موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 8%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 452422 / تحميل: 5265
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

لا يقول به إلاّ شرذمة من القائلين بالقدم ؛ قال صدر المحقّقين في رسالة اثبات الواجب : وأمّا نسبة التزام هذه التسلسل إلى الحكماء فافتراء ؛ وقال ولده غياث المدقّقين في شرحه : اي قدماء الحكماء المحقّقين ، فانّهم انكروا ذلك كما لا يخفى على من تصفّح الصحف الموروثة عنهم ، وانّما التزمه قوم من المتفلسفين المتأخّرين ممّن لا اعتماد على كلامهم. والمنكرون للتسلسل في الشروط الحادثة بيّنوا كيفية حدوث الحوادث اليومية بوجه آخر ، وهو انّهم اثبتوا حركة سرمدية وهي أمر واحد متّصل وله اجزاء فرضية فكلّ فرد من الحوادث مستند إلى بعض معيّن من تلك الحركة الواحدة ؛(١) انتهى.

وذلك لأنّ التصفّح يعطي بأنّ الفلاسفة متّفقون على التزام التسلسل في الشروط الحادثة ؛ واذعانهم بوجود الحركة السرمدية دليل قاطع على ذلك ، لأنّ الحركة القديمة ذو اجزاء كلّ جزء منها متوقّف على جزء سابق عليه ، فيلزم التسلسل في الأمور المتعاقبة. فجعل استناد الحوادث اليومية إلى الحركة السرمدية دليلا على عدم توقّف الحادث على الشروط الحادثة الغير المتناهية أمر غريب.

وقال بعض أهل التحقيق : انكار كون هذه المقدّمة مسلّمة عند الحكماء غريب جدا ، إذ لا ريب لمن تصفّح كتبهم في انّهم يقولون بها.

وما تخيّله من أنّهم قالوا باستناد الحوادث إلى الحركة وهي موجود واحد قديم بلا توقّف على شرط فلم تكن المقدّمة مسلّمة عندهم ، ففيه : انّ نظرهم إلى انّ الحركة لها أجزاء غير متناهية يتوقّف كلّ جزء منها على سابقه. وحينئذ لا بأس باستناد الحوادث إليها ، إذ توقّف كلّ حادث على شرط حادث على سبيل التسلسل على التعاقب ، فليس في ذلك دلالة على تجويزهم استناد الحادث بالقديم بلا توقّف على شرط حادث. كيف ولو جوّزوا ذلك فما بالهم ارتكبوا تلك الحركة وتورّطوا فيما تورطوا فيه؟!. فظهر انّ تعليل عدم امكان جعل الاستدلال المذكور جدليا والزاميا للحكماء لعدم كون المقدّمة(٢) المذكورة مسلّمة عندهم غير صحيح. فالصحيح تعليله

__________________

(١) ما عثرت على هاتين الرسالتين ، والظاهر انّهما لم تطبعا بعد.

(٢) الاصل : المسألة.

٢٦١

بما ذكروا بانّ الحكيم قائل بتوقّف الحادث على الشرط الحادث مطلقا ، سواء كان الفاعل مختارا أو موجبا ، فعلى تقدير جعله جدليا والزاميا للحكيم يتوجّه على المعتزلة النقض قطعا ؛ هذا.

وقيل في بيان عدم جواز استعمال الدليل المذكور لا برهانيا ولا جدليا من قبل المعتزلة وورود المعارضة عليهم مع انّهم يجوز لهم على الظاهر أن يقولوا ـ لم لا يجوز أن تكون المقدّمة المذكورة لازمة لفرض الايجاب المذكور وان اعتقدنا بطلانها في نفسها كما في كثير من توالي المتّصلات اللزومية ـ : انّ القول بالمقدمة المذكورة كما انّه لا يصحّ في نفسه عندهم كذلك ليس لازما لفرض الايجاب المذكور في الواقع حتّى يصحّ استعمال المعتزلة لها على فرضه ، وحينئذ لا يجوز لهم استعمالها أصلا.

بيان عدم اللزوم : انّ معنى الايجاب المذكور هو امتناع انفكاك الذات عن ايجاد العالم مطلقا في الازل ، فيلزمه حصول جميع شرائط التأثير فيه في الأزل وعدم توقّفه على شيء اصلا فلا يمكن مع استلزامه عدم التوقّف المذكور أن يستلزم أيضا توقّفه على الشروط للزوم اجتماع النقيضين ، وهو محال ؛ فثبت انّ توقّف العالم حال حدوثه على حادث آخر لا يمكن أن يكون لازما لفرض الايجاب المذكور ؛ انتهى.

وفيه : ما تقدم من انّ بناء الاستدلال على قطع النظر عن استحالة اجتماع الايجاب المذكور مع حدوث الأثر ، ولولاه لم يصحّ للأشعري أيضا نفي مطلق الايجاب. وإذا كان اجتماع هذين الأمرين ـ أعني : القدم والحدوث ـ محالا ومع ذلك فرض وقوعه واستدلّ على تقديره فلا مانع من لزوم محال آخر منه ـ أعني : اجتماع عدم التوقّف على شيء والتوقّف على الشرط ـ ، لأنّ المحال قد يستلزم فرضه محالا آخر والاستدلال بفرض وقوع محال وترتّب محال آخر عليه أمر شائع بينهم ، ولو منعه مانع محتجّا بعدم فائدة فيه وعدم الاحتياج إليه فهو كلام آخر. وسنذكر انّ من وجوه الاختلال في هذا الاستدلال عدم الاحتياج إليه ، للزوم القدم على فرض الايجاب المذكور ضرورة ، ونشير إلى / ٥٩ MB / أنّ من وجوه الاختلال فيه وان كان مندفعا بما ذكر من لزوم اجتماع النقيضين ـ أعني : الايجاب بالمعنى المذكور والحدوث ـ ، والمحال قد يستلزم المحال.

٢٦٢

فلقائل أن يقول : حينئذ لا مانع من لزوم التسلسل في الشروط المتعاقبة لامكان استلزام المحال المحال ، والمطلوب هاهنا انّه مع قطع النظر عن هذه الوجوه من الاختلال يلزم اختلال آخر أيضا ، وهو المعارضة من قبل الحكماء على المعتزلة.

الثاني : انّ المعارضة يرد على الأشعري أيضا. فان أجيب : بانّ للأشعرية الجواب بالتزام التخلّف والترجيح بلا مرجّح ويكون كلامه في الاستدلال على سبيل الجدل والالزام ؛

قلنا : للمعتزلة أيضا التزام عدم توقّف الحادث على شرط حادث ويكون كلامهم في الدليل على سبيل الجدل ؛ انتهى.

ولا يخفى ضعفه على ما بيّناه ، لأنّ الاستدلال المذكور على مذهب الاشعري برهاني لا يتوجّه عليه النقض مطلقا ، لأنّ في صورة الاختيار يجوز الترجيح بلا مرجّح عنده بخلاف صورة الايجاب. وما ذكره من امكان جعل الدليل المذكور جدليا من قبل المعتزلة فقد عرفت فساده.

وبذلك يندفع ما ذكره بعض آخر : انّ الدليل المذكور لا يمكن اجرائه من قبل الأشعري أيضا لا برهانيا / ٥٦ DA / ـ لتجويزه الترجيح بلا مرجّح ـ ولا جدليا ـ لابتنائه على استحالة التسلسل في الشروط المتعاقبة ـ ، مع أنّ الحكماء يجوّزوه ، فلا يصحّ استعماله الزاما عليهم. فالحقّ انّ هذا الدليل لا يصحّ اجرائه اصلا لا من قبل الأشعري ولا من قبل غيره ، لا برهانيا ـ لابتنائه على التوقّف على الشرط الحادث وهو غير ممنوع عند المتكلّمين ، أمّا عند الأشاعرة منهم فلتجويزهم الترجيح بلا مرجّح ، وأمّا عند غيرهم فلأنّ المرجح عندهم إمّا علم الفاعل وإمّا ذات الوقت ـ ؛ ولا الزاميا ـ لابتنائه على استحالة جميع انحاء التسلسل ، وهو غير ممنوع عند الحكماء ـ أيضا ؛ انتهى.

ووجه الاندفاع ما عرفت من صحّة جعله برهانيا من قبل الأشعري.

والحقّ انّه يمكن أن يكون من قبله جدلا والزاما على الحكماء أيضا. وما استدلّ به على عدم امكان جعله جدليا يرد عليه : انّه لا ريب في أنّ أحد مقدّمات هذا الدليل ـ وهو لزوم التسلسل في الشروط ـ جدليّ للزومه على مذهب الحكيم دون

٢٦٣

الأشعري ، وهو يكفي لكونه جدليا ، ولا يلزم أن يكون باقي مقدّماته أيضا جدليا. ولا يلزم من استعمال مقدّمة في الدليل جدلا أن يكون جميع مقدّماته ممّا يسلّمه الخصم ، بل يجوز أن يكون بعض مقدّماته ممّا يعتقد المستدلّ كونه برهانيا وإن لم يسلّمه الخصم فاذا كان لزوم التسلسل في الشروط مسلّما عند الحكيم لزم كونه جدليا وان كان بطلانه غير مسلّم عنده ، بل كان ممّا اعتقده الأشعري وثبت عنده بالبرهان ، هذا.

وقال بعض الفضلاء : انّ الدليل المذكور من قبل الأشاعرة غير تامّ ، إذ هم يجوّزون تخلّف المعلول عن العلّة التامّة واستحالته مأخوذة في الدليل.

واجاب عنه بعض الأعلام : بانّ المذكور في الاستدلال هو التخلّف عن الموجب التامّ وهو باطل باتفاق العقلاء ، لكن الأشاعرة ينفون الموجب مطلقا لا أنّهم يجوّزون التخلّف ؛ كيف وهو في قوّة اجتماع النقيضين؟!. وأمّا تخلف المعلول عن العلّة التامة فهو وان كان جائزا عقلا عندهم لكنّه غير واقع ومستحيل عادة نعم! تخلّف العلّة التامة عن المعلول بمعنى انفكاك ذاته في الأزل عن ايجاد الفعل مطلقا جائز وواقع عند أكثر المتكلّمين ، لأنّ ذاته ـ تعالى ـ مع علمه وارادته علّة تامة في الأزل لوجود العالم عندهم ، بل موجب تامّ عند بعضهم ـ كالمحقق الطوسي واتباعه ـ ، والعالم غير موجود فيه وبناء تجويز ذلك عند كلّ طائفة أمر وعند المحقّق الطوسي هو العلم بالأصلح ؛ انتهى.

وحاصله : انّ الأشاعرة لا يجوّزون التخلّف عن الموجب التامّ والكلام في الاستدلال انّما هو فيه ، وهو صحيح لا غبار عليه ، كما مرّ غير مرّة من أنّ الأشاعرة لا يجوّزون التخلّف عن الموجب التامّ وإن جوّزوا التخلّف عن الفاعل المختار بسبب الإرادة ، لا بأن يكون التخلّف جائزا بعد تعلّق الإرادة بالفعل ـ لوجوبه حينئذ عندهم ـ ، بل قبل تعلّقها بمعنى انّ تعلّقها بالفعل ليس بواجب ، فيجوز للفاعل المستجمع لجميع الشرائط أن يريد الفعل وأن لا يريد ، لجواز الترجيح بلا مرجّح.

فالتخلّف الجائز عن الفاعل المختار هو التخلّف عن المختار المستجمع للشرائط من الدواعي وغيرها سوى الإرادة ، ومع الإرادة لا يجوّزون التخلّف. ولا ريب انّ الفاعل بدون تعلّق الإرادة ليس علّة تامّة وان حصل جميع ما سواه من شرائط

٢٦٤

التأثير. فما ذكره المجيب المذكور من أنّ التخلّف عن العلّة التامّة جائز عقلا عندهم ليس على ما ينبغي!.

قال بعض أهل التحقيق : ان مذهب الاشاعرة في صدور الفعل عن الفاعل المختار انّه يصدر عنه بدون اللزوم والوجوب في الاختيار والإرادة ، كما هو زعم المعتزلة من انّه لا بدّ من مرجّح في الفعل يوجب تعلّق الإرادة مثل كونه أصلح للصدور ، لأنّ الاشاعرة قالوا : المختار مرجّح بإرادته من غير مرجّح يوجب تعلّق الإرادة وان كان صدور الأثر بعد تعلّق الإرادة واجبا. فلا يتوهّم أنّ الأشاعرة ينفون وجوب الفعل والأثر بعد تعلّق الإرادة ، بل القول بانّ الشيء ما لم يجب لم يوجد متّفق عليه بين الكلّ إلاّ شرذمة قليلة من المتكلّمين القائلين بالأولويّة / ٦٠ MA / الغيرية ، فالوجوب واللزوم اللذان ينفيهما الاشاعرة وجوب تعلّق الإرادة بسبب موجب له ـ كالأصلحية مثلا ـ ، لا وجوب الفعل بغير الإرادة. وقد اعترض عليهم : بانّ ما قيل في وجوب الفعل آت بعينه في تعلّق الإرادة أيضا ؛ انتهى. وقال بعض آخر من الأعاظم : انّ ما نسب إلى الأشعري من انّ تخلّف المعلول عن العلّة التامّة جائز عقلا عندهم ممّا لم أقف على مأخذه! ؛ بل ظاهر كلام المواقف وشرحه انّهم يقولون باستحالة التخلّف عقلا. قال في المواقف : الإرادة القديمة يوجب المراد ؛ وفي شرحه : اي : إذا تعلّقت إرادة الله ـ تعالى ـ بفعل من أفعال نفسه لزم وجود ذلك الفعل وامتنع تخلّفه عن ارادته ، اتفاقا من أهل الملّة والحكماء أيضا(١) ؛ انتهى.

وأيضا اورد في بحث الاختيار من جانب القائلين بايجاب السؤال : بأنّ قدرته ـ تعالى ـ متعلّقة في الأزل بهذا الطرف وبه يجب وجوده ، وحينئذ فما الفرق بين الموجب والمختار؟ ؛

وأجاب : بانّ الفرق انّه بالنظر إلى ذاته مع قطع النظر عن تعلّق قدرته يستوي إليه الطرفان ، ووجوب هذا الطرف وجوب بشرط تعلّق القدرة والإرادة به ، لا وجوب ذاتي كما في الموجب بالذات / ٥٦ DB / ؛ ولا يمتنع عقلا تعلّق قدرته بالفعل بدلا

__________________

(١) ما وجدت العبارة في المواقف وشرحه.

٢٦٥

من الترك وبالعكس. وأمّا الموجب فانّه يتعين تأثيره في أحدهما ويمتنع في الاخر عقلا ؛ انتهى.

وتوضيح المقام : انّ مذهب الأشاعرة هو أنّ الفعل بعد تعلّق الإرادة به يصير واجبا ، ومرادهم بامتناع تخلّف المعلول عن العلّة التامة هو هذا ـ أي : يمتنع تخلّفه عن الفاعل بعد تعلّق الإرادة واستجماعه لسائر الشرائط ـ. ولكن تعلّق الإرادة به ليس بواجب ، لانّ الفاعل المستجمع لجميع الشرائط يمكن أن يريد الفعل وأن لا يريد ـ بناء على جواز الترجيح بلا مرجّح ـ. والمراد بنفيهم الايجاب هو هذا ؛ أي : ليس شيء من الأفعال ممّا يجب صدوره عن الفاعل ، فانّ عدم ارادته له ممكن وحينئذ لم يصدر ذلك وإن كان بعد تعلّق الإرادة يجب الصدور البتة. وعلى هذا فالوجه في تمشّى الاستدلال المذكور على مذهب الأشاعرة هو انّهم يقولون : إذا كان الفاعل موجبا لا بدّ أن تكون ارادته واجبة الصدور منه ، فحينئذ فجميع الشرائط ان كانت حاصلة في الأزل يجب القدم وإلاّ يتوقّف على شرط حادث ، وأمّا إذا لم يكن موجبا فيجوز أن يكون جميع الشرائط حاصلة في الأزل ، ولكن لم تتعلّق به الإرادة في الأزل ، فلم يوجد الفعل وتعلّقت به فيما لا يزال ، فوجد الفعل ؛ هذا.

وقد بقي في المقام اشتباه ربما يزلّ به بعض الاقدام لا بدّ من الاشارة إلى دفعه. وهو : انّكم قلتم في مقام الاستدلال : لو كان الفاعل موجبا بالمعنى المذكور وكان العالم حادثا لزم التوقّف على شرط حادث لازم لفرض الايجاب بالمعنى المذكور ؛ فنقول : إن كانت المقدّمة المذكورة لازمة لفرض الايجاب المذكور على الاطلاق كان الاستدلال حينئذ تامّا من قبل المعتزلة ولا يرد عليهم المعارضة ، كما انّه تامّ من قبل الأشاعرة. ولو لم تكن لازمة له على الاطلاق لم يكن الاستدلال المذكور تامّا من قبل الاشاعرة أيضا ، كما انّه ليس تامّا من قبل المعتزلة ، لأنّ المقدّمة المذكورة إذا لم تكن لازمة للايجاب بالمعنى المذكور كيف يجوز للأشعري أن يقول ـ على فرض الايجاب المذكور ـ : إذا كان العالم حادثا لزم التسلسل في الحوادث إن كان تأثيره ـ تعالى ـ في الحادث محتاجا إلى مرجّح غير الإرادة؟! ، وأنّى له أن يدّعى اللزوم بين غير المتلازمين؟!.

٢٦٦

ووجه الدفع فيه : انّ المراد بعدم كون المقدّمة المذكورة لازمة لفرض الايجاب بالمعنى المذكور ـ أي : الايجاب بالمعنى الاخصّ المساوق للقدم في مقام المعارضة ـ انّها ليست لازمة لفرض هذا الايجاب المخصوص على أن يكون للخصوصية دخل في الاستلزام وإن كان لازما لمطلق الايجاب ـ أي : الايجاب المشترك بين ايجاب الحكماء ، وهو الايجاب الخاصّ المذكور المساوق للقدم ـ والايجاب بالاعتبار الّذي قال به المعتزلة ـ أي : وجوب الفعل في آن حدوثه بسبب الداعي ـ ، فالمراد بعدم لزوم تلك المقدّمة للايجاب المذكور هو انّ تلك المقدمة ليست لازمة لفرض خصوص هذا الايجاب الّذي قصد هاهنا ابطاله ، فلا يمكن استعمالها في ابطال خصوص ذلك الايجاب واثبات القسم الآخر من الايجاب الّذي قال به المعتزلة ، لأنّه لو كان لخصوصية الايجاب المذكور دخل في استلزام المقدّمة لامكن أن يبطل بها الايجاب المذكور ويثبت بها الايجاب الآخر ، ولكن لم يكن اللزوم لخصوصية الايجاب المذكور ، بل كان لمطلق الايجاب لم يمكن ابطال قسم منه واثبات قسم آخر.

والمراد بلزوم المقدّمة المذكورة للايجاب بالمعنى المذكور في الاستدلال هو لزومها له في ضمن مطلق الايجاب المشترك بين ايجاب الحكماء وايجاب المعتزلة ، وعلى هذا فالايجاب سواء كان بالمعنى المقصود هاهنا ـ أعني : امتناع / ٦٠ MB / الانفكاك المساوق للقدم ـ أو بالمعنى الّذي اثبته المعتزلة ـ وهو الوجوب بالداعى في آن الحدوث المسمّى بالاختيار المقابل للايجاب المقصود هاهنا ـ مستلزم للمقدّمة المذكورة. فكما يرد حينئذ لزوم المقدّمة المذكورة على الحكيم يرد على المعتزلى أيضا ، فالمعارضة واردة على المعتزلة. ولو كانت المقدّمة المذكورة لازمة لخصوص ايجاب الحكماء لزم ورودها عليهم فقط لا على المعتزلة ، وكان لهم أن يقولوا : الايجاب الّذي نحن نثبته غير مستلزم لتلك المقدمة ، فلم يتوجّه عليهم المعارضة.

ثمّ لمّا كانت تلك المقدّمة لازمة للايجاب المطلق فيمكن للأشعري ـ الّذي لا يقول بالايجاب اصلا ـ ابطال مطلق الايجاب بلزومها ؛ فانّ للأشاعرة في هذا المقام مطلوبين : أحدهما نفى الايجاب الخاصّ المستلزم للقدم المخصوص بالحكماء ؛ وثانيهما : نفى مطلق

٢٦٧

الايجاب المشترك بين الحكماء والمعتزلة ، بل اثبات الاختيار المستلزم لجواز الترجيح بلا مرجّح المختصّ بهم والمقدمة المذكورة وان كانت غير مسلّمة عندهم أيضا ولا لازمة لفرض الايجاب الأوّل لكنّها لازمة لفرض الايجاب الثاني على زعمهم ، بل لنفي الاختيار المخصوص بهم ، فيصحّ استعمالهم في اثبات المطلوب الثاني دون الأوّل. وعلى ما ذكر يندفع الاشتباه ولا تبقى شبهة أصلا.

والعجب انّ بعض الاعاظم بعد أن / ٥٧ DA / أورد في المقام حاصل ما ذكرناه قال : فان قيل : كيف يجوز عند الأشاعرة لزوم تلك المقدّمة لفرض الايجاب المطلق ولا يجوز للايجاب الخاصّ ؛ واجاب : بانّ عدم لزوم تلك المقدّمة للايجاب الراجع إلى القدم من جهة انّ فرض الحدوث المذكور فيها مناف لفرض ذلك الايجاب ، إذ محصّل الكلام انّه على تقدير قدم العالم لو كان حادثا لتوقّف على شرط حادث ، وبطلانه ظاهر. بخلاف الايجاب المطلق ، فانّه لا منافاة بين فرضه وفرض حدوث العالم ، فيحتمل لزوم تلك المقدّمة على فرضه دون الاول ؛ انتهى.

ووجه التعجّب : عدم توجّه السؤال وازالة الاشتباه بالكلّية بعد ذكر ما أوردناه ، لأنّا ذكرنا انّا لا نقول بعدم لزومها للايجاب الخاصّ ، بل نقول انّه ليس لخصوص ذلك الايجاب دخل في لزومها ، فلا يتمشّى استعمالها في ابطال خصوص ذلك الايجاب واثبات القسم الآخر من الايجاب الّذي تجري المقدّمة المذكورة في ابطاله أيضا. نعم! يمكن استعماله في ابطال مطلق الايجاب كما هو رأي الأشعري ؛ وعلى هذا يتمّ المطلوب ولا يبقى مقام للاشتباه والسؤال ، فلا ايراد.

ثمّ ما ذكره في الجواب فلا يخفى وهنه! ، لانّا ذكرنا مرارا انّ بناء الاستدلال على فرض اجتماع الحدوث مع الايجاب بالمعنى المذكور وقطع النظر عن استحالته. على انّه على ما ذكره تكون المقدّمة المذكورة لازمة لخصوص الايجاب الّذي يقول به المعتزلة لا ما يقول به الحكماء أيضا ، فلا يمكن للأشعري نفي مطلق الايجاب بلزومها ، مع انّه قد صرّح بلزومها للايجاب المطلق ؛ هذا.

وربما يتراءى في المقام أن يقال : انّ للايجاب المقصود هنا ـ أعني : ايجاب

٢٦٨

الحكماء ـ معنى آخر غير الايجاب الّذي يقول به الحكماء والمعتزلة ـ أي : صدور الشيء بالوجوب واللزوم ـ وهو المراد بالايجاب المطلق. وليس الايجاب الأوّل ـ أعني : ايجاب الحكيم ـ فرد ، فلا يلزم من لزوم تلك المقدّمة للايجاب الثاني لزومها للأوّل أيضا. وعلى هذا فلا تكون المقدّمة المذكورة لازمة للايجاب بالمعنى المقصود هاهنا ، لا بخصوصه ولا في ضمن مطلق الايجاب الّذي أثبته الحكيم والمعتزلي ؛ فلا يمكن ابطال الايجاب المذكور بلزومها اصلا.

وهو مردود بأنّ ايجاب الحكيم وإن كان معنى آخر لكن لا شكّ في انّه مستلزم للايجاب بالمعنى الثاني ، إذ امتناع انفكاك الأثر عن المؤثّر لا يكون إلاّ إذا كان صدوره عنه بالوجوب واللزوم ، وإذا كان مستلزما له فيكون مستلزما للازمه أيضا ؛ على انّه لو كان الأمر على ما توهّم لما كان للأشعري أيضا أن يبطل الايجاب المختصّ بالحكماء بلزوم المقدّمة المذكورة.

تنبيه

على ما ذكرنا من تمشّي الدليل المذكور من قبل الأشاعرة في نفي المرجّح ونفي الايجاب المطلق لا يتوهّم أحد منهم انّ كلامهم صحيح واستدلالهم في الواقع ونفس الأمر تامّ! ، بل هو عند التحقيق ساقط.

وتوضيح الكلام في هذا المقام : انّ الاشاعرة جوّزوا الترجيح بلا مرجّح ونفوا الاحتياج إلى المرجّح مطلقا وقالوا بجواز صدور الفعل عن الفاعل بدونه. وانّما أقاموا الدليل المذكور أوّلا على ذلك المطلوب ، وحاصله : انّه لو كان تأثير الواجب في الحادث يحتاج إلى مرجّح غير الإرادة لزم قدم العالم أو التسلسل في الحوادث. ولمّا كان هذا الدليل المذكور أوّلا على نفي الايجاب أيضا استعملوه فيه أيضا ، فان استعملوه في نفي الايجاب المطلق المقصود منه الايجاب بالاختيار أيضا ـ أي : الايجاب الخاصّ الّذي قال به المعتزلة ـ كان حاصل كلامهم حينئذ انّ تأثيره ـ تعالى ـ في العالم ليس بالايجاب بمعنى وجوب الفعل ولزومه ، بل بالاختيار بدون الوجوب واللزوم بأن يكون المرجّح نفس

٢٦٩

إرادة الفاعل المختار ، وإلاّ لزم القدم أو التسلسل في / ٦١ MA / الحوادث ؛ وان استعملوه في نفي الايجاب المقصود هاهنا ـ أعني : امتناع الانفكاك ـ كان حاصل كلامهم انّ تاثيره ـ تعالى ـ في العالم ليس بالايجاب بمعنى امتناع الانفكاك ، وإلاّ لزم القدم أو التسلسل في الحوادث. ولا ريب انّ قولهم بنفي الايجاب الخاصّ الّذي قال به المعتزلة انّما هو مبني على قولهم الأوّل ـ أعني : جواز الترجيح بلا مرجّح ـ ، إذ على تقدير جوازه لا يتحقّق لشيء من الفعل والترك وجوب ولا اولوية بالنسبة إلى الفاعل في شيء من الاوقات ، وانّما التعيين والتخصيص من جهة الإرادة من دون وجوب تعلّقها بشيء من الطرفين وإن وجب بعد تعلّقها.

ثمّ لا يخفى انّ قولهم الأوّل ـ أعني : جواز الترجيح بلا مرجّح ـ اصل من اصولهم وليس مبتنيا على أصل آخر مسلّم عندهم ، وهذا الأصل في غاية الفساد ، ودليلهم المذكور في اثباته في غاية الضعف والوهن ؛

أمّا أوّلا : فلأنّه لا يدلّ إلاّ على نفي المرجّح الحادث ، اذ القدم أو التسلسل في الحوادث انّما يلزم إذا كان التأثير في الحوادث موقوفا على مرجّح حادث ، وامّا إذا اكتفى بتوقّفه على مرجّح قديم يرجّح وجود الحادث على عدمه في وقت خاصّ ـ أعني : الداعي القديم ـ كالعلم بالأصلح على ما ذهب إليه جماعة من المعتزلة أو قلنا بانّ المرجّح هو ذات الوقت وعدم وقت قبل وقت الحدوث على ما هو الحقّ ، فلا يلزم قدم ولا تسلسل ، إذ كلّ واحد من الداعي وذات الوقت يكفي لتخصيص ايجاد الحادث.

وأمّا ثانيا : فلأنّ الإرادة المجرّدة من دون انضمام المرجّح لتعلّقها بأحد الطرفين / ٥٧ DB / لا تكفي للترجيح ـ كما مرّ ـ ، فقولهم بنفي الايجاب الخاصّ صحيح على أصولهم.

وأمّا قولهم الثاني ـ أعني : نفي الايجاب الخاصّ ـ فهو مبني على قولهم الأوّل ، فانّه إن كان صحيحا مسلّما لكان هذا أيضا صحيحا ، إلاّ انّه لمّا كان اصلهم الّذي بنى عليه هذا القول فاسدا لكان هذا القول أيضا فاسدا في الواقع ونفس الأمر ، لأنّه إذا لم يجز الترجيح بلا مرجّح لم يجز صدور الفعل بدون الوجوب واللزوم ، فلا بدّ في صدور الفعل حينئذ من

٢٧٠

وجوبه. والوجوب في فعل الواجب يكون عند المليين إمّا بالداعى أو بذات الوقت ، فهما يكفيان لتصحيح الايجاب الخاصّ وتخصيص ايجاد الحادث بوقته لئلاّ يلزم قدم ولا تسلسل ، لأنّ الداعي القديم أو عدم وقت قبل وقت الحدوث اقتضى على سبيل الوجوب ايجاد الحادث في وقته المعين ، فهو كاف للترجيح ولا يفتقر إلى مرجّح آخر ؛ فمع حدوث الحادث بهذا المرجّح لا يلزم قدم ولا تسلسل. فلو استدل الأشعري بالحدوث وجعله وسطا لنفي الايجاب الخاصّ الّذي قال به المعتزلة فلنا أن نقول : الوسط في هذا الدليل يجمع مع الايجاب الخاصّ فلا يدلّ على نفيه ، وحينئذ فيمكن أن يمنع الشرطية القائلة بانّه لو كان حادثا لتوقّف المحال مستندا بانّه مع فرض الايجاب الخاصّ لا يتوقّف الحادث على شيء آخر ، بل يكفى الداعي أو ذات الوقت للتخصيص والترجيح. وحينئذ فيمكن أن يلتزم جواز التخلّف عن الموجب بهذا الايجاب. لانّه لا تخلّف حقيقة عن العلّة التامة حينئذ ، لأنّ العلّة التامة هي الواجب مع الداعي على نحو ما تعلّق. وأيضا لا يقتضي شيء من قواعد الأشاعرة لزوم التوقّف المذكور لفرض الايجاب بالاختيار ، إذ هما متنافيان ظاهرا ، إذ فرضه ـ أي : فرض الايجاب بالاختيار ـ في قوّة فرض عدم احتياج الحادث في التخصيص إلى حادث آخر ، فظهر انّ الدليل المذكور من قبل الأشاعرة على جواز الترجيح بلا مرجّح وعلى نفي الايجاب بالاختيار في ضمن الايجاب المطلق غير تامّ. ولذا لم يتعرّض أكثرهم في اثبات جواز الترجيح بلا مرجّح لهذا الدليل ولم يذكر في الكتب الكلامية دليل من قبلهم على هذا المطلب ، بل ادّعوا فيه الضرورة ونبّهوا عليه ببعض الأمثلة كرغيفي الجائع وطريقي الهارب. وقد ظهر أيضا انّ القول بجواز الترجيح بلا مرجّح يستلزم القول بنفي الايجاب الخاصّ المعتبر عند المعتزلة. وأمّا العكس فغير ثابت ، لأنّ الحكماء قائلون بنفي الخاصّ لقولهم بامتناع الانفكاك المنافي للقول بالايجاب الخاصّ الّذي يعتبر فيه نحو من الانفكاك.

وأمّا القول بامتناع الترجيح بلا مرجّح فلا يستلزم القول بثبوت الايجاب الخاصّ ، لما مرّ من مذهب الحكماء ؛ ولما ذهب إليه محمود الخوارزمي كما نقل عنه فخر الدّين

٢٧١

الرازي في الاربعين بانّه قال : الترجيح يفيد الاولوية دون الوجوب(١) ، وأمّا عكسه فثابت لأنّ كلّ من قال بتحقيق الايجاب الخاصّ قال باستحالة الترجيح بلا مرجّح ، فالقول بنفي الايجاب الخاصّ يدور مع القول بجواز الترجيح بلا مرجّح وجودا لا عدما ، والقول بثبوته يدور مع القول بامتناعه عدما لا وجودا ، وامّا قولهم بنفي الايجاب بمعنى امتناع الانفكاك فهو يدور مع القول بالقدم وجودا وعدما وبالعكس ؛ ولذا جميع القائلين بالحدوث نفوه وبالعكس وجميع القائلين بالقدم اثبتوه وبالعكس. فقولهم بنفي هذا الايجاب صحيح على أصولهم وقواعدهم وصحيح في الواقع ونفس الأمر أيضا ، ودليلهم عليه تمام على الفلاسفة. ولا يمكن للفلاسفة أن يعارضوهم بصورة الاختيار بأنّه يلزم حينئذ أيضا امّا القدم أو التوقّف على الشروط الغير المتناهية ، لأنّهم لمّا جوّزوا الترجيح بلا مرجّح فيجوز لهم أن يقولوا لا يفتقر حدوث الحادث إلى مرجّح سوى الإرادة ليلزم أحد الأمرين ، ولا يمكن للفلاسفة أن يلتزموا مثل ذلك لتتمّ المعارضة ، فدليلهم تامّ على أصلهم هذا لا فى الواقع ونفس الأمر. وأمّا المعتزلة فلمّا لم يجوّزوا الترجيح بلا مرجّح فالدليل المذكور من قبلهم غير تامّ على أصولهم ، لأنّه إذا عارضهم الفلاسفة بصورة الاختيار فان أجابوا بعدم لزوم أحد الأمرين لكفاية الداعي فللفلاسفة أيضا أن يلتزموا مثل ذلك ـ كما تقدّم ـ ، فتتمّ المعارضة عليهم.

ومنها ـ أي : ومن وجوه الاختلال في الاستدلال المذكور / ٦١ MB / إذا جعل دليلا لنفي الايجاب المذكور ، أي : استحالة الانفكاك ـ : انّ المراد من استلزامه القدم انّه مستلزم للقدم بالنوع يعني قدم الفعل المطلق ـ أي : طبيعة الفعل أو الفرد المنتشر ـ ، لا قدم فرد شخصيّ أو جميع الاشخاص. وحينئذ فيرد انّ استلزام الايجاب بالمعنى المذكور لقدم الفعل المطلق بديهى ، لأنّ عدم انفكاك الواجب عن العالم اي فعل ما هو بعينه قدم فعل ، فانّ الاستدلال عليه باستلزام نقيضه التوقّف على الشرط الحادث لغو مستدرك. والمراد بنقيضه هو الحدوث بالنوع ـ أي : حدوث الفعل المطلق ـ ، إلاّ انّا لا نريد هنا بالحدوث بالنوع وحدوث الفعل المطلق وأمثالهما حدوث فعل ما أو

__________________

(١) راجع : الاربعين ، ج ١ ، ص ٣٢٠ ، ٣٢١.

٢٧٢

حدوث طبيعة الفعل المتحقّق في ضمن فعل ما أو حدوث طبيعة الفعل / ٥٨ DA / المتحقّق في ضمن فعل ـ أعني : طبيعة ما ـ ، بل المراد حدوث مطلق النوع والطبيعة ـ أي : عموم هذا المفهوم المتحقّق في ضمن جميع الافراد بأن لا تكون طبيعة ما من طبيعة الفعل قديما أيضا ـ. فالمراد من الحدوث بالنوع وحدوث الفعل المطلق هو حدوث جميع افراد الفعل والسرّ في ذلك انّ المراد بقدم الفعل المطلق ما يطلق عليه الفعل ـ أعني : فردا ما ـ ، والمراد بحدوث الفعل المطلق نفي ذلك القدم ـ أعني : قدم فردا ما ـ ؛ والنفي إذا ورد على الفرد المنتشر الّذي هو معنى النكرة يفيد العموم ، فيكون المراد حدوث جميع الافراد.

ومنها : انّ التخلّف عن الموجب التامّ أو التسلسل في الشروط الحادثة وإن كان محالا لكن جاز أن يكون لازما ، لاجتماع المتنافيين وهما الموجب بالمعنى المذكور وحدوث أثره المطلق ، أي : عدم كون فعله المطلق قديما بان يكون مجموع افعاله وآثاره حادثا.

وأورد على هذا الوجه : بانّه خارج عن آداب المناظرة ، لانّه إذا سلّم محالية الحدوث على تقدير الايجاب المذكور يثبت مطلوب المستدلّ ، إذ ليس غرضه إلاّ انّه على هذا التقدير يلزم القدم ، والمورد قد سلّمه ، فلا ايراد.

فان قيل : المقصود ليس إلاّ ابطال الاستدلال لا ابطال المدّعى ـ أعني : محالية الحدوث على تقدير الايجاب المذكور ـ ، فلا يثبت انّ المدّعى ـ أعني : محالية حدوث الفعل المطلق على تقدير الايجاب بالمعنى المذكور ـ بديهي لا يحتاج إلى الاستدلال ، فالغرض هنا

ليس إلاّ التنبيه على فساد الاستدلال ، وهو يحصل بما ذكر ـ أعني : امكان استلزام المحال المحال ـ ؛

قلنا : للمستدلّ أن يقول : بناء الاستدلال على فرض جواز اجتماع الايجاب المذكور والحدوث ، فانّا فرضنا جواز الحدوث على هذا التقدير وأقمنا الاستدلال ، وليس بناء الاستدلال على فرض الايجاب المذكور ومحالية الحدوث ، فلا يرد علينا شيء إلاّ ما ارتكبنا من التطويل. وأمّا الايراد بانّ الحدوث على هذا التقدير محال فلا يتمّ استدلالكم ، فلا يضرّنا ، بل هو مدّعانا!. نعم! لو أجرينا الدليل على تقدير محالية هذا

٢٧٣

الحدوث لورد علينا مع ارتكاب هذا التطويل هذا الايراد ، لكن ليس كذلك ، بل أجرينا الدليل على فرض جواز الحدوث على ذلك التقدير ، فلا ايراد علينا.

ومنها : انّ توقّف حدوث الفعل المطلق على شرط حادث مستلزم للخلف. بيانه : انّه لو كان الفعل المطلق حادثا والفاعل موجبا فلا ريب في انّ أوّل ما يحدث عن ذلك الفاعل يجب أن يتوقّف على الشرط لئلاّ يلزم التخلّف المحال ، فيلزم أن يكون أوّل ما صدر عنه ذلك الشرط لا المشروط المفروض أوّلا ، هذا خلف!.

وانت تعلم انّ هذا أيضا نافع للمستدل وليس مضرّا له ـ كما لا يخفى ـ.

ومنها : انّ توقّف الحادث على تقدير الايجاب المذكور على شرط حادث مستلزم لتقدّم الشيء على نفسه. بيانه : انّا قلنا انّ المراد بلزوم قدم العالم على فرض الايجاب المذكور هو قدم الفعل المطلق ـ أي : ما يطلق عليه الفعل ، أعني : فردا ما ـ ، فاذا ورد عليه النفي كان المنفي مجموع الافراد ، لأنّ النفي إذا ورد على الفرد المنتشر الّذي هو معنى النكرة يفيد العموم ، فاذا لم يكن الفعل المطلق قديما يكون جميع الأفعال حادثة موقوفة على شرط حادث خارج عنها ، وذلك الشرط أيضا من جملة الافعال الّتي يتوقّف على الشرط المذكور ، فيكون ذلك الشرط موقوفا على نفسه ، فتصير صورة الاستدلال هكذا : لو كان الفاعل موجبا لزم أن يكون فعل ما قديما وإلاّ ـ أي : وإن لم يكن فعل ما قديما ـ يكون كلّ فعل حادثا ، وإذا كان كلّ فعل حادثا يلزم توقّف هذا الحدوث ـ أعني : حدوث المجموع ـ على شرط حادث هو أيضا فعله ـ تعالى ـ ، فذلك الشرط لكونه من الفعل المطلق يجب أن يكون داخلا فيه ، ولكونه شرطا له ـ أي : للفعل المطلق ـ يجب أن يكون مقدّما عليه ، فيلزم تقدّمه على نفسه. وعلى ما ذكر فلزوم توقّف الشيء على نفسه ـ أعني : الدور ـ ظاهر لا يقبل المنع ، لأنّه إذا كان المراد بحدوث الفعل المطلق هو حدوث جميع افراده ، والشرط المتوقّف عليه كان من جملة الافراد.

ثمّ ( ان )(١) توقّف مجموع الافراد على الشرط المذكور لكان الشرط المذكور أيضا يتوقّف على نفسه ، فيلزم توقّف شيء شخصى بعينه على نفسه ، وهو الدور.

__________________

(١) لفظة « ان » غير موجودة في النسختين ، ونحن اضفناها لمكان احتياج المعنى إليها.

٢٧٤

وبذلك يظهر ضعف ما أورده بعض الأفاضل : انّه على تقدير حدوث الفعل المطلق لا ريب في لزوم توقّفه على الشرط ، إلاّ انّ اللازم تقدّم فرد من العالم على فرد آخر لا تقدّم الشيء على نفسه.

والظاهر انّ هذا المورد حمل المطلق على الفعل العامّ المشترك بين جميع الافراد ، وفهم حينئذ وجه لزوم تقدّم الشيء على نفسه ـ كما فهمه بعض آخر ـ : انّ الشرط الحادث الّذي يتوقّف عليه الفعل المطلق العامّ فرد من أفراد هذا العامّ ، فيكون الفعل العامّ متحقّقا فيه ، فاذا توقّف هذا العامّ المتحقّق في ضمن بعض الافراد على هذا العامّ المتحقّق في ضمن الشرط / ٦٢ MA / المذكور يلزم تحقّق الطبيعة قبل تحقّق الطبيعة ، وهو تقدم الشيء على نفسه ؛ فأورد : بانّ اللازم حينئذ تقدم فرد على فرد وهو كذلك ، فانّ غاية الأمر انّ تحقق هذا المطلق في ضمن فرد يتوقّف على تحقّقه في ضمن فرد آخر ، ولا مانع فيه ، لأنّ الطبيعة ليس لها تحقّق على حدة وتحقّقها انّما هو بتحقّق فرد منها ، فتقدّمها على نفسها بتقدّم فرد منها على فرد آخر إنّما هو في الحقيقة تقدّم فرد منها على فرد آخر ـ كما مرّ / ٥٨ DB / في مباحث اثبات الواجب ـ. فلا يلزم هنا على هذا من توقّف الفعل المطلق على ما حملوه عليه على الشرط إلاّ تقدّم الشرط من أفراد الفعل المطلق على المشروط به منها ، فالصحيح في وجه لزوم تقدّم الشيء على نفسه ما ذكرناه. وحينئذ لا مجال للايراد اصلا.

ثمّ أنت تعلم انّ لزوم تقدّم الشيء على نفسه من فرض الحدوث لا يضرّ المستدلّ ، بل هو مؤكّد لمطلوبه. لأنّ غرضه انّ الحدوث مع فرض الايجاب المذكور يتضمّن مفسدة لزوم التسلسل ، فاذا أورد عليه بانّه يتضمّن تقدّم الشيء على نفسه أيضا ، فله أن يقول : ذلك يؤكّد مطلوبي ، فالواجب عدم حدوث العالم في صورة الايجاب المذكور بل اللازم حينئذ قدمه. وبالجملة هذا الايراد كسابقه خارج عن آداب المناظرة ، لانّ غرض المستدلّ ابطال التوقّف ، فبطلانه من جهة استلزام توقّف الشيء على نفسه أقوى دليل على مطلوبه.

ثمّ مع لزوم تقدّم الشيء على نفسه إن كان التسلسل أيضا لازما فيلزم فيه

٢٧٥

محذوران ، وأن منع لزوم التسلسل.

وقيل : انّ ذلك الشرط الحادث يتوقّف على نفسه لا على شرط حادث آخر ، فلا يلزم إلاّ تقدّم الشيء على نفسه دون التسلسل ، وحينئذ يلزم محذور واحد نعم! لو قيل في صورة التسلسل : لا يلزم تقدّم الشيء على نفسه ـ لأنّ التسلسل وتقدّم الشيء على نفسه لا يجتمعان ـ ، لكان له وجه ولم يكن لهذا الايراد مجال.

ومن الأفاضل من حكم بصحّة اجراء الدليل المذكور إن جعل المفسدة فيه لزوم تقدّم الشيء على نفسه لا لزوم التسلسل ، حيث قال بعد أن جزم بأنّ الاستدلال المذكور لا يصحّ اجرائه من قبل المعتزلة ولا من قبل الاشاعرة برهانيا ولا الزاميا لبعض الوجوه السابقة : نعم! يمكن اجرائه الزاميا على تقرير آخر على تقدير حدوث الفعل المطلق بأن يقال : لو كان الفاعل موجبا لزم قدم الفعل المطلق وإلاّ لزم تقدّم الشيء على نفسه ، لأنّه لو كان الفعل المطلق حادثا لتوقّف حدوثه على شرط هو أيضا فعله ـ تعالى ـ ، فهو من حيث انّه داخل في الفعل المطلق متأخّر ومن حيث انّه شرط لحدوث الفعل المطلق متقدّم ، فيلزم تقدّمه على نفسه ؛ انتهى.

وما ذكره من عدم صحّة اجرائه من قبل الأشاعرة قد علمت خلافه ممّا تقدّم ؛ هذا.

وقد بيّن بعض الأفاضل لزوم تقدّم الشيء على نفسه في الاستدلال المذكور بوجه آخر سوى ما ذكرناه ، وهو : انّ الحادث المذكور ـ أي : الّذي كلامنا فيه ـ بانه يتوقّف على شرط حادث هو أوّل الحوادث ، فالشرط الحادث إمّا أن يكون عينه أو متأخّرا عنه. وهذا على تقدير الحدوث بالنوع ـ بأن يكون الفعل المطلق حادثا لحدوث مجموع الأشخاص ـ ظاهر جدّا ، إذ لا يبقى شيء يكون خارجا عنها حتّى يكون شرطا لها متقدّما عليها ، وحينئذ يلزم إمّا تقدّم الشيء على نفسه أو على ما يتقدّم عليه.

وأورد عليه : بانّ الحادث المذكور لعلّه لا يكون أوّل حادث بل يوجد في مرتبة واحدة أمور غير متناهية على سبيل الاجتماع ، ويكون كلّ واحد منها موقوفا على واحد آخر ، وحينئذ فكلّ واحد حادث يتوقّف على شرط حادث آخر وهكذا ، و

٢٧٦

لا ينتهي إلى أمر يكون أوّل الحوادث ـ أعني : يكون متأخّرا عن نفسه أو عمّا يتأخّر عنه ـ ، فلا يلزم إلاّ التسلسل على سبيل الاجتماع ، لا توقّف الشيء على نفسه.

ومنها : انّه اذا كان أثر الموجب بالمعنى المذكور حادثا بشخصه أو بنوعه يلزم التخلّف البتة ـ سواء توقّف على الشرط أم لا ـ ، فلا حاجة إلى اعتبار توقّفه على شرط حادث والتزام التسلسل. وتوضيح ذلك : انّ الموجب إمّا تامّ أو ناقص ؛ والتامّ مشترك بين الموجبين : أحدهما ما هو معتبر عند الحكماء ـ وهو ما يمتنع انفكاك الفعل عنه ـ ، وثانيهما ما هو معتبر عند المعتزلة ـ وهو ما يوجب الفعل في وقته الّذي تعلّق ارادته به للعلم بالأصلح ـ. والناقص ما يتوقّف صدور الفعل منه على شرط. والموجب بالمعنى المشهور ـ أي : ما يجب صدور الفعل عنه ـ مشترك بين التامّ والناقص. ولا ريب أنّ الموجب المراد هنا هو الموجب التامّ المعتبر عند الحكيم ، والتخلّف عنه غير جائز مطلقا ، واذا توقّف فعله على شرط يتحقّق التخلف ويكون ناقصا لا تامّا.

واعترض بعض الأفاضل على ذلك بانّ الايجاب المقصود هنا لا ينافي عدم وقوع ما يقتضيه الفاعل الموجب بهذا الايجاب لمانع عائد إلى غيره ، إذ حاصل معنى هذا الايجاب هو اقتضاء الذات من جهة لزوم الداعي ، ونحوه امتناع الانفكاك عن الفعل وذلك لا ينافي جواز الانفكاك ، فلا مانع عائد إلى غير ذات الفاعل كعدم امكان الأثر وعدم وقت له قبل وقت حدوثه ، فيجوز أن يكون الموجب بهذا الايجاب غير مستجمع للشرائط المعتبرة في التأثير بحسب نفس الأمر ، فلا يكون تامّا. فلا يستحيل التخلّف عنه ، إذ المحال انّما هو التخلّف عن الموجب التامّ والموجب بهذا المعنى لوجود المانع عن التأثير ليس تامّا ؛ انتهى.

ولا يخفى انّ الموجب / ٦٢ MB / بالمعنى المقصود هنا ـ أعني : ما يمتنع انفكاك الفعل عنه ـ هو الذي قال به الحكماء ، وصرّحوا بأنّه يلزمه قدم فعله وجزموا بانّ الايجاب بهذا المعنى مساوق للقدم ، فهو ما يستحيل انفكاك الفعل عنه بالنظر إلى الداعي مطلقا سواء كان عائدا إلى الذات أو إلى الغير. ومقابله ما لا يمتنع عنه الانفكاك ولو بالنظر إلى الداعي الخارجي كعدم امكان الأثر وعدم / ٥٩ DA / تحقّق وقت قبل وقت

٢٧٧

الحدوث ؛ كيف ولو كان الايجاب المقصود هنا غير مناف لعدم وقوع ما يقتضيه الفاعل لمانع عائد إلى الغير ـ كعدم الوقت وغيره ـ لكان هو بعينه الايجاب الّذي قال به المعتزلة! ، ـ كما اخترناه أيضا ـ.

* * *

( بيان حقيقة معنى الايجاب والموجب )

ولما بلغ الكلام إلى هنا فلا بأس بأن نشير إلى حقيقة معنى الايجاب والموجب.

فنقول : الموجب ـ بصيغة المفعول ـ يطلق على فاعل يجب عنه الفعل لا بقدرة واختيار ـ كلفظ المضطرّ ـ ، فلا يطلق إلاّ على الطبائع كالماء والنار بالنسبة إلى مقتضى طبائعها. والموجب ـ بصيغة الفاعل ـ يطلق على فاعل يجب عنه الفعل بقدرة واختيار.

وكلّ منهما قد يكون تامّا ويكون ناقصا. امّا الموجب ـ بالفتح ـ كالطبائع الّتي لا يتوقّف تاثيرها على حصول بعض الشرائط أو رفع بعض الموانع. وان توقّف وحصل الشرائط وارتفع الموانع تكون العلّة التامّة حينئذ هو الفاعل مع تلك الشروط ورفع تلك الموانع ، فالفاعل فقط ناقص وناقصة ـ كالطبائع الّتي يتوقّف تأثيرها على أحدهما ـ. وأمّا الموجب ـ بالكسر ـ فتامّة كلّ فاعل يفعل بقدرة واختيار من دون توقّف فعله على شرط أو رفع مانع ؛ وناقصة ما توقّف فعله على أحدهما بعد حصول الشرط أو رفع المانع لا يخرج الفاعل عن النقصان ، لأنّ التمامية حينئذ للفاعل مع تلك الشرائط ورفع تلك الموانع ، فالفاعل بمجرّده ناقص.

ثمّ الحكماء لمّا قالوا بوجوب الفعل عنه ـ تعالى ـ بقدرة وإرادة غير منفكّة عنه ـ تعالى ـ وغير زائدة على ذاته لزمهم القول بعدم انفكاكه ـ تعالى ـ عن الفعل ، فيكون الواجب عندهم فاعلا موجبا ـ بالكسر ـ تامّا.

وأمّا المتكلّمون ؛ فالأشاعرة منهم قالوا : انّ القدرة والاختيار والإرادة زائدة على الذات ومنفكّة عنها في الأزل. لا أنّ تلك الصفات منفكّة عنها. بل بمعنى أنّ متعلّقها منفكّ عنها وقتا ما ؛ والمعتزلة منهم قالوا : انّ تلك الصفات ليست زائدة على الذات بل

٢٧٨

هي عينها ، إلاّ أنّ متعلّقها منفك عنها في الأزل لتعلّقها في الأزل بحصول المتعلّق فيما لا يزال نظرا إلى العلم بالمصلحة ؛ فعلى هذين المذهبين ـ أي : مذهب الأشاعرة والمعتزلة ـ لا يكون الواجب موجبا تامّا ، لتحقق الانفكاك المستلزم لتوقّف فعله ـ تعالى ـ على أمر آخر سوى ذاته. إلاّ أنّ ذلك لا يصير منشئا لنقصانه وعدم تماميته ، لأنّ الاصطلاح على أنّ التمامية هنا بمعنى عدم انفكاك الأثر. والانفكاك هنا إمّا لمراعات الأصلح أو لعدم الكماليّة في الأثر ، فلا يتطرّق شوب نقص على حريم كبريائه ـ تعالى ـ.

ويمكن أن يقال : انّ التامّ ما كان صدور الفعل عنه غير متوقّف على شرط خارج عنه ولا يخرج عن التمامية بالتوقّف على أمر داخل ولو حصل به الانفكاك بينه وبين الأثر ؛ والناقص ما توقّف صدور الفعل عنه على شرط خارج. وعلى هذا يكون الواجب عند المعتزلة موجبا تامّا لا ناقصا ، لعدم توقّف فعله على شيء سوى العلم بالأصلح وهو ليس خارجا عن ذاته ، بل عين ذاته عندهم. وعلى مذهب الأشاعرة لا يكون موجبا تامّا ، لكون الصفات عندهم زائدة على الذات.

وبما ذكرنا يظهر ضعف ما ذكره بعض الأفاضل(١) حيث قال : الموجب ـ بصيغة المفعول ـ يكون معناه ما أثبت له الايجاب ، وهذا لا يكون إلاّ تامّا ؛ والموجب ـ بصيغة الفاعل ـ هو ما يفيض الوجوب إلى الغير ـ أي : إلى اثره ـ ، والموجب بهذا المعنى قد يكون تامّا وقد يكون ناقصا ؛ انتهى.

ووجه الضعف ما علمت من انّ كلاّ منهما يكون تامّا وناقصا.

ومن الفضلاء(٢) من أورد على ما نقلناه من بعض الأفاضل ، حيث قال : الظاهر من إطلاقاتهم أنّ لفظ الموجب انّما يطلق على كلّ فاعل مؤثّر في غيره ـ أي : باعتبار تأثيره في الغير لا باعتبار تأثيره عن الغير ـ. وعلى هذا لا يناسب اطلاق صيغة المفعول الّتي حاصل معناها ما اثبت له الايجاب على فاعل مؤثّر ، سواء كان من الطبائع أولا ؛

__________________

(١) هامش دال : هو ملاّ شمسا الجيلاني ـ ره ـ. منه.

(٢) هامش دال : آقا رضي القزويني ـ ره ـ. منه.

٢٧٩

اللهم إلاّ على المجاز.

وهو كما ترى.

ثمّ إنّ منشأ تكفير المتكلّمين للحكماء في الايجاب إمّا لزوم القدم لايجابهم ، وإمّا لزعمهم انّ الواجب ـ تعالى ـ عند الحكماء موجب بالفتح ـ وفاعليته ـ تعالى ـ عندهم كفاعلية النار في الاحراق والشمس في الإضاءة ـ تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ـ. وهذا الزعم غلط. فانّ الحكماء لا يطلقون عليه ـ تعالى ـ لفظ الموجب ـ بالفتح ـ ، ولو اطلقوه عليه احيانا فالظاهر انّهم يريدون منه كون الفاعل محكوما عليه بوجوب الفعل عنه ، لا كونه مضطرّا ؛ بل هو عندهم موجب ـ بالكسر ـ بمعنى انّه يجب الفعل بالقدرة والاختيار ، فهو موجب ـ أي : مفيض لوجوب المانع قاهر لجميع انحاء عدمه حتّى يصير موجودا ـ ؛ هذا.

واعترض بعض الأعاظم على هذا الايراد أيضا : بانّه لم يثبت فيما سبق حدوث جميع ما سوى الله ـ تعالى ـ مطلقا وإن كان بالنوع ، بل ذلك ممّا لا سبيل إليه عقلا. ولو سلّم ذلك لا يلزم التخلّف على تقدير التوقّف على الشروط المتعاقبة وان كان يلزم التخلّف ، وذلك غير المدّعى في الايراد. وأيضا بناء الاستدلال ليس على فرض الايجاب في الأزل ، بل على الايجاب مطلقا والتخلّف مطلقا إنّما يلزم على فرض الايجاب في الأزل ـ أي : الايجاب بمعنى / ٥٩ DB / امتناع الانفكاك مطلقا ـ ، دون الايجاب المطلوب الّذي يشمل الايجاب بالاختيار الّذي قال به المعتزلة ؛

وفيه : انّ حدوث الأجسام والأعراض ثابت بالفعل شخصا ونوعا ـ كما تقدّم ـ.

وأمّا المجرّدات وإن لم يثبت حدوثها بالفعل شخصا ونوعا ولكن العمدة في اثبات حدوثها هو الاجماع والنقل ، وهما كما يدلاّن على حدوثها شخصا فكذلك يدلاّن على حدوثها نوعا أيضا ؛ وقد تقدّم ذلك مفصّلا.

وما ذكره من عدم لزوم التخلّف على تقدير التوقّف على الشروط المتعاقبة ـ نظرا إلى عدم صدق / ٦٣ MA / الانفكاك حينئذ لعدم تحقّق القدم بالنوع في الشروط المتعاقبة ـ ؛

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

الباب الثالث

الإعداد للنهضة

الفصل ١٢ ـ في المدينة المنوّرة

ـ خروج الحسينعليه‌السلام من المدينة إلى مكة

الفصل ١٣ ـ في مكة المكرمة

ـ مكاتبات البصريين والكوفيين

الفصل ١٤ ـ مسير مسلم بن عقيل

ـ ملفّ الكوفة

ـ نهضة مسلم بن عقيل في الكوفة

الفصل ١٥ ـ عزم الحسينعليه‌السلام على المسير إلى العراق ونصائح الأصحاب

٤٠١

الحرم النبوي الشريف في المدينة المنورة

٤٠٢

الفصل الثاني عشر

في المدينة المنورة

[١٥ رجب سنة ٦٠ هجرية]

قال تعالى :( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الم (١)أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (٢)وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِين ) (٣) [العنكبوت : ١ ـ ٣].

٤٤٢ ـ كتاب من يزيد يدعو أهل المدينة إلى بيعته :

أول عمل قام به يزيد بعد قدومه من (حوّارين) شرق حمص ، بعد موت أبيه بثلاثة أيام إلى عشرة أيام ، أن كتب كتابا إلى عامله على المدينة ، وهو ابن عمه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان [وفي رواية ابن قتيبة الدينوري في (الإمامة والسياسة) ص ١٧٤ :خالد بن الحكم] مع مولى لمعاوية يقال له ابن زريق ، هذا نصه :

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) . من عبد الله يزيد أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة.

أما بعد ، فإن معاوية بن أبي سفيان ، كان عبدا استخلفه الله على العباد ، ومكّن له في البلاد ، وكان من حادث قضاء الله جلّ ثناؤه ، وتقدّست أسماؤه فيه ، ما سبق في الأولين والآخرين ، لم يدفع عنه ملك مقرّب ، ولا نبيّ مرسل. فعاش حميدا ومات سعيدا. وقد قلّدنا اللهعزوجل ما كان إليه. فيا لها من مصيبة ما أجلّها ، ونعمة ما أعظمها ؛ نقل الخلافة ، وفقد الخليفة. فنستوزعه الشكر ، ونستلهمه الحمد ، ونسأله الخيرة في الدارين معا ، ومحمود العقبى في الآخرة والأولى ، إنه ولي ذلك ، وكل شيء بيده لا شريك له.

وإن أهل المدينة قومنا ورجالنا ، ومن لم نزل على حسن الرأي فيهم ، والاستعداد بهم ، واتباع أثر الخليفة فيهم ، والاحتذاء على مثاله لديهم ؛ من الاقبال عليهم ، والتقبّل من محسنهم ، والتجاوز عن مسيئهم. فبايع لنا قومنا ، ومن قبلك من رجالنا ، بيعة منشرحة بها صدوركم ، طيّبة عليها أنفسكم. وليكن أول من يبايعك

٤٠٣

من قومنا وأهلنا : الحسين ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن جعفر ، ويحلفون على ذلك بجميع الأيمان اللازمة ، ويحلفون بصدقة أموالهم غير عشرها ، وجزية رقيقهم ، وطلاق نسائهم ، بالثبات على الوفاء بما يعطون من بيعتهم ، ولا قوة إلا بالله ، والسلام.

تعليق المؤلف :

لم أر نفاقا أكثر من نفاق يزيد في هذا الكتاب. فهو رغم إلحاده ، صوّر نفسه بأنه من أكبر المؤمنين بالله والراضين بقضائه (من حادث قضاء الله جلّ ثناؤه ، وتقدّست أسماؤه) ، ثم هو يغالط في المفاهيم حين يدّعي أن أباه معاوية قد استخلفه (الله) على العباد ، وهو ما زال يقاتل إمام المسلمين علي بن أبي طالب حتّى استشهدعليه‌السلام ، فمن الّذي استخلفه عليا لمسلمين؟ يقول :

(فإنّ معاوية كان عبدا استخلفه الله على العباد). ومعاوية باعتباره أول من شقّ عصا الإسلام وحاول الانفصال عن الدولة الإسلامية ، يكون أول من أشاع الفتن في الإسلام والمسلمين ، فكيف من هذه صفته يكون قد (عاش حميدا ، ومات سعيدا).ثم إذا كان يزيد يعرف حرمة أهل مكة والمدينة ويدّعي أنهم قومه وأهله ، فعلام نهب مدينتهم وقتل رجالهم وسبى نساءهم وحرّق كعبتهم؟!.

وفي (تاريخ اليعقوبي) ج ٢ ص ٢٤١ ، قال :

وكان يزيد غائبا ، فلما قدم دمشق كتب إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، وهو عامل المدينة :

إذا أتاك كتابي هذا ، فأحضر الحسين بن علي ، وعبد الله بن الزبير ، فخذهما بالبيعة لي ، فإن امتنعا فاضرب أعناقهما ، وابعث لي برؤوسهما. وخذ الناس بالبيعة ، فمن امتنع فأنفذ فيه الحكم ، وفي الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير ، والسلام.

٤٤٣ ـ ما جاء في الصحيفة المرفقة بالكتاب كأنها أذن فأرة :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٠)

فكتب يزيد إلى الوليد بن عتبة واليه على المدينة بموت معاوية ، وأمره أن يأخذ له البيعة من جميع أهل المدينة. وأرفق الكتاب بصحيفة صغيرة كأنها أذن فأرة مكتوب

٤٠٤

فيها : أما بعد ، فخذ الحسين وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذا عنيفا ليست فيه رخصة ، فمن أبى عليك منهم فاضرب عنقه ، وابعث إليّ برأسه والسلام. فلما قرأ الوليد الكتاب قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، يا ويح الوليد ممن أدخله في هذه الإمارة ، مالي وللحسين بن فاطمة!.

٤٤٤ ـ علاقة مروان بالوليد :(الكامل لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٥٤)

فلما أتى الوليد نعي معاوية فظع به وكبر عليه. وبعث إلى مروان بن الحكم فدعاه. وكان مروان عاملا على المدينة من قبل الوليد. فلما قدمها الوليد كان مروان يختلف إليه متكارها ، فلما رأى الوليد ذلك منه شتمه عند جلسائه. فبلغ ذلك مروان فانقطع عنه ، ولم يزل مصارما له حتّى جاء نعي معاوية.

٤٤٥ ـ مشاورة الوليد لمروان بن الحكم :

(الإمامة والسياسة لابن قتيبة ، ص ١٧٥)

وذكروا أن (الوليد بن عتبة) لما أتاه الكتاب من يزيد فظع به. فدعا مروان بن الحكم ، وكان على المدينة قبله. فلما دخل عليه مروان ، وذلك في أول الليل ، قال له الوليد : احتسب صاحبك يا مروان. فقال له مروان : اكتم ما بلغك ، إنا لله وإنا إليه راجعون. ثم أقرأه الكتاب ، وقال له : ما الرأي؟.

فقال : أرسل الساعة إلى هؤلاء النفر ، فخذ بيعتهم ، فإنهم إن بايعوا لم يختلف على يزيد أحد من أهل الإسلام ، فعجّل عليهم قبل أن يفشو الخبر فيتمنعّوا.

في رواية أخرى :(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٤٧ ط ٢)

فلما وقف الوليد على الكتاب بعث إلى مروان بن الحكم فأحضره وأوقفه على كتاب يزيد ، واستشاره وقال : كيف ترى أن أصنع بهؤلاء؟. قال : أرى أن تبعث إليهم الساعة فتدعوهم إلى البيعة والدخول في الطاعة ، فإن لم يفعلوا وإلا ضربت أعناقهم ، قبل أن يعلموا بموت معاوية ، لأنهم إن علموا وثب كل واحد منهم في جانب ، وأظهر الخلاف والمنابذة ودعا إلى نفسه ، إلا ابن عمر فإنه لا يرى الولاية والقتال ، إلا أن يدفع عن نفسه ، أو يدفع إليه هذا الأمر عنوا.

قال ابن شهراشوب في مناقبه ، ج ٣ ص ٢٤٠ :

٤٠٥

فأحضر الوليد مروان وشاوره في ذلك. فقال : الرأي أن تحضرهم وتأخذ منهم البيعة قبل أن يعلموا. فوجّه في طلبهم وكانوا عند التربة.

٤٤٦ ـ استدعاء الشخصيات الأربعة :(مقتل الحسين لأبي مخنف ص ١١)

قال أبو مخنف : فأنفذ (الوليد بن عتبة) في طلبهم ، فقيل للرسول : إنهم مجتمعون عند قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فأقبل عليهم ، وقال لهم : أجيبوا الوليد فإنه يدعوكم.

فقالوا له : انصرف.

٤٤٧ ـ دعوة الوليد بن عتبة للإمام الحسينعليه‌السلام وابن الزبير :

(الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٥٣)

فأرسل الوليد عبد الله بن عمرو بن عثمان ، وهو غلام حدث ، إلى الحسين وابن الزبير يدعوهما ، فوجدهما في المسجد وهما جالسان ، فأتاهما في ساعة لم يكن الوليد يجلس فيها للناس. فقال : أجيبا الأمير. فقالا : انصرف ، الآن نأتيه.

رواية أخرى :(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٤٧ ط ٢)

فأرسل الوليد عمر بن عثمان إلى الحسينعليه‌السلام وإلى عبد الله بن الزبير ، فوجدهما في المسجد ، فقال : أجيبا الأمير. فقالا : انصرف فالآن نأتيه.

ثم قال ابن الزبير للحسينعليه‌السلام : ظنّ فيما تراه بعث إلينا في هذه الساعة التي ليس له عادة بالجلوس فيها إلا لأمر. فقال الحسينعليه‌السلام : أظن طاغيتهم قد هلك ، فبعث إلينا ليأخذ البيعة علينا ليزيد قبل أن يفشو في الناس الخبر. قال ابن الزبير : هو ذاك. فما تريد أن تصنع؟. قال : أجمع فتياني وأذهب إليه.

(أقول) : إن ابن الزبير كان خائفا من الذهاب إلى الوالي لذلك هرب ، أما الحسينعليه‌السلام فقد أراد الذهاب ولكن بعد أن يتحصّن بفتيانه.

٤٤٨ ـ الحسينعليه‌السلام يشاور الثلاثة فيما سيفعلون :

(المنتخب للطريحي ، ص ٤١٩)

وأقبل عبد الله بن الزبير على الحسينعليه‌السلام وقال : يابن رسول الله أتدري ما يريد الوليد منا؟. قال : نعم. اعلموا أنه قد مات معاوية وتولى الأمر من بعده ابنه يزيد ، وقد وجّه الوليد في طلبكم ليأخذ البيعة عليكم ، فما أنتم قائلون؟.

٤٠٦

فقال عبد الرحمن : أما أنا فأدخل بيتي وأغلق بابي ، ولا أبايعه.

وقال عبد الله بن عمر : أما أنا فعليّ بقراءة القرآن ولزوم المحراب.

وقال عبد الله بن الزبير : أما أنا فما كنت بالذي أبايع يزيد.

وقال الحسينعليه‌السلام : أما أنا فأجمع فتياني وأتركهم بفناء الدار ، وأدخل على الوليد وأناظره وأطالب بحقي. فقال له عبد الله بن الزبير : إني أخاف عليك منه.

قالعليه‌السلام : لست آتيه إلا وأنا قادر على الامتناع منه إنشاء الله تعالى.

٤٤٩ ـ من كلام للحسينعليه‌السلام قاله لعبد الله بن الزبير لما بعث الوليد بن عتبة يستدعيهما :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٢)

قال الحسينعليه‌السلام لعبد الله بن الزبير : أنا أخبرك ، أظنّ أن معاوية قد مات ، وذلك أني رأيت البارحة في منامي كأن معاوية منكوس ، ورأيت النار تشتعل في داره ، فتأولت ذلك في نفسي أن قد مات معاوية. فقال ابن الزبير : فاعلم أن ذلك كذلك ، فماذا نصنع يا أبا عبد الله(١) ، إن دعينا إلى بيعة يزيد. فقال الحسينعليه‌السلام :أما أنا فلا أبايع أبدا ، لأن الأمر كان لي بعد أخي الحسن ، فصنع معاوية ما صنع ، وكان حلف لأخي الحسن أن لا يجعل الخلافة لأحد من ولده ، وأن يردّها عليّ إن كنت حيا ، فإن كان معاوية خرج من دنياه ولم يف لي ولا لأخي بما ضمن ، فقد جاءنا ما لا قرار لنا به. أتظن يا أبا بكر أني أبايع ليزيد ، ويزيد رجل فاسق معلن بالفسق ، يشرب الخمر ويلعب بالكلاب والفهود ، ونحن بقية آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا والله لا يكون ذلك أبدا.

قال : فبينا هما كذلك في المحاورة ، إذ رجع الرسول فقال : أبا عبد الله ، إن الأمير قاعد لكما خاصة فقوما إليه. فزبره الحسينعليه‌السلام وقال : انطلق إلى أميرك لا أمّ لك ، فمن أحبّ أن يصير إليه منا فإنه صائر إليه. فأما أنا فإني أصير إليه الساعة إنشاء الله ، ولا قوة إلا بالله.

فرجع الرسول إلى الوليد ، فقال : أصلح الله الأمير ، أما الحسين بن علي خاصة ، فإنه صائر إليك في إثري ، فقد أجاب.

__________________

(١) أبو عبد الله : كنية الإمام الحسينعليه‌السلام ، وأبو بكر : كنية عبد الله بن الزبير.

٤٠٧

فقال مروان : غدر والله الحسين. فقال الوليد : مهلا فليس مثل الحسين يغدر ، ولا يقول شيئا ثم لا يفعل.

٤٥٠ ـ من كلام للحسينعليه‌السلام لما عزم على مقابلة الوليد ، وقد أمر أصحابه بالاستعداد للطوارئ :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٢)

ثم إن الحسينعليه‌السلام أقبل على من معه ، وقال : صيروا إلى منازلكم فإني صائر إلى الرجل ، فأنظر ما عنده وما يريد. فقال له ابن الزبير : جعلت فداك إني خائف عليك أن يحبسوك عندهم ، فلا يفارقونك أبدا ، دون أن تبايع أو تقتل. فقال الحسينعليه‌السلام : إني لست أدخل عليه وحدي ، ولكني أجمع إليّ أصحابي وخدمي وأنصاري وأهل الحق من شيعتي ، ثم آمرهم أن يأخذ كل واحد منهم سيفه مسلولا تحت ثيابه ، ثم يصيروا بإزائي ، فإذا أنا أومأت إليهم وقلت : يا آل الرسول ادخلوا ، فعلوا ما أمرتهم به ، فأكون على الامتناع دون المقادة والمذلة في نفسي ، فقد علمت والله أنه جاء من الأمر ما لا أقوم به

ولا أقرّ له ، ولكنّ قدر الله ماض ، وهو الّذي يفعل في أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يشاء ويرضى.

٤٥١ ـ وصية الحسينعليه‌السلام لأصحابه :

(مناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٤٠ ط نجف)

ثم قال الحسينعليه‌السلام لمن حوله من أهل بيته : إذا أنا دخلت على الوليد فخاطبته وخاطبني وناظرته وناظرني ، كونوا على الباب. فإذا سمعتم الصيحة قد علت ، والأصوات قد ارتفعت ، فاهجموا إلى الدار ، ولا تقتلوا أحدا ولا تثيروا الفتنة.

فلما دخل عليه وقرأ الكتاب ، قالعليه‌السلام : ما كنت أبايع ليزيد. فقال مروان :بايع لأمير المؤمنين. فقال الحسينعليه‌السلام : كذبت ويلك على المؤمنين ، من أمرّه عليهم؟. فقام مروان وجرّد سيفه ، وقال : مر سيافك أن يضرب عنقه قبل أن يخرج من الدار ، ودمه في عنقي!. وارتفعت الصيحة ، فهجم

تسعة عشر رجلا من أهل بيته وقد انتضوا خناجرهم ، فخرج الحسينعليه‌السلام معهم.

٤٠٨

٤٥٢ ـ دخول الحسينعليه‌السلام على الوليد بن عتبة :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٤٧ ط نجف)

فجمع الحسينعليه‌السلام أهله وفتيانه ، ثم قال : إذا دعوتكم فاقتحموا. ثم دخل على الوليد ـ ومروان عنده ـ فأقرأه كتاب يزيد ، ودعاه إلى البيعة. فقالعليه‌السلام :مثلي لا يبايع سرّا ، بل على رؤوس الناس وهو أحبّ إليكم. وكان الوليد يحب العافية ، فقال : انصرف في دعة الله حتّى تأتينا مع الناس.

فقال له مروان : والله لئن فارقك الساعة ولم يبايع ، لا قدرت عليه أبدا ، حتّى تكثر القتلى بينكما. احبس الرجل عندك حتّى يبايع أو تضرب عنقه.

وفي (المنتخب) للطريحي ، ص ٤١٩ : «فقال مروان : فاتك الثعلب فلا ترى إلا غباره ، واحذر أن يخرج حتّى يبايعك أو تضرب عنقه».

فوثب الحسينعليه‌السلام قائما وقال : يابن الزرقاء [وهو اسم جدة مروان]

هو يقتلني أو أنت ، كذبت ومنت!.

ثم خرج الحسينعليه‌السلام ، فقال الوليد : يا مروان ، والله ما أحبّ أن لي ما طلعت عليه الشمس وأني قتلت حسينا.

تعليق المؤلف :

(أقول) : لو كان عند مروان بن الحكم ذرة من الوفاء والشهامة ، ما قابل الحسينعليه‌السلام بمثل هذه المعاملة ، وحسبك منها أمره الوالي بقتل الحسينعليه‌السلام قبل أن يفلت من يده. وهل ينسى مروان من الّذي أطلق سراحه يوم أخذ أسيرا في معركة الجمل؟!. فقد توسّط الحسن والحسينعليهما‌السلام إلى أبيهما في إطلاق سراحه والعفو عنه ، بعد أن صار في شبكة الأسر ، ثم قالا له : لقد تاب مروان فاسمح له أن يبايعك من جديد. فقال عليعليه‌السلام : لا حاجة لي ببيعته ، إنها يد يهودية (غادرة).وأطلق سراحه كرامة للحسنينعليه‌السلام .

أفهل يعقل أن يعامل من فعل مع مروان مثل هذا الجميل ، مثل هذه المعاملة؟.لكن كلّ إناء ينضح بما فيه ، ولا غرابة فهو من نسل الزرقاء بنت موهب التي كانت مومسا في الجاهلية.

٤٠٩

٤٥٣ ـ تحرّز ابن الزبير وهربه :(المصدر السابق)

وأما ابن الزبير ، فإنه قال : الآن آتيكم. ثم خرج في الليل إلى مكة ، على طريق (الفرع) ، هو وأخوه جعفر بن الزبير. فأرسلوا الطلب خلفهم ، ففاتهم.

وفي رواية (الكامل في التاريخ) لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٥٤ :

وأما ابن الزبير ، فقال : الآن آتيكم. ثم أتى داره فكمن فيها. وخرج من ليلته فأخذ طريق (الفرع) ، هو وأخوه جعفر ، ليس معهما ثالث. وساروا نحو مكة.

٤٥٤ ـ رحيل عبد الله بن الزبير :(الفتوح لابن أعثم ، ج ٥ ص ٢٠)

فلما كان في نصف الليل وهدأت العيون ، خرج عبد الله بن الزبير ومعه إخوته بأجمعهم. فقال عبد الله لإخوته : خذوا عليهم غير المحجة [أي غير الطريق الشرعي] فإني آخذ عليها مخافة أن يلحقنا الطلب.

قال : فتفرق عنه إخوته ، ومضى عبد الله ومعه أخوه جعفر ، ليس معهما ثالث.

٤٥٥ ـ من كلام للحسينعليه‌السلام لما دخل على الوليد ودعاه إلى بيعة يزيد ، وفيه يعلن مبدأه في نهضته المقدسة واستحالة مبايعته ليزيد :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٣)

دخل الحسينعليه‌السلام على الوليد فسلّم عليه بالإمرة وقال : كيف أصبح الأمير اليوم وكيف حاله؟ فردّ عليه الوليد بن عتبة ردّا حسنا ، ثم أدناه وقرّبه ، ومروان بن الحكم هناك جالس ، وقد كان بين مروان والوليد منافرة ومنازعة. فلما نظر الحسينعليه‌السلام إلى مروان جالسا في مجلس الوليد ، قال : أصلح الله الأمير ، الصلاح خير من الفساد ، والصلة خير من الشحناء. وقد آن لكما أن تجتمعا ، فالحمد لله الّذي أصلح ذات بينكما ، فلم يجيباه في هذا بشيء. فقال الحسينعليه‌السلام : هل ورد عليكم من معاوية خبر ، فإنه كان عليلا وقد طالت علّته ، فكيف هو الآن؟. فتأوه الوليد وتنفّس الصعداء وقال : يا أبا عبد الله آجرك الله في معاوية ، فقد كان لكم عمّ صدق ووالي عدل ، لقد ذاق الموت. وهذا كتاب أمير المؤمنين يزيد. فقال الحسينعليه‌السلام : إنا لله وإنا إليه راجعون ، وعظّم الله لك الأجر أيها الأمير ، ولكن لماذا دعوتني؟. فقال : دعوتك للبيعة التي قد اجتمع الناس عليها!. فقال الحسينعليه‌السلام : أيها الأمير ، إن مثلي لا يعطي بيعته سرا ، وإنما يجب أن تكون البيعة علانية بحضرة الجماعة ، فإذا دعوت الناس غدا إلى

٤١٠

البيعة دعوتنا معهم ، فيكون الأمر واحدا(١) . فقال الوليد : أبا عبد الله ، والله لقد قلت فأحسنت القول ، وأجبت جواب مثلك ، وهكذا كان ظني بك ، فانصرف راشدا ، وتأتينا غدا مع الناس.

فقال مروان : أيها الأمير إن فارقك الساعة ولم يبايع فإنك لم تقدر منه على مثلها أبدا ، حتّى تكثر القتلى بينك وبينه ، فاحبسه عندك ، ولا تدعه يخرج أو يبايع وإلا فاضرب عنقه. فالتفت إليه الحسينعليه‌السلام وقال : ويلي عليك يابن الزرقاء(٢) أتأمر بضرب عنقي ، كذبت والله ولؤمت (وفي رواية : وأثمت)(٣) والله لو رام ذلك أحد لسقيت الأرض من دمه قبل ذلك ، فإن شئت ذلك فرم أنت ضرب عنقي إن كنت صادقا. (وفي رواية أبي مخنف) : «يابن الزرقاء ، أنت تأمر بقتلي ، كذبت يابن اللخنا [أي المنتنة] وبيت الله ، لقد أهجت عليك وعلى صاحبك مني حربا طويلا».

٤٥٦ ـ إعلان الحسينعليه‌السلام لنهضته المقدسة :

(المصدر السابق)

ثم أقبل الحسينعليه‌السلام على الوليد ، فقال : أيها الأمير ، إنّا أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومهبط الرحمة. بنا فتح الله وبنا ختم ، ويزيد رجل فاسق ، شارب خمر ، قاتل نفس ، معلن بالفسق ، فمثلي لا يبايع لمثله ، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون ، أيّنا أحقّ بالخلافة والبيعة(٤) . فأغلظ الوليد في كلامه وارتفعت الأصوات ، فهجم تسعة عشر رجلا قد انتضوا خناجرهم ، وأخرجوا الحسينعليه‌السلام إلى منزله قهرا(٥) .

__________________

(١) مقتل الحسين للسيد عبد الرزاق المقرّم ، ص ١٤٢ نقلا عن تاريخ الطبري (طبعة أولى مصر) ص ١٨٩ ؛ وروى ذلك أبو مخنف في مقتله ، ص ١٢ بتحريف.

(٢) جاء في تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٢٩ طبع إيران ؛ والآداب السلطانية للفخري ، ص ٨٨ : أن جدة مروان كانت من البغايا. وفي الكامل لابن الأثير ، ج ٤ ص ٧٥ :كان الناس يعيّرون ولد عبد الملك بن مروان بالزرقاء بنت موهب ، لأنها من المومسات ومن ذوات الرايات. ذكر هذا كله في حاشية مقتل الحسين للمقرم ، ص ١٤٢.

(٣) مقتل الحسين للمقرم ص ١٤٣ نقلا عن الطبري وابن الأثير وإعلام الورى.

(٤) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ١٤٤ عن مثير الأحزان لابن نما الحلي.

(٥) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ١٤٤ عن مناقب ابن شهراشوب ، ج ٢ ص ٢٠٨ ، ولم يذكره الخوارزمي.

٤١١

٤٥٧ ـ مجادلة مروان مع الوليد بن عتبة بشأن الحسينعليه‌السلام :

(المصدر السابق)

فقال مروان للوليد : عصيتني ، فوالله لا يمكنك على مثلها. قال الوليد :

(ويح غيرك) يا مروان ، اخترت لي ما فيه هلاك ديني ، أقتل حسينا إن قال لا أبايع!. والله لا أظن أمرأ يحاسب بدم الحسين إلا خفيف الميزان يوم القيامة(١) ولا ينظر الله إليه ولا يزكيّه وله عذاب أليم(٢) .

٤٥٨ ـ الوليد بن عتبة يغلظ للحسينعليه‌السلام في الكلام :

(تاريخ ابن عساكر ، الجزء الخاص بالحسين ، ص ٢٠٠)

وقد كان الوليد أغلظ للحسينعليه‌السلام ، فشتمه الحسينعليه‌السلام وأخذ بعمامته فنزعها من رأسه. فقال الوليد : إن هجنا (أثرنا) بأبي عبد الله إلا أسدا. فقال له مروان : اقتله. قال الوليد : إن ذلك لدم مضنون في بني عبد مناف.

أسماء زوجة الوليد تنهاه عن شتم الحسينعليه‌السلام :(المصدر السابق)

فلما صار الوليد إلى منزله ، قالت له امرأته أسماء بنت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام : أسببت حسينا؟. قال : هو بدأ فسبّني!. قالت : وإن سبّك حسين تسبّه؟!. وإن سبّ أباك تسبّ أباه؟!. قال : لا.

٤٥٩ ـ إمساك عبد الله بن مطيع العدوي وحبسه :

(الفتوح لابن أعثم ، ج ٥ ص ٢٢)

وطلب والي المدينة عبد الله بن الزبير فلم يجده. فأرسل إلى كلّ من كان من شيعته فأخذه وحبسه. وكان فيمن حبس يومئذ عبد الله بن مطيع بن الأسود العدوي.وأمه يقال لها العجماء بنت عامر الخزاعية. فتوسط عبد الله ابن عمر إلى الوالي في إطلاق سراحه ، فقال مروان : إنما نحن حبسناه بأمر أمير المؤمنين يزيد ، وعليكم أن تكتبوا له ، ونكتب نحن أيضا.

قال : فوثب أبو جهم بن حذيفة العدوي ، فقال : نكتب وتكتبون ، وابن العجماء محبوس!. لا والله لا يكون ذلك أبدا.

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرّم نقلا عن تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ١٩٠.

(٢) مقتل الحسين للمقرّم نقلا عن الله وف على قتلى الطفوف ، ص ١٣.

٤١٢

ثم وثب بنو عدي فجعلوا يحضرون ، حتّى صاروا إلى باب السجن ، فاقتحموا على عبد الله بن مطيع فأخرجوه ، وأخرجوا كل من كان في السجن ، ولم يتعرض إليهم أحد. فاغتمّ الوليد بن عتبة.

٤٦٠ ـ لقاء بين مروان بن الحكم والحسينعليه‌السلام في الطريق ، ومروان ينصح الحسينعليه‌السلام ببيعة يزيد ، والحسينعليه‌السلام يبيّن فسوق يزيد ، وأسباب رفضه لبيعته :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٤)

فأقام الحسينعليه‌السلام في منزله تلك الليلة ، وهي ليلة السبت لثلاث بقين من رجب سنة ٦٠ ه‍. فلما أصبح خرج من منزله يستمع الأخبار ، فلقيه مروان فقال له :يا أبا عبد الله إني لك ناصح فأطعني ترشد وتسدّد. فقال : وما ذاك؟ قل أسمع.فقال : إني أرشدك لبيعة يزيد ، فإنها خير لك في دينك وفي دنياك. فاسترجع الحسينعليه‌السلام وقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، وعلى الإسلام السلام إذا بليت الأمة براع مثل يزيد. ثم قال : يا مروان أترشدني إلى بيعة يزيد ، ويزيد رجل فاسق!.لقد قلت شططا من القول وزللا ، ولا ألومك فإنك اللعين الّذي لعنك رسول الله وأنت في صلب أبيك الحكم بن العاص ، ومن لعنه رسول الله فلا ينكر منه أن يدعو لبيعة يزيد. إليك عني يا عدوّ الله ، فإنا أهل بيت رسول الله ، الحق فينا ينطق على ألسنتنا ، وقد سمعت جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان(١) الطلقاء وأبناء الطلقاء ، فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه». ولقد رآه أهل المدينة على منبر رسول الله فلم يفعلوا به ما أمروا ، فابتلاهم بابنه يزيد.فغضب مروان من كلام الحسين فقال : والله لا تفارقني حتّى تبايع ليزيد صاغرا ، فإنكم آل أبي تراب قد ملئتم شحناء ، وأشربتم بغض آل أبي سفيان ، وحقيق عليهم أن يبغضوكم. فقال الحسين : إليك عني ، فإنك رجس ، وإني من أهل بيت الطهارة قد أنزل الله فينا( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣) [الأحزاب : ٣٣]. فنكّس رأسه ولم ينطق. ثم قال له الحسين : أبشر يابن الزرقاء بكل ما تكره من رسول الله يوم تقدم على ربك فيسألك جدي عن حقي وحق يزيد. (وطال الحديث بينه وبين مروان ، وهو غضبان).

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ١٤٦ نقلا عن الله وف ، ص ١٣ ؛ ومثير ابن نما ، ص ١٠.

٤١٣

فمضى مروان إلى الوليد وأخبره بمقالة الحسينعليه‌السلام .

وكان عبد الله بن الزبير مضى إلى مكة حين اشتغلوا بمحاورة الحسينعليه‌السلام ، وتنكّب الطريق. فبعث الوليد بثلاثين رجلا في طلبه ، فلم يقدروا عليه.

وفي (لواعج الأشجان) للسيد الأمين ، ص ٢٤ ط نجف : «فلما كان آخر نهار السبت ، بعث الوليد الرجال إلى الحسينعليه‌السلام ليحضر فيبايع ، فقال لهم الحسينعليه‌السلام : أصبحوا ثم ترون ونرى.

فكفوّا تلك الليلة عنه ولم يلحّوا عليه. فخرج في تلك الليلة ـ وهي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب ـ متوجها نحو مكة».

فكتب الوليد إلى يزيد يخبره بما كان من أمر ابن الزبير ، ومن أمر الحسينعليه‌السلام ، وأنه لا يرى عليه طاعة ولا بيعة.

٤٦١ ـ كتاب الوليد بن عتبة إلى يزيد عن امتناع الحسينعليه‌السلام من البيعة :

(بحار الأنوار للمجلسي ، ج ٤٤ ص ٣١٢)

فلما سمع (الوليد بن) عتبة بن أبي سفيان ذلك ، دعا الكاتب وكتب :( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) . إلى عبد الله يزيد أمير المؤمنين : أما بعد ، فإن الحسين ابن علي ليس يرى لك خلافة ولا بيعة ، فرأيك في أمره والسلام.

٤٦٢ ـ جواب يزيد بقتل الحسينعليه‌السلام :

(المصدر السابق)

فلما ورد الكتاب على يزيد ، كتب الجواب إلى (الوليد بن) عتبة :

أما بعد ، فإذا أتاك كتابي هذا فعجّل عليّ بجوابه ، وبيّن لي في كتابك كل من في طاعتي ، أو خرج منها ، وليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي.

٤٦٣ ـ الكتاب الثاني من يزيد إلى الوليد يطلب منه صراحة رأس الحسينعليه‌السلام :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٥)

فلما ورد الكتاب على يزيد غضب غضبا شديدا ، وكان إذا غضب احولّت عيناه.فكتب إلى الوليد :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. من يزيد أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة :

أما بعد فإذا ورد عليك كتابي هذا فخذ البيعة ثانية على أهل المدينة توكيدا منك

٤١٤

عليهم ، وذر عبد الله بن الزبير ، فإنه لن يفوتنا ولن ينجو منا أبدا ما دمنا أحياء.وليكن مع جواب كتابي رأس الحسين. فإن فعلت ذلك جعلت لك أعنة الخيل ، ولك عندي الجائزة العظمى والحظ الأوفر ، والسلام.

فلما ورد الكتاب على الوليد أعظم ذلك ، وقال : والله لا يراني الله وأنا قاتل الحسين ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولو جعل لي يزيد الدنيا وما فيها.

٤٦٤ ـ موقف عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس من البيعة :

(الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٥٥)

ثم إن الوليد أرسل إلى ابن عمر ليبايع ، فقال : إذا بايع الناس بايعت ، فتركوه ، وكانوا لا يتخوّفونه.

وقيل : إن ابن عمر كان هو وابن عباس بمكة ، فعادا إلى المدينة ، فلقيهما الحسينعليه‌السلام وابن الزبير ، فسألاهما : ما وراءكما؟. فقالا : موت معاوية وبيعة يزيد. فقال ابن عمر : لا تفرّقا جماعة المسلمين. وقدم هو وابن عباس المدينة ، فلما بايع الناس بايعا.

ويقول ابن كثير في (البداية والنهاية) ج ٨ ص ١٦٣ :

ولما أخذت البيعة ليزيد في حياة معاوية ، كان الحسينعليه‌السلام ممن امتنع من مبايعته ، هو وابن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر وابن عمر وابن عباس. ثم مات ابن أبي بكر وهو مصمم على ذلك.

فلما مات معاوية سنة ستين وبويع ليزيد ، بايع ابن عمر وابن عباس ، وصمم على المخالفة الحسينعليه‌السلام وابن الزبير.

٤٦٥ ـ لماذا ألخ يزيد على أخذ البيعة من الحسينعليه‌السلام خاصة؟ :

(وقعة كربلاء للشيخ الركابي ، ص ٧٠)

كانت خلافة يزيد مهلهلة ، وأغلب الناس غير مقتنعين بها ، وكان لا بدّ له لتثبيت حكومته من أن يضرب عصفورين بحجر ، فطلب البيعة من الإمام الحسينعليه‌السلام .فهو لا يبغي من ذلك بيعة الحسينعليه‌السلام كفرد بقدر ما يرمي إلى تأييد الناس له إذا رأوا الحسين يبايع ، لأن الحسينعليه‌السلام كانت له منزلة سامية في نفوس الناس ، حتّى في نفوس أعدائه من المقربين من الحزب الأموي.

٤١٥

فمن الواضح أن مبايعة الإمام الحسينعليه‌السلام ليزيد كانت تعني تحقيق ما يلي :الاعتراف الشرعي بحكومة يزيد ، وبأنها تمثّل إرادة المسلمين ، وهذا بطبعه يؤدي بالتالي إلى أن عامة المسلمين سوف يبايعون يزيد ، فسيعطي خلافة يزيد صفة الشرعية الإسلامية.

لذلك رفض الإمام الحسينعليه‌السلام البيعة شكلا ومضمونا ، وقال : «مثلي لا يبايع مثله». وبدأ يعمل لإقامة دولة إسلامية صحيحة ، معتمدا على واقعين أساسيين :

١ ـ الإرادة الجماهيرية الرافضة لحكومة يزيد ، والتي تعتبر أرضية خصبة يجب تنميتها لقيام حكومة إلهية.

٢ ـ فساد القيادة التي تولاها يزيد والحزب الأموي.

٤٦٦ ـ من كلام للحسينعليه‌السلام ناجى به جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد زار قبره الشريف :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٦)

وفي هذه الليلة خرج الحسين من منزله وأتى قبر جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسطع له نور من القبر(١) فقال : السلام عليك يا رسول الله ، أنا الحسين بن فاطمة ، فرخك وابن فرختك ، وسبطك والثّقل(٢) الّذي خلّفته في أمتك ، فاشهد عليهم يا نبي الله أنهم قد خذلوني وضيّعوني ولم يحفظوني ، وهذه شكواي إليك حتّى ألقاك ، صلى الله عليك.

ثم صفّ قدميه فلم يزل راكعا وساجدا حتّى الصباح(٣) .

٤٦٧ ـ من كلام لهعليه‌السلام وقد زار قبر جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرة ثانية ، وخبر رؤيته للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٦)

وفي الليلة الثانية جاء الحسينعليه‌السلام إلى قبر جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصلى ركعات ، ثم قال : الله م إن هذا قبر نبيك محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا ابن بنت نبيك ، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت. الله م إني أحبّ المعروف وأنكر المنكر ، وإني أسألك يا ذا الجلال

__________________

(١) مقتل المقرم ، ص ١٤٤ نقلا عن أمالي الصدوق ، ص ٩٣ مجلس ٣٠.

(٢) الثّقل : كل شيء نفيس مصون.

(٣) مقتل المقرم ، ص ١٤٥ عن مقتل العوالم ، ص ٥٤ ؛ والبحار ، ج ١٠ ص ١٧٢.

٤١٦

والإكرام بحق هذا القبر ومن فيه إلا اخترت لي من أمري ما هو لك رضى ولرسولك رضى وللمؤمنين رضى. ثم جعل يبكي عند القبر ، حتّى إذا كان قريبا من الصبح وضع رأسه على القبر فأغفى ، فإذا هو برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وشماله وبين يديه ومن خلفه ، فجاء حتّى ضمّ الحسين إلى صدره ، وقبّل بين عينيه ، وقال : «حبيبي يا حسين ، كأني أراك عن قريب مني مرمّلا بدمائك ، مذبوحا بأرض كربلاء ، بين عصابة من أمتي ، وأنت في ذلك عطشان لا تسقى ، وظمآن لا تروى. وهم في ذلك يرجون شفاعتي ، ما لهم لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة ، وما لهم عند الله من خلاق. حبيبي يا حسين إن أباك وأمك وأخاك قدموا عليّ وهم إليك مشتاقون ، وإن لك في الجنة لدرجات لن تنالها إلا بالشهادة». قال : فجعل الحسين في منامه ينظر إلى جده محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويسمع كلامه ويقول له : يا جداه لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا ، فخذني إليك وأدخلني معك إلى قبرك. فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا حسين لا بدّ لك من الرجوع إلى الدنيا حتّى ترزق الشهادة(١) وما قد كتب الله لك من الثواب العظيم ، فإنك وأباك وأمك وأخاك وعمك وعم أبيك تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة حتّى تدخلوا الجنة». فانتبه الحسينعليه‌السلام وقصّ رؤياه على أهل بيته ، فاشتدّ حزنهم وكثر بكاؤهم(٢) .

وروى أبو مخنف في مقتله هذا الكلام ، ص ١٥ على النحو التالي :

إن الحسينعليه‌السلام لما خرج من المدينة أتى قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فالتزمه وبكى بكاء شديدا وسلّم عليه ، وقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، لقد خرجت من جوارك كرها ، وفرّق بيني وبينك ، وأخذت قهرا أن أبايع يزيد ، شارب الخمور وراكب الفجور ، وإن فعلت كفرت ، وإن أبيت قتلت ، فها أنا خارج من جوارك كرها ، فعليك مني السلام يا رسول الله. ثم نام ساعة فرأى في منامه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد وقف به وسلّم عليه ، وقال : «يا بني لقد لحق بي أبوك وأمك وأخوك ، وهم مجتمعون في دار الحيوان ، ولكنا مشتاقون إليك ، فعجّل بالقدوم إلينا ، واعلم يا بني أن لك درجة مغشّاة بنور الله ، ولست تنالها إلا بالشهادة ، وما أقرب قدومك علينا».

__________________

(١) ورد بعض هذا الكلام في المناقب لابن شهراشوب ، ج ٢ ص ٢٤٠ ط نجف.

(٢) مقتل المقرم ، ص ١٤٨ نقلا عن مقتل العوالم ، ص ٥٤. والمقصود بعمه : جعفر الطيار ، وعم أبيه : حمزة سيد الشهداء.

٤١٧

٤٦٨ ـ محاورة بين الحسينعليه‌السلام وأخيه عمر الأطرف بعد أن رأى الرؤيا :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ١٤٨)

فقال له أخوه عمر الأطرف ابن أمير المؤمنينعليه‌السلام : حدثني أبو محمد الحسن عن أبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام أنك مقتول ، فلو بايعت لكان خيرا لك. قال الحسينعليه‌السلام : حدّثني أبي أن رسول الله أخبره بقتله وقتلي ، وأن تربته تكون بالقرب من تربتي ، أتظن أنك علمت ما لم أعلمه!. وإني لا أعطي الدنيّة من نفسي أبدا. ولتلقينّ فاطمة أباها شاكية مما لقيت ذريتها من أمته ، ولا يدخل الجنة من آذاها في ذريتها(١) .

٤٦٩ ـ وداع الحسينعليه‌السلام لقبر أمه وأخيه :

(الفتوح لابن أعثم ، ج ٥ ص ٢٩)

وتهيأ الحسينعليه‌السلام وعزم على الخروج من المدينة ، ومضى في جوف الليل إلى قبر أمه فودّعها. ثم مضى إلى قبر أخيه الحسنعليه‌السلام فودّعه.

وفي وقت الصبح أقبل إليه أخوه محمّد بن الحنفية.

٤٧٠ ـ من محاورة بين الحسينعليه‌السلام وأخيه محمّد بن الحنفية ينصحه فيها بالتنحي عن الأمصار ويدعوه للسفر إلى اليمن :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٧)

فأقبل إليه أخوه محمّد بن الحنفية ، فقال له : يا أخي فديتك نفسي ، أنت أحبّ الناس إليّ وأعزّهم عليّ ، ولست والله أدّخر النصيحة لأحد من الخلق ، وليس أحد أحقّ بها منك ، لأنك مزاج مائي ونفسي وروحي وبصري ، وكبير أهل بيتي ، ومن وجبت طاعته في عنقي. لأن الله تبارك وتعالى قد شرّفك وجعلك من سادات أهل الجنة ، إني أريد أن أشير عليك فاقبل مني. فقال له الحسينعليه‌السلام : قل يا أخي ما بدا لك. فقال : أشير عليك أن تتنحّى بنفسك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت ، وأن تبعث رسلك إلى الناس فتدعوهم إلى بيعتك ، فإن بايعك الناس حمدت الله على ذلك وقمت فيهم بما كان يقومه رسول الله والخلفاء الراشدون المهديّون من بعده ، حتّى يتوفاك الله وهو عنك راض ، والمؤمنون عنك راضون ، كما رضوا عن أبيك وأخيك.

__________________

(١) اللهوف على قتلى الطفوف لابن طاووس ، ص ١٥ طبع صيدا.

٤١٨

وإن اجتمع الناس على غيرك حمدت الله على ذلك وسكتّ ولزمت منزلك ، فإني خائف عليك أن تدخل مصرا من الأمصار ، أو تأتي جماعة من الناس فيقتتلون فتكون طائفة منهم معك ، وطائفة عليك ، فتقتل بينهم. (وفي رواية مثير الأحزان للجواهري ، ص ٧) : «فيقتتلوا فتكون لأول الأسنة غرضا ، فإذا خير هذه الأمة كلها نفسا وأبا وأما ، أضيعها دما وأذلها أهلا». فقال له الحسينعليه‌السلام : يا أخي فإلى أين أذهب؟. قال : تخرج إلى مكة ، فإن اطمأنّت بك الدار بها فذاك الّذي تحب ، وإن تكن الأخرى خرجت إلى بلاد اليمن ، فإنهم أنصار جدك وأبيك وأخيك ، وهم أرأف وأرقّ قلوبا وأوسع الناس بلادا وأرجحهم عقولا ، فإن اطمأنّت بك أرض اليمن فذاك ، وإلا لحقت بالرمال وشعوب الجبال (وفي رواية : شعب الجبال ، أي رؤوسها) ، وصرت من بلد إلى بلد ، حتّى تنظر ما يؤول إليه أمر الناس ، ويحكم الله بيننا وبين القوم الفاسقين. (وفي رواية تتمة ذلك) : «فإنك أصوب ما تكون رأيا وأحزمه عملا ، حتّى تستقبل الأمور استقبالا ، ولا تكون الأمور أبدا أشكل عليك منها حين تستدبرها استدبارا(١) ». فقال له الحسينعليه‌السلام : يا أخي والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية ، فقد قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اللهم لا تبارك في يزيد». فقطع محمّد الكلام وبكى ، فبكى معه الحسين ساعة ، ثم قال :يا أخي جزاك الله عني خيرا ، فلقد نصحت وأشرت بالصواب ، وأرجو أن يكون رأيك موفقا مسددا ، وأنا عازم على الخروج إلى مكة ، وقد تهيأت لذلك أنا وإخوتي وبنو أخي وشيعتي ، ممن أمرهم أمري ورأيهم رأيي. وأما أنت يا أخي فلا عليك أن تقيم في المدينة ، فتكون لي عينا عليهم ، ولا تخف عليّ شيئا من أمورهم(٢) .

وقام من عند ابن الحنفية ودخل المسجد وهو ينشد :

لا ذعرت السّوام في فلق الصب

ح مغيرا ولا دعيت يزيدا

يوم أعطي مخافة الموت ضيما

والمنايا يرصدنني أن أحيدا

وسمعه أبو سعيد المقبري ، فعرف أنه يريد أمرا عظيما.

__________________

(١) مقتل المقرم ، ص ١٥٠ نقلا عن تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ١٩١ ؛ وكامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ٧ ؛ والمناقب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٤٠ ؛ وشبيه هذا الكلام في مقتل أبي مخنف ، ص ١٤.

(٢) مقتل المقرم ، ص ١٥٠ عن مقتل محمّد بن أبي طالب. واعتذر العلامة الحلي عنه بالمرض ، وابن نما الحلي عنه بقروح أصابته ، ولم يذكر أرباب المقاتل هذا العذر.

٤١٩

وأصل الشعر ليزيد بن مفرغ ، ذكره أبو الفرج الاصفهاني في (الأغاني) ج ١٨ ص ٢٨٧ ، يقول الشاعر :

أيّ بلوى معيشة قد بلونا

فنعمنا وما رجونا خلودا

ودهور لقيننا موجعات

وزمان يكسّر الجلمودا

فصبرنا على مواطن ضيق

وخطوب تصيّر البيض سودا

أفإنس ، ما هكذا صبر إنس

أم من الجن ، أم خلقت حديدا

لا ذعرت السّوام في فلق الصب

ح مغيرا ولا دعيت يزيدا

يوم أعطي مخافة الموت ضيما

والمنايا يرصدنني أن أحيدا

وهي قصيدة طويلة ، وقد تمثّل الإمام الحسينعليه‌السلام بالبيتين الأخيرين منها.

٤٧١ ـ عزم الحسينعليه‌السلام على الخروج إلى مكة :

(تاريخ دمشق لابن عساكر ، الجزء الخاص بالحسين ، ص ١٩٥)

عن أبي سعيد المقبري قال :

والله لرأيت الحسينعليه‌السلام وإنه ليمشي بين رجلين ، يعتمد على هذا مرة ، وعلى هذا مرة ، وعلى هذا أخرى ، حتّى دخل مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقول :

لا ذعرت السّوام في فلق الصب

ح مغيرا ولا دعيت يزيدا

يوم أعطي مخافة الموت ضيما

والمنايا يرصدنني أن أحيدا

ويروى (إذا دعوت يزيدا). ويروى (حين أعطى من المهانة ضيما).

قال : فعلمت عند ذلك أنه لا يلبث إلا قليلا حتّى يخرج. فما لبث أن خرج حتّى لحق بمكة.

وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٤٨ :

«فقلت في نفسي : ما تمثّل بهذين البيتين إلا لشيء يريده. فخرج بعد ليلتين إلى مكة».

وفي (الفتوح) لابن أعثم ، ج ٥ ص ٣٥ :

ثم جعل يتمثّل بشعر يزيد بن المفرغ الحميري [توفي في الكوفة سنة ٦٩ ه‍] وهو يقول :

لا سهرت السّوام في فلق الصب

ح مضيئا ولا دعيت يزيدا

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735