موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 10%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 452136 / تحميل: 5261
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

[ وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بمتعة مثلها لا بالمهر ؛ لأنّ المتعة هي التي وجبت بالطلاق ، والشقص عوض عنها(١) .

ولو أخذ من المكاتب شقصاً عوضاً عن النجوم ، فلا شفعة عندنا ](٢) .

وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بمثل النجوم أو بقيمتها ؛ لأنّ النجوم هي التي قابلته(٣) .

ولو جعل الشقص اُجرة دار ، فلا شفعة عندنا.

وقال الشافعي : يؤخذ بقيمة المنفعة ، وهي اُجرة مثل الدار(٤) .

ولو صالح على الشقص عن دم ، فلا شفعة عندنا.

وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بقيمة الدم ، وهي الدية(٥) . ويعود فيه مذهب مالك(٦) .

ولو استقرض شقصاً ، فلا شفعة عندنا.

وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بقيمته وإن قلنا : إنّ المستقرض يردّ المثل ؛ لأنّ القرض مبنيّ على الإرفاق ، والشفعة ملحقة بالإتلاف(٧) (٨) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

(٢) بعض ما بين المعقوفين أضفناه من « العزيز شرح الوجيز » نصّاً ، ونحوه في « التهذيب » للبغوي ، و « روضة الطالبين ». وبعضه الآخَر من تصحيحنا لأجل السياق.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

(٤و٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

(٦) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة. وورد في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ - تتمّةً لقول الشافعي - : « ويقود منه الجريح ويذهب ملكه » بدل « ويعود فيه مذهب مالك ».

(٧) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بالإتلاف ». وما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٨) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

٢٦١

مسالة ٧٤٧ : لو كان الثمن مؤجَّلاً‌ ، مثلاً : اشترى الشقص بمائة مؤجَّلة إلى سنة ، فللشيخرحمه‌الله قولان :

أحدهما - وهو الأقوى عندي ، وبه قال مالك وأحمد والشافعي في القديم(١) - : أنّ للشفيع الأخذ كذلك بعد إقامة كفيل إذا لم يكن مليّاً ، وليس له الصبر والأخذ عند الأجل(٢) .

لنا : أنّ الأخذ إنّما يكون بالثمن ، ويجب أن يكون على الشفيع مثل الثمن قدراً ووصفاً ، والتأجيل وصف في الثمن. ولأنّ الشفعة على الفور ، وتأخير الطلب إلى الأجل مناف للفوريّة ، وأخذها بالثمن المعجّل إضرار بالشفيع بغير وجه ، فلم يبق إلّا ما قلنا توصّلاً إلى الجمع بين الحقوق كلّها.

وقال الشيخ أيضاً : يتخيّر الشفيع بين أن يأخذه ويعجّل الثمن ، وبين أن يصبر إلى أن يحلّ الأجل ثمّ يأخذه بالثمن(٣) - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في الجديد(٤) - لأنّ ذلك يؤدّي إلى أن يلزم المشتري قبول ذمّة الشفيع ، والذمم لا تتماثل ، ولهذا إذا مات مَنْ عليه الدَّيْن المؤجَّل ، حلّ الأجل ، ولم ينتقل إلى ذمّة الورثة. وملاءة الأشخاص لا توجب تماثل الذمم ، فإنّها تختلف في كون بعضها أوفى وبعضها أسهل في المعاملة.

____________________

(١) الموطّأ ٢ : ٧١٥ ، ذيل الحديث ٣ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٩ ، المغني ٥ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٣ ، المحلّى ٩ : ٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، وانظر : روضة الطالبين ٤ : ١٧١ - ١٧٢.

(٢) النهاية : ٤٢٥.

(٣) المبسوط - للطوسي - ٣ : ١١٢ ، الخلاف ٣ : ٤٣٣ ، المسألة ٩ من كتاب الشفعة.

(٤) بدائع الصنائع ٥ : ٢٧ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٣ / ١٩٥٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٥٦ ، الوسيط ٤ : ٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١ - ١٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٣.

٢٦٢

ولأنّ في ذلك تغريراً بالمشتري ؛ لجواز أن يذهب مال الشفيع قبل حلول الأجل ، فيلزمه غرمه ، ولا يجوز أن يلزمه ذلك ، ولم يحصل له حظّ بهذا البيع.

وهو ممنوع ؛ لأنّا نلزم الشفيع بكفيل مليّ يرتضيه المشتري ، فاندفع المحذور.

وللشافعي قولٌ ثالث : إنّ الشفيع يأخذه بسلعة قيمتها الثمن إلى سنة ؛ لأنّه لم يأخذ السلعة بثمن مؤجّل على ما تقدّم ، وإن أخذها بثمنٍ حالّ في الحال أو بعد انقضاء الأجل ، فقد كلّفناه أكثر من الثمن ؛ لأنّ ما يباع بمائة إلى سنة لا يساويها حالّا ، ولئلّا يتأخّر الأخذ ولا يتضرّر الشفيع(١)

وعلى ما اخترناه فإنّما يأخذه بثمنٍ مؤجّل إذا كان مليّاً موثوقاً به أو(٢) إذا أعطى كفيلاً مليّاً ، وإلّا لم يأخذه ؛ لأنّه إضرار بالمشتري ، وهو أحد قولي الشافعي على تقدير قوله بما قلناه. والثاني له : أنّ له الأخذ على الإطلاق ، ولا ينظر إلى صفته ، ولو أخذه ثمّ مات ، حلّ عليه الأجل(٣) .

وعلى قول أبي حنيفة والشيخ والشافعي في الجديد لا يبطل حقّ الشفيع بالتأخير ؛ لأنّه تأخير بعذر ، ولكن هل يجب تنبيه المشتري على الطلب؟ فيه وجهان ، أحدهما : لا ؛ إذ لا فائدة فيه. والثاني : نعم ؛ لأنّه ميسور وإن كان الأخذ معسوراً(٤) .

ولو مات المشتري وحلّ عليه الثمن ، لم يتعجّل الأخذ على الشفيع ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « و» بدل « أو ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

٢٦٣

بل هو على خيرته إن شاء أخذ في الحال ، وإن شاء صبر إلى مجي‌ء ذلك المحلّ.

ولو مات الشفيع ، فالخيرة التي كانت له تثبت لورثته.

ولو باع المشتري الشقص قبل أن يحلّ الأجل ، صحّ البيع ؛ لأنّ الثمن لو كان حالّاً فباع المشتري صحّ بيعه ، فإذا كان مؤجّلاً وتأخّر الأخذ ، كان جواز البيع أولى ، ويتخيّر الشفيع بين أن يجيز البيع الثاني ويأخذه بالثمن الثاني وبين أن يفسخه إمّا في الحال أو عند حلول الأجل ، ويأخذه بالثمن الأوّل ؛ لأنّ ذلك كان له ، ولا يسقط بتصرّف المشتري.

هذا إذا قلنا : إنّ للشفيع نقض تصرّف المشتري ، وهو الظاهر عندهم(١) ، وفيه خلاف ، وإن قلنا بالثالث ، فتعيين(٢) العرض إلى الشفيع وتعديل القيمة [ إلى ](٣) مَنْ يعرفها.

ولو لم يتّفق طلب الشفعة حتى حلّ الأجل ، وجب أن لا يطالب على هذا القول إلّا بالسلعة المعدلة ؛ لأنّ الاعتبار في قيمة عوض المبيع بحال البيع ، ألا ترى أنّه إذا باع بمتقوّم ، تعتبر قيمته يوم البيع. وعلى القولين الآخَرَيْن لو أخّر الشفعة ، بطل حقّه.

مسالة ٧٤٨ : لو ضمّ شقصاً مشفوعاً إلى ما لا شفعة فيه في البيع‌ ، مثل أن يبيع نصفَ دار وثوباً أو عبداً أو غيرهما صفقةً واحدة ، بسط الثمن عليهما باعتبار القيمتين ، وأخذ الشفيع الشقص بحصّته من الثمن ، عند علمائنا ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد(٤) ، ولا شفعة في المضموم ؛

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فيتعيّن ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٢.

٢٦٤

لأنّ المضموم لا شفعة فيه ولا هو تابع لما فيه الشفعة ، فلا تثبت فيه الشفعة ، كما لو أفرده.

وقال مالك : تثبت الشفعة فيهما معاً. ويروى عنه أيضاً أنّه إن كان من مصالح الضيعة وتوابعها كالثيران وآلات الحرث والعبد العامل في البستان ، أخذه الشفيع مع الشقص. وإن كان غير ذلك ، لم يأخذه ؛ لأنّه لو أخذ الشقص وحده ، تبعّضت الصفقة على المشتري ، وفي ذلك ضرر ، ولا يزال الضرر عن الشفيع بإلحاق ضرر المشتري(١) .

وهو غلط ؛ لأنّه أدخله على نفسه بجمعه في العقد بين ما ثبت فيه الشفعة وما لا تثبت.

ثمّ النظر إلى قيمتهما يوم البيع ؛ فإنّه وقت المقابلة.

قال الجويني : إذا قلنا : إنّ الملك ينتقل بانقطاع الخيار ؛ فيجوز أن يعتبر وقت انقطاع الخيار ، لأنّ انتقال الملك - الذي هو سبب الشفعة - حينئذٍ يحصل(٢) .

وهذا يتأتّى على قول الشيخ أيضاً.

وإذا أخذ الشفيع الشقص ، لم يثبت للمشتري الخيار وإن تفرّقت الصفقة عليه ، لدخوله فيها عالماً بالحال.

مسالة ٧٤٩ : إذا اشترى شقصاً من دار فاستهدمت إمّا بفعل المشتري أو بغير فعله ، فلها أحوال :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، المغني ٥ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠.

٢٦٥

أ - أن تتعيّب من غير تلف شي‌ء منها ولا انفصال بعضها عن بعض بأن يتشقّق جدار أو تميل أسطوانة أو ينكسر جذع أو يضطرب سقف ، فالشفيع بالخيار بين الأخذ بكلّ الثمن ، وبين الترك ، ويكون تعيّبه في يد المشتري كتعيّب المبيع في يد البائع ، فإنّه يتخيّر المشتري بين الفسخ وبين الأخذ بجميع الثمن ، عند بعض(١) علمائنا ، وبه قال الشافعي(٢) .

وعند بعضهم(٣) يسقط(٤) الأرش ، فينبغي هنا أن يكون كذلك.

ب - أن يتلف بعضها ، فيُنظر إن تلف شي‌ء من العرصة بأن غشيها السيل فغرّقها ، أخذ الباقي بحصّته من الثمن.

وإن بقيت العرصة بتمامها وتلفت السقوف والجدران باحتراقٍ وغيره ، فإن قلنا : إنّ الأبنية كأحد العبدين المبيعين(٥) ، أخذ العرصة بحصّتها من‌

____________________

(١) كالشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ١٠٩ ، المسألة ١٧٨ ، والمبسوط ٢ : ١٢٧ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٣٠٥.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢ - ١٧٣.

(٣) اُنظر : نكت النهاية ( النهاية ونكتها ) ٢ : ١٦١ - ١٦٢.

(٤) كذا بصيغة الإثبات. وفي جواهر الكلام ١٦ : ٣٥٩ حيث نقل عبارة التذكرة قال : « لا يسقط الأرش ». وقال المحقّق الكركي في جامع المقاصد ٤ : ٤١٧ - ٤١٨ عند شرح قول المصنّف في القواعد : « ولو انهدم أو تعيّب بفعل المشتري قبل المطالبة » : فهاهنا أربع صور : الاولى : أن يكون ذلك بفعل المشتري قبل مطالبة الشفيع بالشفعة بأن ينقض البناء أو يشقّ الجدار أو يكسر الجذع إلى أن ساق الكلام إلى قوله : وقد سبق في كتاب البيع وجوب الأرش على البائع إذا تعيّب المبيع في يده فينبغي أن يكون هنا كذلك ، وقد نبّه كلام المصنّف في التذكرة على ذلك. انتهى ، فلاحظ قوله : « وجوب الأرش على البائع » حيث إنّه يخالف قول المصنّف : « يسقط الأرش » ويوافق ما في الجواهر من قوله : « لا يسقط ». وانظر أيضاً : الكافي في الفقه - للحلبي -: ٣٥٥.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « المسمّيين » بدل « المبيعين ». والظاهر ما أثبتناه.

٢٦٦

الثمن ، وهو الأصحّ ، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد(١) .

وإن قلنا : إنّها كأطراف العبد وصفاته ، أخذها بكلّ الثمن على رأي - وبه قال الشافعي(٢) - وبما بعد الأرش على رأي.

وفرّق بعضهم بين أن يكون التلف بآفة سماويّة ، فيأخذها بجميع الثمن ، أو بإتلاف متلفٍ ، فيأخذها بالحصّة ؛ لأنّ المشتري يحصل له بدل التالف ، فلا يتضرّر ، وبه قال أبو حنيفة(٣) .

ج - أن لا يتلف شي‌ء منها ولكن ينفصل بعضها عن بعض بالانهدام وسقوط الجدران ، فإنّ الشفيع يأخذ الشقص مع الأبعاض - وهو أحد قولي الشافعي(٤) - لأنّها دخلت في البيع وكانت متّصلة به حالة البيع ممّا يدخل في الشفعة ، فكذا بعد النقض ، وكونه منقولا عرض بعد البيع وبعد تعلّق حقّ الشفيع به ، والاعتبار بحال جريان العقد ، ولهذا لو اشترى داراً فانهدمت ، يكون النقض والعرصة للمشتري وإن كان النقض لا يندرج في البيع لو وقع بعد الانهدام.

والثاني للشافعي : لا يأخذ الشفيع النقض ؛ لأنّه منقول كما لو كان في الابتداء كذلك وأدخل النقض في البيع ، لا يؤخذ بالشفعة(٥) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٥١ / ١٩٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.

(٤و٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

٢٦٧

فإن قلنا بالأوّل ، أخذه مع العرصة بجميع الثمن أو بما بعد الأرش على ما تقدّم ، أو يعرض عن الكلّ.

وإن قلنا : إنّه لا يأخذه - كما هو اختيار الشافعي في القول الثاني - فيبني على أنّ السقوف والجدران كأحد العبدين أو كطرف العبد؟ إن قلنا بالأوّل ، أخذ العرصة وما بقي من البناء بحصّتهما من الثمن.

وإن قلنا بالثاني ، فوجهان :

أحدهما : أنّه يأخذ بالحصّة ؛ لأنّ الأنقاض كانت من الدار المشتراة ، فيبعد أن تبقى للمشتري مجّاناً ويأخذ الشفيع ما سواه بتمام الثمن.

والثاني - وهو قياس الأصل المبنيّ عليه - : أن يأخذ بتمام الثمن ، كما في الحالة الاُولى. وعلى هذا فالأنقاض تشبه بالثمار والزوائد التي يفوز بها المشتري قبل قبض الشفيع(١) .

ومنهم مَنْ كان يطلق قولين - تفريعاً على أنّ النقض غير مأخوذ من غير البناء - على أنّ النقض كأحد العبدين أو كأطراف العبد؟(٢)

ووجه الأخذ بالكلّ : أنّه نَقْصٌ حصل عند المشتري ، فأشبه تشقّق الحائط ، والأخذِ بالحصّة : أنّ ما لا يؤخذ من المبيع بالشفعة تسقط حصّته من الثمن ، كما إذا اشترى شقصاً وسيفاً.

واعلم أنّ المزني نقل عن الشافعي أنّ الشفيع مخيّر بين أن يأخذه بجميع الثمن أو يردّ(٣) .

وقال في القديم ومواضع من الجديد : أنّه يأخذه بالحصّة(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ - ٥١٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

(٣) مختصر المزني : ١٢٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

٢٦٨

وقد ذكر بعض الشافعيّة فيه خمس طرق :

أ - منهم مَنْ قال : إنّ ما انهدم من الدار لا يدخل في الأخذ بالشفعة ، وإنّما يأخذ العرصة وما فيها من البناء ؛ لأنّ ذلك منفصل عنها ، كما لو باع داراً ، لم يدخل فيها ما كان منفصلاً عنها. وهل يأخذ العرصة والبناء الذي فيها بجميع الثمن أو بالحصّة؟ قولان.

ب - ما ذُكر في الطريقة الاُولى إلّا في أنّه يأخذ ذلك بحصّته من الثمن قولاً واحداً.

ج - إنّ ما انفصل من الدار يستحقّه الشفيع مع الدار ؛ لأنّ استحقاقه للشفعة إنّما كان حال عقد البيع وفي ذلك الحال كان متّصلاً.

د - المسألة على اختلاف حالين ، فالموضع الذي قال : يأخذها بالحصّة إذا ذهب بعض العرصة بغرقٍ أو غير ذلك ، والموضع الذي قال : يأخذها بجميع الثمن إذا كانت العرصة باقيةً وإنّما ذهب البناء.

ه- إنّ الموضع الذي قال : يأخذ بالحصّة إذا تلف بعض الأعيان بفعله أو فعل آدميّ ، والموضع الذي قال : يأخذه بجميع الثمن إذا حصل ذلك بأمر سماويّ(١) .

وبهذه(٢) الطريقة الأخيرة قال أبو حنيفة(٣) .

أقول : ما فعله المشتري مضمون ( وإن كان إذا )(٤) حصل بغير فعله لم يضمنه ، كما لو قلع عين المبيع ، كان تضمينها عليه ، ولو سقطت‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ - ٢٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « هذه ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ٢٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٥١ / ١٩٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.

(٤) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : « وإذا كان ».

٢٦٩

لم يسقط شي‌ء من الثمن.

هذا كلّه إذا كان التعيّب لا بفعل المشتري أو بفعله قبل الطلب ، أمّا إذا كان بفعل المشتري بعد الطلب ، فهل يضمن المشتري؟ قولان لعلمائنا ، الأقرب : الضمان.

ولو تلف بعض المبيع ، أخذه بحصّته من الثمن.

مسالة ٧٥٠ : إذا بنى المشتري أو غرس قبل القسمة ، كان للشريك قلعه‌ ، لا من حيث الشفعة ، بل من حيث إنّ أحد الشريكين إذا بنى أو غرس في الأرض المشتركة ، كان للشريك الآخر قلعه وتخريب البناء مجّاناً ، وله الأخذ بالشفعة بعد القلع وقبله.

وإن كان المشتري قد قسّم - إمّا لغيبة الشريك ، أو لصغره - بإذن الحاكم ، أو لكذبه في الإخبار بالثمن فعفا ، أو في الاتّهاب فظهر(١) البيع ، أو قاسمه وكيله وأخفى(٢) عنه وجه الحظّ في الأخذ بالشفعة ثمّ يجي‌ء الموكّل فيظهر له الوجه ثمّ بنى أو غرس أو زرع بعد القسمة والتمييز ثمّ علم الشفيع ، فللمشتري قلع غرسه وبنائه ؛ لأنّه ملكه.

فإذا قلعه ، لم يكن عليه تسوية الحفر ؛ لأنّه غرس وبنى في ملكه ، وما حدث من النقص فإنّما حدث في ملكه ، وذلك ممّا لا يقابله الثمن ، وإنّما يقابل الثمن سهام الأرض من نصف وثلث وربع ، ولا يقابل التراب ، فيكون الشفيع بالخيار بين أن يأخذ الأرض بجميع الثمن أو يترك.

وإن لم يقلع المشتري الغراس ، تخيّر الشفيع بين ثلاثة أشياء : ترك الشفعة ، وأخذها ودفع قيمة البناء والغراس إن رضي الغارس والباني ،

____________________

(١) في « س ، ي » : « فيظهر ».

(٢) في « س ، ي » : « خفي ».

٢٧٠

ويصير الملك له ، وأن يُجبر المشتري على القلع ، ويضمن له ما نقص له بالقلع.

وقيل : رابعٌ : أن يُبقيه في الأرض باُجرة(١) .

فأمّا إذا طالبه بقلع ذلك من غير أن يضمن له النقص ، لم يلزمه قلعه ، قاله الشيخ(٢) رحمه‌الله ، والشافعي ومالك وأحمد وإسحاق والنخعي(٣) ؛ لأنّه بنى في ملكه الذي يملك نفعه ، فلم يُجبر على قلعه مع الإضرار به ، كما لو كان لا شفعة فيه.

وقال أبو حنيفة والثوري : يُجبر على قلعه ؛ لأنّه بنى في حقّ غيره بغير إذنه ، فكان عليه قلعه ، كما لو بنى فيها وبانت مستحقَّةً(٤) .

وفرّق(٥) الأوائل بأنّه غرس في ملك غيره(٦) .

وقول أبي حنيفة عندي لا بأس به ، والبناء وإن كان في ملكه لكنّه ملكٌ غير مستقرّ ، فلا يؤثّر في منع القلع ، والقياس على عدم الشفعة باطل.

لا يقال : القسمة تقطع الشركة ، وتردّ العلقة بينهما إلى الجوار ، وحينئذٍ وجب أن لا تبقى الشفعة ؛ لاندفاع الضرر الذي كُنّا نثبت الشفعة لدفعه ، كما لا تثبت ابتداءً للجار.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٣ : ١١٨ ، الخلاف ٣ : ٤٣٩ ، المسألة ١٤.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٦ - ١٧٧ ، المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٩ ، المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فرّقوا ».

(٦) المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.

٢٧١

لأنّا نقول : الجوار وإن لم يكن يكتفى به في الابتداء إلّا أنّه اكتفي به في الدوام عند حصول الشركة في الابتداء ، ولم يخرّج على الخلاف في بطلان الشفعة فيما إذا باع نصيبه جاهلاً بالشفعة ؛ لأنّ الجوار على حال ضرب اتّصال قد يؤدّي إلى التأذّي(١) بضيق المرافق وسوء الجوار ، ولذلك اختلف العلماء في ثبوت الشفعة به.

إذا عرفت هذا ، فلا فرق بين تصرّف المشتري والمستعير إذا بنى في أرض المعير أو غرس. ولو كان قد زرع ، ترك زرعه إلى أن يدرك ويحصد.

وهل للشفيع أن يطالبه باُجرة بقاء الزرع؟ الأقوى : العدم ، بخلاف المستعير ، فإنّه زرع أرض الغير وقد رجع في العارية ، فكان عليه الاُجرة ، أمّا المشتري فإنّه زرع ملك نفسه واستوفى منفعته بالزراعة ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. وفي الثاني : له المطالبة ، كما أنّ المعير يبقي بالاُجرة(٢) . وقد بيّنّا الفرق.

وكذا لو باع أرضاً مزروعة ، لا يطالبه المشتري بالاُجرة لمدّة بقاء الزرع.

وللشافعيّة في الصور الثلاث - صورة بيع الأرض المزروعة ، وصورة العارية ، وصورة الشفعة - وجهان في وجوب الاُجرة ، لكنّ الظاهر عندهم في صورة العارية وجوب الاُجرة ، وفي الصورتين الاُخريين المنع ؛ للمعنى الجامع لهما ، وهو أنّه استوفى منفعة ملكه(٣) .

وأمّا إذا زرع بعد المقاسمة ، فإنّ الشفيع يأخذ بالشفعة ، ويبقى زرع المشتري إلى أوان الحصاد ، لأنّ ضرره لا يبقى ، والأجرة عليه ، لأنّه زرعه‌

____________________

(١) في « س » والطبعة الحجريّة : « على حال ضرر إيصال قد يتأدّى إلى التأذّي ». وفي « ي » : « على حال ضرر أيضاً . .». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠.

٢٧٢

في ملكه.

تذنيب : إذا زرع ، لزم الشفيع إبقاء الزرع ، وحينئذٍ يجوز له تأخير الشفعة إلى الإدراك والحصاد ؛ لأنّه لا ينتفع به قبل ذلك ، ويخرج الثمن من يده ، فله في التأخير غرض صحيح ، وهو الانتفاع بالثمن إلى ذلك الوقت ، قاله بعض الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : ويحتمل أن لا يجوز التأخير وإن تأخّرت المنفعة ، كما لو بِيعت الأرض في وسط الشتاء ، لا تؤخّر الشفعة إلى أوان الانتفاع(٢) . ولعلّ بينهما فرقاً.

ولو كان في الشقص أشجار عليها ثمار لا تستحقّ بالشفعة ، ففي جواز التأخير إلى وقت القطاف وجهان للشافعيّة(٣) .

وعندي أنّه يجب الأخذ معجّلاً.

مسالة ٧٥١ : لو تصرّف المشتري بوقف أو هبة وغيرهما ، صحّ‌ ؛ لأنّه واقع في ملكه ، وثبوت حقّ التملّك للشفيع لا يمنع المشتري من التصرّف ، كما أنّ حقّ التملّك للواهب بالرجوع(٤) لا يمنع تصرّف المتّهب ، وكما أنّ حقّ التملّك للزوج بالطلاق لا يمنع تصرّف الزوجة.

وعن ابن سريج من الشافعيّة أنّ تصرَّفاته باطلة ؛ لأنّ للشفيع حقّاً لا سبيل إلى إبطاله ، فأشبه حقّ المرتهن(٥) .

وإذا قلنا بالصحّة على ما اخترناه نحن - وهو الظاهر من قول الشافعيّة(٦) - أنّه يُنظر إن كان التصرّف ممّا لا تثبت به الشفعة ، فللشفيع نقضه ، وأخذ‌

____________________

(٣-١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فالرجوع ». والصحيح ما أثبتناه.

(٥و٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

٢٧٣

الشقص بالشفعة ، وإلّا تخيّر بين الأخذ بالأوّل وفسخ الثاني ، وبين إمضائه والأخذ بالثاني.

وعن المروزي أنّه ليس تصرّف المشتري بأقلّ من بنائه ، فكما لا ينقض المشتري بناؤه لا ينبغي أن ينقض تصرّفه(١) .

واختلفت الشافعيّة في موضع هذا الوجه :

فمنهم مَنْ خصّصه بما تثبت فيه الشفعة من التصرّفات ، أمّا ما لا تثبت فله نقضه ، لتعذّر الأخذ به.

ومنهم مَنْ عمّم وقال : تصرّف المشتري يُبطل حقَّ الشفيع ، كما يُبطل تصرّف المشتري المفلس حقَّ الفسخ للبائع ، وتصرّف المرأة حقَّ الرجوع إلى العين إذا طلّق قبل الدخول ، وتصرّف المتّهب رجوعَ الواهب. نعم ، لو كان التصرّف بيعاً ، تجدّد حقّ الشفعة بذلك(٢) .

وعن أبي إسحاق من الشافعيّة أنّها لا تتجدّد أيضاً ؛ لأنّ تصرّف المشتري إذا كان مبطلاً للشفعة ، لا يكون مثبتاً لها ، كما إذا تحرّم(٣) بالصلاة ثمّ شكّ فجدّد نيّةً وتكبيراً ، لا تنعقد بها الصلاة ؛ لأنّه يحصل بها الحلّ فلا يحصل العقد(٤) .

ووجه ظاهر المذهب : أنّ للشفيع نقض تصرّف المشتري ؛ لأنّ حقّه ثابت بأصل العقد ، فلا يتمكّن المشتري من إبطاله ، ولا يشبه تصرّف المفلس وتصرّف المرأة في الصداق ، فإنّ حقّ البائع والزوج لا يبطل بالكلّيّة ، بل ينتقل إلى الثمن والقيمة ، والواهب رضي بسقوط حقّه حيث سلّمه إليه وسلّطه عليه ، وهنا لم يبطل حقّ الشفيع بالكلّيّة ، ولم يوجد منه‌

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « أحرم » بدل « تحرّم ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٢.

٢٧٤

رضا ولا تسليم(١) .

قال بعض الشافعيّة : يجوز أن يبنى الوجهان على القولين فيما إذا عُتقت الأمة تحت عبد وطلّقها قبل أن تختار الفسخ ، هل ينفذ الطلاق؟

ووجه الشبه : أنّ الطلاق يُبطل حقّها في الفسخ ولم تسلّطه عليه ، كما ذكرنا في الشفيع(٢) .

وحكي عن بعضهم أنّه لا ينقض الشفعةَ تصرّفُ الوقف ، وينقض ما عداه(٣) .

مسالة ٧٥٢ : النخل تتبع الأرض في الشفعة‌ ، وبه قال الشافعي(٤) .

فإن طالب بالشفعة وقد زادت النخل بطولٍ وسعفٍ ، رجع في ذلك ؛ لأنّ هذه زيادة غير متميّزة ، فتبعت الأرض في الرجوع ، كسمن الجارية.

اعترض بعض الشافعيّة بأنّه كيف جعلتم النخل تبعاً للأرض في الشفعة وقد قلتم : إنّ الأرض تتبع النخل في المساقاة ، فتجوز المزارعة على ما بين النخل من البياض تبعاً للنخيل!؟

واُجيب : بأنّه يجوز أن تكون الأرض تبعاً في حكمٍ يختصّ بالنخل ، والنخل تبعاً لها في حكم آخَر يختصّ بالأرض ، وإنّما لا يجوز أن يكون الشي‌ء تابعاً ومتبوعاً في أمرٍ واحد ، وقد عرفت الكلبُ مقيس على الخنزير في النجاسة ، والخنزير مقيس عليه في الغَسْل من ولوغه عندهم(٥) .

ولو طلّق الزوج قبل الدخول وكان الصداق نخلاً وقد طالت ، لا يرجع في النصف ، لأنّ الزوج يمكنه الرجوع في القيمة إذا تعذّر الرجوع في‌

____________________

(٣-١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٢.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٤.

(٥) لم نعثر على الاعتراض والجواب عنه في المصادر المتوفّرة لدينا.

٢٧٥

العين ، والقيمة تنوب منابها ، وفي الشفعة إذا لم يرجع في ذلك ، سقط حقّه من الشفعة ، فلهذا لم يسقط من الأصل لأجل ما حدث من البائع.

إذا عرفت هذا ، فإن كان في هذه النخل طلع حدث ، نُظر فإن كان قد اُبّر وتشقّق ، كان للمشتري ؛ لأنّه بمنزلة النماء المنفصل من ملكه.

وإن كان لم يؤبّر ، فهل يتبع في الشفعة؟

أمّا عندنا فلا ؛ لاختصاص الشفعة بالبيع خاصّةً.

وأمّا عند الشافعي فقولان(١) ، كالمفلس إذا ابتاع نخلاً وحدث فيها طلع لم يؤبّر وأراد البائع الرجوع في النخل.

ويفارق ذلك البيعَ ؛ لأنّه أزال ملكه باختياره ، وكان الطلع تابعاً إذا لم يكن ظاهراً ، ويكون في الردّ بالعيب كالشفعة.

وكذلك إذا كان انتقال الملك بغير عوض - كالهبة ، وفسخ الهبة - فيه قولان(٢) .

فإن كان المشتري اشترى النخل وفيها الطلع ، فإن كان مؤبَّراً ، فإنّه لا يتبع في البيع ، وإذا اشترطه ، دخل في البيع ، ولا تثبت فيه الشفعة ، وإنّما يأخذ الأرض والنخل بحصّتهما من الثمن.

فإن كانت غير مؤبَّرة ، تبعت بمطلق العقد.

فإن أخذ الشفيع الشقص قبل أن تؤبّر الثمرة ، لم يأخذه الشفيع بالثمرة إن تجدّدت بعد الشراء.

وإن كانت موجودةً حال البيع ، فالأقوى : الدخول في الشفعة ، كما دخلت في البيع ، فصارت بمنزلة النخل في الأرض.

____________________

(١ و ٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

٢٧٦

وإن أخذ الشقص بعد التأبير ، لم يتبعه الطلع.

وقال بعض الشافعيّة : إذا أخذ الشفيع الشقص قبل أن يؤبّر الطلع ، كان في الطلع القولان ؛ لأنّه لو ثبت حقّ الشفيع في هذا الطلع ، لوجب أن يأخذه وإن تشقّق ؛ لأنّ ذلك زيادة متّصلة(١) .

والغراس تبع في الشفعة ؛ لأنّه يراد للتبقية في الأرض والتأبيد.

مسالة ٧٥٣ : إذا تبايعا بثمن ثمّ زاده المشتري عليه زيادة أو نقص البائع منه شيئاً بعد العقد، فإن كان ما اتّفقا عليه من الزيادة أو الحطّ بعد لزوم البيع وانقضاء الخيار ، لم يكن للشفيع في ذلك حقّ ، ولا عليه شي‌ء لا في حطّ الكلّ ولا في حطّ البعض ؛ لأنّ الشفيع إنّما يأخذ بما استقرّ عليه العقد ، والذي استقرّ عليه المسمّى.

ولو كان في زمن الخيار ، لم يلحق أيضاً الشفيع عندنا ؛ لوقوع العقد على شي‌ء ، فلا تضرّ الزيادة والنقيصة بعده.

وقال الشافعي : يثبت ذلك التغيير في حقّ الشفيع في أحد الوجهين ؛ لأنّ حقّ الشفيع إنّما ثبت إذا تمّ العقد ، وإنّما يستحقّ بالثمن الذي هو ثابت في حال استحقاقه. ولأنّ زمن الخيار بمنزلة حالة العقد ، والتغيير يلحق بالعقد ؛ لأنّهما على اختيارهما فيه كما كانا في حال العقد(٢) .

فأمّا إذا انقضى الخيار وانبرم(٣) العقد فزاد أو نقص ، لم يلحق بالعقد ؛ [ لأنّ الزيادة ](٤) لا تثبت إلّا أن تكون هبةً مقبوضةً ، والنقصان يكون‌

____________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) الوجيز ١ : ٢١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣ ، المغني ٥ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٢.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « لزم » بدل « انبرم ».

(٤) بدل ما بين المعقوفين في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « والزيادة ». والظاهر ما أثبتناه كما في المغني والشرح الكبير.

٢٧٧

إبراءً ، ولا يثبت [ ذلك ](١) في حقّ الشفيع ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقال أبو حنيفة : يثبت النقصان بعد الخيار للشفيع ، ولا تثبت الزيادة وإن كانا(٣) عنده يلحقان بالعقد ، ويقول : الزيادة تضرّ بالشفيع فلم يملكها(٤) .

وهو غلط ؛ لأنّ ذلك تغيّر بعد استقرار العقد ، فلم يثبت في حقّ الشفيع ، كالزيادة.

والفرق ليس بصحيح ؛ لأنّ ذلك لو لحق بالعقد ، لثبت في حقّه وإن أضرّ به ، كما لو كان في زمن الخيار.

ولو حطّ كلّ الثمن في زمن الخيار ، لم يلحق الحطّ عندنا بالشفعة - وبه قال الشافعي(٥) - لأنّ ذلك بمنزلة ما لو باع بلا ثمن ، فلا شفعة للشريك ؛ لأنّه يصير هبةً ، فيبطل على رأي ، ويصحّ على رأي.

أمّا إذا حطّ منه أرش العيب ، فإنّه يثبت في حقّ الشفيع ؛ لأنّه سقط بجزء فقد من المبيع ، ولهذا فاته جزء من الثمن.

مسالة ٧٥٤ : لو كان ثمن الشقص عبداً ، ثبتت الشفعة عندنا‌ ، خلافاً لبعض علمائنا وبعض الجمهور ، وقد سبق(٦) ، ويأخذ الشفيع بقيمة العبد.

فإن وجد البائع بالعبد عيباً ، فإمّا أن يكون [ قبل ](٧) أن يحدث عنده‌

____________________

(١) ما بين المعقوفين من المغني والشرح الكبير.

(٢) المصادر في الهامش (٢) من ص ٢٧٦.

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « كان » بدل « كانا ». وما أثبتناه من المغني والشرح الكبير.

(٤) المغني ٥ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٦) في ص ٢٥٧ ، المسألة ٧٤٥.

(٧) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « بعد » بدل « قبل ». والصحيح ما أثبتناه.

٢٧٨

عيب أو يكون الوقوف على العيب بعد حدوث عيب عنده. فإن علمه قبل أن يحدث عنده عيب ، فإمّا أن يكون ذلك بعد أخذ الشفيع بالشفعة أو قبله.

فإن وقف عليه بعد أخذ الشفيع ، كان له ردّ العبد على المشتري ، ولم يكن له استرجاع الشقص ؛ لأنّ الشقص قد ملكه بالأخذ ، فلم يكن للبائع إبطال ملكه ، كما لو كان المشتري قد باعه ثمّ وجد البائع بالثمن عيباً ، فإنّه يردّه ، ولا يفسخ بيع المشتري ، ويرجع البائع إلى قيمة الشقص ، كذا هنا.

وقال بعض الشافعيّة : يستردّ المشتري الشقص من الشفيع ، ويردّ عليه ما أخذه ، ويسلّم الشقص إلى البائع ؛ لأنّ الشفيع نازل منزلة المشتري ، فردُّ البائع يتضمّن نقض ملكه ، كما يتضمّن نقض ملك المشتري لو كان في ملكه(١) .

والمشهور عندهم(٢) ما قلناه.

فإذا دفع الشفيع قيمة العبد إلى المشتري ودفع المشتري إلى البائع قيمة الشقص ، فإن تساويا ، فلا بحث. وإن تفاوتا ، لم يرجع المشتري على الشفيع إن كانت قيمة الشقص أكثر بشي‌ء ، ولا يرجع الشفيع على المشتري إن كانت قيمة العبد أكثر - وهو أحد قولي الشافعيّة(٣) - لأنّ الشفيع أخذه بالثمن الذي وقع عليه العقد ، فلا يلزمه أكثر من ذلك.

والثاني : يتراجعان ؛ لأنّ المشتري استقرّ عليه عوض الشفيع قيمته ، فينبغي أن يستحقّ ذلك على الشفيع ، فيرجع كلّ مَنْ كان ما دفعه أكثر على صاحبه بالزيادة(٤) .

ولو عاد الشقص إلى المشتري ببيع أو هبة أو ميراث أو غير ذلك ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، وأيضاً : فتح العزيز ١١ : ٤٥٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

(٢ - ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

٢٧٩

لم يكن للبائع أخذه منه ، بخلاف الغاصب إذا دفع القيمة لتعذّر ردّ المغصوب ثمّ قدر عليه ، فإنّه يجب عليه ردّه على المالك ، واسترداد ما دفعه من القيمة ؛ لأنّ المالك لم يزل ملكه عن المغصوب بالتقويم ودفع القيمة ، وإنّما أخذنا القيمة للضرورة وقد زالت ، وهنا زال ملك البائع عنه وصار ملكاً للشفيع ، وانقطع حقّه عنه ، وإنّما انتقل حقّه إلى القيمة ، فإذا أخذها ، لم يبق له حقّ.

وحكى بعض الشافعيّة فيه وجهين بناءً على أنّ الزائل العائد كالذي لم يزل ، أو كالذي لم يعد؟(١)

وأمّا إذا كان قد علم بالعيب قبل أن يأخذ الشفيع بالشفعة ، فهنا حقّان ، ففي تقديم أيّهما للشافعيّة وجهان :

أحدهما : الشفيع أولى ؛ لأنّ حقّه سبق حقّ البائع في الردّ.

والثاني : البائع أولى ؛ لأنّ الشفعة تثبت لإزالة الضرر عن الشريك ، فلا نثبتها مع تضرّر البائع بإثباتها(٢) .

وحكى الجويني الجزم بتقديم البائع(٣) .

والوجه عندي : تقديم حقّ الشفيع ؛ لسبقه.

فإذا قلنا : الشفيع أحقّ ، فإنّ البائع يأخذ من المشتري قيمة الشقص ، ويرجع المشتري على الشفيع بقيمة العبد ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : يرجع على الشفيع بقيمة الشقص(٤) .

ولو وجد البائع العيب في العبد بعد أن حدث عنده عيب أو بعد‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٤) لم نعثر عليه في مظانّه.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

الشيعة والخوارج والمنافقين.ولما وصلوا (ساباط المدائن) أراد الحسنعليه‌السلام اختبار جنوده ليكون على بصيرة من أمرهم. فصعد المنبر وخطبهم ، فانفضّ بعضهم يقول : ما نظنه والله يريد إلا صلح معاوية ، كفر والله الحسن. فشدّوا على فسطاطه يريدون قتله ونهبوه. ثم بدر إليه الجرّاح بن سنان الأسدي وقال له : يا حسن ، أشركت كما أشرك أبوك من قبل ، ثم طعنه في فخذه فشقّه حتّى بلغ العظم ، وضربه الحسنعليه‌السلام ، فخرّ كل منهما على الأرض. ثم انقضّ جمع من شيعة الحسنعليه‌السلام على الأسدي فقتلوه. وكتب معاوية إلى جماعة رؤساء القبائل في العراق ، بأنهم إن قتلوا الحسن ولّاهم ولاية في الشام ، وأعطى كل واحد منهم ألف ألف درهم ، فكتبوا له بالسمع والطاعة سرا.

(الشكل ـ ٢) مخطط الطريق الّذي سلكه

الحسنعليه‌السلام من الكوفة إلى ساباط إلى مسكن

٣٢١

وبدأ الحسنعليه‌السلام ينفذ كتائبه لمحاربة جيش الشام. فكان كلما وصلت كتيبة إليه أغراها معاوية بالمال ، فانضمت إليه مع قائدها. حتّى أن ممن فعل ذلك عبيد الله ابن العباس ابن عم الإمام عليعليه‌السلام .

وهكذا خذل أصحاب الحسنعليه‌السلام إمامهم وقائدهم ، حتّى لم يبق معه أكثر من مئتي شخص.

ولقد بلغ تخالف أنصار الحسنعليه‌السلام مبلغه ، فلقد بعث معاوية إلى أربعة من حلفاء الحسنعليه‌السلام أن يقتلوه لقاء مال وولاية وتزويج إحدى بناته ، فبعثوا إلى معاوية يسألونه : أيريد الحسن طيّبا أم ميّتا؟. فبعث معاوية رسائلهم إلى الحسنعليه‌السلام طالبا منه الصلح.

صلح الإمام الحسنعليه‌السلام مع معاوية

٣٢٥ ـ صلح الحسنعليه‌السلام :(المصدر السابق)

ولما استيأس الحسنعليه‌السلام من أصحابه وجد أنه لا مناص من الصلح ، فقبل بالصلح على شروط تكفل بعض حقوق شيعته من أن ينكل بهم [أي معاوية] ، وكان من جملة شروطه أن لا يولّي معاوية أحدا من بعده. فرضي معاوية بكل شروط الصلح ، ثم ضرب بها عرض الحائط ، وذلك حين خطب بأهل العراق قائلا : «ألا وإني كنت منّيت الحسن وأعطيته أشياء ، وجميعها تحت قدمي لا أفي بشيء منها».وبذلك تخلّى معاوية عن كل شيء من كرامته ، حتّى من شهامته العربية في حفظ الوعد والوفاء بالعهد.

٣٢٦ ـ كيف تمّ الصلح :(الإستيعاب لابن حجر العسقلاني ، ج ١ ص ٣٧٠)

لما قتل الإمام عليعليه‌السلام بايع الإمام الحسنعليه‌السلام أكثر من أربعين ألفا على الموت. فبقي نحو سبعة أشهر خليفة بالعراق وما وراءها من خراسان. ثم سار إلى معاوية وسار معاوية إليه ، فلما تراءى الجمعان في موضع يقال له مسكن (انظر الشكل ـ ٢) من أرض السواد بناحية الأنبار ، علم أنه لن تغلب إحدى الفئتين حتّى يذهب أكثر الأخرى.

فكتب إلى معاوية يخبره أنه يصيّر الأمر إليه ، على أن يشترط عليه أن لا يطلب أحدا من أهل المدينة والحجاز ولا أهل العراق بشيء كان في أيام أبيه ، فأجابه معاوية وكاد يطير فرحا.

٣٢٢

واشترط عليه الحسنعليه‌السلام أن يكون له الأمر من بعده ، فالتزم ذلك كله. وكان كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله سيصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين».

فقال للحسنعليه‌السلام أحد أصحابه : يا عار المؤمنين!. فقالعليه‌السلام : العار خير من النار.

ولما جاء الحسنعليه‌السلام الكوفة ، قال له أبو عامر سفيان بن أبي ليلى : السلام عليك

يا مذلّ المؤمنين!. فقالعليه‌السلام : لا تقل يا أبا عامر ، فإني لم أذلّ المؤمنين ، ولكن كرهت أن أقتلهم في طلب الملك.

وكان توقيع الصلح في النصف من جمادى الأولى سنة ٤١ ه‍ ، فبايع الناس معاوية حينئذ ، ومعاوية ابن ست وستين إلا شهرين. وسمي ذلك العام عام الجماعة.

٣٢٧ ـ رأي الحسنعليه‌السلام في أهل الكوفة :

(التنبيه والإشراف للمسعودي ، ص ٢٦)

قال الإمام الحسنعليه‌السلام بعد توقيع الصلح : إني رأيت أهل الكوفة قوما لا يوثق بهم ، وما اغترّ بهم إلا من ذلّ ، ليس أحد منهم يوافق رأي الآخر وأهلها هم الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعا.

٣٢٨ ـ بنود وثيقة الصلح :

(الإمام الحسين يوم عاشوراء ، طبع مؤسسة البلاغ ، ص ١٨)

وكان من بنود وثيقة الصلح بين الإمام الحسنعليه‌السلام ومعاوية :

١ ـ هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام معاوية بن أبي سفيان ، صالحه على أن يسلّم إليه ولاية المسلمين ، على أن يعمل فيهم بكتاب الله وسنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيرة الخلفاء الراشدين المهتدين. وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد لأحد من بعده عهدا.

٢ ـ على أن تكون الخلافة للحسنعليه‌السلام من بعده ، فإن حدث فيه حدث فلأخيه الحسينعليه‌السلام .

٣ ـ كتبت الصحيفة وأقرت من قبل الطرفين.

٣٢٣

وما أن انتهى أمر الإقرار بها حتّى وقف معاوية وسط أصحابه ، ثم قال : ألا وإني كنت قد منّيت الحسن أشياء ، وأعطيته أشياء ، وجميعها تحت قدمي ، لا أفي بشيء منها له.

٣٢٩ ـ لماذا صالح الإمام الحسنعليه‌السلام ؟ صالح لحقن دماء المسلمين :

(الأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري ، ص ٢٢٠)

دخل علي بن محمّد بن بشير الهمداني على الإمام الحسنعليه‌السلام فقال له :السلام عليك يا مذلّ المؤمنين!. فقالعليه‌السلام : وعليك السلام اجلس ، لست مذلّ المؤمنين ، ولكني معزّهم ، ما أردت بمصالحتي معاوية إلا أن أدفع عنكم القتل ، عند ما رأيت من تباطؤ أصحابي عن الحرب ، ونكولهم عن القتال. ووالله لئن سرنا إليهم بالجبال والشجر ما كان بدّ من إفضاء هذا الأمر إليه.

قال : ثم خرجنا من عنده ، ودخلنا على الحسينعليه‌السلام فأخبرناه بما ردّ علينا ، فقالعليه‌السلام : صدق أبو محمد ، فليكن كل رجل منكم حلسا من أحلاس بيته (أي يظل ساكنا لا يتحرك كالحلس وهو البساط الملقى في بيته) ، مادام هذا الإنسان حيا [يعني معاوية].

٣٣٠ ـ من كلام للحسينعليه‌السلام في أصحابه بعد إجراء الصلح :

(مقتل الحسين لأبي مخنف ، ص ٣)

ثم قال الحسينعليه‌السلام : الحمد لله كما هو أهله ، إن أمر الله كان مفعولا ، وإن أمر الله كان قدرا مقدورا ، إنه كان أمرا مقضيا. والله لو اجتمعت الإنس والجن على الّذي كان أن لا يكون لما استطاعوا. والله لقد كنت طيّب النفس بالموت ، حتّى عزم عليّ أخي الحسنعليه‌السلام وناشدني الله أن لا أنفذ أمرا ولا أحرّك ساكنا ، فأطعته وكأنما يجدع جادع أنفي بالسكاكين أو يشرح لحمي بالمناشير. فأطعته كرها ، وقد قال الله تعالى :( وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (٢١٦) [البقرة : ٢١٦]. والآن كان صلحا وكانت بيعة ، ولننظر مادام هذا الرجل (أي معاوية) حيا ، فإذا مات نظرنا ونظرتم ، فقلنا : والله يا أبا عبد الله ما نحزن إلا لكم ، أن تضاموا في حقكم ، ونحن أنصاركم ومحبوكم ، فمتى دعوتمونا أجبناكم ومتى أمرتمونا أطعناكم.

٣٢٤

٣٣١ ـ معاوية يطلب من الإمام الحسنعليه‌السلام أن يخطب في الكوفة إبّان الصلح:

(الإستيعاب لابن حجر العسقلاني ، ج ١ ص ٢٧٣)

ثم قدم معاوية الكوفة بعد الصلح ، فطلب من الحسنعليه‌السلام أن يصعد المنبر ويخطب ، وقال له : قم يا حسن فكلّم الناس بما جرى بيننا.

فقام الحسنعليه‌السلام فتشهد وحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال في بديهته : أما بعد ، فإن الله هداكم بأولنا ، وحقن دماءكم بآخرنا (ونحن أهل بيت نبيكم ، أذهب الله عنا الرجس وطهّرنا تطهيرا). وإن لهذا الأمر مدة والدنيا دول ، وإن اللهعزوجل يقول :( وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (١٠٩)إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ (١١٠)وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ ) (١١١) [الأنبياء : ١٠٩ ـ ١١١].

فضجّ الناس بالبكاء.

٣٣٢ ـ الإمام الحسنعليه‌السلام يكشف حقيقة معاوية وعمرو بن العاص :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٠٨ ط نجف)

قال أهل السير : ولما سلّم الحسنعليه‌السلام الأمر إلى معاوية ، أقام يتجهز إلى المدينة. فاجتمع إلى معاوية رهط من شيعته ، منهم عمرو بن العاص والوليد بن عقبة [وهو أخو عثمان بن عفان لأمه]. وقالوا : نريد أن تحضر الحسنعليه‌السلام على سبيل الزيارة ، لتخجله قبل مسيره إلى المدينة. فنهاهم معاوية ، وقال : إنه ألسن بني هاشم. فألحّوا عليه ، فأرسل إلى الحسن فاستزاره.

فلما حضرعليه‌السلام شرعوا فتناولوا علياعليه‌السلام ، والحسن ساكت.

فلما فرغوا ، حمد الحسن الله وأثنى عليه وصلى على رسوله محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم قال : إن الّذي أشرتم إليه (أي عليعليه‌السلام ) قد صلّى إلى القبلتين ، وبايع البيعتين ، وأنتم بالجميع مشركون ، وبما أنزل الله على نبيه كافرون. وإنه حرّم على نفسه الشهوات ، وامتنع عن الملذات ، حتّى أنزل الله فيه :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا ) [المائدة : ٨٧]. وأنت يا معاوية ممن قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقه : «اللهم لا تشبعه ، أو لا أشبع الله بطنك «(أخرجه مسلم عن ابن عباس). وبات أمير المؤمنينعليه‌السلام يحرس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المشركين وفداه بنفسه ليلة الهجرة ، حتّى أنزل الله فيه :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ

٣٢٥

مَرْضاتِ ) [البقرة : ٢٠٧]. ووصفه الله بالإيمان فقال :( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) [المائدة : ٥٥] والمراد به أمير المؤمنين. وقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«أنت مني بمنزلة هرون من موسى ، وأنت أخي في الدنيا والآخرة».

وأنت يا معاوية ، نظر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليك يوم الأحزاب ، فرأى أباك على جمل يحرّض الناس على قتاله ، وأخوك يقود الجمل ، وأنت تسوقه ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لعن الله الراكب والقائد والسائق». وما قابله أبوك في موطن إلا ولعنه ، وكنت معه.

ولّاك عمر الشام فخنته ، ثم ولّاك عثمان فتربصت عليه. وأنت الّذي كنت تنهى أباك عن الإسلام ، حتّى قلت مخاطبا له :

يا صخر لا تسلمن طوعا فتفضحنا

بعد الذين ببدر أصبحوا مزقا

لا تركننّ إلى أمر تقلّدنا

والراقصات بنعمان به الحرقا

وكنت يوم بدر وأحد والخندق والمشاهد كلها تقاتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد علّمت المسلمين الّذي ولدت عليه.

توضيح (١) : قال الأصمعي وهشام الكلبي في كتابه المسمى (بالمثالب) : إن معاوية كان يقال إنه من أربعة من قريش : عمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي ، ومسافر بن أبي عمرو ، وأبي سفيان ، والعباس بن عبد المطلب. وهؤلاء كانوا ندماء أبي سفيان. وكان كل منهم يتّهم بهند (أم معاوية).

ثم التفت الحسنعليه‌السلام إلى عمرو بن العاص وقال : أما أنت يابن النابغة (أمه النابغة ، كانت أمة فسبيت ، فاشتراها عبد الله بن جدعان ، فكانت بغيّا كما سترى) فادّعاك خمسة من قريش ، غلب عليك ألأمهم وهو العاص ، وولدت على فراش مشرك ، وفيك نزل قوله تعالى :( إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ) (٣) [الكوثر : ٣]. وكنت عدوّ الله وعدوّ رسوله وعدوّ المسلمين ثم نفض الحسنعليه‌السلام ثوبه وقام.

توضيح (٢) : وذكر الكلبي أيضا في كتاب (المثالب) قال كانت النابغة أم عمرو بن العاص من البغايا أصحاب الرايات بمكة ، فوقع عليها العاص بن وائل في عدة من قريش ، منهم أبو لهب ، وأمية بن خلف ، وهشام بن المغيرة ، وأبو سفيان ، في طهر واحد.

٣٢٦

ثم قال الكلبي : وكان الزناة الذين اشتهروا بمكة جماعة منهم هؤلاء المذكورون فلما حملت النابغة [بعمرو] تكلموا فيه ، فلما وضعته اختصم فيه الخمسة الذين ذكرناهم ، كل واحد يزعم أنه ولده. وأكبّ عليه العاص بن وائل وأبو سفيان بن حرب ، كل واحد يقول : والله إنه مني. فحكمّا أمه النابغة ، فاختارت العاص ، فقالت : هو منه. فقيل لها : ما حملك على هذا ، وأبو سفيان أشرف من العاص؟. فقالت : هو كما قلتم ، إلا أنه رجل شحيح ، والعاص جواد ينفق على بناتي.

وسيأتي فصل في آخر الموسوعة عن أنساب هؤلاء الفجّار فالتمسوه في محله ، فهم كلهم من شجرة واحدة ، اجتثّت من باطن الأرض مالها من قرار.

٣٢٧

الفصل العاشر

حكم معاوية بن أبي سفيان

تعريف بالفصل :

نبدأ الفصل بترجمة لمعاوية ، وبعض أقوال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه ، وتحامل أهل الشام على العلامة النّسائي. ثم ننتقل إلى بيان حكم بني أمية ، وهو الّذي عبّر عنه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالملك العضوض (أي فيه عسف وظلم يعضّ الناس) وإخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به ، وكذلك إخبار الإمام عليعليه‌السلام به وتبشيره بسرعة زواله. ثم نستعرض بعض سمات الحكم الأموي الّذي انحرف عن الإسلام بفرضه مبدأ الملكية الوراثية ، وإثارته العصبيات الجاهلية ، وبعض أعمال بني أمية المنكرة ، كمحاولة معاوية نقل منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الشام ، وكمحاولة عبد الملك بن مروان تحويل المسلمين عن مكة إلى القدس.

ثم نرجع إلى معاوية لنفصّل في بعض هناته وموبقاته ؛ مثل توليته للأشرار ، وادّعائه زياد بن عبيد ، وقتله حجر بن عديّ ، وأمره بسبّ الإمام عليعليه‌السلام على منابر الإسلام. وننهي الفصل بأسوأ أعماله ومنكراته ، وهي سمّه للإمام الحسنعليه‌السلام ، ثم توليته يزيد اللعين خليفة على المسلمين. ودور مروان بن الحكم في مساندة هذا النظام الجائر ، لتهديم صرح الإسلام وإسقاط نظامه وعقائده.

٣٣٣ ـ ترجمة معاوية :

(التنبيه والإشراف للمسعودي ، ص ٢٦١)

هو معاوية بن أبي سفيان (صخر) بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف.

ولد بمكة قبل الهجرة بخمس عشرة سنة. وفي يوم فتح مكة كان عمره ٢٣ سنة ، وفي ذلك اليوم دخل في الإسلام مع من أسلم من أهل مكة ، قبل وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بثلاث سنين.

٣٢٨

قال المسعودي : بويع لمعاوية في شهر ربيع الأول سنة ٤١ ه‍. وتوفي بدمشق في رجب سنة ٦٠ ه‍ وله ثمانون سنة. ودفن بدمشق في الموضع المعروف بباب الصغير. وقيل : بل في الدار المعروفة بدمشق (بالخضراء) وهي إلى هذا الوقت في قبلة المسجد الجامع ، وفيها الشرطة والحبوس. وكان بها ينزل معاوية ومن ولي الأمر بعده من بني أمية. وأن الّذي في مقبرة باب الصغير هو قبر معاوية بن يزيد.وكانت خلافة معاوية تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر وأياما.

وقال اليافعي في (مرآة الجنان) ج ١ ص ١٣١ ط ١ : ولي معاوية الشام لعمر وعثمان عشرين سنة ، ثم ولي الملك بعد عليعليه‌السلام عشرين سنة أخرى ، فيكون المجموع أربعين سنة.

٣٣٤ ـ صفة معاوية :

(النجوم الزاهرة لابن تغري بردي ، ص ١٥٤)

قال الذهبي : وكان معاوية رجلا طويلا أبيض جميلا مهيلا (أي مخوفا لهيبته).إذا ضحك انقلبت شفته العليا. وكان يخضب بالصفرة.

وقال المسعودي في (التنبيه والإشراف) ص ٢٦١ :

وكان طويلا مسمّنا أبيض ، كبير العجيزة ، قصير الهامة ، جهم الوجه ، جاحظ العينين ، عريض الصدر ، وافر اللحية ، يخضب بالحناء والكتم.

وكان داهية ذا مكر ، وذا رأي وحزم في أمر دنياه. إذا رأى الفرصة لم يبق ولم يتوقف ، وإذا خاف الأمر دارى عنه ، وإذا خصم في مقال ناضل عنه ، وقطع الكلام على مناظره.

وكان صاحب أمره سرجون الرومي ، ومن كتّابه عبد الملك بن مروان.

وقال الشعبي : دهاة العرب أربعة : معاوية للأناة ، وعمرو بن العاص للمعضلات ، والمغيرة للبديهة ، وزياد ابن أبيه للصغير والكبير.

وتوفي عمرو بن العاص سنة ٤٣ ه‍ قبل معاوية ، وله تسعون سنة.

(انتهى كلام المسعودي).

٣٣٥ ـ قصة شريك بن الأعور ، ومعنى معاوية :

(أسرار البلاغة للشيخ البهائي ، ص ٤٨)

كان شريك بن الأعور من أصحاب الإمام عليعليه‌السلام في البصرة ، أصيبت عينه

٣٢٩

في صفين. دخل على معاوية وهو يختال في مشيته. وكان شجاعا مع دمامة (أي بشاعة الخلقة). فداعبه معاوية وقال : ويلك ، أنت شريك وما لله شريك ، وأبوك أعور والصحيح خير من الأعور ، وأنت دميم والوسيم خير من الدميم. فلم سوّدك قومك عليهم؟!.

فقال شريك : وأنت معاوية ، وما معاوية إلا كلبة عوت فاستعوت فسمّيت معاوية ، وأبوك صخر والسهل خير من الصخر ، وجدك حرب والسلم خير من الحرب ، وإنك ابن أميّة ، وما أمية إلا أمة صغّرت فسمّيت أميّة. فبم صرت أمير المؤمنين؟!.

فتبسم معاوية غيظا وقال : أقسمت عليك إلا خرجت عني. فخرج ولم يدخل بعدها إليه.

٣٣٦ ـ جواب سليط :

(تاريخ الخلفاء للسيوطي ، ص ١٩٩ ط مصر)

وأخرج ابن عساكر عن عبد الله بن عمير ، قال : قدم جارية بن قدامة السعدي على معاوية. فقال : من أنت؟. قال : جارية بن قدامة. قال : وما عسيت أن تكون ، هل أنت إلا نحلة؟!. قال : لا تقل ، فقد شبّهتني بها حامية اللسعة ، حلوة البصاق. والله ما معاوية إلا كلبة تعاوي الكلاب!. وما أميّة إلا تصغير أمة!.

٣٣٧ ـ خبر أروى بنت الحارث الهاشمية تعدد مثالب معاوية :

(تاريخ أبي الفداء ، ج ٢ ص ٠٠٠)

ومما يحكى عن حلم معاوية من تاريخ القاضي جمال الدين بن واصل ، أن أروى بنت الحارث بن عبد المطلب بن هاشم ، دخلت على معاوية (وقد قدم المدينة) وهي عجوز كبيرة. فقال لها معاوية : مرحبا بك يا خالة ، كيف أنت؟. فقالت : بخير يابن أختي. لقد كفرت النعمة ، وأسأت لابن عمك الصحبة ، وتسمّيت بغير اسمك ، وأخذت غير حقك. وكنا أهل البيت أعظم الناس في هذا الدين البلاء ، حتّى قبض الله نبيّه ، مشكورا سعيه ، مرفوعا منزلته ، فوثبت علينا بعده تيم وعديّ وأمية ، فابتزّونا حقنا ، وولّيتم علينا ، فكنا فيكم بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون ، وكان علي بن أبي طالب (فيكم) بعد نبينا بمنزلة هرون من موسى (غايتنا الجنة وغايتكم النار).

٣٣٠

فقال لها عمرو بن العاص : كفيّ أيتها العجوز الضالة ، واقصري عن قولك مع ذهاب عقلك. فقالت : وأنت يابن الباغية تتكلم!. وأمك كانت أشهر بغيّ بمكة!.وأرخصهن أجرة!. وادّعاك خمسة من قريش ، فسئلت أمك عنهم ، فقالت : كلهم أتاني ، فانظروا أشبههم به فألحقوه به ، فغلب عليك شبه العاص بن وائل ، فألحقوك به.

(وفي المنتخب للطريحي ، ج ٢ ص ٧٩) : وقال مروان بن الحكم : كفّي أيتها العجوز واقصدي لما جئت له. فقالت : وأنت يابن الزرقاء تتكلم!. والله أنت ببشير مولى ابن كلدة أشبه منك بالحكم بن العاص ، وقد رأيت الحكم سبط الشعر مديد القامة ، وما بينكما قرابة إلا كقرابة الفرس الضامر من الأتان المقرف ، فأسأل عما أخبرتك به أمّك ، فإنها ستخبرك بذلك.

فقال لها معاوية : عفا الله عما سلف!.

٣٣٨ ـ أصل معاوية :

دخل عقيل يوما على معاوية ، فقال له معاوية : حدّثنا عما سبق ، فإنك نسّابة.فقال عقيل : أتعرف (حمامة)؟. قال : وما حمامة؟. فهرب عقيل من المجلس دون أن يجيبه فبعث معاوية وراءه ، ورجاه أن يبيّن له من حمامة؟. فقال : هل تعطيني الأمان؟. قال : أعطيتك. قال : إنها جدتك ، وكانت في الجاهلية تنصب راية للعرب ولغير العرب.

أما أم معاوية فهي هند بنت عتبة ، وقد كانت أيضا صاحبة راية في الجاهلية.ومما يؤكد ذلك أن النساء لما جئن بعد فتح مكة يعرضن إسلامهن على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المدينة ، شرط عليهن شروطا ، منها (ولا يزنين). فقالت هند : أوتزني الحرة يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ! فضحك عمر بن الخطاب وكان في المجلس. وذلك أنه كانت له معها حادثة ، هو والعباس ورجلان آخران.

أما (ميسون) أم يزيد ، فلما تزوج بها معاوية ، كان خادمه قد فضّها قبله بأسبوع ، وبعد حين ولدت له يزيد. وهي نصرانية من بني كلب.

وسوف نتكلم بالتفصيل في نسب مثلث الرجس (يزيد ـ ابن زياد ـ عمر بن سعد) في الجزء الثاني من الموسوعة ، مباشرة بعد فصل استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام ، انطلاقا من المبدأ القائل : لا يقتل الحسينعليه‌السلام إلا ابن زنا.

٣٣١

٣٣٩ ـ نساء معاوية :(الكامل لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٥٠)

فمنهن فاختة ابنة قرظة ، فولدت له عبد الرحمن ، فكنّي به.

ومنهن ميسون بنت بجدل بن أنيف الكلبية ، أم يزيد.

٣٤٠ ـ أولاد معاوية :

له من الذكور : عبد الرحمن ويزيد. ومن الإناث : هند ورملة وصفية وعائشة.

٣٤١ ـ بعض الأحاديث المأثورة في معاوية :

في (المنتخب) للطريحي ، ص ١٥ ط ٢ :

حكى عبد الله بن عمر قال : أتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو في مسجده ، فسمعته يقول لجلسائه : الآن يطلع عليكم رجل ، يموت على غير سنّتي. فما استتم كلامه ، إذ طلع معاوية وجلس معنا في المسجد. فقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخطب ، فأخذ معاوية بيد [أخيه] يزيد ، وخرج ولم يسمع الخطبة. فلما رآه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خارجا مع [أخيه] قال : «لعن الله القائد والمقود».

وفي (مجمع الزوائد) للهيثمي ، ج ٥ ص ٢٤١ :

روى ابن حجر : كما في (مجمع الزوائد) عن مسند أبي يعلى والبزاز ، وفي (الصواعق المحرقة) ص ١٣٢ عن مسند الروياني عن أبي الدرداء ، عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :«أول من يبدّل سنّتي رجل من بني أمية ، يقال له يزيد».

وفي (تاريخ الطبري) ، ج ١١ ص ٣٥٧ ـ حوادث سنة ٢٨٤ ه‍ ؛ وكتاب (صفين) لنصر بن مزاحم ، ص ٢٤٧ ط مصر ؛ و (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ١١٥ ط إيران ؛ أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى أبا سفيان على جمل وابنه يزيد يقوده ، ومعاوية يسوقه ، فقال : «لعن الله الراكب والقائد والسائق».

وفي (تهذيب التهذيب) لابن حجر ، ج ١ ص ٤٢٨ ؛ و (تاريخ الطبري) ج ١١ ص ٣٥٧ ؛ و (شرح النهج لابن أبي الحديد) ج ١ ص ٢٤٨ ؛ و (اللآلىء المصنوعة) للسيوطي ، ج ١ ص ٣٢٠ ؛ و (ميزان الاعتدال) للذهبي ، ج ١ ص ٢٦٨ ط مصر ؛ و (سير أعلام النبلاء) للذهبي ، ج ٣ ص ٩٩ ؛ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه».

وفي (اللهوف) ص ١٣ ؛ و (مثير الأحزان) لابن نما ، ص ١٠ : قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

٣٣٢

«الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان ، الطلقاء وأبناء الطلقاء ، فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه».

٣٤٢ ـ كيف توفي العلامة النّسائي شهيدا في دمشق :

النّسائي هو أبو عبد الرحمن أحمد بن علي بن شعيب ، أحد كبار المحدثين من العامة ، صاحب كتاب (الخصائص) ، وكتاب (السنن) أحد الصحاح الستة عند السنة.

قال الذهبي في (سير أعلام النبلاء) ج ١٤ ص ١٣٣ :

ولم يكن أحد في رأس الثلاثمائة أحفظ من النّسائي ، وهو أحذق بالحديث ورجاله من مسلم وأبي داود والترمذي.

وحين فارق مصر في آخر عمره وقدم إلى دمشق ، ألّف كتابا في فضائل الإمام عليعليه‌السلام سمّاه (خصائص أمير المؤمنين). وبعد أن ألفّه كان يحدّث في الجامع الأموي عن خصائص عليعليه‌السلام . فأنكر عليه قوم تأليفه لهذا الكتاب ، وعدم تأليفه في فضائل الصحابة والشيخين. فقال : دخلت دمشق سنة ٣٠٢ ه‍ والمنحرف بها عن عليعليه‌السلام كثير ، فصنّفت كتاب (الخصائص) ، رجوت أن يهديهم الله تعالى بهذا الكتاب.

ثم إنه صنّف بعد ذلك (فضائل الصحابة). فقيل له : ألا تخرّج فضائل معاوية؟.فقال : أي شيء أخرّج؟ حديث : «اللهم لا تشبع بطنه؟».

وفي (البداية والنهاية) لابن كثير ، ج ١١ ص ١٢٤ قال : ودخل إلى دمشق فسأله أهلها أن يحدّثهم بشيء من فضائل معاوية. فقال : أما يكفي معاوية أن يذهب (وفي رواية : أن يروح) رأسا برأس ، حتّى يروى له فضائل؟. فقاموا إليه (وهو يحدّث) فجعلوا يطعنون في خصيتيه حتّى أخرجوه من المسجد الجامع.

وفي (وفيات الأعيان) لابن خلكان ، ج ١ ص ٧٧ قال : فجعلوا يدفعون في خصيتيه وداسوه. ثم حمل إلى الرملة فمات بها سنة ٣٠٣ ه‍.

وقال ابن خلكان أيضا : لما داسوه بدمشق مات بسبب ذلك الدوس ، وهو مقتول. وكان عمره يقارب التسعينرحمه‌الله .

والنّسائي : منسوب إلى (نسا) وهو اسم بلدة بخراسان ، بينها وبين سرخس يومان ، وبينها وبين أبي ورد يوم. وتقع اليوم شمال مشهد في تركستان الروسية.

٣٣٣

(أقول) : فانظر أيها اللبيب إلى هذا العالم الأريب ، الّذي أدلى بالحق بعد أن أقرّ به ، وألفّ كتابا كاملا في فضائل الإمام عليعليه‌السلام سماه (خصائص أمير المؤمنين) ، ماذا كانت نهايته نتيجة التعصب الأعمى والجهل المقيت. وليس له ذنب سوى أنه لم يحفظ إلا حديثا واحدا عن معاوية ، وهو : «لا أشبع الله هذه البطن يا معاوية». وذلك أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان كلما طلب معاوية ، يقولون له : إنه يأكل!.

٣٤٣ ـ الإمام عليعليه‌السلام يتنبأ بأعمال معاوية :

(نهج البلاغة ، الخطبة ٥٦)

قال الإمام عليعليه‌السلام في (نهج البلاغة) يصف معاوية :

«أما إنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم ، مندحق البطن. يأكل ما يجد ، ويطلب ما لا يجد ، فاقتلوه ولن تقتلوه. ألا وإنه سيأمركم بسبّي والبراءة مني. فأما السبّ فسبّوني ؛ فإنه لي زكاة ولكم نجاة ، وأما البراءة فلا تتبرؤوا مني ؛ فإني ولدت على الفطرة ، وسبقت إلى الإيمان والهجرة».

شرح : مندحق البطن : أي بارز البطن. سيظهر عليكم : أي سيغلبكم.

٣٤٤ ـ بطنة معاوية :

ويظن البعض أن الإمام علياعليه‌السلام عنى بهذا الوصف : زياد ابن أبيه ، أو الحجاج ، أو المغيرة بن شعبة.

والأقوى أنه عنى به معاوية. لأن معاوية كان موصوفا بالنهم وكثرة الأكل ، وكان بطينا ، يقعد بطنه إذا جلس على فخذيه.

وكان معاوية يأكل فيكثر ، ثم يقول : ارفعوا الطعام ، فو الله ما شبعت ولكن مللت وتعبت. وكثير من الأكلات الشامية منسوبة إليه.

وقد تظاهرت الأخبار كما قرأت على أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا على معاوية لما بعث إليه يطلبه فوجده يأكل ، ثم بعث ثانية فوجده يأكل ، وكلما بعث إليه قالوا : إنه يأكل ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اللهم لا تشبع بطنه».

وفي ذلك قال الشاعر :

وصاحب لي ، بطنه كالهاويه

كأن في أحشائه معاويه

٣٣٤

سبّ معاوية للإمام عليعليه‌السلام

٣٤٥ ـ سبّ الإمام عليعليه‌السلام :

وأما عن السبّ ، فإن معاوية أمر الناس بالعراق والشام وغيرهما ، بسبّ عليعليه‌السلام والبراءة منه ، وهو يعلم أنه من الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا. وخطب بذلك على منابر الإسلام. وصار ذلك سنّة في أيام بني أمية ، إلى أن قام عمر بن عبد العزيز فأبطل ذلك ، كما سترى.

٣٤٦ ـ معاوية يأمر الناس بسبب عليعليه‌السلام :

(وقعة كربلاء للشيخ الركابي ، ص ٣٠ ؛ وكتاب سليم بن قيس ، ص ٢٠٢)

كان معاوية يركزّ في سياسته على سبّ الإمام عليعليه‌السلام . فقد كتب نسخة واحدة بعد صلحه مع الحسنعليه‌السلام إلى كافة عماله : أن برئت الذمّة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته. فقامت الخطباء في كل كورة وعليكل منبر ، يلعنون عليا ويبرؤون منه ، ويقعون فيه وفي أهل بيته.

وحين سئل مروان بن الحكم : لماذا سبّ عليا وشتمه؟ قال : لا يستقيم لنا أمر إلا بذلك!. وكان لا يدع سبّ عليعليه‌السلام على المنبر كل جمعة.

٣٤٧ ـ الذين يسبّون علياعليه‌السلام هم أهل النار :

(المجالس السنيّة للسيد الأمين ، ج ٣ ص ١١٩)

عن ابن عباس رضي الله عنه قال : أشهد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لسمعته يقول : «من سبّ عليا فقد سبّني ، ومن سبّني فقد سبّ الله ، ومن سبّ الله أكبّه الله على منخره في نار جهنم».

٣٤٨ ـ لماذا رفع عمر بن عبد العزيز مسبّة الإمام عليعليه‌السلام ؟ :

عن عمر بن عبد العزيز قال : كنت غلاما أقرأ القرآن على بعض ولد عتبة بن مسعود ، فمرّ بي يوما وأنا ألعب مع الصبيان ، ونحن نلعن علياعليه‌السلام . فكره ذلك ، ودخل المسجد. فتركت الصبيان ، وجئت إليه لأدرس عليه وردي. فلما رآني قام فصلى ، وأطال في الصلاة شبه المعرض عني ، حتّى أحسست منه ذلك.

فلما انفتل من صلاته كلح في وجهي ، فقلت له : ما بال الشيخ؟. قال لي : يا بني أنت اللاعن علياعليه‌السلام ؟ قلت : نعم.

٣٣٥

قال : فمتى علمت أن الله سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم؟. فقلت :يا أبت ، وهل كان عليّ من أهل بدر؟.

فقال : ويحك ، وهل كانت بدر كلها إلا له؟.

فقلت : لا أعود. فقال : إنك لا تعود؟ قلت : نعم. فلم ألعنه بعدها.

٣٤٩ ـ عمر بن عبد العزيز وأبوه :

(شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج ٤ ص ٥٨)

قال عمر بن عبد العزيز : ثم كنت أحضر تحت منبر المدينة وأبي يخطب يوم الجمعة ، وهو يومئذ أمير المدينة. فكنت أسمع أبي يمرّ في خطبته تهدر شقاشقه ، حتّى يأتي إلى لعن عليعليه‌السلام فيجمجم ، ويعرض له من الفهاهة والحصر ما الله عالم به. فكنت أعجب من ذلك.

فقلت له يوما : يا أبت أنت أفصح الناس وأخطبهم ، فما بالي أراك أفصح خطيب يوم حفلك ، حتّى إذا مررت بلعن هذا الرجل صرت ألكن عييّا؟. فقال : يا بني ، إن من ترى تحت منبرنا من أهل الشام وغيرهم ، لو علموا من فضل هذا الرجل ما يعلمه أبوك ، لم يتبعنا منهم أحد. فوقرت كلمته في صدري ، مع ما قاله لي معلمي أيام صغري. فأعطيت الله عهدا ، لئن كان لي في هذا الأمر نصيب لأغيّرنه. فلما منّ الله عليّ بالخلافة أسقطت ذلك ، وجعلت مكانه :( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (٩٠) [النحل :٩٠]. وكتب به إلى الآفاق فصار سنّة. وفي ذلك قال الشريف الرضي مادحا عمر :

يابن عبد العزيز لو بكت العي

ن فتى من أميّة لبكيتك

غير أني أقول إنك قد طب

ت وإن لم يطب ولم يزك بيتك

أنت نزّهتنا عن السبّ والقذ

ف ، فلو أمكن الجزاء جزيتك

ولو اني رأيت قبرك لاستح

ييت من أن أرى وما حيّيتك

وقليل أن لو بذلت دماء ال

بدن صرفا على الذرى وسقيتك

٣٥٠ ـ عمر بن عبد العزيز يمنع مسبة الإمام عليعليه‌السلام :

(الإمام الحسين يوم عاشوراء ، طبع مؤسسة البلاغ ، ص ٤٣)

وكان عمر بن عبد العزيز في نهاية النسك والتواضع ، فترك لعن عليعليه‌السلام على المنابر ، وجعل مكانه.

٣٣٦

وقيل : بل جعل مكان ذلك :( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (٩٠) [النحل : ٩٠].وقيل : بل جعلهما جميعا.

٣٥١ ـ الإمام عليعليه‌السلام يأمر أتباعه بعدم سبّ أهل الشام :

(الدرجات الرفيعة للسيد علي خان ، ص ٤٢٤)

روى نصر بن مزاحم بإسناده عن عبد الله بن شريك ، قال : خرج حجر بن عدي وعمرو بن الحمق [في صفين] ، يظهران البراءة واللعن لأهل الشام. فأرسل إليهما الإمام عليعليه‌السلام أن كفّا عما يبلغني عنكما. فأتياه فقالا : يا أمير المؤمنين ، ألسنا محقّين؟. قال : بلى. قالا : أوليسوا مبطلين؟. قال : بلى. قالا : فلم منعتنا من شتمهم؟. قال : كرهت لكم أن تكونوا لعّانين شتّامين ، تشهدون وتبرون ، ولكن لو وصفتم مساوئ أعمالهم فقلتم : من سيرتهم كذا وكذا ، كان أصوب في القول ، وأبلغ في العذر. وقلتم مكان لعنكم إياهم وبراءتكم منهم : الله م احقن دماءنا ودماءهم ، وأصلح ذات بيننا وبينهم ، واهدهم من ضلالتهم ، حتّى يعرف الحقّ منهم من جهله ، ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به ؛ كان هذا أحبّ إليّ وخيرا لكم.

فقالا : يا أمير المؤمنين ، نقبل موعظتك ونتأدب بأدبك.

٣٥٢ ـ ماذا يمثّل معاوية؟ :

(وقعة كربلاء للشيخ الركابي ، ص ١٦)

يعلّق أحد المستشرقين قائلا : إن معاوية يمثّل الروح الفاشستية الاستبدادية ، التي لا تؤمن بحق ولا تدفع عن أمة ، وإنما هدفها الرئيسي مصلحتها الذاتية.

ثم يقول المستشرق : إن معاوية إنسان طاغية معتد مفضوح ، صاحب مذابح ومجازر. كان من أخطر أعداء الدولة الإسلامية ، وكان عامل فناء لكيانها وحضارتها.

الحكم الأموي وسماته

٣٥٣ ـ حكم معاوية من الملك العضوض :

يروي المسلمون بالإجماع قول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثم

٣٣٧

تكون ملكا عضوضا». وهذا الزمن يوافق آخر سنة من حياة الإمام الحسنعليه‌السلام ، مما يدل على أن الملك العضوض (أي الظالم الفاسد) يشمل حكم معاوية ومن بعده ، فهي حكومات غير شرعية.

٣٥٤ ـ الملك العضوض :

(أخبار الدول للقرماني ، ص ١٠٦)

قال القرماني : وكانت خلافة الحسنعليه‌السلام ستة أشهر ، وهي تكملة ما ذكره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مدة الخلافة ، ثم تكون ملكا عضوضا ، ثم يكون جبروتا وفسادا في الأرض ، فكان كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٣٥٥ ـ الخلافة بعدي ثلاثون سنة :

(تاريخ أبي الفداء ، ج ٢ ص ٩٦)

توفي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سنة ١١ ه‍ ، وانتهت خلافة الحسنعليه‌السلام سنة ٤١ ه‍ ، فيكون الفرق ثلاثين سنة.

وروى سفينة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثم تكون ملكا عضوضا». وكان آخر الثلاثين يوم خلع الحسنعليه‌السلام نفسه من الخلافة ، وتصالح مع معاوية.

٣٥٦ ـ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتنبأ بحكم بني أمية :

(المصدر السابق ، ص ٩٧)

خلفاء بني أمية أربعة عشر خليفة ، وكانت مدة ملكهم نيّفا وتسعين [الأصح نيّفا وثمانين] سنة ، وهي ألف شهر تقريبا.

قال ابن الأثير في تاريخه : إنه لما سار الحسنعليه‌السلام من الكوفة ، عرض له رجل فقال : يا مسوّد وجوه المؤمنين!. فقالعليه‌السلام : لا تعذلني ، فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أري في منامه أن بني أمية ينزون على منبره رجلا فرجلا ، فساءه ذلك ، فأنزل الله تعالى :( إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) (١) [الكوثر : ١]و( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١)وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢)لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) (٣) [القدر : ١ ـ ٣].

(أقول) : يواسيه سبحانه بإعطائه الكوثر وليلة القدر ، التي هي خير من ألف شهر ، أي من ملك بني أمية الّذي مدته ألف شهر.

٣٣٨

٣٥٧ ـ خلافة بني أمية ألف شهر :

(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٦ ص ٢٧٥)

قال يعقوب بن سفيان عن أبي هريرة ، أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : رأيت في المنام بني الحكم (أو بني أبي العاص) ينزون (أي يثبون) على منبري كما تنزو القردة. قال : فما رآني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستجمعا ضاحكا حتّى توفي.

وقال النوري عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب ، قال : رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بني أمية على منابرهم ، فساءه ذلك. فأوحي إليه : إنما هي دنيا أعطوها ، فقرّ به عينه ، وهي قوله تعالى( وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ ) (٦٠) [الإسراء : ٦٠].

وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا القاسم بن الفضل ، حدثنا يوسف بن مازن الراسبي قال : قام رجل إلى الحسن بن عليعليه‌السلام بعدما بايع معاوية ، فقال : يا مسوّد وجوه المؤمنين. فقال الحسنعليه‌السلام : لا تؤنّبني رحمك الله ، فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى بني أمية يخطبون على منبره رجلا رجلا ، فساءه ذلك ، فنزلت الآية :( إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) (١) [الكوثر : ١] يعني نهرا في الجنة ، ونزلت الآية :( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١)وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢)لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) (٣) [القدر : ١ ـ ٣] يملكه بنو أمية.

قال القاسم بن القاسم بن فضل : فحسبنا ذلك ، فإذا هو ألف شهر لا يزيد يوما ولا ينقص يوما.

٣٥٨ ـ ملوك بني أمية ومدة حكم كل واحد منهم :

(مروج الذهب للمسعودي ، ج ٣ ص ٢٤٩ ؛ والمنتخب لفخر الدين الطريحي ، ص ٣٩٨)

نقل أنه كانت الدولة لبني أمية ألف شهر ، وكانوا لا يزالون يأمرون الخطباء بسبّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام على رؤوس المنابر.

فأول من تأمّر منهم معاوية ، ومدة خلافته عشرون سنة.

ثم تخلّف من بعده ولده يزيد ، ثلاث سنين وثمانية أشهر وأربعة عشر يوما.

ثم تخلّف من بعده معاوية بن يزيد ، شهرا واحدا وأحد عشر يوما. وترك الخلافة خوفا من عذاب الله ، واعترف بظلم آبائه ، وعرّف الناس ذلك وهو قائم على المنبر.حتّى أن أمه لامته على ذلك ، فقالت له : ليتك كنت حيضة ولم تكن بشرا ، أتعزل

٣٣٩

نفسك من منصب آبائك؟. فقال لها : يا أماه ، وأنا وددت أن أكون حيضة ولا أطأ موطئا لست له بأهل ، ولا ألقى اللهعزوجل بظلم آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ثم تخلّف من بعده مروان بن الحكم ، ثمانية أشهر وعشرة أيام ومات.

ثم تخلّف من بعده عبد الملك بن مروان ، إحدى وعشرين سنة وشهرا وعشرين يوما.

ثم تخلّف من بعده الوليد بن عبد الملك ، تسع سنين وثمانية أشهر ويوما.

ثم تخلّف من بعده سليمان بن عبد الملك ، سنتين وستة شهور و ١٥ يوما.

ثم تخلّف من بعده عمر بن عبد العزيز ، سنتين وخمسة أشهر وخمسة أيام.

ثم تخلّف من بعده يزيد بن عبد الملك ، أربع سنين و ١٣ يوما.

ثم تخلّف هشام بن عبد الملك ، تسعة عشر سنة وتسعة شهور وتسعة أيام.

ثم تخلّف الوليد بن يزيد ، سنة وثلاثة شهور ، وهو الّذي مزّق القرآن.

ثم تخلّف يزيد بن الوليد ، شهرين وعشرة أيام.

ثم تخلف مروان بن محمّد بن مروان ، خمس سنين وشهرين وعشرة أيام.

ويضاف إلى ذلك الثمانية أشهر التي كان مروان يقاتل فيها بني العباس إلى أن قتل ، فيصير ملكهم جميعا إحدى وتسعين سنة وسبعة (أو تسعة) أشهر وثلاثة عشر يوما.

يطرح من ذلك أيام الإمام الحسنعليه‌السلام وهي خمسة أشهر وعشرة أيام ، وتوضع أيام عبد الله بن الزبير إلى الوقت الّذي قتل فيه ، وهي سبع سنين وعشرة أشهر وثلاثة أيام ، فيصير الباقي بعد ذلك ثلاثا وثمانين سنة وأربعة أشهر ، ويكون ذلك ألف شهر.

وقد ذكر قوم أن تأويل قولهعزوجل :( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) (٣) [القدر: ٣].

ما ذكرناه من أيامهم.

وقد روي عن ابن عباس أنه قال : والله ليملكن بنو العباس ضعف ما ملكته بنو أمية: باليوم يومين ، وبالشهر شهرين ، وبالسنة سنتين ، وبالخليفة خليفتين.

٣٥٩ ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام بمصير بني أمية :

(ينابيع المودة ، ج ٣ ص ٤)

قال الإمام عليعليه‌السلام من خطبة له : «ألا إن لكل دم ثائرا ، ولكل حقّ طالبا.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735