موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 21%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 452155 / تحميل: 5261
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

لقاء الحبيبين على يد بقية السبطين :

ثم لقي الحسينعليه‌السلام عبد الله ، فقال : ما أنكرت مالك ، وإنما زعمت أنه كما دفعته إليها بطابعك ، فادخل إليها واستوف مالك منها. قال عبد الله : أو تأمر من يدفعه إليّ. قال : لا ، حتّى تقبض مالك منها ، كما دفعته إليها ، وتبرئها منه إذا أدته إليك.

فلما دخل عليها عبد الله قال لها الحسينعليه‌السلام : هذا عبد الله بن سلام قد جاء يطلب وديعته ، فأدّي إليه أمانته. فأخرجت إليه البدر ، فوضعتها بين يديه ، وقالت :هذا مالك ، فشكر وأثنى. وخرج الحسينعليه‌السلام عنهما. وفضّ عبد الله خواتم بدره ، وحثا لها من ذلك الدرّ حثوات ، وقال : خذي هذا فهو قليل مني. فاستعبرا جميعا ، حتّى علت أصواتهما بالبكاء ، أسفا على ما ابتليا به.

فدخل الحسينعليه‌السلام عليهما وقد رقّ لهما للذي سمع منهما. فقال : أشهد الله أنها طالق. الله م إنك قد تعلم أني لم أستنكحها رغبة في مالها ولا جمالها ، ولكني أردت إرجاعها لبعلها ، فأوجب لي بذلك الأجر. ولم يأخذ شيئا مما ساقه لها من مهرها. فسألها عبد الله أن تصرف إلى الحسينعليه‌السلام ما كان ساق لها ، فأجابته إلى ذلك ، شكرا لما صنعه بها ، فلم يقبله الحسينعليه‌السلام ، وقال : الّذي أرجو عليه من الثواب خير وأولى.

فلما انقضت أقراؤها تزوجها عبد الله بن سلام ، وبقيا زوجين سعيدين إلى أن فرّق الموت بينهما

وباءت مكيدة معاوية وابنه يزيد بالفشل ، لأنها مكيدة غدر وضرر ، ونجحت مبادرة الحسينعليه‌السلام لأنها مبادرة برّ وخير ، وصدق من قال : «كلّ إناء ينضح بما فيه». فهذه كانت أخلاق آل أبي سفيان ، وتلك كانت أخلاق آل بيت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

يقول السيد محسن الأمين في (المجالس السنيّة) ج ٣ ص ٧٣ بعد إيراد هذه القصة : ومن هذا وشبهه كانت الأحقاد تزداد في قلب يزيد على الحسينعليه‌السلام ، حتّى أظهر الشماتة والفرح يوم جيء إليه برأس الحسينعليه‌السلام .

٣٨١

مرض معاوية وهلاكه

٤١٤ ـ مرض معاوية ووصيته :

(معالي السبطين في أحوال السبطين للمازندراني ، ج ١ ص ١٢٣)

في (الناسخ) أن معاوية عاش ثمانين سنة. ولما تصرّمت أيامه ، وردت عليه كتب من أهل المدينة ، فوجد فيها رقعة مكتوب فيها :

إذا الرجال ولدت أولادها

واضطربت من كبر أعضادها

وجعلت أسقامها تعتادها

فهي زروع قد دنا حصادها

فقال معاوية : هذه الرقعة تهددني بالموت وتنعى إليّ نفسي. فما مضت إلا أيام قلائل حتّى ابتدأ به المرض والوجع.

قال المسعودي : إن معاوية دخل الحمّام في بدء علة كانت وفاته فيها ، فرأى نحول جسمه ، فبكى لفنائه وما قد أشرف عليه من الدثور الواقع بالخليقة ، وقال متمثّلا :

أرى الليالي أسرعت في نقضي

أخذن بعضي ، وتركن بعضي

حنين طولي وحنين عرضي

أقعدنني من بعد طول نهضي

فلما اشتدت علته وأيس من برئه ، أنشأ يقول :

فياليتني لم أعن في الملك ساعة

ولم أك في اللذات أعشى النواظر

وكنت كذي طمرين عاش ببلغة

من الدهر حتّى زار أهل المقابر

فلما مرض المرضة التي مات بها كان يبكي ، فقال له مروان : أتجزع من المرض؟. قال : لا بل أبكي وأجزع على نفسي مما ارتكبت ، وهو قتل حجر بن عدي وأصحابه ، وغصب عليعليه‌السلام حقه ومحاربتي معه ، وتوليتي يزيد على أمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وكان معاوية في مرضه ربما اختلط في بعض الأوقات. فقال مرة : كم بيننا وبين الغوطة؟. فصاحت بنته : واحزناه! ثم مات.

وفي مخطوطة مصرع الحسين [مكتبة الأسد] ص ٣ :

وجاء في الخبر : أنه لما حضرت معاوية الوفاة دعا بولده يزيد ، وكان واليا على مدينة حمص ، استدعاه إلى دمشق ليوصيه.

٣٨٢

٤١٥ ـ وصية معاوية لابنه يزيد :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٧٤)

ثم قال معاوية ليزيد : إني من أجلك آثرت الدنيا على الآخرة ، ودفعت حق علي بن أبي طالب ، وحملت الوزر على ظهري ، وإني لخائف أنك لا تقبل وصيتي ، فتقتل خيار قومك ، ثم تغزو حرم ربك ، فتقتلهم بغير حق ، ثم يأتي الموت بغتة ، فلا دنيا أصبت ولا آخرة أدركت.

يا بنيّ إني جعلت هذا الملك مطعما لك ولولدك من بعدك ، وإني موصيك وصية فاقبلها ، فإنك تحمد عاقبتها ، وإنك بحمد الله صارم حازم.

انظر أن تثب على أعدائك كوثوب الهزبر البطل ، ولا تجبن كجبن الضعيف النّكل.

وفي (تذكرة الخواص) ص ٢٤٦ ط ٢ نجف :

فإني قد كفيتك الحلّ والترحال ، ووطّأت لك البلاد والرجال ، وأخضعت لك أعناق العرب. وإني لا أتخوّف عليك أن ينازعك هذا الأمر الّذي أسّست (استتبّ) لك ، إلا أربعة نفر من قريش : الحسين بن علي ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الرحمن بن أبي بكر.

فأما ابن عمر ، فرجل قد وقذته (أي أنحلته) العبادة ، وإذا لم يبق أحد غيره بايعك.

وأما الحسين ، فإن أهل العراق لن يدعوه حتّى يخرجوه ، فإن خرج عليك فظفرت به ، فاصفح عنه ، فإن له رحما ماسّة وحقا عظيما.

وأما ابن أبي بكر ، فإنه ليست له همّة إلا في النساء واللهو ، فإذا رأى أصحابه قد صنعوا شيئا صنع مثله.

وأما الّذي يجثم لك جثوم الأسد ، ويطرق (أي يضرب) إطراق الأفعوان ، ويراوغك مراوغة الثعلب (فإن أمكنته فرصة وثب) ، فذاك ابن الزبير. فإن وثب عليك وأمكنتك الفرصة منه ، فقطّعه إربا إربا.

تابع وصية معاوية ليزيد فيما يخص معاملة أهل الحجاز والعراق والشام :

(المصدر السابق ، ص ١٧٦)

ثم قال معاوية : وانظر إلى أهل الحجاز ، فإنهم أصلك وفرعك ، فأكرم من قدم عليك منهم ، ومن غاب عنك فلا تجفهم ولا تعقّهم.

٣٨٣

وانظر إلى أهل العراق ، فإنهم لا يحبونك أبدا ولا ينصحونك. ولكن دارهم ما أمكنك واستطعت ، وإن سألوك أن تعزل عنهم في كل يوم عاملا فافعل ، فإنّ عزل عامل واحد هو أيسر عليك وأخفّ من أن يشهروا عليك مائة ألف سيف.

وانظر يا بني أهل الشام ، فإنهم بطانتك وظهارتك ، وقد بلوتهم وخبرتهم وعرفت نياتهم ، وهم صبر عند اللقاء ، حماة في الوغى. فإن دار بك أمر من عدوّ يخرج عليك فانتصر بهم ، فإذا أصبت منهم حاجتك فارددهم إلى بلادهم يكونوا بها إلى وقت حاجتك إليهم.

قال : ثم تنفّس الصّعداء ، ثم غشي عليه ، فلم يفق من غشيته يومه ذلك. فلما أفاق قال : أوه( جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ ) [الإسراء : ٨١]. ثم جعل يقول :

إن تناقش يكن نقاشك يا

ربّ عذابا لا صبر لي بالعذاب

أو تجاوز فأنت ربّ رحيم

عن مسيء ذنوبه كالتراب

٤١٦ ـ وصية معاوية بوضع شيء من شعر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وظفره في فمه وعينه :

(المصدر السابق ، ص ١٧٧)

ثم قال معاوية : اعلموا أني كنت بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم وهو يقلّم أظفاره ، فأخذت القلامة ، وأخذت بمشقص من شعره على الصفا ، وجعلتها في قارورة هي عندي ، فاجعلوا أظفاره وشعره في فمي وأذني ، وصلّوا عليّ وواروني في حفرتي ، وذروني وربي ، فإنه غفور رحيم. ثم انقطع كلامه فلم ينطق بشيء.

وفي رواية القرماني في (أخبار الدول) ص ١٢٩ :

وكان عند معاوية شيء من شعر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقلامة ظفره ، فأوصى أن يجعل ذلك في فمه وعينيه ، وأن يكفّن بثوب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقال : افعلوا ذلك وخلوّا بيني وبين أرحم الراحمين.

٤١٧ ـ تعليق على وصية معاوية ليزيد :

(حياة الإمام الحسين بن عليعليه‌السلام لباقر شريف القرشي ، ج ٢ ص ٢٣٧)

بعد استعراض الوصية قال السيد باقر شريف القرشي :

وأكبر الظن أن هذه الوصية من الموضوعات. فقد افتعلت لإثبات حلم معاوية ، وأنه عهد إلى ولده بالإحسان الشامل إلى المسلمين ، وهو غير مسؤول عن تصرفاته.

٣٨٤

وفيها أن يعامل أهل العراق معاملة جيدة ، وكذلك أهل الحجاز ، وخاصة الحسينعليه‌السلام .

لكن الواقع أن مقابل هذه الوصية الظاهرية هناك وصية مستورة تعاكسها ، وهي الحقيقة التي ستطبق.

فقد روى المؤرخون أن معاوية أوصى يزيد بإرسال مسلم بن عقبة إلى المدينة إذا لم يبايعوا ، وكان (مسلم) جزّارا جلّادا لا يعرف الرحمة والرأفة. فهل هكذا الإحسان للحجازيين؟!.

كما أوصى بتعيين عبيد الله بن زياد على العراق ، وهو أكبر دموي غادر ، فهل هكذا الإحسان للعراقيين؟!.

وإذا كان معاوية لم يتردد في اغتيال الإمام الحسنعليه‌السلام حتّى بعد ما بايعه ، فهل حقا يوصي ابنه بالحسينعليه‌السلام ، وأن يعفو عنه إذا ظفر به. ولو أن الوصية المزعومة كانت صحيحة لما كان يزيد ، لا همّ له بعد موت أبيه إلا تحصيل البيعة من الحسينعليه‌السلام . الصحيح أنه أوصاه أن يغتاله سرا ، فبعث إلى والي المدينة كتابا صغيرا منفصلا عن الكتاب الأصلي يأمره به بقتله أو يبايع. كما أمر والي مكة ـ فيما بعد ـ بأن يقتله على أي حال اتفق ، حتّى ولو كان متمسكا بأستار الكعبة!.

توضيح : زعم بعض المؤرخين أن معاوية كتب وصيته ليزيد ، ويزيد لم يكن حاضرا عنده. وقال بعضهم إنه كان حاضرا عند الوصية. ولكنهم أجمعوا على أنه لم يكن حاضرا عند موته ، بل كان في (حوّارين) من أعمال شرق حمص. ويمكن إزالة هذا التعارض بالقول إن معاوية كتب الوصية في غياب يزيد ، ولما حضر قرأ أبوه عليه الوصية. ثم إن يزيد سافر إلى حوّارين ، وما لبث أبوه أن مات وهو غائب عنه. فاستدعاه الضحّاك بن قيس ، فقدم لثلاثة أيام على وفاته.

يقول الدينوري في (الأخبار الطوال) : إن معاوية أوصى وكان يزيد غائبا ، ثم قدم عليه يزيد ، فأعاد عليه الوصية ، ثم قضى.

٤١٨ ـ وفاة معاوية وعمره :(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٧٧)

يقول الخوارزمي : فتوفي معاوية في غد ذلك اليوم ، وليس عنده يزيد (بل خرج إلى حوران للصيد). فكان ملكه تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر. وتوفي بدمشق يوم الأحد لأيام خلت من شهر رجب سنة ٦٠ ه‍ ، وهو ابن ثمان وسبعين ٧٨ سنة.

٣٨٥

٤١٩ ـ هلاك معاوية وتشييعه :

(الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ، ج ١ ص ١٧٤)

ذكروا أن نافع بن جبير قال :

إني بالشام يوم موت معاوية ، وكان يزيد غائبا ، واستخلف معاوية الضحاك بن قيس بعده ، حتّى يقدم يزيد

فلما مات معاوية خرج الضحّاك على الناس ، فقال : لا يحملنّ اليوم نعش أمير المؤمنين إلا قرشي. قال : فحملته قريش ساعة.

ثم قال أهل الشام : أصلح الله الأمير ، اجعل لنا من أمير المؤمنين نصيبا في موته كما كان لنا في حياته. قال : فاحملوه ، فحملوه وازدحموا عليه ، حتّى شقّوا البرد الّذي كان عليه صدعين (أي نصفين).

٣٨٦

الفصل الحادي عشر

حكم يزيد بن معاوية

[غرة شهر رجب سنة ٦٠ ه‍]

٤٢٠ ـ الوضع الفلكي أول حكم يزيد :

(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ٢٤١)

يقول اليعقوبي : وملك يزيد بن معاوية ، في مستهل رجب سنة ٦٠ ه‍ ، وكانت الشمس يومئذ في (الثور) درجة وعشرين دقيقة ، والقمر في (العقرب) كذا درجات وثلاثين دقيقة ، وزحل في (السرطان) إحدى عشرة درجة ، والمشتري في (الجدي) تسع عشرة درجة ، والمريخ في (الجوزاء) اثنتين وعشرين درجة وثلاثين دقيقة ، والزّهرة في (الجوزاء) ثماني درجات وخمسين دقيقة ، وعطارد في (الثور) عشرين درجة وثلاثين دقيقة.

٤٢١ ـ الحكم الوراثي :

لم يستنكر كثير من المسلمين بعد موت معاوية جلوس يزيد على الحكم ، رغم بشاعة هذا الأمر ومعارضته التامة لتعاليم الإسلام ، وما ذلك إلا لدهاء معاوية في التمهيد لهذا الأمر من قبل ، وتعويدهم عليه بعد استهجانه واستنكاره ، وهي من خطط الحكم الدكتاتوري الملكي الّذي ابتدعه معاوية ، وسرى داؤه في كل الحكم الأموي.

إن قانون ولاية العهد الّذي سنّه معاوية هو قانون اقتبسه من الأفكار الكسروية والهرقلية ليحارب به الإسلام. وهذا القانون إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على النزعة العنصرية. ومن عادة الطواغيت أنهم يحاولون أن تستمر مسيرتهم الدكتاتورية من خلال استمرارية وجودهم بشخص أبنائهم.

٤٢٢ ـ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتنبّأ بحكم الطاغية يزيد :

في (الإتحاف بحب الأشراف) للشبراوي ، ص ٦٥ :

روى أبو يعلى من حديث أبي عبيدة رفعه : «لا يزال أمراء أمتي قائمين بالقسط حتّى يتسلمه رجل من بني أمية ، يقال له يزيد».

٣٨٧

وفي (تاريخ الخلفاء) للسيوطي ، ص ٢٠٧ :

وأخرج أبو يعلى في مسنده بسند ضعيف عن أبي عبيدة قال : «لا يزال أمر أمتي قائما بالقسط ، حتّى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية ، يقال له : يزيد».

ورواه غير أبو يعلى بدون تسمية يزيد ، لأنهم كانوا يخافون من تسميته.

ولهذا روى ابن أبي شيبة وغيره عن أبي هريرة أنه قال : الله م لا تدركني سنة ستين ولا إمرة الصبيان. وكانت ولاية يزيد فيها.

٤٢٣ ـ الفساد بعد عام الستين :(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٦ ص ٢٥٩)

قال الإمام أحمد : حدثنا أبو عبد الرحمن أن الوليد بن قيس النجيعي حدثه أن أبا سعيد الخدري قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «يكون خلفّ من بعد الستين سنة( أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) (٥٩) [مريم : ٥٩]. ثم يكون خلف يقرؤون القرآن لا يعدو تراقيهم (أي لا يتعدى حلوقهم) ، ويقرأ القرآن ثلاثة :مؤمن ومنافق وفاجر».

قال بشير : فقلت للوليد بن قيس : ما هؤلاء الثلاثة؟. قال : المنافق كافر به ، والفاجر يتأكلّ به ، والمؤمن يؤمن به. (رواه أحمد بسند جيد قوي).

٤٢٤ ـ خلافة يزيد بن معاوية في رجب سنة ٦٠ ه‍ :

(تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ١٨٨ طبعة أولى مصر)

قال هشام بن محمّد الكلبي عن أبي مخنف : ولي يزيد بن معاوية في هلال رجب سنة ٦٠ ه‍.(وفي رواية) : بويع ليزيد بالخلافة بعد وفاة أبيه معاوية للنصف من رجب ، وقيل لثمان بقين منه.

٤٢٥ ـ ذكر مدة خلافة يزيد بن معاوية وعمره :

قال المسعودي في (مروج الذهب) ج ٣ ص ٦٣ :

بويع يزيد بن معاوية ، فكانت أيامه ثلاث سنين وثمانية أشهر إلا ثماني ليال.

وهلك يزيد بحوّارين من أرض دمشق ، لسبع عشرة ليلة خلت من صفر سنة ٦٤ ه‍ ، وهو ابن ٣٣ سنة.

وقال ابن الطقطقا في (الفخري) ص ١١٣ :

كانت ولاية يزيد على أصح القولين ثلاث سنين وستة أشهر. ففي السنة الأولى

٣٨٨

قتل الحسين بن عليعليه‌السلام ، وفي السنة الثانية نهب المدينة وأباحها ثلاثة أيام ، وفي السنة الثالثة غزا الكعبة.

وفي (تاريخ أبي الفداء) ج ٢ ص ١٠٤ :

وكانت مدة خلافته ثلاث سنين ونصف.

وقال السيوطي في (تاريخ الخلفاء) ص ٢٠٥ :

يزيد بن معاوية الأموي ، أبو خالد. ولد سنة ٢٥ أو ٢٦ ه‍.

وقال ابن عبد ربه في (العقد الفريد) ج ٤ ص ٣٠٥ :

مات يزيد يوم الخميس لأربع عشرة خلت من ربيع الأول سنة ٦٤ ه‍ ، وعمره ٣٨ سنة. ودفن بحوّارين خارجا من المدينة.

وقال المسعودي في (التنبيه والإشراف) ص ٢٦٤ : وهلك يزيد بحوّارين من أرض دمشق ، مما يلي قارا والقطيفة طريق حمص في البر ، لسبع عشرة ليلة خلت من صفر سنة ٦٤ ه‍ ، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة. وكانت أيامه ثلاث سنين وسبعة أشهر و ٢٢ يوما.

٤٢٦ ـ صفة يزيد وهيئته :

قال المسعودي في (التنبيه والإشراف) ص ٢٦٤ : كان يزيد آدم ، شديد الأدمة ، عظيم الهامة ، بوجهه أثر جدري بيّن. يبادر بلذته ، ويجاهر بمعصيته ، ويستحسن خطأه ، ويهوّن الأمور على نفسه في دينه ، إذا صحّت له دنياه.

وقال السيوطي في (تاريخ الخلفاء) : كان ضخما ، كثير اللحم ، كثير الشعر.

وقال ابن عبد ربه في (العقد الفريد) : كان آدم جعدا مهضوما ، أحور العينين ، بوجهه آثار جدري ، حسن اللحية خفيفها.

وكان كاتبه وصاحب أمره : سرجون بن منصور.

وقال المازندراني في (معالي السبطين) ج ٢ ص ٩١ :

بل صفاته كصفات العبيد : ذميم الوجه ، قبيح المنظر ، أفطس الأنف ، أسود الخدّ ، بشدقه ضربة كزند البعير ، غليظ الشفتين ، جدريّ الخدين. وكان على وجهه أثر ضربة. إذا تكلم كان جهير الصوت.

٣٨٩

٤٢٧ ـ وصف الطرمّاح لسوء خلقة يزيد :(المصدر الأخير)

ولنعم ما قال الطرمّاح. لما دخل على معاوية نظر إلى يزيد وهو جالس على السرير ، فلم يسلّم عليه ، وقال : من هذا الغيشوم الميشوم ، المضروب على الخيشوم ، الواسع الحلقوم ، طويل الخرطوم [أي الأنف]؟. فقالوا : صه يا أعرابي ، هذا يزيد. قال : ومن يزيد لا زاد الله في مرامه ، ولا بلغّه مراده.والحاصل أن صفات يزيد كصفات الأداني ، وهيئته كهيئة العبيد.

٤٢٨ ـ (ميسون) أم يزيد :(تاريخ أبي الفداء ، ج ٢ ص ١٠٤)

وكانت أمه : ميسون بنت بجدل الكلبية ، أقام يزيد معها بين أهلها في البادية ، وتعلم الفصاحة ونظم الشعر هناك ، في بادية بني كلب [وهي البادية الممتدة شرق حمص ، ومن قارا والقطيفة إلى القريتين]. وكان سبب إرساله مع أمه إلى هناك ، أن معاوية سمع ميسون تنشد هذه الأبيات وهي جالسة في قصره :

لبيت تخفق الأرواح فيه

أحبّ إليّ من قصر منيف

ولبس عباءة وتقرّ عيني

أحبّ إليّ من لبس الشفوف

وخرق من بني عمي فقير

أحبّ إليّ من علج عنيف

فطلقّها معاوية ، وبعثها مع يزيد إلى أهلها ، وهي حامل.

٤٢٩ ـ أولاد يزيد وزوجاته :(العقد الفريد لابن عبد ربه ، ج ٤ ص ٣٠٥)

ليزيد عدة أولادهم :

ـ معاوية وخالد وأبو سفيان ، أمهم : فاختة بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة.

ـ وعبد الله وعمر ، أمهما : أم كلثوم بنت عبد الله بن عباس.

وكان ابنه عبد الله ناسكا ، وولده خالد عالما. لم يكن في بني أمية أزهد من عبد الله ، ولا أعلم من خالد.

روى الأصمعي عن أبي عمرو قال : أعرق الناس في الخلافة (عاتكة) بنت يزيد ابن معاوية : أبوها خليفة ، وجدها معاوية خليفة ، وأخوها معاوية الثاني خليفة ، وزوجها عبد الملك بن مروان خليفة ، وأربّاؤها الوليد وسليمان وهشام خلفاء.

وذكر السلطان الأشرف عمر بن يوسف في (طرف الأصحاب في معرفة الأنساب) أن أولاد يزيد هم :

٣٩٠

معاوية وخالد وعبد الله الأكبر والأصغر وعمير وعبد الرحمن وعتبة ويزيد ومحمد وحرب والربيع وعبد الله.

وفي (مروج الذهب) للمسعودي ، ج ٣ ص ٩٨ قال :

خلّف معاوية : عبد الرحمن ، يزيد ، عبد الله ، هندا ، رملة ، صفية.

وخلّف ابنه يزيد : معاوية ، خالد ، عبد الله الأكبر ، أبا سفيان ، عبد الله الأصغر ، عمر ، عاتكة ، عبد الرحمن ، عثمان ، عتبة الأعور ، أبا بكر ، محمّد ، يزيد ، أم يزيد ، أم عبد الرحمن ، رملة.

(أقول) : وأفضلهم قاطبة معاوية (الثاني) المسمى بمعاوية الصغير ، وهو الّذي وصّى له يزيد بالخلافة ، فخلع نفسه منها معترفا بأخطاء أبيه وأجداده ، ولو علم أبوه أنه سيفعل ذلك ما كان وصّى له.

وأفضل زوجاته (هند بنت عبد الله بن عامر بن كريز) التي استنكرت على يزيد أعماله الشائنة ، وقتله للحسينعليه‌السلام ، ودخلت عليه مجلسه ووبّخته. في حين أحسنت ضيافة زينبعليها‌السلام والهاشميات في دار يزيد حين جئن سبايا إلى الشام.

وسوف نتناول بالتفصيل نسب يزيد وأمه ميسون ، وكذلك معاوية وأمه هند بنت عتبة ، في آخر فصل من الجزء الثاني من الموسوعة ، وهو نسب يندى له الجبين.

٤٣٠ ـ فسوق يزيد :(مروج الذهب للمسعودي ، ج ٣ ص ٨١ و ٧٧)

وليزيد أخبار عجيبة ومثالب كثيرة : من شرب الخمر ، وقتل ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولعن الوصيعليه‌السلام ، وهدم البيت وإحراقه ، وسفك الدماء ، والفسق والفجور ، وغير ذلك ، مما قد ورد فيه الوعيد باليأس من غفرانه ، كوروده فيمن جحد توحيده وخالف رسله.

وفي أيام يزيد ظهر الغناء بمكة والمدينة ، واستعملت الملاهي ، وأظهر الناس شرب الشراب. وكان له قرد يكنّى بأبي قبيس ، يحضره مجلس منادمته ، ويطرح له متّكأ ، وكان قردا خبيثا ، وكان يحمله على أتان (أي حمارة) وحشية قد ريضت ، وذلّلت لذلك بسرج ولجام.

وقال البلاذري في (أنساب الأشراف) ج ٤ ص ١ :

وكان يزيد بن معاوية أول من أظهر شرب الشراب ، والاستهتار بالغناء والصيد ،

٣٩١

واتخاذ القيان والغلمان ، والتفكّه بما يضحك منه المترفون ، من القرود والمعافرة بالكلاب والديكة.

شرح : المعافرة : هي المهارشة ، وهي أن يدع الكلاب تثب على بعضها وتتقاتل.

وقال الاصفهاني في (الأغاني) ج ١٦ ص ٦٨ :

كان يزيد بن معاوية أول من سنّ الملاهي في الإسلام من الخلفاء ، وآوى المغنين وأظهر الفتك وشرب الخمر. وكان ينادم عليها سرجون النصراني مولاه ، والأخطل الشاعر النصراني ، وكان يأتيه من المغنين (سائب خاثر) فيقيم عنده فيخلع عليه.

وقال ابن الطقطقي في (الآداب السلطانية) ص ١١٣ : ثم ملك يزيد ، وكان موفور الرغبة في الله والقنص والخمر والنساء والشعر.

٤٣١ ـ اقتداء حاشية يزيد به في الفسوق :

(مرآة العقول للمجلسي ، المقدمة للسيد مرتضى العسكري ، ج ٢ ص)

وكان من الطبيعي أن يتأثر بيزيد حاشيته ، ويتظاهر الخلعاء والماجنون أمرهم ، كما ذكره المسعودي في (مروج الذهب) قال :

وغلب على أصحاب يزيد وعماله ما كان يفعله من الفسوق. وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة ، واستعملت الملاهي ، وأظهر الناس شرب الشراب.

٤٣٢ ـ استخدام يزيد للنصارى :

(منتخبات التواريخ لدمشق لمحمد أديب الحصني ، ج ١ ص ٨٦)

وقد كان يزيد يتزيّد في تقريب المسيحيين ، ويستكثر منهم في بطانته الخاصة.

وقد استخدم المسيحيين في مصالح الملك في زمن خلافته ، فعهد بأمور المالية إلى منصور وسرجون من نصارى العرب السوريين. [وكان سرجون مستودع أسرار معاوية ، ثم اتخذه يزيد لمشورته في كل معضلة].

(أقول) : وإن تقريبه للمسيحيين منبعث من كون أمه مسيحية من بني كلب ، وهي ميسون بنت بجدل.

وهذه فكرة عن المنطقة التي تربّى فيها يزيد بين أخواله النصارى في (حوّارين) بعد أن طلّق معاوية أمه ، فالتحقت بأهلها.

٣٩٢

ـ خربة حوّارين :

قال الدكتور عفيف بهنسي في كتابه (سورية التاريخ والحضارة) ص ٥٨٦ :

خربة في هضبة حمص ، تقع في أرض سهلية متموجة ، فيها خرائب تعود إلى العصور التدمرية والبيزنطية والعربية الإسلامية. تمرّ بجوارها سكة حديد حمص ـ دمشق. وتنسب إلى يزيد بن معاوية [٦٠ ـ ٦٤ ه‍]. مع أنه لم يترك أثرا من المنشآت أو القصور ، ويرجع ذلك إلى انغماسه باللهو والصيد.

٤٣٣ ـ جبل (سنير):

جبل سنير : هو جبل حرمون ، بل هو سلسلة جبال لبنان الشرقية ، ويقع بين حمص وبعلبك ، وعلى رأسه قلعة سنير ، وهو يمتد مشرّقا حتّى القريتين.

ويقسم جبل سنير إلى ثلاثة أقسام ، مركزها دمشق أو جبل قاسيون ، وهي :

١ ـ جبل سنير الغربي : قضاء الزبداني ، ومنه جبل بلودان.

٢ ـ جبل سنير الشرقي والشمالي : قضاء النبك ، واسمه القديم القلمون.

٣ ـ جبل سنير الجنوبي : قضاء قطنا ، واسمه القديم الحرمون.

وفي (جولة أثرية في بعض البلاد الشامية) لأوليا جلبي ، ترجمة أحمد وصفي زكريا ، ص ٣٧١ :

كان جبل القلمون قبل الفتح الإسلامي يدعى (جبل سنير) وهو مأهول بأحفاد الآراميين ، سكان الشام الأقدمين ، بينهم فئة من الروم. ولما استقرت أقدام المسلمين في الشام ، سكن فيه من قبائل العرب بنو ضبّة وبعض بني كلب ، الذين منهم ميسون بنت بجدل أم يزيد بن معاوية ، وهذا هو السبب في تفضيل يزيد الإقامة واللهو في (حوّارين) والصيد في أعالي جبل سنير ، ليكون بين أخواله.

وفي (أنساب الأشراف) : أن (حوّارين) هو الاسم القديم (للقريتين).

وفي (منجد الأعلام) : أن (حوّارين) مكان بين دمشق وتدمر وحمص ، سكنه النصارى الآراميون في بداية العهد الأموي.

٣٩٣

ترجمة سرجون الرومي

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ١٦٩)

سرجون : كاتب يزيد وأنيسه وصاحب سره. نصراني كان مولى لمعاوية.

وفي كتاب (الإسلام والحضارة العربية) لمحمد كرد علي ، ج ٢

ص ١٥٨ : كان سرجون بن منصور من نصارى الشام. استخدمه معاوية في مصالح الدولة. وكان أبوه منصور على المال في الشام من عهد هرقل قبل الفتح ، ساعد المسلمين في قتال الروم.

ومنصور بن سرجون كانت له خدمة في الدولة كأبيه. وكان عمر ابن الخطاب يمنع من خدمة النصارى إلا إذا أسلموا.

٤٣٤ ـ أعمال يزيد ومعاوية كانت السبب الرئيسي لانقسام المسلمين وتفرق كلمتهم إلى يوم الدين :(منتخبات التواريخ ، ج ١ ص ٨٧)

يقول محمّد أديب الحصني :

ومن أشأم الوقائع التاريخية التي حدثت في عهد يزيد وأحدثت تبدلا عظيما في السياسة وتغيرا فاحشا في اجتماعات المسلمين : واقعة كربلاء المشهورة ، التي دوّنها المؤرخون ، وانتهت بقتل سيّد البيت العلوي المطهّر ورئيسه ، الإمام الحسين ابن علي سيد الشهداء ، وجماعة من سلالته وذوي رحمه ، أفظع قتل وأشنعه.

فهذه الدهماء والنازلة الشنعاء التي تسببت عن سوء سياسة يزيد ، هي التي ضعضعت أركان الحكومة الإسلامية ، وشوّشت أمر جامعة المسلمين ، وأتمّت أدوار الانشقاق والاضطراب ، التي ابتدأت في عهد والديهما [يعني عليا ومعاوية].وكانت إحدى الأسباب في تفريق الكلمة وتشتيت الوحدة وانثلام الحصن. فإن المسلمين مالبثوا من ذلك العصر ، ومن جراء تلك الحادثة المشؤومة والتي قبلها ، متفرقين طرائق ومنقسمين شيعا ، وخصوصا بعد ما ألبسوا المسألة صبغة دينية ، شأنهم في جميع الحوادث التاريخية ، التي حدثت في ذلك العصر وقبله وبعده بقليل.

٣٩٤

٤٣٥ ـ أعمال وحشية لا نظير لها :(المنتخب للطريحي ، ص ١٥ ط ٢)

ولما هلك معاوية تولى من بعده ولده يزيد ، فنهض إلى حرب الحسينعليه‌السلام وجهز له العساكر وجيّش له الجيوش ، وأمّر عليهم عبيد الله بن زياد ، وأمرهم بقتل الحسينعليه‌السلام وقتل رجاله وذبح أطفاله وسبي عياله ونهب أمواله. ولم يكفهم ذلك حتّى أنهم بعد قتله رضّوا أضلاعه وصدره بحوافر الخيول ، وحملوا رؤوسهم على القنا ، وحريمهم على أقتاب الجمال في أشدّ العنا.

٤٣٦ ـ خلافة يزيد :

يقول الذهبي في (دول الإسلام) ج ١ ص ٤٥ :

كان معاوية قد جعل يزيد ولي العهد من بعده. فقدم من أرض حمص ، وبادر إلى قبر والده. ثم دخل دمشق فركب إلى (الخضراء) وكانت دار السلطنة.

٤٣٧ ـ مجيء يزيد إلى دمشق :(الفتوح لابن أعثم ، ج ٥ ص ٢)

بعث الضحاك بن قيس رسالة إلى يزيد يستقدمه من (حوّارين) بعد دفن معاوية ، ليستلم مقاليد الحكم ويبايعه الناس بيعة محدودة [مجددة].

قال : ثم ورد الكتاب على يزيد ، فوثب صائحا باكيا ، وأمر بإسراج دوابه ، وسار يريد دمشق. فصار إليها بعد ثلاثة أيام من مدفن معاوية. وخرج

حتّى إذا وافى يزيد قريبا من دمشق ، فجعل الناس يتلقّونه فيبكون ويبكي.

قال : وسار يزيد ومعه جماعة إلى قبر معاوية ، فجلس وانتحب ساعة وبكى.

جلوس يزيد في قصر الخضراء :

ثم ركب يزيد وسار إلى قبة لأبيه خضراء ، فدخلها وهو معتم بعمامة خزّ سوداء ، متقلّدا بسيف أبيه معاوية ، حتّى وصل إلى باب الدار.

ثم دخل القبة الخضراء (وكانت دار السلطنة) وجلس على فرش منصوبة له ، وأخذ الناس يهنئونه بالخلافة ، ويعزّونه في أبيه.

ثم نعى أبيه لهم ، وذكر خصالا له ، فقال :

وقد كان أمير المؤمنين معاوية لكم كالأب البارّ بالولد ، وكان من العرب أمجدها وأحمدها وأهمدها ، وأعظمها خطرا ، وأرفعها ذكرا ، وأنداها أنامل ، وأوسعها فواضل ، وأسماها إلى الفرع الباسق.

٣٩٥

٤٣٨ ـ أحد الحاضرين يكذّب يزيد :(المصدر السابق ، ص ٧)

قال : فصاح به صائح من أقاصي الناس وقال : كذبت والله يا عدوّ الله!. ما كان معاوية والله بهذه الصفة ، وإنما كانت هذه صفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذه أخلاقه وأخلاق أهل بيته ، لا معاوية ولا أنت.

قال : فاضطرب الناس ، وطلب الرجل فلم يقدروا عليه ، وسكت الناس.

٤٣٩ ـ خطبة يزيد في أهل الشام :

(الفتوح لابن أعثم ، ج ٥ ص ٨ ؛ والبداية والنهاية ج ٨ ص ١٤٣)

ثم رقى يزيد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس إن معاوية كان عبدا من عباد الله ، أنعم الله عليه ، ثم قبضه إليه ، وهو خير ممن بعده ، ودون من قبله ، ولا أزكّيه على اللهعزوجل فإنه أعلم به. إن عفا عنه فبرحمته ، وإن عاقبه فبذنبه. وقد وليت [هذا] الأمر من بعده ، ولست آسى على طلب [حقّ] ، ولا أعتذر من تفريط [في باطل] ، وإذا أراد الله شيئا كان. ولقد كان معاوية يغزوكم في البحر ، وإني لست حاملا أحدا من المسلمين في البحر. وكان يشتّيكم بأرض الروم ، ولست مشتّيا أحدا بأرض الروم. وكان يخرج عطاءكم أثلاثا وأنا أجمعه كله لكم.

٤٤٠ ـ متى عزل مروان؟ :

قال ابن أعثم في (الفتوح) ج ٥ ص ١٠ :

ثم عزم يزيد على الكتب إلى جميع البلاد ، بأخذ البيعة له.

قال : وكان على المدينة يومئذ مروان بن الحكم فعزله يزيد ، وولى مكانه ابن عمه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، وكتب إليه.

(وفي رواية) : أول عمل عمله يزيد بعد دفن أبيه ، أنه عزل مروان ووضع الوليد بن عتبة.

(أقول) : هذا غير صحيح ، لأن مروان لم يكن على المدينة يوم مات معاوية ، وإن صحّ فهو يدل على التناحر الخفي بين فرعي بني أمية ، وهما :

ـ الأعياص : بنو العاص ، ومنهم عثمان ومروان بن الحكم بن أبي العاص.

ـ والعنابس : ومنهم حرب وأبو سفيان ومعاوية ويزيد.

٣٩٦

والصحيح أن مروان كان على المدينة حتّى عزل سنة ٤٨ ه‍ ، ثم ولّي ثانية سنة ٥٤ ه‍ ، ثم عزل آخر سنة ٥٧ ه‍ ، ووليها الوليد بن عتبة بن أبي سفيان حتّى مات معاوية.

٤٤١ ـ الولاة على الأمصار :(الكامل لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٥٢)

وفي رجب من سنة ٦٠ ه‍ بويع يزيد بالخلافة بعد موت أبيه. فلما تولى كان :

ـ على المدينة : الوليد بن عتبة بن أبي سفيان.

ـ على مكة : عمرو بن سعيد بن العاص.

ـ على البصرة : عبيد الله بن زياد.

ـ على الكوفة : النعمان بن بشير الأنصاري.

ولم يكن ليزيد همّة حين ولي ، إلا النفر الذين أبوا على معاوية بيعته.

وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٤٦ ط ٢ نجف :

فلم يكن ليزيد همّ بعد موت أبيه ، إلا بيعة النفر الذين سمّاهم أبوه.

٣٩٧

توقيت الحوادث الأساسية

عن كتاب (التوفيقات الإلهامية في مقارنة التواريخ الهجرية بالسنين الإفرنجية) تأليف اللواء المصري محمّد مختار باشا ، طبع سنة ١٣١١ ه‍ :

النصف الثاني من سنة ٦٠ ه‍ :

السبت

١ رجب

سنة ٦٠ ه‍

مات معاوية وعمره ٧٧ سنة

٧ نيسان

سنة ٦٨٠ م

الإثنين

١ شعبان

سنة ٦٠ ه‍

مسير الحسين من المدينة إلى مكة

٧ أيار

سنة ٦٨٠ م

الأحد

٨ ذوالحجة

سنة ٦٠ ه‍

استشهاد مسلم بن عقيل ،

٩ أيلول

سنة ٦٨٠ م

ومسير الحسينعليه‌السلام إلى العراق

بداية سنة ٦١ هجرية :

الاثنين

١ محرم

سنة ٦١ ه

١ تشرين أول

سنة ٦٨٠ م

الأربعاء

١٠ محرم

سنة ٦١ ه‍

مقتل مولانا الحسينعليه‌السلام

١٠ تشرين أول

سنة ٦٨٠ م

الأربعاء

١ صفر

سنة ٦١ ه

دخول السبايا إلى دمشق

٣١ تشرين أول

سنة ٦٨٠ م

الاثنين

٢٠ صفر

سنة ٦١ ه

زيارة الأربعين

١٩ تشرين ثاني

سنة ٦٨٠ م

٣٩٨

جدول زمني بحوادث وقعة كربلاء

(مجلة رسالة الحسين طبع قم ، العدد ٢ محرم ١٤١٢ ه‍ ، ص ٣٠٣)

اليوم

الشهر

السنة

الحادثة

الأحد

١٥ رجب

٦٠ ه‍

مات معاوية ، واستلم الحكم يزيد

الجمعة

٢٧ رجب

٦٠ ه‍

طلب الوليد البيعة من الحسينعليه‌السلام

السبت

٢٨ رجب

اللقاء الثاني بين الوليد والحسينعليه‌السلام

ليلة الأحد

٢٩ رجب

خروج الحسينعليه‌السلام من المدينة

ليلة الجمعة

٤ شعبان

٦٠ ه‍

الدخول إلى مكة

من ٤ شعبان إلى ٨ ذي الحجة

المقام في مكة

(أربعة أشهر وأربعة أيام)

الأربعاء

١٠ رمضان

٦٠ ه‍

وصول أولى رسائل أهل الكوفة

الاثنين

١٥ رمضان

خروج مسلم بن عقيل من مكة

الثلاثاء

٥ شوال

٦٠ ه‍

دخول مسلم الكوفة

الثلاثاء

٨ ذو الحجة

٦٠ ه‍

مقتل مسلم رضي الله عنه

الثلاثاء

٨ ذو الحجة

٦٠ ه‍

خروج الحسينعليه‌السلام من مكة إلى العراق

الخميس

٢ محرم

٦١ ه‍

وصول الحسينعليه‌السلام إلى كربلاء

(استغرق الطريق من مكة إلى كربلاء ٢٣ يوما)

الجمعة

٣ محرم

٦١ ه‍

وصول عمر بن سعد إلى كربلاء

من ٣ ـ ٦ محرم

مفاوضات ابن سعد مع الحسين والتعبئة

الثلاثاء

٧ محرم

قطع الماء عن معسكر الحسينعليه‌السلام

الخميس

٩ محرم

محاولة الحملة على معسكر الحسينعليه‌السلام

ليلة الجمعة

١٠ محرم

طلب الحسين الإمهال للصلاة والدعاء

٣٩٩

الجمعة

١٠ محرم

٦١ ه‍

وقعة كربلاء من الظهر إلى العصر

زوال السبت

١١ محرم

الرحيل بالسبايا من كربلاء إلى الكوفة

الجمعة

١ صفر

٦١ ه‍

دخول ركب السبايا إلى دمشق.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

٦٩٣ ـ اغتنموا الفرص فإنها تمرّ مرّ السحاب :

(سيد الشهداء للسيد مصطفى الاعتماد ، ص ٦٣)

لقد صدق الإمام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام حيث قال :

«اغتنموا الفرص ، فإنها تمرّ مرّ السحاب».

وأية فرصة مواتية كهذه الفرصة التي سنحت لعبيد الله بن الحر الجعفي ، حيث جاءه الحسينعليه‌السلام يتخطى الأرض بقدميه ، وهو يدعوه إلى النجاة والتشرف بمثل هذا المصرع العظيم الّذي تتمناه الملايين من البشر ، فيعرض عنها ، ويندم بعده بما يشاء الندم ، فلم ينفع الظالمين الندم ، بعد تفويتهم الفرصة ، مكابرة وعنادا ، أو تجهّلا وغباء( يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) (٥٢) [غافر : ٥٢].

٦٩٤ ـ شخصان يعتذران عن نصرة الحسينعليه‌السلام :

(مقتل الحسين للمقرم ، ص ٢٢٦ ط ٣ نجف)

وفي هذا الموضع اجتمع بالحسينعليه‌السلام عمرو بن قيس المشرقي وابن عمه ، فقال لهما الحسينعليه‌السلام : جئتما لنصرتي؟. قالا له : إنا كثيرو العيال ، وفي أيدينا بضائع للناس ، ولم ندر ماذا يكون ، ونكره أن نضيّع الأمانة.

فقال لهماعليه‌السلام : انطلقا فلا تسمعا لي واعية ، ولا تريا لي سوادا ، فإنه من سمع واعيتنا أو رأى سوادنا ، فلم يجبنا أو يغثنا ، كان حقا على اللهعزوجل أن يكبّه على منخريه في النار(١) .

٦٩٥ ـ محاورة الحسينعليه‌السلام مع ابنه علي الأكبرعليه‌السلام وقد رأى رؤيا أثناء رحيله من قصر بني مقاتل :

(لواعج الأشجان ، ص ٨٧)

فلما كان آخر الليل أمر الحسينعليه‌السلام فتيانه فاستقوا من الماء ، ثم أمر بالرحيل.ثم ارتحل من (قصر بني مقاتل) ليلا.

__________________

(١) عقاب الأعمال للصدوق ص ٣٥ ؛ ورجال الكشّي ص ٧٤.

٥٨١

قال عقبة بن سمعان : فسرنا معه ساعة ، فخفق وهو على ظهر فرسه خفقة(١) [الخفقة : النومة اليسيرة] ثم انتبه ، وهو يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، والحمد لله رب العالمين. وكرر ذلك مرتينأو ثلاثا.

فأقبل إليه ابنه علي بن الحسينعليهما‌السلام فقال : يا أبة جعلت فداك ، ممّ حمدت واسترجعت؟. قال : يا بني إني خفقت برأسي خفقة ، فعنّ لي فارس على فرس ، وهو يقول : القوم يسيرون والمنايا تسير إليهم ، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا.

فقال له علي الأكبرعليه‌السلام : يا أبة لا أراك الله سوءا ، ألسنا على الحق؟!. قال :بلى والذي إليه مرجع العباد. قال : إذن لا نبالي أن نموت محقّين. فقال له الحسينعليه‌السلام : جزاك الله من ولد ، خير ما جزى ولدا عن والده.

[قرى طف كربلاء]

«نينوى»

٦٩٦ ـ الحسينعليه‌السلام يتياسر حتّى يصل إلى نينوى :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٨٨)

فلما أصبح الحسينعليه‌السلام نزل فصلى الغداة ، ثم عجّل الركوب. فأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرّ بهم ، فيأتيه الحرّ فيردّه وأصحابه. فجعل إذا ردّهم نحو الكوفة ردا شديدا يتياسرون كذلك ، حتّى انتهوا إلى (نينوى).

٦٩٧ ـ كتاب ابن زياد إلى الحر بالتضييق على الحسينعليه‌السلام :

(المصدر السابق)

فإذا براكب على نجيب له وعليه السلاح متنكب قوسا ، مقبل من الكوفة ، وهو مالك بن النّسر الكندي ، فوقفوا جميعا ينتظرونه. فلما انتهى إليهم سلّم على الحر وأصحابه ، ولم يسلّم على الحسينعليه‌السلام وأصحابه. ودفع إلى الحر كتابا من ابن

__________________

(١) كذا في تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣١ ؛ وفي مقتل الخوارزمي ج ١ ص ٢٢٦ ومناقب ابن شهراشوب ج ٢ ص ٢٤٥ : أن الحسينعليه‌السلام رأى ذلك في (الثعلبية). وفي مقتل العوالم ص ٤٨ أنهعليه‌السلام نام القيلولة في (العذيب) ، ومثل ذلك في مقتل أبي مخنف ص ٤٨. ذكر هذا كله السيد المقرم في مقتله من حاشية ص ٢٢٧.

٥٨٢

زياد ، فإذا فيه : أما بعد ، فجعجع بالحسين [أي ضيّق عليه واحبسه] حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي ، ولا تنزله إلا بالعراء ، في غير حصن ولا ماء. (وفي مثير ابن نما : لأنه عات ظلوم). وقد أمرت رسولي أن يلزمك فلا يفارقك حتّى تأتيني بإنفاذك أمري ، والسلام.

٦٩٨ ـ الحر يمنع الحسينعليه‌السلام من نزول (نينوى) أو (الغاضرية) أو (شفية)(١) :

(المصدر السابق)

فعرض لهم الحر وأصحابه ومنعوهم من المسير ، وأخذهم الحر بالنزول في ذلك المكان ، على غير ماء ولا قرية.

فقال الحسينعليه‌السلام : ويلك ما دهاك ، ألست قد أمرتنا أن نأخذ على غير الطريق ، فأخذنا وقبلنا مشورتك؟. فقال الحر : صدقت يابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكن هذا كتاب الأمير عبيد الله قد وصل يأمرني فيه بالتضييق عليك.

فقال له الحسينعليه‌السلام : دعنا ويحك ننزل هذه القرية (يعني : نينوى) أو هذه (يعني : الغاضرية) أو هذه (يعني : شفية). فقال : لا أستطيع ، هذا رجل قد بعث عليّ عينا.

٦٩٩ ـ من كلام لهعليه‌السلام وقد دعاه زهير بن القين إلى مبادءة أصحاب الحر بالقتال بعد أن منعوه من نزول نينوى :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٤)

فقال للحسينعليه‌السلام رجل من أصحابه يقال له زهير بن القين البجلي :

يابن رسول الله ذرنا نقاتل هؤلاء القوم ، فإن قتالنا إياهم الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا معهم بعد هذا(٢) فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به. فقال له الحسينعليه‌السلام : صدقت يا زهير ، ولكن ما كنت لأبدأهم بالقتال حتّى يبدؤوني.

__________________

(١) انظر التعريف ببعض قرى الطف بعد قليل ، مع المصور الجغرافي لفرع نهر الفرات المار قريبا من كربلاء ، والمسمى : نهر العلقمي (الشكل ١١).

(٢) مناقب ابن شهراشوب ج ٣ ص ٢٤٧ ط نجف.

٥٨٣

فقال له زهير : فسر بنا حتّى ننزل كربلاء(١) فإنها على شاطئ الفرات ، فنكون هناك ، فإن قاتلونا قاتلناهم واستعنا بالله عليهم. فدمعت عينا الحسينعليه‌السلام حين ذكر (كربلاء) وقال : الله م إني أعوذ بك من الكرب والبلاء.

(وفي مقتل المقرم ، ص ٢٢٨) : قال زهير بن القين : يابن رسول الله إن قتال هؤلاء أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم ، فلعمري ليأتينا ما لا قبل لنا به. فقال الحسينعليه‌السلام : ما كنت لأبدأهم بقتال. ثم قال زهير : ههنا قرية بالقرب منا على شط الفرات ، وهي في عاقول(٢) حصينة ، والفرات يحدق بها إلا من وجه واحد.قال الحسينعليه‌السلام : ما اسمها؟. فقال : تسمى العقر(٣) . فقالعليه‌السلام : نعوذ بالله من العقر. والتفت الحسين إلى الحر وقال : سر بنا قليلا ثم ننزل. فساروا جميعا حتّى إذا أتوا أرض كربلاء وقف الحر وأصحابه أمام الحسينعليه‌السلام ومنعوهم عن المسير ، وقالوا : إن هذا المكان قريب من الفرات.

ويقال : بينا هم يسيرون إذ وقف جواد الحسينعليه‌السلام ولم يتحرك ، كما أوقف الله ناقة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند الحديبية. فعندها سأل الحسين عن الأرض؟ فقال له زهير : سر راشدا ولا تسأل عن شيء حتّى يأذن الله بالفرج. إن هذه الأرض تسمى الطف(٤) . فقالعليه‌السلام : فهل لها اسم غيره؟. قال : تعرف كربلاء. فدمعت عيناه وقال : الله م أعوذ بك من الكرب والبلاء ، ههنا محطّ ركابنا ومسفك دمائنا

__________________

(١) كربلاء : موضع في طريق البرية عند الكوفة. وتقع كربلاء على خط الطول ٤٣ درجة و ٥٥ دقيقة شرقي غرينتش ، وعلى خط العرض ٣٤ درجة و ٤٥ دقيقة شمال خط الاستواء ، في المنطقة المعتدلة الشمالية. وذكر المؤرخون أن كربلاء كانت في عهد البابليين معبدا ، وأن اسمها محرّف من كلمتي (كرب) بمعنى معبد أو مصلّى أو حرم ، و (أبلا) بمعنى (إله) باللغة الآرامية ، فيكون معناها (حرم الإله).

(٢) العاقول : منعطف الوادي والنهر.

(٣) جاء في كتاب (الحسين في طريقه إلى الشهادة) ص ١٢٨ أن هناك قريتين مندرستين تقعان على الفرات جنوب الأنبار (الفلوجة اليوم) يقال لهما عقر الغربي ، وهي التي أشار إليها زهير على الحسينعليه‌السلام أن ينزل بها.

(٤) الطف في اللغة : ما أشرف من أرض العرب على ريف العراق. وسمي (الطف) لأنه مشرف على العراق ، من أطفّ على الشيء ، بمعنى أطلّ. وطف الفرات : هو الشاطئ الّذي به قتل الحسينعليه‌السلام وأصحابه ، وهي أرض بادية قريبة من الريف.

٥٨٤

ومحل قبورنا. (وفي لواعج الأشجان ، ص ١٠٣ : ههنا مناخ ركابنا ومحط رحالنا ومقتل رجالنا ومسفك دمائنا) بهذا حدّثني جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) .

٧٠٠ ـ تعريف ببعض قرى طف كربلاء :

ينقسم نهر الفرات عند وصوله إلى منطقة كربلاء إلى فرعين :

ـ الأول : فرع شرقي ، يشكل شط الحلة أو (سورا).

ـ الثاني : فرع غربي ، يشكل نهر العلقمي ، وهو يمرّ قريبا من كربلاء في الشمال ، ثم يمرّ من الكوفة في الجنوب ، وكان لذلك يسمى : شط الكوفة ، ويسمى اليوم شط (الهندية).

ويقع على نهر العلقمي في الشمال تجمّع قرى طف كربلاء (انظر الشكل ١١ التالي) مثل : نينوى والغاضرية وشفية والعقر.

ـ فأما (نينوى) : فتقع شرق كربلاء على الضفة الشرقية لنهر نينوى ، الّذي يتفرع عن الفرات الأصلي.

وقال شيخنا المظفر : كانت نينوى قرية مسكونة ، وأراد الحسينعليه‌السلام النزول بها ، فمنعه الحر.

وفي (مجلة المقتبس ، ج ١٠ سنة ١٣٣٠ ه‍) : كانت نينوى من قرى الطف الزاهرة بالعلوم ، وصادف عمرانها زمن الإمام الصادقعليه‌السلام . وفي أوائل القرن الثالث لم يبق لها خبر.

ومنطقة نينوى تمتد من أراضي السليمانية اليوم إلى سور بلدة كربلاء. ولا بأس أن ننوه بأن نينوى هذه هي غير (نينوى) التي في شمال العراق ، الواقعة على الضفة الشرقية لنهر دجلة في محاذاة الموصل.

ـ وأما (الغاضرية) أو الغاضريات : نسبة إلى غاضرة ، وهي امرأة من بني عامر ، وهم بطن من أسد ، كانوا يسكنون هذه الأرض. وتقع اليوم شمالي

(الهيابي) التي فيها مصانع الآجر. وتبعد شمالا عن بلدة كربلاء كيلومترا تقريبا ، وهي تمتد من (لجنقة) فما دونها إلى بلدة كربلاء.

ـ وأما (شفية) : فهي بئر لبني أسد.

ـ وأما (العقر) : فقد كانت بها منازل بخت نصّر.

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ١٠ ص ١٨٨ ؛ واللهوف على قتلى الطفوف ، ص ٤٥.

٥٨٥

(الشكل ١١) : خارطة كربلاء يوم ورود الحسين (ع) إليها

مأخوذة من كتاب (بغية النبلاء في تاريخ كربلاء للسيد عبد الحسين الكليدار)

(الشكل ١٢) مصور الحائر الحسيني والمخيّم والقبر الشريف

٥٨٦

٧٠١ ـ جواد الحسينعليه‌السلام يتوقف عن المسير في كربلاء :

(المنتخب لفخر الدين الطريحي ، ص ٤٣٩ ط ٢)

فسار الحسينعليه‌السلام والحر ، حتّى انتهوا إلى أرض كربلاء ، إذ وقف الجواد الّذي تحت الحسينعليه‌السلام ولم ينبعث من تحته ، وكلما حثّه على المسير لم ينبعث خطوة واحدة. فقال الإمامعليه‌السلام : يا قوم ما يقال لهذه الأرض؟. فقالوا : نينوى.فقال : هل لها اسم غير هذا؟. قالوا : نعم ، تسمى (كربلاء). فعند ذلك تنفّس الصعداء ، فقال : هذه والله كرب وبلاء. ههنا والله ترمّل النسوان ، وتذبّح الأطفال ، وههنا والله تهتك الحريم. فانزلوا بنا يا كرام. فههنا محل قبورنا ، وههنا والله محشرنا ومنشرنا ، وبهذا أوعدني جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا خلف لوعده.

٧٠٢ ـ ما اسم هذه الأرض؟ :

(أخبار الدول للقرماني ، ص ١٠٧)

ذكر الدميري في (حياة الحيوان) أن الحسينعليه‌السلام لما وصل إلى كربلاء سأل عن اسم المكان؟. فقالوا له : كربلاء ، فقال : كرب وبلاء. لقد مرّ أبي بهذا المكان عند مسيره إلى صفين ، وأنا معه. فوقف ، وسأل عن هذا المكان؟. وقال : ههنا محطّ ركابهم ، وههنا مهراق دمائهم. فسئل عن ذلك؟. فقال : نفر من آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقتلون ههنا ثم أمر بأثقاله فحطّت في ذلك المكان.

٧٠٣ ـ سؤال الحسينعليه‌السلام عن اسم كربلاء ، وخبر القارورة :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٩ ط ٢ نجف)

ثم قال الحسينعليه‌السلام : ما يقال لهذه الأرض؟. فقالوا : كربلا ، ويقال لها أرض نينوى ، قرية بها. فبكى ، وقال : كرب وبلاء. أخبرتني أم سلمة قالت : كان جبرئيل عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنت معي ، فبكيت ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : دعي ابني ، فتركتك. فأخذك ووضعك في حجره. فقال جبرئيل : أتحبه؟. قال : نعم. قال : فإن أمتك ستقتله!. قال : وإن شئت أن أريك تربة أرضه التي يقتل فيها؟. قال : نعم.قالت : فبسط جبرئيل جناحيه على أرض كربلاء فأراه إياها.

فلما قيل للحسينعليه‌السلام : هذه أرض كربلاء ، شمّها وقال : هذه والله هي الأرض التي أخبر بها جبرئيل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنني أقتل فيها. (وفي رواية) :فقبض منها قبضة فشمّها.

٥٨٧

٧٠٤ ـ أول نزول الحسينعليه‌السلام كربلاء :

(الفاجعة العظمى للسيد عبد الحسين الموسوي الحائري ، ص ١١٧)

قال في (روضة الشهداء) : فلما سمع الحسينعليه‌السلام باسم [كربلاء] نزل عن الفرس. فلما وطئ الأرض بأقدامه الشريفة تغيّر لون التراب وصار كلون الزعفران ، وسطع منه غبار علا وجهه ولحيته بحيث اغبرّ رأسه ولحيته الشريفة. فنظرت أم كلثومعليها‌السلام إليه ، قالت : واعجباه من هذه البيداء ، ما أشدّ وأعظم هولها ، أرى منها هولا عظيما. فسلّاها الحسينعليه‌السلام .

٧٠٥ ـ الحسينعليه‌السلام ينعى نفسه :(المصدر السابق)

وفي بعض كتب التواريخ : أن الحسينعليه‌السلام أخذ من تراب كربلاء وشمّها ، وقال : ههنا والله تخضب لحيتي بدمي. ههنا والله تقطّع أوداجي ، ويعزّى جدي وأبي وأمي من ملائكة السماء. هذه والله هي الأرض التي أخبر بها جبرئيلعليه‌السلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأني أقتل فيها.

٧٠٦ ـ نزول كربلاء :

(في سير أعلام النبلاء للذهبي ، ج ٣ ص ٣٠٨) : فعدل الحسينعليه‌السلام

إلى كربلاء ، وأسند ظهره إلى [قصميا] ، (وفي تذكرة الخواص لسبط

ابن الجوزي ، ص ٢٥٧ : إلى [قصب]) حتّى لا يقاتل إلا من وجه واحد. وكان معه خمسة وأربعون فارسا ، ونحو من مئة راجل.

٧٠٧ ـ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ :

(الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ج ٢ ، ص ٥)

قال : فلقيه الجيش على خيولهم بوادي السباع ، فلقوهم وليس معهم ماء.فقالوا : يابن بنت رسول الله ، اسقنا. قال : فأخرج لكل فارس صحفة من ماء ، فسقاهم بقدر ما يمسك برمقهم. ثم قالوا : سر يابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما زالوا يرجونه ، وأخذوا به على الجرف ، حتّى نزلوا بكربلاء.

فقال الحسينعليه‌السلام : أي أرض هذه؟. قالوا : كربلاء. قال : هذا كرب وبلاء.قال : فنزلوا وبينهم وبين الماء ربوة ، فأراد الحسينعليه‌السلام وأصحابه الماء ، فحالوا بينهم وبينه!. فقال له شهر بن حوشب : لا تشربوا منه حتّى تشربوا من الحميم!.

٥٨٨

الباب الخامس

في كربلاء

الفصل ١٨ ـ كربلاء ونزول كربلاء

ـ اليوم الثالث من المحرّم : لقاء عمر بن سعد

ـ اليوم السادس من المحرم : تجهيز الجيوش

ـ اليوم السابع من المحرم : الحصار ومنع الماء

الفصل ١٩ ـ اليوم التاسع من المحرّم : خطبة امتحان الأصحاب

ـ ليلة العاشر من المحرم : صلاة ودعاء

الفصل ٢٠ ـ يوم عاشوراء : خطبة الحسينعليه‌السلام الأولى والثانية

ـ فهارس الجزء الأول من الموسوعة

٥٨٩
٥٩٠

الفصل الثامن عشر

في كربلاء

(الخميس ٢ محرم سنة ٦١ ه‍)

وكان نزول الحسينعليه‌السلام في كربلاء يوم الخميس الثاني من شهر المحرّم سنة ٦١ هجرية. وقد قطع في مسيرته ستة عشر منزلا ، مكث في بعضها يوما أو يومين أو ثلاثة أيام ، وكان مجموع سفره ٢٤ يوما.

* تعريف بالباب الخامس :

يشمل هذا الباب إقامة الحسينعليه‌السلام في كربلاء من اليوم الثاني من المحرم وحتى اليوم العاشر منه ، حين وضع عمر بن سعد السهم في كبد قوسه ، وقال :اشهدوا لي عند الأمير أنني أول من رمى. فينتهي بذلك الجزء الأول من الموسوعة ، ليبدأ الجزء الثاني مع بداية القتال يوم عاشوراء.

وسوف يتمّ تقسيم هذا الباب إلى فصول متميزة حسب التوقيت الزمني للأيام التسعة التي قضاها الحسينعليه‌السلام في كربلاء ففي اليوم الثاني قامعليه‌السلام بنصب الخيام وترتيبها. وفي اليوم الثالث التقى مع طلائع جيش عمر بن سعد الذين جاؤوا لقتاله. وفي اليوم السادس وردت عليه الجيوش إلى كربلاء حتّى تكاملت ثلاثين ألفا. وفي اليوم السابع جاء الأمر من ابن زياد بمنع الماء عن الحسينعليه‌السلام ، فنزل عمرو بن الحجاج واستحل مشرعة الفرات ، وبدأ الحصار على الحسينعليه‌السلام .وفي الأثناء كانت المفاوضات تتمّ بين الحسينعليه‌السلام وعمر بن سعد دون جدوى.وفي اليوم التاسع من المحرم بدأ زحف الجيش الأموي نحو مخيّم الحسينعليه‌السلام ، فطلب منهم الحسينعليه‌السلام بواسطة أخيه العباس الإمهال إلى اليوم التالي ليقضوا آخر ليلة من حياتهم بالصلاة والدعاء. ثم يشمل الفصل الأخير حوادث اليوم العاشر من المحرم ، من الصباح وحتى بدء القتال بعد صلاة الظهر وسوف نبدأ هذا الباب بإعطاء لمحة عن نهر الفرات ، ثم عن كربلاء : تاريخها وجغرافيتها وفضلها.

٥٩١

«نهر الفرات»

٧٠٨ ـ مجرى نهر الفرات :

ينبع نهر الفرات من تركيا ، ثم يمرّ بسورية حيث يرفده البليخ عند الرقة ، والخابور عند البصيرة. ثم يدخل الأراضي العراقية عند (البوكمال) فيمرّ بعانة وهيت والرمادي [انظر المصور] ثم الفلوجة والمسيّب ، حيث ينقسم إلى فرعين.

(الشكل ١٣) : مجرى نهر الفرات ودجلة

يقول الأستاذ طه الهاشمي في كتابه (مفصّل جغرافية العراق) ص ١٤٧ : وفي جنوب قرية المسيّب الواقعة على الضفة اليسرى ، ينقسم نهر الفرات إلى فرعين :الفرع الغربي ويسمى بشط الهندية ، والفرع الشرقي ويسمى بشط الحلة.

وفى شمال (السماوة) قليلا يجتمع الفرعان معا [انظر الشكل ١٣ و ١٤].

٥٩٢

وعندما قلّت المياه في شط الحلة ، شيّدوا سدة الهندية لتوزيع المياه بشكل متساو على الفرعين. وهو يقع جنوب المسيب وعلى بعد ٥ أميال ، حيث يفترق الفرعان.

وقد كان شط الهندية يدعى قديما (شط الكوفة) لأنه يمرّ من الكوفة. وقد سماه بعض المؤرخين العرب : نهر العلقمي أيضا.

وبعد اجتماع الفرعين ، يلتقي نهر الفرات بنهر دجلة في شط العرب الّذي يصب في الخليج العربي [طول نهر الفرات الكلي ٢٧٣٦ كم].

يقول المسعودي في (التنبيه والإشراف) : ثم ينقسم الفرات إلى جهتين : قسم منهما يتوجه يسيرا نحو المغرب يسمى (العلقمي) يمرّ بالكوفة وغيرها ، والقسم الآخر يسمى (سورا) يمرّ بمدينة سورا ، ويسقي كثيرا من أعمال السواد.

ولا بأس أن ننوه بأن مجاري الأنهار القديمة تختلف كثيرا عن مجاريها الحالية ، بفعل العوامل الطبيعية ، فكم من أنهار قد انتقلت من مكانها إلى مكان آخر ، وكم من شاطئ كان بحرا في الماضي ثم أصبح اليوم أرضا يابسة ، كما حصل لمصب شط العرب في الخليج ، فقد كانت البصرة في الماضي ميناء على البحر ، واليوم تبعد عنه عدة كيلومترات.

وأغلب الظن أن مجرى نهر الفرات الّذي كانت الكوفة عليه ، قد ابتعد باستمرار باتجاه الشرق حتّى أصبح على ما هو عليه اليوم.

٧٠٩ ـ نهر العلقمي :(نهضة الحسين لهبة الدين الشهرستاني ، ص ٩٠)

يقول السيد هبة الدين : وأما نهر الفرات ، فكان عموده الكبير ينحدر من أعاليه يسقي القرى إلى ضواحي الكوفة. وكذلك ينشق من عمود النهر من شمالي المسيب نهر كفرع منه ، يسيل على بطاح ووهاد شمال شرقي كربلاء ، حتّى ينتهي إلى قرب مثوى سيدنا العباسعليه‌السلام ثم إلى نواحي الهندية ، ثم ينحدر فيقترن بعمود الفرات في شمال غربي قرية ذي الكفل ، ويسمى حتّى اليوم (العلقمي).

وفي (مدينة الحسين) لمحمد حسن مصطفى آل كليدار ، ج ٢ ص ٤ ، يقول :

سمي فرع الفرات القريب من كربلاء (بالعلقمي) لأحد سببين :

١ ـ ذهب فريق من المؤرخين إلى الاعتقاد بأن القسم المحاذي من هذا النهر لطف كربلاء قد كلّف بحفره رجل من بني علقمة ، بطن من تميم ، جدهم علقمة بن زرارة بن عدس ، فسمي النهر (بالعلقمي).

٥٩٣

(الشكل ١٤) : مصور نهر دجلة والفرات ، والمواقع الهامة عليهما

٥٩٤

٢ ـ والفريق الثاني من المؤرخين قالوا : سمي النهر بالعلقمي لكثرة شجر العلقم (الحنظل) حول حافتي النهر. ذكر ذلك النويري في كتابه (بلوغ الأرب في فنون الأدب).

ونهر العلقمي هو الّذي ملكه عمرو بن الحجاج بأمر من ابن زياد ، فبعث خمسمائة من خيله فاستحلوه ، ومنعوا الحسينعليه‌السلام من الوصول إليه منذ اليوم السابع. وقد حاول العباسعليه‌السلام الاستسقاء منه أكثر من مرة ، وفي المرة الأخيرة استشهد وهو راجع منه ، يحمل القربة إلى الأطفال الظمأى والنساء العطشى. وكان على ضفة النهر بعض النخيل.

وقد صاغ بعض الشعراء أبياتا فيها تورية بين (العلقمي) والعلقم ، مؤداها أن نهر العلقمي ليته كان علقما إذ لم يشرب منه العباسعليه‌السلام حين ذهب للاستسقاء ، فقتل قرب النهر دون أن يشرب ، يقول :

وهوى بجنب العلقميّ فليته

للشاربين به يداف العلقم

وفي حين نقل الحسينعليه‌السلام كل المستشهدين إلى مكان واحد قريبا من المخيم ، فإن العباس هو الوحيد الّذي ترك في مكانه ، ودفن في مكان استشهاده الّذي يبعد ٣٥٠ مترا شرق مرقد الحسينعليه‌السلام وقريبا من النهر.

ملفّ كربلاء

٧١٠ ـ مدينة كربلاء :

(أضواء على معالم محافظة كربلاء لمحمد النويني ، ص ٢٥)

تقع مدينة كربلاء في الجنوب الغربي من بغداد ، على بعد ١٠٥ كم ، وتقع شمال غرب الكوفة على بعد ٧٢ كم. وهي تقع في بقعة يحيط بها النخيل الوارف ، تحفّها بساتين الفاكهة. وفيها مرقد مولانا الحسينعليه‌السلام وأخيه العباسعليه‌السلام بمنائرهما وقبابهما الذهبية.

والملاحظ أن كربلاء بعيدة قليلا عن ماء الفرات (نهر العلقمي). ويسمى المكان الّذي نزل فيه الحسينعليه‌السلام يوم الثاني من المحرم وخيّم فيه هو وأصحابه (بالمخيّم) ويقع جنوب غرب مرقد الحسينعليه‌السلام . ويسمى الجزء من نهر العلقمي القريب من المرقد (المسنّاة) وهو الّذي حاول العباسعليه‌السلام الاستسقاء منه وقتل قريبا منه ، حيث قبره الآن (انظر الشكل ١٢).

٥٩٥

٥٩٦

ويخترق اليوم مدينة كربلاء طولا فرع من نهر الحسينية لتأمين الشرب ، وهو يتفرع عن الفرات بالقرب من سدّ الهندية.

ويبلغ تعداد مدينة كربلاء حوالي مائة ألف نسمة ، وهي أصغر من النجف حيث قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام .

ولم تكن كربلاء في العهد القديم قبل الفتح الاسلامي بلدة تستحق الذكر ، بل كانت قرية بسيطة عليها مزارع وضياع الدهّاقين الفرس.

٧١١ ـ حال كربلاء قبل الإسلام :(الأرض والتربة الحسينية ، ص ٣٧)

يصف أحدهم مزايا هذه الأرض الطبيعية وما كان لها من المكانة والحرمة عند الأمم القديمة قبل الإسلام بقوله : وإن أسمى تلك البقاع وأنقاها تربة ، وأطيبها طينة ، وأزكاها نفحة ، هي تربة كربلاء ، تلك التربة الحمراء الزكية ، وكانت قبل الإسلام قد اتخذت نواويس ومعابد ومدافن للأمم الغابرة ، كما يشير به كلام الإمام الحسينعليه‌السلام في خطبته حيث يقول : «كأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين (النواويس) وكربلاء».

٧١٢ ـ مكانة كربلاء بعد الاسلام :

مدينة كربلاء المقدسة من أهم مدن العراق ، تمتاز بقدسيتها وبتاريخها الحافل بالأمور العظام والحوادث الجسام.

فقد أخبرتنا الأسفار التاريخية عن معارك خطيرة دارت رحاها في ربوع هذه المحافظة ، منها معركة القادسية بين العرب والفرس سنة ١٤ ه‍ ، التي انتصر فيها المسلمون على أعظم امبراطورية فارسية ، بقيادة سعد بن أبي وقاص في خلافة عمر ابن الخطاب. والقادسية تبعد عن الكوفة جنوبا بمقدار مرحلة [أي حوالي ٤٥ كم].

ثم كانت معركة كربلاء سنة ٦١ ه‍ ، التي كانت أكبر معركة تصحيحية في صدر الإسلام. فزادت قدسية كربلاء منذ أن حلّ فيها ثاني السبطين وريحانة رسول الله الحسينعليه‌السلام .

٧١٣ ـ اشتقاق اسم كربلاء :

تعددت الآراء حول أصل تسمية (كربلاء) نذكر منها ستة آراء :

١ ـ فالكربلة : رخاوة في القدمين ، يقال : جاء يمشي مكربلا. فيجوز على هذا أن تكون أرض هذا الموضع رخوة ، فسميت كربلاء.

٥٩٧

٢ ـ ويقال كربلت الحنطة : إذا هذّبتها ونقّيتها. فيجوز على هذا أن تكون هذه الأرض منقّاة من الحصى والدّغل ، فسميت بذلك.

٣ ـ الكربل : اسم ورد أحمر ، قد نبت في هذه الأرض ، فسميت الأرض باسم كربلاء.

٤ ـ وقيل : إن اسمها مأخوذ من كرب وبلاء ، لأنها من أول ما خلقت هذه الأرض كانت محلا للبلاء والهول والاضطراب حتّى أن كل من كان يمرّ بها كانت تحدث له أشياء عجيبة ، ويشعر بالغم والهم حتّى يخرج منها.

وتذكر الروايات أن أكثر الأنبياء مرّوا بها ، منهم آدم ونوح وإبراهيم وإسماعيل وموسى وعيسى ومحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إضافة لآخرين مثل الإمام عليعليه‌السلام وسلمان وغيرهما.

٥ ـ إن (كربلاء) لها جذر ديني قديم ، وهي مركبة من كلمتين : (كرب) بمعنى حرم ، و (ابلا) بمعنى الإله ، أي أنها (حرم الإله) ، وهو لفظ آشوري ، مما يدل على أنه كان هناك فيها حرم إله يعبد.

ويذكر السيد إبراهيم الزنجاني في (وسيلة الدارين) ص ٧٣ أن أصل الكلمة معبد ، فيقول : يرجع تاريخ كربلاء إلى عهد البابليين ، وقد كانت معبدا لسكان بلدين هما : نينوى ، وعقر بابل ، بابل الكلدانيين الواقعين بالقرب منها. واسم كربلاء مؤلف من كلمتين : (رب) بمعنى مصلّى أو معبد أو حرم ، و (إيلا) بمعنى الله ، باللغة الآرامية ، أي (حرم الله).

٦ ـ (أقول) : وحين التقيت بالأخ الدكتور سهل البدري في طهران ذكر لي معنى جديدا عن كربلاء قال : بنتيجة تحقيقاتي عن كربلاء ، وجدت أنها في اللغة السامرية والبابلية تعني (الرجل القربان) ، وفي اللغات الأكادية والعبرية والآشورية والآرامية تعني (قربان الله).

٧ ـ أنها مشتقة من (كور بابل) أي مجموعة قرى بابلية.

يقول السيد عبد الرزاق الحسني في (موجز تاريخ البلدان العراقية) ص ٥٤ : رأى بعضهم أن التوصل إلى معرفة كربلاء وتاريخها القديم قبل الإسلام قد يأتي عن طريق معرفة اشتقاق هذه الكلمة ، فاحتمل أن تكون لفظة (كربلاء) منحوتة من كلمة (كور بابل) العربية ، بمعنى مجموعة قرى بابلية كثيرة ، منها :

٥٩٨

ـ نينوى : القريبة من أراضي سد الهندية.

ـ الغاضرية : المشهورة اليوم بأراضي الحسينية.

ـ كربلة : وهي القريبة اليوم من مدينة كربلاء جنوبا وشرقا.

ـ كربلاء (أو عقر بابل) : وهي قرية في الشمال الغربي من الغاضرية وبأطلالها أثريات مهمة.

ـ النواويس : التي كانت مقبرة عامة قبل الفتح الاسلامي.

ـ الحير (أو الحائر) : وهو اليوم موضع قبر الحسينعليه‌السلام إلى حدود الصحن الشريف.

وغير ذلك من القرى الكثيرة (راجع نهضة الحسين للشهرستاني ، ص ٦٦).

مناقشة وردّ اشتباه :

يقول السيد محمّد حسن آل كليدار في كتابه (مدينة الحسين) ص ١٢ :

كور بابل ليست أصل كربلا : لما فتح الساسانيون العراق على عهد شابور ذي الأكتاف ، قسّموا العراق إلى إستانات [ولايات] ، وكل إستانة إلى طسج [قضاء] ، وقسّموا هذه الطساسيج إلى رساتيق [نواحي] ، فأصبحت الأراضي الواقعة بين عين التمر والفرات طسجا ، وهي ستة طساسيج من إستانة (بهقباد) ، ومنها طسج بابل ، وطسج النهرين (الّذي تنتمي إليه مدينة كربلاء).

ولما فتح المسلمون العراق في عهد عمر بن الخطاب عام ١٤ ه‍ بقيادة سعد ابن أبي وقاص ، أصبح اسم الطّسج السابق : كور بابل.

وقد أخطأ بعض المؤرخين في ترجمة الاسم الأصلي لكربلاء ، والتبس الأمر عليهم فظنوا أنه محرّف من كور بابل ، والصحيح أنه من كرب إيلا ، أي حرم الإله.

٧١٤ ـ أسماء كربلاء :

لكربلاء أسماء متعددة قديمة. بعضها مختص بها ، ويختلف باختلاف المساحة المقصودة من المدينة أو الحرم. وقد يكون بعض تلك الألفاظ هو أسماء ، وبعضها الآخر أوصاف لها. وبعضها يطلق على قرى وأماكن قريبة منها وواقعة في منطقتها.

فمن أسمائها : نينوى والغاضرية والنواويس والعقر والطف ومشهد الحسينعليه‌السلام والحائر والحير وشاطئ الفرات وعموراء وصفورا ومارية.

٥٩٩

إلا أن أهم هذه الأسماء هو (الحائر) لما أحيط بهذا الاسم من الحرمة والتقديس ، أو أنيط به من أعمال وأحكام في الفقه والعبادات.

وإليك تعريف سريع ببعض المواقع الهامة في منطقة كربلاء :

٧١٥ ـ الطّف :

الطفّ في اللغة له عدة معان :

١ ـ ما أشرف من أرض العرب على ريف العراق. قال أبو سعيد : سمي الطف لأنه مشرف على العراق ، من أطفّ على الشيء ، بمعنى : أطلّ.

٢ ـ الطف : طف الفرات ، أي الشاطئ.

٣ ـ الطف : أرض من ضاحية الكوفة في طريق البرية ، فيها كان مقتل الحسينعليه‌السلام . وهي أرض بادية قريبة من الريف ، فيها عدة عيون ماء جارية ، منها : الصيد ، والقطقطانة ، والرّهيمة ، وعين جمل وذواتها. وهي عيون كانت للموكلين بالمسالح التي كانت وراء خندق سابور الّذي حفره بينه وبين العرب وغيرهم.

٧١٦ ـ بابل :

(الفهرست : معجم الخريطة التاريخية للممالك الإسلامية لأمين واصف بك ، ص ١٩)

بابل مدينة من أقدم وأكبر مدن العالم القديم ، على الجانب الأيسر من نهر الفرات. بناها الكلدانيون ، وهي مدينة النمرود. اشتهرت في الأزمان الغابرة بالثروة والحضارة. وفيها مات الاسكندر المكدوني سنة ٣٢٣ ق. م وحملت جثته إلى الاسكندرية.

قال المفسرون في قوله تعالى :( وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ ) [البقرة : ١٠٢] هي بابل العراق ، التي اتخذها البابليون عاصمة لهم.

قال : فأما الملوك الأوائل ، أعني ملوك النبط وفرعون وإبراهيم ، فإنهم كانوا نزلا ببابل ، وكذلك بخت نصّر ، الّذي يزعم أهل السير أنه ممن ملك الأرض بأسرها ، انصرف بعد ما أحدث ببني إسرائيل ما أحدث ، انصرف إلى بابل فسكنها.

قال أبو المنذر هشام بن محمّد الكلبي : إن مدينة بابل كانت اثني عشر فرسخا في مثل ذلك. وكان بابها مما يلي الكوفة. وكان الفرات يجري ببابل حتّى صرفه بخت نصّر إلى موضعه الآن ، مخافة أن يهدم عليه سور المدينة ، لأنه كان يجري معه.

٦٠٠

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735