موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 8%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 452595 / تحميل: 5268
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

(٥)

بعثته ونزول الوحي إليه

«بَعَثَ اللهُ سُبْحانَهُ نَبِيَّهُ الأَكْرَم عَلَى حِينِ فَتَرةٍ مِنَ الرُّسُلِ، وَطُولِ هَجعَةٍ مِنَ الاُمَمِ، وَاعْتِزَام مِنَ الفِتَنِ وَانتِشَارٍ مِنَ الأُمُورِ، وَتَلَظٍّ مِنَ الحُروبِ، والدُّنْيَا كَاسِفَةُ النُّورِ، ظَاهِرةُ الغُرورِ، عَلى حِينِ اصْفِرَارٍ مِنْ وَرَقِهَا، وإياسٍ مِن ثَمرِهَا، وَاغوِرَار مِنْ مَائِهَا، قَدْ دَرَسَتْ مَنَار الهُدى، وَظَهَرتْ اَعلامُ الرَّدى، فَهِيَ مُتَجَهِّمَةٌ لأَهْلِهَا، عَابِسَةٌ فِي وَجْهِ طَالِبَها، ثَمَرُهَا الفِتْنَةُ، وَطَعَامُهَا الجِيفَةُ، وَشِعارُهَا الخَوْفُ، وَدِثَارُهَا السَّيْفُ » (١) .

بعث على رأس الأربعين من عمره، وبُشّر بالنبوّة والرسالة، وأمّا الشهر الذي بعث فيه، ففيه أقوال وآراء، فالشيعة الإمامية تبعاً لأئمّة أهل البيت: على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث في سبع وعشرين من رجب.

روى الكليني عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال: لا تدع صيام يوم سبع وعشرين من رجب فإنّه اليوم الذي نزلت فيه النبوّة على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

وروى أيضاً عن الإمام الكاظمعليه‌السلام أنّه قال: بعث الله عزّ وجلّ محمّداً رحمة للعالمين في سبع وعشرين من رجب(٣) .

روى المفيد عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال: في اليوم السابع والعشرين من رحب نزلت النبوّة على رسول الله، إلى غير ذلك من الروايات(٤) .

وأمّا غيرهم فمن قائل بأنّه بعث في سبعة عشر من شهر رمضان أو ثمانية عشر أو أربع وعشرين من هذا الشهر أو في الثاني عشر من ربيع الأوّل.

__________________

(١) إقتباس من كلام الإمام أمير المؤمنين في نهج البلاغة الخطبة ٨٥، طبعة عبده.

(٢) و (٣) البحار: ج ١٨ ص ١٨٩ ـ نقلاً عن الكافي وأمالي ابن الشيخ.

(٤) البحار: ج ١٨ ص ١٨٩ ـ نقلاً عن الكافي وأمالي ابن الشيخ.

١٠١

وبما أنّ أهل البيت أدرى بما في البيت، كيف وهم نجوم الهدى ومصابيح الدجى وأحد الثقلين الذين تركهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعده، فيجب علينا الوقوف دون نظرهم ولا نجتازه، نعم دلّ الذكر الحكيم على أنّ القرآن نزل في شهر رمضان قال سبحانه:( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) ( البقرة / ١٨٥ ).

وقال سبحانه:( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ( القدر / ١ ).

وقال سبحانه:( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ) ( الدخان / ٣ ).

إلى غير ذلك من الآيات الدالّة على نزوله في شهر رمضان.

والإستدلال بهذه الآيات على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث في شهر رمضان مبني على إقتران البشارة بالنبوّة، بنزول القرآن وهو بعد غير ثابت، فلو قلنا بالتفكيك وأنّه بعث في شهر رجب، وبشّر بالنبوّة فيه، ونزل القرآن في شهر رمضان، لما كان هناك منافاة بين بعثته في رجب، ونزول القرآن في شهر رمضان.

ويؤيّد ذلك أي عدم اقتران النبوّة بنزول القرآن ما نقله غير واحد عن عائشة: إنّ أوّل ما بدء به رسول الله من النبوّة حين أراد الله كرامته، الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رؤيا في نومه إلّا جاءت كفلق الصبح، قالت: وحبّب الله تعالى إليه الخلوة، فلم يكن شيء أحبّ إليه من أن يخلو وحده(١) .

لكن الظاهر من ذيل ما روته عائشة أنّ النبوّة كانت مقترنة بنزول الوحي والقرآن الكريم، ولنذكر نص الحديث بتمامه ثمّ نذيّله ببيان بعض الملاحظات حوله.روى البخاري: « كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يخلو بغار حراء، فيتحنّث فيه وهو التعبّد في الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزوّد لذلك ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها حتى جاء الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال: اقرأ. قال: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطّني حتى بلغ مني الجهد ثمّ أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطّني الثانية حتى بلغ منّي الجهد ثمّ أرسلني

__________________

(١) صحيح البخاري: ج ١ ص ٣، السيرة النبوية: ج ١ ص ٣٣٤.

١٠٢

فقال: إقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطّني الثالثة ثمّ أرسلني، فقال:( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ *خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ *اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ ) (١) .

وفي هذه الرواية تأمّلات واضحة:

١ ـ ما هو المبرّر لجبرئيل أن يروّع النبي الأعظم، وأن يؤذيه بالعصر إلى حدٍّ أنّه يظن انّه الموت ؟ يفعل به ذلك وهو يراه عاجزاً عن القيام بما يأمره به، ولا يرحمه ولا يلين معه ؟

٢ ـ لماذا يفعل ذلك ثلاث مرات لا أكثر ولا أقل ؟

٣ ـ لماذا صدّقه في الثالثة، لا في المرّة الاُولى ولا الثانية مع أنّه يعلم أنّ النبي لا يكذب ؟

٤ ـ هل السند الذي روى به البخاري قابل للإحتجاج مع أنّ فيه الزهري وعروة.

أمّا الزهري فهو الذي عرف بعمالته للحكام، وإرتزاقه من موائدهم، وكان كاتباً لهشام بن عبد الملك ومعلّماً لأولاده، وجلس هو وعروة في مسجد المدينة فنالا من عليٍّ، فبلغ ذلك السجادعليه‌السلام حتى وقف عليهما فقال: أمّا أنت يا عروة فإنّ أبي حاكم أباك، فحُكِم لأبي على أبيك، وأمّا أنت يا زهري فلو كنت أنا وأنت بمكّة لأريتك كن أبيك(٢) .

أمّا عروة بن الزبير الذي حكم عليه ابن عمر بالنفاق وعدّه الاسكافي من التابعيين الذين يضعون أخباراً قبيحة في عليّعليه‌السلام (٣) .

نعم رواه ابن هشام والطبري في تفسيره وتاريخه(٤) بسند آخر ينتهي إلى

__________________

(١) صحيح البخاري: ج ١ ص ٣.

(٢) أي بيت أبيك.

(٣) الصحيح من سيرة النبي الأعظم: ص ٢٢٣.

(٤) السيرة النبوية: ج ١ ص ٢٣٥، تفسير الطبري: ج ٣٠ ص ١٦٢، وتاريخه: ج ٣ ص ٣٥٣.

١٠٣

أشخاص يستبعد سماعهم الحديث عن نفس الرسول الأكرم ودونك أسماؤهم:

١ ـ عبيد بن عمير، ترجمه ابن الاثير، قال: ذكر البخاري أنّه رأى النبي وذكر مسلم أنّه ولد على عهد النبي وهو معدود من كبار التابعين يروي عن عمر وغيره(١) .

٢ ـ عبد الله بن شداد، ترجمه ابن الأثير وقال: ولد على عهد النبي، روى عن أبيه وعن عمر وعليّ(٢) .

٣ ـ عائشة، زوجة النبي، حيث تفرّدت بنقل هذا الحديث ومن المستبعد جداً أن لا يحدّث النبي هذا الحديث غيرها مع تلهف غيرها إلى سماع أمثال هذا الحديث.

نعم ورد مضمون الحديث في تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام ونقله من أعلام الطائفة ابن شهر آشوب في مناقبه(٣) أو المجلسي في بحاره(٤) .

لكن الكلام في صحّة نسبة التفسير الموجود إلى الإمام العسكريعليه‌السلام وأمّا المناقب فإنّه يورد الأحاديث والتواريخ مرسلة لا مسندة، والمجلسي اعتمد على هذه المصادر التي عرفت حالها.

وبذلك يظهر أنّه لا دليل على أنّ البشارة بالنبوّة كانت مقترنة بنزول القرآن، وبذلك ينسجم نزول القرآن في شهر رمضان مع كون البعثة في شهر رجب، نعم أورد العلّامة الطباطبائي على هذه النظرية بقوله: إذا بعث النبي في اليوم الثاني والعشرين من شهر رجب وبينه وبين شهر رمضان أكثر من ثلاثين يوماً فكيف تخلو البعثة في هذه المدّة من نزول القرآن ؟ على أنّ سورة العلق أوّل سورة نزلت على رسول الله وأنّها

__________________

(١) اُسد الغابة: ج ٣ ص ٣٥٣.

(٢) نفس المصدر: ج ٤ ص ١٨٣.

(٣) مناقب آل أبي طالب: ج ١ ص ٤٠ ـ ٤٤.

(٤) بحار الأنوار: ج ١٨ ص ١٩٦.

١٠٤

نزلت بمصاحبة البعثة(١) .

يلاحظ على ما ذكر:

١ ـ انّ الوجه الأوّل من كلامه مجرّد استبعاد، فأيّ إشكال في أن يكون النبي قد بشّر بالنبوّة ونزِّل القرآن بعد شهر وبضعة أيام.

٢ ـ وأمّا الوجه الثاني فلأنّ الروايات نطقت بأنّها أوّل سورة نزلت وليس فيها ما يدلّ على اقتران نزولها بأوّل عهد البعثة.

سؤال وإجابة:

إذا كان القرآن نازلاً في شهر رمضان فإنّ معناه أنّ مجموعه نزل في هذا الشهر مع أنّه نزل قرابة مدّة ثلاثة وعشرين سنة فكيف التوفيق بين هذين الأمرين ؟

وأمّا الإجابة فقد اُجيب عنه بأجوبة نذكرها واحداً تلو الآخر.

الأوّل: إنّ للقرآن نزولين: نزول دفعي وقد عبّر عنه بلفظ الإنزال الدال على الدفعة، ونزول تدريجي وهو الذي يعبّر عنه بالتنزيل. قال سبحانه:( كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ) ( هود / ١ ) فإنّ هذا الإحكام في مقابل التفصيل، والتفصيل هو جعله فصلاً فصلاً، وقطعة قطعة، والإحكام كونه على وجه لا يتفصّل فيه جزء من جزء ولا يتميّز بعض من بعض، لرجوعه إلى معنى واحد، لا أجزاء ولا فصول فيه، فعلى ذلك فالقرآن نزل دفعة واحدة على قلب النبي الأعظم، ثمّ صار ينزل تدريجياً حسب المناسبات والوقائع والأحداث(٢) .

وعلى ذلك فلا مانع من نزول جميع القرآن في شهر رمضان نزولاً دفعياً، ثمّ نزوله نحو ما في بضعة وعشرين سنة.

__________________

(١) تفسير الميزان: ج ٢ ص ١٣.

(٢) الميزان: ج ٢ ص ١٤ ـ ١٦.

١٠٥

ويلاحظ عليه: أنّ ما ذكره مبني على الفرق بين « الإنزال » و « التنزيل »، وأنّ الأوّل عبارة عن النزول الدفعي، والثاني عن النزول التدريجي مع أنّه لا دليل عليه، فإنّ الثاني أيضاً استعمل في النزول الدفعي. قال تعالى حاكياً عن المشركين:( وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ) ( الاسراء / ٩٣ ).

وقال تعالى:( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ) ( الفرقان / ٣٢ ) فلو كان التنزيل هو النزول التدريجي فلماذا وصفه بقوله: « جملة واحدة ».

الثاني: إنّ القرآن نزل دفعة واحدة إلى البيت المعمور حسب ما نطقت به الروايات الكثيرة ثمّ صار ينزل تدريجياً على الرسول الأعظم.

روى حفص بن غياث عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال سألته عن قول الله عزّ وجلّ:( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) وإنّما اُنزل في عشرين بين أوّله وآخره، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام « نزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور ثمّ نزل في طول عشرين سنة »(١) .

ولو صحّت الرواية يجب التعبّد بها، وإلّا فما معنى نزول القرآن الذي هو هدى للناس إلى البيت المعمور، وأيّ صلة بهذا النزول بهداية الناس الذي يتكلّم عنه القرآن ويقول:( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ) ؟

قال الشيخ المفيد:

« الذي ذهب إليه أبو جعفر(٢) حديث واحد لا يوجب علماً ولا عملاً ونزول

__________________

(١) البرهان في تفسير القرآن: ج ١ ص ١٨٢، والدر المنثور: ج ٦ ص ٣٧٠.

(٢) مراده الصدوق، وقد ذهب إلى أنّ القرآن قد نزل في شهر رمضان في ليلة القدر جملة واحدة إلى البيت المعمور، ثمّ انزل من البيت المعمور في مدة عشرين سنة.

١٠٦

القرآن على الأسباب الحادثة حالاً لا يدلّ على خلاف ما تضمّنه الحديث، وذلك أنّه قد تضمّن حكم ما حدث، وذكر ما جرى على وجهه، وذلك لا يكون على الحقيقة إلّا لحدوثه عند السبب، الخ.

ثمّ استعرض آيات كثيرة نزلت لحوادث متجددة(١) .

الثالث: إنّ القرآن يطلق على الكلّ والجزء، فمن الممكن أن يكون المراد بنزول القرآن في شهر رمضان هو شروع نزوله في ليلة مباركة وهي ليلة القدر، فكما يصحّ نسبة النزول إليه في شهر رمضان إذا نزل جملة واحدة، تصحّ نسبتة إليه إذا نزل أوّل جزء منه في شهر رمضان واستمرّ نزوله في الأشهر القادمة طيلة حياة النبي.

فيقال: نزل القرآن في شهر رمضان أي بدأ نزوله في هذا الشهر، وله نظائر في العرف، فلو بدأ فيضان الماء في المسيل يقال جرى السيل في يوم كذا وإن استمرّ جريانه وفيضانه عدّة أيام.

وهذا هو الظاهر من صاحب « المنار » حيث يقول: وأمّا معنى إنزال القرآن في رمضان مع أنّ المعروف باليقين أنّ القرآن نزل منجّماً في مدّة البعثة كلّها، فهو أنّ إبتداء نزوله كان في رمضان، ذلك في ليلة منه سمّيت ليلة القدر أي الشرف، والليلة المباركة كما في آيات اُخرى. وهذا المعنى ظاهر لا إشكال فيه، على أنّ لفظ القرآن يطلق على هذا الكتاب كلّه ويطلق على بعضه.

الرابع: إنّ جملة القرآن وإن لم تنزل في تلك الليلة، لكن لـمّا نزلت سورة الحمد بها وهي تشتمل على جلِّ معارف القرآن، فكأنّ القرآن اُنزل فيه جميعاً فصحّ أن يقال: إنّا اَنزلناه في ليلة القدر.

يلاحظ عليه: أنّه لو كانت سورة الحمد أوّل سورة نزلت على رسول الله لكان حق الكلام أن يقال: قل بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، أو يقال:

__________________

(١) تصحيح الإعتقاد: ص ٥٨.

١٠٧

بسم الله الرحمن الرحيم، قل: الحمد لله ربّ العالمين(١) .

وهذا يعرب عن أنّ سورة الحمد ليست أوّل سورة نزلت على النبي.

هذه هي الوجوه التي ذكرها المفسّرون المحقّقون والثالث هو الأقوى.

أوّل ما نزل على رسول الله:

ذكر أكثر المفسّرين أنّ أوّل سورة نزلت على رسول الله هي سورة العلق، وتدل عليه روايات أئمّة أهل البيت. روى الكليني عن الصادقعليه‌السلام قال: أوّل ما نزل على رسول الله( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) وآخر سورة هو قوله:( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ) ومثله عن الإمام الرضاعليه‌السلام (٢) .

ولعلّ المراد نزول آيات خمس من أوّلها لا جميع السورة.

لأنّ قوله سبحانه في نفس تلك السورة:( أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَىٰ *عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰ ) لا يناسب أن تكون أوّل ما نزل، بل هو حاك عن وجود تشريع للصلاة، ووجود من يقيمها حتّى واجه نهي بعض المشركين، وهذا لا يتّفق مع كونه أوّل ما نزل.

أساطير وخرافات

دلّت الأدلة العقلية والآيات القرآنية على أنّ الأنبياء مصونون عن الخطأ والإشتباه في تلقّي الوحي أوّلاً، وضبطه ثانياً، وإبلاغه ثالثاً وأنّهم لا يشكّون فيما يلقى في روعهم من أنّه ربّ العالمين وأنّ ما يعاينونه رسول إله العالمين، والكلام كلامه، لا يشكّون في ذلك طرفة عين ولا يتردّدون بل يتلقّونه بنفس مطمئنة.

__________________

(١) الميزان: ج ٢ ص ٢١ ـ ٢٢.

(٢) البرهان في تفسير القرآن: ج ١ المقدّمة الباب الخامس عشر ص ٢٩، وتاريخ القرآن للزنجاني: ص ٣٠.

١٠٨

هذا هو القرآن الكريم يذكر كيفيّة بدء نزول الوحي إلى موسى وأنّه تلقّاه بلا تردّد ولا تريّث. بذكره في سور مختلفة:

يقول:( فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ *إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى *وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ *إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلَٰهَ إلّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي *إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ *اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ *قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي *وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي *وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي *يَفْقَهُوا قَوْلِي *وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي *هَارُونَ أَخِي *اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي *وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي *كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا *وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا *إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا ) ( طه / ١١ ـ ٣٥ ).

ترى أنّ الكليم عندما فُوجئ بنزول الوحي، تلقّاه بصدر رحب، ولم يتردّد في أنّه وحيه سبحانه وأمره، ولذلك سأل سبحانه أن يشرح له صدره، وييسر له أمره، ويحلّ العقدة التي في لسانه، ويجعل له وزيراً من أهله، يشدّ به أزره ويشركه في أمره.

يقول سبحانه:( فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *يَا مُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ ) ( النحل / ٨ ـ ٩ ).

وجاءت هذه القصة في سورة القصص على وفق ما وردت في السورتين(١) .

ومن لاحظ هذه الآيات يقف على أنّ موقف الأنبياء من الوحي هو موقف الإنسان المتيقّن المطمئنّ إليه، وهذه خاصّة تعمّ جميع الأنبياء:

نرى أنّه سبحانه يذكر رؤية النبي الأكرم، ومواجهته لمعلّمه الذي وصفه القرآن بـ « شديد القوى ».

يقول:( إِنْ هُوَ إلّا وَحْيٌ يُوحَىٰ *عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ *ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ *وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَىٰ *ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ *فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ *فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ

__________________

(١) القصص: ٢٩ ـ ٣٥.

١٠٩

مَا أَوْحَىٰ *مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ *أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ ) ( النجم / ٤ ـ ١٢ ).

فأي كلمة أصرح في توصيف إيمان النبي واذعانه في مجال الوحي ومواجهة أمينه من قوله سبحانه:( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ ) أي صدق القلب عمل العين. ويحتمل أن يكون المراد، ما رآه الفؤاد.

قال العلّامة الطباطبائي:

فالمراد بالفؤاد، فؤاد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وضمير الفاعل في « ما رأى » راجع إلى الفؤاد، والرؤيا رؤيته ولابدع في نسبة الرؤية وهي مشاهدة العيان إلى الفؤاد، فإنّ للإنسان نوعاً من الإدراك الشهودي وراء الإدراك بإحدى الحواسّ الظاهرة، والتخيّل والتفكّر بالقوى الباطنة كما أنّنا نشاهد من أنفسنا أنّنا نرى وليست هذه المشاهدة العيانية رؤية بالبصر ولا معلوماً بالفكر، وكذا نرى من أنفسنا أنّنا نسمع ونشمّ ونذوق ونلمس، ونشاهد أنّنا نتخيّل ونتفكّر، وليست هذه الرؤية ببصر أو بشيء من الحواسّ الظاهرة أو الباطنة(١) .

فالله سبحانه يؤيّد صدق النبي فيما يدّعيه من الوحي ورؤية آيات الله الكبرى، سواء كانت بالعين أو بالفؤاد.

وعلى كل تقدير فهذه الآيات وغيرها تدلّ على أنّ الأنبياء وغيرهم لا يشكّون ولا يتردّدون فيما يواجهون من الاُمور الغيبيّة.

وعلى ضوء ذلك تقف على أنّ ما ملأ كتب السيرة وبعض التفاسير في مجال بدء الوحي وأنّه تردّد النبي وشكّ عندما بشّر بالنبوّة وشاهد ملك الوحي وامتلأ روعاً وخوفاً إلى حدّ حاول أن يلقي نفسه من شاهق، وعاد إلى البيت فكلّم زوجته فيما واجهه، وعادت زوجته تسلّيه وتقنعه بأنّه رسول ربّ العالمين، وأنّ ما رآه ليس إلّا أمراً حقّاً.

إذ كل ذلك أساطير وخرافات، تناقض البراهين العقليّة وما يتلقّاه الإنسان

__________________

(١) الميزان: ج ١٩ ص ٣٠.

١١٠

من قصص الأنبياء الواردة في القرآن الكريم، وقد دسّها الأحبار والرهبان وسماسرة الحديث والقصّاصون في كتب القصص والسير والحديث، ونحن نكتفي في المقام بما ذكره البخاري في صحيحه وابن هشام في سيرته، فإنّ استقصاء كل ما ورد حول هذا الموضوع من الروايات المدسوسة يدفع بنا إلى تأليف رسالة مفردة، ولكن فيما ذكرنا غنىً وكفاية. قال البخاري:

( بعد ذكر نزول أمين الوحي عليه في جبل حراء ) « فرجع بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد ( رضي الله عنها ) فقال: زمّلوني زمّلوني، فزمّلوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة ـ واخبرها الخبر ـ لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة: كلاّ والله ما يخزيك الله أبداً إنّك لتصل الرحم، وتحمل الكل وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحقّ، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى ابن عمّ خديجة، وكان أمرئً تنصّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت له خديجة يا ابن عمّ اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى ؟ فأخبره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله على موسى يا ليتني فيها جذعاً ليتني أكون حيّاً إذ يخرجك قومك، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمخرجي هم ؟ قال: نعم، لم يأتِ رجل قطّ بمثل ما جئت به إلّا عودي، وان يدركني يومك، أنصرك نصراً مؤزّراً ثمّ لم ينشب(١) ورقة أن توفّي وفتر الوحي »(٢) .

هذا ما لدى البخاري، وأمّا صاحب السيرة النبوية فبعدما ذكر مسألة الغتّ ينقل عن النبي أنّه قال:

« فخرجت حتى إذا كنت في وسط الجبل سمعت صوتاً من السماء يقول:

__________________

(١) أي لم يلبث.

(٢) صحيح البخاري: ج ١ ص ٣.

١١١

يا محمّد، أنت رسول الله وأنا جبرئيل، قال: فوقفت أنظر إليه، فما أتقدّم وما أتأخّر، وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء، قال: فلا أنظر في ناحية منها إلّا رأيته كذلك، فما زلت واقفاً، ما أتقدّم أمامي، وما أرجع ورائي، حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي فبلغوا على مكّة ورجعوا إليها، وأنا واقف في مكاني ذلك، ثمّ انصرف عنّي وانصرفت راجعاً إلى أهلي حتى أتيت خديجة فجلست إلى فخذها مضيفاً إليها، فقالت: يا أبا القاسم، أين كنت ؟ فو الله لقد بعثت رسلي في طلبك حتى بلغوا مكّة ورجعوا إليّ، ثمّ حدّثتها بالذي رأيت، فقالت: أبشر يا ابن عمّ واثبت، فو الذي نفس خديجة بيده إنّي لأرجو أن تكون نبيّ هذه الاُمّة ».

ثمّ يذكر انطلاق خديجة إلى ورقة بن نوفل، وما أجابها به ورقة بنفس النص الذي ذكره البخاري ثمّ يذكر لقاء النبي ورقة بن نوفل، وهو يطوف بالكعبة، فسأله ورقة بما رأى وسمع، فأخبره النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال له ورقة: والذي نفسي بيده إنّك لنبيّ هذه الاُمّة.

ثمّ عقبه بذكر ما قامت به خديجة من إمتحان صدق نبوّته فذكر أنّها قالت لرسول الله: أي ابن عمّ، أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا إذا جاءك ؟ قال: نعم. قالت: فإذا جاءك فاخبرني به، فجاءه جبرئيل، فقال رسول الله لخديجة: هذا جبرئيل قد جائني، قالت: قم يا بن عمّ فاجلس على فخذي اليسرى، قال: فقام رسول الله فجلس عليها، قالت: هل ترى ؟ قال: نعم، قالت: فتحوّل فاجلس على فخذي اليمنى، فجلس على فخذها اليمنى، فقالت: هل تراه ؟ قال: نعم، قالت: فتحوّل واجلس في حجري، فتحوّل فجلس في حجرها، قالت هل تراه، قال: نعم، فتحسّرت وألقت خمارها ورسول الله جالس في حجرها، ثم قالت له: هل تراه ؟ قال: لا.

قالت: يا ابن عم أثبت وابشر، فو الله هذا ملك وما هذا بشيطان(١) .

وقال الطبري ـ بعد ما ذكر نزول جبرئيل إليه وتعليم آيات من سورة العلق ـ

__________________

(١) السيرة النبوية: ج ١ ص ٢٣٧ ـ ٢٣٩، وتاريخ الطبري: ج ٢ ص ٤٩ ـ ٥٠.

١١٢

ثمّ دخلت على خديجة وقلت: زمّلوني زمّلوني حتى ذهب عنّي الروع، ثمّ أتاني وقال: يا محمّد، أنت رسول الله.

قال: لقد هممت أن أطرح نفسي من حالق من جبل فتبدّى لي حين هممت بذلك، فقال: يا محمّد، أنا جبرئيل وأنت رسول الله، ثمّ قال: إقرأ، قلت: ما اقرأ ؟ قال: فأخذني فغتني ثلاث مرات حتّى بلغ منّي الجهد ثمّ قال: اقرأ باسم ربّك الذي خلق، فقرأت فأتيت خديجة، فقلت: لقد أشفقت على نفسي، فأخبرتها خبري فقالت: أبشر فو الله لا يخزيك الله أبداً، ووالله إنّك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتؤدّي الأمانة، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحقّ، ثمّ انطلقت بي إلى ورقة بن نوفل بن أسد، فقالت: اسمع من ابن أخيك، فسألني فأخبرته خبري، فقال: هذا الناموس الذي اُنزل على موسى بن عمران .

نظرة تحليلية حول هذه النصوص:

إنّ هذه النصوص التاريخية التي نقلها المشايخ كالبخاري وابن هشام والطبري، وتلقّاها الآخرون من بعدهم على أنّها حادثة متسالم عليها تضاد ما يستشفه الإنسان من التدبّر في حالات الأنبياء في القرآن الكريم وتناقض البديهة العقلية، وإليك بيان ما فيها من نقاط الضعف وعلائم الجعل والتهافت:

١ ـ إنّ النبوّة كما عرفت منصب إلهي لا يفيضه الله إلّا على من امتلك زخماً هائلاً من القدرات الروحية والقوى النفسية العالية حتّى يقوى على معاينة الوحي، ومشاهدة الملائكة، فعندئذٍ فلا معنى لما ذكره البخاري: « لقد خشيت على نفسي » أفيمكن أن ينزل الوحي الإلهي على من لا يفرّق بين لقاء الملك، ولقاء الجنّ ومكالمتهما حتى يخشى على نفسه الجنون أو الموت ؟

٢ ـ وأسوأ منه ما ذكره الطبري من أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله همّ أن يرمي بنفسه من شاهق من جبل، فندم عليه ورجع عنه حين سمع كلام جبرئيل يا محمّد أنا جبرئيل.

١١٣

إنّ هذا الكلام يعرب من أنّ نفسهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم تكن نفساً مستعدّة لتحمّل الوحي على حدٍّ، همّ أن يقتل نفسه بالإلقاء من حالق، وهل هذا هو إلّا نفس الجنون الذي كان المشركون يصفونه به طيلة بعثته، فوا عجباً نسمعه من أعوانه وأنصاره ومن لسان زوجته.

٣ ـ إنّ قول خديجة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كلّا والله ما يخزيك الله أبداً، تعرب من أنّها كانت أوثق إيماناً بنبوّته من نفس الرسول. فهل يمكن التفوّه بذلك، وما حاجة النبي الأعظم الذي قال تعالى في حقّه:( وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ) ( النساء / ١١٣ ) إلى هذا التسلّي ؟

وهل يصحّ ويتعقّل للنبيّ أنّ يشكّ في رسالة نفسه حتى يستفتي زوجته فيزول شكّه بتصديقها ؟

٤ ـ ذكر البخاري: أنّ خديجة انطلقت مع رسول الله إلى ورقة، فأخبره رسول الله بما وقع، فأجاب ورقة بما ذكره، وأنّ ما نزل عليه هو الناموس الذي نزّله الله على موسى.

ومعنى هذا أن يكون ورقة أعلم بالسرّ المودع في قلب رسول الله من نفسه، كما أنّ معنى ذلك أنّ كلاًّ من الزوجين كانا شاكّين في صحّة الرسالة، فانطلقا إلى متنصّر وقرأ وريقات من العهدين حتى يستفتياه ليزيل عنهما حجاب الشكّ وغشاوة الريب.

٥ ـ إنّ معنى ما ذكره البخاري من أنّ ورقة أخبر النبي بأنّه: يسخر منك قومك، وتعجّب الرسول من هذا الكلام وقال: أوَ مخرجي هم ؟ كون المرسل إليه أعلم من الرسول وأفضل منه.

٦ ـ إنّ ما ذكره ابن هشام من « أنّ الرسول كلّما رفع رأسه إلى السماء لينظر ما رأى إلّا رجلاً صافّاً قدميه في اُفق السماء، فلا ينظر في ناحية من السماء إلّا رآه فيها » يشبه كلام المصابين في عقولهم وشعورهم، والمختلّين في أفكارهم، فلا يرون في

١١٤

كل جهة إلّا الصورة المتخيّلة، لطغيانها على مخيّلتهم وشعورهم، أعاذنا الله من إكالة الشنائع بمقام النبوّة، بنحو لا يليق بساحة العاديين من الناس فضلاً عن النبي الأكرم خاتم النبّيين.

٧ ـ انظر إلى امتحان خديجة لبرهان النبوّة فإنّ ظاهرها أنّها كانت شاكّة في نبوّة زوجها، ولكنّها استحصلت اليقين على الوجه الذي سمعته في كلام ابن هشام والطبري، ولكن أيّ صلة بين رفع الخمار وإلقائه وعدم رؤية جبرئيل، وهل لرفع الخمار وتعرية شعر الرأس تأثير في غياب أمين الوحي عن البيت ؟

نرى أنّه سبحانه ينقل في غير سورة من سور القرآن الكريم مكالمة الملائكة زوجة الخليل وتبشيرها بالولد. فهل يمكن لنا أن نقول بعد ذلك: إنّ زوجة الخليل لو كانت مكشوفة الرأس لامتنعت الملائكة من دخول بيت الخليلعليه‌السلام (١) .

٨ ـ إنّ ورقة بن نوفل على حدّ تصريح نصّ الرواية كان بادي بدئه نصرانيّاً بعد ما كان مشركاً، فمقتضى الحال أن يشبّه الرسول الأعظم بالمسيح الذي كان يعتقد بنبوّته، لا بالكليم. أو ليس هذا يعرب عن لعب يد الأحبار في الخفاء في اصطناع هذه الأحاديث ودورهم في تشويش صفاء رسالة الرسول الأعظم بأمثال هذه الأساطير والمهاترات والخرافات ؟

٩ ـ نحن على ثقة ويقين بأنّ النبوّة منصب إلهي لا يتحمّله إلّا الأمثل والأكمل فالأكمل من الناس، ولا يقوم بأعباء مهامّها إلّا من امتلك قدرة روحيّة خاصّة تبعث في نفسه الإذعان والتسليم، والإنقياد حينما يتمثّل له رسول ربّه وأمين وحيه، فلا تأخذه المسكنة ولا يستولي عليه الخوف عند سماع كلامه ووحيه، وقد درسنا وضع الكليم عندما فوجئ بالوحي فما حاق به الروع ولا أحاط به الخوف، ولا همّ بإلقاء نفسه إلى غير ذلك ممّا ورد في هذه الروايات، وبما أنّ القرآن هو المرجع الفصل في تمييز الصحيح من الزائف في جملة هذه الروايات، يحتّم علينا إعراض

__________________

(١) لاحظ هود / ٧١ ـ ٧٣، الذاريات / ٢٩.

١١٥

الصفح عنها، وضربها عرض الجدار، مضافاً إلى ما فيها من التناقض والإختلاف في حكاية القصّة كما هو معلوم لمن تدبّر فيها وتأمّل نصّها.

فرية إنقطاع الوحي وفتوره

وقفت على ما في الروايات السابقة من الوضع والدسّ بهدف تشويه صفاء صورة رسالة النبي الأكرم فهلمّ معي نتناول فريّة اُخرىٰ حيكت على المنوال السابق، وللغاية نفسها، وهي مسألة إنقطاع الوحي بعد نزول آيات من سورة العلق، أو سورة المدّثّر، أو سورة الحمد على إختلاف في أوّل سورة نزلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد حازت هذه الفريّة على نصيب من الإهتمام والتقدير في كتب السيرة والتفسير حتى أنّ الدكتور محمد حسنين هيكل، أرسلها إرسال المسلّمات في كتابه بقوله: « انتظر هداية الوحي إيّاه في أمره، وإنارة سبيله، فإذا الوحي يفتر، واذا جبرئيل لا ينزل عليه، إلى أن قال: وقد روي أنّ خديجة قالت له: ما أرىٰ ربّك إلّا قد قلاك، وتولّاه الخوف والوجل، فهما يبعثانه من جديد، يطوي الجبال وينقطع في حراء يرتفع بكل نفسه ابتغاء وجه ربّه، يسأله: لم قلاه بعد أن اصطفاه، ولم تكن خديجة بأقلّ منه إشفاقاً ووجلاً ويتمنّى الموت صادقاً لولا أنّه كان يشعر بما اُمر به، فيرجع إلى نفسه، ثمّ إلى ربّه، ولقد قيل: إنّه فكّر في أن يلقي بنفسه من أعلى حراء أو أبي قبيس وأيّ خير في الحياة، وهذا أكبر عمله فيها يدوي وينقضي، وأنّه لذلك تساور هذه المخاوف، إذ جاءه الوحي بعد طول فتوره إذ نزل عليه بقوله تعالى:( وَالضُّحَىٰ *وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ *مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ *وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأُولَىٰ *وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ *أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ *وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَىٰ *وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَىٰ *فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ *وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ *وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) ( سورة الضحى )(١) .

هذا ما يذكره رجل مثقّف في القرن العشرين في حقّ النبي الأكرم، فما ظنّك

__________________

(١) حياة محمد:صلى‌الله‌عليه‌وآله ص ١٣٨.

١١٦

بغيره ممّن سبقه من الذين يتعبّدون بالروايات ولا يحيدون عن شاذّها وسقيمها قيد أنملة وقدر شعرة، وأصل هذه الفرية يرجع إلى كتب السيرة والتفسير، وإليك ما يذكره واحد من اُولئك من أمثال الطبري حيث يصرّح في تفسيره بما نصّه:

١ ـ عن ابن زيد: إنّ هذه السورة نزلت على رسول الله تكذيباً من الله قريشاً في قيلهم لرسول الله لـمّا أبطأ عليه الوحي: « قد ودّع محمّداً ربّه وقلاه ».

٢ ـ عن ابن عبد الله: لـمّا أبطأ جبرئيل على رسول الله، فقالت امرأة من أهله أو من قومه: ودّع الشيطان محمّداً، فأنزل الله عليه:( وَالضُّحَىٰ ـ إلى قوله ـمَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ ) .

٣ ـ عن جندب البجلي: أبطأ جبرئيل على النبي حتّى قال المشركون ودّع محمّداً ربّه، فأنزل الله:( وَالضُّحَىٰ ) ، وعنه قالت امرأة لرسول الله: ما أرى صاحبك إلّا قد أبطأ عنك، فنزلت هذه الآية.

وفي رواية اُخرى عنه: ما أرى شيطانك إلّا قد تركك.

٤ ـ عن عبد الله بن شدّاد: إنّ خديجة قالت للنبي: ما أرىٰ ربّك إلّا قد قَلاك، فأنزل الله( وَالضُّحَىٰ ) .

٥ ـ وعن قتادة: إنّ جبرئيل أبطأ عليه بالوحي، فقال ناس من الناس: ما نرى صاحبك إلّا قد قلاك فودّعك، فأنزل الله:( مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ ) .

٦ ـ عن ضحّاك: مكث جبرئيل عن محمّد، فقال المشركون: قد ودّعه ربّه.

٧ ـ عن ابن عروة، عن أبيه قال: أبطأ جبرئيل على النبي، فجزع جزعاً شديداً، وقالت خديجة: أرىٰ ربّك قد قلاك، ممّا نرى من جزعك، قالت: فنزلت( وَالضُّحَىٰ ) (١) .

يلاحظ على هذه الروايات وعلى فرية فترة إنقطاع الوحي عدّة اُمور:

١ ـ إنّ هذه الروايات التي ملأت التفاسير وكتب السير، رويت عن اُناس

__________________

(١) تفسير الطبري: ج ٣٠ ص ١٤٨.

١١٧

لا يركن إليهم كقتادة والضحّاك فإنّهما كانا يأخذان تفسير القرآن عن أهل الكتاب(١) . وجلّها بل كلّها مرسلة غير مسندة إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢ ـ إنّها اختلفت في القائل الذي شَمِت برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله: « ودّعك ربّك » فربّما يسند إلى امرأة من أهله أو قومه وأخرى إلى المشركين، وثالثة إلى طائفة من الناس، ورابعة إلى زوجته خديجة.

إنّ نسبة هذا القول إلى زوجته الطاهرة التي آمنت به يوم بعثته، وقد عرفت فضائله وملكاته النفسيّة عن كثب، بعيداً جداً.

٣ ـ إنّها إختلفت في مدة الفترة. قال ابن جريج: احتبس عنه الوحي إثنى عشر يوماً، وقال ابن عباس: خمسة عشر يوماً، وقيل: خمسة وعشرين يوماً، وقال مقاتل: أربعين يوماً(٢) ، وفي فتح الباري: أنّه كان ثلاث سنين(٣) كما في السيرة الحلبية وفيها أيضاً: إنّها كانت سنتين ونصفاً، وعلى قول: سنتين، إلى غير ذلك من الأقوال المختلفة التي تحكي عن اضطراب في الرواية والنقل.

٤ ـ إختلفت الرواية في سبب الفترة وانقطاع الوحي.فتارة زعموا أنّ سببها هو أنّ اليهود سألوا رسول الله عن مسائل ثلاث: عن أصحاب الكهف وعن الروح وعن قصّة ذي القرنين، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : سأخبركم غداً ولم يستثنِ، فاحتبس عنه الوحي، فقال المشركون ما قالوا، فنزلت(٤) .

واُخرى قالوا: إنّ عثمان أهدى إليه عنقود عنب، وقيل: عذق تمر، فجاء سائل فأعطاه، ثمّ اشتراه عثمان بدرهم، فقدّمه إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) لاحظ آلاء الرحمن في تفسير القرآن: ج ١، ص ٤٦، يقول: إنّ الضحّاك بن مزاحم فقد ضعّفه يحيى بن سعيد، وكان يروي عن ابن عباس، وأنكر ملاقاته له حتى قيل: إنّه ما رآه قط، وأمّا قتادة فقد ذكروا: أنّه مدلّس.

(٢) تفسير القرطبي: ج ٢٠ ص ٩٢.

(٣) السيرة الحلبية: ج ١ ص ٢٦٢.

(٤) روح المعاني: ج ١٠ ص ١٥٧، نقله عن جمع من المفسّرين.

١١٨

ثانياً، ثمّ عاد السائل فأعطى وهكذا ثلاث مرّات، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله ملاطفاً لا غضبان: أسائل أنت يا فلان أم تاجر ؟ فتأخّر الوحي أيّاماً فاستوحش فنزلت.

وثالثة: رووا عن ابن أبي شيبة في مسنده والطبراني وابن مردويه من حديث خولة، وكانت تخدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ جرواً دخل تحت سرير رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فمات ولم تشعر به، فمكث رسول الله أربعة أيّام لا ينزل عليه الوحي، فقال: يا خولة ! ما حدث في بيت رسول الله ؟ جبرئيل لا يأتيني ! فقلت يا نبي الله ما أتى علينا يوم خير من هذا اليوم، فأخذ برده فلبسها وخرج، فقلت في نفسي لو هيّأت البيت وكنسته، فأهويت بالمكنسة تحت السرير فإذا بشيء ثقيل فلم أزل به حتى بدا لي الجرو ميّتاً، فأخذته بيدي فألقيته خلف الدار، فجاء النبي ترعد لحيته، وكان إذا نزل عليه الوحي أخذته الرعدة، فقال يا خولة دثّريني، فأنزل الله تعالى:( وَالضُّحَىٰ *وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ ) (١) .

ورابعة: انّ المسلمين قالوا: يا رسول الله مالك لا ينزل عليك الوحي ؟ فقال: وكيف ينزل عليّ وأنتم لا تنقّون رواجبكم، وفي رواية: براجمكم، ولا تقصّون أظفاركم، ولا تأخذون من شواربكم، فنزل جبرئيل بهذه السورة، فقال النبي: ما جئت حتى اشتقت إليك، فقال جبرئيل: وأنا كنت أشدّ إليك شوقاً، ولكنّي عبد مأمور، ثمّ أنزل عليه:( وَمَا نَتَنَزَّلُ إلّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ) ( مريم / ٦٤ )(٢) .

إنّ الإضطراب في أسباب فتور الوحي يعرب عن عدم صحّة الرواية.

أمّا الأوّل: فلو صحّ فيلزم كون زمان إنقطاع الوحي في العام السابع من البعثة لأنّ قريشاً أرسلت النضر بن الحارث وابن أبي معيط إلى أحبار اليهود يسألانهم عن النبي الأكرم، وقالا لهم: إنّكم أهل التوراة وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا، فقالت لهم أحبار اليهود: سلوهُ عن ثلاث نأمركم بهنّ، فجاؤوا إلى رسول الله، وقالوا: يا محمّد أخبرنا عن فتية ذهبوا في الدهر الأوّل، قد كانت لهم قصّة عجب ،

__________________

(١) روح المعاني: ج ١٠ ص ١٥٧.

(٢) تفسير القرطبي: ج ٢٠ ص ٩٣، ومجمع البيان: ج ١٠ ص ٥٥ ( طبع صيدا ).

١١٩

وعن رجل كان طوّافاً قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها، وأخبرنا عن الروح ما هي ؟ فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أخبركم بما سألتم عنه غداً ولم يستثن، فانصرفوا عنه(١) .

نحن ننزّه ساحة النبي الأكرم الذي نشأ نشأة الأنبياء في عالم مليء بالطهر والقداسة، أن يخبرهم على وجه قاطع بأنّه سيجيبهم غداً على أسئلتهم تلك فمن أين علم أنّه سبحانه ينزل الوحي عليه غداً ؟ أو أنّه سبحانه يجيب عن أسئلتهم عن طريق الوحي ؟

وأمّا الثاني: فهو أشبه بالقصص الموضوعة، فهل من المعتاد أن يباع عنقود عنب ثلاث مرّات في السوق، ومثله عذق تمر ؟ ولعلّ الجاعل كان يهدف إلى إختلاق الفضائل لعثمان فحسب أنّ هذا الموضع مناسب له.

وأمّا الثالث: فبعيد جدّاً، إذ كيف يمكن أن يموت الجرو تحت سرير النبي أو في زاوية من البيت ولا يلتفت إليه ؟ على أنّ ظاهر الرواية أنّ إنقطاع الوحي كان بعد تلقّي النبي لنزول الوحي مدّة مديدة حيث إنّ خولة قالت: « وكان إذا نزل عليه الوحي أخذته الرعدة » فإنّ ذلك يعرب عن أنّ الحادثة كانت في أزمنة متأخّرة من بدء البعثة، مع أنّ المشهور أنّها كانت في بدء البعثة ـ أي بعد نزول سورة العلق أو آيات منها ـ.

وأمّا الرابع: فهو أشبه بحمل النبي وزر الغير، فإنّ عدم قصّ المسلمين شواربهم، أو عدم تنظيف رواجبهم لا يكون سبباً لإنقطاع الوحي، قال سبحانه:( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ) ( الأنعام / ١٦٤ ).

هذه الوجوه كلّها تدفع بنا إلى القول: بأنّ مسألة انقطاع الوحي فرية تاريخيّة صنعتها يد الجعل والوضع لغاية أو غايات خاصّة، ولم يكن هناك أيّة فترة، وإنّما المسألة كانت بصورة اُخرى:

__________________

(١) السيرة النبويّة لإبن هشام: ج ١، ص ٣٠١.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

قال ابن حجر : وقد أخطأ من زعم أن له رؤية [أي للنبي] ، فإن أباه لا تصحّ له صحبة. بل يقال إن له رؤية وأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما مات كان له نحو ثمان سنين. وقال أبو حاتم : ليست له صحبة. ويقال : كان يلقّب لطيم الشيطان.

(تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني ، ج ٨ ص ٣٨)

مراسلة البصريين والكوفيين

٤٩٣ ـ اجتماع الشيعة في البصرة بدار مارية بنت سعدة :

(الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٤ ص ٢١)

لما بلغت أخبار الحركة الحسينية إلى البصرة ، اجتمع الشيعة في بيت إحدى النساء العاملات في حقل السياسة ، وكانت توالي أهل البيتعليهم‌السلام . وقرروا نصرة الحسينعليه‌السلام والبيعة له ومكاتبته بذلك.

وقد ذكر ابن الأثير هذا الاجتماع وسجّله في كتابه (الكامل) قال :

واجتمع ناس من الشيعة بالبصرة في منزل امرأة من عبد القيس ، يقال لها : مارية بنت سعدة ، وكانت تتشيّع ، وكان منزلها لهم مألفا يتحدثون فيه. فعزم يزيد بن بنيط على الخروج إلى الحسينعليه‌السلام وهو من عبد القيس ، وكان له بنون عشرة ، فقال لهم : أيّكم يخرج معي؟. فخرج معه ابنان له : عبد الله وعبيد الله ، فساروا فقدموا عليه بمكة. ثم ساروا معه فقتلوا معه.

تعليق :

سنرى في الفقرة التالية كيف أن الإمام الحسينعليه‌السلام بعث برسالة إلى أهل الأخماس في البصرة ، يطلب منهم فيها بيعته ونصرته ، وقد كان ذلك ابتداء منه دون أن يكاتبوه ، ولو أن أهل الكوفة لم يكاتبوه لابتدأهم أيضا بالدعوة.

وهذا يدل على أن الإمام الحسينعليه‌السلام كان هدفه في نهضته هو إقامة الدولة الإسلامية ، وليس الذهاب إلى كربلاء ليستشهد كما توهّم البعض. وأما علمه بمصيرة المحتوم ، فلا يثنيه عن تكليفه الشرعي.

٤٤١

٤٩٤ ـ كتاب الحسينعليه‌السلام إلى أهل البصرة يستحثهم على نصرته ، وخبر مقتل الرسول سليمان :

(مقتل الحسين للمقرم ، ص ١٥٩)

وفي مكة كتب الحسينعليه‌السلام نسخة واحدة إلى رؤساء الأخماس(١) بالبصرة ، وهم مالك بن مسمع البكري ، والأحنف بن قيس ، والمنذر بن الجارود ، ومسعود ابن عمرو ، وقيس بن الهيثم ، وعمرو بن عبيد بن معمّر. وأرسله مع مولى له يقال له سليمان(٢) ، وفيه : أما بعد فإن الله اصطفى محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خلقه وأكرمه بنبوته واختاره لرسالته ، ثم قبضه إليه وقد نصح لعباده وبلّغ ما أرسل بهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكنا أهله وأولياءه وورثته وأحق الناس بمقامه في الناس ، فاستأثر علينا قومنا بذلك ، فرضينا وكرهنا الفرقة وأحببنا العافية ، ونحن نعلم أنا أحق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه. وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب ، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه ، فإن السّنّة قد أميتت ، والبدعة قد أحييت. فإن تسمعوا قولي أهدكم إلى سبيل الرشاد.

فسلّم المنذر بن الجارود العبدي رسول الحسين إلى ابن زياد ، فصلبه عشية الليلة التي خرج في صبيحتها إلى الكوفة ليسبق الحسين إليها(٣) . وكانت ابنة المنذر (بحرية) زوجة ابن زياد ، فزعم أن يكون الرسول دسيسا من ابن زياد. (وفي رواية مقتل أبي مخنف ، ص ٢٣) قال : «ولم يبق أحد من الأشراف إلا قرأ الكتاب وكتمه ، ما خلا المنذر بن الجارود ، وكانت ابنته تحت ابن زياد ، فلما قرأ الكتاب قبض الرسول وأدخله على ابن زياد ، فضربت عنقه ، وكان أول رسول قتل في الإسلام»(٤) .

قال ابن كثير في (البداية والنهاية) ج ٦ ص ١٦٥ ، بعد إيراده هذا الكتاب :«وعندي في صحة هذا عن الحسينعليه‌السلام نظر ، والظاهر أنه مطرّز بكلام مزيد من

__________________

(١) إشارة إلى قبائل البصرة الخمس.

(٢) هذا في تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٠٠ ، وفي الله وف ، ص ٢١ : يكنى أبا رزين ، وفي مثير الأحزان لابن نما ، ص ١٢ : أرسله مع ذراع السدوسي.

(٣) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٠٠.

(٤) لعل المقصود به أنه أول رسول قتله من يدّعي الإسلام.

٤٤٢

بعض رواة الشيعة». يقصد بذلك قولهعليه‌السلام : وكنا أهله وأولياءه ، وورثته وأحق الناس بمقامه في الناس ، فاستأثر علينا قومنا بذلك

٤٩٥ ـ خطاب مسعود بن عمرو في قومه من بني حنظلة بعد وصول كتاب الحسينعليه‌السلام :(مقتل المقرّم ، ص ١٦٠)

وأما مسعود بن عمرو (هذا في تاريخ الطبري وابن الأثير ، وفي مثير الأحزان لابن نما: يزيد بن مسعود) فإنه جمع بني تميم وبني حنظلة وبني سعد ، وخطب فيهم قائلا : يا بني تميم ، إن معاوية مات فأهون به والله هالكا ومفقودا. ألا وإنه قد انكسر باب الجور والإثم ، وتضعضعت أركان الظلم. وكان قد أحدث بيعة عقد بها أمرا ، ظنّ أنه قد أحكمه ، وهيهات والذي أراد. اجتهد والله ففشل ، وشاور فخذل. وقد قام يزيد شارب الخمور ورأس الفجور يدّعي الخلافة على المسلمين ، ويتأمّر عليهم بغير رضى منهم ، مع قصر حلم وقلة علم ، لا يعرف من الحق موطئ قدميه. فأقسم بالله قسما مبرورا ، لجهاده على الدين أفضل من جهاد المشركين. وهذا الحسين بن علي أمير المؤمنين وابن رسول الله ، ذو الشرف الأصيل والرأي الأثيل ، له فضل لا يوصف وعلم لا ينزف ، وهو أولى بهذا الأمر لسابقته وسنّه وقدمه(١) وقرابته ، يعطف على الصغير ويحسن إلى الكبير. فأكرم به راعي رعية ، وإمام قوم وجبت لله به الحجة ، وبلغت به الموعظة. فلا تعشوا عن نور الحق ، ولا تسكّعوا(٢) في وهد الباطل. فقد كان صخر بن قيس(٣) انخذل بكم يوم الجمل ، فاغسلوها بخروجكم إلى ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونصرته. والله لا يقصر أحد عن نصرته إلا أورثه الله تعالى الذل في ولده والقلة في عشيرته ، وهأنذا قد لبست للحرب لامتها(٤) ، وادّرعت لها بدرعها ، من لم يقتل يمت ، ومن يهرب لم يفت. فأحسنوا رحمكم الله ردّ الجواب فتكلمت بنو حنظلة فقالوا : أبا خالد ، نحن نبل كنانتك وفرسان عشيرتك ، إن رميت بنا أصبت ، وإن غزوت بنا فتحت ، لا تخوض والله غمرة إلا خضناها ، ولا تلقى والله شدة إلا لقيناها ، ننصرك بأسيافنا ونقيك بأبداننا.

__________________

(١) القدم : التقدم والسابقة.

(٢) التسكّع : هو التمادي في الباطل.

(٣) يعني الأحنف بن قيس.

(٤) اللامة : الدرع.

٤٤٣

٤٩٦ ـ كتاب مسعود بن عمرو إلى الحسينعليه‌السلام :

(مقتل المقرم ص ١٦٢)

ثم كتب مسعود بن عمرو إلى الحسينعليه‌السلام :

أما بعد فقد وصل إليّ كتابك وفهمت ما ندبتني إليه ودعوتني له من الأخذ بحظي من طاعتك ، والفوز بنصيبي من نصرتك. وإن الله لم يخل الأرض قط من عامل عليها بخير ، ودليل على سبيل نجاة. وأنتم حجة الله على خلقه ، ووديعته في أرضه.تفرعتم من زيتونة أحمدية ، هو أصلها وأنتم فرعها. فاقدم سعدت بأسعد طائر ، فقد ذلّلت لك أعناق بني تميم ، وتركتهم أشدّ تتابعا في طاعتك من الإبل الظماء لورود الماء يوم خمسها ، وقد ذلّلت لك رقاب بني سعد ، وغسلت درن قلوبها بماء مزن حين استهلّ برقها فلمع.

فلما قرأ الحسينعليه‌السلام الكتاب قال : مالك آمنك الله من الخوف ، وأعزّك وأرواك يوم العطش الأكبر.

ولما تجهّز مسعود بن عمرو إلى المسير ، بلغه قتل الحسينعليه‌السلام ، فاشتدّ جزعه وكثر أسفه ، لفوات الأمنيّة من السعادة بالشهادة(١) .

(أقول) : ولعمري هكذا تكون النصرة ، وهكذا تكون الولاية.

٤٩٧ ـ الكوفة على فوهة بركان :

(مع الحسين في نهضته لأسد حيدر ، ص ٧٥)

كان الحسينعليه‌السلام أمر شيعته في الكوفة معقل أبيه ، بالتريّث وعدم التسرع ، مادام معاوية حيا ، وذلك رعاية للظروف وإحكاما لخطة الثورة. فلما مات معاوية ماجت الكوفة بأهلها ، وحدثت بها هزة سياسية. وبدأ أهل الكوفة بمراسلة الإمام الحسينعليه‌السلام يستقدمونه لإمرة المسلمين.

فعقدوا أول اجتماع لهم في دار سليمان بن صرد الخزاعي ، أحد زعماء الشيعة وشجعان العرب المشهورين.

وبعد وصول آلاف الكتب من العراق ، كان على الحسينعليه‌السلام واجب النهوض لإنقاذ المسلمين من براثن الظالمين ، فيحقّ الحقّ ويبطل الباطل. وكانت استجابته سريعة ، لأنه وجد أن المناخ ملائم.

__________________

(١) مثير الأحزان لابن نما ، ص ١٣ ؛ واللهوف على قتلى الطفوف ، ص ٢١.

٤٤٤

٤٩٨ ـ مراسلة الكوفيين للحسينعليه‌السلام يستعجلونه بالقدوم إليهم :

(تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٩٤ ط أولى مصر)

اجتمع سليمان بن صرد والمسيّب بن نجبة ورفاعة بن شدّاد وحبيب بن مظاهر من الكوفة ، وكتبوا كتابا للحسينعليه‌السلام . ثم سرّحوا بالكتاب مع عبد الله بن سبيع الهمداني وعبد الله بن وال. ثم سرّحوا إليه قيس بن مسهر الصيداوي وعبد الرحمن ابن عبد الله بن الكدن الأرحبي وعمارة بن عبيد السلولي. فأخذوا معهم نحوا من ٥٣ صحيفة من الرجل والاثنين والأربعة. ثم سرّحوا إليه شبث بن ربعي وحجّار بن أبجر ويزيد بن الحارث ويزيد بن رويم وعزرة بن قيس وعمرو بن الحجاج الزبيدي ومحمد بن عمير التميمي وتلاقت الرسل كلها عنده. وذكر المقرم في مقتله ، ص ١٦٣ «أن الكتب تكاثرت عليه حتّى ورد عليه في يوم واحد ستمائة كتاب ، واجتمع عنده من نوب متفرقة اثنا عشر ألف كتاب». فقرأ الكتب وسأل الرسل عن أمر الناس. ثم كتب جوابا وأرسله مع هانئ بن هانئ وسعيد بن عبد الله الحنفي.

٤٩٩ ـ خطاب سليمان بن صرد الخزاعي بالشيعة في منزله بالكوفة :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٣)

لما علمت الشيعة في الكوفة بنزول الحسينعليه‌السلام مكة ، اجتمعوا في منزل سليمان بن صرد الخزاعي. فلما تكاملوا في منزله قام فيهم خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر النبي فصلى عليه ، ثم ذكر أمير المؤمنين ومناقبه وترحم عليه. ثم قال :

يا معشر الشيعة ، إنكم علمتم أن معاوية قد هلك ، فصار إلى ربه ، وقدم على عمله ، وسيجزيه الله تعالى بما قدّم من خير وشر ، وقد قعد بموضعه ابنه يزيد. وهذا الحسين بن عليعليه‌السلام قد خالفه ، وصار إلى مكة هاربا من طواغيت آل أبي سفيان.وأنتم شيعته وشيعة أبيه من قبله ، وقد احتاج إلى نصرتكم اليوم ، فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدو عدوه فاكتبوا له ، وإن خفتم الوهن والفشل فلا تغرّوا الرجل من نفسه.

فقال القوم : بل نؤويه وننصره ونقاتل عدوه ونقتل أنفسنا دونه ، حتّى ينال حاجته.

ثم قال : فاكتبوا إليه الآن كتابا من جماعتكم أنكم له كما ذكرتم ، وسلوه القدوم

٤٤٥

عليكم. فقالوا : أفلا تكفينا أنت الكتاب؟. قال : بل نكتب إليه جماعتكم. فكتب القوم إلى الحسينعليه‌السلام :

١٠ شهر رمضان سنة ٦٠ ه

٥٠٠ ـ من كتاب كتبه أهل الكوفة للحسينعليه‌السلام بعد أن اجتمعوا في دار سليمان بن صرد :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٤)

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) . للحسين بن علي أمير المؤمنين ، من سليمان بن صرد والمسيّب بن نجبة وحبيب بن مظاهر ورفاعة بن شدّاد وعبد الله بن وال وجماعة من المؤمنين. سلام عليك ، أما بعد فالحمد لله الّذي قصم عدوّك وعدوّ أبيك من قبل ، الجبار العنيد ، الغشوم الظلوم ، الّذي ابتزّ هذه الأمة أمرها ، وغصبها فيأها ، وتأمّر عليها بغير رضى منها. ثم قتل خيارها ، واستبقى شرارها ، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وعتاتها ، فبعدا له كما بعدت ثمود. ثم إنه قد بلغنا أن ولده اللعين قد تأمّر على هذه الأمة بلا مشورة ولا إجماع ، ولا علم من الخيار. وبعد فإنا مقاتلون معك وباذلون أنفسنا من دونك ، فأقبل إلينا فرحا مسرورا ، مباركا منصورا ، سعيدا سديدا ، إماما مطاعا ، وخليفة مهديا ، فإنه ليس علينا إمام ولا أمير إلا النعمان بن بشير الأنصاري ، وهو في قصر الإمارة ، وحيد طريد ، لا نجتمع معه في جمعة ، ولا نخرج معه إلى عيد ، ولا نؤدي إليه الخراج. يدعو فلا يجاب ، ويأمر فلا يطاع. ولو بلغنا أنك قد أقبلت إلينا أخرجناه عنا حتّى يلحق بالشام(١) . فاقدم علينا فلعل الله تعالى أن يجمعنا بك على الحق. والسلام عليك يابن رسول الله وعلى أبيك وأخيك ورحمة الله وبركاته.

ثم طووا الكتاب وختموه ودفعوه إلى عبد الله بن سبيع الهمداني وعبد الله ابن مسمع البكري (وقيل : عبد الله بن وال) ، فخرجا مسرعين حتّى قدما على الحسينعليه‌السلام بمكة لعشر من شهر رمضان(٢) .

__________________

(١) مناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٤١ ط نجف.

(٢) اللهوف على قتلى الطفوف لابن طاووس ، ص ٣٦.

٤٤٦

فقرأ الحسينعليه‌السلام كتاب أهل الكوفة ، فسكت ولم يجبهم بشيء.

٥٠١ ـ كتب أهل الكوفة إلى الحسينعليه‌السلام :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٥)

ثم بعث أهل الكوفة بعدهما بيومين قيس بن مسهر الصيداوي وعبد الله ابن عبد الرحمن الأرحبي وعامر بن عبيد السلولي وعبد الله بن وال التميمي ، ومعهم نحو من خمسين ومائة كتاب ، الكتاب من الرجلين والثلاثة والأربعة ، يسألونه القدوم عليهم ، والحسينعليه‌السلام يتأنى في أمره ، ولا يجيبهم في شيء.

ترجمة سليمان بن صرد الخزاعي

(العيون العبرى للميانجي ، ص ٢٩)

كان سليمان بن صرد خيّرا فاضلا ، له دين وعبادة. سكن الكوفة أول ما نزلها المسلمون. وكان له قدر وشرف في قومه ، وشهد مع علي بن أبي طالبعليه‌السلام مشاهده كلها.

قال سبط ابن الجوزي في (تذكرة الخواص) : قال ابن سعد : سليمان بن صرد ، كنيته أبو المطرف ، صحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان اسمه (يسار) فسمّاه رسول الله (سليمان). وكان له سنّ عالية وشرف في قومه. فلما قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحوّل فنزل الكوفة ، وشهد مع عليعليه‌السلام الجمل وصفين.

وكان في الذين كتبوا إلى الحسينعليه‌السلام أن يقدم الكوفة ، غير أنه لم يقاتل معه خوفا من ابن زياد [أو أنه كان محبوسا عند ابن زياد حين حبس أربعة آلاف وخمسمائة لأنهم كاتبوا الحسينعليه‌السلام ]. ثم ندم سليمان بعد مقتل الحسينعليه‌السلام ألا يكون قد استشهد معه ، فخرج هو والمسيّب بن نجبة الفزاري وجميع من خذله ولم يقاتل معه ، في ثورة (التوّابين) ، وقالوا : ما لنا توبة إلا أن نطلب بدم الحسينعليه‌السلام . فخرجوا من الكوفة مستهل ربيع الآخر من سنة ٦٥ ه‍ ، وولوا أمرهم سليمان بن صرد وسمّوه أمير التوّابين. وساروا إلى عبيد الله بن زياد ، وكان قد سار من الشام في جيش كبير يريد العراق ، فالتقوا (بعين الوردة) من أرض الجزيرة في سورية ، وهي رأس العين من أعمال قرقيسيا.

٤٤٧

وكان على أهل الشام الحصين بن نمير ، فاقتتلوا ، فترجّل سليمان ، فرماه الحصين بسهم فقتله ، فوقع وقال : فزت وربّ الكعبة. وقتل معه المسيّب بن نجبة ، فقطع رأسيهما وبعث بهما إلى مروان بن الحكم في الشام. وكانت سنّ سليمان يوم قتل ثلاثا وتسعين (٩٣) سنة.

٥٠٢ ـ أحد كتب أهل الكوفة إلى الحسينعليه‌السلام :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٤٨ ط ٢ نجف)

ولما استقرّ الحسينعليه‌السلام بمكة وعلم به أهل الكوفة ، كتبوا إليه يقولون : إنا حبسنا أنفسنا عليك ، ولسنا نحضر الصلاة مع الولاة ، فاقدم علينا فنحن في مائة ألف. فقد فشا فينا الجور ، وعمل فينا بغير كتاب الله وسنة نبيّه. ونرجو أن يجمعنا الله بك على الحق ، وينفي عنا بك الظلم ، فأنت أحقّ بهذا الأمر من يزيد وأبيه ، الّذي غصب الأمة فيئها ، وشرب الخمور ولعب بالقرود والطنابير ، وتلاعب بالدين.

٥٠٣ ـ من كتاب كتبه شيعة الكوفة للحسينعليه‌السلام بواسطة هانئ بن هانئ السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٥)

ثم قدم عليه بعد (يومين) هانئ بن هانئ السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي بكتاب ، وهو آخر ما ورد إليه من أهل الكوفة ، وفيه :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. للحسين بن علي أمير المؤمنين من شيعته(١) وشيعة

__________________

(١) وردت كلمة (شيعة) بشكل مضاف وبشكل مفرد في عهد الحسينعليه‌السلام . وقد ذكرت نبيلة عبد المنعم داود في رسالتها (نشأة الشيعة الإمامية) لنيل درجة الماجستير في التاريخ الإسلامي من جامعة بغداد ، طبع بغداد ١٩٦٨ ص ٧٤ و ٧٦ : أن ظهور (الشيعة) كان على عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد أطلقت هذه الكلمة على شيعة عليعليه‌السلام وأنصاره. وأول الشيعة من الصحابة : سلمان الفارسي وأبوذر الغفاري والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر. وظلت هذه الكلمة لا تستعمل بمفردها بل بشكل مضاف (شيعة علي) إلى أيام الحسينعليه‌السلام حيث بدأت تستعمل مفردة معرّفة بأل التعريف (الشيعة) يقصد بها أتباع أمير المؤمنين علي وأبنائه المعصومينعليه‌السلام ، القائلون بإمامتهم ولزوم اتباعهم.

٤٤٨

أبيه. أما بعد فحيّهلا(١) فإن الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك ، فالعجل العجل يابن رسول الله. فقد اخضرّ الجناب(٢) ، وأينعت الثمار ، وأعشبت الأرض ، وأورقت الأشجار. فاقدم إذا شئت ، فإنما تقدم إلى جند لك مجنّدة(٣) والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وعلى أبيك من قبل.

فقال الحسينعليه‌السلام لهانئ وسعيد : خبّراني من اجتمع على هذا الكتاب الّذي كتب معكما؟. فقالا له : يابن رسول الله اجتمع عليه شبث بن ربعي ، وحجّار بن أبجر ، ويزيد بن الحرث ، ويزيد بن رويم ، وعزرة بن قيس ، وعمرو ابن الحجاج ، ومحمد بن عمير بن عطارد.

٥٠٤ ـ ما قاله الحسينعليه‌السلام وقد استخار الله في أمر السفر إلى العراق ، بعد توارد الكتب عليه :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٥)

فعندها قام الحسينعليه‌السلام وتوضأ وصلّى ركعتين بين الركن والمقام(٤) ولما انفتل من صلاته سأل ربه الخير فيما كتب إليه أهل الكوفة ، ثم رجع إلى الرسل فقال لهم : إني رأيت جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منامي ، وقد أمرني بأمر وأنا ماض لأمره. فعزم الله لي بالخير ، فإنه ولي ذلك والقادر عليه.

ترجمة شبث بن ربعي

قال السيد إبراهيم الموسوي في (وسيلة الدارين) ص ٨٧ ، على ما رواه ابن الأثير في (أسد الغابة) وابن عبد البر في

(الاستيعاب) وابن حجر العسقلاني في (الإصابة) : شبث بفتح أوله والموحدة ثم مثلثة ، ابن ربعي التميمي اليربوعي ، أبو عبد القدوس ، له إدراك مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

__________________

(١) حيّهلا : اسم فعل بمعنى أقبل وأسرع ، وأصلها حيّ هلا.

(٢) الجناب : الناحية وما قرب من محلة القوم. والكلام كناية عن استتباب الأمر.

(٣) مثير الأحزان لابن نما ، ص ١١.

(٤) اللهوف على قتلى الطفوف لابن طاووس ، ص ٢٠.

٤٤٩

وقال الدار قطني : يقال إنه كان مؤذّن (سجاح) التي ادّعت النبوة ، ثم راجع الإسلام.

وقال هشام الكلبي : كان من أصحاب عليعليه‌السلام في صفين ، ثم صار مع الخوارج ، ثم تاب ، ثم كان فيمن قاتل الحسينعليه‌السلام .

وقال السماوي في (إبصار العين) : وولده عبد القدوس المعروف بأبي الهندي الشاعر الزنديق السكّير. وسبطه صالح بن عبد القدوس الزنديق الّذي قتله المهدي على الزندقة وصلبه على جسر بغداد.

(أقول) : يظهر من سيرة (شبث بن ربعي) طبع المنافقين في التقلب والتغير. فلا غرابة إذا كان شبث أول من كتب إلى الحسينعليه‌السلام يدعوه إلى العراق ، ثم كان أول خارج عليه ، لا بل كان أحد أصحاب رايات ابن زياد وقائد فرقة تعدادها أربعة آلاف فارس ، خرجت لقتال الحسينعليه‌السلام في صعيد كربلاء. الله م إنا نعوذ بك من فساد السريرة وسوء العاقبة!.

ترجمة حجّار بن أبجر

(إبصار العين للسماوي)

هو حجّار بن أبجر بن جابر العجلي. أبوه (أبجر) نصراني مات على النصرانية بالكوفة ، فشيّعه بالكوفة : النصارى لأجله ، والمسلمون لأجل ولده ، إلى الجبانة. وكان حجّار عازما على قتل أمير المؤمنينعليه‌السلام مشتملا على السيف الّذي ضربه به.

٥٠٥ ـ كتاب الحسينعليه‌السلام إلى أهل الكوفة ردا على كتبهم ، وفيه يخبرهم بإرسال مسلم بن عقيل :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٥)

ولما اجتمع عند الحسينعليه‌السلام ما ملأ خرجين ، كتب إليهم كتابا واحدا دفعه إلى

٤٥٠

هانئ بن هانئ السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي ، وكانا آخر الرسل ، على هذا النحو : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين ، سلام عليكم. أما بعد ، فإن هانئ بن هانئ وسعيد بن عبد الله قدما عليّ من رسلكم ، وقد فهمت الّذي اقتصصتم وذكرتم ، ولست أقصر عما أحببتم.

(وفي رواية)(١) : «ومقالة جلّكم ، أنه ليس لنا إمام ، فأقبل لعل الله يجمعنا بك على الهدى». وقد بعثت إليكم أخي وابن عمي ، (وفي رواية)(٢) :

«وثقتي من أهل بيتي» ، مسلم بن عقيل بن أبي طالب ، وأمرته أن يكتب إليّ بحالكم وخبركم ورأيكم ورأي ذوي الحجى والفضل منكم ، وهو متوجه إليكم إنشاء الله ولا قوة إلا بالله. فإن كنتم على ما قدمت به رسلكم ، وقرأت في كتبكم(٣) فقوموا مع ابن عمي وبايعوه ولا تخذلوه ، فلعمري ما الإمام العامل بالكتاب القائم بالقسط ، كالذي يحكم بغير الحق ، ولا يهتدي سبيلا. جمعنا الله وإياكم على الهدى ، وألزمنا كلمة التقوى ، إنه لطيف لما يشاء. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

٥٠٦ ـ ما قاله الحسينعليه‌السلام لمسلم بن عقيل حين قرر إنفاذه إلى الكوفة :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٦)

ثم طوى الكتاب وختمه ودعا بمسلم بن عقيل فدفع إليه الكتاب ، وقال : إني موجّهك إلى أهل الكوفة ، وسيقضي الله من أمرك ما يحبّ ويرضى ، وأنا أرجو أن أكون أنا وأنت في درجة الشهداء ، فامض ببركة الله وعونه ، حتّى تدخل الكوفة ، فإذا دخلتها فانزل عند أوثق أهلها ، وادع الناس إلى طاعتي ، فإن رأيتهم مجتمعين على بيعتي فعجّل عليّ بالخبر حتّى أعمل على حسب ذلك إنشاء الله تعالى. ثم عانقهعليه‌السلام وودعه وبكيا جميعا.

__________________

(١) مناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٤٢ ؛ ومقتل أبي مخنف ، ص ١٩.

(٢) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي.

(٣) وفي مقتل المقرم ، ص ١٦٥ نقلا عن الطبري ، ج ٦ ص ١٩٨ ؛ والأخبار الطوال ، ص ٢٣٨ تتمة الكلام : أقدم عليكم وشيكا إنشاء الله ، فلعمري ما الإمام إلا العامل بالكتاب والآخذ بالقسط والدائن بالحق والحابس نفسه على ذات الله والسلام.

٤٥١

الفصل الرابع عشر

مسير مسلم بن عقيل

خرج من مكة في منتصف شهر رمضان ووصل إلى الكوفة في ٥ شوال سنة ٦٠ ه‍ واستشهد فيها يوم التروية ٨ ذي الحجة.

قال البلاذري في (أنساب الأشراف) ج ٢ ص ٧٧ :

وكان مسلم بن عقيل أرجل ولد عقيل وأكملهم ، ولذلك انتخبه الحسينعليه‌السلام سفيرا له إلى العراق.

٥٠٧ ـ مسير مسلم بن عقيل إلى المدينة :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٦)

قال أخطب خوارزم : خرج مسلم من مكة نحو المدينة مستخفيا ليلا ، لئلا يعلم أحد من بني أمية. فلما دخل المدينة بدأ بمسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصلى ركعتين.

٥٠٨ ـ ما حصل لمسلم بن عقيل في طريقه إلى الكوفة :

(المصدر السابق)

ثم خرج مسلم في جوف الليل وودّع أهل بيته ، واستأجر دليلين من قيس عيلان يدلّانه على الطريق ، ويمضيان به إلى الكوفة على غير الجادة.

فخرج به الدليلان من المدينة ليلا ، فسارا فأضلّا الطريق ، وجارا عن القصد.واشتدّ بهما العطش ، فماتا جميعا عطشا. وصار مسلم بن عقيل ومن معه إلى الماء ، وقد كادوا أن يهلكوا عطشا.

فكتب مسلم بن عقيل إلى الحسينعليه‌السلام :

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) . للحسين بن عليعليه‌السلام من مسلم بن عقيل :

٤٥٢

أما بعد فإني خرجت من المدينة مع دليلين استأجرتهما ، فضلّا عن الطريق ، واشتدّ بهما العطش فماتا. ثم إنا صرنا إلى الماء بعد ذلك ، وقد كدنا أن نهلك ، فنجونا بحشاشة أنفسنا ، وقد أصبنا الماء بموضع يقال له المضيق (وفي رواية :المضيق من بطن الخبت ، وهو ماء لبني كلب). وقد تطيّرت من وجهي الّذي وجّهتني فيه ، فرأيك في إعفائي عنه ، والسلام.

٥٠٩ ـ جواب الحسينعليه‌السلام لمسلم :(المصدر السابق)

فلما ورد كتابه على الحسينعليه‌السلام علم أنه قد تشاءم وتطيّر من موت الدليلين ، وأنه جزع. فكتب إليه :

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) . من الحسين بن عليعليهما‌السلام إلى مسلم بن عقيل : أما بعد ، فقد خشيت أن لا يكون حملك على الكتاب إليّ ، في الاستعفاء من وجهك الّذي أنت فيه ، إلا الجبن والفشل ، فامض لما أمرت به ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

فلما ورد كتاب الحسينعليه‌السلام على مسلم ، كأنه وجد [أي حزن] من ذلك في نفسه. فقال : لقد نسبني أبو عبد الله إلى الجبن والفشل ، وهذا شيء لم أعرفه من نفسي ساعة قط.

وأقبل حتّى دخل الكوفة.

٥١٠ ـ دخول مسلم بن عقيل الكوفة ونزوله بدار المختار :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٧)

وكان مسلم قد خرج من مكة للنصف من شهر رمضان ، ووصل الكوفة لخمس خلون من شوال. فنزل في دار مسلم بن المسيب ، وهي دار المختار بن أبي عبيد الثقفي. (وفي البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ١٦٥) : وقيل نزل في دار مسلم ابن عوسجة الأسدي.

البيعة

فجعلت الشيعة تختلف إليه ، وهو يقرأ عليهم كتاب الحسينعليه‌السلام ، والقوم يبكون شوقا إلى مقدم الحسينعليه‌السلام .

(وفي تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٥ ط ٢ نجف) : ثم قالوا : والله لنضربنّ بين يديه بسيوفنا حتّى نموت جميعا.

٤٥٣

٥١١ ـ جرأة عابس بن شبيب الشاكري وثباته :(المصدر السابق)

ثم تقدم إلى مسلم رجل من همدان يقال له عابس الشاكري ، فقال : أما بعد ، فإني لا أخبرك عن الناس بشيء ، فإني لا أعلم ما في أنفسهم ، ولكن أخبرك عما أنا موطّن عليه نفسي. إني والله لأجيبنكم إذا دعوتم ، ولأقاتلن معكم عدوكم ، ولأضربنّ بسيفي دونكم أبدا حتّى ألقى الله ، وأنا لا أريد بذلك إلا ما عنده.

ثم قام حبيب بن مظاهر الأسدي (فقال : رحمك الله قد قضيت ما في نفسك بواجز من قولك) ثم قال : وأنا والله الّذي لا إله إلا هو ، لعلى مثل ما أنت عليه.وتتابعت الشيعة على مثل كلام هذين الرجلين. ثم بذلوا الأموال فلم يقبل مسلم منهم شيئا.

٥١٢ ـ كتاب مسلم بن عقيل للحسينعليه‌السلام بتوطّد الأمر :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٣٥ ط نجف)

وتسابق الناس على بيعة مسلم بن عقيل ، حتّى بايعه منهم ثمانية عشر ألفا ، (وفي رواية) اثنا عشر ألفا. فكتب مسلم إلى الحسينعليه‌السلام كتابا يقول فيه :

أما بعد ، فإن الرائد(١) لا يكذب أهله ، وإن جميع أهل الكوفة معك ، وقد بايعني منهم ثمانية عشر ألفا ، فعجّل الإقبال حين تقرأ كتابي هذا ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

وأرسل الكتاب مع عابس بن شبيب الشاكري وقيس بن مسهر الصيداوي(٢) .

يزيد وعماله في العراق

٥١٣ ـ خطبة النعمان بن بشير في أهل الكوفة ، وموقفه المسالم من مسلم :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٧ ط نجف)

وبلغ النعمان بن بشير قدوم مسلم بن عقيل الكوفة ، واجتماع الشيعة إليه ، والنعمان يومئذ أمير الكوفة (وكان واليا على الكوفة من قبل معاوية فأقرّه يزيد عليها.

__________________

(١) الرائد : هو الّذي يرسله أرباب الماشية ليكتشف لهم خصوبة الأرض ومجامع الماء ، فإنه لا يكذبهم ، لأن الأمر الّذي يخبر عنه يهمه كما يهمّهم.

(٢) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢١٠.

٤٥٤

وكان من الصحابة وابن رئيس الأنصار ، وحضر مع معاوية حرب صفين ، وكان من أتباعه).

فخرج من قصر الإمارة مغضبا حتّى دخل المسجد الأعظم ، ونادى بالناس فاجتمعوا إليه. فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :

أما بعد يا أهل الكوفة ، فاتقوا الله ربكم ولا تسارعوا إلى الفتنة والفرقة ، فإن فيها سفك الدماء وقتل الرجال وذهاب الأموال. واعلموا أني لست أقاتل إلا من قاتلني ، ولا أثب بالقرف والظنّة والتهمة ، غير أنكم أبديتم صفحتكم ، ونقضتم بيعتكم ، وخالفتم إمامكم. فإن أنتم انتهيتم عن ذلك ورجعتم ، وإلا فوالذي لا إله إلا هو ، لأضربنكم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ، ولو لم يكن منكم لي ناصر ؛ مع أني أرجو أن يكون من يعرف الحق منكم أكثر ممن يريد الباطل.

فقام إليه (عبد الله بن) مسلم بن سعيد الحضرمي (حليف بني أمية) فقال : أيها الأمير أصلحك الله (إنه لا يصلح ما ترى إلا الغشم) ، إن هذا الّذي أنت عليه من رأيك ، إنما هو رأي المستضعفين.

فقال له النعمان : يا هذا لأن أكونن من المستضعفين في طاعة الله تعالى أحب إليّ من (أن) أكون من الغاوين في معصية الله.

ثم نزل عن المنبر ودخل قصر الإمارة.

٥١٤ ـ عيون يزيد يخبرونه بالأمر :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٨)

فكتب عبد الله بن مسلم إلى يزيد بن معاوية :

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) . لعبد الله يزيد أمير المؤمنين من شيعته من أهل الكوفة:أما بعد ، فإن مسلم بن عقيل قدم الكوفة ، وبايعه الشيعة للحسين بن علي ، وهم خلق كثير. فإن كان لك حاجة بالكوفة فابعث إليها رجلا قويا ينفذ فيها أمرك ، ويعمل فيها كعملك في عدوك ، فإن النعمان بن بشير ضعيف أو هو يتضعّف ، والسلام.

وكتب إليه أيضا عمارة بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، وعمر بن سعد ابن أبي وقاص بمثل ذلك.

٤٥٥

٥١٥ ـ استشارة يزيد كاتبه سرجون الرومي فيمن يولي على الكوفة :

(المصدر السابق)

فلما اجتمعت الكتب عند يزيد ، دعا بغلام كان كاتبا عند أبيه ، يقال له (سرجون) فأعلمه بما ورد عليه (وفي رواية ابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٥٩ : سرجون مولى معاوية ، فأقرأه الكتب ، واستشاره فيمن يوليه الكوفة. وكان يزيد عاتبا على عبيد الله بن زياد). فقال له سرجون : أشير عليك بما تكره. قال : وإن كرهت. قال : استعمل عبيد الله بن زياد على الكوفة. قال : إنه لا خير فيه ـ وكان يبغضه ـ فأشر بغيره.

قال : لو كان معاوية حاضرا أكنت تقبل قوله وتعمل (برأيه)؟. قال : نعم. قال : فهذا عهد عبيد الله على الكوفة ، أمرني معاوية أن أكتبه ، فكتبته وخاتمه عليه ، فمات وبقي العهد عندي. قال : ويحك فامضه.

٥١٦ ـ كتاب يزيد إلى عبيد الله بن زياد بتعيينه على الكوفة :

(المصدر السابق)

وكتب : من عبد الله يزيد أمير المؤمنين إلى عبيد الله بن زياد ، سلام عليك. أما بعد ، فإن الممدوح مسبوب يوما ، وإن المسبوب ممدوح يوما ، ولك مالك ، وعليك ما عليك ، وقد انتميت ونميت إلى كل منصب ، كما قال الأول :

رفعت فما نلت السحاب تفوقه

فما لك إلا مقعد الشمس مقعد

وقد ابتلي بالحسين زمانك من بين الأزمان ، وابتلي به بلدك من بين البلدان ، وابتليت به (أنت من) بين العمال ، وفي هذه تعتق أو تكون (وفي رواية : تعود) عبدا تعبد كما تعبد العبيد.

(وفي تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ٢٤٢) : «فإن قتلته ، وإلا رجعت إلى نسبك وإلى أبيك عبيد ، فاحذر أن يفوتك».

وقد أخبرني شيعتي من أهل الكوفة أن مسلم بن عقيل بالكوفة ، يجمع الجموع ويشقّ عصا المسلمين ، وقد اجتمع إليه خلق كثير من شيعة أبي تراب.

فإذا أتاك كتابي هذا ، فسر حين تقرؤه حتّى تقدم الكوفة فتكفيني أمرها ، فقد ضممتها إليك وجعلتها زيادة في عملك.

وكان عبيد الله أمير البصرة.

٤٥٦

(وفي لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٢٦ ط نجف) : كتب يزيد لابن زياد :أما بعد ، فإنه كتب إليّ شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني أن ابن عقيل فيها ، يجمع الجموع ليشقّ عصا المسلمين ، فسر حين تقرأ كتابي هذا حتّى تأتي الكوفة ، فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة ، حتّى تثقبه ، فتوثقه أو تقتله أو تنفيه ، والسلام.

ثم دفع يزيد كتابه إلى مسلم بن عمرو الباهلي ، وأمره أن يسرع السير إلى ابن زياد بالبصرة. فلما ورد الكتاب إلى عبيد الله وقرأه ، أمر بالجهاز وتهيأ للمسير إلى الكوفة.

تعليق السيد مرتضى العسكري على هذا الكتاب :

لعل يزيد يشير في كتابه هذا إلى أن زيادا والد عبيد الله ، ولد من أبوين عبدين ، وهما : عبيد وسميّة ، وبعد أن ألحقه معاوية بأبيه أبي سفيان ، أصبح أمويا ومن الأحرار في حساب العرف القبلي الجاهلي. وإن يزيد يهدد (عبيد الله) أنه إن لم يقم بواجبه في القضاء على الحسينعليه‌السلام فإنه سينفيه من نسب آل أبي سفيان ، فيعود عبدا.

(أقول) : كأن الأنساب ملعبة بيد الحكام ، يديرونها كيفما شاؤوا وفق مصالحهم وأهوائهم.

٥١٧ ـ قتل أبي رزين رسول الحسينعليه‌السلام إلى أشراف البصرة :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٩)

وقد كان الحسينعليه‌السلام كتب إلى رؤساء أهل البصرة وهم : الأحنف بن قيس ، ومالك بن مسمع [البكري] ، والمنذر بن الجارود ، وقيس بن الهيثم ، ومسعود بن عمرو ، وعمرو بن عبيد الله بن معمر ، يدعوهم لنصرته والقيام معه في حقه ، لكل واحد كتابا. فكل من قرأ كتاب الحسينعليه‌السلام كتمه ، إلا المنذر بن الجارود خشي أن يكون هذا الكتاب دسيسا من ابن زياد ، وكانت بحرية بنت المنذر تحت عبيد الله بن زياد. فأتى ابن زياد وأخبره ، فغضب وقال : من رسول الحسين إلى أهل البصرة؟فقال المنذر : رسوله إليهم مولى يقال له سليمان (أبو رزين). قال : فعليّ به ، فأتي به وكان مختفيا عند بعض الشيعة بالبصرة. فلما رآه ابن زياد لم يكلمه بشيء ، دون أن قدّمه فضرب عنقه صبرا ، ثم أمر بصلبه.

٤٥٧

٥١٨ ـ خطبة ابن زياد في أهل البصرة :

(الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٥٩)

ثم صعد ابن زياد المنبر فخطب في أهل البصرة ، فقال :

أما بعد ، فوالله ما بي تقرن الصّعبة ، وما يقعقع لي بالشنّان ، وإني لنكل لمن عاداني ، وسهم لمن حاربني ، وقد أنصف القارة من راماها.

يا أهل البصرة ، إن أمير المؤمنين (يزيد) قد ولاني الكوفة ، وأنا غاد إليها بالغداة ، وقد استخلفت عليكم أخي عثمان بن زياد ، فإياكم الخلاف والإرجاف.فوالله لئن بلغني عن رجل منكم خلاف لأقتلنّه وعريفه ووليه ، ولآخذنّ الأدنى بالأقصى حتّى تستقيموا ، ولا يكون فيكم مخالف ولا مشاقّ. وإني أنا ابن زياد ، أشبهته من بين من وطئ الحصى ، فلم ينتزعني شبه خال ولا عمّ.

إسراع ابن زياد إلى الكوفة

٥١٩ ـ ضمّ الكوفة إلى البصرة :

(سير أعلام النبلاء للذهبي ، ج ٣ ص ٢٩٩)

وكان على الكوفة النعمان بن بشير ، فخاف يزيد أن لا يقدم النعمان على الحسينعليه‌السلام ، فكتب إلى عبيد الله بن زياد وهو على البصرة ، فضمّ إليه الكوفة ، وقال له : إن كان لك جناحان فطر إلى الكوفة!. فبادر متعمما متنكّرا. ومرّ في السوق ، فلما رآه السّفلة اشتدوا بين يديه ، يظنونه الحسينعليه‌السلام وصاحوا : يابن رسول الله ، الحمد لله الّذي أراناك. وقبّلوا يده ورجله. فقال : ما أشدّ ما فسد هؤلاء!.

ثم دخل المسجد ، فصلى ركعتين ، وصعد المنبر وكشف لثامه.

٥٢٠ ـ مقدم عبيد الله بن زياد إلى الكوفة ، والناس يظنونه الحسينعليه‌السلام :

(مثير الأحزان للجواهري ، ص ١٦)

لما وصل إلى عبيد الله في البصرة عهد يزيد على الكوفة ، تجهّز ابن زياد وتهيّأ من وقته للمسير إلى الكوفة. وخرج في غد ، واستخلف أخاه عثمان بن زياد. وأقبل ابن زياد إلى الكوفة ومعه مسلم بن عمرو الباهلي وشريك بن الأعور الحارثي وحشمه وأهل بيته. حتّى دخل الكوفة مما يلي النجف ، وعليه عمامة سوداء ، وهو متلثّم.

٤٥٨

فقالت امرأة : الله أكبر ، ابن رسول الله وربّ الكعبة. فتصايح الناس وقالوا : إنا معك أكثر من أربعين ألفا. وازدحموا حتّى أخذوا بذنب دابته.

وكان الناس قد بلغهم إقبال الحسينعليه‌السلام إليهم وهم ينتظرونه ، فظنوا أنه الحسينعليه‌السلام . فأخذ لا يمرّ على جماعة من الناس إلا سلّموا عليه ، وقالوا :مرحبا بك يابن رسول الله ، قدمت خير مقدم. فرأى من تباشرهم بالحسينعليه‌السلام ما ساءه.

فقال مسلم الباهلي لما أكثروا : تأخروا ، هذا الأمير عبيد الله بن زياد.

وسار حتّى وافى القصر ليلا ومعه جماعة قد التفّوا به ، لا يشكّون أنه الحسينعليه‌السلام . فأغلق النعمان بن بشير القصر عليه

٥٢١ ـ ابن زياد يتزيّى بزيّ الحسينعليه‌السلام ليخدع الناس :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٩)

فلما كان من الغد نادى في الناس ، وخرج من البصرة يريد الكوفة ، ومعه أبو قتيبة مسلم بن عمرو الباهلي ، والمنذر بن الجارود العبدي ، وشريك بن عبد الله الهمداني. فلم يزل يسير حتّى بلغ قريبا من الكوفة ، ثم نزل.

ولما أمسى وجاء الليل ، دعا بعمامة سوداء فاعتجر بها متلثما ، ثم تقلد سيفه وتوشح قوسه وتنكّب كنانته ، وأخذ في يده قضيبا ، واستوى على بغلة له شهباء.وركب أصحابه ، وسار حتّى دخل الكوفة عن طريق البادية ، وذلك في ليلة مقمرة ، والناس يتوقعون قدوم الحسينعليه‌السلام . فجعلوا ينظرون إليه وإلى أصحابه ، وهو في ذلك يسلّم عليهم ، وهم لا يشكوّن في أنه الحسين بن عليعليهما‌السلام ، فهم يمشون بين يديه ويقولون : مرحبا بك يابن رسول الله ، قدمت خير مقدم. فرأى عبيد الله من تباشير الناس ما ساءه ، فسكت ولم يكلمهم ولا ردّ عليهم شيئا. فتكلم مسلم بن عمرو الباهلي ، فقال : إليكم عن الأمير يا ترابيّة ، فليس هذا من تظنون ، هذا الأمير عبيد الله بن زياد ، فتفرق الناس عنه.

(وفي مروج الذهب للمسعودي ، ج ٣ ص ٦٧) :

حتّى انتهى إلى القصر وفيه النعمان بن بشير ، فتحصّن (النعمان) فيه ثم أشرف عليه ، فقال : يابن رسول الله مالي ولك![يظن القادم هو الحسين] ، وما حملك على قصد بلدي من بين البلدان؟. فقال ابن زياد : لقد طال نومك يا نعيم ، وحسر اللثام

٤٥٩

عن فيه فعرفه ، ففتح له. وتنادى الناس : ابن مرجانة ، وحصبوه بالحصباء ، ففاتهم ودخل القصر.

(وفي لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٤٨ ط نجف) :

ودخل عبيد الله بن زياد الكوفة ليلا مسرعا ، وقد لبس ثيابا يمانية وعمامة سوداء ، وهو متلثّم ليوهم الناس أنه الحسينعليه‌السلام ، فلما رآه الناس ظنوه الحسينعليه‌السلام فتصايحوا وقالوا : إنا معك أكثر من أربعين ألفا. وأخذ لا يمرّ على جماعة من الناس إلا سلّموا عليه وقالوا : مرحبا بك يابن رسول الله ، قدمت خير مقدم.وازدحموا عليه ، حتّى أتى قصر الإمارة.

وفي الصباح نادى ابن زياد في الناس : الصلاة جامعة ، فخطب فيهم وهددهم وتوعّد منهم كل من يساعد مسلم بن عقيل.

٥٢٢ ـ أول خطاب لابن زياد في أهل الكوفة :

(أيام العرب في الإسلام لمحمد أبي الفضل إبراهيم ، ص ٤٠٤ ط ٤)

وأصبح ابن زياد فجلس على المنبر ، وقال :

أما بعد ، فإن أمير المؤمنين ولّاني مصركم وثغركم وفيئكم ، وأمرني بإنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم ، وبالإحسان إلى سامعكم ومطيعكم ، وبالشدة على مريبكم وعاصيكم ، وأنا متّبع فيكم أمره ، ومنفّذ عهده ؛ فأنا لمحسنكم كالوالد البرّ ، ولمطيعكم كالأخ الشقيق ، وسيفي وسوطي على من ترك أمري وخالف عهدي ، فليبق امرؤ على نفسه.

٥٢٣ ـ ابن زياد يعامل الناس معاملة شديدة :

(المصدر السابق)

ثم نزل ، وأخذ العرفاء والناس أخذا شديدا ، وقال : اكتبوا إلى الغرباء ومن فيكم من طلبة أمير المؤمنين ، ومن فيكم من الحرورية [فريق من الخوارج] وأهل الريب الذين رأيهم الخلاف والشقاق ، فمن كتبهم لنا برئ ، ومن لم يكتب لنا أحدا فليضمن لنا من في عرافته ؛ ألّا يخالفنا فيهم مخالف ، ولا يبغي علينا منهم باغ ؛ فمن لم يفعل برئت منه الذمة ، وحلال لنا دمه وماله. وأيما عريف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد لم يرفعه إلينا ، صلب على باب داره ، وألغيت تلك العرافة من العطاء.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735