موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 10%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 452139 / تحميل: 5261
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

[ وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بمتعة مثلها لا بالمهر ؛ لأنّ المتعة هي التي وجبت بالطلاق ، والشقص عوض عنها(١) .

ولو أخذ من المكاتب شقصاً عوضاً عن النجوم ، فلا شفعة عندنا ](٢) .

وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بمثل النجوم أو بقيمتها ؛ لأنّ النجوم هي التي قابلته(٣) .

ولو جعل الشقص اُجرة دار ، فلا شفعة عندنا.

وقال الشافعي : يؤخذ بقيمة المنفعة ، وهي اُجرة مثل الدار(٤) .

ولو صالح على الشقص عن دم ، فلا شفعة عندنا.

وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بقيمة الدم ، وهي الدية(٥) . ويعود فيه مذهب مالك(٦) .

ولو استقرض شقصاً ، فلا شفعة عندنا.

وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بقيمته وإن قلنا : إنّ المستقرض يردّ المثل ؛ لأنّ القرض مبنيّ على الإرفاق ، والشفعة ملحقة بالإتلاف(٧) (٨) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

(٢) بعض ما بين المعقوفين أضفناه من « العزيز شرح الوجيز » نصّاً ، ونحوه في « التهذيب » للبغوي ، و « روضة الطالبين ». وبعضه الآخَر من تصحيحنا لأجل السياق.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

(٤و٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

(٦) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة. وورد في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ - تتمّةً لقول الشافعي - : « ويقود منه الجريح ويذهب ملكه » بدل « ويعود فيه مذهب مالك ».

(٧) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بالإتلاف ». وما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٨) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

٢٦١

مسالة ٧٤٧ : لو كان الثمن مؤجَّلاً‌ ، مثلاً : اشترى الشقص بمائة مؤجَّلة إلى سنة ، فللشيخرحمه‌الله قولان :

أحدهما - وهو الأقوى عندي ، وبه قال مالك وأحمد والشافعي في القديم(١) - : أنّ للشفيع الأخذ كذلك بعد إقامة كفيل إذا لم يكن مليّاً ، وليس له الصبر والأخذ عند الأجل(٢) .

لنا : أنّ الأخذ إنّما يكون بالثمن ، ويجب أن يكون على الشفيع مثل الثمن قدراً ووصفاً ، والتأجيل وصف في الثمن. ولأنّ الشفعة على الفور ، وتأخير الطلب إلى الأجل مناف للفوريّة ، وأخذها بالثمن المعجّل إضرار بالشفيع بغير وجه ، فلم يبق إلّا ما قلنا توصّلاً إلى الجمع بين الحقوق كلّها.

وقال الشيخ أيضاً : يتخيّر الشفيع بين أن يأخذه ويعجّل الثمن ، وبين أن يصبر إلى أن يحلّ الأجل ثمّ يأخذه بالثمن(٣) - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في الجديد(٤) - لأنّ ذلك يؤدّي إلى أن يلزم المشتري قبول ذمّة الشفيع ، والذمم لا تتماثل ، ولهذا إذا مات مَنْ عليه الدَّيْن المؤجَّل ، حلّ الأجل ، ولم ينتقل إلى ذمّة الورثة. وملاءة الأشخاص لا توجب تماثل الذمم ، فإنّها تختلف في كون بعضها أوفى وبعضها أسهل في المعاملة.

____________________

(١) الموطّأ ٢ : ٧١٥ ، ذيل الحديث ٣ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٩ ، المغني ٥ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٣ ، المحلّى ٩ : ٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، وانظر : روضة الطالبين ٤ : ١٧١ - ١٧٢.

(٢) النهاية : ٤٢٥.

(٣) المبسوط - للطوسي - ٣ : ١١٢ ، الخلاف ٣ : ٤٣٣ ، المسألة ٩ من كتاب الشفعة.

(٤) بدائع الصنائع ٥ : ٢٧ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٣ / ١٩٥٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٥٦ ، الوسيط ٤ : ٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١ - ١٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٣.

٢٦٢

ولأنّ في ذلك تغريراً بالمشتري ؛ لجواز أن يذهب مال الشفيع قبل حلول الأجل ، فيلزمه غرمه ، ولا يجوز أن يلزمه ذلك ، ولم يحصل له حظّ بهذا البيع.

وهو ممنوع ؛ لأنّا نلزم الشفيع بكفيل مليّ يرتضيه المشتري ، فاندفع المحذور.

وللشافعي قولٌ ثالث : إنّ الشفيع يأخذه بسلعة قيمتها الثمن إلى سنة ؛ لأنّه لم يأخذ السلعة بثمن مؤجّل على ما تقدّم ، وإن أخذها بثمنٍ حالّ في الحال أو بعد انقضاء الأجل ، فقد كلّفناه أكثر من الثمن ؛ لأنّ ما يباع بمائة إلى سنة لا يساويها حالّا ، ولئلّا يتأخّر الأخذ ولا يتضرّر الشفيع(١)

وعلى ما اخترناه فإنّما يأخذه بثمنٍ مؤجّل إذا كان مليّاً موثوقاً به أو(٢) إذا أعطى كفيلاً مليّاً ، وإلّا لم يأخذه ؛ لأنّه إضرار بالمشتري ، وهو أحد قولي الشافعي على تقدير قوله بما قلناه. والثاني له : أنّ له الأخذ على الإطلاق ، ولا ينظر إلى صفته ، ولو أخذه ثمّ مات ، حلّ عليه الأجل(٣) .

وعلى قول أبي حنيفة والشيخ والشافعي في الجديد لا يبطل حقّ الشفيع بالتأخير ؛ لأنّه تأخير بعذر ، ولكن هل يجب تنبيه المشتري على الطلب؟ فيه وجهان ، أحدهما : لا ؛ إذ لا فائدة فيه. والثاني : نعم ؛ لأنّه ميسور وإن كان الأخذ معسوراً(٤) .

ولو مات المشتري وحلّ عليه الثمن ، لم يتعجّل الأخذ على الشفيع ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « و» بدل « أو ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

٢٦٣

بل هو على خيرته إن شاء أخذ في الحال ، وإن شاء صبر إلى مجي‌ء ذلك المحلّ.

ولو مات الشفيع ، فالخيرة التي كانت له تثبت لورثته.

ولو باع المشتري الشقص قبل أن يحلّ الأجل ، صحّ البيع ؛ لأنّ الثمن لو كان حالّاً فباع المشتري صحّ بيعه ، فإذا كان مؤجّلاً وتأخّر الأخذ ، كان جواز البيع أولى ، ويتخيّر الشفيع بين أن يجيز البيع الثاني ويأخذه بالثمن الثاني وبين أن يفسخه إمّا في الحال أو عند حلول الأجل ، ويأخذه بالثمن الأوّل ؛ لأنّ ذلك كان له ، ولا يسقط بتصرّف المشتري.

هذا إذا قلنا : إنّ للشفيع نقض تصرّف المشتري ، وهو الظاهر عندهم(١) ، وفيه خلاف ، وإن قلنا بالثالث ، فتعيين(٢) العرض إلى الشفيع وتعديل القيمة [ إلى ](٣) مَنْ يعرفها.

ولو لم يتّفق طلب الشفعة حتى حلّ الأجل ، وجب أن لا يطالب على هذا القول إلّا بالسلعة المعدلة ؛ لأنّ الاعتبار في قيمة عوض المبيع بحال البيع ، ألا ترى أنّه إذا باع بمتقوّم ، تعتبر قيمته يوم البيع. وعلى القولين الآخَرَيْن لو أخّر الشفعة ، بطل حقّه.

مسالة ٧٤٨ : لو ضمّ شقصاً مشفوعاً إلى ما لا شفعة فيه في البيع‌ ، مثل أن يبيع نصفَ دار وثوباً أو عبداً أو غيرهما صفقةً واحدة ، بسط الثمن عليهما باعتبار القيمتين ، وأخذ الشفيع الشقص بحصّته من الثمن ، عند علمائنا ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد(٤) ، ولا شفعة في المضموم ؛

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فيتعيّن ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٢.

٢٦٤

لأنّ المضموم لا شفعة فيه ولا هو تابع لما فيه الشفعة ، فلا تثبت فيه الشفعة ، كما لو أفرده.

وقال مالك : تثبت الشفعة فيهما معاً. ويروى عنه أيضاً أنّه إن كان من مصالح الضيعة وتوابعها كالثيران وآلات الحرث والعبد العامل في البستان ، أخذه الشفيع مع الشقص. وإن كان غير ذلك ، لم يأخذه ؛ لأنّه لو أخذ الشقص وحده ، تبعّضت الصفقة على المشتري ، وفي ذلك ضرر ، ولا يزال الضرر عن الشفيع بإلحاق ضرر المشتري(١) .

وهو غلط ؛ لأنّه أدخله على نفسه بجمعه في العقد بين ما ثبت فيه الشفعة وما لا تثبت.

ثمّ النظر إلى قيمتهما يوم البيع ؛ فإنّه وقت المقابلة.

قال الجويني : إذا قلنا : إنّ الملك ينتقل بانقطاع الخيار ؛ فيجوز أن يعتبر وقت انقطاع الخيار ، لأنّ انتقال الملك - الذي هو سبب الشفعة - حينئذٍ يحصل(٢) .

وهذا يتأتّى على قول الشيخ أيضاً.

وإذا أخذ الشفيع الشقص ، لم يثبت للمشتري الخيار وإن تفرّقت الصفقة عليه ، لدخوله فيها عالماً بالحال.

مسالة ٧٤٩ : إذا اشترى شقصاً من دار فاستهدمت إمّا بفعل المشتري أو بغير فعله ، فلها أحوال :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، المغني ٥ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠.

٢٦٥

أ - أن تتعيّب من غير تلف شي‌ء منها ولا انفصال بعضها عن بعض بأن يتشقّق جدار أو تميل أسطوانة أو ينكسر جذع أو يضطرب سقف ، فالشفيع بالخيار بين الأخذ بكلّ الثمن ، وبين الترك ، ويكون تعيّبه في يد المشتري كتعيّب المبيع في يد البائع ، فإنّه يتخيّر المشتري بين الفسخ وبين الأخذ بجميع الثمن ، عند بعض(١) علمائنا ، وبه قال الشافعي(٢) .

وعند بعضهم(٣) يسقط(٤) الأرش ، فينبغي هنا أن يكون كذلك.

ب - أن يتلف بعضها ، فيُنظر إن تلف شي‌ء من العرصة بأن غشيها السيل فغرّقها ، أخذ الباقي بحصّته من الثمن.

وإن بقيت العرصة بتمامها وتلفت السقوف والجدران باحتراقٍ وغيره ، فإن قلنا : إنّ الأبنية كأحد العبدين المبيعين(٥) ، أخذ العرصة بحصّتها من‌

____________________

(١) كالشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ١٠٩ ، المسألة ١٧٨ ، والمبسوط ٢ : ١٢٧ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٣٠٥.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢ - ١٧٣.

(٣) اُنظر : نكت النهاية ( النهاية ونكتها ) ٢ : ١٦١ - ١٦٢.

(٤) كذا بصيغة الإثبات. وفي جواهر الكلام ١٦ : ٣٥٩ حيث نقل عبارة التذكرة قال : « لا يسقط الأرش ». وقال المحقّق الكركي في جامع المقاصد ٤ : ٤١٧ - ٤١٨ عند شرح قول المصنّف في القواعد : « ولو انهدم أو تعيّب بفعل المشتري قبل المطالبة » : فهاهنا أربع صور : الاولى : أن يكون ذلك بفعل المشتري قبل مطالبة الشفيع بالشفعة بأن ينقض البناء أو يشقّ الجدار أو يكسر الجذع إلى أن ساق الكلام إلى قوله : وقد سبق في كتاب البيع وجوب الأرش على البائع إذا تعيّب المبيع في يده فينبغي أن يكون هنا كذلك ، وقد نبّه كلام المصنّف في التذكرة على ذلك. انتهى ، فلاحظ قوله : « وجوب الأرش على البائع » حيث إنّه يخالف قول المصنّف : « يسقط الأرش » ويوافق ما في الجواهر من قوله : « لا يسقط ». وانظر أيضاً : الكافي في الفقه - للحلبي -: ٣٥٥.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « المسمّيين » بدل « المبيعين ». والظاهر ما أثبتناه.

٢٦٦

الثمن ، وهو الأصحّ ، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد(١) .

وإن قلنا : إنّها كأطراف العبد وصفاته ، أخذها بكلّ الثمن على رأي - وبه قال الشافعي(٢) - وبما بعد الأرش على رأي.

وفرّق بعضهم بين أن يكون التلف بآفة سماويّة ، فيأخذها بجميع الثمن ، أو بإتلاف متلفٍ ، فيأخذها بالحصّة ؛ لأنّ المشتري يحصل له بدل التالف ، فلا يتضرّر ، وبه قال أبو حنيفة(٣) .

ج - أن لا يتلف شي‌ء منها ولكن ينفصل بعضها عن بعض بالانهدام وسقوط الجدران ، فإنّ الشفيع يأخذ الشقص مع الأبعاض - وهو أحد قولي الشافعي(٤) - لأنّها دخلت في البيع وكانت متّصلة به حالة البيع ممّا يدخل في الشفعة ، فكذا بعد النقض ، وكونه منقولا عرض بعد البيع وبعد تعلّق حقّ الشفيع به ، والاعتبار بحال جريان العقد ، ولهذا لو اشترى داراً فانهدمت ، يكون النقض والعرصة للمشتري وإن كان النقض لا يندرج في البيع لو وقع بعد الانهدام.

والثاني للشافعي : لا يأخذ الشفيع النقض ؛ لأنّه منقول كما لو كان في الابتداء كذلك وأدخل النقض في البيع ، لا يؤخذ بالشفعة(٥) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٥١ / ١٩٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.

(٤و٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

٢٦٧

فإن قلنا بالأوّل ، أخذه مع العرصة بجميع الثمن أو بما بعد الأرش على ما تقدّم ، أو يعرض عن الكلّ.

وإن قلنا : إنّه لا يأخذه - كما هو اختيار الشافعي في القول الثاني - فيبني على أنّ السقوف والجدران كأحد العبدين أو كطرف العبد؟ إن قلنا بالأوّل ، أخذ العرصة وما بقي من البناء بحصّتهما من الثمن.

وإن قلنا بالثاني ، فوجهان :

أحدهما : أنّه يأخذ بالحصّة ؛ لأنّ الأنقاض كانت من الدار المشتراة ، فيبعد أن تبقى للمشتري مجّاناً ويأخذ الشفيع ما سواه بتمام الثمن.

والثاني - وهو قياس الأصل المبنيّ عليه - : أن يأخذ بتمام الثمن ، كما في الحالة الاُولى. وعلى هذا فالأنقاض تشبه بالثمار والزوائد التي يفوز بها المشتري قبل قبض الشفيع(١) .

ومنهم مَنْ كان يطلق قولين - تفريعاً على أنّ النقض غير مأخوذ من غير البناء - على أنّ النقض كأحد العبدين أو كأطراف العبد؟(٢)

ووجه الأخذ بالكلّ : أنّه نَقْصٌ حصل عند المشتري ، فأشبه تشقّق الحائط ، والأخذِ بالحصّة : أنّ ما لا يؤخذ من المبيع بالشفعة تسقط حصّته من الثمن ، كما إذا اشترى شقصاً وسيفاً.

واعلم أنّ المزني نقل عن الشافعي أنّ الشفيع مخيّر بين أن يأخذه بجميع الثمن أو يردّ(٣) .

وقال في القديم ومواضع من الجديد : أنّه يأخذه بالحصّة(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ - ٥١٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

(٣) مختصر المزني : ١٢٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

٢٦٨

وقد ذكر بعض الشافعيّة فيه خمس طرق :

أ - منهم مَنْ قال : إنّ ما انهدم من الدار لا يدخل في الأخذ بالشفعة ، وإنّما يأخذ العرصة وما فيها من البناء ؛ لأنّ ذلك منفصل عنها ، كما لو باع داراً ، لم يدخل فيها ما كان منفصلاً عنها. وهل يأخذ العرصة والبناء الذي فيها بجميع الثمن أو بالحصّة؟ قولان.

ب - ما ذُكر في الطريقة الاُولى إلّا في أنّه يأخذ ذلك بحصّته من الثمن قولاً واحداً.

ج - إنّ ما انفصل من الدار يستحقّه الشفيع مع الدار ؛ لأنّ استحقاقه للشفعة إنّما كان حال عقد البيع وفي ذلك الحال كان متّصلاً.

د - المسألة على اختلاف حالين ، فالموضع الذي قال : يأخذها بالحصّة إذا ذهب بعض العرصة بغرقٍ أو غير ذلك ، والموضع الذي قال : يأخذها بجميع الثمن إذا كانت العرصة باقيةً وإنّما ذهب البناء.

ه- إنّ الموضع الذي قال : يأخذ بالحصّة إذا تلف بعض الأعيان بفعله أو فعل آدميّ ، والموضع الذي قال : يأخذه بجميع الثمن إذا حصل ذلك بأمر سماويّ(١) .

وبهذه(٢) الطريقة الأخيرة قال أبو حنيفة(٣) .

أقول : ما فعله المشتري مضمون ( وإن كان إذا )(٤) حصل بغير فعله لم يضمنه ، كما لو قلع عين المبيع ، كان تضمينها عليه ، ولو سقطت‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ - ٢٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « هذه ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ٢٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٥١ / ١٩٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.

(٤) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : « وإذا كان ».

٢٦٩

لم يسقط شي‌ء من الثمن.

هذا كلّه إذا كان التعيّب لا بفعل المشتري أو بفعله قبل الطلب ، أمّا إذا كان بفعل المشتري بعد الطلب ، فهل يضمن المشتري؟ قولان لعلمائنا ، الأقرب : الضمان.

ولو تلف بعض المبيع ، أخذه بحصّته من الثمن.

مسالة ٧٥٠ : إذا بنى المشتري أو غرس قبل القسمة ، كان للشريك قلعه‌ ، لا من حيث الشفعة ، بل من حيث إنّ أحد الشريكين إذا بنى أو غرس في الأرض المشتركة ، كان للشريك الآخر قلعه وتخريب البناء مجّاناً ، وله الأخذ بالشفعة بعد القلع وقبله.

وإن كان المشتري قد قسّم - إمّا لغيبة الشريك ، أو لصغره - بإذن الحاكم ، أو لكذبه في الإخبار بالثمن فعفا ، أو في الاتّهاب فظهر(١) البيع ، أو قاسمه وكيله وأخفى(٢) عنه وجه الحظّ في الأخذ بالشفعة ثمّ يجي‌ء الموكّل فيظهر له الوجه ثمّ بنى أو غرس أو زرع بعد القسمة والتمييز ثمّ علم الشفيع ، فللمشتري قلع غرسه وبنائه ؛ لأنّه ملكه.

فإذا قلعه ، لم يكن عليه تسوية الحفر ؛ لأنّه غرس وبنى في ملكه ، وما حدث من النقص فإنّما حدث في ملكه ، وذلك ممّا لا يقابله الثمن ، وإنّما يقابل الثمن سهام الأرض من نصف وثلث وربع ، ولا يقابل التراب ، فيكون الشفيع بالخيار بين أن يأخذ الأرض بجميع الثمن أو يترك.

وإن لم يقلع المشتري الغراس ، تخيّر الشفيع بين ثلاثة أشياء : ترك الشفعة ، وأخذها ودفع قيمة البناء والغراس إن رضي الغارس والباني ،

____________________

(١) في « س ، ي » : « فيظهر ».

(٢) في « س ، ي » : « خفي ».

٢٧٠

ويصير الملك له ، وأن يُجبر المشتري على القلع ، ويضمن له ما نقص له بالقلع.

وقيل : رابعٌ : أن يُبقيه في الأرض باُجرة(١) .

فأمّا إذا طالبه بقلع ذلك من غير أن يضمن له النقص ، لم يلزمه قلعه ، قاله الشيخ(٢) رحمه‌الله ، والشافعي ومالك وأحمد وإسحاق والنخعي(٣) ؛ لأنّه بنى في ملكه الذي يملك نفعه ، فلم يُجبر على قلعه مع الإضرار به ، كما لو كان لا شفعة فيه.

وقال أبو حنيفة والثوري : يُجبر على قلعه ؛ لأنّه بنى في حقّ غيره بغير إذنه ، فكان عليه قلعه ، كما لو بنى فيها وبانت مستحقَّةً(٤) .

وفرّق(٥) الأوائل بأنّه غرس في ملك غيره(٦) .

وقول أبي حنيفة عندي لا بأس به ، والبناء وإن كان في ملكه لكنّه ملكٌ غير مستقرّ ، فلا يؤثّر في منع القلع ، والقياس على عدم الشفعة باطل.

لا يقال : القسمة تقطع الشركة ، وتردّ العلقة بينهما إلى الجوار ، وحينئذٍ وجب أن لا تبقى الشفعة ؛ لاندفاع الضرر الذي كُنّا نثبت الشفعة لدفعه ، كما لا تثبت ابتداءً للجار.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٣ : ١١٨ ، الخلاف ٣ : ٤٣٩ ، المسألة ١٤.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٦ - ١٧٧ ، المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٩ ، المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فرّقوا ».

(٦) المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.

٢٧١

لأنّا نقول : الجوار وإن لم يكن يكتفى به في الابتداء إلّا أنّه اكتفي به في الدوام عند حصول الشركة في الابتداء ، ولم يخرّج على الخلاف في بطلان الشفعة فيما إذا باع نصيبه جاهلاً بالشفعة ؛ لأنّ الجوار على حال ضرب اتّصال قد يؤدّي إلى التأذّي(١) بضيق المرافق وسوء الجوار ، ولذلك اختلف العلماء في ثبوت الشفعة به.

إذا عرفت هذا ، فلا فرق بين تصرّف المشتري والمستعير إذا بنى في أرض المعير أو غرس. ولو كان قد زرع ، ترك زرعه إلى أن يدرك ويحصد.

وهل للشفيع أن يطالبه باُجرة بقاء الزرع؟ الأقوى : العدم ، بخلاف المستعير ، فإنّه زرع أرض الغير وقد رجع في العارية ، فكان عليه الاُجرة ، أمّا المشتري فإنّه زرع ملك نفسه واستوفى منفعته بالزراعة ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. وفي الثاني : له المطالبة ، كما أنّ المعير يبقي بالاُجرة(٢) . وقد بيّنّا الفرق.

وكذا لو باع أرضاً مزروعة ، لا يطالبه المشتري بالاُجرة لمدّة بقاء الزرع.

وللشافعيّة في الصور الثلاث - صورة بيع الأرض المزروعة ، وصورة العارية ، وصورة الشفعة - وجهان في وجوب الاُجرة ، لكنّ الظاهر عندهم في صورة العارية وجوب الاُجرة ، وفي الصورتين الاُخريين المنع ؛ للمعنى الجامع لهما ، وهو أنّه استوفى منفعة ملكه(٣) .

وأمّا إذا زرع بعد المقاسمة ، فإنّ الشفيع يأخذ بالشفعة ، ويبقى زرع المشتري إلى أوان الحصاد ، لأنّ ضرره لا يبقى ، والأجرة عليه ، لأنّه زرعه‌

____________________

(١) في « س » والطبعة الحجريّة : « على حال ضرر إيصال قد يتأدّى إلى التأذّي ». وفي « ي » : « على حال ضرر أيضاً . .». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠.

٢٧٢

في ملكه.

تذنيب : إذا زرع ، لزم الشفيع إبقاء الزرع ، وحينئذٍ يجوز له تأخير الشفعة إلى الإدراك والحصاد ؛ لأنّه لا ينتفع به قبل ذلك ، ويخرج الثمن من يده ، فله في التأخير غرض صحيح ، وهو الانتفاع بالثمن إلى ذلك الوقت ، قاله بعض الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : ويحتمل أن لا يجوز التأخير وإن تأخّرت المنفعة ، كما لو بِيعت الأرض في وسط الشتاء ، لا تؤخّر الشفعة إلى أوان الانتفاع(٢) . ولعلّ بينهما فرقاً.

ولو كان في الشقص أشجار عليها ثمار لا تستحقّ بالشفعة ، ففي جواز التأخير إلى وقت القطاف وجهان للشافعيّة(٣) .

وعندي أنّه يجب الأخذ معجّلاً.

مسالة ٧٥١ : لو تصرّف المشتري بوقف أو هبة وغيرهما ، صحّ‌ ؛ لأنّه واقع في ملكه ، وثبوت حقّ التملّك للشفيع لا يمنع المشتري من التصرّف ، كما أنّ حقّ التملّك للواهب بالرجوع(٤) لا يمنع تصرّف المتّهب ، وكما أنّ حقّ التملّك للزوج بالطلاق لا يمنع تصرّف الزوجة.

وعن ابن سريج من الشافعيّة أنّ تصرَّفاته باطلة ؛ لأنّ للشفيع حقّاً لا سبيل إلى إبطاله ، فأشبه حقّ المرتهن(٥) .

وإذا قلنا بالصحّة على ما اخترناه نحن - وهو الظاهر من قول الشافعيّة(٦) - أنّه يُنظر إن كان التصرّف ممّا لا تثبت به الشفعة ، فللشفيع نقضه ، وأخذ‌

____________________

(٣-١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فالرجوع ». والصحيح ما أثبتناه.

(٥و٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

٢٧٣

الشقص بالشفعة ، وإلّا تخيّر بين الأخذ بالأوّل وفسخ الثاني ، وبين إمضائه والأخذ بالثاني.

وعن المروزي أنّه ليس تصرّف المشتري بأقلّ من بنائه ، فكما لا ينقض المشتري بناؤه لا ينبغي أن ينقض تصرّفه(١) .

واختلفت الشافعيّة في موضع هذا الوجه :

فمنهم مَنْ خصّصه بما تثبت فيه الشفعة من التصرّفات ، أمّا ما لا تثبت فله نقضه ، لتعذّر الأخذ به.

ومنهم مَنْ عمّم وقال : تصرّف المشتري يُبطل حقَّ الشفيع ، كما يُبطل تصرّف المشتري المفلس حقَّ الفسخ للبائع ، وتصرّف المرأة حقَّ الرجوع إلى العين إذا طلّق قبل الدخول ، وتصرّف المتّهب رجوعَ الواهب. نعم ، لو كان التصرّف بيعاً ، تجدّد حقّ الشفعة بذلك(٢) .

وعن أبي إسحاق من الشافعيّة أنّها لا تتجدّد أيضاً ؛ لأنّ تصرّف المشتري إذا كان مبطلاً للشفعة ، لا يكون مثبتاً لها ، كما إذا تحرّم(٣) بالصلاة ثمّ شكّ فجدّد نيّةً وتكبيراً ، لا تنعقد بها الصلاة ؛ لأنّه يحصل بها الحلّ فلا يحصل العقد(٤) .

ووجه ظاهر المذهب : أنّ للشفيع نقض تصرّف المشتري ؛ لأنّ حقّه ثابت بأصل العقد ، فلا يتمكّن المشتري من إبطاله ، ولا يشبه تصرّف المفلس وتصرّف المرأة في الصداق ، فإنّ حقّ البائع والزوج لا يبطل بالكلّيّة ، بل ينتقل إلى الثمن والقيمة ، والواهب رضي بسقوط حقّه حيث سلّمه إليه وسلّطه عليه ، وهنا لم يبطل حقّ الشفيع بالكلّيّة ، ولم يوجد منه‌

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « أحرم » بدل « تحرّم ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٢.

٢٧٤

رضا ولا تسليم(١) .

قال بعض الشافعيّة : يجوز أن يبنى الوجهان على القولين فيما إذا عُتقت الأمة تحت عبد وطلّقها قبل أن تختار الفسخ ، هل ينفذ الطلاق؟

ووجه الشبه : أنّ الطلاق يُبطل حقّها في الفسخ ولم تسلّطه عليه ، كما ذكرنا في الشفيع(٢) .

وحكي عن بعضهم أنّه لا ينقض الشفعةَ تصرّفُ الوقف ، وينقض ما عداه(٣) .

مسالة ٧٥٢ : النخل تتبع الأرض في الشفعة‌ ، وبه قال الشافعي(٤) .

فإن طالب بالشفعة وقد زادت النخل بطولٍ وسعفٍ ، رجع في ذلك ؛ لأنّ هذه زيادة غير متميّزة ، فتبعت الأرض في الرجوع ، كسمن الجارية.

اعترض بعض الشافعيّة بأنّه كيف جعلتم النخل تبعاً للأرض في الشفعة وقد قلتم : إنّ الأرض تتبع النخل في المساقاة ، فتجوز المزارعة على ما بين النخل من البياض تبعاً للنخيل!؟

واُجيب : بأنّه يجوز أن تكون الأرض تبعاً في حكمٍ يختصّ بالنخل ، والنخل تبعاً لها في حكم آخَر يختصّ بالأرض ، وإنّما لا يجوز أن يكون الشي‌ء تابعاً ومتبوعاً في أمرٍ واحد ، وقد عرفت الكلبُ مقيس على الخنزير في النجاسة ، والخنزير مقيس عليه في الغَسْل من ولوغه عندهم(٥) .

ولو طلّق الزوج قبل الدخول وكان الصداق نخلاً وقد طالت ، لا يرجع في النصف ، لأنّ الزوج يمكنه الرجوع في القيمة إذا تعذّر الرجوع في‌

____________________

(٣-١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٢.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٤.

(٥) لم نعثر على الاعتراض والجواب عنه في المصادر المتوفّرة لدينا.

٢٧٥

العين ، والقيمة تنوب منابها ، وفي الشفعة إذا لم يرجع في ذلك ، سقط حقّه من الشفعة ، فلهذا لم يسقط من الأصل لأجل ما حدث من البائع.

إذا عرفت هذا ، فإن كان في هذه النخل طلع حدث ، نُظر فإن كان قد اُبّر وتشقّق ، كان للمشتري ؛ لأنّه بمنزلة النماء المنفصل من ملكه.

وإن كان لم يؤبّر ، فهل يتبع في الشفعة؟

أمّا عندنا فلا ؛ لاختصاص الشفعة بالبيع خاصّةً.

وأمّا عند الشافعي فقولان(١) ، كالمفلس إذا ابتاع نخلاً وحدث فيها طلع لم يؤبّر وأراد البائع الرجوع في النخل.

ويفارق ذلك البيعَ ؛ لأنّه أزال ملكه باختياره ، وكان الطلع تابعاً إذا لم يكن ظاهراً ، ويكون في الردّ بالعيب كالشفعة.

وكذلك إذا كان انتقال الملك بغير عوض - كالهبة ، وفسخ الهبة - فيه قولان(٢) .

فإن كان المشتري اشترى النخل وفيها الطلع ، فإن كان مؤبَّراً ، فإنّه لا يتبع في البيع ، وإذا اشترطه ، دخل في البيع ، ولا تثبت فيه الشفعة ، وإنّما يأخذ الأرض والنخل بحصّتهما من الثمن.

فإن كانت غير مؤبَّرة ، تبعت بمطلق العقد.

فإن أخذ الشفيع الشقص قبل أن تؤبّر الثمرة ، لم يأخذه الشفيع بالثمرة إن تجدّدت بعد الشراء.

وإن كانت موجودةً حال البيع ، فالأقوى : الدخول في الشفعة ، كما دخلت في البيع ، فصارت بمنزلة النخل في الأرض.

____________________

(١ و ٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

٢٧٦

وإن أخذ الشقص بعد التأبير ، لم يتبعه الطلع.

وقال بعض الشافعيّة : إذا أخذ الشفيع الشقص قبل أن يؤبّر الطلع ، كان في الطلع القولان ؛ لأنّه لو ثبت حقّ الشفيع في هذا الطلع ، لوجب أن يأخذه وإن تشقّق ؛ لأنّ ذلك زيادة متّصلة(١) .

والغراس تبع في الشفعة ؛ لأنّه يراد للتبقية في الأرض والتأبيد.

مسالة ٧٥٣ : إذا تبايعا بثمن ثمّ زاده المشتري عليه زيادة أو نقص البائع منه شيئاً بعد العقد، فإن كان ما اتّفقا عليه من الزيادة أو الحطّ بعد لزوم البيع وانقضاء الخيار ، لم يكن للشفيع في ذلك حقّ ، ولا عليه شي‌ء لا في حطّ الكلّ ولا في حطّ البعض ؛ لأنّ الشفيع إنّما يأخذ بما استقرّ عليه العقد ، والذي استقرّ عليه المسمّى.

ولو كان في زمن الخيار ، لم يلحق أيضاً الشفيع عندنا ؛ لوقوع العقد على شي‌ء ، فلا تضرّ الزيادة والنقيصة بعده.

وقال الشافعي : يثبت ذلك التغيير في حقّ الشفيع في أحد الوجهين ؛ لأنّ حقّ الشفيع إنّما ثبت إذا تمّ العقد ، وإنّما يستحقّ بالثمن الذي هو ثابت في حال استحقاقه. ولأنّ زمن الخيار بمنزلة حالة العقد ، والتغيير يلحق بالعقد ؛ لأنّهما على اختيارهما فيه كما كانا في حال العقد(٢) .

فأمّا إذا انقضى الخيار وانبرم(٣) العقد فزاد أو نقص ، لم يلحق بالعقد ؛ [ لأنّ الزيادة ](٤) لا تثبت إلّا أن تكون هبةً مقبوضةً ، والنقصان يكون‌

____________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) الوجيز ١ : ٢١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣ ، المغني ٥ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٢.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « لزم » بدل « انبرم ».

(٤) بدل ما بين المعقوفين في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « والزيادة ». والظاهر ما أثبتناه كما في المغني والشرح الكبير.

٢٧٧

إبراءً ، ولا يثبت [ ذلك ](١) في حقّ الشفيع ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقال أبو حنيفة : يثبت النقصان بعد الخيار للشفيع ، ولا تثبت الزيادة وإن كانا(٣) عنده يلحقان بالعقد ، ويقول : الزيادة تضرّ بالشفيع فلم يملكها(٤) .

وهو غلط ؛ لأنّ ذلك تغيّر بعد استقرار العقد ، فلم يثبت في حقّ الشفيع ، كالزيادة.

والفرق ليس بصحيح ؛ لأنّ ذلك لو لحق بالعقد ، لثبت في حقّه وإن أضرّ به ، كما لو كان في زمن الخيار.

ولو حطّ كلّ الثمن في زمن الخيار ، لم يلحق الحطّ عندنا بالشفعة - وبه قال الشافعي(٥) - لأنّ ذلك بمنزلة ما لو باع بلا ثمن ، فلا شفعة للشريك ؛ لأنّه يصير هبةً ، فيبطل على رأي ، ويصحّ على رأي.

أمّا إذا حطّ منه أرش العيب ، فإنّه يثبت في حقّ الشفيع ؛ لأنّه سقط بجزء فقد من المبيع ، ولهذا فاته جزء من الثمن.

مسالة ٧٥٤ : لو كان ثمن الشقص عبداً ، ثبتت الشفعة عندنا‌ ، خلافاً لبعض علمائنا وبعض الجمهور ، وقد سبق(٦) ، ويأخذ الشفيع بقيمة العبد.

فإن وجد البائع بالعبد عيباً ، فإمّا أن يكون [ قبل ](٧) أن يحدث عنده‌

____________________

(١) ما بين المعقوفين من المغني والشرح الكبير.

(٢) المصادر في الهامش (٢) من ص ٢٧٦.

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « كان » بدل « كانا ». وما أثبتناه من المغني والشرح الكبير.

(٤) المغني ٥ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٦) في ص ٢٥٧ ، المسألة ٧٤٥.

(٧) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « بعد » بدل « قبل ». والصحيح ما أثبتناه.

٢٧٨

عيب أو يكون الوقوف على العيب بعد حدوث عيب عنده. فإن علمه قبل أن يحدث عنده عيب ، فإمّا أن يكون ذلك بعد أخذ الشفيع بالشفعة أو قبله.

فإن وقف عليه بعد أخذ الشفيع ، كان له ردّ العبد على المشتري ، ولم يكن له استرجاع الشقص ؛ لأنّ الشقص قد ملكه بالأخذ ، فلم يكن للبائع إبطال ملكه ، كما لو كان المشتري قد باعه ثمّ وجد البائع بالثمن عيباً ، فإنّه يردّه ، ولا يفسخ بيع المشتري ، ويرجع البائع إلى قيمة الشقص ، كذا هنا.

وقال بعض الشافعيّة : يستردّ المشتري الشقص من الشفيع ، ويردّ عليه ما أخذه ، ويسلّم الشقص إلى البائع ؛ لأنّ الشفيع نازل منزلة المشتري ، فردُّ البائع يتضمّن نقض ملكه ، كما يتضمّن نقض ملك المشتري لو كان في ملكه(١) .

والمشهور عندهم(٢) ما قلناه.

فإذا دفع الشفيع قيمة العبد إلى المشتري ودفع المشتري إلى البائع قيمة الشقص ، فإن تساويا ، فلا بحث. وإن تفاوتا ، لم يرجع المشتري على الشفيع إن كانت قيمة الشقص أكثر بشي‌ء ، ولا يرجع الشفيع على المشتري إن كانت قيمة العبد أكثر - وهو أحد قولي الشافعيّة(٣) - لأنّ الشفيع أخذه بالثمن الذي وقع عليه العقد ، فلا يلزمه أكثر من ذلك.

والثاني : يتراجعان ؛ لأنّ المشتري استقرّ عليه عوض الشفيع قيمته ، فينبغي أن يستحقّ ذلك على الشفيع ، فيرجع كلّ مَنْ كان ما دفعه أكثر على صاحبه بالزيادة(٤) .

ولو عاد الشقص إلى المشتري ببيع أو هبة أو ميراث أو غير ذلك ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، وأيضاً : فتح العزيز ١١ : ٤٥٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

(٢ - ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

٢٧٩

لم يكن للبائع أخذه منه ، بخلاف الغاصب إذا دفع القيمة لتعذّر ردّ المغصوب ثمّ قدر عليه ، فإنّه يجب عليه ردّه على المالك ، واسترداد ما دفعه من القيمة ؛ لأنّ المالك لم يزل ملكه عن المغصوب بالتقويم ودفع القيمة ، وإنّما أخذنا القيمة للضرورة وقد زالت ، وهنا زال ملك البائع عنه وصار ملكاً للشفيع ، وانقطع حقّه عنه ، وإنّما انتقل حقّه إلى القيمة ، فإذا أخذها ، لم يبق له حقّ.

وحكى بعض الشافعيّة فيه وجهين بناءً على أنّ الزائل العائد كالذي لم يزل ، أو كالذي لم يعد؟(١)

وأمّا إذا كان قد علم بالعيب قبل أن يأخذ الشفيع بالشفعة ، فهنا حقّان ، ففي تقديم أيّهما للشافعيّة وجهان :

أحدهما : الشفيع أولى ؛ لأنّ حقّه سبق حقّ البائع في الردّ.

والثاني : البائع أولى ؛ لأنّ الشفعة تثبت لإزالة الضرر عن الشريك ، فلا نثبتها مع تضرّر البائع بإثباتها(٢) .

وحكى الجويني الجزم بتقديم البائع(٣) .

والوجه عندي : تقديم حقّ الشفيع ؛ لسبقه.

فإذا قلنا : الشفيع أحقّ ، فإنّ البائع يأخذ من المشتري قيمة الشقص ، ويرجع المشتري على الشفيع بقيمة العبد ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : يرجع على الشفيع بقيمة الشقص(٤) .

ولو وجد البائع العيب في العبد بعد أن حدث عنده عيب أو بعد‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٤) لم نعثر عليه في مظانّه.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

فما رعت كوفان حرمة له

ولا وعت بما أتى في (هل أتى)

٦٤٦ ـ تحقيق أشهر المواضع التي مرّ بها ركب الشهادة بقيادة الإمام الحسينعليه‌السلام أثناء مسيره من مكة المكرمة إلى كربلاء(١)

تبلغ المسافة التي قطعها الإمام الحسينعليه‌السلام من مكة إلى كربلاء حوالي ١٦٠٠ كم. وقد مرّ أثناء مسيره بمواضع كثيرة كما هو مبيّن في المخطط الجغرافي المرفق بعد صفحات ، نعدّ من أشهرها :

١ ـ بستان ابن عامر [والأصح : ابن معمّر] : هو أول منزل مرّ به الحسينعليه‌السلام .

٢ ـ التنعيم : موضع في حلّ مكة ، يبعد عن مكة شمالا فرسخين [١٢] كم.وسمي به لأنه عن يمينه جبل اسمه نعيم وآخر عن شماله اسمه ناعم والوادي نعيمان.

٣ ـ الصّفاح : بين حنين وأنصاب الحرم ، يسرة الداخل إلى مكة.

٤ ـ وادي العقيق : ويمتد من الجنوب إلى الشمال ، وفيه ثلاثة مواضع هي :

٥ و ٦و ٧ ـ ذات عرق ، غمرة ، المسلح. ويعتبر السنة ذات عرق ميقات العراقيين وأهل الشرق ، بينما يحتاط فقهاء الإمامية بالإحرام من المسلح ، وهو أبعد من مكة.وتبعد ذات عرق مرحلتين [٩٠ كم] عن مكة.

٨ ـ الحاجر من بطن الرّمّة : بطن الرمة منزل لأهل البصرة إذا أرادوا المدينة ، وفيه يجتمع أهل الكوفة والبصرة ، ويقع شمال نجد. والحاجر : ما يمسك الماء من شفة الوادي.

٩ ـ الخزيميّة : نسبة إلى خزيمة بن حازم ، وهي قبل زرود.

__________________

(١) ما نذكره من ترتيب المنازل مأخوذ من (معجم البلدان) لياقوت الحموي.

توضيح : الميل : نحو ٢ كم. والفرسخ : نحو ٦ كم. والمرحلة : نحو ٤٥ كم. ذلك أن الفرسخ ٣ أميال هاشمية ، والميل أربعة آلاف ذراع هاشمي. فإذا اعتبرنا الذراع ٤٦ سم ، نجد : الميل ٤٦ ٤٠٠٠ ١٨٤٠ م ٨٤ / ١ كم. فيكون الميل حوالي ٨٥ / ١ كم ، وهو يكافئ الميل البحري [أما الميل البري فيساوي ٦ ر ١ كم]. ويكون الفرسخ ٨٥ / ١ ٣ ٥٥ / ٥ كم ٦ كم. والمرحلة ـ ٨ فراسخ ٦ / ٥ ٨ ٤٥ كم. وهي المسافة التي يقطعها الجمل في يوم كامل.

٥٤١

١٠ ـ زرود : هي رمال بين الثعلبية والخزيمية ، وهي دون الخزيمية بميل.

١١ ـ الثعلبية : سميت باسم ثعلبة من بني أسد ، وهو الّذي حفر فيها عينا.

١٢ ـ الشّقوق : منزل لبني أسد ، فيه قبر العبّادي.

١٣ ـ زبالة : فيها حصن وجامع لبني أسد. سمّيت باسم زبالة بنت مسعر ، امرأة من العمالقة. ويوم زبالة من أيام العرب.

١٤ ـ بطن العقبة.

١٥ ـ شراف : سمي باسم رجل يقال له شراف استخرج عينا ، ثم حدثت آبار كثيرة ماؤها عذب. ومن شراف إلى واقصة ميلان [٤ كم].

١٦ ـ ذو حسم : جبل كان النعمان بن المنذر يصطاد به.

١٧ ـ البيضة : ما بين واقصة إلى عذيب الهجانات ، وهي أرض واسعة لبني يربوع بن حنظلة.

١٨ ـ عذيب الهجانات : العذيب واد لبني تميم وهو حدّ السواد ، وهو مسلحة الفرس ، بينه وبين القادسية ستة أميال ، ويقال له عذيب الهجانات لأن هجائن النعمان بن المنذر ملك الحيرة كانت ترعى فيه.

ـ والقادسية : جنوب الكوفة بمسافة مرحلة ، وهي التي وقعت فيها الوقعة الشهيرة ، التي انتصر فيها سعد بن أبي وقاص على جيش الفرس ، ومهّد لفتوح العراق بعد ذلك.

١٩ ـ الرّهيمة (بالتصغير) : عين تبعد عن (خفية) ثلاثة أميال (٦ كم) ، وتبعد خفية عن الرحبة مغربا بضعة عشر ميلا.

٢٠ ـ قصر بني مقاتل : قصر ينسب إلى مقاتل بن حسان بن ثعلبة ، يقع بين عين التمر والقطقطانة والقريّات. خرّبه عيسى بن علي بن عبد الله بن العباس ، ثم جدده.ويسمى (الأخيضر).

ـ القطقطانة : قرية تقع غرب الكوفة ، تبعد عن الرّهيمة إلى الكوفة نيفا وعشرين ميلا.

ـ خفان : عين جنوب الكوفة ، عليها قرية لولد عيسى بن موسى الهاشمي.

٥٤٢

٢١ ـ نينوى : تقع شرق كربلاء. كانت من قرى الطف الزاهرة بالعلوم ، وصادف عمرانها زمن الإمام الصادقعليه‌السلام . وفي أوائل القرن الثالث الهجري لم يبق لها خبر. ومنطقة نينوى تمتد من أراضي السليمانية اليوم إلى سور بلدة كربلاء. ونينوى هي الموضع المعروف بباب طويريح شرقي كربلاء تقول الروايات : فلم يزل الحسينعليه‌السلام يتياسر حتّى انتهى إلى (نينوى) ، فطلب من الحرّ أن ينزل نينوى أو الغاضريات أو شفية.

أو العقر ، فلم يوافقه على ذلك. فسار حتّى نزل كربلاء ، وهي أرض جرداء ، ليس فيها كلأ ولا ماء.

٢٢ ـ الغاضريات : قرية منسوبة إلى غاضرة من بني أسد ، وهي تقع على بعد كيلومتر تقريبا شمال كربلاء.

٢٣ ـ شفية : بئر لبني أسد.

٢٤ ـ العقر : كانت بها منازل بخت نصّر.

٢٥ ـ الطفّ : القرى الثلاث الأخيرة هي من قرى الطف ، وهي متقاربة.والطف في اللغة : ما أشرف من أرض العرب على ريف العراق. وطف الفرات : هو الشاطئ الّذي به قتل الحسينعليه‌السلام ، وهي أرض بادية تطلّ على الريف.

٢٦ ـ كربلاء : تقع على بعد عدة كيلومترات من مشرعة الفرات شمال غرب الكوفة. وقد كانت في عهد البابليين معبدا. والاسم محرّف من كلمتي.

[كرب] بمعنى معبد أو مصلّى أو حرم ، و [أبلا] بمعنى إله باللغة الآرامية ، فيكون معناها (حرم الإله) ولما سأل الحسينعليه‌السلام عن اسم هذه الأرض ، فقيل له كربلاء ، قال : الله م أعوذ بك من الكرب والبلاء. ههنا محطّ ركابنا ومسفك دمائنا ومحلّ قبورنا ، بهذا حدّثني جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٦٤٧ ـ بيان ما لقي الحسينعليه‌السلام من أحداث هامة في بعض المواضع التي مرّ بها أثناء مسيرته إلى كربلاء :

مكة المكرمة : البقعة المقدسة التي فيها البيت الحرام والكعبة المشرّفة. وقد غادرها الإمام الحسينعليه‌السلام مرغما نتيجة ملاحقة السلطة له للقبض عليه أو قتله ولو كان متمسّكا بأستار الكعبة( فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (٢١) [القصص : ٢١].

٥٤٣

(الشكل ٩):

مخطط المنازل التي مرّ بها الحسينعليه‌السلام أثناء مسيره من مكة إلى كربلاء

٥٤٤

التنعيم : لقي الحسينعليه‌السلام في هذا الموضع عيرا أرسلها إلى يزيد واليه على اليمن ، فأخذهاعليه‌السلام .

ذات عرق : لقي فيها بشر بن غالب وسأله عن حال الناس في الكوفة.

الحاجر : بعث منها إلى أهل الكوفة مع قيس بن مسهر جواب كتاب مسلم ابن عقيل.

بعض العيون : لقي فيها عبد الله بن مطيع العدوي ، وتحاور معه.

الخزيميّة : سمعت زينبعليه‌السلام هاتفا ينعي أخاها الحسينعليه‌السلام .

زرود : لقي فيهاعليه‌السلام زهير بن القين وهو راجع من الحج ، وكلّمه فانقلب إلى نصرته ، وقد كان كارها له.

الثعلبية : وفيها بلغه خبر مقتل مسلم وهانئ بن عروة.

الشقوق : لقي فيهعليه‌السلام الشاعر الفرزدق بن غالب وسأله عن أهل الكوفة.

زبالة : ورد عليه فيها مقتل أخيه من الرضاعة عبد الله بن يقطر رسوله إلى مسلم.وأنشد فيهاعليه‌السلام : فإن تكن الدنيا تعدّ نفيسة

بطن العقبة : نصحه فيها عمرو بن لوذان بالرجوع.

ذو حسم : طلع عليه الحر بن يزيد الرياحي في ألف فارس.

العذيب : بلغه فيه خبر مقتل قيس بن مسهر الصيداوي. وحذّره الطّرمّاح بن عدي الطائي من أهل الكوفة ، وطلب منه اللجوء إلى قومه.

الرّهيمة : لقي فيهاعليه‌السلام أبا هرة الأزدي ، وتناقش معه في سبب المسير.

قصر بني مقاتل : لقي فيهعليه‌السلام عبيد الله بن الحر الجعفي ، وطلب نصرته فأبى.

نينوى : جاء أمر ابن زياد للحر بأن يضيّق على الحسينعليه‌السلام ولا ينزله إلا بالعراء ، على غير حصن ولا ماء. فاضطر إلى النزول في كربلاء.

وكان ذلك في ٢ محرم الحرام سنة ٦١ ه‍.

٥٤٥

مسيرة الحسينعليه‌السلام

قال الامام الحسين (ع) لاصحابه يوم نزوله كربلاء :

الناس عبيد الدنيا ، والدين لعق" على السنتهم ، يحوطونه مادرّت معائشهم ، فاذا محّصوا بالبلاء قلّ الديّانون. الى أن قال :

ألا ترون الى الحق لا يعمل به ، والى الباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء ربه ، فاني لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين الا بر ما.

قال الحسينعليه‌السلام للحر متمثلا بقول أخي الأوس لابن عمه :

سأمضي فما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما

اقدّم نفسي لا أريد بقاءها

لتلقى خميسا في النزال عرمرما

فإنم عشت لم أذمم وأن متّ لم ألم

كفى بك ذلا أن تعيش وترغما

بدء المسير إلى العراق

(الثلاثاء ٨ ذو الحجة سنة ٦٠ ه‍)

قال تعالى :( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً ) [النساء : ١٠٠]

٦٤٨ ـ محاورة الحسينعليه‌السلام مع رسل والي مكة وقد جاؤوا يمنعونه من المسير :

(تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢١٧ ط أولى مصر)

(عن أبي مخنف) قال : لما خرج الحسينعليه‌السلام من مكة اعترضته رسل عمرو بن سعيد بن العاص ، وعليهم يحيى بن سعيد. فقالوا له : انصرف ، أين تذهب؟. فأبى عليهم ومضى. وتدافع الفريقان فاضطربوا بالسياط. ثم إن الحسين وأصحابه امتنعوا منهم امتناعا شديدا. ومضى الحسينعليه‌السلام على وجهه ، فنادوه : يا حسين ألا تتقي الله؟. تخرج من الجماعة ، وتفرّق بين هذه الأمة!. فتأوّل الحسين قول اللهعزوجل

٥٤٦

( لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ) [يونس : ٤١].

قال السيد علي بن الحسين الهاشمي في كتابه (الحسين في طريقه إلى الشهادة) ص ٢٠ : وكان عمرو بن سعيد قد بعث كتابا إلى الحسينعليه‌السلام بناء على إشارة عبد الله بن جعفر. وقيل لحق عبد الله بن جعفر ويحيى بن سعيد بالحسين في بعض الطريق ، فلما سلّمه يحيى الكتاب ، جهدا في أن يرجع فامتنع ، وقال : إني رأيت رؤيا فيها رسول الله ، وأمرت بأمر أنا ماض له ، عليّ كان أو لي. فقالا له : وما تلك الرؤيا؟. قال : ما حدّثت أحدا بها وما أنا محدث بها حتّى ألقى ربي فلما أيس منه عبد الله بن جعفر ، أمر ابنيه عونا ومحمدا بلزوم المسير معه والجهاد دونه ، ورجع مع يحيى إلى مكة. وقيل ورد الكتاب على الحسينعليه‌السلام في ذات عرق.

ثم إن الحسينعليه‌السلام جدّ بسيره حتّى انتهى إلى بستان ابن معمّر [بني عامر] وهو أول منزل لمن يفصل من مكة على هذا الطريق.

«بستان بني عامر»

٦٤٩ ـ مسير الحسينعليه‌السلام إلى العراق ولقاؤه بالفرزدق الشاعر :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥١ ط ٢ نجف)

قال سبط ابن الجوزي : وأما الحسينعليه‌السلام فإنه خرج من مكة سابع ذي الحجة سنة ستين. فلما وصل إلى (بستان بني عامر) لقي الفرزدق الشاعر ، وكان يوم التروية ، فقال له : إلى أين يابن رسول الله ، ما أعجلك عن الموسم؟ قال : لو لم أعجل لأخذت أخذا. فأخبرني يا فرزدق عما وراءك. فقال : تركت الناس بالعراق ، قلوبهم معك وسيوفهم مع بني أمية ، فاتّق الله في نفسك وارجع.

فقال لهعليه‌السلام : يا فرزدق ، إن هؤلاء قوم لزموا طاعة الشيطان ، وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد في الأرض ، وأبطلوا الحدود ، وشربوا الخمور ، واستأثروا في أموال الفقراء والمساكين. وأنا أولى من قام بنصرة دين الله ، وإعزاز شرعه والجهاد في سبيله ، لتكون كلمة الله هي العليا. فأعرض عنه الفرزدق وسار.

٦٥٠ ـ نصيحة عبد الله بن عمر للحسينعليه‌السلام بعدم الخروج :

(تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ، ص ١٩٢)

عن يحيى بن إسماعيل بن سالم الأسدي قال : سمعت الشعبي يحدّث عن ابن

٥٤٧

عمر ، أنه كان بماء له ، فبلغه أن الحسين بن عليعليهما‌السلام قد توجه إلى العراق ، فلحقه على مسيرة ثلاث ليال ، فقال له : أين تريد؟. فقال : العراق. وإذا معه طوامير وكتب ، فقال : هذه كتبهم وبيعتهم. فقال : لا تأتهم ، فأبى. قال [ابن عمر] : إني محدّثك حديثا. إن جبرئيل أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخيّره بين الدنيا والآخرة ، فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا ، وإنكم بضعة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والله لا يليها أحد منكم أبدا. وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم [فارجعوا]. فأبى أن يرجع.

قال : فاعتنقه ابن عمر وبكى ، وقال : أستودعك الله من قتيل.

رواية أخرى : (أمالي الشيخ الصدوق ، ص ١٣٣ ط بيروت)

وسمع عبد الله بن عمر بخروج الحسينعليه‌السلام ، فقدّم راحلته وخرج خلفه مسرعا ، فأدركه في بعض المنازل. فقال : أين تريد يابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. قال :العراق. قال : مهلا ارجع إلى حرم جدك. فأبى الحسينعليه‌السلام عليه. فلما رأى ابن عمر إباءه ، قال : يا أبا عبد الله ، اكشف لي عن الموضع الّذي كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقبّله منك. فكشف الحسينعليه‌السلام عن سرّته ، فقبّلها ابن عمر ثلاثا ، وبكى. وقال :أستودعك الله يا أبا عبد الله ، فإنك مقتول في وجهك هذا.

(وفي رواية ابن نما ، ص ٢٩) : أنه ذكر لعبد الله بن عمر ما حصل ليحيى بن زكرياعليه‌السلام .

٦٥١ ـ الحسينعليه‌السلام يذكر يحيىعليه‌السلام في أكثر من منزل :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٦٦ ط نجف)

عن علي بن الحسينعليهما‌السلام قال : خرجنا مع الحسينعليه‌السلام فما نزل منزلا ولا ارتحل منه ، إلا ذكر يحيى بن زكريا وقتله. وقال يوما : ومن هوان الدنيا على الله أن رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل [يعرّض بما سيحصل معه].

٦٥٢ ـ كتاب عمرو بن سعيد إلى يزيد يخبره بأمر الحسينعليه‌السلام :

(المصدر السابق ، ص ٦٧)

وكتب عمرو بن سعيد ـ وهو والي المدينة ـ بأمر الحسينعليه‌السلام إلى يزيد. فلما قرأ يزيد الكتاب تمثّل بهذا البيت :

فإن لا تزر أرض العدو وتأته

يزرك عدوّ أو يلومنك كاشح

٥٤٨

«التّنعيم»

٦٥٣ ـ الحسينعليه‌السلام يلقى عيرا في (التنعيم) عليها حلل أرسلها إلى يزيد واليه على اليمن بحير بن يسار ، فيحجزها :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٠٢)

وسار الحسينعليه‌السلام من مكة ، ومرّ بالتنعيم(١) فلقي عيرا عليها ورس(٢) وحلل أرسلها إلى يزيد بن معاوية ، واليه على اليمن بحير بن يسار الحميري.

(وفي رواية الخوارزمي : بحير بن ريسان). فأخذها الحسينعليه‌السلام وقال لأصحاب الإبل : من أحب منكم أن ينصرف معنا إلى العراق أوفيناه كراءه وأحسنّا صحبته ، ومن أحب المفارقة أعطيناه من الكراء بقدر ما قطع من الطريق. ففارقه بعضهم ومضى من أحب صحبته(٣) . ثم وزّعها على الفقراء والمحتاجين من أصحابه.

تعليق السيد المقرّم :

كان الحسينعليه‌السلام يرى أن هذا ماله الّذي جعله الله تعالى له ، يتصرف فيه كيف شاء ، لأنه إمام على الأمة منصوب من المهيمن سبحانه ، وقد اغتصب يزيد وأبوه حقه وحق المسلمين ، فكان من الواجب عليه أن يحتوي على فيء المسلمين لينعش المحاويج منهم ، وقد أفاض على الأعراب الذين صحبوه في الطريق ، ورفعوا إليه ما مسّهم من مضض الفقر.

«الصّفاح»

٦٥٤ ـ كتاب عبد الله بن جعفرعليه‌السلام إلى الحسينعليه‌السلام بعثه مع ابنيه عون ومحمد :(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٦٩)

وبعث عبد الله بن جعفر بابنيه عون ومحمد إلى الحسينعليه‌السلام وهو في الطريق ، بكتاب يقول فيه :

__________________

(١) التنعيم : موضع على ثلاثة أميال أو أربعة من مكة.

(٢) الورس : نبات كالسمسم يصبغ به ، ويتخذ منه الزعفران ، وهو يجلب من اليمن والحبشة.

(٣) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢١٨ ؛ ومقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٠ ؛ والبداية ، ج ٨ ص ١٦٦ ؛ والإرشاد للمفيد ؛ ومثير الأحزان لابن نما الحلي ، ص ٢١.

٥٤٩

أما بعد ، فإني أسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي ، فإني مشفق عليك من الوجه الّذي توجهت له ، أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك. وإن هلكت اليوم طفئ نور الأرض ، فإنك علم المهتدين ورجاء المؤمنين. فلا تعجل بالمسير ، فإني في إثر كتابي ، والسلام.

ثم صار عبد الله بن جعفر إلى الوالي عمرو بن سعيد فسأله أن يكتب للحسينعليه‌السلام كتابا ، تجعل له الأمان فيه ، وتمنّيه البر والصلة. فكتب له كتابا وأنفذه مع أخيه يحيى بن سعيد. فلحقه يحيى مع عبد الله بن جعفر ، بعد إنفاذ ابنيه ، وجهدا به أن يرجع ، فلم يفعل

ولما أيس منه عبد الله بن جعفر ، أمر ابنيه عونا ومحمدا بلزومه والمسير معه والجهاد دونه. ورجع هو إلى مكة.

(أقول) : وقد مرّ كتاب مشابه لهذا بعثه عبد الله بن جعفر من المدينة للحسينعليه‌السلام ينهاه فيه عن المسير إلى العراق ، ويمنّيه بأخذ الأمان له من والي المدينة.

«ذات عرق»

٦٥٥ ـ ما دار بين الحسينعليه‌السلام وبشر بن غالب الأسدي وقد اجتمع به (بذات عرق) وهو قادم من العراق :(مقتل الخوارزمي ، ص ٢٢١)

قال الحسين لبشر : كيف خلّفت أهل العراق؟. فقال : يابن رسول الله ، خلّفت القلوب معك والسيوف مع بني أمية. فقال له الحسين : صدقت يا أخا بني أسد(١) إن الله تبارك وتعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. فقال له الأسدي : يابن رسول الله أخبرني عن قول الله تعالى :( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ ) [الإسراء : ٧١]. فقال له الحسينعليه‌السلام : نعم يا أخا بني أسد ، هما إمامان ؛ إمام هدى دعا إلى هدى ، وإمام ضلالة دعا إلى ضلالة. فهذا ومن أجابه إلى الهدى في الجنة ، وهذا ومن أجابه إلى الضلالة في النار(٢) ، وهو قوله تعالى :( فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ) (٧) [الشورى : ٧].

وما زالعليه‌السلام يواصل سيره حتّى أتى (غمرة).

__________________

(١) مثير الأحزان لابن نما ، ص ٢١.

(٢) ذكر المقرم في مقتله شبيه هذا الكلام ص ٢١١ منسوبا إلى شخص مجهول لقي الحسينعليه‌السلام في الثعلبية.

٥٥٠

٦٥٦ ـ كتاب يزيد إلى ابن زياد بر صد تحركات الحسينعليه‌السلام :

(مع الحسين في نهضته للسيد أسد حيدر ، ص ١٧٠ و ١٧١)

كتب يزيد إلى ابن زياد بعد توجه الحسينعليه‌السلام إلى العراق :

بلغني أن حسينا قد فصل من مكة متوجها إلى العراق ، فاترك العيون عليه ، وضع الأرصاد على الطريق ، واحبس على الظنّة ، واقتل على التهمة(١) .

وفي هذا الكتاب يقرر يزيد لابن زياد النقاط التالية :

١ ـ اتخاذ الجواسيس بكثرة.

٢ ـ وضع المعسكرات المؤدية إلى الكوفة لرصد الطرق.

٣ ـ شدة الحراسة والحذر ، والأخذ على الظنّة.

٤ ـ القتل على التهمة وبدون مهلة.

٥ ـ مواصلة الإخبار والاتصال مع يزيد بكل ما يحدث.

٦٥٧ ـ ابن زياد يرصد الطرق حول الكوفة :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٨)

قال : ولما وصل كتاب يزيد إلى عبيد الله بن زياد أن يأخذ على الحسين المراصد والمسالح والثغور ، أنفذ ابن زياد للحصين بن نمير التميمي ، وكان على شرطته ، أن ينزل القادسية وينظم المسالح ما بين القطقطانية إلى خفان. وتقدّم إلى الحر بن يزيد الرياحي أن يتقدم بين يدي الحصين في ألف فارس.

«الحاجر من بطن الرّمة»

٦٥٨ ـ كتاب الحسينعليه‌السلام إلى أهل الكوفة جوابا لكتاب مسلم بن عقيل بعثه من (الحاجر):(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٧٠ ط نجف)

ولما بلغ الحسينعليه‌السلام إلى الحاجر من بطن الرّمة(٢) [بتخفيف الميم] كتب كتابا إلى جماعة من أهل الكوفة ، منهم سليمان بن صرد الخزاعي ، والمسيّب بن

__________________

(١) الكامل لابن الأثير ، ج ٤ ص ١٩ ؛ وتاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢١٥.

(٢) الحاجر : ما يمسك الماء من شفّة الوادي. وبطن الرّمة : منزل لأهل البصرة إذا أرادوا المدينة.

٥٥١

نجبة ، ورفاعة بن شداد وغيرهم. وأرسله مع قيس بن مسهر الصيداوي(١) (ونرجّح أنه مع عبد الله بن يقطر(٢) ، وذلك قبل أن يعلم بقتل مسلم ، يقول فيه :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. من الحسين بن عليعليهما‌السلام إلى إخوانه من المؤمنين والمسلمين. سلام عليكم ، فإني أحمد إليكم الله الّذي لا إله إلا هو. أما بعد ، فإن كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم واجتماع ملئكم ، على نصرنا والطلب بحقنا ، فسألت الله أن يحسن لنا الصنيع ، وأن يثيبكم على ذلك اعظم الأجر. وقد شخصت إليكم من (مكة) يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية. فإذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا في أمركم وجدّوا ، فإني قادم عليكم في أيامي هذه إنشاء الله تعالى ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وكان مسلم بن عقيل قد كتب إليه قبل أن يقتل بسبع وعشرين ليلة ، فأقبل قيس [أو عبد الله بن يقطر] بكتاب الحسينعليه‌السلام إلى الكوفة.

توضيح : (حول الكتب والرسل)

حصل عند الرواة اختلاط كبير بين قصة مقتل عبد الله بن يقطر ، وبين قصة مقتل قيس بن مسهر الصيداوي ، وهما رسولان للحسينعليه‌السلام بينه وبين مسلم بن عقيل وأهل الكوفة.

وقد مرت سابقا (في الصفحة ٥٧٤) قصة استشهاد عبد الله بن يقطر برواية الخوارزمي ، وهو منطلق من الكوفة إلى الحسينعليه‌السلام بكتاب من مسلم بن عقيل ، فأمسكته شرطة الحصين وقدّمه إلى ابن زياد فقتله صبرا. ونحن نستبعد هذه الرواية ، التي تورد مقتل ابن يقطر في وقت مبكر ، قبل نهضة مسلم واستشهاده ، أي قبل مسير الحسينعليه‌السلام من مكة يوم التروية إلى العراق. فالملاحظ أن الحسينعليه‌السلام أثناء مسيره إلى الكوفة بلغه أولا نبأ استشهاد مسلم وهانئ ، ثم بلغه نبأ مقتل عبد الله ابن يقطر (في زبالة) ، ثم بلغه مقتل رسوله الآخر قيس بن مسهر (في العذيب). فمن المنطقي أن يكون الحسينعليه‌السلام قد بعث ابن يقطر بكتاب إلى أهل الكوفة وهو في الطريق ، ثم بعث قيس بن مسهر بكتاب آخر وهو في آخر الطريق. فأمسك عبد الله بن يقطر أولا وقتل ، ثم أمسك قيس بن مسهر وقتل. فأما الكتاب الأول الّذي ذكرناه

__________________

(١) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٢٣.

(٢) مثير الأحزان للجواهري ، ص ٣٥.

٥٥٢

آنفا والذي بعثه الحسينعليه‌السلام إلى مسلم بن عقيل من (الحاجر) فهو يبلّغ فيه أهل الكوفة بأنهعليه‌السلام سار من مكة يوم التروية ، وهذا أظنه بعثه مع عبد الله بن يقطر.وأما الكتاب الثاني فهو الّذي اختلف في كونه خطبة أم كتابا ، وسوف يأتي أنه بعثه من (البيضة) وقد رجّحنا أنه كتاب ، وأوله «من رأى سلطانا جائرا ..». فالأغلب أنه بعثه مع قيس بن مسهر. فيكون ترتيب الأحداث كما يلي :

١ ـ بعث الحسينعليه‌السلام عبد الله بن يقطر بكتاب من (الحاجر) ، ثم بلغه مقتله في (زبالة).

٢ ـ بعثعليه‌السلام قيس بن مسهر بكتاب من (البيضة) ، ثم بلغه مقتله في (العذيب).

٣ ـ لما بعث الحسينعليه‌السلام الكتاب الأول لم يكن قد بلغه مقتل مسلم بن عقيل ، فقد بعثه من الحاجر ، وبعد مرحلتين وصل (الثعلبية) فجاءه نبأ شهادة مسلم وهانئرحمهما‌الله .

٦٥٩ ـ ابن زياد يمنع التجول خارج الكوفة ، من (خفان) إلى القادسية إلى (القطقطانة)(١) :

وكان ابن زياد لما بلغه مسير الحسينعليه‌السلام من مكة إلى الكوفة ، بعث الحصين بن نمير التميمي صاحب شرطته ، أن ينزل القادسية ، وينظّم المسالح ما بين (القطقطانية) غربا ، و (خفان) جنوبا [انظر الشكل ٧].

شهادة عبد الله بن يقطر أخي الحسين (ع) من الرضاعة

__________________

(١) في معجم البلدان ج ٢ ص ٤٥١ : (خفان) قرب الكوفة : عين عليها قرية لولد عيسى بن موسى الهاشمي. وفيه ج ٧ ص ٥٢٥ : (القطقطانة) تبعد عن الرهيمة إلى الكوفة نيّفا وعشرين ميلا.

٥٥٣

٦٦٠ ـ مصرع عبد الله بن يقطر على يد عبيد الله بن زياد :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٨ ؛ ولواعج الأشجان ، ص ٧٦)

وكان الحسينعليه‌السلام قد بعث بأخيه من الرضاعة عبد الله بن يقطر إلى أهل الكوفة وإلى مسلم بن عقيل [وهو لا يعلم بقتله] فأخذته خيل الحصين ، فسيّره من القادسية إلى ابن زياد. فقال له ابن زياد : اصعد المنبر فالعن الحسين وأباه

(الكذّاب ابن الكذّاب ، ثم انزل حتّى أرى فيك رأيي). فصعد المنبر ودعا للحسينعليه‌السلام ، ولعن يزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد وأبويهما. فرمي من فوق القصر (فتكسرت عظامه) ، فجعل يضطرب وبه رمق. فقام إليه عبد الملك بن عمير اللخمي ، فذبحه (فعيب عليه ، فقال : أردت أن أريحه).

«بعض العيون»

٦٦١ ـ نصيحة عبد الله بن مطيع العدوي :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٦)

وسارعليه‌السلام من الحاجر ، وكان لا يمرّ بماء من مياه العرب إلا اتبعوه ، حتّى انتهى إلى ماء من المياه عليه عبد الله بن مطيع العدوي(١) فقال له : جعلت فداك يابن رسول الله ، لا تخرج إلى العراق فإن حرمتك من الله حرمة ، وقرابتك من رسول الله قرابة ، وقد قتل ابن عمك بالكوفة ، وإن بني أمية إن قتلوك لم يرتدعوا عن حرمة الله أن ينتهكوها ، ولم يهابوا أحدا بعدك أن يقتلوه. فالله الله أن تفجعنا بنفسك. فلم يلتفت الحسينعليه‌السلام إلى كلامه.

«الخزيميّة»

٦٦٢ ـ زينبعليها‌السلام تسمع في (الخزيميّة) هاتفا ينشد : (ألا يا عين فاحتفلي بجهد):(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٥)

ولما نزل الحسينعليه‌السلام بالخزيمية أقام فيها يوما وليلة ، فلما أصبح أقبلت إليه

__________________

(١) مرّ هذا الاسم عند خروج الحسينعليه‌السلام من المدينة إلى مكة ص ٥١٢ و ٥١٣ ، وذلك أنه بينما كانعليه‌السلام في موضع يقال له (الشريفة) إذ استقبله عبد الله بن مطيع العدوي ، وحذّره من الاغترار بأهل الكوفة ، ونصحه بكلام مشابه لهذا الكلام.

٥٥٤

أخته زينبعليها‌السلام فقالت له : يا أخي ألا أخبرك بشيء سمعته البارحة؟. فقال لها :وما ذاك يا أختاه؟. فقالت : إني خرجت البارحة في بعض الليل لقضاء حاجة ، فسمعت هاتفا يقول :

ألا يا عين فاحتفلي بجهد

فمن يبكي على الشهداء بعدي

على قوم تسوقهم المنايا

بمقدار إلى إنجاز وعد

فقال لها الحسينعليه‌السلام : يا أختاه كل ما قضي فهو كائن(١) .

وسار الحسينعليه‌السلام من الخزيميّة يريد الثعلبية ، فمرّ في طريقه بزرود.

٦٦٣ ـ ابن زياد يمنع التجول حول الكوفة ، ويقطع الطريق في وجه الحسينعليه‌السلام :(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٧٢)

وكان عبيد الله بن زياد أمر (عسكره) فأخذوا ما بين (واقصة) إلى طريق الشام إلى طريق البصرة ، فلا يدعون أحدا يلج ولا أحدا يخرج.

وأقبل الحسينعليه‌السلام لا يشعر بشيء ، حتّى لقي الأعراب فسألهم ، فقالوا : لا والله ما ندري غير أنا لا نستطيع أن نلج ولا نخرج. فسار تلقاء وجهه.

«زرود»

٦٦٤ ـ قصة انقلاب زهير بن القين وانضمامه إلى الحسينعليه‌السلام في (زرود):

(مقتل الحسين للمقرم ، ص ٢٠٧)

ولما نزل الحسينعليه‌السلام في زرود(٢) نزل بالقرب من زهير بن القين البجلي (وكان عثماني العقيدة) ويكره النزول معه ، لكن الماء جمعهم في المكان.

وفي (مثير الأحزان) للجواهري ، ص ٣٨ :

وحدّث جماعة من فزارة وبجيلة ، قالوا : كنا مع زهير بن القين البجلي حين أقبلنا من مكة ، وكنا نساير الحسينعليه‌السلام فلم يكن شيء أبغض علينا من أن ننازله في منزل. وكنا إذا نزل الحسينعليه‌السلام في منزل لم نجد بدّا من أن ننازله فيه ، إذا نزل هو وأصحابه في جانب ننزل في جانب آخر.

__________________

(١) مقتل المقرم ص ٢٠٧ نقلا عن مثير الأحزان لابن نما ، ص ٢٣.

(٢) في (المعجم مما استعجم) : زرود بفتح أوله وبالدال المهملة في آخره. وفي (معجم البلدان) ج ٤ ص ٣٢٧ : أنها رمال بين الثعلبية والخزيمية بطريق الحاج ، وهي دون الخزيمية بميل.

٥٥٥

فبينما نحن نتغدى من طعام لنا ، إذ أقبل رسول الحسينعليه‌السلام حتّى سلّم ودخل.ثم قال : يا زهير بن القين ، إن أبا عبد الله الحسينعليه‌السلام بعثني إليك لتأتيه!. فطرح كل إنسان منا ما في يده ، حتّى كأن على رؤوسنا الطير.

ـ شهامة دلهم بنت عمرو زوجة زهير :(مثير الأحزان للجواهري ، ص ٣٨)

فقالت له امرأته (دلهم بنت عمرو) : سبحان الله ، أيبعث إليك الحسينعليه‌السلام ابن رسول الله ، ثم لا تأتيه؟!. لو أتيته فسمعت كلامه ثم انصرفت!.

فأتاه زهير بن القين ، فما لبث أن جاء (إلى أصحابه فرحا) مستبشرا ، قد أشرق (أسفر) وجهه. فأمر بفسطاطه وثقله(١) ومتاعه فقوّض (وحوّل) إلى الحسينعليه‌السلام .

ثم قال لامرأته دلهم : أنت طالق ، إلحقي بأهلك ، فإني لا أحبّ أن يصيبك بسببي إلا خيرا ، وقد عزمت على صحبة هذا الرجل لأفديه بروحي وأقيه بنفسي. ثم أعطاها مالها ، وسلّمها إلى بعض بني عمها ليوصلها إلى أهلها.

فقامت إليه وبكت وودعته ، وقالت : خار الله لك ، أسألك أن تذكرني في القيامة عند جدّ الحسينعليه‌السلام .

وفي (الأخبار الطوال) للدينوري ، ص ٢٤٧ قال :

فقام زهير يمشي إلى الحسينعليه‌السلام ، فلم يلبث أن انصرف ، وقد أشرق وجهه ، فأمر بفسطاطه فقلع ، وضرب إلى لزق فسطاط الحسينعليه‌السلام .

ثم قال لامرأته : أنت طالق ، فتقدمي مع أخيك حتّى تصلي إلى منزلك ، فإني قد وطّنت نفسي على الموت مع الحسينعليه‌السلام .

ثم قال لمن كان معه من أصحابه : من أحب منكم الشهادة فليقم ، ومن كرهها فليتقدم. فلم يقم معه منهم أحد. وخرجوا مع المرأة وأخيها حتّى لحقوا بالكوفة.

٦٦٥ ـ نبوءة سلمان في بلنجر(٢) :

(المفيد في ذكرى السبط الشهيد ، ص ٥٧)

ثم قال زهير لأصحابه : من أحبّ منكم أن يتبعني ، وإلا فهو آخر العهد مني لكم.

__________________

(١) الثّقل : كل شيء نفيس مصون.

(٢) بلنجر : بلدة ببلاد الخزر ، خلف باب الأبواب ، فتحت في زمن عثمان سنة ٣٢ ه‍ على يد سلمان الفارسي أو سلمان بن ربيعة الباهلي.

٥٥٦

وإني سأحدّثكم حديثا : قد غزونا بلنجر (وفي بعض النسخ : غزونا البحر ، وهو تصحيف من الناسخ) ، ففتح الله علينا وأصبنا غنائم كثيرة ، فقال لنا سلمان الفارسيرحمه‌الله : أفرحتم بما فتح الله عليكم ، وبما أصبتم من الغنائم؟. قلنا :نعم. فقال سلمان : إذا أدركتم سيد شباب أهل الجنة من آل محمّد ، فكونوا أشدّ فرحا بقتالكم معه ، مما أصبتم اليوم من الغنائم.

فأما أنا فأستودعكم الله. ومضى زهير فصار من أنصار الحسينعليه‌السلام .

(أقول) : وهذا من نبوءة سلمان وعلومه التي استمدها من محمّد وآلهعليهم‌السلام .

«الثّعلبيّة»

٦٦٦ ـ نبأ المأساة : وصول خبر استشهاد مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة إلى الحسينعليه‌السلام في (الثعلبية):(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٩)

قال عبد الله بن سليمان والمنذر بن المشمعل الأسديان : قدمنا على الحسينعليه‌السلام حين نزل (الثعلبية) فأخبرناه بمقتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة ، وجرّهما من أرجلهما بأسواق الكوفة. فقال الحسينعليه‌السلام : إنا لله وإنا إليه راجعون ، رحمة الله عليهما يردد ذلك مرارا. قلنا : ننشدك الله في نفسك وأهل بيتك وهؤلاء الصبية إلا انصرفت من مكانك هذا ، فإنه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة ، بل نتخوف منهم أن يكونوا عليك. فنظر الحسين إلى بني عقيل فقال لهم : ما ترون ، فقد قتل مسلم؟. فبادر بنو عقيل وقالوا : والله لا نرجع ، أيقتل صاحبنا وننصرف! لا والله لا نرجع حتّى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق صاحبنا. فأقبل علينا الحسين وقال : لا خير في العيش بعد هؤلاء(١) فعلمنا أنه قد عزم رأيه على المسير.فقلنا له : خار الله لك. فقال : رحمكما الله تعالى. فقال له أصحابه : إنك والله ما أنت بمثل مسلم ، ولو قدمت الكوفة ونظر الناس إليك لكانوا إليك أسرع ، وما عدلوا عنك ولا عدلوا بك أحدا ، فسكت.

وفي (الإمامة والسياسة) لابن قتيبة ، ص ٥ :

__________________

(١) مقتل المقرم ، ص ٢١٠ عن كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ١٧.

٥٥٧

قال : وذكروا أن عبيد الله بن زياد بعث جيشا أمّر عليه عمرو بن سعيد [الصحيح : عمر بن سعد]. وقد جاء الحسينعليه‌السلام الخبر ، فهمّ أن يرجع ، ومعه خمسة من بني عقيل ، فقالوا له : أترجع وقد قتل أخونا ، وقد جاءك من الكتب ما تثق به؟!. فقال لبعض أصحابه : والله مالي عن هؤلاء من صبر ، يعني بني عقيل.

٦٦٧ ـ الحسينعليه‌السلام يواسي بنت مسلم الصغيرة :

(إبصار العين للشيخ السماوي ، ص ٤٨)

روى بعض المؤرخين أن الحسينعليه‌السلام لما قام من مجلسه بالثعلبية (وقد بلغه نبأ استشهاد مسلم) توجه نحو النساء ، وانعطف على ابنة لمسلم صغيرة (عمرها ١١ سنة) فجعل يمسح على رأسها ، فكأنها أحسّت. فقالت : ما فعل أبي؟. فقال : يا بنيّة أنا أبوك. ودمعت عينه ، فبكت البنت وبكت النساء لذلك.

٦٦٨ ـ ما قالهعليه‌السلام لرجل من أهل الكوفة في (الثعلبية) يبيّن أن أهل البيتعليهم‌السلام هم معادن العلم :(مقتل المقرم ، ص ٢١١)

وفي (الثعلبية) اجتمع بالحسين رجل من أهل الكوفة ، فقال له الحسينعليه‌السلام :أما والله لو لقيتك بالمدينة لأريتك أثر جبرئيل في دارنا ، ونزوله بالوحي على جدي.يا أخا أهل الكوفة : من عندنا مستقى العلم. أفعلموا وجهلنا! هذا مما لا يكون(١) .

(أقول) : وهذا كان جوابهعليه‌السلام لأغلب الذين نصحوه ، ولم يدركوا الغايات البعيدة من نهضتهعليه‌السلام ، ولم ينظروا نظرته الواعية العميقة إلى الأمور ولعمري من لأحد أن يداني الحسينعليه‌السلام في علمه ومعرفته ، وهو الّذي عاش في كنف الرسول والإمام ، يغرّ العلم غرّا ، ومنه أخذ الأئمة التسعة المعصومون من ولدهعليه‌السلام علوم الجفر والصحيفة الجامعة.

وقد أعطينا لمحة عن هذه العلوم في الفصل الخامس ، ص ٢٤٩ فراجع.

٦٦٩ ـ يحيى بن شدّاد يتخوّف على الحسينعليه‌السلام من قلة أنصاره :

(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ، ص ٢١٠)

عن يحيى بن شداد الأسدي ، قال : مرّ بنا الحسينعليه‌السلام بالثعلبية ، فخرجت إليه

__________________

(١) بصائر الدرجات للصفّار ص ٣ ؛ وأصول الكافي ، باب مستقى العلم من أهل البيتعليهم‌السلام .

٥٥٨

مع أخي ، فإذا عليه جبّة صفراء ، لها جيب في صدرها. فقال له أخي : إني أخاف عليك من قلة أنصارك!. فضرب بالسوط على عيبة قد حقبها خلفه ، وقال : هذه كتب وجوه أهل المصر.

«الشّقوق»

٦٧٠ ـ ملاقاة الحسينعليه‌السلام للفرزدق (بالشقوق) وهو راجع من الكوفة ، وتحذيره من أهلها :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٣ إليها

لقي الفرزدق [ابن غالب] الشاعر ، الحسينعليه‌السلام بالشّقوق ، وهو راجع من الكوفة(١) ، فسلّم عليه ، ثم دنا منه فقبّل يديه. فقال له الحسينعليه‌السلام : من أين أقبلت يا أبا فراس؟. فقال : من الكوفة يابن رسول الله. قال : فكيف خلّفت أهل الكوفة؟. قال : خلّفت قلوب الناس معك ، وأسيافهم مع بني أمية ، والقضاء ينزل من السماء ، والله يفعل في خلقه ما يشاء. فقال له الحسينعليه‌السلام : صدقت وبررت ، إن الأمر لله تبارك وتعالى ، كلّ يوم هو في شأن ؛ فإن نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر ، وإن حال القضاء دون الرجاء فلن يبعد من الحقّ بغيته(٢) (وفي رواية : فلم يعتد من كان الحق نيّته والتقوى سريرته). فقال الفرزدق : جعلت فداك يابن رسول الله ، كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمك مسلم بن عقيل وشيعته!. فاستعبر الحسينعليه‌السلام باكيا ، ثم قال : رحم الله مسلما فلقد صار إلى روح الله وريحانه وتحيته وغفرانه ورضوانه.أما إنه قد قضى ما عليه وبقي ما علينا. ثم أنشأ في ذلك يقول :

فإن تكن الدنيا تعدّ نفيسة

فإن ثواب الله أعلى وأنبل

__________________

(١) ذكر المقرم في مقتله ص ٢٠٣ نقلا عن تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢١٨ وكامل ابن الأثير ج ٤ ص ١٦ والإرشاد للمفيد ، أن ملاقاة الفرزدق كانت في (الصفاح). وفي تذكرة الحفاظ للذهبي ج ١ ص ٣٣٨ ومناقب ابن شهراشوب ج ٣ ص ٢٤٥ ط نجف ، أن ملاقاته كانت (بذات عرق). وفي الله وف ص ٤١ : كانت ملاقاته في (زبالة). وذكر المقرم بعض هذا الكلام على أنه جرى بين الحسينعليه‌السلام ورجل من أهل الكوفة لقيه في (الشقوق) وذكر الأشعار. يتضح من ذلك التضارب الكبير بين الروايات.

(٢) ورد هذا الكلام في مناقب ابن شهراشوب ج ٣ ص ٢٤٦ ط نجف ، منسوبا إلى رجل مجهول ، وليس الفرزدق.

٥٥٩

٢ وإن تكن الأبدان للموت أنشئت

فقتل امرئ في الله بالسيف أفضل

٣ وإن تكن الأرزاق قسما مقدّرا

فقلّة حرص المرء في الرزق أجمل

٤ وإن تكن الأموال للترك جمعها

فما بال متروك به المرء يبخل

٥ عليكم سلام الله يا آل أحمد

فإني أراني عنكم سوف أرحل

٦ سأمضي وما بالقتل عار على الفتى

إذا في سبيل الله يمضي ويقتل

وقد أضاف عليها أبو مخنف في مقتله الأبيات التالية ، وأوردها قبيل استشهادهعليه‌السلام :

٧ أرى كل ملعون كفور منافق

يروم فناها جهله ثم يعمل

٨ لقد غرّكم حلم الإله ، وإنه

كريم حليم لم يكن قطّ يعجل

٩ لقد كفروا يا ويلهم بمحمد

وربهم في الخلق ما شاء يفعل(١)

ثم ودّعه الفرزدق في نفر من أصحابه ، ومضى يريد مكة.

«زبالة»

٦٧١ ـ ما قالهعليه‌السلام حين بلغه مقتل عبد الله بن يقطر في (زبالة) وترخيصه لمن تبعه من الناس بالانصراف :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٩)

ثم سار الحسينعليه‌السلام حتّى انتهى إلى (زبالة) فورد عليه هناك مقتل أخيه من الرضاعة عبد الله بن يقطر(٢) (وكان سرّحه إلى مسلم بن عقيل من الطريق وهو لا يدري أنه قد أصيب(٣) . وكان قد تبع الحسين خلق كثير من المياه التي يمرّ بها ، لأنهم كانوا يظنون استقامة الأمور لهعليه‌السلام .

__________________

(١) لم ترد هذه الأشعار جملة واحدة في مصدر من المصادر ، وقد ذكر ابن شهراشوب البيت الخامس ، ولم يذكره الخوارزمي. وقد اختلف في زمن إنشادها ، فذهب كل من الخوارزمي وأبي مخنف إلى أن الحسينعليه‌السلام أنشدها قبيل استشهاده وليس هنا.

(٢) ذكر المقرم في مقتله ص ٢١٢ : أنه ورد على الحسينعليه‌السلام في هذا الموضع خبر مقتل (قيس بن مسهر) نقلا عن تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٢٦ ، وبعد مراجعة تاريخ الطبري تبيّن أن هذه الرواية وردت في مقتل عبد الله بن يقطر. ومما يؤكد نسبتها لابن يقطر ، أن مقتل قيس بن مسهر ذكره المقرم فيما بعد في (العذيب) وهو الصحيح ، فاقتضى التنويه.

(٣) لعل هذه الرواية أصح من التي وردت سابقا ، والتي مؤداها أن مسلم بن عقيل بعث عبد الله بن يقطر من الكوفة للحسينعليه‌السلام فقبض عليه في القادسية وهو خارج من الكوفة ، ثم قتل.

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735