إلى المسلمين كافة وإلى نبي المسلمين ، إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

هذه كلها أشياء ، كان ينبغي أن تكون صفحة الإسلام خالية منها ، الصفحة المشرقة المضيئة. كان ينبغي أن تكون هذه البقعة السوداء غير موجودة في تاريخ الإسلام ، وفي تاريخ المسلمين.

ـ مثلث الشرّ :(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٤٩٩)

قال الفاضل الدربندي : بنو أمية هم الشجرة الملعونة ، وأشدهم كفرا مروان

٣١٧

ومعاوية ويزيد ، ولكن يزيد أشدهم كفرا ونفاقا وطغيانا ، وإلى هذا المعنى تشير الآية الشريفة بنحو من التورية ، وهي قوله تعالى :( وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً ) (٦٠) [الإسراء : ٦٠].

وقال صفحة ٢٠٩ : اعلم أن أطغى بني أمية بعد يزيد ، وأشدهم كفرا ونفاقا ، وأبغضهم إلى الله تعالى ورسوله وآله المعصومين ، هو مروان بن الحكم. ولم ينج منهم إلا النادر ، مثل :

ـ معاوية الثاني : المؤمن العابد.

ـ عمر بن عبد العزيز : الناجي الوحيد من نسل مروان.

ـ خالد بن سعيد بن العاص : مؤمن بني أمية.

٣١٨

الفصل التاسع

خلافة الإمام الحسنعليه‌السلام

٣٢٠ ـ ترجمة الإمام الحسنعليه‌السلام :

(أمالي الصدوق ، ج ٣ ص ١١٠)

ولد الإمام الحسن بن عليعليهما‌السلام في السنة الثالثة للهجرة. ولقد سمّاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بوحي من السماء على لسان جبرئيل الحسن ، كما سمّى أخاه الحسين ، على اسم ابني هرون ، وهما شبّر وشبير ، وتعني هاتان الكلمتان في العبرية الحسن والحسين.

وتوفيعليه‌السلام شهيدا بالسم سنة ٥٠ من الهجرة لسبع مضين من صفر ، وعمره الشريف ٤٧ سنة. وكانت مدة إمامته ٩ سنوات و ٤ شهور. وقد دسّ له معاوية السم بعد خلاف سياسي طويل بواسطة زوجته جعدة بنت الأشعث. وقد دفن عند جدته فاطمة بنت أسد في البقيع.

ومما أثر عن جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله فيه : «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا».وقوله : «هذا سيد ، وأرجو أن يصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين في آخر الزمان».

٣٢١ ـ خلافة الحسنعليه‌السلام وصلحه ووفاته :

(التنبيه والإشراف للمسعودي ، ص ٢٦٠)

قال المسعودي : بويع الحسنعليه‌السلام بعد وفاة أبيه بيومين ، وذلك لسبع بقين من شهر رمضان سنة ٤٠ ه‍. ثم صالح معاوية في شهر ربيع الأول سنة ٤١ ه‍. وقد رأى قوم أن ذلك كان في جمادى الآخرة أو الأولى من هذه السنة. والأول أشهر وأصح عندنا من مدة أيامه. وكانت خلافته إلى أن صالح ، ستة أشهر وثلاثة أيام.وتوفي بالمدينة مسموما فيما ذكر ، في شهر ربيع الأول سنة ٤٩ ه‍ ، وله ست وأربعون سنة ، ودفن ببقيع الغرقد مع أمه فاطمةعليهما‌السلام .

٣١٩

٣٢٢ ـ أين الثرى من الثريا؟ :

(الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ٣٦)

وروي أنه لما قدم معاوية المدينة ، قبل أن تشتعل نار الحرب ، صعد معاوية المنبر ، فقال : ومن علي؟.

فقام الحسنعليه‌السلام فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :

إن الله لم يبعث نبيا إلا جعل له عدوا من المسلمين ، قال تعالى :( وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ ) [الفرقان : ٣١]. وأنا ابن علي وأنت ابن صخر ، وأمك هند وأمي فاطمة ، وجدتك قيلة وجدتي خديجة. فلعن الله ألأمنا حسبا وأخملنا ذكرا ، وأعظمنا كفرا وأشدنا نفاقا. فصاح أهل المسجد : آمين ، ثلاثا. فقطع معاوية خطبته وفرّ إلى منزله.

٣٢٣ ـ معاوية يعلن الحرب على الإمام الحسنعليه‌السلام :

(المعارف لابن قتيبة ، ص ٩٢ ط ٢)

لما قتل الإمام عليعليه‌السلام بويع للحسنعليه‌السلام بالكوفة ، وبويع لمعاوية بالشام.فسار معاوية يريد الكوفة ، وسار الحسنعليه‌السلام يريده ، فالتقوا ب (مسكن) من أرض الكوفة

[تقع مسكن على بعد ٥٠ كم شمال بغداد]. فصالح الحسنعليه‌السلام معاوية لحقن الدماء وبايع له ، ودخل معه الكوفة. ثم انصرف معاوية إلى الشام. واستعمل على الكوفة المغيرة ابن شعبة ، وعلى البصرة عبد الله بن عامر ، ثم جمعهما لزياد بن أبيه.وانصرف الحسنعليه‌السلام إلى المدينة ، فمات بها. وكانت وفاته لخمس ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة خمسين ، وهو ابن سبع وأربعين سنة. ويذكر أن زوجته جعدة بنت الأشعث هي التي سمّته بحيلة من معاوية.

٣٢٤ ـ تخاذل أصحاب الحسنعليه‌السلام عنه :

(أمالي الصدوق ، ج ٣ ص ١١٠)

لما توفي أمير المؤمنين عليعليه‌السلام سنة ٤٠ ه‍ تولى الخلافة من بعده ابنه الحسنعليه‌السلام وبايعه أصحابه. وبدأ معاوية الانفصالي يحيك له الفتن ، ويبعث الأعيان لاغتياله ، فلم يفلح.

ولما سمع الحسنعليه‌السلام بمسير جيش من الشام لقتاله ، جهّز جيشا خليطا من

٣٢٠