موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 8%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 452034 / تحميل: 5260
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

الشافعية ، والثاني : لا خيار ؛ لحصول الملك في الحال وقد يؤدّي المالك الزكاة من غيره(١) .

ولو دفع المالك الزكاة من موضع آخر سقط خيار المشتري ؛ لزوال العيب ، ويحتمل ثبوته ؛ لإِمكان أن يخرج المدفوع مستحقاً فيبيع الساعي المال ، ولو أخرج الزكاة ثم باع فلا خيار.

ولو قلنا ببطلان البيع في قدر الزكاة - كما اختاره الشيخ(٢) والشافعي(٣) - صحّ البيع في الباقي ، فللمشتري الخيار ، ولا يسقط خياره بأداء الزكاة من موضع آخر ؛ لأنّ العقد في قدر الزكاة لا ينقلب صحيحاً بذلك.

مسألة ١٣٣ : لو ادّعى المالك تلف النصاب أو إبداله في الحول أو عدم انتهاء الحول قُبل قوله‌ من غير يمين سواء في ذلك السبب الظاهر والخفي ، وسواء ادّعى ما هو الظاهر أو خلافه - وهو أحد قولي الشافعي(٤) - لأنّه أمين فيما في يده ، لأنّ الزكاة تجب على طريق المواساة والرفق فقُبل قوله فيه.

والقول الثاني للشافعي : إن ادّعى الظاهر مثل عدم حولان الحول كان القول قوله ولا تجب اليمين بل يستحب أن يعرضها الساعي عليه للاستظهار وزوال التهمة.

فإن حلف فلا كلام ، وإن امتنع لم يطالبه بشي‌ء ؛ لأنّ اليمين ليست واجبة ، بخلاف المستودع إذا ادّعى التلف أو الردّ فإنّ اليمين تجب وإن كان أميناً ؛ لأنّ الوديعة حقّ للآدمي المتعيّن فكانت مبنيّةً على التضيّق ، والزكاة حقّ لله تعالى وجبت على طريق المواساة ، ولا يتعيّن فيها حقّ الآدمي وإنّما هو جهة لصرفها فافترقا.

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٦٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥٤.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٠٨.

(٣) المجموع ٥ : ٤٦٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥٣.

(٤) المجموع ٦ : ١٧٣ - ١٧٤.

٢٠١

وإن كان الظاهر مع الساعي مثل أن يدّعي إبدال النصاب أو أنّه باعه ثم اشتراه ، أو ادّعى أنّه كان وديعة ستة أشهر ثم ملكه ، أو ادّعى دفع الزكاة إلى غير هذا الساعي فإنّ الأصل عدم ما ذكره إلّا أنّ القول قوله ؛ لأنّه أمين.

وفي وجوب اليمين وجهان : الوجوب ؛ لأنّه خلاف الظاهر ، وليس بجيّد ؛ لما تقدّم ، وعدمه بل هي استظهار مستحب.

فعلى الأول لو امتنع طولب بالزكاة ولا يحلف الساعي ؛ لأنّه نائب عن الفقراء ، والنائب كالوكيل لا يحلف ، ولا يمكن إحلاف الفقراء ؛ لعدم تعيّنهم قبل الدفع.

ثم اعترض على نفسه : بأنّ الحكم لا يثبت بالنكول وقد ثبت هنا.

وأجاب : بأنّ الحكم ليس بالنكول بل بوجود النصاب في يده حولاً ، وإنّما يقبل قوله مع يمينه في إسقاطها ، فإذا لم يحلف اُخذ منه بالسبب المتقدّم ، كما لو امتنعت من اللعان(١) حُدّت بلعان الزوج لا بنكولها.

وعلى الثاني : إذا امتنع لم يطالب بالزكاة(٢) .

تذنيب : لو شهد عليه عدلان ببقاء عين النصاب أو بإقراره بما ينافي دعواه المسقطة للزكاة سمعت واُلزم بالزكاة.

مسألة ١٣٤ : لو عزل الزكاة فتلفت قبل أن يسلّمها إلى أهلها‌ إمّا المستحق أو الإِمام أو الساعي ، فإن كان بعد إمكان الأداء ضمن ولم تسقط عنه ، ووجبت عليه شاة اُخرى لا قيمة التالفة وإن كانت أزيد.

وإن كان قبل إمكان الأداء فالوجه عندي السقوط ، وبه قال مالك(٣) ؛

____________________

(١) يعني : كما في اللعان إذا لا عن الزوج ، لزم المرأة حدّ الزنا ، فإن لاعنت سقط ، وان امتنعت لزمها الحدّ لا بامتناعها بل بلعان الزوج. اُنظر : الهامش التالي.

(٢) المجموع ٦ : ١٧٤.

(٣) بداية المجتهد ١ : ٢٤٨ ، مقدمات ابن رشد ١ : ٢٣٥ - ٢٣٦ ، المدونة الكبرى ١ : ٣٤٤ - ٣٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٦.

٢٠٢

لأنّها أمانة في يده فإذا تلفت لم يضمن كالساعي ، ولأنّه حقّ يتعيّن بتعيينه ، فإذا تلف لم ينتقل إلى غيره ، لأصالة البراءة.

وقال الشافعي : لا تسقط(١) ، لأنّ المال في يده مشترك فلا يتميّز حقّ غيره بفعله كالمشترك.

والاُولى ممنوعة ، نعم على تقدير قوله بأنّ إمكان الأداء شرط في الوجوب يسقط الفرض ، وعلى تقدير أنّه شرط الضمان يسقط بقدر ما تلف ، ووجب الباقي.

مسألة ١٣٥ : لو كان عنده أجناس مختلفة يقصر كلٌّ منها عن النصاب لم تجب الزكاة‌ وإن كانت لو جمعت زادت - عند علمائنا أجمع - سواء في ذلك المواشي والغلّات والنقدان.

وقد وقع الاتّفاق على عدم ضمّ جنس إلى جنس آخر في غير الحبوب والأثمان.

فالماشية ثلاثة أجناس : الإِبل والبقر والغنم لا يضمّ جنس منها إلى الآخر ، والأثمار لا يضمّ جنس إلى غيره فلا يضمّ التمر إلى الزبيب ، ولا تضم الأثمان إلى شي‌ء من السائمة ولا من الحبوب والاثمار.

ولا خلاف في أنّ أنواع الأجناس يضمّ بعضها إلى بعض في إكمال النصاب ، ولا خلاف في أنّ العروض للتجارة والأثمان لها يضمّ بعضها إلى بعض إلّا أنّ الشافعي لا يضمّها [ إلّا ](٢) إلى جنس ما اشتريت به ؛ لأنّ نصابها معتبر به(٣) .

واختلف الجمهور في ضمّ الحبوب بعضها إلى بعض ، وفي ضمّ أحد النقدين إلى الآخر.

____________________

(١) حلية العلماء ٣ : ١٤٦.

(٢) زيادة أثبتناها من المصدر.

(٣) المغني ٢ : ٥٩١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٩.

٢٠٣

فعن أحمد ثلاث روايات : إحداها كقولنا بعدم الضمّ مطلقاً ، ويعتبر النصاب في كلّ جنس منها - وبه قال عطاء ومكحول وابن أبي ليلى والأوزاعي والثوري والحسن بن صالح بن حي وشريك والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي. لأنّها أجناس فاعتبر النصاب في كلّ جنس منها منفرداً كالثمار والمواشي(١) .

وقال عكرمة وأحمد - في رواية - وحكاه ابن المنذر عن طاوس : إنّ الحبوب كلّها يضمّ بعضها إلى بعض في إكمال النصاب(٢) - قال أبو عبيد : لا نعلم أحداً من الماضين جمع بينهما إلّا عكرمة(٣) - لقولهعليه‌السلام : ( لا زكاة في حب ولا تمر حتى يبلغ خمسة أوسق )(٤) .

وقال مالك والليث وأحمد في رواية : يضمّ الحنطة إلى الشعير ، والقِنْطيّات(٥) بعضها إلى بعض(٦) .

وفي ضم الذهب إلى الفضة عن أحمد روايتان ، فعلى الضمّ يؤخذ من كل جنس على قدر ما يخصّه ، ولا يؤخذ من جنس عن غيره إلّا الذهب والفضة فإنّ في إخراج أحدهما عن الآخر روايتين(٧) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٥٩١ - ٥٩٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٩ ، المجموع ٥ : ٥١٢ ، حلية العلماء ٣ : ٨٤ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٦ ، الأموال لأبي عبيد : ٤٧٥.

(٢) المغني ٢ : ٥٩٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٩ ، المجموع ٥ : ٥١٣.

(٣) الأموال لأبي عبيد : ٤٧٥ ، المغني ٢ : ٥٩٢.

(٤) أورده كما في المتن ابنا قدامة في المغني ٢ : ٥٩٢ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٥٩ ، وانظر أيضاً : سنن البيهقي ٤ : ١٢٨.

(٥) القِطْنيات ، جمع ، واحدتها : قِطْنية بكسر القاف ، وهي : الحبوب التي تدّخر كالحمّص والعدس ونحوهما. لسان العرب ١٣ : ٣٤٤ « قطن ».

(٦) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٣ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦ ، المدونة الكبرى ١ : ٣٤٨ ، المنتقى للباجي ٢ : ١٦٧ - ١٦٨ ، المغني ٢ : ٥٩٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٠ ، المجموع ٥ : ٥١٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٩ ، حلية العلماء ٣ : ٨٤ ، الأموال لأبي عبيد : ٤٧٤.

(٧) المغني ٢ : ٥٩٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦١.

٢٠٤

٢٠٥

المقصد الثالث

فيما تستحب فيه الزكاة‌

وفيه فصلان :

الأَوّل : في مال التجارة.

وفيه بحثان :

الأَوّل : في تحقيق ماهية مال التجارة.

مسألة ١٣٦ : مال التجارة هو المملوك بعقد معاوضة للاكتساب عند التملّك‌ ، فقصد التجارة لا بدّ منه فلو لم يقصده أو قصد القُنية ابتداءً أو انتهاءً لم يصر مال تجارة ، ولا يكفي مجرّد النيّة دون الشراء.

واقتران القصد بالملك(١) ، فلو كان يملك عرضاً لقُنيته فقصد التجارة بعد ذلك لم يصر للتجارة ، ولم ينعقد الحول عليه - وبه قال الشافعي وأحمد في رواية(٢) - لأنّ الأصل القُنية ، والتجارة عارض فلم ينصرف إليها بمجرّد النيّة كما لو نوى الحاضر السفر لم يثبت له حكم بدون الفعل.

____________________

(١) يعني : لا بدّ من اقتران القصد بالملك أيضاً.

(٢) الأم ٢ : ٤٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٦٦ ، المجموع ٦ : ٤٨ - ٤٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤١ ، حلية العلماء ٣ : ٩٩ ، المغني ٢ : ٦٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣١.

٢٠٦

وعن أحمد رواية : أنّ العرض يصير للتجارة بمجرّد النية ؛ لقول سمرة : أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن نخرج الصدقة ممّا يعدّ للبيع(١) ؛ وبالنيّة يصير معدّاً للبيع(٢) .

وليس بجيّد ؛ فإنّ النزاع وقع في أنّ المنويّ هل هو معدّ للبيع أم لا؟

وفي وجه للشافعي : أنّه يصير بالقصد مال التجارة كما لو كان عنده عرض للتجارة فنوى جعله للقُنية فإنّه يصير للقُنية(٣) .

والفرق ما تقدّم من أنّ الأصل الاقتناء ، والتجارة عارضة ، وبمجرّد النيّة يعود حكم الأصل ، ولا يزول حكم الأصل بمجرّدها.

مسألة ١٣٧ : ويشترط أن يملكه بفعله‌ إجماعاً ، فلو انتقل إليه بميراث لم يكن مال تجارة.

ويشترط أن يملكه بعوض عندنا - وبه قال الشافعي(٤) - فلو قصد التجارة عند الاتّهاب أو الاصطياد أو الاحتشاش أو الاغتنام أو قبول الوصية ، لم يصر مال التجارة.

وكذا لو قصد التجارة عند الردّ بالعيب أو الاسترداد حتى لو اشترى عرضاً للقُنية بمثله ثمّ ردّ ما اشتراه بعيب أو رُدّ عليه ما باعه فأخذه(٥) على قصد التجارة لم يصر مال تجارة.

لقول الصادقعليه‌السلام : « إن أمسك التماس الفضل على رأس ماله‌

____________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ٩٥ / ١٥٦٢ ، سنن البيهقي ٤ : ١٤٦ - ١٤٧ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٢٧ - ١٢٨ / ٩.

(٢) المغني ٢ : ٦٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣١.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٦ ، المجموع ٦ : ٤٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤١ - ٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٠ ، وهو قول الكرابيسي من الشافعية.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٦ ، المجموع ٦ : ٤٨ و ٤٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤٢ و ٤٣ ، حلية العلماء ٣ : ٩٩.

(٥) في « ط ، ف » والطبعة الحجرية : فأخذ. وما أثبتناه من « ن ».

٢٠٧

فعليه الزكاة »(١) وهو يدلّ على اعتبار رأس المال فيه.

ولأنّ القصد بالتجارة الاكتساب ، ولا يتحقّق المعنى إلّا إذا كان للسلعة رأس مال ، ولأنّه لم يملكه بعوض فأشبه الموروث.

وقال بعض الجمهور : لا فرق بين أن يملكه بعوض أو بغيره ، لأنّه ملكه بفعله فأشبه ما لو ملكه بعوض(٢) .

والفرق ظاهر.

إذا ثبت هذا ، فإن كان عنده ثوب قُنية فاشترى به عبداً للتجارة ، ثمّ رُدّ الثوبُ بعيب انقطع حول التجارة ، ولا يكون الثوب مال تجارة ، لأنّه لم يكن مال تجارة حتى يعود عند انقطاع البيع على ما كان عليه.

ولو كان عنده ثوب للتجارة فباعه بعبد للقُنية ، ثم رُدّ عليه الثوب بالعيب لم يكن مال تجارة ؛ لأنّ قصد القُنية قطع حول التجارة.

مسألة ١٣٨ : يشترط كونها معاوضةً محضة‌ ، فلو اشترى بنيّة التجارة كان المتاع مال تجارة سواء اشتراه بعرض أو نقد ، وسواء اشتراه بعين أو دَيْن ، وسواء كان الثمن مال قُنية أو مال تجارة.

ولو صالح على عرض للتجارة بَديْن أو عين للقُنية أو التجارة صار العوض مال تجارة.

ولو خالع امرأته وقصد التجارة في عرض الخُلع ، أو نكحت امرأة ونوت التجارة في الصداق لم يصر مال تجارة ؛ لأنّ النكاح والخُلع ليسا من عقود التجارات والمعاوضات المحضة ، وهو أحد وجهي الشافعي ، وفي الآخر : إنّه مال تجارة ؛ لأنّه ملك بالمعاوضة فيكتفى به في تعلّق الزكاة كما يكتفى به لثبوت‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٢٧ ( باب الرجل يشتري المتاع فيكسد عليه والمضاربة ) الحديث ١ ، التهذيب ٤ : ٦٨ / ١٨٥ ، الاستبصار ٢ : ١٠ / ٢٨ ، بتفاوت يسير.

(٢) المغني ٢ : ٦٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٩.

٢٠٨

الشفعة(١) .

والأصل ممنوع.

مسألة ١٣٩ : يشترط الحول في تعلّق زكاة التجارة‌ إجماعاً ، فلو ملك مالاً للتجارة انعقد عليه الحول من حينئذٍ ، فإذا تمّ الحول تعلّقت الزكاة به ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٢) وهو عام.

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « إذا حال الحول فليزكّها » وقد سأله محمد بن مسلم عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها(٣) .

مسألة ١٤٠ : ويشترط النصاب - في الثمن في زكاة التجارة - في الحول من أوله إلى آخره‌ ، فلو نقص في الابتداء بأن يشتريه بأقلّ من نصاب ، ثم زاد السعر في أثناء الحول حتى بلغ نصاباً أو نقص في الانتهاء بأن كان قد اشترى بنصاب ، ثم نقص السعر عند انتهاء الحول أو في الوسط بأن يشتري بنصاب ، ثم ينقص السعر في أثناء الحول ، ثم يرتفع السعر في آخره فلا زكاة عند علمائنا ، وبه قال الثوري وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وأحمد وابن المنذر والشافعي - في قول - لأنّه قال : يعتبر الحول فيه والنصاب فيجب اعتبار كمال النصاب في جميع الحول كسائر الأموال التي يعتبر لها ذلك(٤) .

وقال أبو حنيفة : يعتبر في أوله لينعقد عليه الحول ، وفي آخره ؛ لأنّه وقت الوجوب ، ولا يعتبر فيما بينهما - وهو قول للشافعي أيضاً - لأنّ الأسعار‌

____________________

(١) المجموع ٦ : ٤٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧١ / ١٧٩٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٠ و ٩١ / ١ و ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٥٢٨ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٦٨ / ١٨٦ ، الإستبصار ٢ : ١٠ / ٢٩.

(٤) المغني والشرح الكبير ٢ : ٦٢٥ ، المجموع ٦ : ٥٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٠١.

٢٠٩

تنخفض وترتفع ويعسر ضبطها ومراقبتها(١) .

ونمنع المشقّة ؛ فإنّ المتاع إن لم يقارب النصاب لم يحتج إلى تقويم لظهور معرفته ، وإن قارب سهل عليه التقويم ، وإلّا بني على أصالة البقاء لو كان نصاباً ، وعدم الزيادة لو قصر.

وقال مالك : إنّه يعتبر في آخر الحول - وهو أصح وجوه الشافعي - لكثرة اضطراب القِيَم(٢) ؛ وقد تقدّم.

مسألة ١٤١ : يشترط وجود رأس المال من أول الحول إلى آخره‌ ، فلو نقص رأس المال ولو حبّة ( في الحول )(٣) أو بعضه لم تتعلّق الزكاة به ، وإن عادت القيمة(٤) استقبل الحول من حين العود عند علمائنا أجمع - خلافاً للجمهور(٥) كافة - لأنّ الزكاة شُرّعت إرفاقاً بالمساكين فلا يكون سبباً لإِضرار المالك فلا يشرع مع الخسران ، ولأنّها تابعة للنماء عندهم وهو منفي مع الخسران.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إن أمسك متاعه ويبتغي رأس ماله فليس عليه زكاة ، وإن حبسه بعد ما وجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس ماله »(٦) .

احتجّوا بالعموم. والخاص مقدَّم.

____________________

(١) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٧٢ ، اللباب ١ : ١٤٩ ، المغني ٢ : ٦٢٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٦ ، المجموع ٦ : ٥٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٠١.

(٢) المغني ٢ : ٦٢٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٦ ، المجموع ٦ : ٥٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٠١.

(٣) ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق والطبعة الحجرية : ( في أثناء الحول ) وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٤) أي : إذا بلغ رأس المال.

(٥) كما في المعتبر للمحقق الحلّي : ٢٧٣.

(٦) الكافي ٣ : ٥٢٨ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٦٨ / ١٨٦ ، الاستبصار ٢ : ١٠ / ٢٩.

٢١٠

البحث الثاني

في الأحكام‌

مسألة ١٤٢ : زكاة التجارة مستحبة غير واجبة‌ عند أكثر علمائنا(١) ، وبه قال ابن عباس وأهل الظاهر كداود وأصحابه ومالك(٢) ، وقال الشافعي : هو القياس(٣) ، لقولهعليه‌السلام : ( عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق )(٤) ولم يفصّل بين ما يكون للتجارة والخدمة.

وقولهعليه‌السلام : ( ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة )(٥) فلو لا أنّ التجارة تحفظ من الزكاة وتمنع من وجوبها ما دلّهم عليها.

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « ليس في المال المضطرب به زكاة »(٦) .

وقال الباقرعليه‌السلام : « يا زرارة إنّ أبا ذر وعثمان تنازعا على عهد‌

____________________

(١) منهم : الشيخ المفيد في المقنعة : ٤٠ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ١٧٦ ، والمبسوط ١ : ٢٢٠ ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٠٤ ، والخلاف ٢ : ٩١ ، المسألة ١٠٦ ، والسيد المرتضى في جُمل العلم والعمل ضمن رسائله ٣ : ٧٥ ، والمحقق في شرائع الإِسلام ١ : ١٤٢.

(٢) المجموع ٦ : ٤٧ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٦٢٣ ، حلية العلماء ٣ : ٩٩.

(٣) حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٩٢ ، المسألة ١٠٦.

(٤) شرح معاني الآثار ٢ : ٢٨ ، مسند أحمد ١ : ١٢١ ، سنن البيهقي ٤ : ١١٨.

(٥) أورده كما في المتن الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٩٢ ، وبتفاوت يسير في الأموال لأبي عبيد : ٤٥٤ / ١٣٠٠.

(٦) التهذيب ٤ : ٧٠ / ١٩٠ ، الاستبصار ٢ : ٩ / ٢٥.

٢١١

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال عثمان : كل مال [ من ](١) ذهب أو فضة يدار ويعمل به ويتجر [ به ](٢) ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول ، فقال أبو ذر : أما ما اتّجر به أو دير وعُمل به فليس فيه زكاة ، إنّما الزكاة فيه إذا كان ركازاً كنزاً موضوعاً فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة ، فاختصما في ذلك إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : فقال : القول ما قال أبو ذر »(٣) .

ولأصالة البراءة ، ولدلالة مفهوم وجوب الزكاة في تسعة على نفيه عمّا سواها ، وغير ذلك.

وقال بعض علمائنا بالوجوب(٤) ، وهو قول الجمهور كالفقهاء السبعة وطاوس والنخعي والثوري والأوزاعي والشافعي - في الجديد - وأبي عبيد وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي(٥) ، لقول سَمُرة : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يأمرنا أن نخرج الزكاة مما نعدّه للبيع(٦) .

والأمر للندب تارة ، وللوجوب اُخرى ، فيحمل على الأول جمعاً بين الأدلّة ، ولو حمل على الوجوب حمل المعدّ للبيع على أحد النُصب التسعة ، والفائدة : إيجاب الزكاة وإن لم يتّخذ للقنية.

مسألة ١٤٣ : قد بيّنا أنّ شرط التعلّق عدم الخسران‌ ، وأن لا يطلب بنقص من رأس المال ، فإن بقي ناقصاً أحوالاً استحب أن يزكّيه عن سنة واحدة لقول الصادقعليه‌السلام وقد سأله العلاء عن المتاع لا اُصيب به رأس المال‌

____________________

(١و٢) زيادة من المصدر.

(٣) التهذيب ٤ : ٧٠ / ١٩٢ ، الاستبصار ٢ : ٩ / ٢٧.

(٤) يظهر القول بالوجوب من الصدوق في الفقيه ٢ : ١١.

(٥) المغني والشرح الكبير ٢ : ٦٢٣ ، المجموع ٦ : ٤٧ ، فتح العزيز ٦ : ٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٩٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠ ، اللباب ١ : ١٤٨.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ٩٥ / ١٥٦٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٢٧ - ١٢٨ / ٩ ، سنن البيهقي ٤ : ١٤٦ - ١٤٧.

٢١٢

عليّ فيه زكاة؟ قال : « لا » قلت : أمسكه سنين ثم أبيعه ما ذا عليّ؟ قال : « سنة واحدة »(١) .

مسألة ١٤٤ : لو طُلب في أثناء الحول بزيادة أو نمى المتاع‌ بأن كانت مواشي فتوالدت ، أو نخلاً وغيره فأثمر لم يبن حول النماء على حول الأصل ، بل كان حول الأصل من حين الانتقال إذا كان نصاباً ، والزيادة من حين ظهورها ؛ لأنّها مال لم يحل عليه الحول فلا تتعلّق به الزكاة ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٢) .

وقال مالك وإسحاق وأبو يوسف وأحمد : حول النماء مبني على حول الأصل ؛ لأنّه تابع له في الملك فيتبعه في الحول كالسخال والنتاج(٣) .

ونمنع الحكم في الأصل وعلّية المشترك.

وقال أبو حنيفة : يبنى حول كل مستفاد على حول جنسه نماءً كان أو غيره(٤) .

وقال الشافعي : إن نضّت(٥) الفائدة قبل الحول لم يبن حولها على حول النصاب واستأنف لها حولاً ؛ لأنّها فائدة تامة لم تتولّد ممّا عنده فلم تبن على حوله كما لو استفاد من غير الربح.

ولو اشترى سلعة بنصاب فزادت قيمتها عند رأس الحول فإنّه يضم الفائدة ، ويزكّي عن الجميع ، بخلاف ما إذا باع السلعة قبل الحول بأكثر من‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٦٩ / ١٨٩ ، الاستبصار ٢ : ١١ / ٣٢.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧١ / ١٧٩٢ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠١ / ١٥٧٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٦ / ٦٣٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٠ / ١ ، سنن البيهقي ٤ : ٩٥.

(٣) المغني ٢ : ٦٣٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٧١ ، المنتقى للباجي ٢ : ١٤٤.

(٤) المغني ٢ : ٦٣٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٢.

(٥) المال الناضّ ، هي : الدراهم والدنانير. الصحاح ٣ : ١١٠٧ « نضض ».

٢١٣

نصاب فإنّه يزكّي عند رأس الحول عن النصاب ، ويستأنف للزيادة حولاً(١) .

ولا فرق عندنا بين ذلك كلّه في عدم الضمّ.

تذنيب : لو اشترى للتجارة بما ليس بنصاب فنمى حتى صار نصاباً انعقد الحول عليه من حين صار نصاباً في قول أكثر العلماء ، لأنّه لم يحل الحول على نصاب فلم تجب فيه الزكاة كما لو نقص في آخره(٢) .

وقال مالك : لو كان له خمسة دنانير فتاجر فيها فحال الحول وقد بلغت نصاباً تعلّقت بها الزكاة(٣) ، وقد سلف بطلانه.

مسألة ١٤٥ : لو اشترى شقصاً للتجارة بألف ثم صار يساوي ألفين فعليه زكاة ألفين‌ ، فإن جاء الشفيع أخذه بألف ، لأنّ الشفيع إنّما يأخذ بالثمن لا بالقيمة ، والزكاة على المشتري ؛ لأنّها ثبتت وهو في ملكه ، ولو لم يأخذه الشفيع لكن وجد(٤) به عيباً فردّه فإنّه يأخذ من البائع ( ألفاً)(٥) .

ولو انعكس الفرض فاشتراه بألفين وحال الحول وقيمته ألف فلا زكاة عندنا ؛ للنقصان عن رأس المال.

وعند الجمهور عليه زكاة ألف ، ويأخذه الشفيع إن أخذه ويردّه بالعيب بالألفين ، لأنّهما الثمن الذي وقع البيع به(٦) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٦٣٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٦٧ ، المجموع وفتح العزيز ٦ : ٥٨.

(٢) المغني ٢ : ٦٣٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٥.

(٣) المغني ٢ : ٦٣٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٦ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٦١ ، بداية المجتهد ١ : ٢٧١.

(٤) أي : وجد المشتري.

(٥) ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية والطبعة الحجرية : ( أيضاً ) وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٦) المغني ٢ : ٦٣١ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٣ ، المجموع ٦ : ٧٤.

٢١٤

مسألة ١٤٦ : لعلمائنا قولان في أنّ العامل يملك الحصة أو الاُجرة‌ ، فالأشهر الأول.

ومن قال : إنّه يملك الحصة ، اختلفوا على قولين : أحدهما : أنّه يملك بالظهور ، والآخر : يملك بالإِنضاض ، وسيأتي(١) البحث في ذلك إن شاء الله تعالى.

فإن قلنا لا يملك حصّة ، فالزكاة بأجمعها على المالك ؛ لأنّه يملك الربح والأصل معاً ، وإن قلنا : يملك بالظهور - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد القولين(٢) - فعلى المالك زكاة الأصل ونصيبه من الربح.

وفي حصة العامل قولان : عدم الزكاة ؛ لأنّ ملكه غير مستقرّ عليه ، لأنّه وقاية لرأس المال عن الخسران.

والثاني : الثبوت ؛ للملك ، والتمكّن من التصرف فيه كيف شاء ، والقسمة ، وتعلّق حق الفقراء بذلك الجزء الذي هو لهم أخرجه عن كونه وقايةً لخسران يعرض ، وقوّاه الشيخ(٣) ، وللشافعي كالقولين(٤) .

وله آخر : أنّه كالمغصوب ، لأنّه غير متمكّن من التصرف فيه على حسب مشيئته(٥) .

وإن قلنا : إنّه يملك بالقسمة والإِنضاض - وهو أصح قولي الشافعي ، وبه قال مالك والمزني(٦) - فزكاة رأس المال على المالك.

____________________

(١) يأتي في المبحثين : الأول والرابع من الفصل الثالث من المقصد الرابع في القراض.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ٣٩٤ ، المجموع ٦ : ٧١ و ١٤ : ٣٧٧ - ٣٧٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤١ ، المغني ٥ : ١٦٩.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٢٢٤ وفيه : ولو قلنا : إنّ ذلك له كان أحوط.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٨ ، المجموع ٦ : ٧١ - ٧٢ ، فتح العزيز ٦ : ٨٥ - ٨٦.

(٥) المجموع ٦ : ٧٢ ، فتح العزيز ٦ : ٨٦.

(٦) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٨ و ٣٩٤ ، المجموع ٦ : ٧١ و ١٤ : ٣٧٧ ، فتح العزيز ٦ : ٨٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤١.

٢١٥

وقيل : كذا الربح بأجمعه ، لأنّ الجميع له(١) .

ويحتمل في نصيب العامل العدم ، أمّا على المالك : فلأنّه يجري مجرى المغصوب أو الملك الضعيف لتأكّد حقّ العامل فيه ، وأمّا العامل : فلعدم ملكه به.

وإيجاب الزكاة في الربح كلّه على المالك ضعيف ، لأنّ حصة العامل متردّدة بين أن تسلم فتكون له ، أو تتلف فلا يكون له ولا للمالك شي‌ء فكيف يجب عليه زكاة ما ليس له بوجه!؟ وكونه نماء ماله لا يقتضي إثبات الزكاة عليه ؛ لأنّه لغيره.

إذا عرفت هذا ، فإن قلنا بثبوت الزكاة في حصّة العامل فإنّما تثبت لو بقيت حولاً نصاباً ، أو يضمّها إلى ما عنده من أموال التجارة غيرها وتبلغ نصاباً.

ولا يبنى حول نصيب العامل على حول رأس المال عند علمائنا - وهو أحد وجهي الشافعية - لأنّه في حقه أصل مقابل بالعمل.

والثاني للشافعية : البناء ؛ لأنّه ربح كنصيب المالك(٢) . وليس بجيّد.

وعلى ما اخترناه ، فابتداء الحول من حين الظهور ؛ لحصول الملك حينئذٍ ، أو الإِنضاض والقسمة ؛ لأنّ استقرار الملك يحصل حينئذٍ.

ويحتمل من يوم تقويم المال على المالك لأخذ الزكاة ، ولا يلزمه إخراج الزكاة قبل القسمة ، فإذا اقتسماه زكّاه لما مضى من الأحوال - كالدَّين يستوفيه - عند الشافعية(٣) .

والأقوى عندي : أنّه يخرج في الحال ؛ لتمكّنه من القسمة.

تذنيب : لو أراد العامل إخراج الزكاة من عين مال القراض احتمل أن‌

____________________

(١) القول للشافعية ، اُنظر : المهذب للشيرازي ١ : ١٦٨ ، المجموع ٦ : ٧١ ، فتح العزيز ٦ : ٨٥.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٨٦.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٨٦ ، المجموع ٦ : ٧٢.

٢١٦

يستبد به ، لأنّ الزكاة من المؤن اللازمة للمال كاُجرة الدلّال والكيّال.

ويحتمل أنّ للمالك منعه ؛ لأنّ الربح وقاية لرأس المال ، فله أن يمنع من التصرف في الربح حتى يسلّم إليه رأس المال ، ويبنى على الاحتمال ما يخرج المالك من زكاة مال القراض إن جعلنا الزكاة كالمؤن احتسب من الربح كما يحتسب أرش جناية عبد التجارة من الربح.

ويحتمل احتسابه من رأس المال ؛ لأنّه مصروف إلى حقّ لزم المالك ، فكان كما لو ارتجع شيئاً من المال.

ويحتمل أنّ ما يخرجه المالك خاصة من رأس المال ؛ لأنّه يختص بلزومه.

مسألة ١٤٧ : إذا حال الحول على العروض قوّمت بالثمن الذي اشتريت به‌ سواء كان نصاباً أو أقلّ ، وسواء كان من الأثمان أو لا ، ولا يعتبر نقد البلد ، وبه قال الشافعي إلّا أنّه قال : إذا كان من جنس الأثمان وكان الثمن أقلّ من نصاب فيه وجهان : أحدهما : أن يقوّم بما اشتراه. والثاني : يقوّم بغالب نقد البلد(١) .

هذا إن لم يملك من النقد الذي ملك به ما تمّ النصاب ، أمّا إذا اشترى للتجارة بمائة درهم وهو يملك مائة أخرى فإنه يقوّم بما ملك به أيضاً ، لأنّه ملك ببعض ما انعقد عليه الحول.

ووافقنا أبو يوسف(٢) في التقويم بما اشتراه مطلقاً ؛ لأنّ نصاب العرض مبني على ما اشتراه به فتثبت الزكاة فيه ، ويعتبر به كما لو لم يشتر به شيئاً.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إن طلب برأس المال فصاعداً ففيه‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٨ ، المجموع ٦ : ٦٤ ، فتح العزيز ٦ : ٧٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٣.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٢١ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٠٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٤.

٢١٧

الزكاة ، وإن طلب بالخسران فليس فيه زكاة »(١) ولا يمكن أن يعرف رأس المال إلّا أن يقوّم بما اشتراه به بعينه.

وقال أبو حنيفة وأحمد : تقوّم بما هو أحظّ للمساكين سواء اشتراها بذهب أو فضة أو عروض ، فلو كانت قيمتها بالفضّة دون النصاب وبالذهب نصاباً قوّمت به وإن كان الثمن فضةً ، وبالعكس ، لأنّ قيمته بلغت نصاباً فتثبت الزكاة فيه ، كما لو اشتراه بعرض وفي البلد نقدان مستعملان تبلغ قيمة العرض بأحدهما نصاباً ، ولأنّ تقويمه لحظّ المساكين فيعتبر ما لهم فيه الحظ كالأصل(٢) .

والفرق في الأول ظاهر ؛ فإنّ الثمن بلغ نصاباً ، بخلاف المتنازع ، ومراعاة الفقراء ليست أولى من مراعاة المالك.

فروع :

أ - إذا كان الثمن من العروض قوّم بذهب أو فضة حال الشراء ، ثم يقوّم في أثناء الحول إلى آخره بثمنه الذي اشتري به ، وقوّم الثمن بالنقدين ، فإن قصر أحدهما في الأثناء سقط اعتبار الحول إلى أن يعود إلى السعر ، وإلّا ثبتت.

ولو قصر أحدهما وزاد الآخر مثل أن يشتريه بمتاع قيمته نصاب ، ثم يرخص سعر الثمن أو يغلو فالأقرب حينئذٍ ثبوت الزكاة مع الرخص لا مع الغلاء إلّا أن يكون العرض للتجارة.

ب - لو بلغت قيمته نصاباً بكلّ واحد من النقدين قوّمه بما اشتراه أيضاً.

____________________

(١) أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ١٠٠ ذيل المسألة ١١٤ ، والمحقق في المعتبر : ٢٧٢.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٢١ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٠٥ ، اللباب ١ : ١٤٨ - ١٤٩ ، المغني ٢ : ٦٢٥ - ٦٢٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٤ ، فتح العزيز ٦ : ٧٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٤.

٢١٨

وقال أحمد : يقوّم بما شاء إلّا أنّ الأولى إخراج النقد المستعمل في البلد ؛ لأنّه أحظّ للمساكين ، ولو كانا مستعملين أخرج من الغالب في الاستعمال ، ولو تساويا تخيّر(١) .

ج - لو بلغت السلعة نصاباً بأحد النقدين وقصرت بالآخر ثبتت الزكاة ؛ لأنّه بلغ نصاباً بأحد النقدين فثبتت فيها الزكاة كما لو كان عيناً.

مسألة ١٤٨ : تثبت زكاة التجارة في كلّ حول‌ ، وبه قال الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأي(٢) ؛ لأنّه مال ثبتت فيه الزكاة في الحول الأول لم ينقص عن النصاب ولم تتبدّل صفته فتثبت زكاته في الحول الثاني كما لو نضّ في أوله ، ولأنّ السبب المقتضي لثبوتها في الأول ثابت في الثاني.

وقال مالك : لا يزكّيه إلّا لحول واحد ، لأنّ الحول الثاني لم يكن المال عيناً في أحد طرفيه فلا تثبت فيه الزكاة كالحول الأول إذا لم يكن في أوله عيناً(٣) .

ونمنع ثبوت حكم الأصل.

مسألة ١٤٩ : تخرج الزكاة من قيمة العروض دون عينها ، قاله الشيخ(٤) -رحمه‌الله - على القول بالوجوب - وبه قال الشافعي في أحد القولين ، وأحمد(٥) - لأنّ النصاب معتبر بالقيمة فكانت الزكاة منها كالعين في سائر الأموال.

____________________

(١) المغني ٢ : ٦٢٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٥.

(٢) المغني ٢ : ٦٢٣ - ٦٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٧.

(٣) المغني ٢ : ٦٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٧ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩.

(٤) الخلاف ٢ : ٩٥ ، المسألة ١٠٩.

(٥) الاُم ٢ : ٤٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٦٨ ، المجموع ٦ : ٦٨ ، فتح العزيز ٦ : ٦٧ ، المغني ٢ : ٦٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٨.

٢١٩

ولقول الصادقعليه‌السلام : « كلّ عرض فهو مردود إلى الدراهم والدنانير »(١) وهو يدلّ على تعلّق الزكاة بالقيمة.

وقال أبو حنيفة : يتخيّر بين الإِخراج من العين أو من القيمة ، لكن الأصل العين ، فالزكاة تتعلّق بالسلعة وتجب فيها لا بالقيمة ، فإن أخرج العرض أخرج أصل الواجب ، وإن عدل عنه إلى القيمة فقد عدل إلى بدل الزكاة - وهو الثاني للشافعي - لأنّها مال تجب فيه الزكاة فتعلّقت بعينه كسائر الأموال(٢) . ولا بأس بهذا القول.

ويمكن الجواب عمّا قاله الشيخ بأنّ اعتبار النصاب لاستعلام القدر لا لوجوب الإِخراج منه ، وكذا الرواية.

مسألة ١٥٠ : القدر المخرج هو رُبع العُشر إمّا من العين أو القيمة‌ - على الخلاف - إجماعاً ، وقد تقدّم أنّ التقويم بما اشتريت به وإن كان غالب نقد البلد غيره ، لكن الأولى إخراج نقد البلد.

ولو ملكه بعرض للقُنية قوّم في آخر الحول به عندنا.

وقال الشافعي : يقوّم بغالب نقد البلد من الدراهم أو الدنانير ، فإن بلغ به نصاباً أخرج زكاته ، وإلّا فلا ، وإن كان يبلغ بالآخر نصاباً أو كان النقدان جاريين في البلد قوّم بالأغلب ، فإن استويا وبلغ بهما نصابا فوجوه : التخيير بأن يقوّم بما شاء ويخرجه ، ومراعاة الأغبط للفقراء ، والتقويم بالدراهم ، لأنّها أرفق وأصلح ، واعتبار الغالب في أقرب البلاد(٣) .

تذنيب : لو اشترى بنصاب من النقد وبعرض قُنية قوّم ما يقابل الدراهم‌

____________________

(١) أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٩٦ ذيل المسألة ١٠٩ ، والمحقق في المعتبر : ٢٧٣.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٢١ ، المغني ٢ : ٦٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٦٨ ، المجموع ٦ : ٦٩ ، فتح العزيز ٦ : ٦٨.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٨ ، المجموع ٦ : ٦٦ ، فتح العزيز ٦ : ٧٣ - ٧٤ ، الوجيز ١ : ٩٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٣.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

قال : ومدينة بابل بناها (بيوراسب) الجبار ، واشتق اسمها من اسم المشتري ، لأن (بابل) باللسان البابلي الأول اسم المشتري. ولما استتم بناؤها جمع إليها كل من قدر عليه من العلماء ، وبنى لهم اثني عشر قطرا ، على عدد البروج ، وسماها بأسمائهم. فلم تزل عامرة حتّى كان الاسكندر ، وهو الّذي خرّبها.

وبابل اليوم هي اسم ناحية ، منها الكوفة والحلة. وأما المدينة فهي خراب لا يوجد غير أطلالها ، التي تقع شمال الحلة على مسافة ٣ أميال (٦ كم). وهي الآن بعيدة عن ضفة شط الحلة اليمنى ، وكان الشط يمرّ بها في العهد القديم ، قبل تحويله.

وفي كتاب (أضواء على معالم محافظة كربلاء) لمحمد النويني ، ج ١ ص ٢٤ :تقع بابل على مقربة من شط الفرات الشرقي ، وقد كانت عاصمة للدولة البابلية.

وفي بابل جرت أكبر موقعة بين سعد بن أبي وقاص وجيوش الفرس سنة ١٦ ه‍ حين فتح المدائن. ويقال إن فيها ألقى النمرود سيدنا إبراهيم الخليلعليه‌السلام في النار ، فكانت عليه بردا وسلاما.

ـ كور بابل :(المصدر السابق)

أما كور بابل فيضم مجموعة القرى التالية ، التي تقع على فرع الفرات المسمى بنهر العلقمي [انظر الشكل ١٢] ، بعضها على شرقه كالعقر والغاضرية ، وبعضها على غربه وهي شفية. أما نينوى فتقع قرب شط الفرات الأصلي على شط فرعه المسمى نهر نينوى.

٧١٧ ـ العقر :

قال الخليل : سمعت أعرابيا من أهل الصمّان يقول : كل فرجة تكون بين شيئين فهي: عقر وعقر لغتان.

والعقر : عدة مواضع ، منها عقر بابل ، قرب كربلاء. وقد روي أن الحسينعليه‌السلام لما انتهى إلى كربلاء ، وأحاطت به خيل عبيد الله بن زياد ، قال :ما اسم تلك القرية؟. وأشار إلى العقر. فقيل له : اسمها العقر ، فقال : نعوذ بالله من العقر!. فما اسم هذه الأرض التي نحن فيها؟. قالوا : كربلاء!. قال : أرض كرب وبلاء. وأراد الخروج منها فمنع ـ كما هو مذكور في مقتله ـ حتّى كان منه ما كان.

٦٠١

٧١٨ ـ الغاضرية :

قرية منسوبة إلى بني غاضرة من بني أسد ، الذين قد اشترى منهم الحسينعليه‌السلام أرض كربلاء ، وهي الأرض المنبسطة التي كانت مزرعة لبني أسد ، شمالي الهيابي ، وتعرف بأراضي الحسينية. وقد نزلها بنو أسد بعد اختطاط الكوفة ونزول القبائل المضرية واليمانية.

٧١٩ ـ النواويس :(أضواء على معالم محافظة كربلاء ، ص ٢٥)

كانت النواويس مقبرة عامة للنصارى قبل الفتح الاسلامي ، وتقع في أراضي الحسينية قرب نينوى ، وهي الأطلال الكائنة في شمال غربي كربلاء التي تعرف بكربلاء القديمة ، يستخرج منها بعض الحباب الخزفية التي كان البابليون يدفنون موتاهم فيها.

وقد ذكرها الإمام الحسينعليه‌السلام في خطبته المشهورة عند ما عزم على المسير إلى الكوفة ، فقال : «كأني بأوصالي [هذه] تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء».

٧٢٠ ـ الحائر :

وهي الأراضي المنخفضة من كربلاء التي تضمّ قبر الحسينعليه‌السلام إلى رواق بقعته الشريفة. وقد حار الماء حولها على عهد المتوكل العباسي ، أي دار حول القبر دون أن يمسه ، وذلك عندما حاول المتوكل الغاشم حرث القبر الشريف ، وسلّط عليه الماء ليعفّي أثره.

وسوف يأتي بحث مستفيض حول (الحائر)و (الحرم) عند الكلام عن مرقد الحسينعليه‌السلام في كربلاء ، في أواخر الجزء الثاني من الموسوعة.

٧٢١ ـ المدائن :(الفهرست : معجم الخريطة التاريخية ، ص ٩٥)

المدائن (أو مدائن كسرى) : هي قاعدة مملكة الفرس لعهد الفتح الاسلامي ، وتدعى عند اليونان (طيسفون). تقع على الشاطئ الأيسر من نهر دجلة ، وأطلالها اليوم على بعد ٢٦ كم جنوب بغداد. وفيها آثار إيوان كسرى أنوشروان (طاق كسرى) الّذي وصفه البحتري في قصيدته السينية المشهورة. ومنذ أن دفن فيها الصحابي الجليل سلمان الفارسي أصبحت القرية تسمى (سلمان باك) : أي سلمان الطاهر.

٦٠٢

يقول اليعقوبي في كتابه (البلدان) ص ١٠٦ :

من أراد من بغداد إلى المدائن وما والاها مما على حافتي دجلة من المدن والطساسيج ، خرج من بغداد فسلك أي الجانبين الشرقي من دجلة أو الغربي في قرى عظام فيها ديار الفرس ، حتّى يصير إلى المدائن ، وهي على سبعة فراسخ من بغداد. والمدائن دار ملوك الفرس ، وكان أول من نزلها أنوشروان ، وهي عدة مدن في جانبي دجلة ، منها اسبانير في الجانب الشرقي ، وفيها إيوان كسرى العظيم الّذي ليس للفرس مثله ، ارتفاع سمكه ثمانون ذراعا. وفي هذه المدينة كان ينزل سلمان الفارسي.

نزول كربلاء

٧٢٢ ـ ما قاله الحسينعليه‌السلام أول نزوله كربلاء ، وفيه يذكر ما حلّ به :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٦)

وكان نزول الحسينعليه‌السلام في (كربلاء) في الثاني من المحرم سنة ٦١ ه‍.فجمع ولده وإخوته وأهل بيته ، فنظر إليهم وبكى ، ثم قال : الله م إنا عترة نبيك محمّد صلواتك عليه ، قد أزعجنا وأخرجنا وطردنا عن حرم جدنا ، وتعدّت بنو أمية علينا.

الله م فخذ لنا بحقنا وانصرنا على القوم الظالمين(١) .

٧٢٣ ـ من خطبة لهعليه‌السلام في أصحابه ، وفيها يذكر مصرعه :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٧)

ثم خطبعليه‌السلام في أصحابه ، فقال :

أما بعد ، فإن الناس عبيد الدنيا ، والدين لعق على ألسنتهم ، يحوطونه ما درّت معايشهم ، فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الدّيّانون(٢) .

ثم قال لهم : أهذه كربلاء؟. قالوا له : نعم. فقال : هذه موضع كرب وبلاء. ههنا مناخ ركابنا ، ومحطّ رحالنا ، ومسفك دمائنا.

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٣٠.

(٢) مقتل الحسين للمقرم ، ص ٢٣١ نقلا عن البحار ، ج ١٠ ص ١٩٨.

٦٠٣

موقف الإنسان من الدين والدنيا :

(سيد الشهداء للسيد مصطفى الاعتماد ، ص ٦٨)

قال الإمام الحسينعليه‌السلام : الناس عبيد الدنيا ، والدين لعق على ألسنتهم ، يحوطونه ما درّت معايشهم ، فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الدّيّانون

هذه الجمل الذهبية التي فاه بها الإمام الحسينعليه‌السلام كحقيقة أبدية تعبّر أصدق تعبير ، عن تعلّقات النفس البشرية ، وتطوراتها الفجائية ، على أثر المطامع والأغراض الدنيوية الرخيصة. فارتكاز الناس أبدا على الحياة الدنيا ، أما الدين فليس لديهم بحيث يستحق أيما اهتمام إذا تعارض مع الدنيا. أما إذا كان الدين إلى جانب لا يمسّ مصالحهم بسوء فهو حق يعترف به ، ولكن لو تراءى شبح البلايا ، فانهم يتسللون لواذا من تحت راية الحق والحقيقة ، بلا هوادة أو تحاش.

٧٢٤ ـ تخييم الحسينعليه‌السلام في كربلاء مع أهله وأصحابه :

(الحسين في طريقه إلى الشهادة ، ص ١٤٦)

لما نزل أصحاب الحسينعليه‌السلام في كربلاء ، ضربوا أخبيتهم امتثالا لأمره ، فضربوا خيامهم قبالة الشمال الشرقي أبوابها. وأول خيمة نصبوها خيمة الحسينعليه‌السلام العظمى حيث هي محل مجتمعهم وناديهم ، ثم ضربوا أخبية عيالات الحسينعليه‌السلام غربي الخيمة العظمى على مسافة خمسين ذراعا ، وحجبوها بالزقاقات والأستار المزركشة بالأبريسم ، ثم خيّم أهل بيته خلف الخيمة العظمى ، أي قبلها متصلة بخيم الهاشميات ، ثم نصب الأنصار خيامهم شرقي خيم الهاشميين ، فكانت الخيم كلها كنصف دائرة محيطة بخيمة الحسين العظمى. ومن وراء الخيم مرابط الخيول ومعاطن الإبل (أي مرابضها).

٧٢٥ ـ ما قاله الحسينعليه‌السلام وهو يصلح سيفه بعد أن خيّم في كربلاء ، وحديثه مع زينبعليها‌السلام بعد أن نعى نفسه :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٧)

قال الخوارزمي : فنزل القوم وحطّوا الأثقال ناحية من الفرات. وضربت خيمة الحسينعليه‌السلام لأهله وبنيه وبناته ، وضربت خيم إخوته وبني عمه حول خيمته.

وجلس الحسينعليه‌السلام في خيمته يصلح سيفه ومعه جون مولى أبي ذرّ الغفاري ، فجعل يصلحه ويقول :

٦٠٤

(الشكل ١٦):

رسم تمثيلي لتوزيع خيام الحسينعليه‌السلام في كربلاء

يا دهر أفّ لك من خليل

كم لك بالإشراق والأصيل

من صاحب وطالب قتيل

والدهر لا يقنع بالبديل

وكلّ حي سالك سبيلي

ما أقرب الوعد من الرحيل

وإنما الأمر إلى الجليل

سبحانه جلّ عن المثيل(١)

قال زين العابدين علي بن الحسينعليه‌السلام : وجعل أبي يردد هذه الأبيات فحفظتها منه ، وخنقتني العبرة ولزمت السكوت حسب طاقتي. فأما عمتي زينب فلما سمعت بذلك استعبرت وبكت ، وكانت ضعيفة القلب ، فبان عليها الحزن والجزع ، فأقبلت تجرّ أذيالها إلى الحسينعليه‌السلام وقالت : يا أخي ويا قرّة عيني ، ليت الموت أعدمني الحياة. يا خليفة الماضين وثمال الباقين(٢) . فنظر إليها الحسينعليه‌السلام وقال : يا أختاه لا يذهبنّ بحلمك الشيطان [وفي رواية : تعزّي بعزاء الله] فإن أهل

__________________

(١) مناقب ابن شهراشوب ج ٣ ص ٢٤٩ ط نجف ، بدون الشطرة الأخيرة ، وأورد هذا الشعر ليلة عاشوراء.

(٢) الثّمال : الغياث ، وأصله من الثميلة ، وهي البقية من الماء.

٦٠٥

السماء يموتون وأهل الأرض لا يبقون ، وكل شيء هالك إلا وجهه ، له الحكم وإليه ترجعون. فأين أبي وجدي اللذان هما خير مني ، فلي بهما ولكل مؤمن أسوة حسنة.وعزّاها ، ثم قال لها : بحقي عليك يا أختاه ، إذا أنا قتلت فلا تشقّي عليّ جيبا ولا تخمشي عليّ وجها(١) . ثم ردّها إلى خدرها.

(وروي) أنه لما سمعت ذلك أخته زينب أو أم كلثوم جاءت إلى الحسينعليه‌السلام وقالت: يا أخي هذا كلام من أيقن بالموت ، قال : نعم يا أختاه. قالت : إذن فردّنا إلى حرم جدنا. فقال : يا أختاه لو ترك القطا (ليلا) لنام. فقالت : واثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة ، مات جدي رسول الله ومات أبي علي وماتت أمي فاطمة ومات أخي الحسن ، وبقي ثمال أهل البيت ، واليوم ينعى إليّ نفسه. وبكت ، فبكت النسوة ولطمن الخدود وشققن الجيوب ، وجعلت أخته تنادي : وا محمداه وا أبا القاسماه ، اليوم مات جدي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وا أبتاه وا علياه ، اليوم مات أبي علي. وا أماه وا فاطماه ، اليوم ماتت أمي فاطمة. وا أخاه وا حسناه ، اليوم مات أبي علي. وا أماه وا فاطماه ، اليوم ماتت أمي فاطمة. وا أخاه وا حسناه ، اليوم مات أخي الحسن.وا أخاه وا حسيناه ، وا ضيعتنا بعدك يا أبا عبد الله. فعزّاها الحسين وصبّرها ، وقال :يا أختاه تعزّي بعزاء الله ، وارضي بقضاء الله ، فإن أهل السماء يفوتون ، وأهل الأرض يموتون ، وجميع البرية لا يبقون ، وكل شيء هالك إلا وجهه ، فتبارك الله الّذي إليه جميع الخلق يرجعون ، فهو الّذي خلق الخلق بقدرته ، ويفنيهم بمشيئته ، ويبعثهم بإرادته. يا أختاه كان جدي وأبي وأمي وأخي خيرا مني وأفضل ، وقد ذاقوا الموت وضمّهم التراب ، وإن لي ولك ولكل مؤمن برسول الله أسوة حسنة.

ثم قالعليه‌السلام : يا زينب ويا أم كلثوم ويا فاطمة ويا رباب ، أنظرن إذا أنا قتلت فلا تشققن عليّ جيبا ، ولا تخمشن عليّ وجها ، ولا تقلن فيّ هجرا.

(وفي تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ٢٤٣) عن زين العابدينعليه‌السلام أن الحسينعليه‌السلام قال هذه الأبيات عشية اليوم التاسع من المحرم.

قال علي بن الحسينعليه‌السلام : إني لجالس في العشية التي قتل أبي الحسين بن عليعليهما‌السلام في صبيحتها ، وعندي عمتي زينب تمرّضني ، إذ دخل أبي وهو يقول :[يا دهر أفّ لك من خليل] إلى آخر الأبيات المتقدمة.

__________________

(١) مقتل الحسين لأبي مخنف ص ٥٠ ، وأورد المقرم نظير هذا الكلام ص ٢٦٤ في ليلة عاشوراء منقولا عن الله وف. ولدى الرجوع إلى الله وف ص ٤٥ تبيّن أنه أورده هنا أول نزولهعليه‌السلام كربلاء.

٦٠٦

يقول زين العابدينعليه‌السلام : ففهمت ما قال ، وعرفت ما أراد ، وخنقتني العبرة فرددتها ، وعلمت أن البلاء قد نزل بنا.

وأما عمتي زينبعليها‌السلام فإنها لما سمعت ما سمعت ، وهي امرأة ـ ومن شأن النساء الرقة والجزع ـ لم تملك نفسها أن وثبت تجرّ ثوبها حاسرة ، حتّى انتهت إليه ، وهي تقول :

واثكلاه!. ليت الموت أعدمني الحياة. اليوم ماتت أمي فاطمة ، وأبي علي ، وأخي الحسنعليهم‌السلام . يا خليفة الماضي وثمال الباقي.

فنظر إليها الحسينعليه‌السلام ، ثم قال : يا أخيّة لا يذهبنّ حلمك الشيطان ، فإن الموت نازل لا محالة. فقالت : بأبي وأمي أتستقتل ، نفسي لك الفدا؟. فردّت عليه غصته ، وترقرقت عيناه بالدموع ، ثم قال : لو ترك القطا ليلا لنام!. فقالت زينبعليها‌السلام : يا ويلتاه ، أفتغصب نفسك اغتصابا؟ فذلك أقرح لقلبي وأشدّ على نفسي. ثم لطمت وجهها ، وأهوت إلى جيبها فشقّته ، وخرّت مغشيا عليها.

فقام إليها الحسينعليه‌السلام فصبّ على وجهها الماء حتّى أفاقت ، وقال لها : يا أخيّة ، اتّقي الله وتعزّي بعزاء الله ، فإن سكان السموات يفنون ، وأهل الأرض كلهم يموتون ، وجميع البرية يهلكون.

ثم قال لها : يا أختاه ، إني أقسمت عليك فأبرّي قسمي ؛ لا تشقّي عليّ جيبا ، ولا تخمشي عليّ وجها ، ولا تدعي عليّ بالويل والثبور ، إذا أنا هلكت.

(أقول) : ومما يرجح أن تكون هذه الحادثة حدثت في هذا الموقف وليس ليلة العاشر من المحرم ، أن الحسينعليه‌السلام لا يصبّ على وجه زينب الماء في تلك الليلة ، وهو لا يملك منه قطرة لشرب الأطفال والعيال.

ـ تعليق على قولهعليه‌السلام : يا دهر أفّ لك من خليل :

(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٢٧٦)

يقول الفاضل الدربندي : إن قصد الحسينعليه‌السلام من الدهر هنا ، ليس الزمان وإنما الدنيا ، أو إن قصده من الدهر أهل الدهر ؛ وغرضه من قوله هو توبيخ أهل الدنيا الذين يغترون بها. وهذا مثل قول الإمام عليعليه‌السلام : «يا دنيا غرّي غيري».لأن الدهر بمعنى الزمان هو من خلق الله ، ولا يجوز سبّه ، مصداقا لما ورد في بعض الآثار : «لا تسبّوا الدهر ، فإن الدهر هو الله». أي هو من مخلوقات الله.

٦٠٧

٧٢٦ ـ من خطبة للحسينعليه‌السلام في أصحابه ، وفيها يصف حال الدنيا :

(مقتل الحسين للمقرم ، ص ٢٣٢)

ثم حمد الله وأثنى عليه وصلى على محمّد وآله ، وقال :

أما بعد ، فقد نزل بنا من الأمر ما قد ترون. وإن الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت وأدبر معروفها ، ولم يبق منها إلا صبابة(١) كصبابة الإناء ، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل. ألا ترون إلى الحق لا يعمل به ، وإلى الباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقّا ، فإني لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برما(٢) .

[الأجوبة]

٧٢٧ ـ جواب زهير بن القين البجلي مؤثرا النهوض مع الحسينعليه‌السلام :

(مقتل الحسين للمقرم ، ص ٢٣٣)

فقام زهير بن القين ، وقال : سمعنا يابن رسول الله مقالتك ، ولو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلّدين ، لآثرنا النهوض معك على الإقامة فيها.

٧٢٨ ـ جواب برير بن خضير الهمداني فاديا نفسه للحسينعليه‌السلام :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٦)

وقال للحسين رجل من أصحابه يقال له برير بن خضير الهمداني : يابن رسول الله لقد منّ الله تعالى علينا بك أن نقاتل بين يديك ، وتقطّع فيك أعضاؤنا ، ثم يكون جدك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شفيعنا يوم القيامة(٣) فلا أفلح قوم ضيّعوا

__________________

(١) الصبابة : بقية الماء في الإناء. والمرعى الوبيل : أي الثقيل والوخيم. والبرم : ما يوجب السآمة والضجر.

(٢) كذا في الله وف ص ٤٤ ، والعقد الفريد ج ٢ ص ٣١٢ ، وحلية الأولياء لأبي نعيم ج ٣ ص ٣٩ ، وتاريخ ابن عساكر ج ٤ ص ٣٣٣. وعند الطبري ج ٦ ص ٢٢٩ أنه خطبهعليه‌السلام بذي حسم.وفي مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٩٢ ، وذخائر العقبى ص ١٤٩ ، ومقتل الخوارزمي ج ٢ ص ٥ أنه خطب ذلك يوم عاشوراء. وفي سير أعلام النبلاء للذهبي ج ٣ ص ٢٠ أنه خطبه بأصحابه لما نزل به ابن سعد.

(٣) مقتل المقرم ص ٢٣٣ نقلا عن اللهوف ص ٤٤.

٦٠٨

ابن بنت نبيهم ، أفّ لهم غدا ما يلاقون ، سينادون بالويل والثبور في نار جهنم وهم فيها خالدون.

٧٢٩ ـ جواب نافع بن هلال الجملي فاديا نفسه للحسينعليه‌السلام ومواسيا له :

(المصدر السابق)

وقال للحسينعليه‌السلام رجل آخر من شيعته يقال له نافع بن هلال الجملي (وفي رواية الخوارزمي : هلال بن نافع) : يابن رسول الله أنت تعلم أن جدك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لم يقدر أن يشرب الناس محبته ، ولا أن يرجعوا إلى ما كان أحب ، فكان منهم منافقون يعدونه بالنصر ويضمرون له الغدر ، يلقونه بأحلى من العسل ، ويخلفونه بأمرّ من الحنظل ، حتّى قبضه الله تبارك وتعالى إليه. وإن أباك عليا صلوات الله عليه قد كان في مثل ذلك ، فقوم قد أجمعوا على نصرته وقاتلوا معه الناكثين والقاسطين والمارقين ، وقوم قعدوا عنه وخذلوه ، حتّى مضى إلى رحمة الله ورضوانه وروحه وريحانه. وأنت اليوم يابن رسول الله على مثل تلك الحالة ، فمن نكث عهده وخلع بيعته فلن يضرّ إلا نفسه ، والله تبارك وتعالى مغن عنه. فسر بنا يابن رسول الله راشدا معافى ، مشرّقا إن شئت أو مغرّبا ، فوالذي لا إله إلا هو ما أشفقنا من قدر الله ولا كرهنا لقاء ربنا ، وإنا على نيّاتنا وبصائرنا ، نوالي من والاك ونعادي من عاداك(١) .

٧٣٠ ـ كتاب الحر إلى ابن زياد :

(الوثائق الرسمية لعبد الكريم القزويني ، ص ٩٩)

ولما استقرّ المكان بالحسينعليه‌السلام وركبه الثائر ، كتب الحر بن يزيد التميمي قائد الكتيبة الأولى إلى عبيد الله بن زياد يخبره بقدوم الحسينعليه‌السلام ونزوله كربلاء.

__________________

(١) مقتل المقرم ص ٢٣٣ نقلا عن مقتل العوالم ص ٧٦. وذكر السيد علي بن الحسين الهاشمي النجفي في كتابه (الحسين في طريقه إلى الشهادة) ص ١٠٢ كل ما سبق من ردود أصحاب الحسينعليه‌السلام أنها كانت في موضع (البيضة) بين شراف والعذيب ، بعد أن خطب فيهم خطبة : «من رأى منكم سلطانا جائرا ..." وقد أوردناها سابقا على أنها رسالة لا خطبة كما رجّحنا.

٦٠٩

٧٣١ ـ كتاب عبيد الله بن زياد للحسينعليه‌السلام يخبره فيه بكتاب يزيد له بقتله أو يبايع :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٩)

ولما وصل كتاب الحر إلى عبيد الله بن زياد ، كتب ابن زياد للحسينعليه‌السلام : أما بعد يا حسين ، فقد بلغني نزولك كربلاء ، وقد كتب إليّ أمير المؤمنين يزيد أن لا أتوسّد الوثير ، ولا أشبع من الخمير ، حتّى ألحقك باللطيف الخبير ، أو ترجع إلى حكمي وحكم يزيد. فلما ورد كتابه وقرأه الحسينعليه‌السلام رمى به من يده ، وقال : لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق. فقال له الرسول : جواب الكتاب؟. فقال له : لا جواب له عندي ، لأنه قد حقّت عليه كلمة العذاب(١) .

فغضب ابن زياد ، وانتدب عمر بن سعد لقتال الحسينعليه‌السلام .

اليوم الثالث من المحرّم

٧٣٢ ـ ندب عمر بن سعد لقتال الحسينعليه‌السلام والخيار الصعب :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٩)

ثم جمع عبيد الله بن زياد أصحابه ، فقال : أيها الناس ، من منكم يتولّى قتال الحسين بولايته أيّ بلد شاء؟. فلم يجبه أحد!.

فالتفت إلى عمر بن سعد بن أبي وقاص ، وكان ابن زياد قبل ذلك بأيام قد عقد له وولاه (الرّي وتستر) وأمره بحرب الديلم ، وأعطاه عهده. وأخّره من أجل شغله بأمر الحسينعليه‌السلام .

وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٧ ط ٢ نجف :

وقال ابن زياد لعمر بن سعد : اكفني هذا الرجل ، وكان عمر يكره قتاله. فقال :اعفني!. فقال : لا أعفيك. وكان ابن زياد قد ولّى عمر بن سعد (الرّي وخوزستان).فقال : قاتله وإلا عزلتك ، فقال : أمهلني الليلة ، فأمهله. ففكر ، فاختار ولاية الري على قتل الحسينعليه‌السلام . فلما أصبح غدا عليه ، فقال : أنا أقاتله!.

__________________

(١) مقتل المقرم ص ٢٣٦ ، ومناقب ابن شهراشوب ج ٣ ص ٢٤٨ ط نجف.

٦١٠

(أقول) : والذي حدث أن عمر حارب الحسينعليه‌السلام وقتله ، ولكنه لم يعطه ابن زياد الولاية التي كان وعده بها ، فخسر الدنيا والآخرة.

وفي (كامل ابن الأثير) ج ٣ ص ٣٧٩ :

وكتب عهده على الري ، فعسكر بالناس في (حمام أعين). فلما كان من أمر الحسينعليه‌السلام ما كان ، دعا ابن زياد عمر بن سعد فقال له : سر إلى الحسينعليه‌السلام .

٧٣٣ ـ عمر بن سعد يستشير أصحابه :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٩)

قال الخوارزمي : فقال عمر بن سعد : فأمهلني أيها الأمير اليوم ، حتّى أنظر في أمري. قال : فقد أمهلتك.

فانصرف عمر بن سعد ، وجعل يستشير إخوانه ومن يثق به ، فلا يشير عليه أحد بذلك ، غير أنه يقول له : اتّق الله ولا تفعل.

وأقبل إليه حمزة بن المغيرة بن شعبة وهو ابن أخته ، فقال : أنشدك الله يا خال ، أن تسير إلى قتال الحسينعليه‌السلام ، فإنك تأثم بذلك وتقطع رحمك ، فوالله لأن خرجت من مالك ودنياك وسلطان الأرض كلها ، خير لك من أن تلقى الله بدم الحسين بن فاطمةعليه‌السلام . فسكت عمر ، وفي قلبه من (الرّي) ما فيه.

وبات ليلته قلقا مضطربا ، لأن نفسه في صراع بين الدنيا وقتل الحسينعليه‌السلام .وسمع يقول :

دعاني عبيد الله من دون قومه

إلى خطةّ فيها خرجت لحيني

فوالله ما أدري وإني لحائر

أفكّر في أمري على خطرين

أأترك ملك الرّي والريّ منيتي

أم ارجع مذموما بقتل حسين

وفي قتله النار التي ليس دونها

حجاب ، وملك الريّ قرّة عيني

(وفي مقتل أبي مخنف ، ص ٥١) وأجابه هاتف يقول :

ألا أيها النغل الّذي خاب سعيه

وراح من الدنيا ببخسة عين

ستصلى جحيما ليس يطفى لهيبها

وسعيك من دون الرجال بشين

إذا أنت قاتلت الحسين بن فاطم

وأنت تراه أشرف الثّقلين

فلا تحسبنّ الريّ يا أخسر الورى

تفوز به من بعد قتل حسين

ولما أصبح ذهب إلى عبيد الله بن زياد.

٦١١

ـ نصيحة الصديق كامل :(المنتخب للطريحي ، ص ٢٨٠)

وكان عند عمر بن سعد رجل من أهل الخير يقال له (كامل) ، وكان صديقا لأبيه من قبله. فقال له : يا عمر ، مالي أراك بهيئة وحركة ، فما الّذي أنت عازم عليه؟.وكان كامل كاسمه ذا رأي وعقل ودين كامل. فقال له ابن سعد : إني قد وليت أمر هذا الجيش في حرب الحسينعليه‌السلام ، وإنما قتله عندي وأهل بيته كأكلة آكل وكشربة ماء ، وإذا أنا قتلته خرجت إلى ملك الريّ. فقال له كامل : أفّ لك يا عمر بن سعد ، تريد أن تقتل الحسين ابن بنت رسول الله؟!. أفّ لك ولدينك يا عمر ، أسفهت الحق وضللت الهدى؟!. أما تعلم إلى حرب من تخرج ، ولمن تقاتل؟. إنا لله وإنا إليه راجعون. والله لو أعطيت الدنيا وما فيها على قتل رجل واحد من أمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما فعلت. فكيف تريد قتل الحسين ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. وما الّذي تقول غدا لرسول الله إذا وردت عليه وقد قتلت ولده وقرة عينه وثمرة فؤاده ، وابن سيدة نساء العالمين وابن سيد الوصيين ، وهو سيد شباب أهل الجنة من الخلق أجمعين.وإنه في زماننا هذا بمنزلة جده في زمانه ، وطاعته فرض علينا كطاعته. وإنه باب الجنة والنار ، فاختر لنفسك ما أنت مختار. وإني أشهد بالله أن من حاربه أو قتله أو أعان عليه أو على قتله ، لا يلبث في الدنيا بعده إلا قليلا. فقال له عمر بن سعد :فبالموت تخوّفني ، وإني إذا فرغت من قتله أكون أميرا على سبعين ألف فارس ، وأتولى ملك الري. فقال له كامل : إني أحدثك بحديث صحيح أرجو لك فيه النجاة إن وفّقت لقبوله. اعلم أني سافرت مع أبيك سعد إلى الشام ، فانقطعت بي مطيّتي عن أصحابي وتهت وعطشت ، فلاح لي دير راهب ، فملت إليه ونزلت عن فرسي ، وأتيت إلى باب الدير لأشرب ماء. فأشرف عليّ راهب من ذلك الدير وقال : ما تريد؟. فقلت له : إني عطشان. فقال لي : أنت من أمة هذا النبي ، الّذي يقتل بعضهم بعضا على حب الدنيا مكالبة ، ويتنافسون فيها على حطامها؟. فقلت له : أنا من الأمة المرحومة ، أمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال : إنكم أشرّ أمّة ، فالويل لكم يوم القيامة ، وقد عدوتم إلى عترة نبيكم ، تسبون نساءه وتنهبون أمواله!. فقلت : لا يا راهب ، نحن نفعل ذلك؟!. قال : نعم. وإنكم إذا فعلتم ذلك عجّت السموات والأرضون والبحار والجبال والبراري والقفار والوحوش والأطيار باللعنة على قاتله ، ثم لا يلبث قاتله في الدنيا إلا قليلا. ثم يظهر رجل يطلب بثأره ، فلا يدع أحدا شرك في دمه إلا قتله ، وعجّل الله بروحه إلى النار. ثم قال الراهب : إني لا أرى لك قرابة

٦١٢

من قاتل هذا ابن الطيّب. والله إني لو أدركت أيامه لوقيته في نفسي من حرّ السيوف.فقلت : يا راهب إني أعيذ نفسي أن أكون ممن يقاتل ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .فقال : إن لم تكن أنت فرجل قريب منك. وإن قاتله عليه نصف عذاب أهل النار ، وإن عذابه أشدّ عذابا من عذاب فرعون وهامان. ثم ردّ الباب في وجهي ، ودخل يعبد الله تعالى ، وأبى أن يسقيني الماء.

قال كامل : فركبت فرسي ولحقت أصحابي. فقال لي أبوك سعد : ما أبطأك عنا يا كامل؟. فحدّثته بما سمعته من الراهب. فقال لي : صدقت.

ثم إن سعدا أخبرني أنه نزل بدير هذا الراهب مرة من قبل ، فأخبره أنه هو أبو الرجل الّذي يقتل ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فخاف أبوك سعد من ذلك ، وخشي أن تكون أنت قاتله ، فأبعدك عنه وأقصاك. فاحذر يا عمر أن تخرج عليه ، فيكون عليك نصف عذاب أهل النار.

٧٣٤ ـ محاولة تنصّل فاشلة :(المصدر السابق)

ولما أصبح عمر بن سعد ذهب إلى عبيد الله بن زياد ، فقال له ابن زياد : ما عندك يا عمر؟. فقال : أيها الأمير إنك قد ولّيتني هذا العمل [يقصد ولاية الريّ] وكتبت العهد ، وقد سمع الناس به ، فإن رأيت أن تنفذه لي ، وتبعث إلى قتال الحسين غيري من أشراف أهل الكوفة ، فإن بها مثل : أسماء بن خارجة ، وكثير بن شهاب ، ومحمد بن الأشعث ، وعبد الرحمن بن قيس ، وشبث بن ربعي ، وحجّار ابن أبجر.

فقال له : يا عمر ، لا تعلمني بأشراف الكوفة ، فإني لا أستأمرك فيمن أريد أن أبعث ، فإن سرت إلى الحسين ، فرّجت عنا هذه الغمة ، فأنت الحبيب القريب ، وإلا فاردد إلينا عهدنا ، والزم منزلك ، فإنا لا نكرهك. فسكت عمر بن سعد.

٧٣٥ ـ تهديد ووعيد :(المصدر السابق ، ص ٢٤٠)

وغضب عبيد الله بن زياد ، فقال : والله يابن سعد ، لئن لم تسر إلى الحسين وتتولّ حربه وتقدم عليه بما يسوء ، لأضربنّ عنقك ، ولأهدمنّ دارك ، ولأنهبنّ مالك ، ولا أبقي عليك كائنا ما كان. فقال عمر : فإني سائر إليه غدا إنشاء الله. فجزاه عبيد الله خيرا ، وسرى عنه غضبه ، ووصله وأعطاه.

وضمّ إليه أربعة آلاف فارس ، وقال له : خذ بكظم الحسين وحل بينه وبين الفرات.

٦١٣

فسار عمر بن سعد من غده في أربعة آلاف ، حتّى نزل كربلاء في اليوم الثالث من المحرم. وجهّز خمسمائة فارس بقيادة عمرو بن الحجاج ، فنزلوا على شريعة الفرات.

وفي (الأخبار الطوال) لأبي حنيفة الدينوري ص ٢٥٤ :

ثم وجهّ [ابن زياد] : الحصين بن نمير ، وحجّار بن أبجر ، وشبث بن ربعي ، وشمر بن ذي الجوشن ، ليعاونوا عمر بن سعد على أمره.

قالوا : وكان ابن زياد إذا وجّه الرجل إلى قتال الحسينعليه‌السلام في الجمع الكثير ، يصلون إلى كربلاء ولم يبق منهم إلا القليل ، كانوا يكرهون قتال الحسينعليه‌السلام ، فيرتدعون ويتخلفون.

٧٣٦ ـ ظهور كرامة للإمام عليعليه‌السلام بشأن من يقتل الحسينعليه‌السلام :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٦ ط ٢ نجف)

قال ابن سيرين : وقد ظهرت كرامات علي بن أبي طالبعليه‌السلام في هذا ، فإنه لقي عمر بن سعد يوما وهو شاب ، فقال : ويحك يابن سعد ، كيف بك إذا قمت يوما مقاما تخيّر فيه بين الجنة والنار ، فتختار النار؟!.

(لقاء عمر بن سعد)

٧٣٧ ـ رسول عمر بن سعد يسأل الحسينعليه‌السلام عما جاء به إلى هذا الموضع ، وجواب الحسينعليه‌السلام :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٠)

ولما جاء عمر بن سعد كربلاء ، دعا رجلا من أصحابه يقال له : عروة بن قيس الأحمسي ، فقال له : امض إلى الحسين وسله : ما الّذي جاء به إلى هذا الموضع؟وما الّذي أخرجه من مكة بعدما كان مستوطنا بها؟!. فقال عروة : أيها الأمير ، إني كنت قبل اليوم أكاتب الحسينعليه‌السلام ويكاتبني ، وإني لأستحي أن أصير إليه ، فإن رأيت أن تبعث غيري!. ثم طلب أيضا من الرؤساء أن يذهبوا إلى الحسينعليه‌السلام ويسألوه عن مقدمه ، فأبوا وكرهوا لأنهم ممن كاتبوه بالتوجه إليهم.

فبعث رجلا يقال له قرة بن قيس الحنظلي ، فلما أشرف ورآه الحسينعليه‌السلام قال :هل تعرفون هذا؟. فقال حبيب بن مظاهر الأسدي : نعم يابن رسول الله ، هذا رجل

٦١٤

من بني تميم ثم من بني حنظلة ، وكنت أعرفه حسن الرأي ، وما ظننت أن يشهد هذا المشهد. ثم تقدم الحنظلي حتّى وقف بين يدي الحسينعليه‌السلام فسلّم عليه وأبلغه رسالة عمر بن سعد.

فقال له الحسينعليه‌السلام : يا هذا أبلغ صاحبك عني أني لم أرد هذا البلد ، ولكن كتب إليّ أهل مصركم هذا أن آتيهم فيبايعوني ويمنعوني وينصروني ولا يخذلوني ، فإن كرهوني انصرفت عنهم من حيث جئت. فقال له حبيب بن مظاهر : ويحك يا قرّة عهدي بك وأنت حسن الرأي في أهل هذا البيت ، فما الّذي غيّرك حتّى جئت بهذه الرسالة. فأقم عندنا وانصر هذا الرجل الّذي قد أتانا الله به. فقال الحنظلي :لعمري لنصرته أحق من نصرة غيره ، ولكن أرجع إلى صاحبي بالرسالة وأنظر في ذلك. ثم انصرف فأخبره بجواب الحسينعليه‌السلام . فقال ابن سعد : الحمد لله ، والله إني لأرجو أن يعافيني الله من حربه وقتاله.

(وفي رواية أبي مخنف) أن الّذي أتى إلى الحسينعليه‌السلام هو رجل من خزيمة.

(قال في مقتله ص ٥٢) فقال له زهير : الق سلاحك وادخل. فقال : حبا وكرامة.ثم ألقى سلاحه ودخل عليه فقبّل يديه ورجليه ، وقال : يا مولاي ما الّذي جاء بك إلينا وأقدمك علينا؟. فقال : كتبكم. فقال : الذين كاتبوك هم اليوم من خواص ابن زياد. فقال لهعليه‌السلام : ارجع إلى صاحبك وأخبره بذلك. فقال : يا مولاي من الّذي يختار النار على الجنة ، فوالله ما أفارقك حتّى ألقى حمامي بين يديك. فقال له الحسينعليه‌السلام : واصلك الله كما واصلتنا بنفسك. ثم أقام عند الحسينعليه‌السلام حتّى قتل.

٧٣٨ ـ كتاب عمر بن سعد إلى ابن زياد يخبره فيه بموقف الحسينعليه‌السلام ، وجواب الكتاب :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤١)

ثم كتب ابن سعد إلى عبيد الله بن زياد :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. إلى الأمير عبيد الله بن زياد ، من عمر بن سعد. أما بعد فإني نزلت بالحسين ، ثم بعثت إليه رسولا أسأله عما أقدمه إلى هذا البلد؟. فذكر أن أهل الكوفة أرسلوا إليه يسألونه القدوم عليهم ، ليبايعوه وينصروه ، فإن بدا لهم في نصرته [أي بدا لهم شيء يمنعهم من نصرته] فإنه ينصرف من حيث جاء ، فيكون بمكة

٦١٥

أو يكون بأي بلد أمرته ، فيكون كواحد من المسلمين. فأحببت أن أعلم الأمير بذلك ليرى رأيه ، والسلام.

فلما قرأ عبيد الله كتابه ، فكّر في نفسه ساعة ، ثم أنشد :

الآن إذ علقت مخالبنا به

يرجو النجاة ولات حين مناص

ثم قال : أيرجو ابن أبي تراب النجاة ، هيهات هيهات ، لا أنجاني الله من عذابه إن نجا الحسين مني.

٧٣٩ ـ كتاب ابن زياد إلى عمر بن سعد رقم (١) يطالبه بعرض البيعة على الحسينعليه‌السلام :(المصدر السابق)

ثم كتب إلى ابن سعد : أما بعد ، فقد بلغني كتابك وما ذكرت فيه من أمر الحسين ، فإذا أتاك كتابي فاعرض عليه البيعة لأمير المؤمنين يزيد ، فإن فعل وبايع ، وإلا فائتني به والسلام.

فلما ورد الكتاب على عمر بن سعد وقرأه ، قال : إنا لله وإنا إليه راجعون. إن عبيد الله لا يقبل العافية ، والله المستعان.

ولم يعرض ابن سعد على الحسينعليه‌السلام بيعة يزيد ، لأنه علم أن الحسينعليه‌السلام لا يجيبه إلى ذلك أبدا.

٧٤٠ ـ خطبة ابن زياد يغري فيها الناس بالمال ، ويحرّضهم للخروج لحرب الحسينعليه‌السلام :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٢)

ثم جمع ابن زياد الناس في جامع الكوفة ، وخرج فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :

أيها الناس ، إنكم بلوتم آل أبي سفيان ، فوجدتموهم كما تحبون. وهذا أمير المؤمنين يزيد قد عرفتموه ؛ حسن السيرة ، محمود الطريقة ، (ميمون النقيبة) ، محسنا إلى الرعية (متعاهدا للثغور) ، يعطي العطاء في حقه ، وقد أمنت السبل على عهده (وأطفئت الفتن بجهده). وكما كان معاوية في عصره ، كذلك ابنه يزيد في أثره ؛ يكرم العباد ويغنيهم بالأموال ويزيدهم بالكرامة ، وقد زادكم في أرزاقكم مائة بالمائة ، وأمرني أن أوفّرها عليكم ، وآمركم أن تخرجوا إلى حرب عدوه الحسين بن علي ، فاسمعوا له وأطيعوا.

٦١٦

إعلان النفير العام

ثم نزل من المنبر ، ووضع لأهل الرياسة العطاء ، وأعطاهم. ونادى فيهم أن يتهيؤوا للخروج إلى عمر بن سعد ليكونوا عونا له على قتال الحسينعليه‌السلام .

وخرج إلى النّخيلة(١) وعسكر فيها. وبعث على الحصين بن نمير التميمي ، وحجّار بن أبجر ، وشمر بن ذي الجوشن ، وشبث بن ربعي ، وأمرهم بمعاونة عمر ابن سعد.

٧٤١ ـ استبطاء شبث بن ربعي وتمارضه :

(مثير الأحزان للشيخ شريف الجواهري ، ص ٥٠)

ثم أرسل [عبيد الله بن زياد] إلى شبث بن ربعي أن أقبل إلينا ، فإنا نريد أن نوجّه بك إلى حرب الحسين. فتمارض شبث ، فأرسل إليه : أما بعد ، فإن رسولي أخبرني بتمارضك ، وأخاف أن تكون من الذين( وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ ) (١٤) [البقرة : ١٤].(فانظر) إن كنت في طاعتنا فأقبل إلينا مسرعا. فأقبل إليه شبث بن ربعي بعد العشاء (الآخرة) لئلا ينظر إلى وجهه فلا يرى عليه أثر العلّة. فلما دخل رحّب به وقرّب مجلسه ، ثم قال له :أريد أن تشخص (غدا) إلى قتال الحسين عونا لابن سعد. فقال : أفعل أيها الأمير (فخرج في ألف فارس).

٧٤٢ ـ قطع الطريق على من يريد الالتحاق بالحسينعليه‌السلام :

(مقتل الحسين للسيد عبد الرزاق المقرّم ، ص ٢٤٠)

وجعل عبيد الله بن زياد زجر بن قيس الجعفي مسلحة في خمسمائة فارس ، وأمره أن يقيم بجسر الصراة ، يمنع من يخرج من أهل الكوفة يريد الحسينعليه‌السلام . فمرّ به عامر بن أبي سلامة بن عبد الله بن عرار الدالاتي. فقال له زجر : قد عرفت حيث تريد ، فارجع. فحمل عليه وعلى أصحابه فهزمهم ، ومضى وليس أحد منهم يطمع في الدنوّ منه. فوصل كربلاء ولحق بالحسينعليه‌السلام حتّى قتل معه. وكان قد شهد المشاهد مع أمير المؤمنين عليعليه‌السلام .

__________________

(١) النّخيلة : هي العباسية في كلام ابن نما ، وتعرف اليوم بالعباسيات ، وموقعها قريب من (ذي الكفل) وهي تبعد فرسخين شمال الكوفة.

٦١٧

٧٤٣ ـ إرهاب ابن زياد :

(الوثائق الرسمية للسيد عبد الكريم الحسيني القزويني ، ص ١٠٥)

ثم إن عبيد الله بن زياد أخذ يرسل الكتيبة تلو الكتيبة ، والفوج تلو الفوج ، إلى عمر بن سعد ، ويحثّ الناس على الخروج لحرب الحسينعليه‌السلام بعد أن زاد في عطائهم مائة بالمائة.

ثم نودي في شوارع وسكك وأزقة الكوفة : «ألا برئت الذمّة ممن وجد في الكوفة ، ولم يخرج لحرب الحسين».

وبعث ابن زياد سويد بن عبد الرحمن المنقري في خيل إلى الكوفة ، وأمره أن يطوف بها ، فمن وجده قد تخلّف أتاه به.

فبينما هو يطوف في أحياء الكوفة ، إذ وجد رجلا من أهل الشام ، قد كان قدم الكوفة في طلب ميراث له (وفي رواية : لأخذ دين له في ذمة رجل من أهل العراق).فأرسل به إلى ابن زياد. فقال ابن زياد : اقتلوه ، ففي قتله تأديب لمن لم يخرج بعد ، فقتل(١) .

٧٤٤ ـ جيوش من الهمج الرّعاع :(الوثائق الرسمية ، ص ١٠٦)

يقول السيد عبد الكريم الحسيني القزويني :

فتأثّر الرأي العام بالجو اللاشعوري ، أو ما يسمى بالسلوك الجمعي ، وإذا بالغوغائية جماعات وجماعات تخرج لحرب ابن بنت نبيّها محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير ملتفتة إلى ما ينتج من هذا المصير الوخيم الّذي أقبلت إليه مسرعة ، وفقد الفرد سيطرته على نفسه وعقله ، وأصبح يعيش في حالة هستيرية لا يعي ولا يشعر ، لأنه تأثّر بالعقل الجمعي وسلوكه ، وخصوصا بعد أن قتل جماعة من النخبة الواعية ، أمثال ميثم التمّار وغيره ، واعتقل البقية مثل : المختار بن أبي عبيدة الثقفي ، وسليمان بن صرد الخزاعي ، واختفى آخرون. وصفا الجو إلى ابن زياد حيث أخذ يلعب بالطبقة التي وصفها أمير المؤمنين عليعليه‌السلام بقوله :

«همج رعاع ، أتباع كلّ ناعق ، يميلون مع كلّ ريح ، لم يستنيروا بنور العلم ، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق».

__________________

(١) الأخبار الطوال للدينوري ، ص ٢٥٤.

٦١٨

اليوم السادس من المحرّم

(اكتمال الجيوش الأموية في كربلاء)

تجهيز الجيوش

٧٤٥ ـ القوات الأموية تزحف إلى كربلاء :

فأول من خرج إلى عمر بن سعد ، شمر بن ذي الجوشن الضّبابي في أربعة آلاف ، فصار ابن سعد في تسعة آلاف.

ثم أتبعه ابن زياد بيزيد بن ركاب الكلبي في ألفين ،

والحصين بن نمير السكوني في أربعة آلاف ،

ومضاير بن رهينة المازني في ثلاثة آلاف ،

ونصر بن خرشة في ألفين.

فتمّ له عشرون ألف فارس ، تكمّلت عنده إلى ست ليال خلون من المحرم.

وبعث كعب بن طلحة في ثلاثة آلاف ، وشبث بن ربعي في ألف ، وحجّار بن أبجر في ألف فارس. فصار عمر بن سعد في خمسة وعشرين ألفا.

ولم يزل ابن زياد يرسل بالعساكر إلى عمر بن سعد حتّى تكامل عنده ثلاثون ألفا ، ما بين فارس وراجل.

يقول ابن شهراشوب في (المناقب) ص ٢٤٨ :

وكان جميع أصحاب الحسينعليه‌السلام اثنين وثمانين رجلا ، منهم الفرسان اثنان وثلاثون فارسا ، ولم يكن لهم من السلاح إلا السيف والرمح.

٧٤٦ ـ التعداد الكمي للجيش الأموي في كربلاء :

(الوثائق الرسمية لثورة الحسين ، ص ١٠٧)

يقول السيد عبد الكريم الحسيني القزويني :

إن الاحصائيات التي رواها أرباب المقاتل وبعض الكتب التاريخية عن كمية تعداد الجيش الأموي الّذي أرسله عبيد الله بن زياد إلى كربلاء لحرب الحسينعليه‌السلام والقضاء على ثورته المقدسة ، هي على حسب الترتيب الزمني :

٦١٩

اسم قائد الكتيبة

عددها

كتيبة الحر بن يزيد التميمي

١٠٠٠ مقاتل

كتيبة عمر بن سعد (قائد الجيش)

٤٠٠٠ مقاتل

كتيبة شمر بن ذي الجوشن

٤٠٠٠ مقاتل

كتيبة يزيد بن ركاب الكلبي

٢٠٠٠ مقاتل

كتيبة الحصين بن نمير التميمي

٤٠٠٠ مقاتل

كتيبة مضاير بن رهينة المازني

٣٠٠٠ مقاتل

كتيبة نصر بن خرشة

٢٠٠٠ مقاتل

كتيبة كعب بن طلحة

٣٠٠٠ مقاتل

كتيبة شبث بن ربعي الرياحي

١٠٠٠ فارس

كتيبة حجّار بن أبجر

١٠٠٠ فارس

المجموع

٢٥٠٠٠ مقاتل

وما زال عبيد الله بن زياد يرسل إليه الخيل والرجال حتّى تكامل عنده ثلاثون ألفا ، ما بين فارس وراجل. كما أن بقية الجيوش الأموية كانت في حالة إنذار واستنفار عام.

٧٤٧ ـ تحقيق حول أعداد جيش عمر بن سعد :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٦١ ط ٢ نجف)

قال سبط ابن الجوزي : ولم يحضر قتال الحسينعليه‌السلام أحد من أهل الشام ، بل كلهم من أهل الكوفة ممن كاتبه ، وكانوا ستة آلاف مقاتل.

(أقول) : الّذي استفاضت فيه روايات الشيعة ـ وهم أهل هذا البيت ، وأهل البيت أدرى بالذي فيه ـ أن العسكر الذين أحاطوا بالحسينعليه‌السلام يقربون إلى ثلاثين ألفا ، وهو المروي عن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام .

وفي (مطالب السّؤول) : أنهم كانوا اثنين وعشرين ألفا.

وفي كتاب (محمّد بن أبي طالب) ما حاصله : إن ابن زياد سيّر ابن سعد إلى الحسينعليه‌السلام في تسعة آلاف ، ثم يزيد بن ركاب الكلبي في ألفين ، والحصين ابن

٦٢٠

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735