موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 8%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 451963 / تحميل: 5259
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

للأغراض الزائدة على ذات الواجب، كما عن الإمامية والمعتزلة، والحكماء ينكرونه جداً ويقولون: إنّ الغرض من فعله، نفس ذاته المقدّسة. والأشعريون ينكرون الغرض من أصله في أفعاله تعالى، ولكنّهم يجعلون صفاته زائدةً على ذاته، فيصح لهم إثبات اختياره من هذه الناحية، كما اعترف به كلام الأسفار المتقدّم.

ومسألة تعلّل أفعاله بالأغراض الزائدة، مسألة مهمة عويصة طويلة الذيل جداً، ومع ذلك أُهملت في الكتب الكلامية، ولكنّنا سنستوفي بحثها في المقصد الخامس إن شاء الله تعالى، وسنبرهن من العقل والقرآن على صحته، لكنّ الشأن في الابتناء المذكور، فإنّ الفعل - بناءً على زيادة الداعي على الذات - وإن كان ممكناً بالنسبة إلى الذات المذكورة، من حيث الصدور واللاصدور، كما ذكره في الأسفار، وهو يبطل مذهب الفلاسفة من نفي إمكان الفعل بالنسبة إلى الذات، لكنّه لا يثبت مذهب المتكلّمين، ما لم يتحقّق مقدورية الداعي المذكور، فإنّا لو فرضنا أنّ الداعي غير مقدور كان الفعل الصادر عنه - صدور المعلول عن علّته التامة - أيضاً غير مقدور، فأين الاختيار؟

وقد ذهب جمع كثير إلى إرجاع إرادته تعالى إلى العلم بالمنفعة والمصلحة، ولعلّه المشهور بين العدلية، ومن الواضح أنّ العلم - سواء كان عين ذاته، أو زائداً عليها وقائماً بها من الأزل - غير مقدور للواجب.

وخلاصة المقال: أنّ مجرّد إمكان الفعل صدوراً وتركاً، بلحاظ ذاته تعالى من حيث هي، لا يفي بإثبات اختيار الواجب، الذي يصرّ عليه المتكلّمون، فإنّه بمعنى له أن يفعل وله أن لا يفعل، وهذا إنّما يتحقّق في فرض مقدورية الدّاعي، وأمّا ما ادّعاه شركاء الفن وغيرهم، من الضرورة على أنّ الدّاعي لا يدعو إلاّ إلى معدوم، فهو ممّا لا سبيل لنا إلى تصديقه؛ إذ يمكن الالتزام بهذا الداعي - وهو علمه بما في الفعل من المصلحة - والقول مع ذلك بضرورة صدور الفعل عنه من جهة أدلة الحكماء الآتية، فإنّ الله قديم الذات وقديم العلم، فهو عالم أزلاً بأنّ الشيء الفلاني فيه مصلحة مثلاً، فهذا العلم القديم بما أنه علّة يستلزم قِدم المعلول. نعم لو بنينا على قول الفلاسفة من نفي الداعي، فلا يمكن أن نذهب إلى اختياره تعالى في أفعاله، كما يرومه الكلاميون، اعتماداً على ما سيجيء من دلائلهم في هذه المسألة ومسألة حدوث العالم، كما ستعلم وجهه في الدليل الثاني من أدلّة الحكماء.

السادس: الظاهر من كلام المحقّق الطوسي قدّس سره، أنّ وقوع تخلّف الفعل عن الفاعل معتبر في مفهوم الاختيار، لكنّه غير مدلّل، بل الملاك هو إمكانه إمكاناً وقوعياً، وأمّا نفس التخلّف خارجاً فهو غير معتبر، نعم هنا شيء آخر وهو أنّ الممكن الوجود هل يمتنع قِدمه أو لا؟ وسيأتي بحثه

١٢١

في مسألة حدوث العالم، لكن القول بامتناعه لا يشهد على اعتبار التخلّف في الاختيار؛ إذ استحالة قِدم الممكن في نفسه شيء، ومنافاته لمفهوم الاختيار شيء آخر، ولا ربط بينهما أصلاً.

هذا ما يتعلّق بجهات البحث وتصوير المدّعى، ولنرجع الآن إلى بيان أدلّتهم فنقول: استدل الفلاسفة على دعواهم بوجوه، وإليك بيانها وتوضيحها:

الأَوّل: إنّ الواجب كما تجب ذاته تجب صفاته، فهو واجب في ذاته وصفاته، وحيث إنّ القدرة من أوصافه تعالى، فلا يعقل تفسيرها بالإمكان والصحّة.

أقول: هذه عمدة ما ينهدم به بناء المتكلّمين، نعم الأشعري يعتذر بإمكان الصفات القديمة، القائمة بذاته تعالى، الزائدة عليها، وعدم وجوبها، فهذا الوجه لا يهمّه كما هو واضح، إلاّ أنّ الكلام في صحّة هذا الاعتذار، وستعلم أنّ لبّ القول بإمكان الصفات، ليس إلاّ التزاماً بمذهب الماديين، وأمّا الاعتزالي فيمكنه التخلّص من هذه العويصة، بما يقول في غير هذا المقام، أو يُنسب إليه من إنكار الصفات رأساً، ونيابة الذات منابها في آثارها، فمعنى كونه تعالى قادراً، أنّ ذاته تفعل وتترك بلا إيجاب ذاتي.

أقول: ويرد عليه أنّ النيابة المذكورة عين قول الدهريين، كما ستقف عليه في المقصد الرابع إن شاء الله، فالشبهة باقية على حالها، ولا وزن لهذين الجوابين المذكورين، فلابدّ الالتزام إمّا بإيجابه ونفي الإمكان عن قدرته، أو بعدم وجوب قدرته. والفلسفي يستريح بقبول الشقّ الأَوّل، كما أنّ الأشعري والاعتزالي يبنيان على الثاني؛ وحيث إنّ الإمامي يرى بطلان الشقّين معاً، فيحتاج إلى طريق ثالث، لكنّني لم أرَ ذكراً له في كتبهم الموجودة عندي، بل هذه الشبهة قد أُهملت في الكتب الكلامية رأساً، مع أنّها ذات أهمّية جداً، ومغزاها أنّ القول بالاختيار المختار عند المتكلمين، لا يجامع القول بعينية الصفات، كما عليها الإمامية والحكماء. والتحقيق في الجواب: أنّ القدرة ليست هي نفس صحّة الصدور واللاصدور كما في الحيوان، فإنّ القدرة فيه من الكيفيات النفسانية؛ لأنّها صفة قائمة بذوات الأنفس، فكذا في الواجب؛ وحيث إنّ كنه الواجب وذاته يمتنع الاكتناه والإحاطة بها، استحال معرفة قدرته أيضاً، لكن يلزمها صحّة الفعل والترك، فالقدرة ليست نفس الصحّة المذكورة، لا في المخلوق ولا في الخالق، بل هي صفة تستوجب الصحة المذكورة (1) .

فنقول: إنّ الله تعالى قادر لِما استخدمناه من الدلائل، وستدري أنّ قدرته عين ذاته؛ وحيث

____________________

(1) نقل العلاّمة قدّس سره في شرح قواعد العقائد / 40: أنّ القادر عند أوائل المعتزلة مَن كان على صفة لأجله عليها يصح منه الفعل. ونفاة الأحوال قالوا: هو الذي يصحّ منه أن يفعل وأن لا يفعل.

أقول: الثاني باطل كما عرفت، والأَوّل صحيح لكنّ الصفة نفس ذاته.

١٢٢

اتّفق الباحثون من المتكلّمين والحكماء - كاتّفاق العقل والنقل - على امتناع إدراك حقيقته وعرفان ذاته، امتنع الإحاطة بحقيقة قدرته، لكن نعلم أنّ الصحّة المذكورة من لوازم قدرته وشؤون سلطانه، فإذن لا منافاة بين القول باختياره والقول بعينية صفاته، فإذن لا يكون مانع من الالتزام بها. هذا، وللمتكلم أن يرجع ويقول على سبيل النقض: إنّ تفسير القدرة بأن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل، لا يجامع القول بعينية الصفات كما عليه الفلاسفة؛ إذ مرجعها حينئذٍ إلى ضرورة المشيّة واللامشيّة، وليست المشيّة عندهم إلاّ العلم بالعناية، ولا نتعقّل من مفهوم العلم إلاّ الانكشاف والإراءة، ولا يلتزم عاقل بأنّ الانكشاف نفس ذاته الواجبة، وأنّ حقيقة الواجب هو الكشف! فلابدّ أن يقولوا: إنّ الكشف لازم علمه تعالى.

الثاني: إنّ إرادته عين ذاته الواجبة فهي أيضاً واجبة، وعليه فالفعل أيضاً واجب بالنسبة إلى ذاته، ولا يمكن التخلّف أصلاً؛ لأنّه من تخلّف المعلول عن علّته التامّة، يظهر ذلك من الأسفار وحواشيها للسبزواري.

أقول: المنقول من معظم متكلّمي الإمامية ورؤساء المعتزلة، أنّ إرادته تعالى هو علمه بما في الفعل من المصلحة والمنفعة، ويعبّرون عنه بالداعي، وعليه فيتوجّه عليهم أنّ علمه عين ذاته تعالى، وتعلّقه بالأشياء ضروري، فيكون تحقّق الفعل أيضاً ضرورياً؛ لاستحالة تخلّف المعلول عن علّته التامّة.

وهذا هو الإيجاب الذي يدّعيه الفلاسفة، وأمّا الأشاعرة فهم وإن يروا زيادة إرادته على ذاته، لكنّهم يقولون بتعلّقها بأحد طرفي الفعل لذاتها، فلا يتحقّق اختياره تعالى على مذهبهم أيضاً، فالإرادة لازمة لذاته تعالى صادرة عنه بالإيجاب، وهي لذاتها متعلّقة بأحد طرفي الفعل، وهذا عين الإيجاب، وما أجاب في المواقف (1) بأنّ الوجوب بالاختيار، لا ينافي الاختيار، فهو مزيّف بعدم تعقّل الاختيار له تعالى على هذا المسلك.

والإنصاف أنّ ما قاله المتكلّمون في إرادته تعالى، يصام اختياره المفسّر بالصحّة المذكورة.

ثمّ إنّ عينية الإرادة مع الذات وإن توجب ضرورة الفعل وبطلان الصحّة المذكورة، إلاّ أنّها لا تثبت قِدم العالم؛ لأنّها ليست هي العلم فقط، بل العلم بالمصلحة، ولعلّها غير متحقّقة في الأزل، أو إنّ قِدم الممكن غير ممكن، فإثبات قِدم العالَم موقوف على إمكان قِدم الممكن وتحقّق المصلحة، كما لا يخفى.

لكن الذي يبطل هذا الوجه، هو ما ذهبنا إليه من حدوث إرادته تعالى، وعدم

____________________

(1) شرح المواقف 3 / 69.

١٢٣

قِدمها، ووجوبها، وعينيتها، مع الذات الأحدية الواجبة، فهذه العويصة المهمّة منحلة على أُصولنا بلا تكلف.

الثالث: إنّ الواجب الوجود واجب من جميع جهاته، فكيف يعقل الصحّة في حقه؟ ذكره صاحب الأسفار والسبزواري وغيرهما ممّن تقدّمهما.

أقول: إن أرادوا بذلك وجوب القدرة له تعالى، وعدم إمكان انفكاكها عن الذات، فهو ممّا لا خلاف فيه لأحد، حتى من الأشعري القائل بإمكان صفاته، فإنّه يرى ضرورة ثبوت القدرة الممكنة له تعالى، وإن أرادوا بذلك إثبات وجوب القدرة في نفسها وأنّها واجبة، فهذا وإن كان حقاً متيناً وبه اعتقد الإمامية، إلاّ أنّ القاعدة المستدلّ بها لا تفي بإثبات ذلك، كما يظهر لمَن لاحظها، وإن أرادوا بذلك نفي إمكان أفعاله بالنسبة إليه تعالى، وأنّها تصدر عنه تعالى ضرورةً ووجوباً، ولا يعقل الإمكان في حقه مطلقاً سواء في أفعاله وأوصافه، فهذا وإن كان هو مفاد القاعدة، لكنّنا نردّه بأنّ القاعدة المذكورة باطلة لا أساس لها أبداً، كما سلف بحثها مفصّلاً.

الرابع: ما سلف في عبارة الأسفار وإليك بيانه الآخر، قال: ثمّ إنّك إذا حقّقت حكمت بأنّ الفرق بين المريد وغير المريد - سواء كان في حقّنا أو في حقّ الباري تعالى - هو ما أشرنا إليه، فإنّ إرادتك ما دامت متساوية النسبة إلى وجود المراد وعدمه، لم تكن صالحةً لرجحان أحد ذينك الطرفين على الآخر، وإذا صارت إلى حد الوجوب لزم منه الوقوع، فإذن الإرادة الجازمة حقّاً يتحقّق عند الله... إلخ.

أقول: هذا مأخوذ من كلام الرازي في محكي المباحث المشرقية، كما نقله هو في بعض فصول بحث إرادة الله تعالى، واللاهيجي أيضاً في مبحث إرادته تعالى من شوارقه، وجوابه: أنّ الوجوب الناشئ من قِبل الإرادة والاختيار، لا ينافي الاختيار بل يؤكّده، وهذا خارج عن محل الكلام كما هو واضح للمبتدئين، وأمّا وجوب الإرادة نفسها فقد أشرنا إلى أنّ إرادته تعالى كإرادة بقية الفاعلين حادثة، كما سيأتي بحثهما.

الخامس: ما ذكره أيضاً صاحب الأسفار بقوله: وممّا يدلّ على ما ذكرنا - من أنّه ليس مَن شرط كون الذات مريداً وقادراً إمكان أن لا يفعل - أنّ الله تعالى إذا علم أنّه يفعل الفعل الفلاني في الوقت الفلاني، فذلك الفعل لو لم يقع لكان علمه جهلاً، وذلك محال، والمؤدّي إلى المحال محال، فعدم وقوع ذلك الفعل محال فوقوعه واجب... مع أنّ الله مريد وقادر عليه.

أقول: وهذا التلفيق من مثله عجيب جداً، أَلم يعلم أنّ هذا الدليل لو تمّت دلالته على مرامه، لعمّ جميع الفاعلين من الحيوان وغيره؟ فيبطل الاختيار رأساً، ولا يصحّ تفسير القدرة بصحّة الصدور واللاصدور حتى في القادر، الذي يفعل بداع زائد على ذاته، وقدرة زائدة على ذاته، مع

١٢٤

أنّه صرّح - في غير مورد - بصحّة التفسير المذكور في غير الواجب.

وحلّ هذه الشبهة، أنّ الله كما يعلم بصدور الفعل عن نفسه أو عن غيره، كذلك يعلم بصدوره عنه اختياراً، وأنّ تركه ممكن له ذاتاً ووقوعاً، فلو فرضا عدم إمكان الترك للزم جهله تعالى وهو محال، والمستلزم للمحال محال.

ثمّ إنّ هذه الشبهة مشهورة ذكرها الجبريون في قِبال العدلية، وسنرجع إليها في مباحث المقصد الخامس إن شاء الله.

السادس: ما ذكره هو أيضاً، من أنّ الفاعل قادراً، إنّما يكون فاعلاً بالفعل حال صدور الفعل عنه، وفي تلك الحال يستحيل أن يصدق عليه أنّه شاء أن لا يفعل فلم يفعل... إلخ.

أقول: وهذا منه غريب وخبط عظيم، فقد خُلط عليه محلّ البحث؛ ولذا أصرّ على أنّ هذا الوجه يثبت مرامه، ولا يدري أنّ الوجوب الناشئ عن الإرادة بعد تحقّقها اختياراً، غير وجوب الفعل بالنسبة إلى ذات الفاعل، كيف والأَوّل عامّ يشمل جميع الفاعلين، والثاني خاصّ بمَن كان فعله لا لصفة زائدة ولا لداعٍ زائد، كما صرّح به مراراً؟ وإنْ كان اكتفى في بعض كلماته، بصدور الفعل عن علم وإرادة في صدق المختار، ولو في غير الله تعالى، بل ادّعى أنّه لا يقال مثل هذا الفاعل في العرف العامّي ولا الخاصّي: إنّه فاعل غير مختار.

أقول: بطلانه واضح؛ لأنّ إطلاق المختار على مثله اصطلاح فلسفي، والعرف لا يقول له المختار قطعاً، كما اعترف به ابن سينا وغيره أيضاً.

السابع: قد ثبت قِدم العالَم في طبيعيات الفلسفة، وهو لا يمكن إلاّ عن مُفيض تام الفاعلية. نقله المحقّق الطوسي عن الحكماء في محكي شرحه على الإشارات ردّاً على الرازي.

أقول: هذا الوجه باطل صغرى وكبرى. أمّا الصغرى؛ فلِما يأتي من حدوث العالم بشراشره، وأمّا الكبرى؛ فلِما تقدّم من أنّ المعتبر في مفهوم المختار، هو إمكان تخلّف فعله عنه، لا وقوعه خلافاً لشركاء الفن أو معظمهم، فقِدم العالَم لا يكشف عن صحّة مقصودهم، كما أنّ حدوثه على نحو مطلق لا يدلّ على اختياره، كما يأتي إن شاء الله.

الثامن: الاختيار بالمعنى الذي يعتقده المتكلّمون، يستدعي زيادة الداعي الذي يفعل بوجوده ولا يفعل بعدمه، وليكون الفعل بالنسبة إلى ذات الفاعل ممكن الصدور واللاصدور، وهي - أي زيادة الداعي على ذاته - تستلزم الاستكمال المحال في حقّه تعالى. يستفاد من الأسفار والشوارق.

أقول: استلزام الاستكمال باطل جداً، كما ستعرفه في المقصد الخامس إن شاء الله.

وأعجب من ذلك ما ذكره ابن سينا على ما في الأسفار: عند المعتزلة أنّ الاختيار يكون

١٢٥

بداعٍ أو بسبب، والاختيار بالداعي يكون اضطراراً، واختيار الباري وفعله ليس بداعٍ، انتهى. وقَبِله صاحب الأسفار أيضاً فكرّره في كتابه.

أقول: وهذا الكلام عندي لا يستحقّ ردّاً ولا جواباً؛ لأنّه مثل أن يقال: إذا كانت الشمس طالعة فالليل موجود!

التاسع: إنّ تعلّق القدرة بأحد الضدّين، إمّا لذاتها بلا مرجّح فيستغني الممكن عن المرجّح، فإنّ نسبة ذات القدرة إلى الضدّين على السوية، فيلزم سدّ باب إثبات الصانع؛ لجواز ترجّح وجود الممكن حينئذٍ على عدمه، وأيضاً يلزم قِدم الأثر؛ لأنّ الواجب وقدرته وتعلّقها أزلي مع أنّ أثر المختار حادث، وإمّا لا لذاتها بل بمرجّح خارجي، ولا يجب الفعل مع ذلك المرجّح وإلاّ لزم الإيجاب، بل كان جائزاً هو وضدّه، فيحتاج إلى مرجّح آخر ويلزم التسلسل في المرجّحات.

العاشر: إنّ إرادة الله وقدرته، متعلقتان من الأزل إلى الأبد، بترجّح الحادث المعين، وإيجاده في وقت معيّن، والتغيّر في صفاته محال، فوجود ذلك الحادث في ذلك الوقت واجب، فهو موجب بالذات لا فاعل بالاختيار. نقلهما بعضهم عن الفلاسفة (1) .

الحادي عشر: إنّ ما لم يجب لم يوجد، فلابدّ من أن يكون الله تعالى موجباً - بكسر الجيم - فإنّه موجِد، وليس موجَباً - بفتح الجيم - كما زعم المتكلمون وينسبونه إلى الحكماء. يظهر ذلك من كلام السبزواري المتقدّم.

أقول: أمّا الوجه التاسع فنختار وجوب الفعل، ولكن ليس هذا من الإيجاب المتنازع فيه كما مرّ غير مرّة؛ ضرورة جريان هذا الوجوب في جميع الفاعلين، بخلاف الثاني، فإنّه لا يشمل الفاعل من الحيوان.

وبالجملة: الكلام في وجوب الفعل عليه من جهة وجوب إرادته له وجوباً ذاتياً، لا في وجوبه الناشئ من تعلّق إرادته، وإن كانت غير ذاته بل كانت ممكنةً أو حادثة، وهذا ظاهر لا ستر عليه. وأجاب الناقل ومَن تبعه عنه بشيء أسخف من أصل الشبهة، ولا يليق بنا أن نتعرّض له، ومنه ظهر بطلان الوجه الأخير أيضاً، وأنّ الله تعالى على مذهبهم فاعل موجَب - بفتح الجيم - ولا يُستشم منه رائحة الاختيار له تعالى لا عقلاً ولا عرفاً، فإصرار السبزواري وغيره على أنّه موجِب - بالكسر - لا موجَب - بالفتح - واستيحاشهم من التصريح بما هو صميم مذهبهم من إيجابه وعدم اختياره، شيء عجيب جداً، لا ندري ما الذي دعاهم إلى إخفاء مسلكهم في هذا المقام؟

____________________

(1) شرح المواقف 3 / 44، 46.

١٢٦

هذا كلّه بناءً على تمامية القاعدة القائلة: إنّ ما لم يجب لم يوجد في الأفعال الاختيارية المباشرية، وأمّا بناءً على عدم تماميتها فالأمر واضح، وأمّا حديث لزوم التسلسل في المرجّحات، فليس إلاّ دليلاً آخر على تلك القاعدة ونفي الأولوية، وسنرجع إليها في المقصد الخامس.

وأمّا الوجه العاشر فجوابه: أنّ قدرته متعلّقة بجميع التروك والأضداد، فليس الترجّح مستند إليها، وإلاّ لزم التناقض والجمع بين الضدين، بل هو مستند إلى إرادته، التي ليست هي إلاّ إحداثه، وتعلّق الإرادة بهذا المعنى من الأزل محال، بل تعلّق القدرة بالفعل قديم غير مستلزم للوقوع، وتعلّق الإرادة حادث وموجب للوقوع لكنّها قابلة للتغيّر، فافهم جيداً.

ويناسب المقام مباحث أُخر، سنتعرض لها إن شاء الله في مباحث الإرادة، وحدوث العالم، وتعلّل أفعال الله بالأغراض؛ إذ هذه المباحث لها اشتراك وارتباط شديد كما يعرفه الراسخون.

هذا ما استدلّ به أصحاب الفلسفة لإثبات مرامهم، ولم ندع شيئاً منه مهملاً، وقد دريتَ أنّ الإنصاف العقلي يحكم بعدم تمامية دلالة دلائلهم، بل وبعضها خارج عن محلّ النزاع رأساً، فحينئذٍ إن تمّ أدلة المتكلّمين على مذهبهم لَما كان بأساً ومانعاً من الالتزام به، وكذا لو ثبت من الشرع ما يدلّ عليه؛ إذ المسألة قابلة للتعبّد الشرعي ولا محذور فيه أصلاً، فإنّ الاختيار وهو كيفية القدرة، ممّا لا يتوقّف عليه حجّية كلام الشارع حتى يلزم الدور ونحوه، فالآن نرجع إلى أدلّتهم، فقد استدلّوا على مذهبهم بوجوه:

الأَوّل: لو لم يكن مختاراً للزم إمّا قِدم العالَم أو حدوث القديم، وكلا الأمرين محال، فيمتنع المقدّم المذكور بامتناع التالي. بيان الملازمة: أنّ أثر الموجب لا ينفكّ عنه، فهو وأثره مقارنان في الخارج، فإذا لم يكن الواجب مختاراً جاز تأخّر فعله عنه، ولوجب تحقّقهما - أي الله والعالَم - إمّا في الأزل أو في الحدوث، وأمّا بطلان التالي فامتناع حدوث الواجب واضح، كما أنّ حدوث العالم مبيّن كما يأتي في محلّه. وبالجملة: أنّ حدوث العالم دليل على اختيار خالقه.

الثاني: إنّ الإيجاب الذي اصطلح عليه الحكماء باسم الاختيار نقص؛ لعدم تمكّنه حينئذٍ من الترك أو الفعل، بل صدور أحد الطرفين واجب عليه، والنقص عليه محال اتّفاقاً وعقلاً، كما يأتي بحثه إن شاء الله في المقصد الآتي.

الثالث: إنّه لو لم يكن مختاراً للزم أحد الأمور الأربعة: إمّا نفي الحادث بالكلّية، أو عدم استناده إلى المؤثّر، أو التسلسل، أو تخلّف الأثر عن المؤثّر الموجب التام، وبطلان اللوازم دليل بطلان الملزوم. بيان الملازمة: أنّه إمّا أن لا يوجد حادث أو يوجد، فإن لم يوجد فهو الأمر الأَوّل، وإن وجد فإمّا أن لا يستند إلى موجد أو يستند، فإن لم يستند فهو الثاني، وإن استند فإمّا أن لا

١٢٧

ينتهي إلى قديم أو ينتهي، فإن لم ينتهِ فهو الثالث أي التسلسل؛ وذلك لأنّه إذا استند إلى مؤثّر غير قديم ولا منتهٍ إليه، فلابدّ هناك من مؤثّرات حادثة غير متناهية مع كونها مترتّبةً مجتمعة، وهو تسلسل محال اتّفاقاً؛ وإن انتهى فلابدّ قديم يوجب حادثاً بلا واسطة من الحوادث؛ دفعاً للتسلسل فيها، سواء كانت مجتمعةً أو متعاقبة، فيلزم الرابع.

الرابع: إنّه تعالى لو لم يكن مختاراً لاستحال تغيّر الموجودات، وتبدّل الكائنات بالمرة، فإنّه يتبع تغيّر العلّة وتبدّلها، وهو في حقّ الواجب مستحيل، فثبت أنّه مختار.

الخامس: إنّه لو كان موجِباً لوجب تحقّق جميع الموجودات الممكنة، في درجة واحدة، بلا تقدّم وتأخر بينها، فإنّها متساوية النسبة إلى العلّة، أعني بها ذاته المقدسة، والتخصيص الواقع يكون ترجيحاً بلا مرجّح، بل ترجّحاً من دون مرجّح.

السادس: الآيات القرآنية الدالة على ذلك، مثل قوله تعالى: ( إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ) (1) ، وقوله: ( إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) (2) ، وقوله: ( إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ) (3) ، وقوله: ( يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ) (4) وأمثالها من الآيات الصريحة في المدعى.

السابع: الأخبار المتواترة عن النبي الأعظم وآله الكرام (صلى الله عليه وعليهم أجمعين)، مثل ما ورد في أنّه يمحو ويثبت، ويقدّم ويؤخّر وله البداء، ونحو ذلك.

الثامن: الضرورة الدينية على اختياره، بل تقدّم عن العلاّمة الحلي قدّس سره أنّه الفارق بين الإسلام والفلسفة، بل ادّعى الجرجاني والقوشجي والأصبهاني اتّفاق المليّين قاطبةً على ذلك كما مرّ.

هذا ما وقفنا عليه في كتبهم من الأدلّة على اختياره تعالى.

أقول: أمّا الوجه الأَوّل، فهو موقوف على ثبوت أمرين، الأَوّل: حدوث العالم كما هو ظاهر، الثاني: إمكان أزلية الممكن؛ إذ لو استحال وجود الممكن في الأزل، وتحتّم مسبوقية الممكن بالعدم، لَما كشف حدوث العالم عن الاختيار.

وبالجملة: حدوث العالم بمجرّده، وإن كان يبطل قول الفلاسفة بقِدمه، إلاّ أنّه لا ينفع المتكلّمين ما لم يحرز إمكان أزليته، حتى يكون عدم تحقّقه مستنداً إلى إرادة الفاعل دون المانع

____________________

(1) إبراهيم 14 / 19.

(2) النحل 16 / 40.

(3) الحج 22 / 14.

(4) الرعد 13 / 39.

١٢٨

في نفس المفعول، وستعرف إن شاء الله في محلّه امتناع أزليته، فهذا الدليل - بما له من الاشتهار - غير تام، وأنّ الحدوث لا يثبت الاختيار، كما أنّ الاختيار أيضاً لا يدلّ على الحدوث، خلافاً لِما توهّمه الرازي في محكي شرح الإشارات، فإنّا قد ذكرنا إمكان مقارنة فعله معه من حيث هو مختار.

وأمّا الوجه الثاني، فأجاب عنه الفلاسفة بمنع عقد الوضع، وأنّ صدور الفعل مع العلم والإرادة ليس بإيجاب، وإن لم يكن هناك التمكّن من تركه، بل ذكروا أنّه كمال الاختيار وأفضل أنحاء الصنع، بل لا اختيار إلاّ لمَن يفعل لذاته بذاته، وأمّا مَن يفعل لداعٍ زائد فهو مضطرّ في صورة الاختيار، فالواجب - عزّ مجده - موجب بكسر الجيم لا بفتحه.

أقول: إنكار الإيجاب مع نفي التمكّن تناقض بحت وتهافت واضح، ومهما قالوا في توجيهه وتصحيحه، فلا يخلو هو من جهالة أو تجاهل أو إغفال، ولا يكون الواجب على مذهبهم، إلاّ موجَباً بفتح الجيم لا بكسره، وتحريف الكلم عن مواضعه غير نافع، فالصحيح أن يمنع عقد الحمل، وأنّ الإيجاب المذكور ليس بنقص، بل هو ممّا أثبته الأدلة العقلية المتقدّمة.

وأمّا الوجه الثالث، فإتمام شقّه الرابع موقوف على حدوث العالم بشراشره، وإلاّ أمكن ردّه بوجود ممكن قديم مختار يؤثّر في الحوادث، وهو معلول الواجب الموجب، أو الالتزام بوجود حوادث غير متناهية على ما ذكره أرباب الفلسفة.

وبالجملة: هذا الوجه راجع إلى الوجه الأَوّل ولا مزية له غير الزيادة في العبارة.

وأمّا الوجه الرابع والخامس، فصحّتهما موقوفة على بطلان ما ذكره الفلاسفة، في ارتباط الحادث بالقديم؛ إذ لو صحّ ما ذكروه لا يبقى مجال لهما، على أنّ القابل في نفسه أيضاً قاصر عن التحقّق في مرتبة واحدة.

وأمّا الوجه السادس، فيمكن أن يجاب عنه بأنّ مفاد الآيات المذكورة وقوع الفعل عند إرادته، وهذا ممّا لا خلاف فيه لأحد، وإنّما الكلام في تحديد إرادته وأنّها واجبة أو لا، وهل للواجب قبل وجود الفعل تمكّن من تركه أو لا؟ لكن الإنصاف أنّ القرآن - بظواهره لا بنصوصه - يدلّ على اختياره تعالى، فإنّ مَن أُلقي عليهم خطابات القرآن - وهم عامّة الناس - لا يفهمون من بعض الآيات المذكورة وأمثاله إلاّ التمكّن المذكور، لكن لا حجّية للظهور في قبال الأدلة العقلية، فهذا الوجه موقوف على عدم تمامية شيء من دلائل الفلاسفة.

وأمّا الثامن فالإنصاف أنّه غير بعيد، فإنّ اختياره تعالى - بنحو يدعيه المتكلّمون - ممّا ارتكز في أذهان المسلمين، رجالهم ونسائهم، جاهلهم وعالمهم، صغيرهم وكبيرهم، وهذا الارتكاز لا يكون مستنداً إلاّ إلى الدين وطريقة الشارع، فالثابت من الدين هو ذلك، وقد عرفت

١٢٩

أنّ ما قيل في امتناعه وبطلانه كان مزيّفاً ضعيفاً، فإذن يتعيّن تعييناً تعبّدياً لا عقلياً التديّن والاعتقاد بهذا المسلك؛ لِما مرّ في فوائد المدخل من إقرار العقل بتصديق قول المعصوم.

خلاصة المقال في تنقيح المقام

قد استبان ممّا ذُكر أنّ النظرية الفلسفة المذكورة لا تتمّ إلاّ بأُمور:

1 - كون إرادته عين ذاته، وإلاّ كان الفعل بالنظر إلى ذاته المقدّسة ممكن الصدور واللاصدور.

2 - كون الغرض من فعله نفس ذاته، وإلاّ لكان وجوب الفعل بلحاظ ذلك الغرض دون ذاته.

3 - قِدم العالم إذا أمكن أزلية الممكن.

فإذا لم يثبت واحد من هذه الأُمور فقد انهدم بناؤهم من أساسه، ولكن لا يلزم منه صحّة قول المتكلّمين، كما يظهر من مراجعة ما سبق، نعم إذا ثبت حدوث العالم وأزلية الممكن، ثبت اختياره تعالى؛ إذ عدمه في الأزل مستند حينئذٍ إلى إرادته تعالى، فيكون الواجب متمكّناً من الفعل والترك، فتأمل.

فمجرّد بطلان قول الفلاسفة لا يكشف عن صحّة قول المتكلّمين، فإنّها موقوفة على إمكان صدور الفعل وعدمه بالنسبة إلى ذاته تعالى، وإلى داعيه، وعدم كون الإرادة واجبة، نعم الوجوب الناشئ من الإرادة - المسمّى بالوجوب السابق - لا ينافي الاختيار، فإذن اختياره تعالى وإن كان ثابتاً من جهة الشرع كما مرّ، إلاّ أنّه غير ثابت من جهة العقل؛ لِما عرفت من عدم تمامية أدلّة أرباب الكلام.

هذا، والذي يدلّ على حقية مذهبهم هو قاعدة الملازمة المتقدّمة، فإنّ القدرة الواجبة - التي تستلزم التمكّن وصحّة الصدور واللاصدور - ممكنة الثبوت للواجب؛ لِما عرفت من بطلان دلائل الفلاسفة، فهي إذن ثابتة له، فهو قادر مختار أي له أن يفعل وله أن لا يفعل.

ويمكن أن يستدلّ أيضاً، بأنّ الاختيار بهذا المعنى كمال للقادر بلا شك، وأنّ ما يزعمه أهل الفلسفة نقص له، وحيث إنّه جامع لجميع الكمالات، بل لا كمال إلاّ وهو معطيه ولا سبيل للنقص إليه، فهو مختار بالمعنى الذي أثبته الكلاميون لا غير، والله الهادي.

تنبيه

اختياره بهذا المعنى وإن ادّعاه المتكلّمين بأجمعهم، بل مرّ أنّه ضروري من دين الإسلام، لكنّه لم يتديّن به - حقّ التديّن - إلاّ الطائفة الإمامية، الذين أخذوا أُصولهم وفروعهم من آل محمد (صلى الله عليه وعليهم أجمعين)، فإنّ الاعتزاليين قالوا بالثابتات الأزلية، والأشعريين بالقدماء

١٣٠

الثمانية، ولا شك أنّ الواجب بالنسبة إليها موجَب، كما صرّح به أنفسهم، فتأمل.

فأعظم الله جزاء الإمام الصادق من أئمة أهل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ حيث أدّب أتباعه على سلوك صراط الحق ونهج الصدق.

الناحية الثالثة: في عموم قدرته

المدّعى: أنّ الواجب الوجود قادر على كلّ ممكن (1) تحقّق في الخارج أم لا، والدليل على ذلك وجوه:

1 - إنّ الممكن - كما علمت ممّا مضى - لا يقتضي الوجود ولا العدم ولو بنحو الأولوية، بل هما متساويان إليه، يوجد لوجود المرجّح ويعدم بعدم المرجّح، فإذن هو محتاج إلى غيره في الوجود والعدم، هذا من ناحية، ومن ناحية أُخرى، أنّ الممكن لا يعقل أن يبقى على حالة الاستواء في الخارج؛ لاستحالة ارتفاع النقيضين، وإنّما هي بلحاظ نفسه، وعليه فكل ممكن إمّا موجود وإمّا معدوم، وقد قرّرنا أنّ كل موجود محتاج إلى وجود المرجّح، وكلّ معدوم مفتقر إلى عدمه، وليس هذا المرجّح إلاّ إرادة الواجب عزّ اسمه؛ لانتهاء سلسلة الموجودات إليها، فيستنتج من هذه المسائل، أنّ الممكنات بأسرها محتاجة إلى الله تعالى أزلاً وأبداً، وأنّ الله هو المفيض القابض، وحيث تقدّم أنّ فاعليته تعالى بنحو الاختيار والتمكّن دون الجبر والإيجاب، فقد اتّضح أنّه قادر على كلّ ممكن، وكلّ ممكن مقدور له، وهذا دليل إنّي متين قوي على المطلوب.

2 - إنّ القدرة ثابتة له في الجملة على ما مرّ، وبما أنّها عين ذاته المقدّسة، فهي غير محدودة، فإنّ التناهي من خصائص الإمكان ونواقض الوجوب، كما يأتي في المقصد الثالث إن شاء الله، وعليه فقد ثبت عدم تناهي قوته وقدرته، وهذا هو معنى عمومها وتعلّقها بكل ممكن، فتدبّر.

3 - القدرة العميمة ممكنة الثبوت له تعالى، وما أمكن في حقّه وجب كما سلف.

4 - العجز - ولو في بعض الموارد - نقص، وهو ممتنع عليه. ذكره بعضهم.

5 - لو لم يكن قادراً على الإطلاق لكان محتاجاً - ولو في مورد - إلى غيره، فهو إن كان ممكناً لزم الدور، فإنّ الممكن في حدوثه وبقائه، وفي وجوده وأفعاله، محتاج إلى الواجب، وإن

____________________

(1) قال مَن في قلبه مرض في مختصر تحفة الاثني عشر / 81: إنّ الله قادر على كل شيء، خالف الشيخ أبو جعفر الطوسي والشريف المرتضى وجمع كثير من الإمامية في ذلك، فإنّهم قالوا: إنّ الله لا يقدر على عين مقدور العبد.

أقول: النسبة كاذبة، كما تعرف من مراجعة الصفحة الآتية، في الوجه التاسع، وقد ذكرنا في المطلب الثالث من عنوان تنوير عقلي:: 36 مراد العلَمينِ: الشيخ الطوسي والسيد المرتضى قدّس سرهما.

١٣١

كان واجباً فأدلة التوحيد تنفيه.

أقول: هذا الوجه ينفي المحتاج إليه دون الحاجة، ولا ملازمة بينهما قطعاً.

6 - إنّ علم الواجب فعلي، فإنّه عين ذاته، التي هي عين حيثية العلّية لكلّ شيء، وعلمه تعلّق بكلّ شيء، فقدرته تعلّقت بكلّ شيء. ذكره السبزواري في شرح المنظومة، وكذا الوجه الآتي.

وفيه: ما يأتي من أنّ إرادته زائدة على ذاته.

ويرد أيضاً على قوله: (وعلمه تعلّق بكل شيء) أنّه مصادرة محضة، فإنّ تعلّق علمه الفعلي، الذي هو إرادته بشيء فرع مقدوريته، وكون الواجب قادراً عليه وهو أَوّل الكلام، وإن شئت فقل: إنّه مستلزم للدور؛ بداهة توقّف الإرادة على شمول القدرة، فلو عُكس لدار، فافهم.

7 - إنّ الإيجاد فرع الوجود، وإذ لا وجود حقيقي للممكنات في ذواتها؛ إذ الممكن من ذاته أن يكون ليس، وله من علّته أن يكون أَيس، فلا إيجاد حقيقي لها، فإذن كما لا وجود إلاّ وهو ترشّح من لديه، كذلك لا حول ولا قوة إلاّ بالله العظيم.

أقول: هذا بيان متين، لكن مع أنّه أخص من المدّعى - حيث لا يجري في الممكن غير الموجود - راجع إلى الوجه الأَوّل.

8 - ما قيل إنّه المشهور، من أنّ المقتضي للقدرة هو الذات لوجوب استناد صفاته إلى ذاته، والمصحّح للمقدورية هو الإمكان؛ لأنّ الوجوب والامتناع يحيلان المقدورية، ونسبة الذات إلى جميع الممكنات على السوية، وإذا ثبت قدرته على بعضها تثبت على كلها.

ويُزيّف بأنّ مجرّد كون الإمكان مصحّحاً لا علّة موجبة، غير كافٍ لإثبات المقدورية؛ لاحتمال توقّفها على شرط مفقود، وإن أُريد من المصحّح العلية، فيفسده أنّ الإمكان علّة للاحتياج دون المقدورية، وإلاّ كانت العلل الموجبة مؤثّرات بالاختيار.

9 - الضرورة المذهبية والإجماع والكتاب والسنّة بأجمعها تدل على ذلك، ذكره بعض المتكلّمين من أصحابنا.

أقول: الاستدلال بالنقل لا محذور فيه في المقام كما يظهر بالتدبّر، غير أنّ الإجماع التعبّدي غير متحقّق قطعاً، كما يظهر وجهه ممّا سبق، وأمّا الكتاب فيحتمل أن قوله تعالى: ( إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (1) ونحوه ناظر إلى كلّ شيء موجود، فيكون أخص من المدّعى، نعم قوله تعالى: ( أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ

____________________

(1) فاطر 35 / 1.

١٣٢

الْخَلاّقُ الْعَلِيمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (1) يمكن أن يكون شاملاً للمقام، لكنّه ظهور غير قطعي. وأمّا الضرورة فهي غير بعيدة، فتأمل.

مطالب مهمّة

المطلب الأَوّل:

قد نسبوا الخلاف في هذه المسألة إلى طوائف من الناس، وأنّهم ينكرون عموم قدرة الله تعالى على كل ممكن.

أقول: الظاهر أنّه لا مخالف في المقام أصلاً، وأنّ الكلّ متّفقون على الكلّية المذكورة، وإنّما نزاعهم في امتناع بعض الأشياء وعدمه، فالبحث صغروي، وبعبارة واضحة: أنّ قدرته تعالى لا تتعلّق بالواجب والممتنع، فإنّ ضرورة الوجود أو العدم يبطل تعلّق القدرة، التي هي ما تلزمه صحة الصدور واللاصدور، فمتعلّقها هو الممكن لا غير، فيقال: هذا ممكن، وكل ممكن مقدور لله تعالى، والكبرى كما أنّها قطيعة عقلاً وفاقية قولاً، والصغرى مختلف فيها، وهذا الخلاف ليس بعزيز، بل هو منتشر في كثير من المسائل العلمية، إذا تقرّر ذلك فإليك بيان تلك الموارد، التي وقع الخلاف في إمكانها وامتناعها:

المورد الأَوّل: عدم صدور الكثير من الواحد الحقيقي، فلا يمكن أن يصدر عن الواجب البسيط أكثر من شيء واحد بلا توسّط أمر آخر، ادّعاه الحكماء وأصرّوا عليه، وأنكره أرباب الكلام وشدّدوا عليهم النكير، وإليك بيان هذه القاعدة المشهورة بـ (الواحد لا يصدر منه إلاّ الواحد) من كتاب الأسفار: قال مؤلّفها (2) :

البسيط إذا كان ذاته بحسب الحقيقة البسيطة علّةً لشيء، كانت ذاته محض علّة ذلك الشيء، بحيث لا يمكن للعقل تحليلها إلى ذات وعلّة؛ لتكون علّيتها لا بنفسها من حيث هي، بل بصفة زائدة، أو شرط، أو غاية، أو وقت، أو غير ذلك، فلا يكون مبدأ بسيطاً بل مركّباً، فالمراد من المبدأ البسيط، أنّ حقيقته التي بها يتجوهر ذاته هي بعينها كونه مبدأً لغيره، وليس ينقسم إلى شيئين يكون بأحدهما تجوهر ذاته، وبالآخر حصول شيء آخر عنه، كما أنّ لنا شيئين نتجوهر بأحدهما، وهو النطق ونكتب بالآخر هو صفة الكتابة، فإذا كان كذلك صدر عنه أكثر من واحد، ولا شك أنّ معنى مصدر كذا غير معنى مصدر غير كذا - فتقوّم ذاته من معنيين مختلفين، هو خلاف المفروض، فافهم هذا ودع عنك الإطنابات التي ليس فيها كثير فائدة، وإيّاك أن تفهم من لفظ

____________________

(1) يس 36 / 81.

(2) الأسفار 2 / 214.

١٣٣

الصدور وأمثاله الأمر الإضافي، الذي لا يتحقّق إلاّ بعد شيئين؛ لظهور أنّ الكلام ليس فيها، بل كون العلّة بحيث يصدر عنها المعلول، فإنّه لابدّ أن تكون للعلّة خصوصية، بحسبها يصدر عنها المعلول المعيّن دون غيره، وتلك الخصوصية هي المصدر في الحقيقة، وهي التي يعبّر عنها بالصدور، ومرّة بالمصدرية، وطوراً بكون العلّة بحيث يجب عنها المعلول؛ وذلك لضيق الكلام عمّا هو المرام، حتى أنّ الخصوصية أيضاً لا يراد بها المفهوم الإضافي، بل أمر مخصوص له ارتباط وتعلّق بالمعلول المخصوص، ولا شك في كونه موجوداً ومتقدّماً على المعلول المتقدّم على الإضافة العارضة لهما، وذلك قد يكون نفس العلّة إذا كانت العلّة علّةً لذاتها، وقد يكون زائداً عليها، فإذا فرض العلّة بما هي به علّةً بسيطاً حقيقياً، يكون معلوله أيضاً بسيطاً حقيقياً، وبعكس النقيض، كلّ ما كان معلوله فوق واحد ليس بعضها بتوسّط بعض، فهو منقسم الحقيقة إمّا في ماهية أو في وجود، انتهى كلامه.

وقال في موضع آخر ردّاً على الرازي: إنّ المصدرية بالمعنى المذكور نفس ماهية العلة البسيطة، والماهية من حيث هي ليست إلاّ هي، فإذا كان البسيط الحقيقي مصدراً لـ «1» مثلاً، ولِما ليس «1» مثلاً، كانت مصدريته لِما ليس «1» غير مصدريته لـ «1» التي هي نفس ذاته، فتكون ذاته غير ذاته وهذا هو التناقض.

قال تلميذه في شوارقه (1) : إنّ الفاعل المستقل إذا كان واحداً من جميع الجهات، بحيث لا يكون فيه كثرة الأجزاء، ولا كثرة الوجود والمهية، ولا يكون متّصفاً بصفة حقيقية زائدة في الخارج، أو اعتبارية زائدة في العقل، ولا يتوقّف فعله على شرط وآلة وقابل، فلا يمكن أن يصدر عنه في مرتبة واحدة إلاّ معلول واحد، سواء كان الفاعل موجباً أو مختاراً اختياره وإرادته نفس ذاته، والحكماء يسمّون مثل هذا المختار الفاعل بالرضاء، وأمّا إذا كان إرادته واختياره زائدةً على ذاته، وهو الذي يسمّونه الفاعل بالقصد فهو خارج عمّا نحن فيه؛ لأنّ فيه اثنينية بالفعل، سواء تعدّد إرادته أو تعلّقها أو لا، فلا يكون واحداً من جميع الجهات.

أقول: لو سلّمنا هذه القاعدة، وفرضنا صحّة دليلها كما هو الصحيح، لم يصحّ إجراؤها في المقام؛ لأنّ فاعليته تعالى - كما سيأتي في محلّه - بالعلل الغائية الزائدة على ذاته، وإن شئت فقل: الممكن لابدّ من مسبوقية وجوده بعدمه، ولا ربط ولا سنخية بين الوجود البحت والعدم المحض، وإنّما يوجِد الواجب ما يوجده بلا ربط واقتضاء ذاتي، بل من أجل المصالح والغايات، فحينئذٍ الواجب الوجود عزّ اسمه غير مشمول لهذه القاعدة باعتراف الفلاسفة، فتدبّر جيداً.

هذا، وقد مرّ أنّ الفلاسفة لم يقدروا على إثبات أنّ ماهيته إنيّته، فمن هذه الجهة أيضاً لا

____________________

(1) الشوارق 1 / 191.

١٣٤

يمكن إجراء القاعدة على الواجب، هذا كله بناءً على مسلك العدلية أو معظمهم، وأمّا بناءً على مسلك الأشاعرة القائلة بزيادة الصفات فالأمر أوضح، لكن الالتزام بمقالة الحكماء أسهل وأهون من الميل إلى هذه النظرية الرديئة الباطلة، بمراتب بالقياس إلى النواميس العقلية.

وأمّا ما قيل، من أنّ في القرآن ألف آية أو قريب منه تدل على بطلان المقالة المزبورة، فهو ممنوع، فتدبّر جيداً.

المورد الثاني: القبائح فإنّها غير مقدورة لله تعالى؛ إذ إتيانها مع العلم بقبحها سفه، وبدونه جهل، وكلاهما محال على الله سبحانه، نسبوه إلى النظام وأتباعه.

أقول: وكان هذا المسكين لم يعلم أنّ مفاد هذا البيان أنّها لا تصدر عنه لحكمته، لا أنّها غير مقدورة، فالقبيح مقدور له تعالى، فيمكنه إدخال الأنبياء في النار مثلاً، لكنّه لا يفعل لمخالفته لحكمته البالغة.

وأمّا ما أجاب به الأشعريون من أنّه لا قبح بالنسبة إليه، فله التصرّف في ملكه كيف يشاء، فهو في سخافته كأصل الشبهة، كما ستعرفه في محله إن شاء الله.

المورد الثالث: الإتيان بمثل أفعالنا فإنّها إمّا طاعة أو معصية أو سفه، والكل محال.

أقول: إذ لا آمر له تعالى ليصدق الطاعة والمعصية في حقّه، وهو عالم فلا يتصوّر السفاهة فيه، نقل هذا عن البلخي ومَن تبعه، وفيه: أنّ المحال هو صدق هذه العناوين أي الطاعة والمعصية لا نفس الأفعال، نعم لابدّ من اشتمالها على مصلحة، ولكن المصلحة لا تستلزم عنوان الطاعة بلا إشكال، وإنّما هو في أفعالنا بلحاظها إلى أمر الله تعالى، نعم لا يمكن له أن يفعل مثل جملة من أفعالنا المحتاجة إلى الجسم كالتكلّم، والتفكّر، والتحرّك، والركوع، والسجود ونحوها، وذلك واضح ولعلّهم أيضاً أرادوا ذلك.

المورد الرابع: الإتيان بعين مقدورنا ومفعولنا، بعين دليل التمانع المذكور في مبحث التوحيد. نسب ذلك الجبائيينِ وأتباعهما. ويزيّف بأنّ التأثير في فرض مزاحمة قدرة العبد وربّه، مستند إلى إرادة الله تعالى فإنّها أقوى، وهذا واضح بل مشاهد في تزاحم إرادتي الممكنينِ، فإذا حرّك أحد جسماً إلى جانب، والآخر حرّكه إلى جانب آخر، يكون الترجيح مع الأقوى، نعم هاهنا شيء آخر وهو أنّ الله تعالى لا يمكنه الإتيان بعين أفعالنا، وإلاّ لم تكن الأفعال أفعالنا بل هي أفعاله، وهذا مثل عدم قدرته على إيجاد ابن زيد من غير زيد، أو إيجاد العرض بغير معروضه، وهكذا، فمعنى أنّه قادر على جميع الأشياء، أنّه قادر عليها إمّا بلا واسطة أو بواسطة، وهذا بيّن جداً.

المورد الخامس: ما علم الله عدم وقوعه لاستحالة وقوعه، وكذا ما علم أنّه يقع لوجوبه.

١٣٥

نقله في الشوارق، وقد تقدّم جوابه في بحث اختياره. قال شيخنا المفيد قدّس سره (1) : إنّه سبحانه قادر على ما علم أنّه لا يكون ممّا لا يستحيل كاجتماع الأضداد، ونحو ذلك من المحال، وعلى هذا إجماع أهل التوحيد إلاّ النظام وشذاذ من أصحاب المخلوق. انتهى.

المورد السادس: الشرور بحجّة أنّ الواحد لا يكون خيّراً وشرّيراً، فلو كان الله قادراً على الشرّ - كما هو قادر على الخير - لكان خيّراً وشرّيراً، والقائل به المجوس.

أقول: مع أنّه لا دليل على بطلان التالي في الفاعل المختار نمنع الملازمة؛ إذ مجرّد تعلّق القدرة على الشرّ لا يوجب كون القادر شرّيراً، وإنّما الشرّير مَن يفعل الشرّ لا مَن يقدر عليه، ولعلّ هذا ضروري، فالواجب الحكيم قادر على الخير والشر بقدرة تامّة، لكنّه لا يريد الشرور ولا يفعلها البتة.

تنوير عقلي

حديث الشرور ذو إعضال شديد، قد تحيّرت فيه الأنظار والآراء، ومجمله أنّ الشرور متحقّقة في الكون تحقّقاً محسوساً لكل أحد، فوقع البحث في استنادها وتعيين منبعها، وللناس فيه مذاهب ومسالك:

فمنهم مَن أنكروا وجود الواجب الصانع؛ بدعوى أنّ فاعل العالَم لو كان مدبّراً حكيماً لَما صدر عنه هذه الشرور، فأسندوا العالَم إلى المادة، وهم الماديون.

ومنهم مَن أثبتوا مع الله خالقاً آخر، فأسندوا الخيرات إلى الله والشرور إلى ذلك الآخر، وهم الثنوية، فقال المجوس منهم: (2) إنّ فاعل الخير يزدان، أي الله، وفاعل الشر أهرمن، أي الشيطان.

وقالت الديصانية والمانوية منهم: إنّ فاعل الخير هو النور، وفاعل الشر هو الظلمة، ولعلّ حجّتهم في ذلك ما نقلناه عن الماديين.

ومنهم مَن أسندوا الشرور كلّها إلى الله الحكيم كاستناد الخيرات إليه فقالوا: إنّه تعالى خالق الجميع؛ ولذا أجابوا عن شبهة المجوس بالتزام التالي، وأنّه تعالى خالق للخيرات والشرور كلها، وإنّما لا يطلق لفظ الشرّير عليه، كما لا يُطلق عليه لفظ خالق القردة والخنازير مع كونه خالقاً لهما؛ وذلك لأحد الأمرين: إمّا لعدم التوقيف من الشرع وأسماء الله توقيفية، وإمّا لأنّه يوهم أن يكون الشر غالباً في فعله كما يقال: فلان شرّير، أي ذلك مقتضى طبعه (3) .

____________________

(1) أوائل المقالات / 23.

(2) ظاهر بعضهم كصريح آخر: أنّ الثنوية تشمل المجوس والمانوي والديصانية، لكنّ المذكور في تبصرة العوام أنّ الديصانية والمانوية من أقسام المجوس، وأنّ الثنوية غير المجوس فلاحظ. وأمّا تفصيل عقائدهم فلا ربط له بالمقام.

(3) شرح المواقف 3 / 51.

١٣٦

انتهى، وهم الأشاعرة.

وهذه الطوائف الثلاث بأسرها قد ضلّوا ضلالاً مبيناً، وخسروا خسراناً كبيراً، أمّا شبهة الماديين فسيأتي وجه حلها، وأمّا أهرمن المجوس وظلمة المانوية والديصانية، فإن كانتا ممكنتين فلابدّ من استنادهما واستناد أفعالهما إلى الله تعالى، وإن كانتا واجبتين، فأدلة التوحيد تدفعهما، وأمّا توهّم الأشعريين فهو سخيف جداً؛ لِما سيأتي من أنّ الله تعالى لا يفعل القبائح العقلية، فإنّها لا تليق بالحكيم، ولعمري إنّ هذا - أي عدم صدور الشر من الله الحكيم - ممّا أودعه الله في الفطرة البشرية؛ فلذا لم ينكره أحد غير هؤلاء المخالفين للنواميس العقلية.

ولذا أشرك المجوس، وكفر الماديون، ولم ينكروا حكمة الخالق القديم، واستحيوا من استناد الشرور إليه.

فإن قلت: لا موجود إمكاني إلاّ وهو معلول له تعالى، إمّا بلا واسطة أو بواسطة، والكلّ من عند الله وهو خالق كلّ شيء، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العظيم، فما تقول أنت في إسناد الشرور؟ وهل يمكن إسنادها إلى غير الواجب؟ فإن أجبت بالنفي فهو مذهب الأشعري، وإلاّ فهو مذهب المجوس أو المادي.

قلت: قد أجابوا عن هذا بوجهين:

الأَوّل: ما نقل عن أفلاطون من أنّ الشرّ عدمي، والعدم لا يحتاج إلى علّة: فالشرور الواقعة في العالم لا تقتضي فاعلاً حتى يتكلّم فيه، فبهذا يُدفع جميع ما لزم الماديين والثنوية والأشعرية.

أقول: أمّا الصغرى فقد اعتنى بها الفلاسفة جداً، وأوضحوها بذكر أمثلة (1) ومن جملتها القتل، فإنّه شرّ عند العقلاء، فقالوا: إنّ شريّته ليست من جهة قدرة القاتل عليه، ولا من جهة حركات أعضائه فإنّهما كمال له، ولا من جهة قطع الآلة فإنّه أيضاً كمال لها، ولا من حيث قبول العضو المقطوع للتقطيع لأنّه أيضاً كمال له، بل هي من جهة إزالة الحياة، وهي عدمية. نعم كل واحد من هذه المذكورات شرّ بالعرض لا بالذات؛ لِما عرفت من أنّه خير كذلك، وهكذا النار فإنّها خير بالذات شرّ بالعرض، فالشر بالذات لا يكون إلاّ عدمياً.

وقد ادّعى عليها - أي على عدمية الشرّ - الضرورة بعضهم، ولشارح حكمة الإشراق عليها برهان ذكره صاحب الأسفار معتمداً عليه، والظاهر أنّ اهتمام الفلاسفة بذلك؛ إنّما هو لأجل اعتبار السنخية في العلّة والمعلول عندهم؛ إذ لو كان الشر وجودياً لامتنع استناده إلى الخير

____________________

(1) وللمحقّق الطوسي كلام في توضيح ذلك نقله اللاهيجي في شوارقه 1 / 48 عن شرح الإشارات، ولصاحب الأسفار أيضاً كلام مفصّل في ذلك.

١٣٧

المحض، وهو الله الواجب، وإذا قيل لهم: إنّ العدم لا أثر له والشر مؤثّر، يقولون: إنّه ليس عدماً صرفاً بل عدم ملكة وله تأثير كالعمى ونحوها.

الثاني: ما نقل عن أرسطو - وقيل: إنّه تفاخر به - من أنّ الأشياء على خمسة احتمالات: ما لا خير فيه، وما لا شرّ فيه، وما يتساويان فيه، وما خيره غالب، وما شره غالب، وذات الواجب بالذات لمّا لم يمكن أن تصير مبدأ للشر، وجب أن لا يصدر عنها إلاّ قسمان من هذه الأقسام، أي ما لا شريّة فيه، وما خيريته غالبة، فإنّ ترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر كثير.

أقول: أمّا الوجه الأَوّل فبعد تسليم الصغرى وعدم المناقشة فيه، فيرد عليه: أنّ الممكن كما يحتاج في وجوده إلى إرادة الواجب، كذلك في عدمه إلى عدمها، فعدم الممكن مستند إلى عدم إرادته، فيعود الإشكال وأنّه تعالى لِمَ ما أراد كذا حتى لا يتحقّق الشر؟ فإرجاع الشرّ إلى العدم لا يجدي عن دفع الإشكال.

وأمّا الوجه الثاني فهو بمجرّده غير مفيد؛ لأنّه لم يخرج عن حدّ المدّعى بعد فهو مصادرة. هذا، والظاهر من جماعة من الفلاسفة جعل الوجهين وجهاً واحداً، فالشر عدم محض وليس بأمر وجودي حتى لا يصحّ صدوره من الواجب من أجل عدم السنخية. وأمّا الشرور بالعرض فهي وإن كانت أُموراً وجودية، لكن غير صادرة عنه تعالى بالقصد الأَوّل بل بالعرض،فإنّها غالبة الخيرية وإيجادها لأجل غلبة خيرها على شرها، وأمّا الشرور بالذات فهي مستندة إلى عدم إرادته، والواقع منها القسمان المتقدّمان لا غير، فإنّ الشرور التي تلحق الأشياء هي في أنفسها خيرات، وبالقياس إلى بعض الأشياء شرور، كوجود النار والماء، والسيف والسنان، والسبع والحية، وغيرها من الذوات، وكوجود الغضب والشهوة، والجُربزة والشيطنة، وغيرها من الصفات، وكوجود الضرب والطعن والقتل وغير ذلك من الأفعال.

أقول: لا شكّ في أنّ جملةً كثيرة من الموجودات - التي توجب الشر لبعض الأشياء الأُخر - خيرات في نفسها، وبها ينتفع غيرها انتفاعاً أكثر ممّا يترتّب عليها من الشر المذكور، إلاّ أنّ الإشكال لا يُدفع بهذا المقدار، فإنّه يقال: إنّ إحراق النار لثوب الفقير ممكن والله سبحانه قادر على منع تأثيرها، فلِمَ لم يمنعه؟ وكذا وقوع الطفل في النار، أو غرق شاب في الماء مثلاً، فإنّ إيجاد النار أو الماء مثلاً لأجل المنافع الكثيرة، لا يوجب استحالة منع تأثيرهما في توليد الشر في بعض الموارد، وهذا ما يقال: من أنّ الذي يغلب خيره على شره، لِمَ لم يوجد عن الباري على وجه لا يعتريه شرّ أصلاً؛ حتى يكون الموجودات كلها خيرات محضة؟

وأمّا ما أُجيب عنه وارتضاه صاحب الأسفار (1) - من أنّه لو كان كذلك لكان الشيء غير

____________________

(1) الأسفار، المجلد الثاني، الموقف الثامن، الفصل السادس.

١٣٨

نفسه؛ إذ كان هذا القسم غير ممكن في هذا القسم من الوجود... إلى أن قال: فإذا قلت: لِمَ لا يوجِد النار التي هي أحد أنواع هذا القسم على وجه لا يلزمها شر، فكأنّك قلت: لِمَ لم يجعل النار غير النار؟ ومن المستحيل أن يجعل النار غير النار، ومن المستحيل أن يكون النار ناراً، وتمس ثوب ناسك، ولا مانع من الحريق، ولا تحرقه. انتهى - فهو قعقعة، ويظهر فساده ممّا أشرنا إليه آنفاً فلاحظ.

وقال في مورد آخر من هذا الفصل: وأكثر مَن يطوّل حديث الخير والشر، ويستشكل الأمر يظن أنّ الأُمور العظمية الإلهية، من الأفلاك وما فيها، إنّما خُلقت لأجل الإنسان، وأنّ الأفعال الإلهية منشؤها إرادة قُصدت بها أشياء وأغراض، على نحو إرادتنا وأغراضنا في الأفعال الصادرة عنّا بالاختيار، ولو تأمّل هذا الجاهل المحجوب عن شهود العارفين أدنى تأمّل، لدرى أنّ الأمر لو كان كما توهّمه، ولم يكن هناك أحكام مضبوطة، وعلوم حقّة إلهية، وضوابط ضرورية أزلاً وأبداً، ما كان أحوال أولياء الله في الدنيا على هذا الوجه من المحن الشديدة... إلى آخر ما لفّقه ممّا لا فائدة في نقله.

وقد دريت أنّ الله تعالى فاعل مختار، وسيأتي أنّ أفعاله تابعة للأغراض على ما يقتضيه البرهان، فلا ضرورة له في إيجاد شيء أبداً، فإذن بقي الأشكال على حاله، وملخّصه أنّ المصلحة النوعية لشيء، لا تجوّز وقوع الشرّ منه من حيث الحكمة، ما دام تأثير الشيء موقوفاً على إذنه تعالى.

فالصحيح أن يقال: إنّ كلّ شرّ يستند إلى الله تعالى، له مصلحة زائدة على أصل المصلحة النوعية في نفس الموجود المسمّى بالشر بالعرض، مثلاً أنّ للنار مصلحةً هامّة نوعية، وفي إحراقها ثوب أحد، أو ولد آخر، مصلحة أُخرى للمتضرّر والمغموم أو لطف لأجنبي، لكن مع العِوض للمالك أو الوالد، وهكذا.

وهذا العِوض أكثر فائدة للمتضرّر من ضرره، وهذا الكلام ممّا لابدّ منه لوجوه:

الأَوّل: إنّ صدور الشرّ منه تعالى - ولو في مورد مع الاختيار والقدرة على دفعه - قبيح، والقبح غير جائز عليه.

الثاني: إنّ أفعاله معلّلة بالأغراض الراجعة إلى نفع غيره، فلابدّ من عائدة في الشرّ المذكورة راجعة إلى مَن ابتُلي بالشر المذكور، كما سيأتي تفصيله في بحث الأعراض من المقصد الخامس إن شاء الله.

الثالث: إنّ صدور الشر عنه ترجيح المرجوح على الراجح، أو ترجيح بلا مرجّح وهو باطل، فتلخّص أنّ الموجود في العالم هو ما لا شرّ فيه، أو ما فيه شرّ أقلّ من خيره، وهذا الشر

١٣٩

أيضاً لابدّ له من مصلحة شخصية، ويمكن أن يقال: إنّ الشرور الواقعة من سوء أفعال العباد الاختيارية لا مصلحة شخصية فيها، أو لا ملزم لها ولو دائماً سوى المصلحة العامّة في جعل الإنسان مختاراً؛ لكي لا تبطل التكاليف والتشريعات، فإنّ المضطرّ لا يجوز تكليفه، فتأمّل.

ثم إنّه بعد ما ثبت لزوم المصلحة في أفراد الشرور، لا مانع من إمكان موجود كان شره أكثر من خيره، كما لا يخفى وجهه على المتأمل، فتدبّر جيداً.

ثمّ إنّ جميع ما ذكرنا واضح بحمد الله، فشبهة الشرور مندفعة، غير أنّ مسألة خلود الكافرين في العقاب أمر مشكل، كما سيأتي توضيحه في بحث تعلّل أفعاله بالأغراض، وما أُجيب عنه (1) من تجسّم الأعمال باطل.

المطلب الثاني:

قد دريت أنّ القدرة إنّما تتعلّق بالممكن وحده دون الواجب والممتنع، فإنّ الشيء إذا كان ضروري الوجود أو العدم ولا يمكن تغيّره، استحال أن يتعلّق به القدرة التي هي بمعنى صحّة الفعل والترك؛ بداهة تصادم الصحّة والضرورة، فذات واجب الوجود وصفاته الذاتية خارجة عن دائرة قدرته، بل لا قدرة على مطلق الذاتيات، فلا يكون زوجية الأربعة، وإمكان الماهيات، وفقر الموجودات الممكنة، وأمثالها بمقدورة أصلاً، وكذا شريك الباري واجتماع النقيضين ونحوهما.

كلّ ذلك ظاهر، وأمّا قوله تعالى: ( إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (2) إمّا منصرف إلى الشيء الممكن من الأَوّل بحيث لا يشمل لفظ الشيء الضروريات، أو هو مخصّص به على تقدير الشمول اللفظي، ولا فرق في ذلك التخصّص والتخصيص بين أن يعبّر بعدم القدرة، وبين أن يعبّر بعدم قابلية المحل، فإنّ الضروري ممّا لا يتعلّق به قدرة القادر، سواء كان عدم التعلّق من جهة العجز أو من نقص القابل، فإنكار التخصيص على الثاني كما توهّمه صاحب الأسفار (3) لا وجه له.

وممّا ذكرنا كلّه ظهر أنّ إدخال العالم كلّه في بيضة، مع عدم تصغير العالم ولا تكبير البيضة، محال غير قابل لتعلّق القدرة الأزلية به، وقد دلّ عليه مرسلة ابن أبي عمير عن الإمام الصادق عليه‌السلام (4) قال: إنّ إبليس قال لعيسى ابن مريم عليه‌السلام : أَيقدر ربّك على أن يدخل الأرض

____________________

(1) المجيب صاحب الأسفار ناسباً جوابه إلى الفلاسفة، وسيأتي وجه بطلانه في مسألة بطلان الجبر والتفويض.

(2) النور 24 / 45.

(3) الأسفار، مباحث الشرور.

(4) البحار 4 / 142.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

لقاء الحبيبين على يد بقية السبطين :

ثم لقي الحسينعليه‌السلام عبد الله ، فقال : ما أنكرت مالك ، وإنما زعمت أنه كما دفعته إليها بطابعك ، فادخل إليها واستوف مالك منها. قال عبد الله : أو تأمر من يدفعه إليّ. قال : لا ، حتّى تقبض مالك منها ، كما دفعته إليها ، وتبرئها منه إذا أدته إليك.

فلما دخل عليها عبد الله قال لها الحسينعليه‌السلام : هذا عبد الله بن سلام قد جاء يطلب وديعته ، فأدّي إليه أمانته. فأخرجت إليه البدر ، فوضعتها بين يديه ، وقالت :هذا مالك ، فشكر وأثنى. وخرج الحسينعليه‌السلام عنهما. وفضّ عبد الله خواتم بدره ، وحثا لها من ذلك الدرّ حثوات ، وقال : خذي هذا فهو قليل مني. فاستعبرا جميعا ، حتّى علت أصواتهما بالبكاء ، أسفا على ما ابتليا به.

فدخل الحسينعليه‌السلام عليهما وقد رقّ لهما للذي سمع منهما. فقال : أشهد الله أنها طالق. الله م إنك قد تعلم أني لم أستنكحها رغبة في مالها ولا جمالها ، ولكني أردت إرجاعها لبعلها ، فأوجب لي بذلك الأجر. ولم يأخذ شيئا مما ساقه لها من مهرها. فسألها عبد الله أن تصرف إلى الحسينعليه‌السلام ما كان ساق لها ، فأجابته إلى ذلك ، شكرا لما صنعه بها ، فلم يقبله الحسينعليه‌السلام ، وقال : الّذي أرجو عليه من الثواب خير وأولى.

فلما انقضت أقراؤها تزوجها عبد الله بن سلام ، وبقيا زوجين سعيدين إلى أن فرّق الموت بينهما

وباءت مكيدة معاوية وابنه يزيد بالفشل ، لأنها مكيدة غدر وضرر ، ونجحت مبادرة الحسينعليه‌السلام لأنها مبادرة برّ وخير ، وصدق من قال : «كلّ إناء ينضح بما فيه». فهذه كانت أخلاق آل أبي سفيان ، وتلك كانت أخلاق آل بيت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

يقول السيد محسن الأمين في (المجالس السنيّة) ج ٣ ص ٧٣ بعد إيراد هذه القصة : ومن هذا وشبهه كانت الأحقاد تزداد في قلب يزيد على الحسينعليه‌السلام ، حتّى أظهر الشماتة والفرح يوم جيء إليه برأس الحسينعليه‌السلام .

٣٨١

مرض معاوية وهلاكه

٤١٤ ـ مرض معاوية ووصيته :

(معالي السبطين في أحوال السبطين للمازندراني ، ج ١ ص ١٢٣)

في (الناسخ) أن معاوية عاش ثمانين سنة. ولما تصرّمت أيامه ، وردت عليه كتب من أهل المدينة ، فوجد فيها رقعة مكتوب فيها :

إذا الرجال ولدت أولادها

واضطربت من كبر أعضادها

وجعلت أسقامها تعتادها

فهي زروع قد دنا حصادها

فقال معاوية : هذه الرقعة تهددني بالموت وتنعى إليّ نفسي. فما مضت إلا أيام قلائل حتّى ابتدأ به المرض والوجع.

قال المسعودي : إن معاوية دخل الحمّام في بدء علة كانت وفاته فيها ، فرأى نحول جسمه ، فبكى لفنائه وما قد أشرف عليه من الدثور الواقع بالخليقة ، وقال متمثّلا :

أرى الليالي أسرعت في نقضي

أخذن بعضي ، وتركن بعضي

حنين طولي وحنين عرضي

أقعدنني من بعد طول نهضي

فلما اشتدت علته وأيس من برئه ، أنشأ يقول :

فياليتني لم أعن في الملك ساعة

ولم أك في اللذات أعشى النواظر

وكنت كذي طمرين عاش ببلغة

من الدهر حتّى زار أهل المقابر

فلما مرض المرضة التي مات بها كان يبكي ، فقال له مروان : أتجزع من المرض؟. قال : لا بل أبكي وأجزع على نفسي مما ارتكبت ، وهو قتل حجر بن عدي وأصحابه ، وغصب عليعليه‌السلام حقه ومحاربتي معه ، وتوليتي يزيد على أمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وكان معاوية في مرضه ربما اختلط في بعض الأوقات. فقال مرة : كم بيننا وبين الغوطة؟. فصاحت بنته : واحزناه! ثم مات.

وفي مخطوطة مصرع الحسين [مكتبة الأسد] ص ٣ :

وجاء في الخبر : أنه لما حضرت معاوية الوفاة دعا بولده يزيد ، وكان واليا على مدينة حمص ، استدعاه إلى دمشق ليوصيه.

٣٨٢

٤١٥ ـ وصية معاوية لابنه يزيد :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٧٤)

ثم قال معاوية ليزيد : إني من أجلك آثرت الدنيا على الآخرة ، ودفعت حق علي بن أبي طالب ، وحملت الوزر على ظهري ، وإني لخائف أنك لا تقبل وصيتي ، فتقتل خيار قومك ، ثم تغزو حرم ربك ، فتقتلهم بغير حق ، ثم يأتي الموت بغتة ، فلا دنيا أصبت ولا آخرة أدركت.

يا بنيّ إني جعلت هذا الملك مطعما لك ولولدك من بعدك ، وإني موصيك وصية فاقبلها ، فإنك تحمد عاقبتها ، وإنك بحمد الله صارم حازم.

انظر أن تثب على أعدائك كوثوب الهزبر البطل ، ولا تجبن كجبن الضعيف النّكل.

وفي (تذكرة الخواص) ص ٢٤٦ ط ٢ نجف :

فإني قد كفيتك الحلّ والترحال ، ووطّأت لك البلاد والرجال ، وأخضعت لك أعناق العرب. وإني لا أتخوّف عليك أن ينازعك هذا الأمر الّذي أسّست (استتبّ) لك ، إلا أربعة نفر من قريش : الحسين بن علي ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الرحمن بن أبي بكر.

فأما ابن عمر ، فرجل قد وقذته (أي أنحلته) العبادة ، وإذا لم يبق أحد غيره بايعك.

وأما الحسين ، فإن أهل العراق لن يدعوه حتّى يخرجوه ، فإن خرج عليك فظفرت به ، فاصفح عنه ، فإن له رحما ماسّة وحقا عظيما.

وأما ابن أبي بكر ، فإنه ليست له همّة إلا في النساء واللهو ، فإذا رأى أصحابه قد صنعوا شيئا صنع مثله.

وأما الّذي يجثم لك جثوم الأسد ، ويطرق (أي يضرب) إطراق الأفعوان ، ويراوغك مراوغة الثعلب (فإن أمكنته فرصة وثب) ، فذاك ابن الزبير. فإن وثب عليك وأمكنتك الفرصة منه ، فقطّعه إربا إربا.

تابع وصية معاوية ليزيد فيما يخص معاملة أهل الحجاز والعراق والشام :

(المصدر السابق ، ص ١٧٦)

ثم قال معاوية : وانظر إلى أهل الحجاز ، فإنهم أصلك وفرعك ، فأكرم من قدم عليك منهم ، ومن غاب عنك فلا تجفهم ولا تعقّهم.

٣٨٣

وانظر إلى أهل العراق ، فإنهم لا يحبونك أبدا ولا ينصحونك. ولكن دارهم ما أمكنك واستطعت ، وإن سألوك أن تعزل عنهم في كل يوم عاملا فافعل ، فإنّ عزل عامل واحد هو أيسر عليك وأخفّ من أن يشهروا عليك مائة ألف سيف.

وانظر يا بني أهل الشام ، فإنهم بطانتك وظهارتك ، وقد بلوتهم وخبرتهم وعرفت نياتهم ، وهم صبر عند اللقاء ، حماة في الوغى. فإن دار بك أمر من عدوّ يخرج عليك فانتصر بهم ، فإذا أصبت منهم حاجتك فارددهم إلى بلادهم يكونوا بها إلى وقت حاجتك إليهم.

قال : ثم تنفّس الصّعداء ، ثم غشي عليه ، فلم يفق من غشيته يومه ذلك. فلما أفاق قال : أوه( جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ ) [الإسراء : ٨١]. ثم جعل يقول :

إن تناقش يكن نقاشك يا

ربّ عذابا لا صبر لي بالعذاب

أو تجاوز فأنت ربّ رحيم

عن مسيء ذنوبه كالتراب

٤١٦ ـ وصية معاوية بوضع شيء من شعر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وظفره في فمه وعينه :

(المصدر السابق ، ص ١٧٧)

ثم قال معاوية : اعلموا أني كنت بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم وهو يقلّم أظفاره ، فأخذت القلامة ، وأخذت بمشقص من شعره على الصفا ، وجعلتها في قارورة هي عندي ، فاجعلوا أظفاره وشعره في فمي وأذني ، وصلّوا عليّ وواروني في حفرتي ، وذروني وربي ، فإنه غفور رحيم. ثم انقطع كلامه فلم ينطق بشيء.

وفي رواية القرماني في (أخبار الدول) ص ١٢٩ :

وكان عند معاوية شيء من شعر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقلامة ظفره ، فأوصى أن يجعل ذلك في فمه وعينيه ، وأن يكفّن بثوب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقال : افعلوا ذلك وخلوّا بيني وبين أرحم الراحمين.

٤١٧ ـ تعليق على وصية معاوية ليزيد :

(حياة الإمام الحسين بن عليعليه‌السلام لباقر شريف القرشي ، ج ٢ ص ٢٣٧)

بعد استعراض الوصية قال السيد باقر شريف القرشي :

وأكبر الظن أن هذه الوصية من الموضوعات. فقد افتعلت لإثبات حلم معاوية ، وأنه عهد إلى ولده بالإحسان الشامل إلى المسلمين ، وهو غير مسؤول عن تصرفاته.

٣٨٤

وفيها أن يعامل أهل العراق معاملة جيدة ، وكذلك أهل الحجاز ، وخاصة الحسينعليه‌السلام .

لكن الواقع أن مقابل هذه الوصية الظاهرية هناك وصية مستورة تعاكسها ، وهي الحقيقة التي ستطبق.

فقد روى المؤرخون أن معاوية أوصى يزيد بإرسال مسلم بن عقبة إلى المدينة إذا لم يبايعوا ، وكان (مسلم) جزّارا جلّادا لا يعرف الرحمة والرأفة. فهل هكذا الإحسان للحجازيين؟!.

كما أوصى بتعيين عبيد الله بن زياد على العراق ، وهو أكبر دموي غادر ، فهل هكذا الإحسان للعراقيين؟!.

وإذا كان معاوية لم يتردد في اغتيال الإمام الحسنعليه‌السلام حتّى بعد ما بايعه ، فهل حقا يوصي ابنه بالحسينعليه‌السلام ، وأن يعفو عنه إذا ظفر به. ولو أن الوصية المزعومة كانت صحيحة لما كان يزيد ، لا همّ له بعد موت أبيه إلا تحصيل البيعة من الحسينعليه‌السلام . الصحيح أنه أوصاه أن يغتاله سرا ، فبعث إلى والي المدينة كتابا صغيرا منفصلا عن الكتاب الأصلي يأمره به بقتله أو يبايع. كما أمر والي مكة ـ فيما بعد ـ بأن يقتله على أي حال اتفق ، حتّى ولو كان متمسكا بأستار الكعبة!.

توضيح : زعم بعض المؤرخين أن معاوية كتب وصيته ليزيد ، ويزيد لم يكن حاضرا عنده. وقال بعضهم إنه كان حاضرا عند الوصية. ولكنهم أجمعوا على أنه لم يكن حاضرا عند موته ، بل كان في (حوّارين) من أعمال شرق حمص. ويمكن إزالة هذا التعارض بالقول إن معاوية كتب الوصية في غياب يزيد ، ولما حضر قرأ أبوه عليه الوصية. ثم إن يزيد سافر إلى حوّارين ، وما لبث أبوه أن مات وهو غائب عنه. فاستدعاه الضحّاك بن قيس ، فقدم لثلاثة أيام على وفاته.

يقول الدينوري في (الأخبار الطوال) : إن معاوية أوصى وكان يزيد غائبا ، ثم قدم عليه يزيد ، فأعاد عليه الوصية ، ثم قضى.

٤١٨ ـ وفاة معاوية وعمره :(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٧٧)

يقول الخوارزمي : فتوفي معاوية في غد ذلك اليوم ، وليس عنده يزيد (بل خرج إلى حوران للصيد). فكان ملكه تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر. وتوفي بدمشق يوم الأحد لأيام خلت من شهر رجب سنة ٦٠ ه‍ ، وهو ابن ثمان وسبعين ٧٨ سنة.

٣٨٥

٤١٩ ـ هلاك معاوية وتشييعه :

(الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ، ج ١ ص ١٧٤)

ذكروا أن نافع بن جبير قال :

إني بالشام يوم موت معاوية ، وكان يزيد غائبا ، واستخلف معاوية الضحاك بن قيس بعده ، حتّى يقدم يزيد

فلما مات معاوية خرج الضحّاك على الناس ، فقال : لا يحملنّ اليوم نعش أمير المؤمنين إلا قرشي. قال : فحملته قريش ساعة.

ثم قال أهل الشام : أصلح الله الأمير ، اجعل لنا من أمير المؤمنين نصيبا في موته كما كان لنا في حياته. قال : فاحملوه ، فحملوه وازدحموا عليه ، حتّى شقّوا البرد الّذي كان عليه صدعين (أي نصفين).

٣٨٦

الفصل الحادي عشر

حكم يزيد بن معاوية

[غرة شهر رجب سنة ٦٠ ه‍]

٤٢٠ ـ الوضع الفلكي أول حكم يزيد :

(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ٢٤١)

يقول اليعقوبي : وملك يزيد بن معاوية ، في مستهل رجب سنة ٦٠ ه‍ ، وكانت الشمس يومئذ في (الثور) درجة وعشرين دقيقة ، والقمر في (العقرب) كذا درجات وثلاثين دقيقة ، وزحل في (السرطان) إحدى عشرة درجة ، والمشتري في (الجدي) تسع عشرة درجة ، والمريخ في (الجوزاء) اثنتين وعشرين درجة وثلاثين دقيقة ، والزّهرة في (الجوزاء) ثماني درجات وخمسين دقيقة ، وعطارد في (الثور) عشرين درجة وثلاثين دقيقة.

٤٢١ ـ الحكم الوراثي :

لم يستنكر كثير من المسلمين بعد موت معاوية جلوس يزيد على الحكم ، رغم بشاعة هذا الأمر ومعارضته التامة لتعاليم الإسلام ، وما ذلك إلا لدهاء معاوية في التمهيد لهذا الأمر من قبل ، وتعويدهم عليه بعد استهجانه واستنكاره ، وهي من خطط الحكم الدكتاتوري الملكي الّذي ابتدعه معاوية ، وسرى داؤه في كل الحكم الأموي.

إن قانون ولاية العهد الّذي سنّه معاوية هو قانون اقتبسه من الأفكار الكسروية والهرقلية ليحارب به الإسلام. وهذا القانون إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على النزعة العنصرية. ومن عادة الطواغيت أنهم يحاولون أن تستمر مسيرتهم الدكتاتورية من خلال استمرارية وجودهم بشخص أبنائهم.

٤٢٢ ـ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتنبّأ بحكم الطاغية يزيد :

في (الإتحاف بحب الأشراف) للشبراوي ، ص ٦٥ :

روى أبو يعلى من حديث أبي عبيدة رفعه : «لا يزال أمراء أمتي قائمين بالقسط حتّى يتسلمه رجل من بني أمية ، يقال له يزيد».

٣٨٧

وفي (تاريخ الخلفاء) للسيوطي ، ص ٢٠٧ :

وأخرج أبو يعلى في مسنده بسند ضعيف عن أبي عبيدة قال : «لا يزال أمر أمتي قائما بالقسط ، حتّى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية ، يقال له : يزيد».

ورواه غير أبو يعلى بدون تسمية يزيد ، لأنهم كانوا يخافون من تسميته.

ولهذا روى ابن أبي شيبة وغيره عن أبي هريرة أنه قال : الله م لا تدركني سنة ستين ولا إمرة الصبيان. وكانت ولاية يزيد فيها.

٤٢٣ ـ الفساد بعد عام الستين :(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٦ ص ٢٥٩)

قال الإمام أحمد : حدثنا أبو عبد الرحمن أن الوليد بن قيس النجيعي حدثه أن أبا سعيد الخدري قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «يكون خلفّ من بعد الستين سنة( أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) (٥٩) [مريم : ٥٩]. ثم يكون خلف يقرؤون القرآن لا يعدو تراقيهم (أي لا يتعدى حلوقهم) ، ويقرأ القرآن ثلاثة :مؤمن ومنافق وفاجر».

قال بشير : فقلت للوليد بن قيس : ما هؤلاء الثلاثة؟. قال : المنافق كافر به ، والفاجر يتأكلّ به ، والمؤمن يؤمن به. (رواه أحمد بسند جيد قوي).

٤٢٤ ـ خلافة يزيد بن معاوية في رجب سنة ٦٠ ه‍ :

(تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ١٨٨ طبعة أولى مصر)

قال هشام بن محمّد الكلبي عن أبي مخنف : ولي يزيد بن معاوية في هلال رجب سنة ٦٠ ه‍.(وفي رواية) : بويع ليزيد بالخلافة بعد وفاة أبيه معاوية للنصف من رجب ، وقيل لثمان بقين منه.

٤٢٥ ـ ذكر مدة خلافة يزيد بن معاوية وعمره :

قال المسعودي في (مروج الذهب) ج ٣ ص ٦٣ :

بويع يزيد بن معاوية ، فكانت أيامه ثلاث سنين وثمانية أشهر إلا ثماني ليال.

وهلك يزيد بحوّارين من أرض دمشق ، لسبع عشرة ليلة خلت من صفر سنة ٦٤ ه‍ ، وهو ابن ٣٣ سنة.

وقال ابن الطقطقا في (الفخري) ص ١١٣ :

كانت ولاية يزيد على أصح القولين ثلاث سنين وستة أشهر. ففي السنة الأولى

٣٨٨

قتل الحسين بن عليعليه‌السلام ، وفي السنة الثانية نهب المدينة وأباحها ثلاثة أيام ، وفي السنة الثالثة غزا الكعبة.

وفي (تاريخ أبي الفداء) ج ٢ ص ١٠٤ :

وكانت مدة خلافته ثلاث سنين ونصف.

وقال السيوطي في (تاريخ الخلفاء) ص ٢٠٥ :

يزيد بن معاوية الأموي ، أبو خالد. ولد سنة ٢٥ أو ٢٦ ه‍.

وقال ابن عبد ربه في (العقد الفريد) ج ٤ ص ٣٠٥ :

مات يزيد يوم الخميس لأربع عشرة خلت من ربيع الأول سنة ٦٤ ه‍ ، وعمره ٣٨ سنة. ودفن بحوّارين خارجا من المدينة.

وقال المسعودي في (التنبيه والإشراف) ص ٢٦٤ : وهلك يزيد بحوّارين من أرض دمشق ، مما يلي قارا والقطيفة طريق حمص في البر ، لسبع عشرة ليلة خلت من صفر سنة ٦٤ ه‍ ، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة. وكانت أيامه ثلاث سنين وسبعة أشهر و ٢٢ يوما.

٤٢٦ ـ صفة يزيد وهيئته :

قال المسعودي في (التنبيه والإشراف) ص ٢٦٤ : كان يزيد آدم ، شديد الأدمة ، عظيم الهامة ، بوجهه أثر جدري بيّن. يبادر بلذته ، ويجاهر بمعصيته ، ويستحسن خطأه ، ويهوّن الأمور على نفسه في دينه ، إذا صحّت له دنياه.

وقال السيوطي في (تاريخ الخلفاء) : كان ضخما ، كثير اللحم ، كثير الشعر.

وقال ابن عبد ربه في (العقد الفريد) : كان آدم جعدا مهضوما ، أحور العينين ، بوجهه آثار جدري ، حسن اللحية خفيفها.

وكان كاتبه وصاحب أمره : سرجون بن منصور.

وقال المازندراني في (معالي السبطين) ج ٢ ص ٩١ :

بل صفاته كصفات العبيد : ذميم الوجه ، قبيح المنظر ، أفطس الأنف ، أسود الخدّ ، بشدقه ضربة كزند البعير ، غليظ الشفتين ، جدريّ الخدين. وكان على وجهه أثر ضربة. إذا تكلم كان جهير الصوت.

٣٨٩

٤٢٧ ـ وصف الطرمّاح لسوء خلقة يزيد :(المصدر الأخير)

ولنعم ما قال الطرمّاح. لما دخل على معاوية نظر إلى يزيد وهو جالس على السرير ، فلم يسلّم عليه ، وقال : من هذا الغيشوم الميشوم ، المضروب على الخيشوم ، الواسع الحلقوم ، طويل الخرطوم [أي الأنف]؟. فقالوا : صه يا أعرابي ، هذا يزيد. قال : ومن يزيد لا زاد الله في مرامه ، ولا بلغّه مراده.والحاصل أن صفات يزيد كصفات الأداني ، وهيئته كهيئة العبيد.

٤٢٨ ـ (ميسون) أم يزيد :(تاريخ أبي الفداء ، ج ٢ ص ١٠٤)

وكانت أمه : ميسون بنت بجدل الكلبية ، أقام يزيد معها بين أهلها في البادية ، وتعلم الفصاحة ونظم الشعر هناك ، في بادية بني كلب [وهي البادية الممتدة شرق حمص ، ومن قارا والقطيفة إلى القريتين]. وكان سبب إرساله مع أمه إلى هناك ، أن معاوية سمع ميسون تنشد هذه الأبيات وهي جالسة في قصره :

لبيت تخفق الأرواح فيه

أحبّ إليّ من قصر منيف

ولبس عباءة وتقرّ عيني

أحبّ إليّ من لبس الشفوف

وخرق من بني عمي فقير

أحبّ إليّ من علج عنيف

فطلقّها معاوية ، وبعثها مع يزيد إلى أهلها ، وهي حامل.

٤٢٩ ـ أولاد يزيد وزوجاته :(العقد الفريد لابن عبد ربه ، ج ٤ ص ٣٠٥)

ليزيد عدة أولادهم :

ـ معاوية وخالد وأبو سفيان ، أمهم : فاختة بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة.

ـ وعبد الله وعمر ، أمهما : أم كلثوم بنت عبد الله بن عباس.

وكان ابنه عبد الله ناسكا ، وولده خالد عالما. لم يكن في بني أمية أزهد من عبد الله ، ولا أعلم من خالد.

روى الأصمعي عن أبي عمرو قال : أعرق الناس في الخلافة (عاتكة) بنت يزيد ابن معاوية : أبوها خليفة ، وجدها معاوية خليفة ، وأخوها معاوية الثاني خليفة ، وزوجها عبد الملك بن مروان خليفة ، وأربّاؤها الوليد وسليمان وهشام خلفاء.

وذكر السلطان الأشرف عمر بن يوسف في (طرف الأصحاب في معرفة الأنساب) أن أولاد يزيد هم :

٣٩٠

معاوية وخالد وعبد الله الأكبر والأصغر وعمير وعبد الرحمن وعتبة ويزيد ومحمد وحرب والربيع وعبد الله.

وفي (مروج الذهب) للمسعودي ، ج ٣ ص ٩٨ قال :

خلّف معاوية : عبد الرحمن ، يزيد ، عبد الله ، هندا ، رملة ، صفية.

وخلّف ابنه يزيد : معاوية ، خالد ، عبد الله الأكبر ، أبا سفيان ، عبد الله الأصغر ، عمر ، عاتكة ، عبد الرحمن ، عثمان ، عتبة الأعور ، أبا بكر ، محمّد ، يزيد ، أم يزيد ، أم عبد الرحمن ، رملة.

(أقول) : وأفضلهم قاطبة معاوية (الثاني) المسمى بمعاوية الصغير ، وهو الّذي وصّى له يزيد بالخلافة ، فخلع نفسه منها معترفا بأخطاء أبيه وأجداده ، ولو علم أبوه أنه سيفعل ذلك ما كان وصّى له.

وأفضل زوجاته (هند بنت عبد الله بن عامر بن كريز) التي استنكرت على يزيد أعماله الشائنة ، وقتله للحسينعليه‌السلام ، ودخلت عليه مجلسه ووبّخته. في حين أحسنت ضيافة زينبعليها‌السلام والهاشميات في دار يزيد حين جئن سبايا إلى الشام.

وسوف نتناول بالتفصيل نسب يزيد وأمه ميسون ، وكذلك معاوية وأمه هند بنت عتبة ، في آخر فصل من الجزء الثاني من الموسوعة ، وهو نسب يندى له الجبين.

٤٣٠ ـ فسوق يزيد :(مروج الذهب للمسعودي ، ج ٣ ص ٨١ و ٧٧)

وليزيد أخبار عجيبة ومثالب كثيرة : من شرب الخمر ، وقتل ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولعن الوصيعليه‌السلام ، وهدم البيت وإحراقه ، وسفك الدماء ، والفسق والفجور ، وغير ذلك ، مما قد ورد فيه الوعيد باليأس من غفرانه ، كوروده فيمن جحد توحيده وخالف رسله.

وفي أيام يزيد ظهر الغناء بمكة والمدينة ، واستعملت الملاهي ، وأظهر الناس شرب الشراب. وكان له قرد يكنّى بأبي قبيس ، يحضره مجلس منادمته ، ويطرح له متّكأ ، وكان قردا خبيثا ، وكان يحمله على أتان (أي حمارة) وحشية قد ريضت ، وذلّلت لذلك بسرج ولجام.

وقال البلاذري في (أنساب الأشراف) ج ٤ ص ١ :

وكان يزيد بن معاوية أول من أظهر شرب الشراب ، والاستهتار بالغناء والصيد ،

٣٩١

واتخاذ القيان والغلمان ، والتفكّه بما يضحك منه المترفون ، من القرود والمعافرة بالكلاب والديكة.

شرح : المعافرة : هي المهارشة ، وهي أن يدع الكلاب تثب على بعضها وتتقاتل.

وقال الاصفهاني في (الأغاني) ج ١٦ ص ٦٨ :

كان يزيد بن معاوية أول من سنّ الملاهي في الإسلام من الخلفاء ، وآوى المغنين وأظهر الفتك وشرب الخمر. وكان ينادم عليها سرجون النصراني مولاه ، والأخطل الشاعر النصراني ، وكان يأتيه من المغنين (سائب خاثر) فيقيم عنده فيخلع عليه.

وقال ابن الطقطقي في (الآداب السلطانية) ص ١١٣ : ثم ملك يزيد ، وكان موفور الرغبة في الله والقنص والخمر والنساء والشعر.

٤٣١ ـ اقتداء حاشية يزيد به في الفسوق :

(مرآة العقول للمجلسي ، المقدمة للسيد مرتضى العسكري ، ج ٢ ص)

وكان من الطبيعي أن يتأثر بيزيد حاشيته ، ويتظاهر الخلعاء والماجنون أمرهم ، كما ذكره المسعودي في (مروج الذهب) قال :

وغلب على أصحاب يزيد وعماله ما كان يفعله من الفسوق. وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة ، واستعملت الملاهي ، وأظهر الناس شرب الشراب.

٤٣٢ ـ استخدام يزيد للنصارى :

(منتخبات التواريخ لدمشق لمحمد أديب الحصني ، ج ١ ص ٨٦)

وقد كان يزيد يتزيّد في تقريب المسيحيين ، ويستكثر منهم في بطانته الخاصة.

وقد استخدم المسيحيين في مصالح الملك في زمن خلافته ، فعهد بأمور المالية إلى منصور وسرجون من نصارى العرب السوريين. [وكان سرجون مستودع أسرار معاوية ، ثم اتخذه يزيد لمشورته في كل معضلة].

(أقول) : وإن تقريبه للمسيحيين منبعث من كون أمه مسيحية من بني كلب ، وهي ميسون بنت بجدل.

وهذه فكرة عن المنطقة التي تربّى فيها يزيد بين أخواله النصارى في (حوّارين) بعد أن طلّق معاوية أمه ، فالتحقت بأهلها.

٣٩٢

ـ خربة حوّارين :

قال الدكتور عفيف بهنسي في كتابه (سورية التاريخ والحضارة) ص ٥٨٦ :

خربة في هضبة حمص ، تقع في أرض سهلية متموجة ، فيها خرائب تعود إلى العصور التدمرية والبيزنطية والعربية الإسلامية. تمرّ بجوارها سكة حديد حمص ـ دمشق. وتنسب إلى يزيد بن معاوية [٦٠ ـ ٦٤ ه‍]. مع أنه لم يترك أثرا من المنشآت أو القصور ، ويرجع ذلك إلى انغماسه باللهو والصيد.

٤٣٣ ـ جبل (سنير):

جبل سنير : هو جبل حرمون ، بل هو سلسلة جبال لبنان الشرقية ، ويقع بين حمص وبعلبك ، وعلى رأسه قلعة سنير ، وهو يمتد مشرّقا حتّى القريتين.

ويقسم جبل سنير إلى ثلاثة أقسام ، مركزها دمشق أو جبل قاسيون ، وهي :

١ ـ جبل سنير الغربي : قضاء الزبداني ، ومنه جبل بلودان.

٢ ـ جبل سنير الشرقي والشمالي : قضاء النبك ، واسمه القديم القلمون.

٣ ـ جبل سنير الجنوبي : قضاء قطنا ، واسمه القديم الحرمون.

وفي (جولة أثرية في بعض البلاد الشامية) لأوليا جلبي ، ترجمة أحمد وصفي زكريا ، ص ٣٧١ :

كان جبل القلمون قبل الفتح الإسلامي يدعى (جبل سنير) وهو مأهول بأحفاد الآراميين ، سكان الشام الأقدمين ، بينهم فئة من الروم. ولما استقرت أقدام المسلمين في الشام ، سكن فيه من قبائل العرب بنو ضبّة وبعض بني كلب ، الذين منهم ميسون بنت بجدل أم يزيد بن معاوية ، وهذا هو السبب في تفضيل يزيد الإقامة واللهو في (حوّارين) والصيد في أعالي جبل سنير ، ليكون بين أخواله.

وفي (أنساب الأشراف) : أن (حوّارين) هو الاسم القديم (للقريتين).

وفي (منجد الأعلام) : أن (حوّارين) مكان بين دمشق وتدمر وحمص ، سكنه النصارى الآراميون في بداية العهد الأموي.

٣٩٣

ترجمة سرجون الرومي

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ١٦٩)

سرجون : كاتب يزيد وأنيسه وصاحب سره. نصراني كان مولى لمعاوية.

وفي كتاب (الإسلام والحضارة العربية) لمحمد كرد علي ، ج ٢

ص ١٥٨ : كان سرجون بن منصور من نصارى الشام. استخدمه معاوية في مصالح الدولة. وكان أبوه منصور على المال في الشام من عهد هرقل قبل الفتح ، ساعد المسلمين في قتال الروم.

ومنصور بن سرجون كانت له خدمة في الدولة كأبيه. وكان عمر ابن الخطاب يمنع من خدمة النصارى إلا إذا أسلموا.

٤٣٤ ـ أعمال يزيد ومعاوية كانت السبب الرئيسي لانقسام المسلمين وتفرق كلمتهم إلى يوم الدين :(منتخبات التواريخ ، ج ١ ص ٨٧)

يقول محمّد أديب الحصني :

ومن أشأم الوقائع التاريخية التي حدثت في عهد يزيد وأحدثت تبدلا عظيما في السياسة وتغيرا فاحشا في اجتماعات المسلمين : واقعة كربلاء المشهورة ، التي دوّنها المؤرخون ، وانتهت بقتل سيّد البيت العلوي المطهّر ورئيسه ، الإمام الحسين ابن علي سيد الشهداء ، وجماعة من سلالته وذوي رحمه ، أفظع قتل وأشنعه.

فهذه الدهماء والنازلة الشنعاء التي تسببت عن سوء سياسة يزيد ، هي التي ضعضعت أركان الحكومة الإسلامية ، وشوّشت أمر جامعة المسلمين ، وأتمّت أدوار الانشقاق والاضطراب ، التي ابتدأت في عهد والديهما [يعني عليا ومعاوية].وكانت إحدى الأسباب في تفريق الكلمة وتشتيت الوحدة وانثلام الحصن. فإن المسلمين مالبثوا من ذلك العصر ، ومن جراء تلك الحادثة المشؤومة والتي قبلها ، متفرقين طرائق ومنقسمين شيعا ، وخصوصا بعد ما ألبسوا المسألة صبغة دينية ، شأنهم في جميع الحوادث التاريخية ، التي حدثت في ذلك العصر وقبله وبعده بقليل.

٣٩٤

٤٣٥ ـ أعمال وحشية لا نظير لها :(المنتخب للطريحي ، ص ١٥ ط ٢)

ولما هلك معاوية تولى من بعده ولده يزيد ، فنهض إلى حرب الحسينعليه‌السلام وجهز له العساكر وجيّش له الجيوش ، وأمّر عليهم عبيد الله بن زياد ، وأمرهم بقتل الحسينعليه‌السلام وقتل رجاله وذبح أطفاله وسبي عياله ونهب أمواله. ولم يكفهم ذلك حتّى أنهم بعد قتله رضّوا أضلاعه وصدره بحوافر الخيول ، وحملوا رؤوسهم على القنا ، وحريمهم على أقتاب الجمال في أشدّ العنا.

٤٣٦ ـ خلافة يزيد :

يقول الذهبي في (دول الإسلام) ج ١ ص ٤٥ :

كان معاوية قد جعل يزيد ولي العهد من بعده. فقدم من أرض حمص ، وبادر إلى قبر والده. ثم دخل دمشق فركب إلى (الخضراء) وكانت دار السلطنة.

٤٣٧ ـ مجيء يزيد إلى دمشق :(الفتوح لابن أعثم ، ج ٥ ص ٢)

بعث الضحاك بن قيس رسالة إلى يزيد يستقدمه من (حوّارين) بعد دفن معاوية ، ليستلم مقاليد الحكم ويبايعه الناس بيعة محدودة [مجددة].

قال : ثم ورد الكتاب على يزيد ، فوثب صائحا باكيا ، وأمر بإسراج دوابه ، وسار يريد دمشق. فصار إليها بعد ثلاثة أيام من مدفن معاوية. وخرج

حتّى إذا وافى يزيد قريبا من دمشق ، فجعل الناس يتلقّونه فيبكون ويبكي.

قال : وسار يزيد ومعه جماعة إلى قبر معاوية ، فجلس وانتحب ساعة وبكى.

جلوس يزيد في قصر الخضراء :

ثم ركب يزيد وسار إلى قبة لأبيه خضراء ، فدخلها وهو معتم بعمامة خزّ سوداء ، متقلّدا بسيف أبيه معاوية ، حتّى وصل إلى باب الدار.

ثم دخل القبة الخضراء (وكانت دار السلطنة) وجلس على فرش منصوبة له ، وأخذ الناس يهنئونه بالخلافة ، ويعزّونه في أبيه.

ثم نعى أبيه لهم ، وذكر خصالا له ، فقال :

وقد كان أمير المؤمنين معاوية لكم كالأب البارّ بالولد ، وكان من العرب أمجدها وأحمدها وأهمدها ، وأعظمها خطرا ، وأرفعها ذكرا ، وأنداها أنامل ، وأوسعها فواضل ، وأسماها إلى الفرع الباسق.

٣٩٥

٤٣٨ ـ أحد الحاضرين يكذّب يزيد :(المصدر السابق ، ص ٧)

قال : فصاح به صائح من أقاصي الناس وقال : كذبت والله يا عدوّ الله!. ما كان معاوية والله بهذه الصفة ، وإنما كانت هذه صفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذه أخلاقه وأخلاق أهل بيته ، لا معاوية ولا أنت.

قال : فاضطرب الناس ، وطلب الرجل فلم يقدروا عليه ، وسكت الناس.

٤٣٩ ـ خطبة يزيد في أهل الشام :

(الفتوح لابن أعثم ، ج ٥ ص ٨ ؛ والبداية والنهاية ج ٨ ص ١٤٣)

ثم رقى يزيد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس إن معاوية كان عبدا من عباد الله ، أنعم الله عليه ، ثم قبضه إليه ، وهو خير ممن بعده ، ودون من قبله ، ولا أزكّيه على اللهعزوجل فإنه أعلم به. إن عفا عنه فبرحمته ، وإن عاقبه فبذنبه. وقد وليت [هذا] الأمر من بعده ، ولست آسى على طلب [حقّ] ، ولا أعتذر من تفريط [في باطل] ، وإذا أراد الله شيئا كان. ولقد كان معاوية يغزوكم في البحر ، وإني لست حاملا أحدا من المسلمين في البحر. وكان يشتّيكم بأرض الروم ، ولست مشتّيا أحدا بأرض الروم. وكان يخرج عطاءكم أثلاثا وأنا أجمعه كله لكم.

٤٤٠ ـ متى عزل مروان؟ :

قال ابن أعثم في (الفتوح) ج ٥ ص ١٠ :

ثم عزم يزيد على الكتب إلى جميع البلاد ، بأخذ البيعة له.

قال : وكان على المدينة يومئذ مروان بن الحكم فعزله يزيد ، وولى مكانه ابن عمه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، وكتب إليه.

(وفي رواية) : أول عمل عمله يزيد بعد دفن أبيه ، أنه عزل مروان ووضع الوليد بن عتبة.

(أقول) : هذا غير صحيح ، لأن مروان لم يكن على المدينة يوم مات معاوية ، وإن صحّ فهو يدل على التناحر الخفي بين فرعي بني أمية ، وهما :

ـ الأعياص : بنو العاص ، ومنهم عثمان ومروان بن الحكم بن أبي العاص.

ـ والعنابس : ومنهم حرب وأبو سفيان ومعاوية ويزيد.

٣٩٦

والصحيح أن مروان كان على المدينة حتّى عزل سنة ٤٨ ه‍ ، ثم ولّي ثانية سنة ٥٤ ه‍ ، ثم عزل آخر سنة ٥٧ ه‍ ، ووليها الوليد بن عتبة بن أبي سفيان حتّى مات معاوية.

٤٤١ ـ الولاة على الأمصار :(الكامل لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٥٢)

وفي رجب من سنة ٦٠ ه‍ بويع يزيد بالخلافة بعد موت أبيه. فلما تولى كان :

ـ على المدينة : الوليد بن عتبة بن أبي سفيان.

ـ على مكة : عمرو بن سعيد بن العاص.

ـ على البصرة : عبيد الله بن زياد.

ـ على الكوفة : النعمان بن بشير الأنصاري.

ولم يكن ليزيد همّة حين ولي ، إلا النفر الذين أبوا على معاوية بيعته.

وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٤٦ ط ٢ نجف :

فلم يكن ليزيد همّ بعد موت أبيه ، إلا بيعة النفر الذين سمّاهم أبوه.

٣٩٧

توقيت الحوادث الأساسية

عن كتاب (التوفيقات الإلهامية في مقارنة التواريخ الهجرية بالسنين الإفرنجية) تأليف اللواء المصري محمّد مختار باشا ، طبع سنة ١٣١١ ه‍ :

النصف الثاني من سنة ٦٠ ه‍ :

السبت

١ رجب

سنة ٦٠ ه‍

مات معاوية وعمره ٧٧ سنة

٧ نيسان

سنة ٦٨٠ م

الإثنين

١ شعبان

سنة ٦٠ ه‍

مسير الحسين من المدينة إلى مكة

٧ أيار

سنة ٦٨٠ م

الأحد

٨ ذوالحجة

سنة ٦٠ ه‍

استشهاد مسلم بن عقيل ،

٩ أيلول

سنة ٦٨٠ م

ومسير الحسينعليه‌السلام إلى العراق

بداية سنة ٦١ هجرية :

الاثنين

١ محرم

سنة ٦١ ه

١ تشرين أول

سنة ٦٨٠ م

الأربعاء

١٠ محرم

سنة ٦١ ه‍

مقتل مولانا الحسينعليه‌السلام

١٠ تشرين أول

سنة ٦٨٠ م

الأربعاء

١ صفر

سنة ٦١ ه

دخول السبايا إلى دمشق

٣١ تشرين أول

سنة ٦٨٠ م

الاثنين

٢٠ صفر

سنة ٦١ ه

زيارة الأربعين

١٩ تشرين ثاني

سنة ٦٨٠ م

٣٩٨

جدول زمني بحوادث وقعة كربلاء

(مجلة رسالة الحسين طبع قم ، العدد ٢ محرم ١٤١٢ ه‍ ، ص ٣٠٣)

اليوم

الشهر

السنة

الحادثة

الأحد

١٥ رجب

٦٠ ه‍

مات معاوية ، واستلم الحكم يزيد

الجمعة

٢٧ رجب

٦٠ ه‍

طلب الوليد البيعة من الحسينعليه‌السلام

السبت

٢٨ رجب

اللقاء الثاني بين الوليد والحسينعليه‌السلام

ليلة الأحد

٢٩ رجب

خروج الحسينعليه‌السلام من المدينة

ليلة الجمعة

٤ شعبان

٦٠ ه‍

الدخول إلى مكة

من ٤ شعبان إلى ٨ ذي الحجة

المقام في مكة

(أربعة أشهر وأربعة أيام)

الأربعاء

١٠ رمضان

٦٠ ه‍

وصول أولى رسائل أهل الكوفة

الاثنين

١٥ رمضان

خروج مسلم بن عقيل من مكة

الثلاثاء

٥ شوال

٦٠ ه‍

دخول مسلم الكوفة

الثلاثاء

٨ ذو الحجة

٦٠ ه‍

مقتل مسلم رضي الله عنه

الثلاثاء

٨ ذو الحجة

٦٠ ه‍

خروج الحسينعليه‌السلام من مكة إلى العراق

الخميس

٢ محرم

٦١ ه‍

وصول الحسينعليه‌السلام إلى كربلاء

(استغرق الطريق من مكة إلى كربلاء ٢٣ يوما)

الجمعة

٣ محرم

٦١ ه‍

وصول عمر بن سعد إلى كربلاء

من ٣ ـ ٦ محرم

مفاوضات ابن سعد مع الحسين والتعبئة

الثلاثاء

٧ محرم

قطع الماء عن معسكر الحسينعليه‌السلام

الخميس

٩ محرم

محاولة الحملة على معسكر الحسينعليه‌السلام

ليلة الجمعة

١٠ محرم

طلب الحسين الإمهال للصلاة والدعاء

٣٩٩

الجمعة

١٠ محرم

٦١ ه‍

وقعة كربلاء من الظهر إلى العصر

زوال السبت

١١ محرم

الرحيل بالسبايا من كربلاء إلى الكوفة

الجمعة

١ صفر

٦١ ه‍

دخول ركب السبايا إلى دمشق.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735