موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 10%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 452069 / تحميل: 5261
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

قال الطبري في تاريخه : زعموا أن الحسن البصري لما بلغه قتل حجر وأصحابه ، قال: صلّوا عليهم وكفنّوهم واستقبلوا بهم القبلة؟. قالوا : نعم. قال : حجّوهم وربّ الكعبة.

وذكر كثير من أهل الأخبار أن معاوية لما حضرته الوفاة ، جعل يغرغر بالموت ، ويقول : إن يومي منك يا حجر بن عدي لطويل.

(أقول) : ولكن هيهات ينفع الندم.

ترجمة حجر بن عدي

(الدرجات الرفيعة للسيد علي خان ، ص ٤٢٣)

هو حجر بن عديّ بن معاوية بن جبلة بن الأدبر الكندي. يكنى أبا عبد الرحمن ، ويسمى حجر الخير.

قال ابن عبد البرّ في (الإستيعاب) : كان حجر من فضلاء الصحابة ، شجاعا من المقدمين.

وقال غيره : كان من الأبدال ، وكان صاحب راية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وهو بعد من الرؤساء والزهاد. وشهد القادسية ، وهو الّذي فتح مرج عذراء. ومحبته وإخلاصه لأمير المؤمنينعليه‌السلام أشهر من أن تذكر. وكان على كندة يوم صفين ، وعلى الميسرة يوم النهروان.

وفي (أعلام الزركلي) : وسكن الكوفة إلى أن قدم زياد ابن أبيه واليا عليها ، فدعا به زياد فجاءه ، فحذّره من الخروج على بني أمية. فما لبث أن عرفت عنه الدعوة إلى مناوأتهم والاشتغال في السرّ بالقيام عليهم. فجيء به إلى دمشق ، فأمر معاوية بقتله بعد أن أعطاه الأمان ، فقتل في مرج عذراء (من قرى دمشق) مع أصحاب له.

٣٩٣ ـ إثارة مروان بن الحكم الفتنة بين معاوية والحسينعليه‌السلام :

(مناقب ابن شهراشوب ، ج ٤ ص ٥١ ط إيران)

روى الكلبي أن مروان بن الحكم قال يوما للحسينعليه‌السلام : لو لا فخركم بفاطمة

٣٦١

بم كنتم تفخرون علينا؟. فوثب الحسين (وكان شديد القبضة) فقبض على حلقه فعصره ، ولوى عمامته على عنقه حتّى غشي عليه ، ثم تركه.

وأقبل الحسينعليه‌السلام على جماعة من قريش ، فقال : أنشدتكم الله إلا صدّقتموني إن صدقت. أتعلمون أن في الأرض حبيبين كانا أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مني ومن أخي؟. أو على ظهر الأرض ابن بنت نبي غيري وغير أخي؟. قالوا : الله م لا.قال : وإني لا أعلم أن في الأرض ملعون ابن ملعون غير هذا وأبيه ، طريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . والله ما بين جابرسا وجابلقا [مدينتان إحداهما بباب المشرق والأخرى بباب المغرب] رجلان ممن ينتحل الإسلام أعدى لله ولرسوله ولأهل بيته منك ومن أبيك إذ كان ، وعلامة قولي فيك أنك إذا غضبت سقط رداؤك عن منكبك!.

قال : فو الله ما قام مروان من مجلسه حتّى غضب ، فانتفض وسقط رداؤه عن عاتقه.

٣٩٤ ـ دعايات مفتعلة :

شعر معاوية أن الأمة بكافة فصائلها تقدّم الإمام الحسينعليه‌السلام ، باعتباره الحاكم الّذي يلي الخلافة بعد هلاك معاوية وبدون منافس. وذلك لشياع ذكره في الأمصار وعلى كل لسان. فهم كانوا لا يشكّون بأن الخلافة سوف تؤول إليه بعد هلاك معاوية. لذلك بدأ معاوية يختلق القصص المنقولة عن بعض الوشّائين والنمّامين ، بأن الحسينعليه‌السلام يفكر في الخروج عليه. لذلك كتب معاوية للحسينعليه‌السلام كتابا يذكّره فيه بعهده وصلحه.

٣٩٥ ـ كتاب معاوية للحسينعليه‌السلام يتهمه فيه بالفتنة وشقّ عصا الطاعة ، ويتوعده بالبطش به :

(ذكرى الحسين للشيخ حبيب آل إبراهيم ، ج ٨ ص ١٣١)

قال السيد علي جلال الحسيني في كتابه (الحسين) ج ١ ص ١٦٤ :

روى ابن قتيبة في (الإمامة والسياسة) ج ١ ص ٢٨٤ وما بعدها ، وأبو عمرو محمّد بن عمر الكشي في (معرفة أخبار الرجال) ، وأبو جعفر الطوسي في (اختيار الرجال) طبع بومبي ص ٣٢ وما بعدها ؛ أن معاوية كتب إلى الحسينعليه‌السلام :

أما بعد ، فقد انتهت إليّ أمور عنك ، إن كانت حقا فقد أظنك تركتها رغبة فدعها ، ولعمر الله إنّ من أعطى الله عهده وميثاقه لجدير بالوفاء ، وإن أحقّ الناس بالوفاء لمن

٣٦٢

أعطى بيعته ، من كان مثلك في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك الله بها. وإن كان الّذي بلغني باطلا ، فإنك أنت أعدل الناس لذلك ، وحظّ نفسك فاذكر ، وبعهد الله أوف!. فإنك متى تنكرني أنكرك ، ومتى تكدني أكدك. فاتّق شقّ عصا هذه الأمة ، وأن يردّهم الله على يديك في فتنة ، فقد عرفت الناس وبلوتهم ، فانظر لنفسك ولدينك ولأمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يستخفّنك السفهاء والذين لا يعلمون.

٣٩٦ ـ ردّ الحسينعليه‌السلام على كتاب معاوية ، وبيان بعض أعماله ونقضه للعهد:

(المصدر السابق ، ص ١٣٢)

فلما وصل الكتاب إلى الحسين رضي الله عنه ، كتب إليه :

أما بعد ، فقد بلغني كتابك تذكر فيه أنه انتهت إليك عني أمور أنت لي عنها راغب ، وأنا بغيرها عندك جدير ، وإن الحسنات لا يهدي لها ولا يسدد إليها إلا الله تعالى. وأما ما ذكرت أنه رقى إليك عني ، فإنه إنما رقاه إليك الملّاقون المشّاؤون بالنميمة ، المفرّقون بين الجمع ، وكذب الغاوون. واعلم بأني ما أردت لك حربا ولا عليك خلافا ، وإني لأخشى الله في ترك ذلك منك ، ومن الإعذار فيه إليك ، وإلى أوليائك القاسطين (الجائرين) الملحدين ، حزب الظلمة وأولياء الشيطان.

ألست القاتل حجر بن عدي أخا كندة ، وأصحابه المصلّين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون البدع ، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ولا يخافون في الله لومة لائم؟ ثم قتلتهم ظلما وعدوانا ، من بعد ما أعطيتهم الأيمان المغلظّة والمواثيق المؤكدة ، جرأة على الله واستخفافا بعهده.

أولست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، العبد الصالح الّذي أبلته العبادة ، فنحل جسمه واصفر لونه؟. فقتلته بعد ما أمنّته وأعطيته من العهود ما لو فهمته (الوعول) لنزلت من رؤوس الجبال.

أولست بمدّع (زياد بن سمية) المولود على فراش (عبيد) عبد ثقيف؟. فزعمت أنه ابن أبيك ، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «الولد للفراش وللعاهر الحجر». فتركت سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعمدا ، واتبعت هواك بغير هدى من الله. ثم سلطّته على أهل الإسلام يقتلهم ويقطع أيديهم وأرجلهم ويسمل عيونهم ويصلبهم على جذوع النخل ، كأنك لست من هذه الأمة وليسوا منك.

٣٦٣

أولست قاتل الحضرمي الّذي كتب إليك فيه زياد بن سمية أنه على دين علي كرم الله وجهه ، فكتبت إليه أن اقتل كلّ من كان على دين عليعليه‌السلام ، فقتلهم ومثّل بهم بأمرك؟!.

وقلت فيما قلت : انظر لنفسك ولدينك ولأمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واتق شقّ عصا هذه الأمة ، وأن تردّهم إلى فتنة. وإني لا أعلم فتنة أعظم على هذه الأمة من ولايتك عليها ، ولا أعظم نظرا لنفسي ولديني ولأمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل من أن أجاهدك ، فإن فعلت فإنه قربة إلى الله ، وإن تركته فإني أستغفر الله لديني ، وأسأله توفيقه لإرشاد أمري.

وقلت فيما قلت : إني إن أنكرك تنكرني ، وإن أكدك تكدني ، فكدني ما بدا لك ، فإني أرجو أن لا يضرني كيدك ، وأن لا يكون على أحد أضرّ منه على نفسك ، لأنك قد ركبت جهلك ، وتحرّصت على نقض عهدك ، ولعمري ما وفيت بشرط. ولقد نقضت عهدك بقتل هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والأيمان والعهود والمواثيق ، فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوا وقتلوا ، ولم تفعل ذلك بهم إلا لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقنا ، فقتلتهم مخافة أمر ، لعلك لولم تقتلهم متّ قبل أن يفعلوا ، أو ماتوا قبل أن يدركوا. فأبشر يا معاوية بالقصاص واستيقن بالحساب. واعلم أن لله تعالى كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، وليس الله بناس لأخذك بالظنّة وقتلك أولياءه على التّهمة ، ونفيك لهم أولياءه من دورهم إلى دار الغربة ، وأخذك للناس ببيعة ابنك غلام حدث ، يشرب الشراب ويلعب بالكلاب. وما أراك إلا قد خسرت نفسك ، وتبّرت دينك ، وغششت رعيتك ، وأخربت أمانتك ، وسمعت مقالة السفيه الجاهل ، وأخفت الورع التقي ، والسلام.

فقال معاوية : إن أثرنا بأبي عبد الله إلا أسدا.

استخلاف معاوية ليزيد

٣٩٧ ـ عزم معاوية على البيعة ليزيد بعد وفاة الحسنعليه‌السلام :

(الاستيعاب لابن عبد البر ، ج ١ ص ٣٧٦)

وكان معاوية قد أشار بالبيعة ليزيد في حياة الحسنعليه‌السلام وعرّض بها ، بعد أن

٣٦٤

نكث بشروط صلحه مع الحسنعليه‌السلام ، ولكنه لم يكشفها ولا عزم عليها إلا بعد وفاة الحسنعليه‌السلام .

٣٩٨ ـ اعتماد معاوية على داهيتين :

(خطط الشام لمحمد كرد علي ، ج ١ ص ١٣٦)

ولما مات الحسنعليه‌السلام بعد أربعة أشهر من استيلائه على العراق ، صفا الجو لمعاوية وبايع له الناس. فملك العراق والحجاز ومصر ، وأجمعت القلوب على مبايعته طوعا أو كرها. وكان ممن مالأ معاوية على تحقيق رغائبه عمرو بن العاص ، قريبه وعامله على مصر ، والمغيرة بن شعبة عامله على الكوفة. وهما الداهيتان اللتان يقول فيهما الحسن البصري : إنهما أفسدا هذه الأمة ، لاحتيال الأول برفع المصاحف يوم صفين وتقرير التحكيم ، ولأن الثاني كان من الداعين لأخذ البيعة ليزيد.

٣٩٩ ـ المغيرة بن شعبة يشير على معاوية باستخلاف يزيد :

(تاريخ الخلفاء للسيوطي ، ص ٢٠٥)

قال الحسن البصري : أفسد أمر الناس اثنان : عمرو بن العاص ، يوم أشار على معاوية برفع المصاحف فحملت ، ونال من القراء ، فحكمّ الخوارج ، فلا يزال هذا التحكيم إلى يوم القيامة.

والمغيرة بن شعبة ، فإنه كان عامل معاوية على الكوفة ، فكتب إليه معاوية : إذا قرأت كتابي فأقبل معزولا ، فأبطأ عنه. فلما ورد عليه قال : ما أبطأ بك؟. قال :أمر كنت أوطّئه وأهيّئه!. قال : وما هو؟. قال : البيعة ليزيد من بعدك. قال : أوقد فعلت؟. قال : نعم. قال : ارجع إلى عملك!.

فلما خرج قال له أصحابه : ما وراءك؟. قال : وضعت رجل معاوية في غرز غيّ ، لا يزال فيه إلى يوم القيامة.

قال الحسن البصري : فمن أجل ذلك بايع هؤلاء لأبنائهم ، ولو لا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيامة.

٤٠٠ ـ البيعة ليزيد :(العقد الفريد لابن عبد ربه ، ج ٤ ص ٣٠٢)

روى أبو الحسن المدائني قال : لما مات زياد بن أبيه سنة ٥٣ ه‍ ، أظهر معاوية عهدا مفتعلا ، فقرأه على الناس ، فيه عقد الولاية ليزيد بعده فلم يزل يروّض الناس لبيعته سبع سنين

٣٦٥

فلما كانت سنة خمس وخمسين كتب معاوية إلى سائر الأمصار أن يفدوا عليه.فوفد عليه من كل مصر قوم. وكان فيمن وفد عليه من البصرة الأحنف بن قيس. ثم جلس معاوية في أصحابه ، وأذن للوفود فدخلوا عليه. وقد تقدّم إلى أصحابه أن يقولوا في يزيد. فأول من تكلم الضحاك بن قيس الخ.

٤٠١ ـ كلام الأحنف بن قيس في يزيد وبيعته :

(المصدر السابق)

ثم تكلم الأحنف بن قيس ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أنت أعلم بيزيد ، في ليله ونهاره ، وسرّه وعلانيته ، ومدخله ومخرجه. فإن كنت تعلمه لله رضا ولهذه الأمة فلا تشاور الناس فيه ، وإن كنت تعلم منه غير ذلك فلا تزوّده الدنيا وأنت تذهب إلى الآخرة.

٤٠٢ ـ خطبة مروان في مسجد المدينة يدعو إلى يزيد :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٧١)

أخبرنا سيد الحفّاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه الديلمي حدثنا من أدرك مروان بن الحكم ، أنه خطب الناس على المنبر ليدعو إلى يزيد بن معاوية [وكان والي معاوية على المدينة]. فقام عبد الرحمن بن أبي بكر الصدّيق ، فجلس على قوائم المنبر ، فقال : لا ، ولا نعمة عين لك ، أدين الهرقليّة [نسبة إلى هرقل ملك الروم] ، كلما ذهب واحد جاء آخر؟. هلك أبو بكر فترك ولدا هم أطيب وأكثر من ولد معاوية ، ثم نحّاها عنهم وجعلها في رجل من بني عديّ بن كعب. ثم هلك عمر ابن الخطاب فترك ولدا هم أطيب وأكثر من ولد معاوية ، فنحّاها عنهم وجعلها شورى بين الناس.

(قال) : وقالت عائشة : يا مروان ، أما والله إنكم للشجرة الملعونة التي ذكر الله في القرآن.

رواية أخرى للخطبة : (الفتوح لابن أعثم ، ج ٥ ص ١٧١)

وذكر هذه القصة أحمد بن أعثم الكوفي في تاريخه أطول من هذه.

قال : كتب معاوية إلى مروان بن الحكم يأمره أن يدعو الناس إلى بيعة يزيد ، ويخبره في كتابه أن أهل مصر والشام والعراق قد بايعوا.

٣٦٦

فأرسل مروان إلى وجوه أهل المدينة ، فجمعهم في المسجد الأعظم. ثم صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر الطاعة وحضّ عليها ، وذكر الفتنة وحذّر منها.

ثم قال في بعض كلامه : أيها الناس إن أمير المؤمنين قد كبر سنّه ، ودقّ عظمه ، ورقّ جلده ، وخشي الفتنة من بعده. وقد أراه الله رأيا حسنا ، وقد أراد أن يختار لكم وليّ عهد ، يكون لكم من بعده مفزعا ، يجمع الله به الألفة ويحقن به الدماء ، وأراد أن يكون ذلك عن مشورة منكم وتراض ، فماذا تقولون؟.

(قال) فقال الناس من كل جانب : إنا مانكره ذلك إذا كان رضا. فقال مروان :فإنه قد اختار لكم الرضا الّذي يسير بسيرة الخلفاء الراشدين المهديين ، وهو ابنه (يزيد). قال : فسكت الناس.

وتكلم عبد الرحمن بن أبي بكر ، فقال : كذبت والله ، وكذب من أمّرك بهذا.والله ما (يزيد) بمختار ولا رضا ، ولكنكم تريدون أن تجعلوها هرقلية في يزيد الخمور ، يزيد القرود ، يزيد الفهود.

فقال مروان : إن هذا المتكلم هو الّذي أنزل الله فيه :( وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما ) [الأحقاف : ١٧].

(قال) فغضب عبد الرحمن ، وقال : يابن الزرقاء! أفينا تتأوّل القرآن ، وأنت الطريد ابن الطريد!. ثم بادر إليه فأخذ برجليه ، وقال : انزل يا عدوّ الله عن منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فليس مثلك من يتكلم [بهذا] على أعواده.

قال : فضجّت بنو أمية في المسجد. وبلغ ذلك عائشة فخرجت من منزلها متلفّعة بملاءة لها ، ومعها نسوة من قريش ، حتّى دخلت المسجد. فلما نظر إليها مروان كأنه فزع من ذلك ، فقال : سألتك بالله يا أم المؤمنين إن قلت إلا حقا. فقالت عائشة : لا أقول إلا حقا. أشهد لقد لعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أباك ولعنك ، فأنت فضض من لعنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنت الطريد ابن الطريد. أتكلّم أخي عبد الرحمن بما تكلمه!.فسكت مروان ولم يردّ عليها شيئا ، [ورجعت عائشة إلى منزلها] وتفرّق الناس.

٤٠٣ ـ عزل مروان بن الحكم عن المدينة :

ذكر الدينوري في (الإمامة والسياسة) ص ١٧٥ : أن معاوية بعد وفاة الإمام الحسنعليه‌السلام وتولية يزيد ، بعث إلى مروان وكان عامله على المدينة ، يطلب منه أخذ البيعة ليزيد من أهل المدينة ، فحاول مروان ذلك فلم يستطع. فبعث إلى معاوية

٣٦٧

بعدم تجاوب أهل المدينة معه. فعزله ، وعيّن مكانه سعيد بن العاص ، وهو جلف قاس ، فأظهر الغلظة ، وأخذهم بالعزم والشدة. ثم قدم معاوية بنفسه إلى المدينة.

ترجمة مروان بن الحكم

[وأبيه الحكم بن أبي العاص]

هو أبو الحكم ، مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية.

قال الذهبي في (العبر في خبر من غبر) ج ١ ص ٧١ :

وكان مروان كاتب السرّ لابن عمه عثمان ، وبسببه جرى على عثمان ما جرى. وكان قصيرا ، كبير الرأس واللحية ، دقيق الرقبة ، أوقص ، أحمر الوجه. يلقّب : خيط باطل ، لدقّة عنقه. عاش ثلاثا وستين سنة.

وقال البلاذري في (أنساب الأشراف) ج ٥ ص ١٢٥ طبعة أنيقة : وكان والده الحكم مغموصا عليه في إسلامه ، وكان إظهاره الإسلام في يوم فتح مكة ، فكان يمرّ خلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيخلج بأنفه ويغمز بعينيه ، فبقي على ذلك التخليج وأصابته خبلة.

وكان الحكم يفشي أحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلعنه وسيّره إلى الطائف مع بنيه ، وقال : لا يساكنّي. فلم يزالوا طرداء حتّى ردّهم عثمان ، فكان ذلك مما نقم فيه عليه.

عن أبي هريرة (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رأيت في النوم بني الحكم بن أبي العاص ينزون على منبري كما تنزو القردة «فأصبح كالمتغيّظ. فما رؤي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستجمعا ضاحكا بعد ذلك حتّى مات (راجع مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٧٣).

وقال البلاذري في (أنساب الأشراف) : حدثنا روح بن عبد المؤمن المقري عن عمرو بن مرة الجهني ، قال : استأذن الحكم بن أبي العاص على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «ائذنوا له لعنة الله عليه ، وعلى من يخرج من صلبه ، إلا المؤمنين وقليل ما هم ، يشرفون في الدنيا ، ويتّضعون في الآخرة».

٣٦٨

وكانت أم مروان صفية ، ويقال الصعبة بنت أبي طلحة ، وأمها مارية بنت موهب كندية ، وهي الزرقاء التي يعيّرون بها ، فيقال : بنو الزرقاء. وكان موهب قينا (أي عبدا).

وفي (أخبار الدول) للقرماني ، ص ١٣٢ :

روى الحاكم في كتاب (الفتن والملاحم) من المستدرك عن عبد الرحمن بن عوف ، أنه قال : كان لا يولد لأحد ولد إلا أتي به إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيدعو له. فأدخل عليه مروان بن الحكم ، فقال : «هذا الوزغ ابن الوزغ ، الملعون ابن الملعون».

ثم روى الحاكم عن عمرو بن مرة الجهني ، قال : إن الحكم بن أبي العاص استأذن على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعرف صوته ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«ائذنوا له لعنة الله عليه ذو مكر وخديعة. يعطون في الدنيا ، وما لهم في الآخرة من خلاق».

٤٠٤ ـ جملة من أعمال مروان المشينة :

(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي ، ص ٦٩)

ذكر الذهبي وابن عبد البر وغيرهما شيئا من مخازي مروان ، منها : أنه أول من شقّ عصا المسلمين بلا شبهة. وقتل النعمان بن بشير ، أول مولود من الأنصار في الإسلام. وخرج على ابن الزبير بعد أن بايعه على الطاعة. وقتل طلحة بن عبيد الله يوم الجمل (غيلة من خلفه).

٤٠٥ ـ الغدر صفة متأصلة في مروان :

(نهج البلاغة ، خطبة رقم ٧١)

ومما يثبت أن صفة الغدر متأصلة في مروان ، أنه لما أخذ أسيرا يوم الجمل ، استشفع الحسن والحسينعليهما‌السلام إلى الإمامعليه‌السلام في أن يطلق سراحه ، فخلّى سبيله. فقالا لأبيهما : أتحبّ أن يبايعك يا أمير المؤمنين؟. فقالعليه‌السلام : أولم يبايعني بعد قتل عثمان؟ لا حاجة لي في بيعته ، إنها كفّ يهودية ، لو بايعني بكفّه

٣٦٩

لغدر بسبته (أي إسته). أما إنّ له إمرة كلعقة الكلب أنفه. وهو أبو الأكبش الأربعة ، وستلقى الأمة منه ومن ولده يوما أحمر [يقصد بالأكبش الأربعة أولاد عبد الملك بن مروان وهم : الوليد وسليمان ويزيد وهشام].

٤٠٦ ـ هلاك مروان بن الحكم :

روى الواقدي كما في (تاريخ الطبري) ج ٢ ص ٥٧٦ قال :

تزوج مروان أرملة يزيد وهي (فاختة). وكان زواجه منها أشبه بأخذ الميراث ، منه بأن يكون زواجا ومصاهرة. وقد آلم ذلك نفس خالد بن يزيد ، الّذي أصبح في حجره. وكان مروان لا يألو جهدا في إسقاط خالد من أعين الناس ، وأخيرا حرمه مما كان قد وعده به في (الجابية) من أن تكون له الخلافة بعده.

فما كان من فاختة إلا أن انتقمت لابنها خالد من غدر مروان ، فغطّته بالوسادة وهو في سريره ، حتّى قتلته.

وقال الذهبي في (دول الإسلام) :

فلم يلبث أن وثبت عليه زوجته لكونه شتمها ، فوضعت على وجهه مخدّة كبيرة وهو نائم ، وقعدت هي وجواريها فوقها ، حتّى مات.

وقال البلاذري في (أنساب الأشراف) ص ١٥٩ طبع ليدن :

غدر مروان بخالد بن يزيد بن معاوية فيما وعده من ولاية العهد ، وأمه فاختة.ودخل عليه خالد على مرحلة من دمشق ، فقال له مروان : ما أدخلك عليّ في هذا الوقت يابن الرطبة؟!. فقال خالد : أمين مختبر ، أبعدها الله وأسحقها. وأتى أمه فأخبرها بما قال مروان. فقالت له : لن تسمع منه مثلها أبدا. ودخل مروان على أم خالد فتركته حتّى نام ، ثم عمدت إلى مرفقة محشوة ريشا فجعلتها على وجهه ، وجلست وجواريها عليها حتّى مات غمّا. ثم صرخت وجواريها وولولن وقلن :مات أمير المؤمنين بالفجأة.

وقال المسعودي في (مروج الذهب) ج ٣ ص ٩٨ :

فمنهم من رأى أنها وضعت على نفسه وسادة وقعدت فوقها مع جواريها حتّى مات. ومنهم من رأى أنها أعدت له لبنا مسموما ، فلما دخل عليها ناولته إياه فشرب. فلما استقر في جوفه وقع يجود بنفسه وأمسك لسانه. فحضره عبد الملك وغيره من ولده ، فجعل مروان يشير إلى أم خالد ، يخبرهم أنها قتلته ، وأم خالد

٣٧٠

تقول : بأبي وأمي أنت ، حتّى عند النزع لم تشتغل عني ؛ إنه يوصيكم بي حتّى هلك.

٤٠٧ ـ معاوية ينقض عهوده ويحاول تولية يزيد :

(مختصر تاريخ العرب لسيد أمير علي ، ص ٧٢)

ولكي يضمن معاوية الخلافة لابنه يزيد ، لم يتردد قط في نكث العهود مع الحسين ابن عليعليهما‌السلام .

وقد كان الصلح المعقود بين الحسنعليه‌السلام ومعاوية ينص على الاعتراف بحق الحسينعليه‌السلام في الخلافة ، ولكن معاوية نقض العهد ، وأخذ لابنه البيعة. فحنق الحسينعليه‌السلام ، وزاد في حنقه فساد يزيد ، فلم يعترف قط بطاغية الشام.

وفي (عمدة الطالب في أنساب أبي طالب) ص ١٨٠ ط نجف :

وكان معاوية قد نقض شرط الحسن بن عليعليه‌السلام بعد موته ، وبايع لابنه يزيد.وامتنع الحسينعليه‌السلام من بيعته. وأعمل معاوية الحيلة حتّى أوهم الناس أنه بايعه ، وبقي على ذلك حتّى مات معاوية.

٤٠٨ ـ قدوم معاوية إلى المدينة لأخذ البيعة ليزيد :

(ذكرى الحسين للشيخ حبيب آل إبراهيم ، ج ٨ ص ١٢٧)

روى ابن قتيبة في كتاب (الإمامة والسياسة) في قدوم معاوية إلى المدينة لأخذ البيعة لابنه يزيد ، أنه لما نزل المدينة دعا الحسينعليه‌السلام وعبد الله بن عباس رضي الله عنه إلى مجلس يضم خاصته. فلما استقرّ بهم المجلس ابتدأ معاوية فقال :

أما بعد ، فالحمد لله وليّ النعم ومنزل النقم ، وأشهد ألا إله إلا الله ، المتعالي عما يقول الملحدون علوا كبيرا ، وأن محمدا عبده المختص المبعوث إلى الجن والإنس كافة ، لينذرهم بقرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد. فأدّى عن الله وصدع بأمره ، وصبر على الأذى في جنبه ، حتّى وضح دين الله ، وأعزّ أولياءه ، وقمع المشركين ، وظهر أمر الله وهم كارهون. فمضى صلوات الله عليه ، وقد ترك من الدنيا ما بذل له ، واختار منها الترك لما سخّر له ، زهادة واختيارا لله ، وأنفة واقتدارا على الصبر ، بغيا لما يدوم ويبقى. فهذه صفة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم خلفه رجلان محفوظان وثالث مشكوك ، وبين ذلك خوض طالما عالجناه ، مشاهدة ومكافحة ، ومعاينة وسماعا ، وما أعلم

٣٧١

منه فوق ما تعلمان. وقد كان أمر (يزيد) ما سبقتم إليه وإلى تجويزه ، وقد علم الله ما أحاول به من أمر الرعية ، من سدّ الخلل ولمّ الصدع بولاية يزيد ، بما أيقظ العين وأحمد الفعل. هذا معناي في (يزيد) ، وفيكما فضل القرابة ، وحظوة العلم ، وكمال المروءة ، وقد أصبت من ذلك عند يزيد على المناظرة والمقابلة ، ما أعياني مثله عندكما وعند غيركما ، ومع علمه بالسنة وقراءة القرآن ، والحلم الّذي يرجح بالصم الصلاب. وقد علمتما أن الرسول المحفوظ بعصمة الرسالة ، قدّم على الصدّيق والفاروق ومن دونهما من أكابر الصحابة وأوائل المهاجرين يوم غزوة السلاسل من لم يقارب القوم [يريد بذلك عمرو بن العاص] ، وفي رسول الله أسوة حسنة. فمهلا بني عبد المطلب ، فأنا وأنتم شعبا نفع وجد ، وما زلت أرجو الإنصاف في اجتماعكما ، فما يقول القائل إلا بفضل قولكما ، فردّا على ذي رحم مستعتب ، ما يحمد به البصيرة في عتابكما. وأستغفر الله لي ولكما.

٤٠٩ ـ ردّ الإمام الحسينعليه‌السلام على كلام معاوية :

(المصدر السابق ، ص ١٢٨)

قال : فتيسّر ابن عباس للكلام ونصب يده للمخاطبة ، فأشار إليه الحسينعليه‌السلام وقال : على رسلك ، فأنا المراد ، ونصيبي في التهمة أوفر. فأمسك ابن عباس.

فقام الحسينعليه‌السلام فحمد الله وصلّى على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم قال :

أما بعد يا معاوية ، فلن يؤدّي القائل وإن أطنب في صفة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جميع جزءا ، وقد فهمت ما لبّست به الخلف بعد رسول الله من إيجاز الصفة ، والنكب عن استبلاغ البيعة. وهيهات هيهات يا معاوية ، فضح الصبح فحمة الدجى ، وبهرت الشمس أنوار السّرج ، ولقد فضّلت حتّى أفرطت ، واستأثرت حتّى أجحفت ، ومنعت حتّى بخلت ، وجرت حتّى جاوزت ، ما بذلت لذي حق من اسم حقه من نصيب ، حتّى أخذ الشيطان حظه الأوفر ونصيبه الأكمل. وفهمت ما ذكرته عن (يزيد) من اكتماله وسياسته لأمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . تريد أن توهم الناس في يزيد ، كأنك تصف محجوبا ، أو تنعت غائبا ، أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص ، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه ، فخذ ليزيد فيما أخذ به ، من استفزازه الكلاب المهارشة عند التحارش ، والحمام السّبّق لأترابهن ، والقينات ذوات المعازف وضروب الملاهي ، تجده ناصرا. ودع عنك ما تحاول ، فما أغناك أن تلقى الله بوزر

٣٧٢

هذا الخلق بأكثر مما أنت لاقيه ، فوالله ما برحت تقدح باطلا في جور ، وحتفا في ظلم ، حتّى ملأت الأسقية. وما بينك وبين الموت إلا غمضة ، فتقدم على عمل محفوظ ، في يوم مشهود ، ولات حين مناص.

ورأيتك عرّضت بنا بعد هذا الأمر ، ومنعتنا عن آبائنا تراثنا ، ولقد لعمر الله أورثنا الرسولعليه‌السلام ولادة ، وجئت لنا بما حججتم به القائم عند موت الرسول ، فأذعن للحجة بذلك ، وردّه الإيمان إلى النّصف ، فركبتم الأعاليل وفعلتم الأفاعيل ، وقلتم كان ويكون ، حتّى أتاك الأمر يا معاوية ، من طريق كان قصدها لغيرك ، فهناك فاعتبروا يا أولي الأبصار.

وذكرت قيادة الرجل القوم بعهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتأميره له وقد كان ذلك ، ولعمرو بن العاص فضيلة بصحبة الرسول وببيعته له ، وما صار لعمرو يومئذ حتّى أنف القوم إمرته ، وكرهوا تقديمه ، وعدوا عليه فعاله ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«لا جرم معشر المهاجرين لا يعمل عليكم بعد اليوم». فكيف تحتجّ بالمنسوخ من فعل الرسول في أوكد الأحوال وأولاها ، بالمجتمع عليه من الصواب؟. أم كيف ضاهيت بصاحب تابعا ، وحولك من يؤمن في صحبته ويعتمد في دينه وقرابته ، وتتخطاهم إلى مسرف مفتون؟. تريد أن تلبس الناس شبهة ، يسعد بها الباقي في دنياه ، وتشقى بها في آخرتك؟.( أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ ) وأستغفر الله لي ولكم.

٤١٠ ـ جرأة أبي قتادة الأنصاري على معاوية :

(أخبار الدول وآثار الأول للقرماني ، ص ١٢٩)

قال ابن أبي الدنيا : حجّ معاوية سنة إحدى وخمسين ، فلما قدم المدينة لقيه أبو قتادة الأنصاري. فقال له معاوية : تلقّاني الناس كلهم غيركم يا معشر الأنصار!.قال : لم يكن لنا دواب. قال : فأين النواضح؟. قال : عقرناها في طلبك وطلب أبيك يوم بدر. فسكت.

يقول القرماني : ولم نذكر في هذا الكتاب ما شجر بين معاوية وبين عليعليه‌السلام لما يتطرق للنفوس الضعيفة وأهل الأهواء من البغض لمعاوية رضي الله عنه.ونسكت عن حرب الصحابة ، فالذي جرى بينهم كان اجتهادا مجردا.

٣٧٣

تعليق على القرماني :

رغم احترامي للشيخ القرماني الدمشقي ، وثقتي بدينه وتقواه وتعظيمه لأهل البيتعليهم‌السلام ، إلا أن كلامه المتقدم لا يمكن السكوت عليه ، من عدة وجوه :

١ ـ يقول : إن ما شجر بين الصحابة الأولين هو من قبيل أن الواحد منهم قد اجتهد فأخطأ. وأقول : إن الخطأ في الاجتهاد مقبول بالنسبة لأهل العلم والذين قضوا حياتهم في الدين والفقه ، فهؤلاء بعد تحصيلهم كل هذه العلوم إذا اجتهدوا وصدف أن أخطؤوا فيمكن التجاوز عنهم. لكن هذا لا ينطبق على مثل مروان بن الحكم ومعاوية والحجاج وغيرهم. فمعاوية رجل ليس عنده أي رصيد من الدين ، وكل أعماله كانت صادرة من مصلحته الشخصية ، وهذا هو الّذي دعاه إلى تولية يزيد ، وهو يعلم أنه أفجر الناس أجمعين. فليس معاوية من الذين يجوز لهم الاجتهاد في أمور الدين أصلا ، حتّى نقول إنه اجتهد فأخطأ أو أصاب.

٢ ـ إن الاجتهاد الّذي يحتمل فيه الإصابة والخطأ ، هو الاجتهاد في الأمور المبهمة المشتبه فيها ، وليس في الأشياء الواضحة الثابتة مثل خلافة أمير المؤمنينعليه‌السلام . فكيف يجوز لأحد أن يجتهد فيها ، ويقول إنها صحيحة أو غير صحيحة بعد أن اجتمع المسلمون عليها. وهذا انطلاقا من كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :«لا اجتهاد في موضع النص». فما عمله معاوية في عدم مبايعته للإمام عليعليه‌السلام وإراقته الدماء في سبيل ذلك ، هو ليس اجتهاد ، وإنما هو خروج كامل عن الدين والإسلام.

٣ ـ إن القرماني يقول : إن ما شجر بين الصحابة يلزم عدم ذكره بل ستره ، وإذا علمنا أن ما فعله معاوية وأمثاله من العمل على اقتتال المسلمين وإراقة دمائهم ، وبالتالي ضياع الإسلام تشتيت المسلمين ، هو يحصل في كل زمان ، ولا أحد يسكت عنه ، فكيف نسكت عن الأولين الذين هم كانوا أول من فتح باب الفتن والدماء على هذه الأمة ، وهم الذين سنّوا أساس الكفر والنفاق؟ إن هؤلاء أولى بالذكر والتعرية والإنكار ممن جاء بعدهم ، لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من سنّ سنّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة».

٣٧٤

٤١١ ـ قصة عن مداهنة الناس لمعاوية لكسب الأموال :

(مرآة الجنان لليافعي ، ج ١ ص ١٤٦ ط ١)

روي أن معاوية لما نصّب ولده يزيد في ولاية العهد ، أقعده في قبة حمراء ، فجعل الناس يسلّمون على معاوية ، ثم يميلون إلى يزيد. حتّى جاء رجل ففعل ذلك ثم رجع إلى معاوية ، فقال : يا أمير المؤمنين لو لم تولّ هذا أمور المسلمين لأضعتها.والأحنف بن قيس جالس. فقال له معاوية : ما بالك لا تقول يا أبا بحر؟. فقال :أخاف الله إن كذبت ، وأخافكم إن صدقت. فقال معاوية [للرجل] : جزاك الله خيرا عن الطاعة ، وأمر له بألوف. فلما خرج لقيه ذلك الرجل ، فقال : يا أبا بحر إني لأعلم كذا وكذا وذمّ يزيد ، ولكنهم قد استوثقوا من هذه الأموال بالأبواب والأقفال ، فليس يطمع في استخراجها إلا بما سمعت. فقال الأحنف : إن ذا الوجهين خليق أن لا يكون عند الله وجيها.

٤١٢ ـ أيهما يخدع الآخر؟ :

يروى أنه لما ألزم معاوية الناس على البيعة ليزيد بولاية العهد ، بدأ الناس يتوافدون عليه جماعات لتهنئته وتقريظه. فخلا يزيد بأبيه يوما فقال له : يا أبت ، إني متعجب ما أدري أنحن نخدع الناس ، أم أن الناس يخدعوننا؟. فقال معاوية ليزيد قوله المشهور : يا بني ، من خادعته فتخادع لك ليخدعك ، فقد خدعته.

وهذا يبيّن أن كل أعمال معاوية هي خداع في خداع. ومن أوضح الأمثلة على هذا الخداع قصة أرينب بنت اسحق!.

قصة أرينب بنت اسحق

[التي تدل على كرم أخلاق مولانا الحسين]

[في مقابل دناءة أخلاق معاوية ويزيد]

تمهيد للقصة :

بعد أن ضرب معاوية على فخذه وهو يصلي في مسجد دمشق ، ونجا من الموت بأعجوبة ، جاءته الوفود إلى الشام تهنّئه بالصحة والسلامة. وكان من جملة من جاءه مسلّما واليه على العراق عبد الله بن سلّام ومعه زوجته (أرينب بنت اسحق) ذات

٣٧٥

الجمال الأخّاذ. وكان يزيد يجلس في إحدى شرفات قصر الخضراء حين رآها تدخل مع زوجها ، فهاج في صدره حبّ قديم وكان يعرفها من قبل ، فافتتن بها.

ثم إنه دخل على أبيه معاوية وقال له : لا بدّ لي من زواج (أرينب) مهما كلف الأمر. وبما أن يزيد هو الابن المدلل لأبيه ، والذي لا تردّ له حاجة ، عمل معاوية على تنفيذ رغبة ابنه ، ولو كان في ذلك المهانة والعار ، والدناءة وغضب الجبار.

٤١٣ ـ قصة أرينب بنت اسحق :

(الإتحاف بحب الإشراف للشبراوي ، ص ٢٠١ ـ ٢٠٩)

يقول الشيخ عبد الله الشبراوي الشافعي :

فمن مكارم أخلاق الإمام الحسينعليه‌السلام ما حكاه ابن بدرون في (شرح قصيدة ابن عبدون) من قصة أرينب بنت اسحق زوجة عبد الله بن سلّام القرشي. وكان عبد الله هذا واليا لمعاوية على العراق ، وكانت أرينب هذه من أجمل نساء وقتها وأحسنهن أدبا وأكثرهن مالا. وكان يزيد بن معاوية قد سمع بجمالها وبما هي عليه من الأدب وحسن الخلق والخلق ، ففتن بها ، فلما عيل صبره استراح في ذلك مع أحد خصيان معاوية ، وكان ذلك الخصي خاصّا بمعاوية واسمه رفيف ، فذكر رفيف ذلك لمعاوية ، وذكر شغفه بأرينب ، وأنه ضاق ذرعه بأمرها.

فبعث معاوية إلى يزيد فاستخبره من أمره ، فبثّ له شأنه ، فقال معاوية : مهلا يا يزيد!. قال : علام تأمرني بالمهل ، وقد انقطع منها الأمل. قال له معاوية : فأين حجاك ومروءتك؟. فقال له يزيد : قد عيل الصبر والحجى ، ولو كان أحد ينتفع به في الهوى ، لكان أولى الناس بالصبر عليه داود حين ابتلي به.

قال له : اكتم أمرك يا بني ، فإن البوح به غير نافعك ، والله بالغ أمره فيك ، ولا بدّ مما هو كائن.

وكانت أرينب بنت اسحق مثلا في أهل زمانها ، لجمالها وتمام كمالها وشرفها وكثرة مالها. فأخذ معاوية في الحيلة حتّى يبلغ يزيد رضاه فيها.

فكتب معاوية إلى (عبد الله بن سلّام) وكان استعمله على العراق ، أن أقبل حين تنظر في كتابي لأمر فيه حظك إنشاء الله ، ولا تتأخر عنه ، وجدّ السير.

وكان عند معاوية يومئذ بالشام أبو هريرة وأبو الدرداء صاحبا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .فلما قدم عليه عبد الله بن سلام الشام ، أمر معاوية أن ينزل منزلا قد هيأه له ، وأعدّ

٣٧٦

فيه منزله ، ثم قال لأبي هريرة وأبي الدرداء : إن الله قد قسم بين عباده نعما ، أوجب عليهم شكرها ، وحتم عليهم حفظها ، فحباني منهاعزوجل بأتم الشرف وأكرم الذكر ، وأوسع عليّ رزقه ، وجعلني راعي خلقه وأمينه في بلاده ، والحاكم في أمر عباده ، ليبلوني أأشكر أم أكفر. وأول ما ينبغي للعبد أن يفتقده وينظر فيه ، من استرعاه الله أمره ومن لا غنى له عنه. وقد بلغت لي ابنة [أي أدركت سن البلوغ] أريد إنكاحها ، وأنظر في اختيار من يباعلها ، لعل من يكون بعدي يقتدي فيه بهديي ، ويتّبع فيه أثري ، فإنه قد يبتزّ الملك بعدي ، من يغلب عليه ز هو الشيطان ، وتزيينه إلى تعطيل بناتهم ، فلا يردن لهن كفوا. وقد رضيت لابنتي عبد الله بن سلام القرشي ، لدينه وشرفه ومروءته وأدبه.

فقال أبو هريرة وأبو الدرداء : إن أولى الناس برعاية نعم الله وشكرها وطلب مرضاته فيما خصّه به أنت ، لأنك صاحب رسول الله وكاتبه وصهره. قال معاوية :فاذكرا ذلك عني لعبد الله ، وقد جعلت لها في نفسها شوري ، غير أني لأرجو أن لا تخرج من رأيي إنشاء الله تعالى.

فخرجا من عنده متوجهين إلى منزل عبد الله بن سلام بالذي قاله لهما معاوية.

ثم إن معاوية دخل على ابنته فقال لها : إذا دخل عليك أبو الدرداء وأبو هريرة ، وعرضا عليك أمر عبد الله بن سلّام وإنكاحي إياك منه ، وحضّاك إلى المسارعة إلى هواي ، فقولي لهما : عبد الله بن سلام كفؤ كريم وقريب حميم ، غير أن تحته أرينب بنت اسحق ، وأنا خائفة أن يعرض لي من الغيرة ما يعرض للنساء ، فأتناول منه ما يسخط الله فيه فيعذبني عليه ، ولست بفاعلة حتّى يفارقها.

فلما ذكر ذلك أبو هريرة وأبو الدرداء لعبد الله بن سلام ، وأعلماه بالذي أمرهما معاوية ، وأنهما جاءاه خاطبين!. قال لهما : نعم ، أنتما تعلمان رضاي بذلك وحرصي على صهارة أمير المؤمنين. فرجعا إلى معاوية وذكرا له ذلك. فقال : أنا راض بذلك وطالب له ، لكني قد أعلمتكما أني جعلت لها في نفسها شوري ، فادخلا عليها واعرضا عليها ما أحببته لها. فدخلا عليها وعرضا عليها ذلك ، فقالت كالذي قال لها أبوها.

فأعلما عبد الله بن سلام بذلك ، فلما ظن أنه لا يمنعها منه إلا بقاء أرينب عنده ، أشهدها على طلاقها ثلاثا ، وأرسلهما يعلمان بذلك معاوية وابنته. فأظهر معاوية

٣٧٧

كراهية لما فعله عبد الله بن سلام ، وقال : ما أحببت طلاق زوجته ولا استحسنته ، ولكن انصرفا في عافية. ثم عودا إلينا فإننا نسعى في رضاها ، ويكون ذلك إنشاء الله.

وكتب إلى يزيد يعلمه بما كان من طلاق عبد الله لزوجته أرينب بنت اسحق.

ثم عاد أبو هريرة وأبو الدرداء إلى معاوية ، فأمرهما بالدخول على ابنته وسؤالها رضاها ، تبرّيا من الأمر ، ونظرا في القدر. وقال : لم يكن لي أن أكرهها وقد جعلت لها الشورى في نفسها. فدخلا عليها وأعلماها بطلاق عبد الله بن سلام لزوجته أرينب ليسرّاها ، وذكرا من فضل عبد الله وكمال مروءته وكريم فخره. فقالت : جفّ القلم بما هو كائن ، وإنه في قريش لرفيع القدر ، وقد تعلمان أن التزويج جدّه جدّ وهزله جدّ ، والأناة في الأمور آمن لما يخاف فيها من المحذور ، وأن الأمور إذا جاءت خلاف الهوى بعد التأني فيها ، كان المرء بحسن العزاء خليقا ، وبالصبر عليها حقيقا. وإني سائلة عنه حتّى أعرف دخلة خبره ، ويتضح لي بالذي أريد علمه من أمره ، وإن كنت أعلم أن لا اختيار لأحدهما فيما هو كائن ، ومعلمتكما بالذي يزينه الله في أمره ، ولا قوة إلا بالله. قال الشيخان : وفقك الله وخار لك.

وتحدث الناس بالذي كان من طلاق عبد الله بن سلام امرأته ، وخطبته ابنة معاوية. واستحث عبد الله بن سلام الشيخين ، فأتياها ، فقالا لها : اصنعي ما أنت صانعة واستخيري الله ، فإنه يهدي من استهداه. قالت : أرجو والحمد لله أن يكون الله قد خار ، فإنه لا يكل إلى غيره من توكل عليه. وقد سألت عنه فوجدته غير ملائم ولا موافق لما أريد لنفسي ، مع اختلاف من استشرتهم فيه ، فمنهم الناهي عنه والآمر به ، واختلافهم أقل ما كرهت.

فلما بلغّاه كلامها ، علم أنه مخدوع. وقال متعزيا : ليس لأمر الله رادّ ، ولا لما بدّ منه صادّ ، فإن المرء وإن كمل له علمه واجتمع له عقله ، ليس بدافع عن نفسه قدرا برأي ولا كيد. ولعل ما سرّوا به لا يدوم لهم سروره ، ولا يدفع عنهم محذوره.

وشاع أمره وفشا في الناس ، وقالوا : خدعه معاوية حتّى طلقّ امرأته ، وإنما أرادها لابنه يزيد ، بئس ما صنع.

ولما انقضت أقراؤها (وهي العدّة) وجّه معاوية أبا الدرداء إلى العراق خاطبا لها على ابنه يزيد. فخرج حتّى قدمها ، وبها يومئذ الحسين بن عليعليهما‌السلام . فقال

٣٧٨

أبو الدرداء حين قدم العراق : ما ينبغي لذي نهى أن يبدأ بشيء غير زيارة الحسينعليه‌السلام سيد شباب أهل الجنة ، إذا دخل موضعا هو فيه ، فإذا أديت حقه ذهبت إلى ما جئت إليه.

مبادرة رائعة :

فلما رآه الحسينعليه‌السلام قام إليه وصافحه إجلالا لصحبته من جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولموضعه من الإسلام. وقال له : ما أتى بك يا أبا الدرداء؟. قال : وجّهني معاوية خاطبا لابنه يزيد (أرينب بنت اسحق) فرأيت عليّ حقا أن لا أبدأ بشيء قبل السلام عليك. فشكر له الحسينعليه‌السلام ذلك وأثنى عليه. ثم قال : لقد كنت أردت نكاحها وعزمت على الإرسال إليها ، إذا انقضت أقراؤها ، فلم يمنعني من ذلك إلا تخيّر فعلك ، فقد أتى الله بك ، فاخطب رحمك الله لي وله [أي يزيد] التحري من تختاره منا ، وهي أمانة في عنقك حتّى تؤديها إليها ، واعطها من المهر مثل ما بذل لها معاوية عن ابنه. فقال : أفعل إنشاء الله.

فلما دخل أبو الدرداء على أرينب ، قال : أيتها المرأة ، إن الله خلق الأمور بقدرته ، وكوّنها بعزته ، فجعل لكل أمر قدرا ، ولكل قدر سببا ، فليس لأحد عن قدر الله مستخلص ، ولا للخروج من عمله مناص ، فكان ما سبق لك وقدّر عليك ، الّذي كان من فراق عبد الله بن سلام إياك ، ولعل ذلك لا يضرّك ، ويجعل الله فيه خيرا كثيرا. وقد خطبك أمير هذه الأمة وابن مليكها وولي عهده والخليفة من بعده : يزيد ابن معاوية ، والحسين ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابن أول من أقرّ به من أمته وسيد شباب أهل الجنة يوم القيامة. وقد بلغك سناهما وفضلهما ، وجئتك خاطبا لهما ، فاختاري أيهما شئت.

فسكتت طويلا ، ثم قالت : يا أبا الدرداء ، لو كان هذا الأمر جاءني وأنت غائب ، لأشخصت فيه الرسل إليك ، واتبعت فيه رأيك ولم أقتطعه دونك. فأما إذ كنت المرسل فيه ، فقد فوّضت أمري بعد الله إليك ، وجعلته في يديك ، فاختر لي أرضاهما لديك ، والله شاهد عليك ، فاقض في قصدي بالتحري ، ولا يصدّنك عن ذلك اتباع هوى ، فليس أمرهما عليك خفيّا ، ولست فيما طوّقتك غبيّا.

قال أبو الدرداء : أيتها المرأة إنما عليّ إعلامك ، وعليك الاختيار لنفسك.فقالت : عفا الله عنك ، إنما أنا بنت أخيك ومن لا غنى به عنك ، فلا تمنعك رهبة

٣٧٩

أحد من قول الحق فيما طوّقتك. فقد وجبت عليك إذا الأمانة فيما حمّلتك. والله خير من روعي وخيف ، إنه بنا خبير لطيف.

فلما لم يجد بدّا من القول والإشارة ، قال : أي بنيّة ، ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحبّ إليّ لك وأرضى عندي ، والله أعلم بخيرهما لك. وقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واضعا شفتيه على شفتي حسين ، فضعي شفتيك حيث وضع رسول الله شفتيه.قالت : قد اخترته ورضيته فتزوجها الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام وساق لها مهرا عظيما.

وبلغ معاوية الّذي كان من فعل أبي الدرداء في ذلك ، ونكاح الحسينعليه‌السلام إياها ، فتعاظمه جدا ولامه شديدا. وقال : من يرسل ذا بله وعمى ، يركب خلاف ما يهوى. وكان عبد الله بن سلام قد استودع أرينب قبل فراقها بدرات مملوءة درّا ، وكان ذلك أعظم ماله لديه وأحبه إليه. وقد كان معاوية اطّرحه وقطع عنه جميع روافده لسوء قوله فيه وتهمته أنه خدعه. فلم يزل يجفوه حتّى عيل صبره ، وقلّ ما في يديه ، ولام نفسه على المقام لديه. فرجع إلى العراق ، وهو يذكر ماله الّذي استودعه إياها ، ولا يدري كيف يصنع فيه ، وأنّى يصل إليه ، وهو يتوقع جحودها لسوء فعله بها ، وطلاقه إياها من غير شيء أنكره عليها.

ردّ الحقّ إلى أهله :

فلما قدم العراق لقي الحسينعليه‌السلام فسلّم عليه ، ثم قال له : قد عرفت ما كان من خبري وخبر أرينب. وكنت قبل فراقي إياها قد استودعتها مالا عظيما ، وكان الّذي كان ، ولم أقبضه ، ووالله ما أنكرت منها في طول صحبتها فتيلا ، ولا أظن بها إلا جميلا. فذاكرها أمري وحاضضها على ردّ مالي إليّ ، فإن الله يحسن إليك ذكرك ، ويجزل به أجرك. فسكت عنه.

ولما انصرف الحسينعليه‌السلام إلى أهله ، قال لها : قدم عبد الله بن سلام ، وهو يحسن الثناء عليك ويحمل النشر عنك ، في حسن صحبتك ، وما آنسه قديما من أمانتك ، فسرّني بذلك وأعجبني. وذكر أنه كان استودعك مالا ، فأدّي إليه أمانته ، وردّي عليه ماله ، فإنه لم يقل إلا صدقا ، ولم يطلب إلا حقا. قالت : صدق.استودعني مالا لا أدري ما هو ، وإنه لمطبوع عليه بخاتمه ، ما حوّل فيه شيء إلى يومه ، وها هو فادفعه إليه بطابعه. فأثنى عليها الحسينعليه‌السلام خيرا. وقال : أدخله عليك حتّى تبرئي إليه منه ، كما دفعه إليك.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

قال ابن حجر : وقد أخطأ من زعم أن له رؤية [أي للنبي] ، فإن أباه لا تصحّ له صحبة. بل يقال إن له رؤية وأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما مات كان له نحو ثمان سنين. وقال أبو حاتم : ليست له صحبة. ويقال : كان يلقّب لطيم الشيطان.

(تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني ، ج ٨ ص ٣٨)

مراسلة البصريين والكوفيين

٤٩٣ ـ اجتماع الشيعة في البصرة بدار مارية بنت سعدة :

(الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٤ ص ٢١)

لما بلغت أخبار الحركة الحسينية إلى البصرة ، اجتمع الشيعة في بيت إحدى النساء العاملات في حقل السياسة ، وكانت توالي أهل البيتعليهم‌السلام . وقرروا نصرة الحسينعليه‌السلام والبيعة له ومكاتبته بذلك.

وقد ذكر ابن الأثير هذا الاجتماع وسجّله في كتابه (الكامل) قال :

واجتمع ناس من الشيعة بالبصرة في منزل امرأة من عبد القيس ، يقال لها : مارية بنت سعدة ، وكانت تتشيّع ، وكان منزلها لهم مألفا يتحدثون فيه. فعزم يزيد بن بنيط على الخروج إلى الحسينعليه‌السلام وهو من عبد القيس ، وكان له بنون عشرة ، فقال لهم : أيّكم يخرج معي؟. فخرج معه ابنان له : عبد الله وعبيد الله ، فساروا فقدموا عليه بمكة. ثم ساروا معه فقتلوا معه.

تعليق :

سنرى في الفقرة التالية كيف أن الإمام الحسينعليه‌السلام بعث برسالة إلى أهل الأخماس في البصرة ، يطلب منهم فيها بيعته ونصرته ، وقد كان ذلك ابتداء منه دون أن يكاتبوه ، ولو أن أهل الكوفة لم يكاتبوه لابتدأهم أيضا بالدعوة.

وهذا يدل على أن الإمام الحسينعليه‌السلام كان هدفه في نهضته هو إقامة الدولة الإسلامية ، وليس الذهاب إلى كربلاء ليستشهد كما توهّم البعض. وأما علمه بمصيرة المحتوم ، فلا يثنيه عن تكليفه الشرعي.

٤٤١

٤٩٤ ـ كتاب الحسينعليه‌السلام إلى أهل البصرة يستحثهم على نصرته ، وخبر مقتل الرسول سليمان :

(مقتل الحسين للمقرم ، ص ١٥٩)

وفي مكة كتب الحسينعليه‌السلام نسخة واحدة إلى رؤساء الأخماس(١) بالبصرة ، وهم مالك بن مسمع البكري ، والأحنف بن قيس ، والمنذر بن الجارود ، ومسعود ابن عمرو ، وقيس بن الهيثم ، وعمرو بن عبيد بن معمّر. وأرسله مع مولى له يقال له سليمان(٢) ، وفيه : أما بعد فإن الله اصطفى محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خلقه وأكرمه بنبوته واختاره لرسالته ، ثم قبضه إليه وقد نصح لعباده وبلّغ ما أرسل بهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكنا أهله وأولياءه وورثته وأحق الناس بمقامه في الناس ، فاستأثر علينا قومنا بذلك ، فرضينا وكرهنا الفرقة وأحببنا العافية ، ونحن نعلم أنا أحق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه. وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب ، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه ، فإن السّنّة قد أميتت ، والبدعة قد أحييت. فإن تسمعوا قولي أهدكم إلى سبيل الرشاد.

فسلّم المنذر بن الجارود العبدي رسول الحسين إلى ابن زياد ، فصلبه عشية الليلة التي خرج في صبيحتها إلى الكوفة ليسبق الحسين إليها(٣) . وكانت ابنة المنذر (بحرية) زوجة ابن زياد ، فزعم أن يكون الرسول دسيسا من ابن زياد. (وفي رواية مقتل أبي مخنف ، ص ٢٣) قال : «ولم يبق أحد من الأشراف إلا قرأ الكتاب وكتمه ، ما خلا المنذر بن الجارود ، وكانت ابنته تحت ابن زياد ، فلما قرأ الكتاب قبض الرسول وأدخله على ابن زياد ، فضربت عنقه ، وكان أول رسول قتل في الإسلام»(٤) .

قال ابن كثير في (البداية والنهاية) ج ٦ ص ١٦٥ ، بعد إيراده هذا الكتاب :«وعندي في صحة هذا عن الحسينعليه‌السلام نظر ، والظاهر أنه مطرّز بكلام مزيد من

__________________

(١) إشارة إلى قبائل البصرة الخمس.

(٢) هذا في تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٠٠ ، وفي الله وف ، ص ٢١ : يكنى أبا رزين ، وفي مثير الأحزان لابن نما ، ص ١٢ : أرسله مع ذراع السدوسي.

(٣) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٠٠.

(٤) لعل المقصود به أنه أول رسول قتله من يدّعي الإسلام.

٤٤٢

بعض رواة الشيعة». يقصد بذلك قولهعليه‌السلام : وكنا أهله وأولياءه ، وورثته وأحق الناس بمقامه في الناس ، فاستأثر علينا قومنا بذلك

٤٩٥ ـ خطاب مسعود بن عمرو في قومه من بني حنظلة بعد وصول كتاب الحسينعليه‌السلام :(مقتل المقرّم ، ص ١٦٠)

وأما مسعود بن عمرو (هذا في تاريخ الطبري وابن الأثير ، وفي مثير الأحزان لابن نما: يزيد بن مسعود) فإنه جمع بني تميم وبني حنظلة وبني سعد ، وخطب فيهم قائلا : يا بني تميم ، إن معاوية مات فأهون به والله هالكا ومفقودا. ألا وإنه قد انكسر باب الجور والإثم ، وتضعضعت أركان الظلم. وكان قد أحدث بيعة عقد بها أمرا ، ظنّ أنه قد أحكمه ، وهيهات والذي أراد. اجتهد والله ففشل ، وشاور فخذل. وقد قام يزيد شارب الخمور ورأس الفجور يدّعي الخلافة على المسلمين ، ويتأمّر عليهم بغير رضى منهم ، مع قصر حلم وقلة علم ، لا يعرف من الحق موطئ قدميه. فأقسم بالله قسما مبرورا ، لجهاده على الدين أفضل من جهاد المشركين. وهذا الحسين بن علي أمير المؤمنين وابن رسول الله ، ذو الشرف الأصيل والرأي الأثيل ، له فضل لا يوصف وعلم لا ينزف ، وهو أولى بهذا الأمر لسابقته وسنّه وقدمه(١) وقرابته ، يعطف على الصغير ويحسن إلى الكبير. فأكرم به راعي رعية ، وإمام قوم وجبت لله به الحجة ، وبلغت به الموعظة. فلا تعشوا عن نور الحق ، ولا تسكّعوا(٢) في وهد الباطل. فقد كان صخر بن قيس(٣) انخذل بكم يوم الجمل ، فاغسلوها بخروجكم إلى ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونصرته. والله لا يقصر أحد عن نصرته إلا أورثه الله تعالى الذل في ولده والقلة في عشيرته ، وهأنذا قد لبست للحرب لامتها(٤) ، وادّرعت لها بدرعها ، من لم يقتل يمت ، ومن يهرب لم يفت. فأحسنوا رحمكم الله ردّ الجواب فتكلمت بنو حنظلة فقالوا : أبا خالد ، نحن نبل كنانتك وفرسان عشيرتك ، إن رميت بنا أصبت ، وإن غزوت بنا فتحت ، لا تخوض والله غمرة إلا خضناها ، ولا تلقى والله شدة إلا لقيناها ، ننصرك بأسيافنا ونقيك بأبداننا.

__________________

(١) القدم : التقدم والسابقة.

(٢) التسكّع : هو التمادي في الباطل.

(٣) يعني الأحنف بن قيس.

(٤) اللامة : الدرع.

٤٤٣

٤٩٦ ـ كتاب مسعود بن عمرو إلى الحسينعليه‌السلام :

(مقتل المقرم ص ١٦٢)

ثم كتب مسعود بن عمرو إلى الحسينعليه‌السلام :

أما بعد فقد وصل إليّ كتابك وفهمت ما ندبتني إليه ودعوتني له من الأخذ بحظي من طاعتك ، والفوز بنصيبي من نصرتك. وإن الله لم يخل الأرض قط من عامل عليها بخير ، ودليل على سبيل نجاة. وأنتم حجة الله على خلقه ، ووديعته في أرضه.تفرعتم من زيتونة أحمدية ، هو أصلها وأنتم فرعها. فاقدم سعدت بأسعد طائر ، فقد ذلّلت لك أعناق بني تميم ، وتركتهم أشدّ تتابعا في طاعتك من الإبل الظماء لورود الماء يوم خمسها ، وقد ذلّلت لك رقاب بني سعد ، وغسلت درن قلوبها بماء مزن حين استهلّ برقها فلمع.

فلما قرأ الحسينعليه‌السلام الكتاب قال : مالك آمنك الله من الخوف ، وأعزّك وأرواك يوم العطش الأكبر.

ولما تجهّز مسعود بن عمرو إلى المسير ، بلغه قتل الحسينعليه‌السلام ، فاشتدّ جزعه وكثر أسفه ، لفوات الأمنيّة من السعادة بالشهادة(١) .

(أقول) : ولعمري هكذا تكون النصرة ، وهكذا تكون الولاية.

٤٩٧ ـ الكوفة على فوهة بركان :

(مع الحسين في نهضته لأسد حيدر ، ص ٧٥)

كان الحسينعليه‌السلام أمر شيعته في الكوفة معقل أبيه ، بالتريّث وعدم التسرع ، مادام معاوية حيا ، وذلك رعاية للظروف وإحكاما لخطة الثورة. فلما مات معاوية ماجت الكوفة بأهلها ، وحدثت بها هزة سياسية. وبدأ أهل الكوفة بمراسلة الإمام الحسينعليه‌السلام يستقدمونه لإمرة المسلمين.

فعقدوا أول اجتماع لهم في دار سليمان بن صرد الخزاعي ، أحد زعماء الشيعة وشجعان العرب المشهورين.

وبعد وصول آلاف الكتب من العراق ، كان على الحسينعليه‌السلام واجب النهوض لإنقاذ المسلمين من براثن الظالمين ، فيحقّ الحقّ ويبطل الباطل. وكانت استجابته سريعة ، لأنه وجد أن المناخ ملائم.

__________________

(١) مثير الأحزان لابن نما ، ص ١٣ ؛ واللهوف على قتلى الطفوف ، ص ٢١.

٤٤٤

٤٩٨ ـ مراسلة الكوفيين للحسينعليه‌السلام يستعجلونه بالقدوم إليهم :

(تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٩٤ ط أولى مصر)

اجتمع سليمان بن صرد والمسيّب بن نجبة ورفاعة بن شدّاد وحبيب بن مظاهر من الكوفة ، وكتبوا كتابا للحسينعليه‌السلام . ثم سرّحوا بالكتاب مع عبد الله بن سبيع الهمداني وعبد الله بن وال. ثم سرّحوا إليه قيس بن مسهر الصيداوي وعبد الرحمن ابن عبد الله بن الكدن الأرحبي وعمارة بن عبيد السلولي. فأخذوا معهم نحوا من ٥٣ صحيفة من الرجل والاثنين والأربعة. ثم سرّحوا إليه شبث بن ربعي وحجّار بن أبجر ويزيد بن الحارث ويزيد بن رويم وعزرة بن قيس وعمرو بن الحجاج الزبيدي ومحمد بن عمير التميمي وتلاقت الرسل كلها عنده. وذكر المقرم في مقتله ، ص ١٦٣ «أن الكتب تكاثرت عليه حتّى ورد عليه في يوم واحد ستمائة كتاب ، واجتمع عنده من نوب متفرقة اثنا عشر ألف كتاب». فقرأ الكتب وسأل الرسل عن أمر الناس. ثم كتب جوابا وأرسله مع هانئ بن هانئ وسعيد بن عبد الله الحنفي.

٤٩٩ ـ خطاب سليمان بن صرد الخزاعي بالشيعة في منزله بالكوفة :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٣)

لما علمت الشيعة في الكوفة بنزول الحسينعليه‌السلام مكة ، اجتمعوا في منزل سليمان بن صرد الخزاعي. فلما تكاملوا في منزله قام فيهم خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر النبي فصلى عليه ، ثم ذكر أمير المؤمنين ومناقبه وترحم عليه. ثم قال :

يا معشر الشيعة ، إنكم علمتم أن معاوية قد هلك ، فصار إلى ربه ، وقدم على عمله ، وسيجزيه الله تعالى بما قدّم من خير وشر ، وقد قعد بموضعه ابنه يزيد. وهذا الحسين بن عليعليه‌السلام قد خالفه ، وصار إلى مكة هاربا من طواغيت آل أبي سفيان.وأنتم شيعته وشيعة أبيه من قبله ، وقد احتاج إلى نصرتكم اليوم ، فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدو عدوه فاكتبوا له ، وإن خفتم الوهن والفشل فلا تغرّوا الرجل من نفسه.

فقال القوم : بل نؤويه وننصره ونقاتل عدوه ونقتل أنفسنا دونه ، حتّى ينال حاجته.

ثم قال : فاكتبوا إليه الآن كتابا من جماعتكم أنكم له كما ذكرتم ، وسلوه القدوم

٤٤٥

عليكم. فقالوا : أفلا تكفينا أنت الكتاب؟. قال : بل نكتب إليه جماعتكم. فكتب القوم إلى الحسينعليه‌السلام :

١٠ شهر رمضان سنة ٦٠ ه

٥٠٠ ـ من كتاب كتبه أهل الكوفة للحسينعليه‌السلام بعد أن اجتمعوا في دار سليمان بن صرد :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٤)

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) . للحسين بن علي أمير المؤمنين ، من سليمان بن صرد والمسيّب بن نجبة وحبيب بن مظاهر ورفاعة بن شدّاد وعبد الله بن وال وجماعة من المؤمنين. سلام عليك ، أما بعد فالحمد لله الّذي قصم عدوّك وعدوّ أبيك من قبل ، الجبار العنيد ، الغشوم الظلوم ، الّذي ابتزّ هذه الأمة أمرها ، وغصبها فيأها ، وتأمّر عليها بغير رضى منها. ثم قتل خيارها ، واستبقى شرارها ، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وعتاتها ، فبعدا له كما بعدت ثمود. ثم إنه قد بلغنا أن ولده اللعين قد تأمّر على هذه الأمة بلا مشورة ولا إجماع ، ولا علم من الخيار. وبعد فإنا مقاتلون معك وباذلون أنفسنا من دونك ، فأقبل إلينا فرحا مسرورا ، مباركا منصورا ، سعيدا سديدا ، إماما مطاعا ، وخليفة مهديا ، فإنه ليس علينا إمام ولا أمير إلا النعمان بن بشير الأنصاري ، وهو في قصر الإمارة ، وحيد طريد ، لا نجتمع معه في جمعة ، ولا نخرج معه إلى عيد ، ولا نؤدي إليه الخراج. يدعو فلا يجاب ، ويأمر فلا يطاع. ولو بلغنا أنك قد أقبلت إلينا أخرجناه عنا حتّى يلحق بالشام(١) . فاقدم علينا فلعل الله تعالى أن يجمعنا بك على الحق. والسلام عليك يابن رسول الله وعلى أبيك وأخيك ورحمة الله وبركاته.

ثم طووا الكتاب وختموه ودفعوه إلى عبد الله بن سبيع الهمداني وعبد الله ابن مسمع البكري (وقيل : عبد الله بن وال) ، فخرجا مسرعين حتّى قدما على الحسينعليه‌السلام بمكة لعشر من شهر رمضان(٢) .

__________________

(١) مناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٤١ ط نجف.

(٢) اللهوف على قتلى الطفوف لابن طاووس ، ص ٣٦.

٤٤٦

فقرأ الحسينعليه‌السلام كتاب أهل الكوفة ، فسكت ولم يجبهم بشيء.

٥٠١ ـ كتب أهل الكوفة إلى الحسينعليه‌السلام :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٥)

ثم بعث أهل الكوفة بعدهما بيومين قيس بن مسهر الصيداوي وعبد الله ابن عبد الرحمن الأرحبي وعامر بن عبيد السلولي وعبد الله بن وال التميمي ، ومعهم نحو من خمسين ومائة كتاب ، الكتاب من الرجلين والثلاثة والأربعة ، يسألونه القدوم عليهم ، والحسينعليه‌السلام يتأنى في أمره ، ولا يجيبهم في شيء.

ترجمة سليمان بن صرد الخزاعي

(العيون العبرى للميانجي ، ص ٢٩)

كان سليمان بن صرد خيّرا فاضلا ، له دين وعبادة. سكن الكوفة أول ما نزلها المسلمون. وكان له قدر وشرف في قومه ، وشهد مع علي بن أبي طالبعليه‌السلام مشاهده كلها.

قال سبط ابن الجوزي في (تذكرة الخواص) : قال ابن سعد : سليمان بن صرد ، كنيته أبو المطرف ، صحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان اسمه (يسار) فسمّاه رسول الله (سليمان). وكان له سنّ عالية وشرف في قومه. فلما قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحوّل فنزل الكوفة ، وشهد مع عليعليه‌السلام الجمل وصفين.

وكان في الذين كتبوا إلى الحسينعليه‌السلام أن يقدم الكوفة ، غير أنه لم يقاتل معه خوفا من ابن زياد [أو أنه كان محبوسا عند ابن زياد حين حبس أربعة آلاف وخمسمائة لأنهم كاتبوا الحسينعليه‌السلام ]. ثم ندم سليمان بعد مقتل الحسينعليه‌السلام ألا يكون قد استشهد معه ، فخرج هو والمسيّب بن نجبة الفزاري وجميع من خذله ولم يقاتل معه ، في ثورة (التوّابين) ، وقالوا : ما لنا توبة إلا أن نطلب بدم الحسينعليه‌السلام . فخرجوا من الكوفة مستهل ربيع الآخر من سنة ٦٥ ه‍ ، وولوا أمرهم سليمان بن صرد وسمّوه أمير التوّابين. وساروا إلى عبيد الله بن زياد ، وكان قد سار من الشام في جيش كبير يريد العراق ، فالتقوا (بعين الوردة) من أرض الجزيرة في سورية ، وهي رأس العين من أعمال قرقيسيا.

٤٤٧

وكان على أهل الشام الحصين بن نمير ، فاقتتلوا ، فترجّل سليمان ، فرماه الحصين بسهم فقتله ، فوقع وقال : فزت وربّ الكعبة. وقتل معه المسيّب بن نجبة ، فقطع رأسيهما وبعث بهما إلى مروان بن الحكم في الشام. وكانت سنّ سليمان يوم قتل ثلاثا وتسعين (٩٣) سنة.

٥٠٢ ـ أحد كتب أهل الكوفة إلى الحسينعليه‌السلام :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٤٨ ط ٢ نجف)

ولما استقرّ الحسينعليه‌السلام بمكة وعلم به أهل الكوفة ، كتبوا إليه يقولون : إنا حبسنا أنفسنا عليك ، ولسنا نحضر الصلاة مع الولاة ، فاقدم علينا فنحن في مائة ألف. فقد فشا فينا الجور ، وعمل فينا بغير كتاب الله وسنة نبيّه. ونرجو أن يجمعنا الله بك على الحق ، وينفي عنا بك الظلم ، فأنت أحقّ بهذا الأمر من يزيد وأبيه ، الّذي غصب الأمة فيئها ، وشرب الخمور ولعب بالقرود والطنابير ، وتلاعب بالدين.

٥٠٣ ـ من كتاب كتبه شيعة الكوفة للحسينعليه‌السلام بواسطة هانئ بن هانئ السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٥)

ثم قدم عليه بعد (يومين) هانئ بن هانئ السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي بكتاب ، وهو آخر ما ورد إليه من أهل الكوفة ، وفيه :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. للحسين بن علي أمير المؤمنين من شيعته(١) وشيعة

__________________

(١) وردت كلمة (شيعة) بشكل مضاف وبشكل مفرد في عهد الحسينعليه‌السلام . وقد ذكرت نبيلة عبد المنعم داود في رسالتها (نشأة الشيعة الإمامية) لنيل درجة الماجستير في التاريخ الإسلامي من جامعة بغداد ، طبع بغداد ١٩٦٨ ص ٧٤ و ٧٦ : أن ظهور (الشيعة) كان على عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد أطلقت هذه الكلمة على شيعة عليعليه‌السلام وأنصاره. وأول الشيعة من الصحابة : سلمان الفارسي وأبوذر الغفاري والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر. وظلت هذه الكلمة لا تستعمل بمفردها بل بشكل مضاف (شيعة علي) إلى أيام الحسينعليه‌السلام حيث بدأت تستعمل مفردة معرّفة بأل التعريف (الشيعة) يقصد بها أتباع أمير المؤمنين علي وأبنائه المعصومينعليه‌السلام ، القائلون بإمامتهم ولزوم اتباعهم.

٤٤٨

أبيه. أما بعد فحيّهلا(١) فإن الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك ، فالعجل العجل يابن رسول الله. فقد اخضرّ الجناب(٢) ، وأينعت الثمار ، وأعشبت الأرض ، وأورقت الأشجار. فاقدم إذا شئت ، فإنما تقدم إلى جند لك مجنّدة(٣) والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وعلى أبيك من قبل.

فقال الحسينعليه‌السلام لهانئ وسعيد : خبّراني من اجتمع على هذا الكتاب الّذي كتب معكما؟. فقالا له : يابن رسول الله اجتمع عليه شبث بن ربعي ، وحجّار بن أبجر ، ويزيد بن الحرث ، ويزيد بن رويم ، وعزرة بن قيس ، وعمرو ابن الحجاج ، ومحمد بن عمير بن عطارد.

٥٠٤ ـ ما قاله الحسينعليه‌السلام وقد استخار الله في أمر السفر إلى العراق ، بعد توارد الكتب عليه :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٥)

فعندها قام الحسينعليه‌السلام وتوضأ وصلّى ركعتين بين الركن والمقام(٤) ولما انفتل من صلاته سأل ربه الخير فيما كتب إليه أهل الكوفة ، ثم رجع إلى الرسل فقال لهم : إني رأيت جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منامي ، وقد أمرني بأمر وأنا ماض لأمره. فعزم الله لي بالخير ، فإنه ولي ذلك والقادر عليه.

ترجمة شبث بن ربعي

قال السيد إبراهيم الموسوي في (وسيلة الدارين) ص ٨٧ ، على ما رواه ابن الأثير في (أسد الغابة) وابن عبد البر في

(الاستيعاب) وابن حجر العسقلاني في (الإصابة) : شبث بفتح أوله والموحدة ثم مثلثة ، ابن ربعي التميمي اليربوعي ، أبو عبد القدوس ، له إدراك مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

__________________

(١) حيّهلا : اسم فعل بمعنى أقبل وأسرع ، وأصلها حيّ هلا.

(٢) الجناب : الناحية وما قرب من محلة القوم. والكلام كناية عن استتباب الأمر.

(٣) مثير الأحزان لابن نما ، ص ١١.

(٤) اللهوف على قتلى الطفوف لابن طاووس ، ص ٢٠.

٤٤٩

وقال الدار قطني : يقال إنه كان مؤذّن (سجاح) التي ادّعت النبوة ، ثم راجع الإسلام.

وقال هشام الكلبي : كان من أصحاب عليعليه‌السلام في صفين ، ثم صار مع الخوارج ، ثم تاب ، ثم كان فيمن قاتل الحسينعليه‌السلام .

وقال السماوي في (إبصار العين) : وولده عبد القدوس المعروف بأبي الهندي الشاعر الزنديق السكّير. وسبطه صالح بن عبد القدوس الزنديق الّذي قتله المهدي على الزندقة وصلبه على جسر بغداد.

(أقول) : يظهر من سيرة (شبث بن ربعي) طبع المنافقين في التقلب والتغير. فلا غرابة إذا كان شبث أول من كتب إلى الحسينعليه‌السلام يدعوه إلى العراق ، ثم كان أول خارج عليه ، لا بل كان أحد أصحاب رايات ابن زياد وقائد فرقة تعدادها أربعة آلاف فارس ، خرجت لقتال الحسينعليه‌السلام في صعيد كربلاء. الله م إنا نعوذ بك من فساد السريرة وسوء العاقبة!.

ترجمة حجّار بن أبجر

(إبصار العين للسماوي)

هو حجّار بن أبجر بن جابر العجلي. أبوه (أبجر) نصراني مات على النصرانية بالكوفة ، فشيّعه بالكوفة : النصارى لأجله ، والمسلمون لأجل ولده ، إلى الجبانة. وكان حجّار عازما على قتل أمير المؤمنينعليه‌السلام مشتملا على السيف الّذي ضربه به.

٥٠٥ ـ كتاب الحسينعليه‌السلام إلى أهل الكوفة ردا على كتبهم ، وفيه يخبرهم بإرسال مسلم بن عقيل :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٥)

ولما اجتمع عند الحسينعليه‌السلام ما ملأ خرجين ، كتب إليهم كتابا واحدا دفعه إلى

٤٥٠

هانئ بن هانئ السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي ، وكانا آخر الرسل ، على هذا النحو : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين ، سلام عليكم. أما بعد ، فإن هانئ بن هانئ وسعيد بن عبد الله قدما عليّ من رسلكم ، وقد فهمت الّذي اقتصصتم وذكرتم ، ولست أقصر عما أحببتم.

(وفي رواية)(١) : «ومقالة جلّكم ، أنه ليس لنا إمام ، فأقبل لعل الله يجمعنا بك على الهدى». وقد بعثت إليكم أخي وابن عمي ، (وفي رواية)(٢) :

«وثقتي من أهل بيتي» ، مسلم بن عقيل بن أبي طالب ، وأمرته أن يكتب إليّ بحالكم وخبركم ورأيكم ورأي ذوي الحجى والفضل منكم ، وهو متوجه إليكم إنشاء الله ولا قوة إلا بالله. فإن كنتم على ما قدمت به رسلكم ، وقرأت في كتبكم(٣) فقوموا مع ابن عمي وبايعوه ولا تخذلوه ، فلعمري ما الإمام العامل بالكتاب القائم بالقسط ، كالذي يحكم بغير الحق ، ولا يهتدي سبيلا. جمعنا الله وإياكم على الهدى ، وألزمنا كلمة التقوى ، إنه لطيف لما يشاء. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

٥٠٦ ـ ما قاله الحسينعليه‌السلام لمسلم بن عقيل حين قرر إنفاذه إلى الكوفة :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٦)

ثم طوى الكتاب وختمه ودعا بمسلم بن عقيل فدفع إليه الكتاب ، وقال : إني موجّهك إلى أهل الكوفة ، وسيقضي الله من أمرك ما يحبّ ويرضى ، وأنا أرجو أن أكون أنا وأنت في درجة الشهداء ، فامض ببركة الله وعونه ، حتّى تدخل الكوفة ، فإذا دخلتها فانزل عند أوثق أهلها ، وادع الناس إلى طاعتي ، فإن رأيتهم مجتمعين على بيعتي فعجّل عليّ بالخبر حتّى أعمل على حسب ذلك إنشاء الله تعالى. ثم عانقهعليه‌السلام وودعه وبكيا جميعا.

__________________

(١) مناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٤٢ ؛ ومقتل أبي مخنف ، ص ١٩.

(٢) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي.

(٣) وفي مقتل المقرم ، ص ١٦٥ نقلا عن الطبري ، ج ٦ ص ١٩٨ ؛ والأخبار الطوال ، ص ٢٣٨ تتمة الكلام : أقدم عليكم وشيكا إنشاء الله ، فلعمري ما الإمام إلا العامل بالكتاب والآخذ بالقسط والدائن بالحق والحابس نفسه على ذات الله والسلام.

٤٥١

الفصل الرابع عشر

مسير مسلم بن عقيل

خرج من مكة في منتصف شهر رمضان ووصل إلى الكوفة في ٥ شوال سنة ٦٠ ه‍ واستشهد فيها يوم التروية ٨ ذي الحجة.

قال البلاذري في (أنساب الأشراف) ج ٢ ص ٧٧ :

وكان مسلم بن عقيل أرجل ولد عقيل وأكملهم ، ولذلك انتخبه الحسينعليه‌السلام سفيرا له إلى العراق.

٥٠٧ ـ مسير مسلم بن عقيل إلى المدينة :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٦)

قال أخطب خوارزم : خرج مسلم من مكة نحو المدينة مستخفيا ليلا ، لئلا يعلم أحد من بني أمية. فلما دخل المدينة بدأ بمسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصلى ركعتين.

٥٠٨ ـ ما حصل لمسلم بن عقيل في طريقه إلى الكوفة :

(المصدر السابق)

ثم خرج مسلم في جوف الليل وودّع أهل بيته ، واستأجر دليلين من قيس عيلان يدلّانه على الطريق ، ويمضيان به إلى الكوفة على غير الجادة.

فخرج به الدليلان من المدينة ليلا ، فسارا فأضلّا الطريق ، وجارا عن القصد.واشتدّ بهما العطش ، فماتا جميعا عطشا. وصار مسلم بن عقيل ومن معه إلى الماء ، وقد كادوا أن يهلكوا عطشا.

فكتب مسلم بن عقيل إلى الحسينعليه‌السلام :

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) . للحسين بن عليعليه‌السلام من مسلم بن عقيل :

٤٥٢

أما بعد فإني خرجت من المدينة مع دليلين استأجرتهما ، فضلّا عن الطريق ، واشتدّ بهما العطش فماتا. ثم إنا صرنا إلى الماء بعد ذلك ، وقد كدنا أن نهلك ، فنجونا بحشاشة أنفسنا ، وقد أصبنا الماء بموضع يقال له المضيق (وفي رواية :المضيق من بطن الخبت ، وهو ماء لبني كلب). وقد تطيّرت من وجهي الّذي وجّهتني فيه ، فرأيك في إعفائي عنه ، والسلام.

٥٠٩ ـ جواب الحسينعليه‌السلام لمسلم :(المصدر السابق)

فلما ورد كتابه على الحسينعليه‌السلام علم أنه قد تشاءم وتطيّر من موت الدليلين ، وأنه جزع. فكتب إليه :

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) . من الحسين بن عليعليهما‌السلام إلى مسلم بن عقيل : أما بعد ، فقد خشيت أن لا يكون حملك على الكتاب إليّ ، في الاستعفاء من وجهك الّذي أنت فيه ، إلا الجبن والفشل ، فامض لما أمرت به ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

فلما ورد كتاب الحسينعليه‌السلام على مسلم ، كأنه وجد [أي حزن] من ذلك في نفسه. فقال : لقد نسبني أبو عبد الله إلى الجبن والفشل ، وهذا شيء لم أعرفه من نفسي ساعة قط.

وأقبل حتّى دخل الكوفة.

٥١٠ ـ دخول مسلم بن عقيل الكوفة ونزوله بدار المختار :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٧)

وكان مسلم قد خرج من مكة للنصف من شهر رمضان ، ووصل الكوفة لخمس خلون من شوال. فنزل في دار مسلم بن المسيب ، وهي دار المختار بن أبي عبيد الثقفي. (وفي البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ١٦٥) : وقيل نزل في دار مسلم ابن عوسجة الأسدي.

البيعة

فجعلت الشيعة تختلف إليه ، وهو يقرأ عليهم كتاب الحسينعليه‌السلام ، والقوم يبكون شوقا إلى مقدم الحسينعليه‌السلام .

(وفي تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٥ ط ٢ نجف) : ثم قالوا : والله لنضربنّ بين يديه بسيوفنا حتّى نموت جميعا.

٤٥٣

٥١١ ـ جرأة عابس بن شبيب الشاكري وثباته :(المصدر السابق)

ثم تقدم إلى مسلم رجل من همدان يقال له عابس الشاكري ، فقال : أما بعد ، فإني لا أخبرك عن الناس بشيء ، فإني لا أعلم ما في أنفسهم ، ولكن أخبرك عما أنا موطّن عليه نفسي. إني والله لأجيبنكم إذا دعوتم ، ولأقاتلن معكم عدوكم ، ولأضربنّ بسيفي دونكم أبدا حتّى ألقى الله ، وأنا لا أريد بذلك إلا ما عنده.

ثم قام حبيب بن مظاهر الأسدي (فقال : رحمك الله قد قضيت ما في نفسك بواجز من قولك) ثم قال : وأنا والله الّذي لا إله إلا هو ، لعلى مثل ما أنت عليه.وتتابعت الشيعة على مثل كلام هذين الرجلين. ثم بذلوا الأموال فلم يقبل مسلم منهم شيئا.

٥١٢ ـ كتاب مسلم بن عقيل للحسينعليه‌السلام بتوطّد الأمر :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٣٥ ط نجف)

وتسابق الناس على بيعة مسلم بن عقيل ، حتّى بايعه منهم ثمانية عشر ألفا ، (وفي رواية) اثنا عشر ألفا. فكتب مسلم إلى الحسينعليه‌السلام كتابا يقول فيه :

أما بعد ، فإن الرائد(١) لا يكذب أهله ، وإن جميع أهل الكوفة معك ، وقد بايعني منهم ثمانية عشر ألفا ، فعجّل الإقبال حين تقرأ كتابي هذا ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

وأرسل الكتاب مع عابس بن شبيب الشاكري وقيس بن مسهر الصيداوي(٢) .

يزيد وعماله في العراق

٥١٣ ـ خطبة النعمان بن بشير في أهل الكوفة ، وموقفه المسالم من مسلم :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٧ ط نجف)

وبلغ النعمان بن بشير قدوم مسلم بن عقيل الكوفة ، واجتماع الشيعة إليه ، والنعمان يومئذ أمير الكوفة (وكان واليا على الكوفة من قبل معاوية فأقرّه يزيد عليها.

__________________

(١) الرائد : هو الّذي يرسله أرباب الماشية ليكتشف لهم خصوبة الأرض ومجامع الماء ، فإنه لا يكذبهم ، لأن الأمر الّذي يخبر عنه يهمه كما يهمّهم.

(٢) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢١٠.

٤٥٤

وكان من الصحابة وابن رئيس الأنصار ، وحضر مع معاوية حرب صفين ، وكان من أتباعه).

فخرج من قصر الإمارة مغضبا حتّى دخل المسجد الأعظم ، ونادى بالناس فاجتمعوا إليه. فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :

أما بعد يا أهل الكوفة ، فاتقوا الله ربكم ولا تسارعوا إلى الفتنة والفرقة ، فإن فيها سفك الدماء وقتل الرجال وذهاب الأموال. واعلموا أني لست أقاتل إلا من قاتلني ، ولا أثب بالقرف والظنّة والتهمة ، غير أنكم أبديتم صفحتكم ، ونقضتم بيعتكم ، وخالفتم إمامكم. فإن أنتم انتهيتم عن ذلك ورجعتم ، وإلا فوالذي لا إله إلا هو ، لأضربنكم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ، ولو لم يكن منكم لي ناصر ؛ مع أني أرجو أن يكون من يعرف الحق منكم أكثر ممن يريد الباطل.

فقام إليه (عبد الله بن) مسلم بن سعيد الحضرمي (حليف بني أمية) فقال : أيها الأمير أصلحك الله (إنه لا يصلح ما ترى إلا الغشم) ، إن هذا الّذي أنت عليه من رأيك ، إنما هو رأي المستضعفين.

فقال له النعمان : يا هذا لأن أكونن من المستضعفين في طاعة الله تعالى أحب إليّ من (أن) أكون من الغاوين في معصية الله.

ثم نزل عن المنبر ودخل قصر الإمارة.

٥١٤ ـ عيون يزيد يخبرونه بالأمر :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٨)

فكتب عبد الله بن مسلم إلى يزيد بن معاوية :

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) . لعبد الله يزيد أمير المؤمنين من شيعته من أهل الكوفة:أما بعد ، فإن مسلم بن عقيل قدم الكوفة ، وبايعه الشيعة للحسين بن علي ، وهم خلق كثير. فإن كان لك حاجة بالكوفة فابعث إليها رجلا قويا ينفذ فيها أمرك ، ويعمل فيها كعملك في عدوك ، فإن النعمان بن بشير ضعيف أو هو يتضعّف ، والسلام.

وكتب إليه أيضا عمارة بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، وعمر بن سعد ابن أبي وقاص بمثل ذلك.

٤٥٥

٥١٥ ـ استشارة يزيد كاتبه سرجون الرومي فيمن يولي على الكوفة :

(المصدر السابق)

فلما اجتمعت الكتب عند يزيد ، دعا بغلام كان كاتبا عند أبيه ، يقال له (سرجون) فأعلمه بما ورد عليه (وفي رواية ابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٥٩ : سرجون مولى معاوية ، فأقرأه الكتب ، واستشاره فيمن يوليه الكوفة. وكان يزيد عاتبا على عبيد الله بن زياد). فقال له سرجون : أشير عليك بما تكره. قال : وإن كرهت. قال : استعمل عبيد الله بن زياد على الكوفة. قال : إنه لا خير فيه ـ وكان يبغضه ـ فأشر بغيره.

قال : لو كان معاوية حاضرا أكنت تقبل قوله وتعمل (برأيه)؟. قال : نعم. قال : فهذا عهد عبيد الله على الكوفة ، أمرني معاوية أن أكتبه ، فكتبته وخاتمه عليه ، فمات وبقي العهد عندي. قال : ويحك فامضه.

٥١٦ ـ كتاب يزيد إلى عبيد الله بن زياد بتعيينه على الكوفة :

(المصدر السابق)

وكتب : من عبد الله يزيد أمير المؤمنين إلى عبيد الله بن زياد ، سلام عليك. أما بعد ، فإن الممدوح مسبوب يوما ، وإن المسبوب ممدوح يوما ، ولك مالك ، وعليك ما عليك ، وقد انتميت ونميت إلى كل منصب ، كما قال الأول :

رفعت فما نلت السحاب تفوقه

فما لك إلا مقعد الشمس مقعد

وقد ابتلي بالحسين زمانك من بين الأزمان ، وابتلي به بلدك من بين البلدان ، وابتليت به (أنت من) بين العمال ، وفي هذه تعتق أو تكون (وفي رواية : تعود) عبدا تعبد كما تعبد العبيد.

(وفي تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ٢٤٢) : «فإن قتلته ، وإلا رجعت إلى نسبك وإلى أبيك عبيد ، فاحذر أن يفوتك».

وقد أخبرني شيعتي من أهل الكوفة أن مسلم بن عقيل بالكوفة ، يجمع الجموع ويشقّ عصا المسلمين ، وقد اجتمع إليه خلق كثير من شيعة أبي تراب.

فإذا أتاك كتابي هذا ، فسر حين تقرؤه حتّى تقدم الكوفة فتكفيني أمرها ، فقد ضممتها إليك وجعلتها زيادة في عملك.

وكان عبيد الله أمير البصرة.

٤٥٦

(وفي لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٢٦ ط نجف) : كتب يزيد لابن زياد :أما بعد ، فإنه كتب إليّ شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني أن ابن عقيل فيها ، يجمع الجموع ليشقّ عصا المسلمين ، فسر حين تقرأ كتابي هذا حتّى تأتي الكوفة ، فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة ، حتّى تثقبه ، فتوثقه أو تقتله أو تنفيه ، والسلام.

ثم دفع يزيد كتابه إلى مسلم بن عمرو الباهلي ، وأمره أن يسرع السير إلى ابن زياد بالبصرة. فلما ورد الكتاب إلى عبيد الله وقرأه ، أمر بالجهاز وتهيأ للمسير إلى الكوفة.

تعليق السيد مرتضى العسكري على هذا الكتاب :

لعل يزيد يشير في كتابه هذا إلى أن زيادا والد عبيد الله ، ولد من أبوين عبدين ، وهما : عبيد وسميّة ، وبعد أن ألحقه معاوية بأبيه أبي سفيان ، أصبح أمويا ومن الأحرار في حساب العرف القبلي الجاهلي. وإن يزيد يهدد (عبيد الله) أنه إن لم يقم بواجبه في القضاء على الحسينعليه‌السلام فإنه سينفيه من نسب آل أبي سفيان ، فيعود عبدا.

(أقول) : كأن الأنساب ملعبة بيد الحكام ، يديرونها كيفما شاؤوا وفق مصالحهم وأهوائهم.

٥١٧ ـ قتل أبي رزين رسول الحسينعليه‌السلام إلى أشراف البصرة :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٩)

وقد كان الحسينعليه‌السلام كتب إلى رؤساء أهل البصرة وهم : الأحنف بن قيس ، ومالك بن مسمع [البكري] ، والمنذر بن الجارود ، وقيس بن الهيثم ، ومسعود بن عمرو ، وعمرو بن عبيد الله بن معمر ، يدعوهم لنصرته والقيام معه في حقه ، لكل واحد كتابا. فكل من قرأ كتاب الحسينعليه‌السلام كتمه ، إلا المنذر بن الجارود خشي أن يكون هذا الكتاب دسيسا من ابن زياد ، وكانت بحرية بنت المنذر تحت عبيد الله بن زياد. فأتى ابن زياد وأخبره ، فغضب وقال : من رسول الحسين إلى أهل البصرة؟فقال المنذر : رسوله إليهم مولى يقال له سليمان (أبو رزين). قال : فعليّ به ، فأتي به وكان مختفيا عند بعض الشيعة بالبصرة. فلما رآه ابن زياد لم يكلمه بشيء ، دون أن قدّمه فضرب عنقه صبرا ، ثم أمر بصلبه.

٤٥٧

٥١٨ ـ خطبة ابن زياد في أهل البصرة :

(الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٥٩)

ثم صعد ابن زياد المنبر فخطب في أهل البصرة ، فقال :

أما بعد ، فوالله ما بي تقرن الصّعبة ، وما يقعقع لي بالشنّان ، وإني لنكل لمن عاداني ، وسهم لمن حاربني ، وقد أنصف القارة من راماها.

يا أهل البصرة ، إن أمير المؤمنين (يزيد) قد ولاني الكوفة ، وأنا غاد إليها بالغداة ، وقد استخلفت عليكم أخي عثمان بن زياد ، فإياكم الخلاف والإرجاف.فوالله لئن بلغني عن رجل منكم خلاف لأقتلنّه وعريفه ووليه ، ولآخذنّ الأدنى بالأقصى حتّى تستقيموا ، ولا يكون فيكم مخالف ولا مشاقّ. وإني أنا ابن زياد ، أشبهته من بين من وطئ الحصى ، فلم ينتزعني شبه خال ولا عمّ.

إسراع ابن زياد إلى الكوفة

٥١٩ ـ ضمّ الكوفة إلى البصرة :

(سير أعلام النبلاء للذهبي ، ج ٣ ص ٢٩٩)

وكان على الكوفة النعمان بن بشير ، فخاف يزيد أن لا يقدم النعمان على الحسينعليه‌السلام ، فكتب إلى عبيد الله بن زياد وهو على البصرة ، فضمّ إليه الكوفة ، وقال له : إن كان لك جناحان فطر إلى الكوفة!. فبادر متعمما متنكّرا. ومرّ في السوق ، فلما رآه السّفلة اشتدوا بين يديه ، يظنونه الحسينعليه‌السلام وصاحوا : يابن رسول الله ، الحمد لله الّذي أراناك. وقبّلوا يده ورجله. فقال : ما أشدّ ما فسد هؤلاء!.

ثم دخل المسجد ، فصلى ركعتين ، وصعد المنبر وكشف لثامه.

٥٢٠ ـ مقدم عبيد الله بن زياد إلى الكوفة ، والناس يظنونه الحسينعليه‌السلام :

(مثير الأحزان للجواهري ، ص ١٦)

لما وصل إلى عبيد الله في البصرة عهد يزيد على الكوفة ، تجهّز ابن زياد وتهيّأ من وقته للمسير إلى الكوفة. وخرج في غد ، واستخلف أخاه عثمان بن زياد. وأقبل ابن زياد إلى الكوفة ومعه مسلم بن عمرو الباهلي وشريك بن الأعور الحارثي وحشمه وأهل بيته. حتّى دخل الكوفة مما يلي النجف ، وعليه عمامة سوداء ، وهو متلثّم.

٤٥٨

فقالت امرأة : الله أكبر ، ابن رسول الله وربّ الكعبة. فتصايح الناس وقالوا : إنا معك أكثر من أربعين ألفا. وازدحموا حتّى أخذوا بذنب دابته.

وكان الناس قد بلغهم إقبال الحسينعليه‌السلام إليهم وهم ينتظرونه ، فظنوا أنه الحسينعليه‌السلام . فأخذ لا يمرّ على جماعة من الناس إلا سلّموا عليه ، وقالوا :مرحبا بك يابن رسول الله ، قدمت خير مقدم. فرأى من تباشرهم بالحسينعليه‌السلام ما ساءه.

فقال مسلم الباهلي لما أكثروا : تأخروا ، هذا الأمير عبيد الله بن زياد.

وسار حتّى وافى القصر ليلا ومعه جماعة قد التفّوا به ، لا يشكّون أنه الحسينعليه‌السلام . فأغلق النعمان بن بشير القصر عليه

٥٢١ ـ ابن زياد يتزيّى بزيّ الحسينعليه‌السلام ليخدع الناس :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٩)

فلما كان من الغد نادى في الناس ، وخرج من البصرة يريد الكوفة ، ومعه أبو قتيبة مسلم بن عمرو الباهلي ، والمنذر بن الجارود العبدي ، وشريك بن عبد الله الهمداني. فلم يزل يسير حتّى بلغ قريبا من الكوفة ، ثم نزل.

ولما أمسى وجاء الليل ، دعا بعمامة سوداء فاعتجر بها متلثما ، ثم تقلد سيفه وتوشح قوسه وتنكّب كنانته ، وأخذ في يده قضيبا ، واستوى على بغلة له شهباء.وركب أصحابه ، وسار حتّى دخل الكوفة عن طريق البادية ، وذلك في ليلة مقمرة ، والناس يتوقعون قدوم الحسينعليه‌السلام . فجعلوا ينظرون إليه وإلى أصحابه ، وهو في ذلك يسلّم عليهم ، وهم لا يشكوّن في أنه الحسين بن عليعليهما‌السلام ، فهم يمشون بين يديه ويقولون : مرحبا بك يابن رسول الله ، قدمت خير مقدم. فرأى عبيد الله من تباشير الناس ما ساءه ، فسكت ولم يكلمهم ولا ردّ عليهم شيئا. فتكلم مسلم بن عمرو الباهلي ، فقال : إليكم عن الأمير يا ترابيّة ، فليس هذا من تظنون ، هذا الأمير عبيد الله بن زياد ، فتفرق الناس عنه.

(وفي مروج الذهب للمسعودي ، ج ٣ ص ٦٧) :

حتّى انتهى إلى القصر وفيه النعمان بن بشير ، فتحصّن (النعمان) فيه ثم أشرف عليه ، فقال : يابن رسول الله مالي ولك![يظن القادم هو الحسين] ، وما حملك على قصد بلدي من بين البلدان؟. فقال ابن زياد : لقد طال نومك يا نعيم ، وحسر اللثام

٤٥٩

عن فيه فعرفه ، ففتح له. وتنادى الناس : ابن مرجانة ، وحصبوه بالحصباء ، ففاتهم ودخل القصر.

(وفي لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٤٨ ط نجف) :

ودخل عبيد الله بن زياد الكوفة ليلا مسرعا ، وقد لبس ثيابا يمانية وعمامة سوداء ، وهو متلثّم ليوهم الناس أنه الحسينعليه‌السلام ، فلما رآه الناس ظنوه الحسينعليه‌السلام فتصايحوا وقالوا : إنا معك أكثر من أربعين ألفا. وأخذ لا يمرّ على جماعة من الناس إلا سلّموا عليه وقالوا : مرحبا بك يابن رسول الله ، قدمت خير مقدم.وازدحموا عليه ، حتّى أتى قصر الإمارة.

وفي الصباح نادى ابن زياد في الناس : الصلاة جامعة ، فخطب فيهم وهددهم وتوعّد منهم كل من يساعد مسلم بن عقيل.

٥٢٢ ـ أول خطاب لابن زياد في أهل الكوفة :

(أيام العرب في الإسلام لمحمد أبي الفضل إبراهيم ، ص ٤٠٤ ط ٤)

وأصبح ابن زياد فجلس على المنبر ، وقال :

أما بعد ، فإن أمير المؤمنين ولّاني مصركم وثغركم وفيئكم ، وأمرني بإنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم ، وبالإحسان إلى سامعكم ومطيعكم ، وبالشدة على مريبكم وعاصيكم ، وأنا متّبع فيكم أمره ، ومنفّذ عهده ؛ فأنا لمحسنكم كالوالد البرّ ، ولمطيعكم كالأخ الشقيق ، وسيفي وسوطي على من ترك أمري وخالف عهدي ، فليبق امرؤ على نفسه.

٥٢٣ ـ ابن زياد يعامل الناس معاملة شديدة :

(المصدر السابق)

ثم نزل ، وأخذ العرفاء والناس أخذا شديدا ، وقال : اكتبوا إلى الغرباء ومن فيكم من طلبة أمير المؤمنين ، ومن فيكم من الحرورية [فريق من الخوارج] وأهل الريب الذين رأيهم الخلاف والشقاق ، فمن كتبهم لنا برئ ، ومن لم يكتب لنا أحدا فليضمن لنا من في عرافته ؛ ألّا يخالفنا فيهم مخالف ، ولا يبغي علينا منهم باغ ؛ فمن لم يفعل برئت منه الذمة ، وحلال لنا دمه وماله. وأيما عريف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد لم يرفعه إلينا ، صلب على باب داره ، وألغيت تلك العرافة من العطاء.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735