موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 8%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 452245 / تحميل: 5265
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

ولـمـّا أخبر النبي عن نزول الوحي وتلا الآيتين إرتفعت أصواتهم بقولهم: اتنهينا، اتنهينا.

وكلّ هذا يعرف عن رسوخ هذه العادة الشنيعة وهذا العمل القبيح في المجتمع العربي آنذاك إلى درجة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يستطع ـ تحت ضغط الظروف ـ أن يقطع مادة الفساد منذ هبوطه أرض المدينة دفعة واحدة، بل تدرّج في تحقيق التحريم، وترسيخه في أذهانهم ونفوسهم.

رووا أصحاب السنن والمسانيد أنّه لـمّا نزل تحريم الخمر قال عمر: أللّهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت الآية التي في البقرة:( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ ) قال فدعي عمر فقرئت عليه فقال: أللّهم بيِّن لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت الآية التي في سورة النساء:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ ) فكان منادي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا اُقيمت الصّلاة ينادي ألّا يقربنّ الصلاة سكران، فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: أللّهم بيّن لنا بياناً شافياً، فنزلت:( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ) .

قال عمر: اتنهينا، اتنهينا(١) .

ويظهر ممّا رواه ابن هشام عن بعض أهل العلم: انّ نهي الرسول عن الخمر كان مشهوراً عندما كان مقيماً بمكّة بين ظهراني قريش، وخرج الأعشى إلى رسول الله يريد الإسلام ومعه قصيدته المعروفة في مدح النبي التي مستهلّها:

الم تغتمض عينك ليلة أرمدا

وبتّ كما بات السليم مسهّدا

وما ذاك من عشق النساء وإنّما

تناسيت قبل اليوم صحبة مهددا

__________________

(١) سنن أبي داود: ج ٢ ص ١٢٨، مسند أحمد: ج ١ ص ١٥٣، سنن النسائي: ج ٨ ص ١٨٧، مستدرك الحاكم: ج ٢ ص ٢٧٨، إلى غير ذلك من المصادر.

٤١

إلى أن قال:

فإيّاك والميتات لاتقربنها

لا تأخذن سهماً حديداً لتفصدا

و لاتقربنَّ حرّة كان سرها

عليك حراماً فانكحن أو تأبّدا(١)

فلمّا كان بمكّة أو قريباً منها إعترضه بعض المشركين من قريش فسأله عن أمره فأخبره أنّه يريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للسلم فقال له: يا أبا بصير إنّه حرّم الزنا، فقال الأعشى: والله إنّ ذلك لأمر ما لي فيه من ارب، فقال له يا أبا بصير:

فإنّه يحرّم الخمر، فقال الأعشى:

أمّا هذه فو الله إنّ في النفس منها لعُلالات، ولكنّي منصرف فأتروّى منها عامي هذا، ثم آتيه فاُسلم، فانصرف فمات في عامه هذا، ولم يعد إلى رسول الله(٢) .

وببالي أنّه جاء في بعض المصادر أنّه قيل له: إنّه يحرّم الأطيبين والمراد بهما الخمر والزنا، وقد عرفت أنّه مع ما رأى من نور النبوّة ودخل عليه من بصيص الإيمان لم يتحمّل ترك الخمر، فعاد ليتروّى منها، ليعود بعد عام إلى المدينة، ولكن وافاه الأجل قبل أن يسلم.

وهذا مَثل آخر يعرب عن ترسّخ هذه العادة القبيحة في ذلك المجتمع.

٨ ـ وأد البنات

أوّل من لطّخ يده بدم البنات البريئات هم العرب الجاهليّون، فقد كانوا يئدون بناتهم لأعذار مختلفة واهية، فتارة يتذرّعون بخشية الإملاق، والاُخرى يتجنّون بحجّة

__________________

(١) الأرمد: الذي يشتكي عينيه من الرمد، والسليم: الملدوغ، والمسهّد: الذي منع من النوم، والمهدد ـ على وزن معلل ـ: اسم امرأة، وتأبّد: أي تعزّب وابتعد عن النساء.

(٢) السيرة النبوية: ج ١ ص ٣٨٦.

٤٢

الاجتناب عن العار، وقد حكى سبحانه عقيدة العرب في بناتهم ووأدهنّ في آيات نذكر ما يلي:

( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ *يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ) ( النحل / ٥٨ و ٥٩ ).

والآية تصوّر احساس القوم وإنفعالهم عندما كان أحدهم يبشّر بولادة أُنثى له، فكان يتجهّم وجهه ويتغيّر إلى السواد، ويظهر فيه أثر الحزن والكراهة، والقوم يكرهون الاُنثى مع أنّهم جعلوها لله سبحانه(١) ، ثمّ لم يزل الحزن يتزايد فيمتلئ الشخص غيظاً، وعند ذلك يستخفي من القوم الذي يستخبرونه عمّا ولد له، إستنكافاً منه، وخجلاً ممّا بشّر به من الاُنثى، ثمّ هو ينكر في أمر البنت المولودة له أيحفظها على ذل وهوان، أم يخفيها في التراب، ويدفنها حيّة وهذا هو الوأد( أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ) أي في قتل البنات البريئات المظلومات.

ثمّ إنّه سبحانه يحارب بشدّة هذا العمل الإجرامي في بعض الآيات ويقول:

( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ) ( الإسراء / ٣١ ).

فالله سبحانه هو المتكفّل برزقهم ورزق أولادهم وقتلهم خطأ عظيم عند الله.

وقال سبحانه:( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُم مِّنْ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ) ( الأنعام / ١٥١ )

ويؤكّد القرآن على تحريم قتل هذه البنات المظلومات بأنّ المؤودة سيسأل منها يوم القيامة، قال سبحانه:( وَإِذَا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ ) ( التكوير / ٨ ).

__________________

(١) إشارة إلى قوله سبحانه:( أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَىٰ *تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ ) ( النجم / ٢١ و ٢٢ ).

٤٣

وقد ذكر أصحاب السير بعض الدوافع التي دفعت العرب إلى اتّخاذ مثل هذا الموقف الظالم بشأن تلك البريئات لا يسع المجال لنقلها، ولكن يظهر ممّا نقله صعصعة بن ناجية ـ جد الفرزدق ـ: أنّ ذلك العمل الإجرامي كان شائعاً ورائجاً في غير واحدة من القبائل آنذاك، وإليك البيان:

إنّ صعصعة بن ناجية بن عقال كان يفدّي المؤودة من القتل، ولـمـّا أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: يا رسول الله إنّي كنت أعمل عملاً في الجاهلية، أفينبغي ذلك اليوم ؟ قال: وما عملك ؟ فقال: إنّه حضر ولادة امرأة من العرب بنتاً، فأراد أبوها أن يئدها، قال فقلت له: أتبيعها ؟ قال: وهل تبيع العرب أولادها ؟ قال: قلت إنّما أشتري حياتها ولا أشتري رقّها، فاشتريتها منه بناقتين عشراوين وجمل، وقد صارت لي سُنَّة في العرب على أن أشتري ما يئدونه بذلك فعندي إلى هذه الغاية ثمانون ومائتا مؤودة وقد أنقذتها.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لك أجره إذ منّ الله عليك بالإسلام(١) .

وقد ذكر الفرزدق إحياء جدّه للمؤودات في كثير من شعره كما قال:

ومنّا الذي منع الوائدات

وأحيى الوئيد فلم يؤدد(٢)

ويعرب عن شيوع هذه العادة الوحشيّة والمروّعة قوله سبحانه:

( وَكَذَٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ المُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ) ( الأنعام / ١٣٧ ).

وكذا قوله:( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِرَاءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ) ( الأنعام / ١٤٠ ).

__________________

(١) بلوغ الارب: ج ٣ ص ٤٤.

(٢) المصدر نفسه.

٤٤

٩ ـ أكل الخبائث من الدماء والحشرات

كانت العرب تأكل لحوم الأنعام وغيرها من الحيوانات كالفأر والضب الوزغ، وتأكل من الأنعام ما قتلته بذبح ونحوه، وتأكل الميتة بجميع أقسامها أعني المنخنقة، والموقوذة، والمتردّية والنطيحة، وما أكل السبع، وكانوا يملؤون الأمعاء من الدم ويشوونه ويطعمونه الضيف، وكانوا إذا أجدبوا جرحوا إبلهم بالنصال وشربوا ما يسيل منها من الدماء.

هذا ورغم أنّه مضى على ظهور التشريع الإسلامي إلى الآن أربعة عشر قرناً كثيراً من الاُمم غير المسلمة تأكل أصناف الحيوانات حتّى الكلب والهر، بل والديدان والأصداف، وقد اتّخذ الإسلام بين هذا وذاك طريقاً وسطاً، فأباح من اللحوم ما تستطيبه الطباع المعتدلة من بني الإنسان، فحلّل من البهائم الضأن والمعز والبقر والإبل، وكرّه أكل لحوم الفرس والحمار، وحلّل من الطيور غير ذات الجوارح ممّا له حوصلة ودفيف ولا مخلب له، كما حلّل من لحوم البحر بعض أنواع السمك، واشترط في كل واحد من هذه اللحوم نوعاً من التذكية.

والإمعان في الآية التالية يقودنا إلى أنّ العرب كانت تفقد نظام التغذية، أو كانت تتغذّى من كلّ ما وقعت عليه يدها من اللحوم، كما أنّها كانت تفقد الطريقة الصحيحة لذبح الحيوان، فكانوا يقتلونه بالتعذيب بدل ذبحه، وإليه يشير قوله سبحانه:

( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالمُنْخَنِقَةُ وَالمَوْقُوذَةُ وَالمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إلّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ) ( المائدة / ٣ ).

فقد كانوا ينتفعون من الميتة والدم ولحم الخنزير والمذبوح باسم الأصنام والأوثان.

كما كانوا يستفيدون من « المنخنقة » وهي التي تدخل رأسها بين شعبتين من

٤٥

شجرة فتختنق فتموت أو تخنق بحبل الصائد، « والموقوذة » وهي التي تضرب حتّى تموت، « والمترديّة » وهي التي تقع من جبل أو مكان عال أو تقع في بئر، « والنطيحة » وهي التي ينطحها غيرها فتموت.

١٠ ـ التقسيم بالأزلام

كان التقسيم بالأزلام ميسراً رائجاً بينهم، وكان لهذا العمل صبغة الدين، وقد اختلفوا في تفسيره على قولين:

١ ـ قالوا: المراد طلب قسم الأرزاق بالقداح التي كانوا يتفائلون بها في أسفارهم، وابتداء أُمورهم، وهي سهام كانت في الجاهليّة مكتوب على بعضها: « أمرني ربّي »، وعلى بعضها « نهاني ربّي »، وبعضها غفل لم يكتب عليه شيء، فإذا أرادوا سفراً أو أمراً يهتمّون به، ضربوا على تلك القداح، فإن خرج السهم الذي عليه « أمرني ربّي »، مضى الرجل في حاجته، وإن خرج الذي عليه « نهاني ربّي » لم يمض، وإن خرج الذي ليس عليه شيء أعاد.

٢ ـ روى علي بن إبراهيم في تفسيره عن الصادقين كيفيّة التقسيم بالأزلام بشكل آخر، فقال:

إنّ الأزلام عشرة، سبعة لها انصباء وثلاثة لا انصباء لها، فالتي لها انصباء: الفذ، التوأم، المسبل، النافس، الحلس، الرقيب، المعلى. فالفذ له سهم، والتوأم له سهمان، والمسبل له ثلاثة أسهم، والنافس له أربعة أسهم، والحلس له خمسة أسهم، والرقيب له ستّة أسهم، والمعلى له سبعة أسهم.

والتي لا انصباء لها: السفيح والمنيح والوغد.

وكانوا يعمدون إلى الجزور فيجزّئونه أجزاء، ثمّ يجتمعون عليه فيخرجون السهام، ويدفعونه إلى رجل، وثمن الجزور على من تخرج له « التي لا انصباء لها »

٤٦

وهو القمار، فحرّمه الله تعالى(١) .

والتفسير الثاني أنسب لكون البحث في الآية عن اللحوم المحرّمة.

١١ ـ النسيء في الأشهر الحرم

لقد شاع في الألسن أنّ العرب لـمّا كانوا أصحاب غارات وحروب وكان استمرار الحروب والغارات مانعاً عن إدارة شؤون المعاش، عمدوا إلى تحريم القتال والحرب في الأشهر الأربعة المعروفة بالأشهر الحرم أعني: « رجب وذي القعدة وذي الحجة ومحرّم ».

والظاهر من بعض الآيات أنّ التحريم هذا كان مستنداً إلى تشريع سماوي، كما هو المستفاد من قول الله تعالى:

( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ) ( التوبة / ٣٦ ).

فإنّ قوله( ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ) إشارة إلى أنّه جزء من الدّين القيّم لا من طقوس العرب الجاهلي، ولعلّه كان سنّة من سنن النبي إبراهيم ورثتها عنه العرب.

وعلى كلّ تقدير فقد كان العرب يتدخّلون في هذا التشريع الإلهي فيؤخّرون الحرمة من الشهر الحرام إلى بعض الأشهر غير المحرّمة.

وبعبارة اُخرى كانوا يؤخّرون الحرمة، ولا يبطلونها برفعها من أساسها واصلها حفاظاً على السنّة الموروثة عن أسلافهم عن النبي إبراهيمعليه‌السلام .

فمثلاً كانوا يؤخّرون تحريم محرّم إلى صفر، فيحرّمون الحرب في صفر

__________________

(١) مجمع البيان: ج ٢ ص ١٥٨ وما أشبه التقسيم بالأزلام بالعمل المعروف في عصرنا ب‍ « اليانصيب الوطني ».

٤٧

ويستحلّونها في محرّم فيمكثون على ذلك زماناً ثمّ يزول التحريم عن صفر ويعود إلى محرّم، وهذا هو المعنى بالنسيء ( أي التأخير ).

وكان الدافع وراء هذا النسيء هو انّهم أصحاب حروب وغارات، فكان يشقّ عليهم أن يمتنعوا عن القتال ثلاثة أشهر متوالية وهي: ذو القعدة وذو الحجة ومحرّم، ولا يغزون فيها، ولهذا كانوا يؤخّرون تحريم الحرب في محرّم إلى شهر صفر، قال سبحانه:

( إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) ( التوبة / ٣٧ ).

روى أهل السير أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال في خطبة حجّة الوداع:

« ألا وانّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ثلاثة متواليات، ذو القعدة وذو الحجّة ومحرّم ورجب مضربين جمادى وشعبان »(١) .

والحديث يعرب عن شكل آخر للنسيء غير ما ذكرناه فإنّ ما ذكرناه كان مختصاً بتأخير حكم الحرب من محرّم إلى صفر، ولكن النسيء المستفاد من الحديث على وجه آخر وهو أنّ المشركين كانوا يحجّون في كل شهر عامين فحجّوا في ذي الحجة عامين، وحجّوا في محرّم عامين، ثمّ حجوا في صفر عامين، وكذا في بقيّة الشهور اللاحقة حتّى إذا وافقت الحجّ التي قبل حجّة الوداع في ذي القعدة ثمّ حجّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في العام القادم حجّة الوداع، فوافقت في ذي الحجة، فعند ذلك قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ألا إنّ الزمان قد استدار كهيئته ».

__________________

(١) مجمع البيان: ج ٣ ص ٢٢.

٤٨

١٢ ـ الربا ذلك الاستغلال الجائر

كان العرب الجاهليّون يرون البيع والربا متماثلين، ويقولون: « إنّما البيع مثل الربا » فيضفون الشرعيّة على الربا كإضفائها على البيع، ولكن شتّان ما بين البيع والربا، فإنّ الثاني ينشر القسوة والخسارة، ويورث البغض والعداوة، ويفسد الأمن والاستقرار، ويهيء النفوس للانتقام بأية وسيلة ممكنة ويدعو إلى الفرقة والاختلاف سواء كان الربا مأخوذاً من قبل الفرد أو مأخوذ من جانب الدولة.

وفي الثاني من المفاسد ما لا يخفى إذ أدنى ما يترتّب عليه تكديس الثروة العامّة، وتراكمها في جانب، وتفشّي الفقر والحرمان في الجانب الآخر، وظهور الهوّة السحيقة بين المعسرين والموسيرين بما لا يسدّه شيء.

ولسنا هنا بصدد بيان هذه المفاسد والمساوئ، لكن الهدف هو الإشارة إلى أنّ الربا كان من دعائم الاقتصاد الجاهلي، والقرآن نزل يوبّخ العرب على ذلك بوجه لا مثيل له، ويقول سبحانه:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ *فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) ( البقرة / ٢٧٨ و ٢٧٩ ).

ويقول سبحانه:( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إلّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ) ( البقرة / ٢٧٥ ).

والآية تشبّه آكل الربا بالممسوس المجنون، فكما أنّه لأجل اختلال قوّته المميّزة لا يفرّق بين الحسن والقبح، والنافع والضار، والخير والشر، فهكذا حال المرابي عند أخذ الربا، فلأجل ذلك عاد لا يفرّق بين الربا والبيع، ويقول:( إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ) مع أنّ الذي تدعو إليه الفطرة وتقوم عليه الحياة الإجتماعية للإنسان، هو أن يعامل بمعاوضة ما عنده من المال الذي يستغني عنه، بما عند غيره من المال الذي يحتاج إليه.

٤٩

وأمّا إعطاء المال وأخذ ما يماثله بعينه، مع زيادة فهذا شيء يخالف قضاء الفطرة وأساس المعيشة، فإنّ ذلك يؤدِّي من جانب المرابي إلى إختلاس مال المدين، وتجمّعه عند المرابي وهذا المال لا يزال ينمو ويزيد، ولا ينمو إلّا من مال الغير، فهو في الانتقاص والانفصال من جانب، وفي الزيادة والانضمام من جانب آخر، ونتيجة ذلك هو ظهور الاختلاف الطبقي الهائل الذي يؤول إلى انقسام المجتمع إلى طبقتين: طبقة ثريّة تملك كل شيء، وطبقة فقيرة تفقد كل شيء، والأُولى تعاني من البطنة، والثانية تتضرر من السغب.

خاتمة المطاف

ونختم البحث بما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره من أنّه قدم أسعد بن زرارة وذكوان بن عبد قيس ـ وهما من الخزرج ـ وكان بين الأوس والخزرج حرب قد بغوا فيها دهوراً طويلة، وكانوا لا يضعون السلاح لا بالليل ولا بالنهار، وكان آخر حرب بينهم يوم بعاث، وكانت الأوس على الخزرج، فخرج أسعد بن زرارة وذكوان إلى مكّة في عمرة رجب يسألون الحلف على الأوس، وكان أسعد بن زرارة صديقاً لعُتبة بن ربيعة، فنزل عليه فقال له: إنّه كان بيننا وبين قومنا حرب وقد جئناكم نطلب الحلف عليهم. فقال عتبة: بعدت دارنا عن داركم ولنا شغل لا نتفرّغ لشيء.

قال: وما شغلكم وأنتم في حرمكم وأمنكم ؟

قال له عتبة: خرج فينا رجل يدّعي أنّه « رسول الله » سفَّه أحلامَنا وسبَّ آلهتنا، وأفسد شبابنا، وفرّق جماعتنا.

فقال له أسعد: من هو منكم ؟

قال: ابن عبد الله بن عبد المطلب من أوسطنا شرفاً وأعظمنا بيتاً.

وكان أسعد وذكوان وجميع الأوس والخزرج يسمعون من اليهود الذين كانوا بينهم: النضير وقريظة وقينقاع: أنّ هذا أوان نبيّ يخرج بمكّة يكون مهجره المدينة لنقتلنّكم به يا معشر العرب.

٥٠

فلمّا سمع ذلك أسعد وقع في قلبه ما كان سمعه من اليهود.

فقال: فأين هو ؟ قال: جالس في الحجر وإنّهم لا يخرجون من شعبهم إلّا في الموسم فلا تسمع منه ولا تكلَّمه فإنّه ساحر يسحرك بكلامه، وكان هذا في وقت محاصرة بني هاشم في الشعب.

فقال له أسعد: فكيف أصنع وأنا معتمر ؟ لابدّ أن أطوف بالبيت، فقال له: ضع في أُذنيك القطن.

فدخل أسعد المسجد وقد حشّى اُذنيه من القطن، فطاف بالبيت ورسوله اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جالس في الحجر مع قوم من بني هاشم فنظر إليه فجأة.

فلمّا كان الشوط الثاني قال في نفسه: ما أجد أجهل منّي أيكون مثل هذا الحديث بمكّة فلا أعرفه حتّى أرجع إلى قومي فأخبرهم، ثمّ أخذ القطن من اُذنيه ورمى به، وقال لرسول الله: « أنعم صباحاً » فرفع رسول الله رأسه إليه وقال: قد أبدلنا الله به ما هو أحسن من هذا، تحيّة أهل الجنّة: السلام عليكم.

فقال أسعد: إنّ عهدي بهذا لقريب، إلى ما تدعو يا محمّد ؟

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إلى شهادة اَن لاَ إلَه إلّا الله وإنّي رسولُ الله وأدعوكم:

١ ـ إلّاتُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا .

٢ ـوَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا .

٣ ـوَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُم مِّنْ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ .

٤ ـوَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ .

٥ ـوَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إلّا بِالحَقِّ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ .

٦ ـوَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ .

٧ ـوَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالمِيزَانَ بِالْقِسْطِ .

٥١

٨ ـلا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إلّا وُسْعَهَا .

٩ ـوَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ .

١٠ ـوَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ( الأنعام / ١٥١ و ١٥٢ ).

فلمّا سمع أسعد هذا قال: أشهد أنْ لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وإنّك رسول الله، يا رسول الله بأبي أنت وأُمّي، أنا من أهل يثرب من الخزرج، بيننا وبين إخواننا من الأوس حبال مقطوعة، فإن وصلها الله بك، فلا أحد أعزّ منك، ومعي رجل من قومي فإن دخل في هذا الأمر رجوت أن ينعم الله لنا أمرنا فيه، والله يا رسول الله لقد كنّا نسمع من اليهود خبرك، كانوا يبشّروننا بمخرجك ويخبروننا بصفتك وأرجو أن تكون دارنا دار هجرتك، وعندنا مقامك، فقد أعلمنا اليهود ذلك، فالحمد لله الذي ساقني إليك، والله ما جئت إلّا لنطلب الحلف على قومنا، وقد آتانا الله بأفضل ممّا أتيت له(١) .

إنّ هذا النص التاريخي يدفعنا إلى القول بأنّ رئيس الخزرج كان قد وقف على داء قومه العيّاء، ودوائه الناجع، وإنّ قومه لن يسعدوا أبداً بالتحالف مع هذا وذاك وشن الغارات وإن انتصروا على الأوس، وإنّما يسعدون إذا رجعوا إلى مكارم الأخلاق، وتحلّوا بفضائلها التي جاءت أُصولها في هاتين الآيتين اللتين تلاهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حجر إسماعيل.

عرف وافد الخزرج على أنّ مجتمع يثرب ومن والاه قد أشرفوا على الدمار والإنهيار، لأجل أنّهم غارقين في غمرات الشرك، ووأد البنات، واقتراف الفواحش، وقتل النفس المحترمة، وأكل مال اليتيم، وبخس الأموال عند الكيل والتوزين، وترك العدل والقسط في القول والعمل، ونقض عهود الله إلى غير ذلك من الأعمال السيئة فلا يصلحهم إلّا إذا خرجوا عن شراك هذه المهالك والموبقات.

__________________

(١) أعلام الورى بأعلام الهدى: ص ٥٧، وللقصة ذيل جدير بالمطالعة وقد أخذنا منها موضع الحاجة.

٥٢

فخرج إلى يثرب ومعه مبعوث من قبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أعني « مُصعبَ بن عُمير » فبشّر أهل يثرب بما عرف من الحقّ، وصار ذلك تمهيداً لقدوم الرسول الأكرم إلى بلده، بعد ما بعثوا وفوداً إلى مكّة ليتعرّفوا على رسول الله ويبايعوه على ما هو مذكور في السيرة والتاريخ.

فنقول: كان هذا هو موطن النبي ودار ولادته وهذه هي ثقافة قومه وحضارة بيئته، وهذه صفاتهم وعاداتهم وتقاليدهم، وهذه هي علومهم ومعارفهم، حروبهم وغاراتهم، عطفهم وحنانهم، كل ذلك يعرب عن إنحطاط حضاري، وإنحلال خلقي، كاد أن يؤدي بهم إلى الهلاك والدمار لو لا أن شاء الله حياتهم الجديدة وميلادهم الحديث.

وأين هذا ممّا جاء به القرآن الكريم والسنّة النبويّة من الدعوة إلى التوحيد، ورفض الأصنام والأوثان، وحرمة النفوس، والأعراض والأموال، والدعوة إلى العلم، والقراءة والكتابة، والحث على العدل والقسط في القول والعمل، والتجنّب عن الدعارة والفحشاء، ومعاقرة الخمر والميسر، فلو دلّ ذلك على شيء فإنّما يدل على أنّ ما جاء به من الأُصول لا يمتّ إلى بيئته بصلة.

هذا ما في الذكر الحكيم حول الوضع الإجتماعي والثقافي والعقائدي والعسكري للعرب في العصر الجاهلي وما كانوا عليه من حيرة وضلال، وسقوط وانهيار، فهلمّ معي ندرس وضع العرب الجاهلي عن طريق آخر وهو الإمعان في كلمات الإمام أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام الذي عاين الوضع الجاهلي بأُمّ عينيه، فقد قام الإمام في خطبه ورسائله وقصار كلماته ببيان أحوال العرب قبل البعثة، وما كان يسودهم من الوضع المؤسف، وبما أنّ الإمام هو الصادق المصدّق، نقتطف من كلامه في مجال الخطب والرسائل والكلم القصار ما يمتّ إلى الموضوع بصلة، وفي ذلك غنى وكفاية لمن أراد الحقّ:

٥٣

أ ـ الفوضويّة العقائديّة

١ ـ« وَأَهْلُ الأَرْضِ يَوْمَئِذٍ مِلَلٌ مُتَفَرِّقةٌ، وَأهْواءٌ مُنتَشِرَةٌ، وَطَرائِقُ مُتَشَتِّتَةٌ، بَيْنَ مُشَبِّهٍ للهِ بِخَلْقِهِ، اَوْ مُلْحِدٍ فِي اسْمِهِ اَوْ مُشِيرٍ إلى غَيْرِهِ، فَهَدَاهُمْ بِهِ مِنَ الضَّلاَلَةِ وَاَنْقَذَهُمْ بِمَكَانِهِ مِنَ الجَهَالَةِ » (١) .

٢ ـ« بَعَثَهُ والنَّاسُ ضُلَّالٌ فِي حَيْرَةٍ، وَحَاطِبُونَ فِي فِتْنَةٍ، قَدِ اسْتَهْوَتْهُمُ الأَهْوَاءُ، واسْتَزَلَّتْهُمُ الكِبْرِيَاءُ، واسْتَخَفَّتْهُمُ الجَاهِلِيَّةُ الجَهْلاَءُ، حَيَارَىٰ فِي زَلْزَالٍ مِنَ الأَمْرِ، وَبَلاَء مِنَ الجَهْلِ فَبَالَغَ صلى‌الله‌عليه‌وآله فِي النَّصِيْحَةِ ومضَىٰ عَلَى الطَّرِيقَةِ وَدَعَا إلى الحِكْمَةِ والمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ » (٢) .

٣ ـ« والنَّاسُ فِي فِتَنٍ انْجَزَمَ فِيْهَا حَبْلُ الدِّينِ، وتزَعْزَعَتْ سَوَارِي اليَقِينِ، وَاخْتَلَفَ النَّجْرُ، وتشَتَّتَ الأَمْرُ، وَضَاقَ المَخْرَجُ، وَعَمِيَ المَصْدَرُ، فَالهُدَى خَامِلٌ، وَالعَمَى شَامِلٌ، عُصِيَ الرَّحْمنُ، وَنُصِرَ الشَّيْطَانُ، وَخُذِلَ الاِيمَانُ، فَانْهَارَتْ دَعَائِمُهُ، وتنَكَّرَتْ مَعَالِمُهُ، وَدَرَسَتْ سُبُلُهُ، وَعَفَتْ شُرُكُهُ. اَطَاعُوا الشَّيْطَانَ فَسَلَكُوا مَسَالِكَهُ وَوَرَدُوا مَنَاهِلَهُ، بِهِمْ سَارَتْ اَعْلاَمُهُ، وقامَ لِوَاؤُهُ. فِي فِتَنٍ دَاسَتْهُمْ بِاَخْفَافِهَا، وَوَطِئَتْهُمْ بِاَظْلاَفِهَا، وقامَتْ عَلَى سَنَابِكِهَا، فَهُمْ فِيْهَا تَائِهُونَ، حَائِرُونَ، جَاهِلُونَ، مَفْتُونُونَ، في خَيْرِ دَارٍ وَشَرِّ جِيْرَانٍ، نَوْمُهُمْ سُهُودٌ، وَكُحْلُهُمْ دُمُوعٌ، بِاَرْض عَالِمِهَا مُلْجَمٌ، وَجَاهِلُهَا مُكْرَمٌ » (٣) .

٤ ـ« واشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورسُولُهُ، ابْتَعَثَهُ والنَّاسُ يَضْرِبُونَ فِي غَمْرَةٍ، وَيَمُوجُونَ فِي حَيْرَةٍ، قَدْ قَادَتْهُمْ اَزِمَّةُ الحَيْنِ، واسْتَغْلَقَتْ عَلَى اَفْئِدَتِهِمْ اَقْفَالُ الرَّيْنِ » (٤) .

__________________

(١) نهج البلاغة، الخطبة ١.

(٢) نهج البلاغة، الخطبة ٩٥.

(٣) نهج البلاغة، الخطبة ٢.

(٤) نهج البلاغة، الخطبة ١٩١.

٥٤

٥ ـ« ثُمَّ اِنَّ الله سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله بِالحَقِّ حِيْنَ دَنَا مِنَ الدُّنْيَا الاِنْقِطَاعُ، واقْبَلَ مِنَ الآخِرَةِ الإِطِّلاعُ، واظْلَمَتْ بَهْجَتُهَا بَعْدَ اِشْرَاقٍ، وقَامَتْ بِاَهْلِهَا عَلَى سَاقٍ، وَخَشُنَ مِنْهَا مِهَادٌ، وازِفَ مِنْهَا قِيادٌ، فِي انْقِطَاعٍ مِنْ مُدَّتِهَا، وَاقْتِرَاب مِنْ اَشْرَاطِهَا، وتصَرُّم مِنْ اَهْلِهَا، وانْفِصَامٍ مِنْ حَلْقَتِهَا، وانْتِشَارٍ مِنْ سَبَبِهَا، وَعَفَاءٍ مِنْ اَعْلاَمِهَا، وتكَشُّفٍ مِنْ عَوْرَاتِهَا، وقِصَرٍ مِنْ طُولِهَا، جَعَلَهُ اللهُ بَلاَغاً لِرِسَالَتِهِ، وَكَرَامَةً لأمَّتِهِ، وربِيعاً لأهْلِ زَمَانِهِ، ورفْعَةً لأعْوَانِهِ، وَشَرَفاً لأنْصَارِهِ » (١) .

ب ـ الوضع الإجتماعي في العصر الجاهلي

٦ ـ« اَرْسَلَهُ عَلَى حِيْنِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، وَطُوْلِ هَجْعَةٍ مِنَ الاُمَمِ، واعْتِزَام مِنَ الفِتَنَ وانْتِشَارٍ مِنَ الاُمُورِ، وتلَظٍّ مِنَ الحُرُوبِ، والدُّنْيَا كَاسِفَةُ النُّورِ، ظَاهِرَةُ الغُرُورِ، عَلَى حِيْنِ اصْفِرَارٍ مِنْ وَرَقِهَا، وايَاسٍ مِنْ ثَمَرِهَا، واغْوِرَاءٍ مِنْ مَائِهَا، قَدْ دَرَسَتْ مَنَارُ الهُدَى، وَظَهَرَتْ اَعْلاَمُ الرَّدَى، فَهِيَ مُتَجَهِّمَةٌ لأهْلِهَا، عَابِسَةٌ فِي وَجْهِ طَالِبِهِا ثَمَرُهَا الفِتْنَةُ، وَطَعَامُهَا الجِيْفَةُ، وَشِعَارُهَا الخَوْفُ، وَدِثَارُهَا السَّيْفُ، فَاعْتَبِرُوا عِبَادَ اللهِ وَاذْكُرُوا تِيْكَ الَّتِي آبَاؤُكُمْ واخْوَانُكُمْ بِهَا مُرْتَهَنُونَ » (٢) .

ج ـ المستوى الثقافي لأهل الجاهلية

٧ ـ« وَلاَتَكُونُوا كَجُفَاةِ الجَاهِلِيَّةِ، لاَ فِي الدِّينِ يَتَفَقَّهُونَ، وَلاَ عَنِ الله يَعْقِلُونَ، كَقَيْضِ بَيْضٍ فِي اَدَاحٍ يَكُونُ كَسْرُهَا وِزْراً ويخْرِجُ حِضَانُهَا شَرّاً » (٣) .

__________________

(١) نهج البلاغة، الخطبة ١٩٨.

(٢) نهج البلاغة، الخطبة ٨٩.

(٣) نهج البلاغة، الخطبة ١٦٦.

٥٥

٨ ـ« اَمَّا بَعْدُ فَاِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله وَلَيْسَ اَحَدٌ مِنَ العَرَبِ يَقْرَأُ كِتَاباً، وَلاَيَدَّعِي نُبُوَّةً، وَلاَ وَحْياً » (١) .

د ـ سيادة الوثنية

٩ ـ« فَبَعَثَ الله مُحَمَّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله بِالحَقِّ لِيُخْرِجَ عِبَادَهُ مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ اِلَىٰ عِبَادَتِهِ، وَمِنْ طَاعَةِ الشَّيْطَانِ إلى طَاعَتِهِ بِقُرْآنٍ قَدْ بَيَّنَهُ وَاَحْكَمَهُ » (٢) .

١٠ ـ« بَعَثَهُ حِينَ لاَعَلَمٌ قَائِمٌ، وَلاَ مَنَارٌ سَاطِعٌ، وَلاَ مَنْهَجٌ وَاضِحٌ » (٣) .

ه‍ ـ العصبية الجاهليّة

١١ ـ« اَضَاءَتْ بِهِ البِلاَدُ بَعْدَ الضَّلاَلَةِ المُظْلِمَةِ، والجَهَالَةِ الغَالِبَةِ، وَالجَفْوَةِ الجَافِيَةِ، وَالنَّاسُ يَسْتَحِلُّونَ الحَرِيمَ وَيسْتَدِلُّونَ الحَكِيمَ، وَيحْيَونَ عَلَى فَتْرَةٍ، وَيَمُوتُونَ عَلَى كَفْرَة » (٤) .

و ـ مأكلهم ومشربهم

١٢ ـ« اِنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ، وَاَمِيناً عَلَى التَّنْزِيلِ، وَاَنْتُمْ مَعْشَرَ العَرَبِ عَلَى شَرِّ دِينٍ وَفِي شَرِّ دَارٍ، مُنْيِخُونَ بَيْنَ حِجَارَةٍ خُشْنٍ، وَحَيَّاتٍ صُمٍّ، تَشْرَبُونَ الكَدِرَ، وَتأْكُلُونَ الجَشِبَ وَتَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ ،

__________________

(١) نهج البلاغة، الخطبة ١٠٤ و ٣٣.

(٢) نهج البلاغة، الخطبة ١٤٧.

(٣) نهج البلاغة، الخطبة ١٩٦.

(٤) نهج البلاغة، الخطبة ١٥١.

٥٦

وَتَقْطَعُونَ اَرْحَامَكُمْ، الاَصْنَامُ فِيكُمْ مَنْصُوبَةٌ، والآثَامُ بِكُمْ مَعْصُوبَةٌ » (١) .

ز ـ مكانة المرأة في الجاهلية

١٣ ـ كلامه في المرأة الجاهلية مخاطباً عسكره قبل لقاء العدوّ بصفّين:« وَلاَ تَهِيْجُوا النِّسَاءَ بِأَذىً وَاِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُمْ، وَسَبَبْنَ اُمَرَاءَكُمْ، فَاِنَّهُنَ ضَعِيفَاتُ القُوَى والاَنْفُسِ والعُقُولِ، اِنْ كُنَّا لَنُؤْمَرُ بِالكَفِّ عَنْهُنَّ وَإِنَّهُنَّ لَمُشْرِكَاتٌ وَاِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَتَنَاوَلُ المَرْأَةَ فِي الجَاهِلِيَّةِ بِالفَهْرِ، أَوِ الهِرَاوَةِ فَيُعَيَّرُ بِهَا وَعَقِبُهُ مِنْ بَعْدِهِ » (٢) .

( إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ )

__________________

(١) نهج البلاغة، الخطبة ٢٦.

(٢) نهج البلاغة، الكتاب رقم ١٤ من وصيّته لهعليه‌السلام .

٥٧
٥٨

(٣)

ميلاد النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله

أو

تبلّج النور في الظلام الحالك

إنّ التعرّف على حياة النبي يتوقّف على دراسة مراحل ثلاث تشكّل فصول عمره المبارك وهي:

١ ـ من ولادته إلى بعثته.

٢ ـ من بعثته إلى هجرته.

٣ ـ من هجرته إلى رحلته.

إنّ أصحاب السير والتواريخ درسوا الفصول الثلاثة على ضوء الروايات والأحاديث التي تلقّوها عن الصحابة والتابعين، ونحن ندرسها على ضوء القرآن الكريم، فنقول:

إتّفق المؤرخون على أنّ النبي الأكرم ولد عام الفيل، وهي السنة الّتي عمد أبرهة إلى تدمير الكعبة وهدمها ولكنّه باء بالفشل وهلك هو وجنوده بأبابيل، كما يحكي عنه قوله سبحانه:( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ *أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ *وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ *تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ *فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ ) ( الفيل / ١ ـ ٥ ).

ومن أراد الوقوف على تفصيل القصّة فعليه المراجعة إلى كتب السيرة والتفسير والتاريخ.

٥٩

ويظهر ممّا أخرجه مسلم أنّ هذا اليوم يوم مبارك، قال: إنّ أعربياً قال: يا رسول الله ما تقول في صوم يوم الإثنين ؟ فقال: ذلك يوم ولدت فيه، واُنزل عليّ فيه(١) .

لم يذكر القرآن ما يرجع إلى المرحلة الاُولى من حياته إلّا شيئاً قليلاً نشير إليها إجمالاً:

١ ـ عاش يتيماً فآواه سبحانه.

٢ ـ كان ضالاًّ فهداه.

٣ ـ كان عائلاً فأغناه.

٤ ـ كما ذكر أسماءه في غير واحد من السور.

٥ ـ جاءت البشارة باسمه « أحمد » في الإنجيل.

٦ ـ كان أُمّياً لم يدرس ولم يقرأ ولم يكتب.

٧ ـ كان قبل البعثة مؤمناً موحّداً عابداً لله فقط.

فإليك البحث عن هذه الاُمور واحد بعد آخر:

١ ـ الإيواء بعد اليُتمْ

ولد النبيّ الأكرم من والدين كريمين فوالده عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم.

واتّفقت الإماميّة والزيديّة وجملة من محقّقي السنّة على أنّه كان موحّداً مؤمناً.

ويستدل من صفاته المحمودة، وفضائله المرموقة، والأشعار المأثورة، على

__________________

(١) مسند أحمد: ج ٥ ص ٢٩٧ ـ ٢٩٩، والسنن الكبرى للبيهقي: ج ٤ ص ٢٩٣، وصحيح مسلم ـ كتاب الصيام باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر: ج ١ ص ٩٧.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

الشيعة والخوارج والمنافقين.ولما وصلوا (ساباط المدائن) أراد الحسنعليه‌السلام اختبار جنوده ليكون على بصيرة من أمرهم. فصعد المنبر وخطبهم ، فانفضّ بعضهم يقول : ما نظنه والله يريد إلا صلح معاوية ، كفر والله الحسن. فشدّوا على فسطاطه يريدون قتله ونهبوه. ثم بدر إليه الجرّاح بن سنان الأسدي وقال له : يا حسن ، أشركت كما أشرك أبوك من قبل ، ثم طعنه في فخذه فشقّه حتّى بلغ العظم ، وضربه الحسنعليه‌السلام ، فخرّ كل منهما على الأرض. ثم انقضّ جمع من شيعة الحسنعليه‌السلام على الأسدي فقتلوه. وكتب معاوية إلى جماعة رؤساء القبائل في العراق ، بأنهم إن قتلوا الحسن ولّاهم ولاية في الشام ، وأعطى كل واحد منهم ألف ألف درهم ، فكتبوا له بالسمع والطاعة سرا.

(الشكل ـ ٢) مخطط الطريق الّذي سلكه

الحسنعليه‌السلام من الكوفة إلى ساباط إلى مسكن

٣٢١

وبدأ الحسنعليه‌السلام ينفذ كتائبه لمحاربة جيش الشام. فكان كلما وصلت كتيبة إليه أغراها معاوية بالمال ، فانضمت إليه مع قائدها. حتّى أن ممن فعل ذلك عبيد الله ابن العباس ابن عم الإمام عليعليه‌السلام .

وهكذا خذل أصحاب الحسنعليه‌السلام إمامهم وقائدهم ، حتّى لم يبق معه أكثر من مئتي شخص.

ولقد بلغ تخالف أنصار الحسنعليه‌السلام مبلغه ، فلقد بعث معاوية إلى أربعة من حلفاء الحسنعليه‌السلام أن يقتلوه لقاء مال وولاية وتزويج إحدى بناته ، فبعثوا إلى معاوية يسألونه : أيريد الحسن طيّبا أم ميّتا؟. فبعث معاوية رسائلهم إلى الحسنعليه‌السلام طالبا منه الصلح.

صلح الإمام الحسنعليه‌السلام مع معاوية

٣٢٥ ـ صلح الحسنعليه‌السلام :(المصدر السابق)

ولما استيأس الحسنعليه‌السلام من أصحابه وجد أنه لا مناص من الصلح ، فقبل بالصلح على شروط تكفل بعض حقوق شيعته من أن ينكل بهم [أي معاوية] ، وكان من جملة شروطه أن لا يولّي معاوية أحدا من بعده. فرضي معاوية بكل شروط الصلح ، ثم ضرب بها عرض الحائط ، وذلك حين خطب بأهل العراق قائلا : «ألا وإني كنت منّيت الحسن وأعطيته أشياء ، وجميعها تحت قدمي لا أفي بشيء منها».وبذلك تخلّى معاوية عن كل شيء من كرامته ، حتّى من شهامته العربية في حفظ الوعد والوفاء بالعهد.

٣٢٦ ـ كيف تمّ الصلح :(الإستيعاب لابن حجر العسقلاني ، ج ١ ص ٣٧٠)

لما قتل الإمام عليعليه‌السلام بايع الإمام الحسنعليه‌السلام أكثر من أربعين ألفا على الموت. فبقي نحو سبعة أشهر خليفة بالعراق وما وراءها من خراسان. ثم سار إلى معاوية وسار معاوية إليه ، فلما تراءى الجمعان في موضع يقال له مسكن (انظر الشكل ـ ٢) من أرض السواد بناحية الأنبار ، علم أنه لن تغلب إحدى الفئتين حتّى يذهب أكثر الأخرى.

فكتب إلى معاوية يخبره أنه يصيّر الأمر إليه ، على أن يشترط عليه أن لا يطلب أحدا من أهل المدينة والحجاز ولا أهل العراق بشيء كان في أيام أبيه ، فأجابه معاوية وكاد يطير فرحا.

٣٢٢

واشترط عليه الحسنعليه‌السلام أن يكون له الأمر من بعده ، فالتزم ذلك كله. وكان كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله سيصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين».

فقال للحسنعليه‌السلام أحد أصحابه : يا عار المؤمنين!. فقالعليه‌السلام : العار خير من النار.

ولما جاء الحسنعليه‌السلام الكوفة ، قال له أبو عامر سفيان بن أبي ليلى : السلام عليك

يا مذلّ المؤمنين!. فقالعليه‌السلام : لا تقل يا أبا عامر ، فإني لم أذلّ المؤمنين ، ولكن كرهت أن أقتلهم في طلب الملك.

وكان توقيع الصلح في النصف من جمادى الأولى سنة ٤١ ه‍ ، فبايع الناس معاوية حينئذ ، ومعاوية ابن ست وستين إلا شهرين. وسمي ذلك العام عام الجماعة.

٣٢٧ ـ رأي الحسنعليه‌السلام في أهل الكوفة :

(التنبيه والإشراف للمسعودي ، ص ٢٦)

قال الإمام الحسنعليه‌السلام بعد توقيع الصلح : إني رأيت أهل الكوفة قوما لا يوثق بهم ، وما اغترّ بهم إلا من ذلّ ، ليس أحد منهم يوافق رأي الآخر وأهلها هم الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعا.

٣٢٨ ـ بنود وثيقة الصلح :

(الإمام الحسين يوم عاشوراء ، طبع مؤسسة البلاغ ، ص ١٨)

وكان من بنود وثيقة الصلح بين الإمام الحسنعليه‌السلام ومعاوية :

١ ـ هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام معاوية بن أبي سفيان ، صالحه على أن يسلّم إليه ولاية المسلمين ، على أن يعمل فيهم بكتاب الله وسنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيرة الخلفاء الراشدين المهتدين. وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد لأحد من بعده عهدا.

٢ ـ على أن تكون الخلافة للحسنعليه‌السلام من بعده ، فإن حدث فيه حدث فلأخيه الحسينعليه‌السلام .

٣ ـ كتبت الصحيفة وأقرت من قبل الطرفين.

٣٢٣

وما أن انتهى أمر الإقرار بها حتّى وقف معاوية وسط أصحابه ، ثم قال : ألا وإني كنت قد منّيت الحسن أشياء ، وأعطيته أشياء ، وجميعها تحت قدمي ، لا أفي بشيء منها له.

٣٢٩ ـ لماذا صالح الإمام الحسنعليه‌السلام ؟ صالح لحقن دماء المسلمين :

(الأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري ، ص ٢٢٠)

دخل علي بن محمّد بن بشير الهمداني على الإمام الحسنعليه‌السلام فقال له :السلام عليك يا مذلّ المؤمنين!. فقالعليه‌السلام : وعليك السلام اجلس ، لست مذلّ المؤمنين ، ولكني معزّهم ، ما أردت بمصالحتي معاوية إلا أن أدفع عنكم القتل ، عند ما رأيت من تباطؤ أصحابي عن الحرب ، ونكولهم عن القتال. ووالله لئن سرنا إليهم بالجبال والشجر ما كان بدّ من إفضاء هذا الأمر إليه.

قال : ثم خرجنا من عنده ، ودخلنا على الحسينعليه‌السلام فأخبرناه بما ردّ علينا ، فقالعليه‌السلام : صدق أبو محمد ، فليكن كل رجل منكم حلسا من أحلاس بيته (أي يظل ساكنا لا يتحرك كالحلس وهو البساط الملقى في بيته) ، مادام هذا الإنسان حيا [يعني معاوية].

٣٣٠ ـ من كلام للحسينعليه‌السلام في أصحابه بعد إجراء الصلح :

(مقتل الحسين لأبي مخنف ، ص ٣)

ثم قال الحسينعليه‌السلام : الحمد لله كما هو أهله ، إن أمر الله كان مفعولا ، وإن أمر الله كان قدرا مقدورا ، إنه كان أمرا مقضيا. والله لو اجتمعت الإنس والجن على الّذي كان أن لا يكون لما استطاعوا. والله لقد كنت طيّب النفس بالموت ، حتّى عزم عليّ أخي الحسنعليه‌السلام وناشدني الله أن لا أنفذ أمرا ولا أحرّك ساكنا ، فأطعته وكأنما يجدع جادع أنفي بالسكاكين أو يشرح لحمي بالمناشير. فأطعته كرها ، وقد قال الله تعالى :( وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (٢١٦) [البقرة : ٢١٦]. والآن كان صلحا وكانت بيعة ، ولننظر مادام هذا الرجل (أي معاوية) حيا ، فإذا مات نظرنا ونظرتم ، فقلنا : والله يا أبا عبد الله ما نحزن إلا لكم ، أن تضاموا في حقكم ، ونحن أنصاركم ومحبوكم ، فمتى دعوتمونا أجبناكم ومتى أمرتمونا أطعناكم.

٣٢٤

٣٣١ ـ معاوية يطلب من الإمام الحسنعليه‌السلام أن يخطب في الكوفة إبّان الصلح:

(الإستيعاب لابن حجر العسقلاني ، ج ١ ص ٢٧٣)

ثم قدم معاوية الكوفة بعد الصلح ، فطلب من الحسنعليه‌السلام أن يصعد المنبر ويخطب ، وقال له : قم يا حسن فكلّم الناس بما جرى بيننا.

فقام الحسنعليه‌السلام فتشهد وحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال في بديهته : أما بعد ، فإن الله هداكم بأولنا ، وحقن دماءكم بآخرنا (ونحن أهل بيت نبيكم ، أذهب الله عنا الرجس وطهّرنا تطهيرا). وإن لهذا الأمر مدة والدنيا دول ، وإن اللهعزوجل يقول :( وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (١٠٩)إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ (١١٠)وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ ) (١١١) [الأنبياء : ١٠٩ ـ ١١١].

فضجّ الناس بالبكاء.

٣٣٢ ـ الإمام الحسنعليه‌السلام يكشف حقيقة معاوية وعمرو بن العاص :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٠٨ ط نجف)

قال أهل السير : ولما سلّم الحسنعليه‌السلام الأمر إلى معاوية ، أقام يتجهز إلى المدينة. فاجتمع إلى معاوية رهط من شيعته ، منهم عمرو بن العاص والوليد بن عقبة [وهو أخو عثمان بن عفان لأمه]. وقالوا : نريد أن تحضر الحسنعليه‌السلام على سبيل الزيارة ، لتخجله قبل مسيره إلى المدينة. فنهاهم معاوية ، وقال : إنه ألسن بني هاشم. فألحّوا عليه ، فأرسل إلى الحسن فاستزاره.

فلما حضرعليه‌السلام شرعوا فتناولوا علياعليه‌السلام ، والحسن ساكت.

فلما فرغوا ، حمد الحسن الله وأثنى عليه وصلى على رسوله محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم قال : إن الّذي أشرتم إليه (أي عليعليه‌السلام ) قد صلّى إلى القبلتين ، وبايع البيعتين ، وأنتم بالجميع مشركون ، وبما أنزل الله على نبيه كافرون. وإنه حرّم على نفسه الشهوات ، وامتنع عن الملذات ، حتّى أنزل الله فيه :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا ) [المائدة : ٨٧]. وأنت يا معاوية ممن قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقه : «اللهم لا تشبعه ، أو لا أشبع الله بطنك «(أخرجه مسلم عن ابن عباس). وبات أمير المؤمنينعليه‌السلام يحرس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المشركين وفداه بنفسه ليلة الهجرة ، حتّى أنزل الله فيه :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ

٣٢٥

مَرْضاتِ ) [البقرة : ٢٠٧]. ووصفه الله بالإيمان فقال :( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) [المائدة : ٥٥] والمراد به أمير المؤمنين. وقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«أنت مني بمنزلة هرون من موسى ، وأنت أخي في الدنيا والآخرة».

وأنت يا معاوية ، نظر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليك يوم الأحزاب ، فرأى أباك على جمل يحرّض الناس على قتاله ، وأخوك يقود الجمل ، وأنت تسوقه ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لعن الله الراكب والقائد والسائق». وما قابله أبوك في موطن إلا ولعنه ، وكنت معه.

ولّاك عمر الشام فخنته ، ثم ولّاك عثمان فتربصت عليه. وأنت الّذي كنت تنهى أباك عن الإسلام ، حتّى قلت مخاطبا له :

يا صخر لا تسلمن طوعا فتفضحنا

بعد الذين ببدر أصبحوا مزقا

لا تركننّ إلى أمر تقلّدنا

والراقصات بنعمان به الحرقا

وكنت يوم بدر وأحد والخندق والمشاهد كلها تقاتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد علّمت المسلمين الّذي ولدت عليه.

توضيح (١) : قال الأصمعي وهشام الكلبي في كتابه المسمى (بالمثالب) : إن معاوية كان يقال إنه من أربعة من قريش : عمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي ، ومسافر بن أبي عمرو ، وأبي سفيان ، والعباس بن عبد المطلب. وهؤلاء كانوا ندماء أبي سفيان. وكان كل منهم يتّهم بهند (أم معاوية).

ثم التفت الحسنعليه‌السلام إلى عمرو بن العاص وقال : أما أنت يابن النابغة (أمه النابغة ، كانت أمة فسبيت ، فاشتراها عبد الله بن جدعان ، فكانت بغيّا كما سترى) فادّعاك خمسة من قريش ، غلب عليك ألأمهم وهو العاص ، وولدت على فراش مشرك ، وفيك نزل قوله تعالى :( إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ) (٣) [الكوثر : ٣]. وكنت عدوّ الله وعدوّ رسوله وعدوّ المسلمين ثم نفض الحسنعليه‌السلام ثوبه وقام.

توضيح (٢) : وذكر الكلبي أيضا في كتاب (المثالب) قال كانت النابغة أم عمرو بن العاص من البغايا أصحاب الرايات بمكة ، فوقع عليها العاص بن وائل في عدة من قريش ، منهم أبو لهب ، وأمية بن خلف ، وهشام بن المغيرة ، وأبو سفيان ، في طهر واحد.

٣٢٦

ثم قال الكلبي : وكان الزناة الذين اشتهروا بمكة جماعة منهم هؤلاء المذكورون فلما حملت النابغة [بعمرو] تكلموا فيه ، فلما وضعته اختصم فيه الخمسة الذين ذكرناهم ، كل واحد يزعم أنه ولده. وأكبّ عليه العاص بن وائل وأبو سفيان بن حرب ، كل واحد يقول : والله إنه مني. فحكمّا أمه النابغة ، فاختارت العاص ، فقالت : هو منه. فقيل لها : ما حملك على هذا ، وأبو سفيان أشرف من العاص؟. فقالت : هو كما قلتم ، إلا أنه رجل شحيح ، والعاص جواد ينفق على بناتي.

وسيأتي فصل في آخر الموسوعة عن أنساب هؤلاء الفجّار فالتمسوه في محله ، فهم كلهم من شجرة واحدة ، اجتثّت من باطن الأرض مالها من قرار.

٣٢٧

الفصل العاشر

حكم معاوية بن أبي سفيان

تعريف بالفصل :

نبدأ الفصل بترجمة لمعاوية ، وبعض أقوال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه ، وتحامل أهل الشام على العلامة النّسائي. ثم ننتقل إلى بيان حكم بني أمية ، وهو الّذي عبّر عنه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالملك العضوض (أي فيه عسف وظلم يعضّ الناس) وإخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به ، وكذلك إخبار الإمام عليعليه‌السلام به وتبشيره بسرعة زواله. ثم نستعرض بعض سمات الحكم الأموي الّذي انحرف عن الإسلام بفرضه مبدأ الملكية الوراثية ، وإثارته العصبيات الجاهلية ، وبعض أعمال بني أمية المنكرة ، كمحاولة معاوية نقل منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الشام ، وكمحاولة عبد الملك بن مروان تحويل المسلمين عن مكة إلى القدس.

ثم نرجع إلى معاوية لنفصّل في بعض هناته وموبقاته ؛ مثل توليته للأشرار ، وادّعائه زياد بن عبيد ، وقتله حجر بن عديّ ، وأمره بسبّ الإمام عليعليه‌السلام على منابر الإسلام. وننهي الفصل بأسوأ أعماله ومنكراته ، وهي سمّه للإمام الحسنعليه‌السلام ، ثم توليته يزيد اللعين خليفة على المسلمين. ودور مروان بن الحكم في مساندة هذا النظام الجائر ، لتهديم صرح الإسلام وإسقاط نظامه وعقائده.

٣٣٣ ـ ترجمة معاوية :

(التنبيه والإشراف للمسعودي ، ص ٢٦١)

هو معاوية بن أبي سفيان (صخر) بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف.

ولد بمكة قبل الهجرة بخمس عشرة سنة. وفي يوم فتح مكة كان عمره ٢٣ سنة ، وفي ذلك اليوم دخل في الإسلام مع من أسلم من أهل مكة ، قبل وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بثلاث سنين.

٣٢٨

قال المسعودي : بويع لمعاوية في شهر ربيع الأول سنة ٤١ ه‍. وتوفي بدمشق في رجب سنة ٦٠ ه‍ وله ثمانون سنة. ودفن بدمشق في الموضع المعروف بباب الصغير. وقيل : بل في الدار المعروفة بدمشق (بالخضراء) وهي إلى هذا الوقت في قبلة المسجد الجامع ، وفيها الشرطة والحبوس. وكان بها ينزل معاوية ومن ولي الأمر بعده من بني أمية. وأن الّذي في مقبرة باب الصغير هو قبر معاوية بن يزيد.وكانت خلافة معاوية تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر وأياما.

وقال اليافعي في (مرآة الجنان) ج ١ ص ١٣١ ط ١ : ولي معاوية الشام لعمر وعثمان عشرين سنة ، ثم ولي الملك بعد عليعليه‌السلام عشرين سنة أخرى ، فيكون المجموع أربعين سنة.

٣٣٤ ـ صفة معاوية :

(النجوم الزاهرة لابن تغري بردي ، ص ١٥٤)

قال الذهبي : وكان معاوية رجلا طويلا أبيض جميلا مهيلا (أي مخوفا لهيبته).إذا ضحك انقلبت شفته العليا. وكان يخضب بالصفرة.

وقال المسعودي في (التنبيه والإشراف) ص ٢٦١ :

وكان طويلا مسمّنا أبيض ، كبير العجيزة ، قصير الهامة ، جهم الوجه ، جاحظ العينين ، عريض الصدر ، وافر اللحية ، يخضب بالحناء والكتم.

وكان داهية ذا مكر ، وذا رأي وحزم في أمر دنياه. إذا رأى الفرصة لم يبق ولم يتوقف ، وإذا خاف الأمر دارى عنه ، وإذا خصم في مقال ناضل عنه ، وقطع الكلام على مناظره.

وكان صاحب أمره سرجون الرومي ، ومن كتّابه عبد الملك بن مروان.

وقال الشعبي : دهاة العرب أربعة : معاوية للأناة ، وعمرو بن العاص للمعضلات ، والمغيرة للبديهة ، وزياد ابن أبيه للصغير والكبير.

وتوفي عمرو بن العاص سنة ٤٣ ه‍ قبل معاوية ، وله تسعون سنة.

(انتهى كلام المسعودي).

٣٣٥ ـ قصة شريك بن الأعور ، ومعنى معاوية :

(أسرار البلاغة للشيخ البهائي ، ص ٤٨)

كان شريك بن الأعور من أصحاب الإمام عليعليه‌السلام في البصرة ، أصيبت عينه

٣٢٩

في صفين. دخل على معاوية وهو يختال في مشيته. وكان شجاعا مع دمامة (أي بشاعة الخلقة). فداعبه معاوية وقال : ويلك ، أنت شريك وما لله شريك ، وأبوك أعور والصحيح خير من الأعور ، وأنت دميم والوسيم خير من الدميم. فلم سوّدك قومك عليهم؟!.

فقال شريك : وأنت معاوية ، وما معاوية إلا كلبة عوت فاستعوت فسمّيت معاوية ، وأبوك صخر والسهل خير من الصخر ، وجدك حرب والسلم خير من الحرب ، وإنك ابن أميّة ، وما أمية إلا أمة صغّرت فسمّيت أميّة. فبم صرت أمير المؤمنين؟!.

فتبسم معاوية غيظا وقال : أقسمت عليك إلا خرجت عني. فخرج ولم يدخل بعدها إليه.

٣٣٦ ـ جواب سليط :

(تاريخ الخلفاء للسيوطي ، ص ١٩٩ ط مصر)

وأخرج ابن عساكر عن عبد الله بن عمير ، قال : قدم جارية بن قدامة السعدي على معاوية. فقال : من أنت؟. قال : جارية بن قدامة. قال : وما عسيت أن تكون ، هل أنت إلا نحلة؟!. قال : لا تقل ، فقد شبّهتني بها حامية اللسعة ، حلوة البصاق. والله ما معاوية إلا كلبة تعاوي الكلاب!. وما أميّة إلا تصغير أمة!.

٣٣٧ ـ خبر أروى بنت الحارث الهاشمية تعدد مثالب معاوية :

(تاريخ أبي الفداء ، ج ٢ ص ٠٠٠)

ومما يحكى عن حلم معاوية من تاريخ القاضي جمال الدين بن واصل ، أن أروى بنت الحارث بن عبد المطلب بن هاشم ، دخلت على معاوية (وقد قدم المدينة) وهي عجوز كبيرة. فقال لها معاوية : مرحبا بك يا خالة ، كيف أنت؟. فقالت : بخير يابن أختي. لقد كفرت النعمة ، وأسأت لابن عمك الصحبة ، وتسمّيت بغير اسمك ، وأخذت غير حقك. وكنا أهل البيت أعظم الناس في هذا الدين البلاء ، حتّى قبض الله نبيّه ، مشكورا سعيه ، مرفوعا منزلته ، فوثبت علينا بعده تيم وعديّ وأمية ، فابتزّونا حقنا ، وولّيتم علينا ، فكنا فيكم بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون ، وكان علي بن أبي طالب (فيكم) بعد نبينا بمنزلة هرون من موسى (غايتنا الجنة وغايتكم النار).

٣٣٠

فقال لها عمرو بن العاص : كفيّ أيتها العجوز الضالة ، واقصري عن قولك مع ذهاب عقلك. فقالت : وأنت يابن الباغية تتكلم!. وأمك كانت أشهر بغيّ بمكة!.وأرخصهن أجرة!. وادّعاك خمسة من قريش ، فسئلت أمك عنهم ، فقالت : كلهم أتاني ، فانظروا أشبههم به فألحقوه به ، فغلب عليك شبه العاص بن وائل ، فألحقوك به.

(وفي المنتخب للطريحي ، ج ٢ ص ٧٩) : وقال مروان بن الحكم : كفّي أيتها العجوز واقصدي لما جئت له. فقالت : وأنت يابن الزرقاء تتكلم!. والله أنت ببشير مولى ابن كلدة أشبه منك بالحكم بن العاص ، وقد رأيت الحكم سبط الشعر مديد القامة ، وما بينكما قرابة إلا كقرابة الفرس الضامر من الأتان المقرف ، فأسأل عما أخبرتك به أمّك ، فإنها ستخبرك بذلك.

فقال لها معاوية : عفا الله عما سلف!.

٣٣٨ ـ أصل معاوية :

دخل عقيل يوما على معاوية ، فقال له معاوية : حدّثنا عما سبق ، فإنك نسّابة.فقال عقيل : أتعرف (حمامة)؟. قال : وما حمامة؟. فهرب عقيل من المجلس دون أن يجيبه فبعث معاوية وراءه ، ورجاه أن يبيّن له من حمامة؟. فقال : هل تعطيني الأمان؟. قال : أعطيتك. قال : إنها جدتك ، وكانت في الجاهلية تنصب راية للعرب ولغير العرب.

أما أم معاوية فهي هند بنت عتبة ، وقد كانت أيضا صاحبة راية في الجاهلية.ومما يؤكد ذلك أن النساء لما جئن بعد فتح مكة يعرضن إسلامهن على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المدينة ، شرط عليهن شروطا ، منها (ولا يزنين). فقالت هند : أوتزني الحرة يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ! فضحك عمر بن الخطاب وكان في المجلس. وذلك أنه كانت له معها حادثة ، هو والعباس ورجلان آخران.

أما (ميسون) أم يزيد ، فلما تزوج بها معاوية ، كان خادمه قد فضّها قبله بأسبوع ، وبعد حين ولدت له يزيد. وهي نصرانية من بني كلب.

وسوف نتكلم بالتفصيل في نسب مثلث الرجس (يزيد ـ ابن زياد ـ عمر بن سعد) في الجزء الثاني من الموسوعة ، مباشرة بعد فصل استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام ، انطلاقا من المبدأ القائل : لا يقتل الحسينعليه‌السلام إلا ابن زنا.

٣٣١

٣٣٩ ـ نساء معاوية :(الكامل لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٥٠)

فمنهن فاختة ابنة قرظة ، فولدت له عبد الرحمن ، فكنّي به.

ومنهن ميسون بنت بجدل بن أنيف الكلبية ، أم يزيد.

٣٤٠ ـ أولاد معاوية :

له من الذكور : عبد الرحمن ويزيد. ومن الإناث : هند ورملة وصفية وعائشة.

٣٤١ ـ بعض الأحاديث المأثورة في معاوية :

في (المنتخب) للطريحي ، ص ١٥ ط ٢ :

حكى عبد الله بن عمر قال : أتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو في مسجده ، فسمعته يقول لجلسائه : الآن يطلع عليكم رجل ، يموت على غير سنّتي. فما استتم كلامه ، إذ طلع معاوية وجلس معنا في المسجد. فقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخطب ، فأخذ معاوية بيد [أخيه] يزيد ، وخرج ولم يسمع الخطبة. فلما رآه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خارجا مع [أخيه] قال : «لعن الله القائد والمقود».

وفي (مجمع الزوائد) للهيثمي ، ج ٥ ص ٢٤١ :

روى ابن حجر : كما في (مجمع الزوائد) عن مسند أبي يعلى والبزاز ، وفي (الصواعق المحرقة) ص ١٣٢ عن مسند الروياني عن أبي الدرداء ، عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :«أول من يبدّل سنّتي رجل من بني أمية ، يقال له يزيد».

وفي (تاريخ الطبري) ، ج ١١ ص ٣٥٧ ـ حوادث سنة ٢٨٤ ه‍ ؛ وكتاب (صفين) لنصر بن مزاحم ، ص ٢٤٧ ط مصر ؛ و (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ١١٥ ط إيران ؛ أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى أبا سفيان على جمل وابنه يزيد يقوده ، ومعاوية يسوقه ، فقال : «لعن الله الراكب والقائد والسائق».

وفي (تهذيب التهذيب) لابن حجر ، ج ١ ص ٤٢٨ ؛ و (تاريخ الطبري) ج ١١ ص ٣٥٧ ؛ و (شرح النهج لابن أبي الحديد) ج ١ ص ٢٤٨ ؛ و (اللآلىء المصنوعة) للسيوطي ، ج ١ ص ٣٢٠ ؛ و (ميزان الاعتدال) للذهبي ، ج ١ ص ٢٦٨ ط مصر ؛ و (سير أعلام النبلاء) للذهبي ، ج ٣ ص ٩٩ ؛ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه».

وفي (اللهوف) ص ١٣ ؛ و (مثير الأحزان) لابن نما ، ص ١٠ : قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

٣٣٢

«الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان ، الطلقاء وأبناء الطلقاء ، فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه».

٣٤٢ ـ كيف توفي العلامة النّسائي شهيدا في دمشق :

النّسائي هو أبو عبد الرحمن أحمد بن علي بن شعيب ، أحد كبار المحدثين من العامة ، صاحب كتاب (الخصائص) ، وكتاب (السنن) أحد الصحاح الستة عند السنة.

قال الذهبي في (سير أعلام النبلاء) ج ١٤ ص ١٣٣ :

ولم يكن أحد في رأس الثلاثمائة أحفظ من النّسائي ، وهو أحذق بالحديث ورجاله من مسلم وأبي داود والترمذي.

وحين فارق مصر في آخر عمره وقدم إلى دمشق ، ألّف كتابا في فضائل الإمام عليعليه‌السلام سمّاه (خصائص أمير المؤمنين). وبعد أن ألفّه كان يحدّث في الجامع الأموي عن خصائص عليعليه‌السلام . فأنكر عليه قوم تأليفه لهذا الكتاب ، وعدم تأليفه في فضائل الصحابة والشيخين. فقال : دخلت دمشق سنة ٣٠٢ ه‍ والمنحرف بها عن عليعليه‌السلام كثير ، فصنّفت كتاب (الخصائص) ، رجوت أن يهديهم الله تعالى بهذا الكتاب.

ثم إنه صنّف بعد ذلك (فضائل الصحابة). فقيل له : ألا تخرّج فضائل معاوية؟.فقال : أي شيء أخرّج؟ حديث : «اللهم لا تشبع بطنه؟».

وفي (البداية والنهاية) لابن كثير ، ج ١١ ص ١٢٤ قال : ودخل إلى دمشق فسأله أهلها أن يحدّثهم بشيء من فضائل معاوية. فقال : أما يكفي معاوية أن يذهب (وفي رواية : أن يروح) رأسا برأس ، حتّى يروى له فضائل؟. فقاموا إليه (وهو يحدّث) فجعلوا يطعنون في خصيتيه حتّى أخرجوه من المسجد الجامع.

وفي (وفيات الأعيان) لابن خلكان ، ج ١ ص ٧٧ قال : فجعلوا يدفعون في خصيتيه وداسوه. ثم حمل إلى الرملة فمات بها سنة ٣٠٣ ه‍.

وقال ابن خلكان أيضا : لما داسوه بدمشق مات بسبب ذلك الدوس ، وهو مقتول. وكان عمره يقارب التسعينرحمه‌الله .

والنّسائي : منسوب إلى (نسا) وهو اسم بلدة بخراسان ، بينها وبين سرخس يومان ، وبينها وبين أبي ورد يوم. وتقع اليوم شمال مشهد في تركستان الروسية.

٣٣٣

(أقول) : فانظر أيها اللبيب إلى هذا العالم الأريب ، الّذي أدلى بالحق بعد أن أقرّ به ، وألفّ كتابا كاملا في فضائل الإمام عليعليه‌السلام سماه (خصائص أمير المؤمنين) ، ماذا كانت نهايته نتيجة التعصب الأعمى والجهل المقيت. وليس له ذنب سوى أنه لم يحفظ إلا حديثا واحدا عن معاوية ، وهو : «لا أشبع الله هذه البطن يا معاوية». وذلك أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان كلما طلب معاوية ، يقولون له : إنه يأكل!.

٣٤٣ ـ الإمام عليعليه‌السلام يتنبأ بأعمال معاوية :

(نهج البلاغة ، الخطبة ٥٦)

قال الإمام عليعليه‌السلام في (نهج البلاغة) يصف معاوية :

«أما إنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم ، مندحق البطن. يأكل ما يجد ، ويطلب ما لا يجد ، فاقتلوه ولن تقتلوه. ألا وإنه سيأمركم بسبّي والبراءة مني. فأما السبّ فسبّوني ؛ فإنه لي زكاة ولكم نجاة ، وأما البراءة فلا تتبرؤوا مني ؛ فإني ولدت على الفطرة ، وسبقت إلى الإيمان والهجرة».

شرح : مندحق البطن : أي بارز البطن. سيظهر عليكم : أي سيغلبكم.

٣٤٤ ـ بطنة معاوية :

ويظن البعض أن الإمام علياعليه‌السلام عنى بهذا الوصف : زياد ابن أبيه ، أو الحجاج ، أو المغيرة بن شعبة.

والأقوى أنه عنى به معاوية. لأن معاوية كان موصوفا بالنهم وكثرة الأكل ، وكان بطينا ، يقعد بطنه إذا جلس على فخذيه.

وكان معاوية يأكل فيكثر ، ثم يقول : ارفعوا الطعام ، فو الله ما شبعت ولكن مللت وتعبت. وكثير من الأكلات الشامية منسوبة إليه.

وقد تظاهرت الأخبار كما قرأت على أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا على معاوية لما بعث إليه يطلبه فوجده يأكل ، ثم بعث ثانية فوجده يأكل ، وكلما بعث إليه قالوا : إنه يأكل ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اللهم لا تشبع بطنه».

وفي ذلك قال الشاعر :

وصاحب لي ، بطنه كالهاويه

كأن في أحشائه معاويه

٣٣٤

سبّ معاوية للإمام عليعليه‌السلام

٣٤٥ ـ سبّ الإمام عليعليه‌السلام :

وأما عن السبّ ، فإن معاوية أمر الناس بالعراق والشام وغيرهما ، بسبّ عليعليه‌السلام والبراءة منه ، وهو يعلم أنه من الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا. وخطب بذلك على منابر الإسلام. وصار ذلك سنّة في أيام بني أمية ، إلى أن قام عمر بن عبد العزيز فأبطل ذلك ، كما سترى.

٣٤٦ ـ معاوية يأمر الناس بسبب عليعليه‌السلام :

(وقعة كربلاء للشيخ الركابي ، ص ٣٠ ؛ وكتاب سليم بن قيس ، ص ٢٠٢)

كان معاوية يركزّ في سياسته على سبّ الإمام عليعليه‌السلام . فقد كتب نسخة واحدة بعد صلحه مع الحسنعليه‌السلام إلى كافة عماله : أن برئت الذمّة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته. فقامت الخطباء في كل كورة وعليكل منبر ، يلعنون عليا ويبرؤون منه ، ويقعون فيه وفي أهل بيته.

وحين سئل مروان بن الحكم : لماذا سبّ عليا وشتمه؟ قال : لا يستقيم لنا أمر إلا بذلك!. وكان لا يدع سبّ عليعليه‌السلام على المنبر كل جمعة.

٣٤٧ ـ الذين يسبّون علياعليه‌السلام هم أهل النار :

(المجالس السنيّة للسيد الأمين ، ج ٣ ص ١١٩)

عن ابن عباس رضي الله عنه قال : أشهد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لسمعته يقول : «من سبّ عليا فقد سبّني ، ومن سبّني فقد سبّ الله ، ومن سبّ الله أكبّه الله على منخره في نار جهنم».

٣٤٨ ـ لماذا رفع عمر بن عبد العزيز مسبّة الإمام عليعليه‌السلام ؟ :

عن عمر بن عبد العزيز قال : كنت غلاما أقرأ القرآن على بعض ولد عتبة بن مسعود ، فمرّ بي يوما وأنا ألعب مع الصبيان ، ونحن نلعن علياعليه‌السلام . فكره ذلك ، ودخل المسجد. فتركت الصبيان ، وجئت إليه لأدرس عليه وردي. فلما رآني قام فصلى ، وأطال في الصلاة شبه المعرض عني ، حتّى أحسست منه ذلك.

فلما انفتل من صلاته كلح في وجهي ، فقلت له : ما بال الشيخ؟. قال لي : يا بني أنت اللاعن علياعليه‌السلام ؟ قلت : نعم.

٣٣٥

قال : فمتى علمت أن الله سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم؟. فقلت :يا أبت ، وهل كان عليّ من أهل بدر؟.

فقال : ويحك ، وهل كانت بدر كلها إلا له؟.

فقلت : لا أعود. فقال : إنك لا تعود؟ قلت : نعم. فلم ألعنه بعدها.

٣٤٩ ـ عمر بن عبد العزيز وأبوه :

(شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج ٤ ص ٥٨)

قال عمر بن عبد العزيز : ثم كنت أحضر تحت منبر المدينة وأبي يخطب يوم الجمعة ، وهو يومئذ أمير المدينة. فكنت أسمع أبي يمرّ في خطبته تهدر شقاشقه ، حتّى يأتي إلى لعن عليعليه‌السلام فيجمجم ، ويعرض له من الفهاهة والحصر ما الله عالم به. فكنت أعجب من ذلك.

فقلت له يوما : يا أبت أنت أفصح الناس وأخطبهم ، فما بالي أراك أفصح خطيب يوم حفلك ، حتّى إذا مررت بلعن هذا الرجل صرت ألكن عييّا؟. فقال : يا بني ، إن من ترى تحت منبرنا من أهل الشام وغيرهم ، لو علموا من فضل هذا الرجل ما يعلمه أبوك ، لم يتبعنا منهم أحد. فوقرت كلمته في صدري ، مع ما قاله لي معلمي أيام صغري. فأعطيت الله عهدا ، لئن كان لي في هذا الأمر نصيب لأغيّرنه. فلما منّ الله عليّ بالخلافة أسقطت ذلك ، وجعلت مكانه :( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (٩٠) [النحل :٩٠]. وكتب به إلى الآفاق فصار سنّة. وفي ذلك قال الشريف الرضي مادحا عمر :

يابن عبد العزيز لو بكت العي

ن فتى من أميّة لبكيتك

غير أني أقول إنك قد طب

ت وإن لم يطب ولم يزك بيتك

أنت نزّهتنا عن السبّ والقذ

ف ، فلو أمكن الجزاء جزيتك

ولو اني رأيت قبرك لاستح

ييت من أن أرى وما حيّيتك

وقليل أن لو بذلت دماء ال

بدن صرفا على الذرى وسقيتك

٣٥٠ ـ عمر بن عبد العزيز يمنع مسبة الإمام عليعليه‌السلام :

(الإمام الحسين يوم عاشوراء ، طبع مؤسسة البلاغ ، ص ٤٣)

وكان عمر بن عبد العزيز في نهاية النسك والتواضع ، فترك لعن عليعليه‌السلام على المنابر ، وجعل مكانه.

٣٣٦

وقيل : بل جعل مكان ذلك :( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (٩٠) [النحل : ٩٠].وقيل : بل جعلهما جميعا.

٣٥١ ـ الإمام عليعليه‌السلام يأمر أتباعه بعدم سبّ أهل الشام :

(الدرجات الرفيعة للسيد علي خان ، ص ٤٢٤)

روى نصر بن مزاحم بإسناده عن عبد الله بن شريك ، قال : خرج حجر بن عدي وعمرو بن الحمق [في صفين] ، يظهران البراءة واللعن لأهل الشام. فأرسل إليهما الإمام عليعليه‌السلام أن كفّا عما يبلغني عنكما. فأتياه فقالا : يا أمير المؤمنين ، ألسنا محقّين؟. قال : بلى. قالا : أوليسوا مبطلين؟. قال : بلى. قالا : فلم منعتنا من شتمهم؟. قال : كرهت لكم أن تكونوا لعّانين شتّامين ، تشهدون وتبرون ، ولكن لو وصفتم مساوئ أعمالهم فقلتم : من سيرتهم كذا وكذا ، كان أصوب في القول ، وأبلغ في العذر. وقلتم مكان لعنكم إياهم وبراءتكم منهم : الله م احقن دماءنا ودماءهم ، وأصلح ذات بيننا وبينهم ، واهدهم من ضلالتهم ، حتّى يعرف الحقّ منهم من جهله ، ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به ؛ كان هذا أحبّ إليّ وخيرا لكم.

فقالا : يا أمير المؤمنين ، نقبل موعظتك ونتأدب بأدبك.

٣٥٢ ـ ماذا يمثّل معاوية؟ :

(وقعة كربلاء للشيخ الركابي ، ص ١٦)

يعلّق أحد المستشرقين قائلا : إن معاوية يمثّل الروح الفاشستية الاستبدادية ، التي لا تؤمن بحق ولا تدفع عن أمة ، وإنما هدفها الرئيسي مصلحتها الذاتية.

ثم يقول المستشرق : إن معاوية إنسان طاغية معتد مفضوح ، صاحب مذابح ومجازر. كان من أخطر أعداء الدولة الإسلامية ، وكان عامل فناء لكيانها وحضارتها.

الحكم الأموي وسماته

٣٥٣ ـ حكم معاوية من الملك العضوض :

يروي المسلمون بالإجماع قول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثم

٣٣٧

تكون ملكا عضوضا». وهذا الزمن يوافق آخر سنة من حياة الإمام الحسنعليه‌السلام ، مما يدل على أن الملك العضوض (أي الظالم الفاسد) يشمل حكم معاوية ومن بعده ، فهي حكومات غير شرعية.

٣٥٤ ـ الملك العضوض :

(أخبار الدول للقرماني ، ص ١٠٦)

قال القرماني : وكانت خلافة الحسنعليه‌السلام ستة أشهر ، وهي تكملة ما ذكره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مدة الخلافة ، ثم تكون ملكا عضوضا ، ثم يكون جبروتا وفسادا في الأرض ، فكان كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٣٥٥ ـ الخلافة بعدي ثلاثون سنة :

(تاريخ أبي الفداء ، ج ٢ ص ٩٦)

توفي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سنة ١١ ه‍ ، وانتهت خلافة الحسنعليه‌السلام سنة ٤١ ه‍ ، فيكون الفرق ثلاثين سنة.

وروى سفينة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثم تكون ملكا عضوضا». وكان آخر الثلاثين يوم خلع الحسنعليه‌السلام نفسه من الخلافة ، وتصالح مع معاوية.

٣٥٦ ـ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتنبأ بحكم بني أمية :

(المصدر السابق ، ص ٩٧)

خلفاء بني أمية أربعة عشر خليفة ، وكانت مدة ملكهم نيّفا وتسعين [الأصح نيّفا وثمانين] سنة ، وهي ألف شهر تقريبا.

قال ابن الأثير في تاريخه : إنه لما سار الحسنعليه‌السلام من الكوفة ، عرض له رجل فقال : يا مسوّد وجوه المؤمنين!. فقالعليه‌السلام : لا تعذلني ، فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أري في منامه أن بني أمية ينزون على منبره رجلا فرجلا ، فساءه ذلك ، فأنزل الله تعالى :( إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) (١) [الكوثر : ١]و( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١)وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢)لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) (٣) [القدر : ١ ـ ٣].

(أقول) : يواسيه سبحانه بإعطائه الكوثر وليلة القدر ، التي هي خير من ألف شهر ، أي من ملك بني أمية الّذي مدته ألف شهر.

٣٣٨

٣٥٧ ـ خلافة بني أمية ألف شهر :

(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٦ ص ٢٧٥)

قال يعقوب بن سفيان عن أبي هريرة ، أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : رأيت في المنام بني الحكم (أو بني أبي العاص) ينزون (أي يثبون) على منبري كما تنزو القردة. قال : فما رآني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستجمعا ضاحكا حتّى توفي.

وقال النوري عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب ، قال : رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بني أمية على منابرهم ، فساءه ذلك. فأوحي إليه : إنما هي دنيا أعطوها ، فقرّ به عينه ، وهي قوله تعالى( وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ ) (٦٠) [الإسراء : ٦٠].

وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا القاسم بن الفضل ، حدثنا يوسف بن مازن الراسبي قال : قام رجل إلى الحسن بن عليعليه‌السلام بعدما بايع معاوية ، فقال : يا مسوّد وجوه المؤمنين. فقال الحسنعليه‌السلام : لا تؤنّبني رحمك الله ، فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى بني أمية يخطبون على منبره رجلا رجلا ، فساءه ذلك ، فنزلت الآية :( إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) (١) [الكوثر : ١] يعني نهرا في الجنة ، ونزلت الآية :( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١)وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢)لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) (٣) [القدر : ١ ـ ٣] يملكه بنو أمية.

قال القاسم بن القاسم بن فضل : فحسبنا ذلك ، فإذا هو ألف شهر لا يزيد يوما ولا ينقص يوما.

٣٥٨ ـ ملوك بني أمية ومدة حكم كل واحد منهم :

(مروج الذهب للمسعودي ، ج ٣ ص ٢٤٩ ؛ والمنتخب لفخر الدين الطريحي ، ص ٣٩٨)

نقل أنه كانت الدولة لبني أمية ألف شهر ، وكانوا لا يزالون يأمرون الخطباء بسبّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام على رؤوس المنابر.

فأول من تأمّر منهم معاوية ، ومدة خلافته عشرون سنة.

ثم تخلّف من بعده ولده يزيد ، ثلاث سنين وثمانية أشهر وأربعة عشر يوما.

ثم تخلّف من بعده معاوية بن يزيد ، شهرا واحدا وأحد عشر يوما. وترك الخلافة خوفا من عذاب الله ، واعترف بظلم آبائه ، وعرّف الناس ذلك وهو قائم على المنبر.حتّى أن أمه لامته على ذلك ، فقالت له : ليتك كنت حيضة ولم تكن بشرا ، أتعزل

٣٣٩

نفسك من منصب آبائك؟. فقال لها : يا أماه ، وأنا وددت أن أكون حيضة ولا أطأ موطئا لست له بأهل ، ولا ألقى اللهعزوجل بظلم آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ثم تخلّف من بعده مروان بن الحكم ، ثمانية أشهر وعشرة أيام ومات.

ثم تخلّف من بعده عبد الملك بن مروان ، إحدى وعشرين سنة وشهرا وعشرين يوما.

ثم تخلّف من بعده الوليد بن عبد الملك ، تسع سنين وثمانية أشهر ويوما.

ثم تخلّف من بعده سليمان بن عبد الملك ، سنتين وستة شهور و ١٥ يوما.

ثم تخلّف من بعده عمر بن عبد العزيز ، سنتين وخمسة أشهر وخمسة أيام.

ثم تخلّف من بعده يزيد بن عبد الملك ، أربع سنين و ١٣ يوما.

ثم تخلّف هشام بن عبد الملك ، تسعة عشر سنة وتسعة شهور وتسعة أيام.

ثم تخلّف الوليد بن يزيد ، سنة وثلاثة شهور ، وهو الّذي مزّق القرآن.

ثم تخلّف يزيد بن الوليد ، شهرين وعشرة أيام.

ثم تخلف مروان بن محمّد بن مروان ، خمس سنين وشهرين وعشرة أيام.

ويضاف إلى ذلك الثمانية أشهر التي كان مروان يقاتل فيها بني العباس إلى أن قتل ، فيصير ملكهم جميعا إحدى وتسعين سنة وسبعة (أو تسعة) أشهر وثلاثة عشر يوما.

يطرح من ذلك أيام الإمام الحسنعليه‌السلام وهي خمسة أشهر وعشرة أيام ، وتوضع أيام عبد الله بن الزبير إلى الوقت الّذي قتل فيه ، وهي سبع سنين وعشرة أشهر وثلاثة أيام ، فيصير الباقي بعد ذلك ثلاثا وثمانين سنة وأربعة أشهر ، ويكون ذلك ألف شهر.

وقد ذكر قوم أن تأويل قولهعزوجل :( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) (٣) [القدر: ٣].

ما ذكرناه من أيامهم.

وقد روي عن ابن عباس أنه قال : والله ليملكن بنو العباس ضعف ما ملكته بنو أمية: باليوم يومين ، وبالشهر شهرين ، وبالسنة سنتين ، وبالخليفة خليفتين.

٣٥٩ ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام بمصير بني أمية :

(ينابيع المودة ، ج ٣ ص ٤)

قال الإمام عليعليه‌السلام من خطبة له : «ألا إن لكل دم ثائرا ، ولكل حقّ طالبا.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735