موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 8%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 452163 / تحميل: 5262
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

٢٠٥ ـ رواية الحسن بن كثير :

وقد روى الحسن بن كثير وعبد خير ، قالا : لما وصل عليعليه‌السلام إلى كربلا وقف وبكى ، وقال : بأبي أغيلمة يقتلون ههنا. هذا مناخ ركابهم ، هذا موضع رحالهم ، هذا مصرع الرجل.

ـ رواية أخرى :(شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٣ ص ١٧١)

عن الحسن بن كثير ، عن أبيه ، أن علياعليه‌السلام أتى كربلاء ، فوقف بها ، فقيل له :

يا أمير المؤمنين ، هذه كربلاء. فقال : ذات كرب وبلاء. ثم أومأ بيده إلى المكان ، فقال : ههنا موضع رحالهم ومناخ ركابهم.

ثم أومأ بيده إلى مكان آخر ، فقال : ههنا مهراق دمائهم. ثم مضى إلى ساباط.

٢٠٦ ـ شهداء كربلاء مثل شهداء بدر (رض):

(أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ، ج ٤ ص ١٤٣)

في منتخب كنز العمال عن الطبراني في الكبير ما لفظه عن شيبان بن محرم ، قال :إني لمع عليعليه‌السلام إذ أتى كربلاء ، فقال : يقتل في هذا الموضع شهداء ليس مثلهم إلا شهداء بدر.

ـ شهداء كربلاء لا يسبقهم سابق :(المنتخب للطريحي ، ص ٨٧)

عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : مر أمير المؤمنينعليه‌السلام بكربلاء ، فبكى حتى اغرورقت عيناه بالدموع ، وقال : هذا مناخ ركابهم ، هذا ملقى رحالهم ، ههنا تراق دماؤهم. طوبى لك من تربة عليها يراق دم الأحبة. مناخ ركاب ومنازل شهداء ، لا يسبقهم من كان قبلهم ولا يلحقهم من كان بعدهم.

٢٠٧ ـ إخبار عليعليه‌السلام أن الحسينعليه‌السلام يقتل وموضع ذلك ، وما في ذلك من معجزات :(مدينة المعاجز لهاشم البحراني ، ص ١٢٠)

روى الشيخ الصدوق بسنده عن ابن عباس ، قال : كنت مع عليعليه‌السلام في خروجه من صفين. فلما نزلنا نينوى ـ وهي بشط الفرات ـ قال بأعلى صوته : يابن عباس أتعرف هذا الموضع؟ قلت : لا أعرفه يا أمير المؤمنين. فقال عليعليه‌السلام : لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي لبكائي. قال فبكىعليه‌السلام طويلا حتى اخضلت لحيته وسالت الدموع على صدره ، وبكينا معه ، وهو يقول : أوه أوه ، مالي

٢٢١

ولآل أبي سفيان مالي ولآل حزب الشيطان وأولياء الكفر. صبرا صبرا يا أبا عبد الله ، فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم. ثم دعا بماء فتوضأ وضوء الصلاة ، فصلى ما شاء الله أن يصلي.

وذكر نحو كلامه ، إلا أنه نعس عند انقضاء صلاته وكلامه ساعة ، ثم انتبه فقال :يابن عباس. قلت : ها أنذا. فقال : ألا أحدثك عما رأيت في منامي آنفا عند رقدتي؟ فقلت : نامت عينك ورأيت خيرا يا أمير المؤمنين. قالعليه‌السلام : رأيت كأني برجال قد نزلوا من السماء ، معهم أعلام بيض ، قد تقلدوا سيوفهم ، وهي بيض تلمع ، وقد خطّوا حول هذه الأرض خطة. ثم رأيت كأن النخيل قد ضربت بأغصانها الأرض ، تضرب بدم عبيط (أي طري) ، وكأني بالحسين سخلي وفرخي ومضغتي ومخي ، قد غرق فيه ، يستغيث فلا يغاث. وكأن الرجال البيض (الذين) نزلوا من السماء ، ينادونه ويقولون : صبرا آل الرسول ، فإنكم تقتلون على يدي شرار الناس ، وهذه الجنة يا أبا عبد الله مشتاقة إليك. ثم يعزّونني ويقولون : يا أبا الحسن أبشروا فقد أقرّ الله عينك يوم يقوم الناس لرب العالمين. ثم انتبهت هكذا.

والذي نفس علي بيده ، لقد حدثني الصادق المصدق أبو القاسمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أني سأمر بها في خروجي إلى أهل البغي علينا. وهي أرض كرب وبلاء ، يدفن فيها الحسينعليه‌السلام وسبعة عشر رجلا من ولدي وولد فاطمةعليها‌السلام . وإنها لفي السموات معروفة تذكر أرض كرب وبلاء ، كما تذكر بقعة الحرمين وبقعة بيت المقدس. ثم قال : يا بن عباس ، اطلب حولها بعر الظباء ، فو الله ما كذبت ولا كذبت ، وهي مصفرة ، لونها لون الزعفران. فطلبتها فوجدتها مجتمعة. فناديته : يا أمير المؤمنين قد أصبتها على الصفة التي وصفتها لي. فقال عليعليه‌السلام : صدق الله ورسوله.

ـ قصة مرور عيسىعليه‌السلام بكربلاء :

ثم قام عليعليه‌السلام يهرول حتى جاء إليها فحملها وشمها ، وقال : هي هي ، أتعلم يابن عباس ما هذه الأبعار؟ هذه قد شمها عيسى بن مريم ، وذلك أنه مرّ بها ومعه الحواريون ، فرأى ههنا ظباء مجتمعة وهي تبكي ، فجلس عيسىعليه‌السلام وجلس الحواريون. فبكى وبكى الحواريون ، وهم لا يدرون لم جلس ولم بكى. فقالوا : يا روح الله وكلمته ما يبكيك؟ قال : أتعلمون أي أرض هذه ، هذه أرض من يقتل فيها

٢٢٢

فرخ رسول الله أحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفرخ الحرة الطاهرة البتول ، شبيهة أمي ، ويلحد فيها أطيب من المسك ، لأنها طينة الفرخ المستشهد ، وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء. فهذه الظباء تكلمني وتقول : انها ترعى هذه الأرض شوقا إلى تربة الفرخ المبارك ، وزعمت أنها آمنة في هذه الأرض.

ثم ضرب بيده البعيرات فشمها ، وقال : هذه بعر الظباء على هذا الطيب لمكان حشيشها. اللهم فأبقها أبدا حتى يشمها أبوه ، فتكون له عزاء وسلوة. فبقيت إلى يومنا هذا وقد اصفرت لطول زمنها ، وهذه أرض كرب وبلاء.

ثم قال بأعلى صوته : يا رب عيسى بن مريم ، لا تبارك في قتلته والمعين لهم والخاذل له. ثم بكى طويلا وبكينا معه حتى سقط لوجهه وغشي عليه طويلا. ثم أفاق فأخذ البعر فصّره في ردائه وأمرني أن أصرها كذلك.

ثم قال : يابن عباس ، إذا رأيتها تتفجر دماء عبيطا ويسيل منها دم عبيط ، فاعلم أن أبا عبد اللهعليه‌السلام قد قتل بها ودفن.

قال ابن عباس : فوالله لقد كنت أحفظها أشد من حفظي لما افترض اللهعزوجل علي ، وأنا لا أحلها من طرف كمي. فبينا أنا نائم في البيت فإذا هي تسيل دما عبيطا ، وان كمي قد امتلأ دما عبيطا. فجلست وأنا باك ، وقلت : قتل والله الحسين ، والله ما كذبني قط في حديث ، ولا أخبر بشيء أن يكون إلا كان كذلك ، لأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخبره بأشياء لا يخبر بها غيره. ففزعت وخرجت وذلك عند الفجر ، فرأيت والله المدينة كأنها ضباب لا يستبين منها أثر عين. ثم طلعت الشمس فرأيت كأنها منكسفة ، ورأيت كأن حيطان المدينة عليها دم عبيط. فجلست وأنا باك ، وقلت قتل والله الحسينعليه‌السلام .

وسمعت صوتا من ناحية البيت ، وهو يقول : اصبروا آل الرسول قتل الفرخ النحول ، نزل الروح الأمين ببكاء وعويل. ثم بكى بأعلى صوته وبكيت. فأثبتّ عندي تلك الساعة ، وكان شهر محرم يوم عاشور لعشر مضين منه ، فوجدته قتل يوم ورد علينا خبره ، وتاريخه كذلك. فحدثت بهذا الحديث الذين كانوا معه فقالوا :والله لقد سمعنا ما سمعت ونحن في المعركة ، ولا ندري ما هو. قلت : أترى أنه الخضرعليه‌السلام .

٢٢٣

٢٠٨ ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام حين مر بكربلاء وهو سائر إلى صفين :

(وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص ١٤٠ ط ٢)

قال نصر بن مزاحم : حدثني مصعب بن سلام عن هرثمة بن سليم ، قال :غزونا مع علي بن أبي طالبعليه‌السلام غزوة صفين. فسار حتى انتهى إلى كربلاء ، فنزل إلى شجرة فصلى إليها ، فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها ، ثم قال : واها لك أيتها التربة ، ليحشرن منك (وفي رواية : ليقتلن بك) قوم يدخلون الجنة بغير حساب.

فلما رجع هرثمة من غزوته إلى امرأته ـ وهي جرداء بنت سمير ، وكانت شيعة لعليعليه‌السلام ـ فقال لها زوجها هرثمة : ألا أعجّبك من صديقك أبي الحسن؟ لما نزلنا كربلا رفع إليه من تربتها فشمها ، وقال : «واها لك يا تربة ، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب». وما علمه بالغيب؟! فقالت : دعنا منك أيها الرجل ، فإن أمير المؤمنين لم يقل إلا حقا.

فلما بعث عبيد الله بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين بن عليعليه‌السلام وأصحابه ، قال هرثمة : كنت فيهم في الخيل التي بعث إليهم ، فلما انتهيت إلى القوم وحسين وأصحابه ، نظرت إلى الشجرة ، فذكرت الحديث وعرفت المنزل الذي نزلنا فيه مع عليعليه‌السلام ، والبقعة التي رفع إليه من ترابها ، والقول الذي قاله ، فكرهت مسيري. فأقبلت على فرسي حتى وقفت على الحسينعليه‌السلام ، فسلمت عليه وحدثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل.

فقال الحسينعليه‌السلام : فأنت معنا أم علينا؟ فقلت : يابن رسول الله لا معك ولا عليك. تركت أهلي وولدي وعيالي ، أخاف عليهم من ابن زياد.

فقال الحسينعليه‌السلام : فولّ في الأرض هربا حتى لا ترى لنا مقتلا ، فو الذي نفس محمد بيده لا يرى مقتلنا اليوم رجل ولا يغيثنا إلا أدخله الله النار. قال هرثمة :فأقبلت في الأرض هاربا حتى خفي علي مقتله.

ملاحظة : هذه الفقرة هي جمع عدة روايات مع بعض ، إحداها وردت في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج ٣ ص ١٦٩ ط مصر ـ تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم.

٢٠٩ ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام بما سيحدث في كربلاء :

(المصدر السابق ، ص ١٤١)

حدّث نصر بن مزاحم عن مصعب بن سلام عن سعيد بن وهب ، قال : بعثني

٢٢٤

مخنف بن سليم إلى عليعليه‌السلام عند توجهه إلى صفين. فأتيته بكربلاء ، فوجدته يشير بيده ويقول : ههنا! فقال له رجل : وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال : ثقل آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينزل ههنا ، فويل لهم منكم ، وويل لكم منهم!.

فقال له الرجل : ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين؟ قال (ويل لهم منكم) تقتلونهم ، (وويل لكم منهم) يدخلكم الله بقتلهم إلى النار.

٢١٠ ـ حديث الإمام الحسنعليه‌السلام عن مصرع أخيه الحسينعليه‌السلام :

(مناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٣٨ ط نجف)

روى الإمام الصادق عن آبائهعليهم‌السلام قال : دخل الحسين على أخيه الحسنعليهما‌السلام يوما ، فلما نظر إليه بكى. فقال له الحسنعليه‌السلام : ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال :أبكي لما يصنع بك. فقال له الحسنعليه‌السلام : إن الذي يؤتى إليّ سم يدس إلي فأقتل به(١) ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله. يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدّعون أنهم من أمة جدك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وينتحلون بك الإسلام ، فيجتمعون على قتلك وسفك دمك ، وانتهاك حرمتك ، وسبي ذراريك ونسائك ، وانتهاب ثقلك ، فعندها تحلّ ببني أمية اللعنة ، وتمطر السماء دما ورمادا ، ويبكي عليك كل شيء ، حتى الوحوش في الفلوات ، والحيتان في البحار.

٢١١ ـ إخبار الحسينعليه‌السلام بمقتله :

عن معاوية بن قرة قال : قال الحسينعليه‌السلام : والله ليعتدن عليّ كما اعتدت بنو اسرائيل في السبت.

قال : وأنبأنا علي بن محمد ، عن جعفر بن سليمان الضبعي ، (قال) قال الحسينعليه‌السلام : والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من فرم الأمة.

__________________

(١) اللهوف على قتلى الطفوف ، ص ١٤.

٢٢٥

أخبار أخرى

٢١٢ ـ ورود سلمان (رض) كربلاء :

(وسيلة الدارين في أنصار الحسين للسيد إبراهيم الزنجاني ، ص ٧١)

في الخبر عن المسيب بن نجبة الفزاري ، قال : خرجت أستقبل سلمان الفارسي حين أقبل من المدينة إلى المدائن. فلما وصل إلى كربلاء تغير حاله وبكى ، وقال :هذه مصارع إخواني. هذا موضع رحالهم ، وهذا مناخ ركابهم ، وهذا مهراق دمائهم. يقتل بها خير الأولين وابن خير الآخرين.

٢١٣ ـ إخبار أبي ذر الغفاري بمقتل الحسينعليه‌السلام ونتائج ذلك :

(الإرشاد للشيخ المفيد ، ص ٢٣٦)

في (كامل الزيارة) عن عروة بن الزبير ، قال : سمعت أبا ذر ، وهو يومئذ قد أخرجه عثمان إلى الربذة ، فقال له الناس : يا أبا ذر أبشر ، فهذا قليل في الله. فقال ما أيسر هذا ، ولكن كيف أنتم إذا قتل الحسين بن عليعليه‌السلام قتلا (أو قال : ذبح ذبحا)؟. والله لا يكون في الإسلام بعد قتل الخليفة (يعني علي بن أبي طالب) أعظم قتيلا منه. وإن الله سيسل سيفه على هذه الأمة لا يغمده أبدا. ويبعث ناقما من ذريته فينتقم من الناس. وإنكم لو تعلمون ما يدخل على أهل البحار ، وسكان الجبال في الغياض والآكام ، وأهل السماء من قتله ، لبكيتم والله حتى تزهق أنفسكم. وما من سماء يمر بها روح الحسينعليه‌السلام إلا فزع له سبعون ألف ملك ، يقومون قياما ترعد مفاصلهم إلى يوم القيامة. وما من سحابة تمر وترعد وتبرق إلا لعنت قاتله. وما من يوم إلا وتعرض روحه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيلتقيان.

٢١٤ ـ ملازمة رجل من بني أسد أرض كربلاء :

(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ، ص ٢١٢)

قال العريان بن الهيثم : كان أبي يتبدى فينزل قريبا من الموضع الذي كانت فيه معركة الحسينعليه‌السلام . فكنا لا نبدو إلا وجدنا رجلا من بني أسد هناك. فقال له أبي : أراك ملازما هذا المكان!. قال : بلغني أن حسيناعليه‌السلام يقتل ههنا ، فأنا أخرج إلى هذا المكان ، لعلي أصادفه فأقتل معه.

قال ابن الهيثم : فلما قتل الحسينعليه‌السلام قال أبي : انطلقوا بنا ننظر ، هل الأسدي فيمن قتل مع الحسينعليه‌السلام . فأتينا المعركة وطوّقنا ، فإذا الأسدي مقتول.

٢٢٦

(أقول) لعل هذا الشهيد هو أنس بن الحرثرحمه‌الله . وهذا درس يعلمنا أن المؤمن النبيه يسعى نحو الحق حتى يدركه ، فينال أعلى درجات السعادة والكرامة ، كما فعل أنس بن الحرث الأسدي.

٤ ـ أخبار بمن يقتل الحسينعليه‌السلام

٢١٥ ـ الحسينعليه‌السلام يخبر بأن عمر بن سعد سيقتله :

(كشف الغمة ٢ / ٩ وإرشاد المفيد ص ٢٨٢ والبحار ٤٤ / ٢٦٣)

روى سالم بن أبي حفصة ، (قال) قال عمر بن سعد للحسينعليه‌السلام : يا أبا عبد الله ، إن قبلنا أناسا سفهاء يزعمون أني أقتلك. فقال له الحسينعليه‌السلام : إنهم ليسوا سفهاء ، ولكنهم حلماء. أما إنه يقر عيني أن لا تأكل من برّ العراق بعدي إلا قليلا.

٢١٦ ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام بأن عمر بن سعد يقتل ابنه الحسينعليه‌السلام :

عن الأصبغ بن نباتة ، قال : بينا أمير المؤمنينعليه‌السلام يخطب الناس ، وهو يقول :سلوني قبل أن تفقدوني ، فو الله لا تسألوني عن شيء مضى ولا شيء يكون إلا أنبأتكم به. فقام إليه سعد بن أبي وقاص ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني كم في رأسي ولحيتي من شعرة. فقال : أما والله لقد سألتني عن مسألة حدثني خليلي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنك ستسألني عنها. وما في رأسك ولحيتك من شعرة إلا وفي أصلها شيطان جالس ، وإن في بيتك لسخلا يقتل ابني الحسينعليه‌السلام . وكان عمر بن سعد يومئذ يدرج بين يديه.

(أقول) : فلما كان من أمر الحسينعليه‌السلام ما كان ، تولى عمر بن سعد قتل الحسينعليه‌السلام ، وكان الأمر كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وفي رواية (الإرشاد) للمفيد ص ٢٠ قال له عليعليه‌السلام :

وآية ذلك مصداق ما خبّرتك به. ولو لا أن الذي سألت عنه يعسر برهانه لأخبرتك به ، ولكن آية ذلك ما أنبأتك به من لعنتك وسخلك الملعون.

قال ابن سيرين : وقد ظهرت كرامات علي بن أبي طالبعليه‌السلام في هذا ، فإنه لقي قاتل الحسينعليه‌السلام وهو شاب ، فقال : ويحك ، كيف بك إذا قمت مقاما تخير فيه بين الجنة والنار ، فتختار النار؟

وسيرد هذا الخبر عند الحديث عن عمر بن سعد ، الذي تولى قيادة الجيش لقتال

٢٢٧

الحسينعليه‌السلام ، وقد نصحه الحسينعليه‌السلام كثيرا ، ولكن حب الدنيا أعمى قلبه.

تنبيه حول السائل :ذكر فخر الدين الطريحي في (المنتخب) ص ١٦٦ : أن الذي سأل الإمامعليه‌السلام : كم شعرة في رأسي ، هو يزيد والد خولي بن يزيد الأصبحي.ولعل بعض الروايات تشير إلى أنه سنان بن أنس ، والله أعلم.

يقول العلامة المجلسي في البحار ، ج ٤٤ ص ٢٥٧ : لا يخفى ما في الحديث من تسمية الرجل السائل المتعنت بأنه سعد بن أبي وقاص ، حيث أن سعد بن أبي وقاص اعتزل عن الجماعة وامتنع عن بيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فاشترى أرضا واشتغل بها ، فلم يكن ليجيء إلى الكوفة ويجلس إلى خطبة الإمام عليعليه‌السلام .ومن جهة أخرى إن عمر بن سعد قد ولد في السنة التي مات فيها عمر بن الخطاب وهي سنة ٢٣ ه‍ فكان عمره حين خطب الإمامعليه‌السلام هذه الخطبة بالكوفة غلاما بالغا أشرف على العشرين ، لا أنه سخل في بيته.

ولما كان أصل القصة مسلمة مشهورة ، عدل الشيخ المفيد في (الإرشاد) عن تسمية الرجل ، وتبعه الطبرسي في (إعلام الورى) ص ١٨٦. ولعل الصحيح ما ذكره ابن أبي الحديد ، حيث ذكر الخطبة في شرحه على النهج ، ج ١ ص ٢٥٣ عن كتاب (الغارات) لابن هلال الثقفي عن زكريا بن يحيى العطار عن فضيل عن محمد الباقرعليه‌السلام وقال في آخره : والرجل هو سنان بن أنس النخعي.

٢١٧ ـ إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يزيد هو قاتل الحسينعليه‌السلام :

أخرج الطبراني عن معاذ بن جبل ، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يزيد ، لا بارك الله في يزيد. نعي إليّ الحسينعليه‌السلام وأتيت بتربته ، وأخبرت بقاتله. والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعونه ، إلا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم ، وسلط عليهم شرارهم وألبسهم شيعا (أي جماعات متفرقين).

وأخرجه ابن عساكر عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا بلفظ : يزيد ، لا بارك الله في يزيد ، الطّعان اللعّان ، أما إنه نعي إلي حبيبي وسخلي حسين ، أتيت بتربته ورأيت قاتله. أما إنه لا يقتل بين ظهراني قوم فلا ينصرونه ، إلا عمّهم الله بعقاب.

وأخرج أبو يعلى عن أبي عبيدة (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يزال أمر أمتي قائما بالقسط حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية ، يقال له : يزيد.

وأخرج ابن أبي شيبة وأبو يعلى والروياني والحافظ أبوبكر محمد بن اسحق ابن

٢٢٨

خزيمة السلمي النيسابوري والبيهقي وابن عساكر والضياء ، عن أبي ذر ، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية. وزاد الروياني : يقال له يزيد.

٢١٨ ـ رواية أخرى :

(معجم الطبراني ص ١٣٠ ومقتل الخوارزمي ص ١٦٠ وكنز العمال ١٣ / ١١٣ وأمالي الشجري ص ١٦٩)

في معجم الطبراني عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن معاذ بن جبل أخبره قال :خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متغير اللون ، فقال : أنا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوتيت فواتح الكلام وخواتمه ، فأطيعوني ما دمت بين أظهركم ، فإذا ذهب بي فعليكم بكتاب اللهعزوجل ، أحلوا حلاله وحرموا حرامه ، (فإذا) أتتكم الموتة أتتكم بالروح والراحة.كتاب الله من الله سبق ، أتتكم فتن كقطع الليل المظلم ، كلما ذهب رسل جاء رسل ، تناسخت النبوة فصارت ملكا. رحم الله من أخذها بحقها ، وخرج منها كما دخلها.

أمسك يا معاذ واحص!. قال : فلما بلغت خمسة ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يزيد ، لا بارك الله في يزيد. ثم ذرفت عيناه. ثم قال : نعي إلي حسين ، وأوتيت بتربته ، وأخبرت بقاتله. والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعونه ، إلا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم ، وسلط عليهم شرارهم وألبسهم شيعا.

ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : واها لفراخ آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خليفة مستخلف مترف ، يقتل خلفي وخلف الخلف.

أمسك يا معاذ. فلما بلغت عشرة ، قال : الوليد(١) اسم فرعون ، هادم شرائع الاسلام ، يبوء بدمه رجل من أهل بيته ، يسل الله سيفه فلا غماد له ، ويختلف الناس فكانوا هكذا ، وشبك بين أصابعه.

ثم قال : وبعد العشرين والمائة موت سريع وقتل ذريع ، فيه هلاكهم ، ويلي عليهم رجل من ولد العباس.

__________________

(١) لعل المقصود به الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، وهو الذي مزّق القرآن وقال :

تهددني بجبار عنيد

فها أنا ذاك جبار عنيد

إذا ما جئت ربك يوم حشر

فقل : يا ربّ مزّقني الوليد

٢٢٩
٢٣٠

الفصل السادس

المآتم الحسينيّة

١ ـ إقامة ذكرى الحسينعليه‌السلام والحزن عليه

ـ إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام

٢ ـ فضل البكاء والحزن على الحسينعليه‌السلام

٣ ـ إقامة ذكرى الحسينعليه‌السلام ومراسم الحزن يوم عاشوراء

ـ اتخاذ بني أمية يوم عاشوراء يوم عيد وفرح

ـ أحاديث موضوعة في فضل يوم عاشوراء وأنه عيد

ـ هل يجوز صيام يوم عاشوراء؟

٤ ـ فلسفة المآتم الحسينية

٢٣١
٢٣٢

الفصل السادس

المآتم الحسينيّة

* مقدمة الفصل :

لا يخفى أن مصيبة الحسينعليه‌السلام الكبيرة قد أقضّت مضجع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستحوذت عليه كل اهتمامه. فلا عجب إذا رأيناه يقيم المأتم على الحسينعليه‌السلام منذ مولده ، وفي عدة مناسبات من حياته. وعلى ذلك سار الأئمة الأطهار ودعوا كل من شايع الحسينعليه‌السلام إلى إقامة الحزن والعزاء عليه في كل مكان وزمان ، ولا سيما يوم العاشر من المحرم ، حتّى صار شعارهم :

«كل أرض كربلا ، وكل يوم عاشورا»

في حين كان بعض المسلمين عمدا أو جهلا يقيمون الفرح في ذلك اليوم ، جريا على السنّة التي اختطها لهم بنو أمية من غابر الزمان.

وسوف نتكلم في هذا الفصل حول إقامة المآتم الحسينية ، ثم فضل الحزن والبكاء على الحسينعليه‌السلام ، ثم إقامة مراسم العزاء والحزن والحداد يوم العاشر من المحرم كل عام. ونتعرض إلى بعض خصوصيات يوم عاشوراء ، والمحاولات المغرضة لتغيير مفهومه وصرفه عن حقيقته. ثم ننهي الفصل بفلسفة المآتم الحسينية ، وتتضمن أهداف ذكرى الحسينعليه‌السلام والفوائد التي تحققها المجالس الحسينية ، وأن هدفها ليس فقط الحزن والبكاء ، وإنما العظة واليقظة والاعتبار ، وتبديل السلوك وتعديل المسار ، والخروج من مستنقع الخطايا والأوزار ، إلى رياض الأخيار وجنان الأبرار.

١ ـ مآتم الحسينعليه‌السلام

مرت في الفصل السابق روايات مستفيضة حول إخبار جبرئيل للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنبأ استشهاد الحسينعليه‌السلام ، ثم إخبار محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهله وأصحابه بذلك. وكان في

٢٣٣

تلك الأحوال يضع الحسين الطفل في حضنه ، ويبكي بكاء شديدا ، ويقبّله من فمه ونحره ، ويشمّه ويضمه إلى صدره ، فكانت تلك المشاهد أول المآتم المقامة على الحسينعليه‌السلام في حياته وقبل مماته. وعلى هذا الهدي المحمدي سار شيعة الحسينعليه‌السلام من بعده ، يقيمون المآتم والعزاء عليه ، بعد موته واستشهاده ، اقتداء بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومشاركة له في محنته ومصيبته.

٢١٩ ـ مأتم الحسينعليه‌السلام في دار فاطمةعليها‌السلام :

(قادتنا : كيف نعرفهم؟ ، ج ٦ ص ١٢٠)

روى الخوارزمي عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال : زارنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعملنا له حريرة ، وأهدت لنا أم أيمن قعبا من لبن وزبدا وصفحة من تمر. فأكل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأكلنا معه. ثم وضّأت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقام فاستقبل القبلة ، فدعا الله ما شاء. ثم أكبّ على الأرض بدموع غزيرة مثل المطر. فهبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن نسأله!.

فوثب الحسينعليه‌السلام فقال : يا أبتي رأيتك تصنع ما لم أرك تصنع مثله!.فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا بني إني سررت بكم اليوم سرورا لم أسرّ بكم مثله. وإن حبيبي جبرئيل أتاني فأخبرني أنكم قتلى ، وأن مصارعكم شتى ، فدعوت الله لكم ، وأحزنني ذلك.

فقال الحسينعليه‌السلام : يا رسول الله ، فمن يزورنا على تشتّتنا ، ويتعاهد قبورنا؟.قال : طائفة من أمتي ، يريدون برّي وصلتي. فإذا كان يوم القيامة شهدتها بالموقف ، وأخذت بأعضادها ، فأنجيتها والله من أهواله وشدائده.

٢٢٠ ـ في دار أم سلمة :

(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ، ص ١٧٦)

وروى ابن عساكر بإسناده عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند ، عن أبيه (قال) قالت أم سلمة : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نائما في بيتي ، فجاء الحسينعليه‌السلام . قالت : فقصد الباب ، فسبقته على الباب مخافة أن يدخل فيوقظه. قالت : ثم غفلت في شيء ، فدبّ فدخل ، فقعد على بطنه.

قالت : فسمعت نحيب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فجئت فقلت : يا رسول الله ، والله ما علمت به. فقال : إنما جاءني جبرئيلعليه‌السلام وهو على بطني قاعد ، فقال لي :

٢٣٤

أتحبّه؟. فقلت : نعم. قال : إن أمتك ستقتله. ألا أريك التربة التي يقتل بها؟.(قال) فقلت : بلى. قال : فضرب بجناحه فأتى بهذه التربة. قالت : فإذا في يده تربة حمراء ، وهو يبكي ويقول : يا ليت شعري من يقتلك بعدي؟!.

وفي رواية أخرى للخوارزمي : (قادتنا ـ ج ٦ ص ١٢٦)

قال : ثم أخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تلك القبضة التي أتاه بها الملك ، فجعل يشمّها ويبكي ، ويقول في بكائه : الله م لا تبارك في قاتل ولدي ، وأصله نار جهنم.

ثم دفع تلك القبضة إلى أم سلمة ، وأخبرها بقتل الحسينعليه‌السلام بشاطئ الفرات ، وقال : يا أم سلمة خذي هذه التربة إليك ، فإنها إذا تغيرت وتحولت دما عبيطا ، فعند ذلك يقتل ولدي الحسينعليه‌السلام .

إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام

٢٢١ ـ إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٩٣)

يقول الفاضل الدربندي : اعلم أن من تأمل في الأخبار المروية من طرق العامة في فضل الحسن والحسينعليه‌السلام ومناقبهما ، علم أن البكاء على الحسينعليه‌السلام وإقامة تعزيته في كل سنة ، بل في كل شهر ، بل في كل أسبوع ، بل في كل ليلة ، من أفضل العبادات وأشرف الطاعات والقربات. فلعنة الله على كل متعصب من المخالفين ، الذين يأخذون يوم عاشوراء عيدا ، ويسمّون الاجتماع للعزاء والبكاء على سيد الشهداء بدعة ، وذلك كابن حجر العسقلاني ومن مثله.

٢٢٢ ـ ثواب إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام :

(المنتخب للطريحي ، ص ٢٨ ط ٢)

روي أنه لما أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسينعليه‌السلام وما يجري عليه من المحن ، بكت فاطمةعليه‌السلام بكاء شديدا ، وقالت : يا أبتي متى يكون ذلك؟. قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : في زمان خال مني ومنك ومن عليعليه‌السلام . فاشتد بكاؤها ، وقالت : يا أبة فمن يبكي عليه؟. ومن يلتزم بإقامة العزاء له؟. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :يا فاطمة إن نساء أمتي يبكون على نساء أهل بيتي ، ورجالهم يبكون على رجال

٢٣٥

أهل بيتي ، ويجددون العزاء جيلا بعد جيل في كل سنة. فإذا كان يوم القيامة تشفعين أنت للنساء ، وأنا أشفع للرجال. وكل من بكى على مصاب الحسينعليه‌السلام أخذنا بيده وأدخلناه الجنة.

يا فاطمة ، كل عين باكية يوم القيامة ، إلا عين بكت على مصاب الحسينعليه‌السلام ، فإنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة.

٢ ـ فضل البكاء والحزن على الحسينعليه‌السلام

٢٢٣ ـ البكاء على أمناء الرحمن :

(المنتخب للطريحي ، ص ١٦ ط ٢)

يقول فخر الدين الطريحي : فيا إخواني ، كيف لا نبكي على أمناء الرحمن ، وسادات أهل الزمان؟. وكيف لا نجدد النوح والأحزان ، في كل آن ومكان؟. على الشهيد العطشان ، النائي عن الأهل والأوطان ، المدفون بلا غسل ولا أكفان؟.فعلى الأطائب من أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فليبك الباكون ، وإياهم فليندب النادبون ، ولمثلهم تذرف الدموع من العيون.

٢٢٤ ـ فضيلة البكاء من خشية الله :

(أخبار الدول للقرماني ص ١١١)

قال الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام : ما اغرورقت عين بمائها من خشية الله ، إلا وحرّم اللهعزوجل وجه صاحبها على النار. فإن سالت على الخدين دموعه ، لم يرهق وجهه قتر ولا ذلّة. وما من شيء إلا له جزاء إلا الدمعة ، فإن الله تعالى يكفّر بها بحور الخطايا. ولو أن باكيا بكى في أمة ، لحرّم الله تلك الأمّة على النار.

(أقول) : ومن هذا القبيل بكاء المؤمن على الإمام الحسينعليه‌السلام .

٢٢٥ ـ البكاء من خوف الله وخشيته :

(أسرار الشهادة ، ص ٤٨)

يقول الفاضل الدربندي : ومنها أن البيت المبني من الطين إذا انهدم أمكن إصلاحه بقرب من الماء ، فكذلك الإنسان المخلوق أصله من الطين ، إذا فسد أمره بارتكاب المعصية ، أمكنه تداركه بإرسال العبرات على الحسرات. كما قال أمير

٢٣٦

المؤمنين ، وسيد الموحدين ، وتاج رؤوس البكّائينعليه‌السلام : أمحوا المثبّتات من العثرات بالمرسلات من العبرات.

٢٢٦ ـ البكاء على الحسينعليه‌السلام هو من خشية الله :

(المصدر السابق ، ص ٤٩)

ويقول الفاضل الدربندي : واعلم أن البكاء على مصاب أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا سيما على مصاب سيد الشهداء روحي له الفداء ، ليس أمرا مغايرا للبكاء من خوف الله تعالى. حتّى يتمشّى سؤال : أهل البكاء من خوف الله تعالى أفضل ، أم البكاء على سيد الشهداءعليه‌السلام ؟. بل إن البكاء عليه هو البكاء في محبة الله ، والبكاء المنبعث عن التقرب إلى الله.

٢٢٧ ـ البكاء من خوف الله قسمان :

(المصدر السابق)

ثم يقول الفاضل الدربندي : فإن شئت أن توضّح المطلب في غاية الإيضاح فقل :إن البكاء من خوف الله تعالى ينحلّ إلى نوعين وينقسم إلى قسمين :

الأول : أن يكون منشأ البكاء معاصي الإنسان ، وتذكّره لحالة الاحتضار وأهوال البرزخ والمحشر والعقوبات التي يستحقها. فهذا البكاء وإن كان يطلق عليه أيضا أنه بكاء من خوف الله وقسم منه ، إلا أنه في الحقيقة يرجع إلى بكائه على نفسه وعلى ذنبه.

الثاني : أن يكون ذلك البكاء في مقام محبة الله تعالى ، وملاحظة عظمة صفاته وكبريائه وجبروته ، وفي مقام التفكر في التقصير في عبادته. وهذا في مقام ذوق حلاوة مناجاته ومحبته التي انبعثت عنها المحبة والموالاة لأوليائه وحججه ، فلا يلاحظ في هذا القسم أصلا رجاء الثواب ولا الخوف من العقاب. فلا شك أن هذا القسم من البكاء هو أفضل من القسم الأول. ومما لا شك فيه أن البكاء على مصاب آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذا القسم ، إذ قد عرفت أن المحبة والموالاة لهم مما يرجع إلى محبة الله وموالاته. ويتضح هذا المطلب عند الفطن المتدبر ، إذا لا حظ عوم الأئمة الطاهرين ، وسباحة حجج الله المعصومين ، في بحار البلايا وقواميس المصائب ، لأجل محبة الله تعالى.

شرح : القواميس : جمع قاموس ، وهو البحر العظيم.

٢٣٧

٢٢٨ ـ ثواب البكاء عامة على الحسين ومصيبة سائر الأئمةعليه‌السلام :

(الخصال الأربعمائة ٢ / ٦٣٥ والبحار ٤٤ / ٢٨٧)

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إن الله تبارك وتعالى اطّلع إلى الأرض فاختارنا ، واختار لنا شيعة ينصروننا ، ويفرحون لفرحنا ، ويحزنون لحزننا ، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا ، أولئك منا وإلينا.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كل عين باكية إلا عين بكت على مصاب الحسينعليه‌السلام ، فإنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة».

وقال الإمام الرضاعليه‌السلام للريان بن شبيب : إن سرّك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان ، فاحزن لحزننا ، وافرح لفرحنا ، وعليك بولايتنا. فلو أن رجلا تولّى حجرا حشره الله معه يوم القيامة.

وقال الإمام عليعليه‌السلام : كل عين يوم القيامة باكية ، وكل عين يوم القيامة ساهرة ، إلا عين من اختصه الله بكرامته ، وبكى على ما ينتهك من الحسين وآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . (راجع مقتل العوالم ص ٥٢٥).

٢٢٩ ـ من قطرت عينه قطرة على الحسينعليه‌السلام :

(مجالس المفيد ، ص ٣٤٠ وأمالي الطوسي ١ / ١١٦ والبحار ٤٤ / ٢٧٩)

عن الإمام الحسينعليه‌السلام قال : ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة ، أو دمعت عيناه فينا دمعة ، إلا بوّأه الله تعالى بها في الجنة (غرفا يسكنها) حقبا. (وفي رواية) : أحقابا أحقابا.

شرح : الحقبة من الدهر : مدة لا وقت لها ، جمعها : حقب. وهي كناية عن الدوام.

٢٣٠ ـ فضيلة البكاء على الحسينعليه‌السلام :

(مقتل العوالم ، ج ١٧ ص ٥٢٦)

في (تفسير علي بن إبراهيم) عن الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام قال : كان علي ابن الحسينعليه‌السلام يقول : أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن عليعليه‌السلام دمعة ، حتّى تسيل على خده ، بوّأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا. وأيما مؤمن دمعت عيناه (دمعا) حتّى يسيل دمعه على خده ، لأذى مسّنا من عدونا في الدنيا ، بوّأه الله مبوّأ صدق في الجنة. وأيما مؤمن مسّه أذى فينا ، فدمعت عيناه حتّى يسيل

٢٣٨

دمعه على خديه ، من مضاضة ما أوذي فينا ، صرف الله عن وجهه الأذى ، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار.

٢٣١ ـ البكاء على الحسينعليه‌السلام يحطّ الذنوب :

(بحار الأنوار للمجلسي ، ج ٤٤ ص ٢٨٢)

عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال لفضيل : تجلسون وتتحدثون؟. قال : نعم جعلت فداك. قال : إن تلك المجالس أحبّها ، فأحيوا أمرنا يا فضيل ، فرحم الله من أحيا أمرنا.

يا فضيل ، من ذكرنا أو ذكرنا عنده ، فخرج من عينه مثل جناح الذباب ، غفر الله له ذنوبه ، ولو كانت أكثر من زبد البحر.

٢٣٢ ـ حديث : نفس المهموم لظلمنا تسبيح :

(مجالس المفيد ، ص ٣٣٨ وأمالي الطوسي ١ / ١١٥ والبحار ٤٤ / ٢٧٨)

عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال : نفس المهموم لظلمنا تسبيح ، وهمهّ لنا عبادة ، وكتمان سرّنا جهاد في سبيل الله.

ثم قالعليه‌السلام : يجب أن يكتب هذا الحديث بالذهب.

٢٣٣ ـ حديث : من دمعت عينه فينا دمعة :

(مجالس المفيد ، ص ١٧٤ وأمالي الطوسي ١ / ٩٧ والبحار ٤٤ / ٢٧٩)

عن محمّد بن أبي عمارة الكوفي ، قال : سمعت جعفر بن محمّدعليه‌السلام يقول :من دمعت عينه فينا دمعة ، لدم سفك لنا ، أو حقّ لنا أنقصناه ، أو عرض انتهك لنا أو لأحد من شيعتنا ، بوّأه الله تعالى بها في الجنة حقبا.

٢٣٤ ـ حديث : من ذكرنا عنده :

(كامل الزيارات ، ص ١٠٤ والبحار ٤٤ / ٢٨٥)

عن فضيل بن فضالة ، عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال : من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ، حرّم الله وجهه على النار.

وروي عن الصادقعليه‌السلام قال : لكل سرّ ثواب ، إلا الدمعة فينا.

٢٣٩

٢٣٥ ـ حديث الإمام الصادقعليه‌السلام لمسمع كردين :

(كامل الزيارات ، ص ١٠١ والبحار ٤٤ / ٢٨٩)

سأل الإمام الصادقعليه‌السلام مسمع كردين ، وهو من أهل العراق : هل يبكي على الحسينعليه‌السلام ؟ فقال : بلى

قال : ثم استعبر واستعبرت معه. فقالعليه‌السلام : الحمد لله الّذي فضّلنا على خلقه بالرحمة ، وخصّنا أهل البيت بالرحمة.

يا مسمع ، إن الأرض والسماء لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين رحمة لنا. وما بكى لنا من الملائكة أكثر. وما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا. وما بكى أحد رحمة لنا ولما لقينا ، إلارحمه‌الله قبل أن تخرج الدمعة من عينيه. فإذا سالت دموعه على خده غفر الله ذنوبه ، ولو كانت مثل زبد البحر. فلو أن قطرة من دموعه سقطت في جهنم ، لأطفأت حرّها حتّى لا يوجد لها حرّ. وإن الموجع لنا قلبه ليفرح يوم يرانا عند موته ، فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتّى يرد علينا الحوض. وإن الكوثر ليفرح بمحبّنا إذا ورد عليه ، حتّى أنه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه.

٢٣٦ ـ حديث : من تذكر مصابنا وبكى :

(أمالي الصدوق ، ص ٦٨ وبحار الأنوار ٤٤ / ٢٧٨)

قال الإمام الرضاعليه‌السلام : من تذكّر مصابنا وبكى لما ارتكب منا ، كان معنا في درجاتنا يوم القيامة. ومن ذكّر بمصابنا فبكى وأبكى ، لم تبك عينه يوم تبكي العيون. ومن جلس مجلسا يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.

٢٣٧ ـ الحسينعليه‌السلام قتيل العبرة :

(أمالي الطوسي ، ص ١٢١)

عن الإمام الصادقعليه‌السلام (قال) قال الحسين بن عليعليه‌السلام : أنا قتيل العبرة ، قتلت مكروبا ، وحقيق على الله أن لا يأتيني مكروب قط ، إلا ردّه الله وأقلبه إلى أهله مسرورا.

وعن الحسينعليه‌السلام قال : أنا قتيل العبرة ، لا يذكرني مؤمن إلا استعبر.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

نمير السكوني في أربعة آلاف ، و [مضاير بن رهينة] المازني في ثلاثة آلاف ، ونصر ابن فلان في ألفين ؛ فذلك عشرون ألفا ، ما بين فارس وراجل.

وعن بعض من حضر المعركة (وهو عبد الله بن عمار بن يغوث) قال :

«والله ما رأيت مكثورا قط ولقد كان يحمل فيهم ، وقد تكمّلوا ثلاثين ألفا».

مما يؤكد أن عددهم لا يقل عن عشرين ألفا ، وأنهم تكاملوا في كربلاء إلى ثلاثين ألفا ، ما عدا المدد المتصل بهم والذي لم يصل بعد إلى كربلاء.

٧٤٨ ـ كتاب ابن زياد إلى عمر بن سعد (٢):

(كتاب الفتوح لابن أعثم ، ج ٥ ص ١٥٩)

ثم كتب ابن زياد إلى عمر بن سعد : إني لم أجعل لك علة في قتال الحسين ، من كثرة الخيل والرجال. فانظر أن لا تبدأ أمرا حتّى تشاورني ، غدوّا وعشيا مع كل غاد ورائح ، والسلام.

والتأمت العساكر إلى عمر بن سعد [في كربلاء] لست مضين من المحرم.

٧٤٩ ـ عناصر الجيش الأموي :

(حياة الإمام الحسين للسيد باقر القرشي ، ج ٣ ص ١٥٦)

يتألف الجيش الأموي من خمسة عناصر ، ومن بينها :

١ ـ الانتهازيون : وهم أصحاب المصالح ، مثل : عمر بن سعد ، وحجار بن أبجر ، وشبث بن ربعي ، وشمر بن ذي الجوشن ، وقيس بن الأشعث ، ويزيد بن الحرث.

٢ ـ المرتزقة : غايتهم الحصول على مغانم الحرب والأموال. وهم الذين نهبوا ثقل الحسينعليه‌السلام ، وعمدوا إلى سلب حرائر النبوة وعقائل الوحي ، فلم يتركوا ما عليهن من حلي وحلل ، وسلبوا الإمام الحسينعليه‌السلام وسائر الشهداء من الملابس ولا مات الحرب [أي الدروع].

٣ ـ الممسوخون : وهم الحاقدون على كل الناس ، ورغبتهم الذبح واقتراف الجرائم ، مثل : شمر ، وحرملة بن كاهل ، والحكيم بن الطفيل الطائي ، وسنان بن أنس ، وعمرو بن الحجاج ، وأمثالهم من «كلاب الطراد «كما سمّاهم بذلك بعض المؤرخين. وقد صدرت منهم في كربلاء من القساوة والهمجية ما تترفع عنه الوحوش والكلاب.

٦٢١

٤ ـ المكرهون : وهم الذين كانت عواطفهم مع الحسينعليه‌السلام ، ولكن الجبن وخور النفس منعهم من نصرته. وهؤلاء لم يشتركوا في الحرب ، وكانوا يدعون للحسين بالنصرة. وكان بعضهم من أشياخ الكوفة يقفون على تل يبكون ويقولون :اللهم أنزل عليه نصرك!. وقد أنكر عليهم واحد منهم فقال لهم : يا أعداء الله ألا تنزلون فتنصروه؟!(١) .

ومما لا شبهة فيه أن هؤلاء قد اقترفوا إثما عظيما ، وشاركوا المحاربين جريمتهم ، لأنهم لم يقوموا بإنقاذ الإمام وحمايته من المعتدين.

٥ ـ الخوارج : وهم من أحقد الناس على الإمام عليعليه‌السلام وآل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأن الإمام علياعليه‌السلام قد وترهم في واقعة النهروان ، فتسابقوا إلى قتل العترة الطاهرة للتشفّي منها.

٧٥٠ ـ سوق الحدادين يعجّ بصانعي السيوف والرماح والسهام لقتال الحسينعليه‌السلام :

(وسيلة الدارين في أنصار الحسين ، ص ٧٨)

وقيل : إنه من اليوم السادس من المحرم كان سوق الحدادين بالكوفة ، قائما على ساق لهم : وهج ورهج ، ووجبة وجلبة. فكل من تلقاه إما أن يشتري سيفا أو رمحا أو سهما أو سنانا ، ويحدّدها عند الحداد ، وينقعها بالسم ، لإراقة دم ريحانة الرسول ومهجة فؤاد البتول. وكانت السهام كلها مسمومة ، وبعضها ذو شعبة أو شعبتين ، وبعضها ذو ثلاث شعب.

أما السهم الّذي وقع في نحر الطفل الرضيع فكان ذا شعبتين ، فذبحه من الوريد إلى الوريد. وأما السهم الّذي وقع على قلب الحسين ـ روحي له الفدا ـ فكان له ثلاث شعب ، فخرق أحشاءه وخرّق قلبه الشريف ، حتّى خرج من قفاه.

٧٥١ ـ التعداد الكمي للجيش الحسيني :

(الوثائق الرسمية ، ص ١١٠)

وأما التعداد الكمي للجيش الحسيني ، الّذي قاتل مع الحسينعليه‌السلام ، فقد اختلف الرواة وأرباب المقاتل في تحديده الكمي.

__________________

(١) أنساب الأشراف للبلاذري ، ج ٢ ص ٥١٧.

٦٢٢

فقد ذكر الشيخ المفيد في (الإرشاد) وابن الأثير في (الكامل) ج ٣ ص ٢٨٦ وغيرهم : أنهم اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا ، والمجموع :

٣٢ فارسا+ ٤٠ راجلا ـ ٧٢ محاربا

وبعضهم قال بأكثر من هذا العدد ، ففي رواية الطبري أنهم كانوا أربعين فارسا ومائة راجل. وفي رواية الإمام الباقرعليه‌السلام أنهم كانوا خمسة وأربعين فارسا ومائة راجل. وأنا أرجّح الرواية الأخيرة لأنها عن معصوم.

(أقول) : والظاهر أن الذين اعتبروا العدد ٧٢ اقتصروا على عدّ الرجال العرب الأحرار ، دون الموالي والعبيد ، الذين كانوا بكثرة مع الحسينعليه‌السلام ؛ من مواليه ومن موالي أصحابه. فمن هنا جاء الفرق بين العدد ٧٢ والعدد ١٤٥.

يقول السيد عبد الكريم الحسيني القزويني في (الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين) : قمت بعملية جرد لإحصاء جميع أسماء أصحاب الحسينعليه‌السلام وأهل بيته الذين حاربوا معه في اليوم العاشر من المحرم ، وقد ذكرهم بأسمائهم الشيخ محمّد السماوي في كتابه (إبصار العين في أنصار الحسين) ، فكان عددهم

لا يتجاوز المائة وعشرة رجال ، من المشاة والفرسان. وهم طائفتان :

١ ـ من بني هاشم ، وعددهم ستة عشر ١٦ رجلا.

٢ ـ من الأصحاب ، وهم من مختلف القبائل والأجناس ، وعددهم ٩٤ رجلا.

(أقول) : وسوف يأتي تحقيق كامل بأسماء هؤلاء الأنصار من الآل والأصحاب في أول الجزء الثاني من هذه الموسوعة إنشاء الله.

اليوم السابع من المحرّم

(الحصار ومنع الماء)

٧٥٢ ـ كتاب ابن زياد إلى عمر بن سعد (٣) بمنع الماء عن الحسينعليه‌السلام :

(الوثائق الرسمية للقزويني ، ص ١١٢)

يقول السيد عبد الكريم الحسيني القزويني : ثم إن عبيد الله بن زياد أخذ يرسل الكتاب تلو الكتاب ، والرسول تلو الرسول ، يحثّ عمر بن سعد على مقاتلة الحسينعليه‌السلام . فبعث إليه كتابا آخر جاء فيه :

٦٢٣

أما بعد ، فحل بين الحسين وأصحابه وبين الماء ، فلا يذوقوا منه قطرة ، كما صنع بالتقيّ الزكي المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفان(١) .

الحصار

ولما وصل الكتاب إلى عمر بن سعد ، أمر عمرو بن الحجاج ومعه خمسمائة فارس ، فنزلوا على الشريعة ، وحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء ، ومنعوهم أن يستقوا منه قطرة ، وذلك قبل قتل الحسينعليه‌السلام بثلاثة أيام.

٧٥٣ ـ عبد الله بن الحصين الأزدي يتوعّد الحسينعليه‌السلام بالموت عطشا ، ودعاء الحسينعليه‌السلام عليه :

(الوثائق الرسمية ، ص ١١٢)

ثم إن عبد الله بن (أبي) الحصين الأزدي نادى في لؤم وحقارة وخسّة نفس وخبث سريرة : يا حسين أما تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء ، ووالله لا تذوق منه قطرة حتّى تموت عطشا.

فتأثر الحسينعليه‌السلام من كلامه ، وقال : الله م اقتله عطشا ، ولا تغفر له أبدا.

قال حميد بن مسلم : والله لعدته بعد ذلك في مرضه ، فوالله الّذي لا إله غيره ، لقد رأيته يشرب الماء حتّى يبغر(٢) ، ثم يقيء ويصيح : العطش ، ثم يعود فيشرب الماء حتّى يبغر ، ثم يقيئه ويتلظى عطشا ، فما زال ذلك دأبه حتّى هلك.

وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٧ ط ٢ نجف :

وناداه عمرو بن الحجاج : يا حسين ، هذا الماء تلغ فيه الكلاب وتشرب منه خنازير أهل السواد والحمر والذئاب ، وما تذوق منه والله قطرة حتّى تذوق الحميم في نار الجحيم. فكان سماع هذا الكلام على الحسينعليه‌السلام أشدّ من منعهم إياه الماء.

__________________

(١) تاريخ الطبري ج ٤ ص ٣١٢.

(٢) بغر البعير : شرب ولم يرو ، فأخذه داء من الشرب. والبغر : كثرة شرب الماء ، أو داء وعطش.

٦٢٤

٧٥٤ ـ عند ما أضرّ العطش بالحسينعليه‌السلام ومن معه ، حفروا بئرا فشربوا منها ثم غاضت :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٤)

وورد أمر من ابن زياد بالتضييق على الحسين ومنعه من الماء كما فعل بعثمان.ولما أضرّ العطش بالحسينعليه‌السلام وبمن معه ، أخذ فأسا وجاء إلى وراء خيمة النساء ، فخطا على الأرض تسع عشرة خطوة نحو القبلة ، ثم احتفر هناك ، فنبعت له هناك عين من الماء العذب ، فشرب الحسينعليه‌السلام وشرب أصحابه بأجمعهم ، وملؤوا أسقيتهم ، ثم غارت العين فلم يشهد لها أثر.

وبلغ ذلك عبيد الله بن زياد فكتب إلى عمر بن سعد : بلغني أن الحسين يحفر الآبار ويصيب الماء فيشرب هو وأصحابه ، فانظر إذا ورد عليك كتابي هذا فامنعهم من حفر الآبار ما استطعت ، وضيّق عليهم ولا تدعهم أن يذوقوا من الماء قطرة ، وافعل بهم كما فعلوا بالزكي عثمان ، والسلام(١) .

فضيّق عليهم ابن سعد غاية التضييق ، ودعا برجل يقال له عمرو بن الحجاج الزبيدي ، فضمّ إليه خيلا كثيرة ، وأمره أن ينزل على الشريعة التي هي حذاء معسكر الحسينعليه‌السلام ، فنزلت الخيل على شريعة الماء.

تعليق :

لقد دأب الإعلام الأموي على تشويه الحقائق وإيهام الرعاع من الناس أن الحسينعليه‌السلام له ضلع في مقتل الخليفة عثمان عطشا ، علما بأنه مع أخيه الحسنعليه‌السلام وبأمر من أبيهما الإمام عليعليه‌السلام كانا من المدافعين عن عثمان والواقفين على باب بيته بسيوفهم يوم مقتله. أما القاتل الحقيقي الّذي ورّط عثمان في الفتنة ، ثم أسلمه إلى الهلاك والقتل في آخر لحظة ، فهو معاوية. واللبيب يميّز بين أعمال من اتخذوا الغدر والوصولية مبدأ لهم ، وبين من التزموا بالحق

لا يحيدون عنه قيد أنملة ، وهم عليعليه‌السلام وأولاده. وكيف يقاس من انطبعت أعمالهم بالرجس ، بمن طهّرهم الله من كل رجس؟!.

__________________

(١) ذكر المقرم في مقتله ص ٢٤٤ ما يشبه هذا الكلام ، منقولا عن الطبري ، ج ٦ ص ٢٣٤ ؛ وإرشاد المفيد وكامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ٢٢.

٦٢٥

٧٥٥ ـ عبيد الله بن زياد يمارس الحرب الاقتصادية ضد الحسينعليه‌السلام بأبشع صورها ، فيمنعه من الماء ويعزله عن العالم :

(مع الحسين في نهضته لأسد حيدر ، ص ١٨٣)

وقد استعمل ابن زياد مع الحسينعليه‌السلام الحرب الاقتصادية بأبشع صورها ، وأقصى ما يتصوّر ؛ من معاملة وحشية وخطة همجية. فطوّق جيش الحسينعليه‌السلام لمنع الإمدادات الخارجية ، وقطع الاتصال بينه وبين العالم الخارجي ، حتّى وصلت الحال إلى حدّ منع الماء عنه وعن عياله وأطفاله.

٧٥٦ ـ حقوق الحسينعليه‌السلام في ماء الفرات :

(معالي السبطين لمحمد مهدي المازندراني ، ج ١ ص ١٩٥)

قال المرحوم الحاج شيخ جعفر : اعلم أن للحسينعليه‌السلام في الماء حقوقا أربعة :

الأول : حقه في الماء ، من حيث الاشتراك مع جميع الناس ، فإن الناس كلهم شركاء في الماء.

الثاني : حقه في الماء ، من حيث الاشتراك مع جميع ذوات الأرواح ، فإن لكل ذات روح في الماء حقا ، ومنه كل الحيوان.

الثالث : من حيث ثبوت حق السقي له على أهل الكوفة ، فإنه قد سقاهم ثلاث مرات ؛ مرة في الكوفة في زمان أبيهعليه‌السلام ، وتارة في صفين ، وأخرى في القادسية ، حين الملاقاة مع عسكر الحر بن يزيد الرياحي.

الرابع : له حقّ في الفرات مخصوص ، فإن نهر الفرات نحلة الله لفاطمةعليها‌السلام ومهر الزهراء.

ولم يراعوا لعنهم الله هذه الحقوق ، ومنعوه منه كما منعوا منه أصحابه وعياله وأطفاله ، وذلك قبل مقتلهعليه‌السلام بثلاثة أيام.

٧٥٧ ـ نصيحة الهمداني لعمر بن سعد :

(المنتخب للطريحي ، ص ٣٣٣)

قال الراوي : فلما نزل الحسينعليه‌السلام في أرض كربلاء ، أول من حال بينه وبين ماء الفرات عمر بن سعد. فاشتدّ العطش بالحسينعليه‌السلام وأطفاله وأهل بيتهعليهم‌السلام . وقام رجل من أصحاب الحسينعليه‌السلام [لعله يزيد بن الحصين

٦٢٦

الهمداني] وقال : يابن رسول الله أتأذن لي أن أمضي إلى ابن سعد فأكلمه في أمر الماء ، وأعرّفه بعطش الحرم والأطفال ، فعساه يرتدع عن القتال؟. فقالعليه‌السلام :ذلك إليك ، افعل ما شئت.

قال : فجاء الهمداني ووبّخه بكلام ، فكان من عذره أن قال : يا أخا همدان ، والله إني أعرف الناس بحق الحسين وحرمته عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكني حائر في أمري ، ما أدري كيف أصنع؟ وفي هذا الوقت كنت أتفكر في أمري ، بين ترك ملك الرّي وقتل الحسين. ثم قال : نفسي لأمّارة بالسوء ، ما تحسّن لي ترك ملك الري ، وأني إذا قتلت حسينا أكون أميرا على سبعين ألف فارس!.

قال : فنهض من عنده مكسور القلب ، ورجع إلى الحسينعليه‌السلام وقال :

يا مولاي إن القوم استحوذ عليهم الشيطان ، وإن عمر بن سعد قد عزم على قتلك وقتل أصحابك وأهل بيتك ، ورضي بدخول النار بولاية الريّ ، ذلك هو الخسران المبين.

الاستسقاء الأول

٧٥٨ ـ معركة على الماء : استسقاء العباسعليه‌السلام بمساعدة نافع بن هلال الجملي :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٤ ؛ ولواعج الأشجان ، ص ٩٨)

فلما اشتدّ العطش بالحسينعليه‌السلام وأصحابه ، دعا أخاه العباسعليه‌السلام وضمّ إليه ثلاثين فارسا وعشرين راجلا ، وبعث معهم عشرين قربة في جوف الليل ، حتّى دنوا من الفرات ، وأمامهم نافع بن هلال الجملي يحمل اللواء.

فقال عمرو بن الحجاج : من الرجل؟ فقال له نافع بن هلال : أنا ابن عم لك من أصحاب الحسينعليه‌السلام جئت حتّى أشرب من هذا الماء الّذي منعتمونا منه. فقال له عمرو : اشرب هنيئا مريئا. فقال له نافع : ويحك كيف تأمرني أن أشرب من الماء ، والحسينعليه‌السلام ومن معه يموتون عطشا؟!. فقال : لا سبيل إلى سقي هؤلاء ، إنما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء.

فصاح نافع بأصحابه فدخلوا الفرات ، وصاح عمرو بأصحابه ليمنعوهم. فحمل عليهم العباسعليه‌السلام ونافع بن هلال فكشفوهم. واقتتل القوم على الماء قتالا شديدا ، فكان قوم يقاتلون وقوم يملؤون القرب ، حتّى ملؤوها وأقبلوا بالماء.

٦٢٧

ثم عاد عمرو بن الحجاج وأصحابه وأرادوا أن يقطعوا عليهم الطريق ، فقاتلهم العباسعليه‌السلام وأصحابه حتّى ردّوهم. وقتل من أصحاب عمرو بن الحجاج جماعة ، ولم يقتل من أصحاب الحسينعليه‌السلام أحد.

ثم رجع القوم إلى معسكرهم بالماء ، فشرب الحسينعليه‌السلام ومن كان معه ، ولقّب العباس يومئذ بالسّقّاء(١) .

(يقول السيد عبد الرزاق المقرّم في مقتله ، ص ٢٤٦) : ولكن لا يفوتنا أن تلك الكمية القليلة من الماء ، ما عسى أن تجدي أولئك الجمع ، الّذي هو أكثر من مائة وخمسين رجالا ونساء وأطفالا ، أو إنهم ينيفون على المائتين. ومن المقطوع به أنها لم ترو أكبادهم إلا مرة واحدة ، فسرعان أن عاد إليهم الظمأ ، وإلى الله المشتكى!.

٧٥٩ ـ خطاب الحسينعليه‌السلام بالقوم يذكّرهم فيه بحسبه ونسبه :

(لواعج الأشجان ، ص ١١٦ ط ٤ ؛ ومثير الأحزان للجواهري ، ص ٦٤)

ثم وثب الحسينعليه‌السلام متوكئا على قائم سيفه ، ونادى بأعلى صوته : أنشدكم الله هل تعلمون أن جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. قالوا : الله م نعم. قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن أمي فاطمة بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. قالوا : الله م نعم. قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن أبي علي بن أبي طالبعليه‌السلام ؟. قالوا : الله م نعم. قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن جدتي خديجة بنت خويلد ، أول نساء هذه الأمة إسلاما؟. قالوا : الله م نعم. قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن سيّد الشهداء حمزة عم أبي؟. قالوا : الله م نعم. قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن جعفرا الطيار في الجنة عمي؟. قالوا : الله م نعم. قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن هذا سيف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنا متقلده؟.قالوا : الله م نعم. قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن هذه عمامة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنا لابسها؟. قالوا : الله م نعم. قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن عليا كان أول القوم إسلاما وأعلمهم علما وأعظمهم حلما ، وأنه ولي كل مؤمن ومؤمنة؟. قالوا : الله م نعم قال : فبم تستحلّون دمي؟ وأبي الذائد عن الحوض ، يذود عنه رجالا كما

__________________

(١) من الغريب أن أبا مخنف في مقتله ذكر أن العباسعليه‌السلام استشهد هنا وهو يستسقي ، ولم يرجع بالماء إلى الحسينعليه‌السلام . وقد انفرد بهذه الرواية ، وسنذكرها في مصرع العباسعليه‌السلام فيما بعد.

٦٢٨

يذاد البعير الصاد عن الماء ، ولواء الحمد في يد أبي يوم القيامة!. قالوا : قد علمنا ذلك كله ، ونحن غير تاركيك حتّى تذوق الموت عطشا.

المفاوضات

قال الشيخ المفيد : لما رأى الحسينعليه‌السلام نزول العساكر مع عمر بن سعد بنينوى ومددهم لقتله ، أنفذ إلى عمر بن سعد أنني أريد أن ألقاك. فاجتمعا ليلا ، وتناجيا طويلا.

٧٦٠ ـ مكالمة الحسينعليه‌السلام لعمر بن سعد ونصيحته ، وأعذار ابن سعد :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٥)

وأرسل الحسينعليه‌السلام إلى ابن سعد مع عمرو بن قرظة الأنصاري ، أني أريد أن أكلّمك الليلة ، فالقني الليلة بين عسكري وعسكرك. فخرج إليه عمر بن سعد في عشرين فارسا ، والحسينعليه‌السلام في مثل ذلك. ولما التقيا أمر الحسينعليه‌السلام أصحابه فتنحّوا عنه ، وبقي معه أخوه العباس وابنه علي الأكبرعليه‌السلام . وأمر ابن سعد أصحابه فتنحّوا عنه ، وبقي معه ابنه حفص وغلام له يقال له : لاحق.

فقال الحسينعليه‌السلام لابن سعد : ويحك أما تتّقي الله الّذي إليه معادك؟. أتقاتلني وأنا ابن من علمت!. يا هذا ذر هؤلاء القوم وكن معي فإنه أقرب لك من الله. فقال له عمر : أخاف أن تهدم داري. فقال الحسينعليه‌السلام : أنا أبنيها لك. فقال عمر :أخاف أن تؤخذ ضيعتي. فقالعليه‌السلام : أنا أخلف عليك خيرا منها من مالي بالحجاز(١) . ويروى أنهعليه‌السلام قال لعمر :

(أعطيك البغيبغة ، وكانت عظيمة فيها نخل وزرع كثير ، دفع معاوية فيها ألف ألف دينار فلم يبعها له(٢) ). فقال عمر : لي عيال أخاف عليهم. فقال : أنا أضمن سلامتهم. ثم سكت فلم يجبه عن ذلك. فانصرف عنه الحسينعليه‌السلام وهو يقول : ما لك ذبحك الله على فراشك سريعا عاجلا ، ولا غفر لك يوم حشرك ونشرك. فوالله إني لأرجو أن لا تأكل من برّ العراق إلا يسيرا. فقال له عمر مستهزئا : يا أبا عبد الله في الشعير عوض عن البرّ. ثم رجع عمر إلى معسكره.

__________________

(١) مقتل المقرم ص ٢٤٨ عن مقتل العوالم ص ٧٨.

(٢) مقتل المقرم ص ٢٤٨ عن تظلم الزهراء ص ١٠٣.

٦٢٩

(أقول) : وقد صدق دعاء الحسينعليه‌السلام على عمر بن سعد ، فقد مات مذبوحا على فراشه (راجع ترجمته في الجزء الثاني من الموسوعة).

٧٦١ ـ حبّ الدنيا رأس كل خطيئة :

(بقلم المؤلف)

المقصود بالدنيا ما تشتمل عليه من متع عابرة وشهوات حيوانية ولذائذ آنيّة ، وما تنطوي عليه من تهالك وتحاسد وتباغض.

وهذه الرغبات المادية قد أباحها الشارع وأعطانا الحق في ممارستها ، ولكن في حدود معتدلة ومعقولة ، بحيث لا تؤدي إلى الحرص والطمع والانحراف والتهافت.

ورغم هذا كله ، نجد كثيرا من الناس تطغيهم نفسيتهم الأمارة بالسوء ، فيختارون الضلال على الهدى ، ويفضّلون الباطل على الحق ، وينحرفون منجرفين بتيار الهوى والشذوذ ؛ وذلك رغم وضوح الدلائل لديهم ، وقيام الحجة عليهم ، فيكون وبالهم كبيرا ، وعقاب أعمالهم شديدا.

من هؤلاء البغاة المنحرفين [عمر بن سعد بن أبي وقّاص] الّذي لم يرع للحسينعليه‌السلام قرابة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يحفظ له منزلة ولا قدرا ، وجاء يريد مساومته على الصلح مع يزيد ، الفاسق الفاجر ، كيما تنطفئ شعلة الثورة على الجور والطغيان ، وينعم هو في ظل يزيد بولاية الرّي وجرجان ، فيشبع دوافع نفسه الشريرة في التكالب على المال والأملاك والإمارة والسلطان.

لقد بات عمر بن سعد في صراع كبير بين الباطل والحق ، بين الاستجابة للدنيا أو الاستجابة للآخرة ، بين قتل الحسينعليه‌السلام أو ترك ولاية الري وجرجان. لقد بات في صراع مرير بين نفسه الأمّارة بالسوء وبين نفسه اللوّامة ، ولسان حاله يقول :

دعاني عبيد الله من دون قومه

إلى خطةّ ، فيها خرجت لحيّني

فوالله ما أدري وإني لحائر

أفكّر في أمري على خطرين

أأترك ملك الرّي والريّ منيتي

أم ارجع مأثوما بقتل حسين

حسين ابن عمّي والحوادث جمّة

لعمري ولي في الريّ قرّة عين

يقولون : إن الله خالق جنّة

ونار وتعذيب وغلّ يدين

فإن صدقوا فيما يقولون إنني

أتوب إلى الرحمن من سنتين

وإن كذبوا فزنا بدنيا عظيمة

وملك عقيم دائم الحجلين

٦٣٠

ولقد نصحه الحسينعليه‌السلام نصائح كثيرة ، لم تلق منه غير اختلاق الذرائع والأعذار ، التي تتركز كلها حول حرصه على المصالح الدنيوية والمكاسب المادية.

وظلعليه‌السلام جاهدا في نصيحة عمر بن سعد ـ باعتباره القائد العام لجيش البغي والعدوان ـ وهو يتنصّل بشتى المعاذير ، والحسينعليه‌السلام يردّها عليه واحدة واحدة ، حتّى لم يبق في جعبة ابن سعد عذرا يعتذر به.

وماذا كان يحجب تلك الحجج والبراهين ، والدعوات والنصائح ، عن أن تجد طريقها إلى ضمير ابن سعد ، فيتحول عن طريق الذنوب والآثام والكبائر الجسام ، لو لا أن حبّ الدنيا قد أعمى قلبه ، والتكالب عليها قد أظلم صدره. فصدق فيه قول الإمام عليعليه‌السلام : «حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة».

ولقد وعده ابن زياد أن يعهد له بولاية الريّ ، فباع الفاسق دينه بالبغي والغيّ ، لكنه لم يسعد بولاية ولا عيش هنيّ ، بل ذبح على فراشه بتقدير خفيّ.

٧٦٢ ـ تعليق على انحراف عمر بن سعد :

(كشف الغمة في معرفة الأئمة لعلي بن عيسى الإربلي ، ج ٢ ص ٢٦٠)

قال المحقق أبو الحسن علي بن عيسى الإربلي :

التوفيق عزيز المنال ، ومن حقّت عليه كلمة العذاب لم ينجع فيه لوم اللّوّام ولا عذل العذّال. ومن غلبته نفسه ، تورّط من شهواتها في أعظم من القيود والأغلال.وكما أن الجنة لها رجال فالنار لها رجال ، وكما أعدّ الله لقوم الفوز والرضوان ، أعدّ للآخرين العقاب والنكال.

وهذا النجس ابن سعد أبعده الله ، عرف سوء فعله ، فأضلّه الله على علم ، وهو أقبح أنواع الضلال. وطبع الله على قلبه وختم على لبّه ، وجعل على بصره غشاوة فبئست الأحوال. وزهد في الآجلة وهي إلى بقاء ، ورغب في العاجلة وهي إلى زوال. وطمع في المال فخسر المآل. فأصلي نارا وقودها الناس والحجارة ، ولم يغن عنه رأيه في الريّ ولا نفعته الإمارة ، فخرج في طالع نحس ، وباع آخرته بثمن بخس ، وأصبح من سوء اختياره في أضيق حبس. فإنه عصى الله سبحانه طاعة للفجّار ، واتّخذ ابن زياد ربّا فأورده النار وبئس القرار. وباء في الدنيا بالعار ، وحشر في الآخرة مع مردة الكفّار.

وهكذا حال هذا الشقي الّذي سعى إلى سوء خاتمته وعاقبته ، فكان العذاب

٦٣١

الدائم مصيره والنار غايته ، فتبّا له محلأ عن موارد الأبرار ، وبعدا له وسحقا في هذه الدار وتلك الدار. فلقد أوغل في تمردّه ، وبالغ في وخامة كسب يده ، وترك الحق وراء ظهره وخلف أذنه. إذ لم ينظر في يومه لغده ، وعرف الصراط المستقيم فنكب طوعا عن سننه وجدده ، وصدّع قلب الرسول بما صنعه بولده ، وأبكى الأرض والسماء بجنايته ، وأحزن الملائكة الكرام والأنبياءعليهم‌السلام ببشاعة فعلته وقبح ملكته. وجاء بها شوهاء عقراء جذعاء تشهد بسوء ظفره ، وتنطق برديّ أثره ، ولؤم مخبره وفساد اختياره ونظره ، كافلة له بالعذاب الأليم ، إضافة له الخلود في نار الجحيم ، مقيما فيها أبدا إن شاء الله مع الشيطان الرجيم. طعامه فيها الزقّوم والغسلين وشرابه الحميم ، مخصوصا بمقت الله رب العالمين ، قريبا للعتاة المتمردين والطغاة الكافرين ، مصاحبا من شايعه وتابعه ورضي بفعله من الجنّة والناس أجمعين.

٧٦٣ ـ طلب عمر بن سعد الاجتماع بالحسينعليه‌السلام :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٧ ط ٢ نجف)

وكان عمر بن سعد يكره قتال الحسينعليه‌السلام ، فبعث إليه يطلب الاجتماع به ، فاجتمعا خلوة. فقال له عمر : ما جاء بك؟ فقال : أهل الكوفة. فقال :

أما عرفت ما فعلوا معكم؟. فقال : من خادعنا في الله انخدعنا له. فقال له عمر :قد وقعت الآن ، فما ترى؟. فقال : دعوني أرجع فأقيم بمكة أو المدينة أو أذهب إلى بعض الثغور فأقيم به كبعض أهله. فقال : أكتب إلى ابن زياد بذلك.

٧٦٤ ـ عمر بن سعد يبسط بساطا :

(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٢٥٩ ط حجر إيران)

قال أبو مخنف : ثم إن عمر بن سعد عبر الفرات ، وكان يخرج كل ليلة ويبسط بساطا ويدعو الحسينعليه‌السلام ويتحدثان جميعا حتّى يمضي من الليل شطره. وكان (خولي بن يزيد) من أقسى الناس قلبا على الحسينعليه‌السلام ، فلما نظر ذلك كتب إلى ابن زياد.

فكتب ابن زياد إلى عمر بن سعد : فإذا قرأت كتابي فأمره أن ينزل على حكمي ، فإن فعل وهو الفرض ، وإن أبى فامنعه من شرب الماء الفرات ، فقد حرّمته عليه وحلّلته على الكلاب والخنازير.

٦٣٢

٧٦٥ ـ ابن زياد يستنكر على عمر بن سعد محادثته للحسينعليه‌السلام وإمهاله :

(مثير الأحزان للشيخ شريف الجواهري ، ص ٥٢)

وبلغ ابن زياد أن عمر بن سعد يسامر الحسينعليه‌السلام ويحدّثه ويكره قتاله. فكتب إلى عمر بن سعد : إذا أتاك كتابي هذا فلا تمهلنّ الحسين بن علي ، وخذ بكظمه ، وحل بينه وبين الماء ، كما حيل بين عثمان يوم الدار.

فلما وصل الكتاب إلى عمر بن سعد أمر مناديه فنادى : إنا قد أجّلنا حسينا وأصحابه ليلتهم ويومهم.

عروض الحسينعليه‌السلام

٧٦٦ ـ مخاطبة الحسينعليه‌السلام لعمر بن سعد وما عرضه عليه :

(تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني ، ص ٣٥٢)

فتوجه عمر بن سعد إلى الحسينعليه‌السلام . فلما أتاه قال له الحسينعليه‌السلام : اختر واحدة من ثلاث : إما أن تدعوني فألحق بالثغور ، وإما أن تدعوني فأذهب إلى يزيد ، وإما أن تدعوني فأذهب من حيث جئت.

فقبل ذلك عمر بن سعد ، وكتب بذلك إلى عبيد الله. فكتب إليه عبيد الله : لا ولا كرامة ، حتّى يضع يده في يدي.

فقال الحسينعليه‌السلام : لا والله لا يكون ذلك أبدا.

٧٦٧ ـ طلب الحسينعليه‌السلام من عمر بن سعد أحد شروط ثلاثة :

(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ، ص ٢١٩)

عن الحريري عن عبد ربه ، أن الحسين بن عليعليهما‌السلام لما رهقه السلاح ، قال :ألا تقبلون مني ما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقبل من المشركين؟. قالوا : وما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقبل من المشركين؟. قال : إذا جنح أحدهم قبل منه. قالوا : لا. قال :فدعوني أرجع. قالوا : لا. قال : فدعوني آتي أمير المؤمنين. فأخذ له رجل السلاح ، فقال له : أبشر بالنار!. فقالعليه‌السلام : بل أبشر إن شاء الله برحمة ربيعزوجل ، وشفاعة نبيّيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

تعليق :(المصدر السابق)

إن الخصلة الأخيرة التي تذكرها هذه الرواية ، وهي أن يأتي الحسينعليه‌السلام

٦٣٣

فيضع يده في يد يزيد ، قد انفرد بإيرادها رواة السنة. والثابت عند الشيعة أن الحسينعليه‌السلام ما سألهم إلا الرجوع إلى حرم الله وحرم جده ، أو الانتشار في أرض الله الواسعة ، فأبوا.

٧٦٨ ـ ثلاثون رجلا من جند عمر بن سعد يتحولون إلى الحسينعليه‌السلام :

(تاريخ ابن عساكر ، ص ٢٢٠)

وكان مع عمر بن سعد (من قريش) قريب من ثلاثين رجلا من أهل الكوفة ، فقالوا : يعرض عليكم ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاث خصال ، فلا تقبلون شيئا منها؟!. فتحولوا مع الحسينعليه‌السلام فقاتلوا حتّى قتلوا معه.

افتراءات عمر بن سعد

٧٦٩ ـ كتاب عمر بن سعد إلى ابن زياد (٢) يتأول فيه على الحسينعليه‌السلام قبوله مفاوضة يزيد :(مقتل الحسين للمقرم ، ص ٢٤٩)

ثم كتب عمر بن سعد إلى ابن زياد : أما بعد ، فإن الله أطفأ النائرة وجمع الكلمة وأصلح أمر الأمة. هذا الحسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الّذي منه أتى ، أو أن يسير إلى ثغر من الثغور فيكون رجلا من المسلمين ، له ما لهم وعليه ما عليهم ، أو أن يأتي أمير المؤمنين يزيد فيضع يده في يده ، فيرى فيما بينه وبينه رأيه ، وفي هذا لك رضا وللأمة صلاح(١) .

وفي الحقيقة إن بعض هذه العروض قد اختلقها عمر بن سعد من عنده ، لأن الحسينعليه‌السلام لم يعتقد أصلا بخلافة يزيد حتّى يفاوضه.

بقول السيد الأمين في (لواعج الأشجان) ص ١٠١ ط نجف :

عن عقبة بن سمعان أنه قال : والله ما أعطاهم الحسينعليه‌السلام أن يضع يده في يد يزيد ولا أن يسير إلى ثغر من الثغور ، ولكنه قال : دعوني أرجع إلى المكان الّذي أقبلت منه ، أو أذهب في هذه الأرض العريضة.

__________________

(١) الإتحاف بحب الأشراف ص ١٥ ؛ وتهذيب التهذيب ج ٢ ص ٢٥٣.

(أقول) : ولعل هذه المحاولة للإصلاح من قبل عمر بن سعد ، سببها القرابة التي بين الحسينعليه‌السلام وعمر بن سعد. إذ أن نسب عمر بن سعد يتصل مع بني هاشم في كلاب بن مرة ، فهو عمر بن سعد بن أبي وقاص بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب.

٦٣٤

وقال سبط ابن الجوزي في (تذكرة الخواص) ص ٢٥٨ ط ٢ نجف :

(وقد وقع في بعض النسخ) أن الحسينعليه‌السلام قال لعمر بن سعد : دعوني أمضي إلى المدينة أو إلى يزيد ، فأضع يدي في يده. ولا يصحّ ذلك عنه ، فإن عقبة بن سمعان قال: صحبت الحسينعليه‌السلام من المدينة إلى العراق ، ولم أزل معه إلى أن قتل ، والله ما سمعته قال ذلك.

٧٧٠ ـ افتراء مقصود على الحسينعليه‌السلام :

(الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين لعبد الكريم القزويني ، ص ١١٦)

يقول السيد عبد الكريم الحسيني القزويني :

وكيف يتفق هذا الكتاب مع أول وثيقة للحسينعليه‌السلام عند ما قال لوالي يزيد على المدينة الوليد بن عتبة : «أيها الأمير إنا أهل بيت النبوة ...» إلى أن قال : «ويزيد رجل فاسق شارب الخمر ، قاتل النفس المحترمة ، معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله».

ثم إن خبر هذا الكتاب أشاعه الأمويون ، وأرادوا أن يوهموا به الناس ، أن الحسينعليه‌السلام خشع وخضع ، وحنى رأسه لسلطان يزيد ، ليشوّهوا بذلك الموقف البطولي الّذي وقفه هو وأصحابه.

وقد حرص الأمويون وأعوانهم على إخفاء كثير من ملامح ثورة الحسينعليه‌السلام وملابساتها ، وأذاعوا كثيرا من الأخبار المكذوبة عنها ، ليوقفوا عملها التدميري في ملكهم وسلطانهم ، ولكن لم يفلحوا(١) .

وقد تصدّى لتكذيب هذا الكتاب أحد أصحاب الحسينعليه‌السلام وهو عقبة ابن سمعان ، كما جاء في (تاريخ الطبري) وهذا نصه من كامل ابن الأثير :

٧٧١ ـ ردّ افتراء : الحسينعليه‌السلام لم يعرض على عمر بن سعد أن يضع يده في يد يزيد :(الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٨١)

وقد روي عن عقبة بن سمعان أنه قال :

صحبت الحسينعليه‌السلام من المدينة إلى مكة ، ومن مكة إلى العراق ، ولم أفارقه حتّى قتل. وسمعت جميع مخاطباته للناس إلى يوم مقتله ، فوالله ما أعطاهم ما

__________________

(١) ثورة الحسينعليه‌السلام للشيخ محمّد مهدي شمس الدين ، ص ١٧٠.

٦٣٥

يتذاكر به الناس ؛ من أنه يضع يده في يد يزيد ، ولا أن يسيّروه إلى ثغر من ثغور المسلمين. ولكنه قال : دعوني أرجع إلى المكان الّذي أقبلت منه ، أو دعوني أذهب في هذه الأرض العريضة ، حتّى ننظر إلى ما يصير إليه أمر الناس ، فلم يفعلوا.

٧٧٢ ـ (رواية أخرى) للخصال التي عرضها الحسينعليه‌السلام :

(الإمامة والسياسة لابن قتيبة ، ج ٢ ص ٥)

أما ابن قتيبة فيورد رواية أخرى لا بأس بإثباتها ، وفيها تصحيف بين عمر ابن سعد (وعمرو بن سعيد) ، وبين شمر بن ذي الجوشن (وشهر بن حوشب) يقول :

ثم بعث عبيد الله بن زياد (عمرو بن سعيد) يقاتلهم. قال الحسينعليه‌السلام : يا عمرو ، اختر مني ثلاث خصال : إما أن تتركني أرجع كما جئت ، فإن أبيت هذه فأخرى ، سيّرني إلى الترك أقاتلهم حتّى أموت ، أو تسيّرني إلى يزيد فأضع يدي في يده ، فيحكم فيّ بما يريد.

فأرسل عمرو إلى ابن زياد بذلك ، فهمّ أن يسيّره إلى يزيد ، فقال له (شهر بن حوشب) : قد أمكنك الله من عدوك وتسيّره إلى يزيد؟!. والله لئن سار إلى يزيد لا رأى مكروها ، وليكوننّ من يزيد بالمكان الّذي لا تناله أنت منه ، ولا غيرك من أهل الأرض. لا تسيّره ولا تبلعه ريقه حتّى ينزل على حكمك.

(قال) فأرسل إليه يقول : لا ، إلا أن تنزل على حكمي. فقال الحسينعليه‌السلام :أنزل على حكم ابن الزانية؟!. لا والله لا أفعل. الموت دون ذلك وأحلى.

(قال) وأبطأ (عمرو بن سعيد) عن قتاله ، فأرسل عبيد الله بن زياد إلى (شهر بن حوشب) أن تقدم عمرا يقاتل ، وإلا فاقتله وكن أنت مكانه.

مكيدة الشّمر

٧٧٣ ـ شمر يدبّر مكيدة لعمر بن سعد ليتولى مكانه :

(مقتل الحسين للمقرم ، ص ٢٥١ ط ٣ نجف)

ولما قرأ ابن زياد كتاب ابن سعد ، قال : هذا كتاب ناصح مشفق على قومه. وهمّ ابن زياد أن يجيبه إلى ذلك.

فقال شمر بن ذي الجوشن الكلابي : أتقبل هذا منه بعد أن نزل بأرضك؟. والله

٦٣٦

لئن رحل من بلادك ولم يضع يده في يدك ، ليكوننّ أولى بالقوة منك ، وتكون أولى بالضعف والوهن منه ، فلا ترض إلا بنزوله على حكمك.

فاستصوب رأيه ، وقال له : نعم ما رأيت.

٧٧٤ ـ كتاب ابن زياد إلى عمر بن سعد (٤) بواسطة شمر بن ذي الجوشن ، يستنكر عليه لينه وتساهله مع الحسينعليه‌السلام :

(مناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٤٧ ط نجف)

ثم أنفذ ابن زياد بشمر بن ذي الجوشن إلى ابن سعد بكتاب فيه : إني لم أبعثك إلى الحسين لتكفّ عنه ولا لتطاوله ولا لتمنّيه السلامة والبقاء ، ولا لتعتذر له عندي ، ولا لتكون له شافعا. فإن نزل الحسين وأصحابه على حكمي واستسلموا فابعث بهم إليّ سالمين ، وإن أبوا فازحف إليهم حتّى تقتلهم وتمثّل بهم ، فإنهم لذلك مستحقون. فإن قتل الحسين فأوطئ الخيل صدره وظهره ، فإنه عاقّ شاقّ قاطع ظلوم فإن أنت مضيت لأمرنا جزيناك جزاء السامع المطيع ، وإن أبيت فاعتزل أمرنا وجندنا ، وخلّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر ، فإنا قد أمّرناه بأمرنا(١) .(وفي رواية : فإنه أشدّ منك حزما ، وأمضى منك عزما(٢) ). وكان أمر شمرا أنه إن لم يفعل بما فيه ، فاضرب عنقه وأنت الأمير.

وجاء في (مقتل الحسين) للمقرم ، ص ٢٥٢ تتمة ذلك :

فلما جاء الشمر بالكتاب ، قال له ابن سعد : ويلك لا قرّب الله دارك ، وقبّح الله ما جئت به ، وإني لأظن أنك الّذي نهيته وأفسدت علينا أمرا رجونا أن يصلح.والله لا يستسلم «حسين» فإن نفس أبيه بين جنبيه.

فقال الشمر : أخبرني ما أنت صانع؟ أتمضي لأمر أميرك ، وإلا فخلّ بيني وبين العسكر. فقال له عمر : أنا أتولى ذلك ولا كرامة لك ، ولكن كن أنت على الرجالة(٣) .

٧٧٥ ـ وصول كتاب ابن زياد إلى عمر بن سعد مع الشمر وتأففه منه :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٨ ط ٢ نجف)

قال الواقدي : ولما وصل شمر إلى عمر بن سعد ، ناداه عمر بن سعد : لا أهلا

__________________

(١) كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ٢٣.

(٢) مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٢٤٥.

(٣) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٣٦.

٦٣٧

والله بك ولا سهلا يا أبرص ، لا قرّب الله دارك ، ولا أدنى مزارك ، وقبّح ما جئت به. ثم قرأ الكتاب ، وقال : والله لقد ثنيته عما كان في عزمه ولقد أذعن ، ولكنك شيطان فعلت ما فعلت. فقال له شمر : إن فعلت ما قال الأمير ، وإلا فخلّ بيني وبين العسكر.

فبعث عمر إلى الحسينعليه‌السلام فأخبره بما جرى. فقالعليه‌السلام : والله لا وضعت يدي في يد ابن مرجانة أبدا.

عرض الأمان

٧٧٦ ـ سبب كتابة ابن زياد أمانا للعباس وإخوتهعليهم‌السلام :

(الفتوح لابن أعثم ، ج ٥ ص ١٦٦)

وكان عند ابن زياد رجل يقال له عبد الله بن أبي المحل بن حزام العامري ، وكانت عمته «أم البنين فاطمة بنت حزام». فقال : أصلح الله الأمير!. إن علي بن أبي طالبعليه‌السلام قد كان عندنا ههنا بالكوفة ، فخطب إلينا فزوّجناه بنتا ، يقال لها :أم البنين بنت حزام (الكلابية) ، فولدت له العباس وعبد الله وجعفرا وعثمان ، فهم بنو أختنا ، وهم مع الحسين أخيهم ، فإن رسمت لنا أن نكتب إليهم كتابا بأمان منك عليهم متفضّلا. فقال عبيد الله بن زياد : نعم وكرامة لكم. اكتبوا إليهم بما أحببتم ، ولهم عندي الأمان.

فكتب عبد الله بن أبي المحل إليهم بكتاب الأمان من عبيد الله بن زياد ، ودفع الكتاب إلى غلام له يقال له عرفان (وفي رواية الطبري : كزمان) حتّى أوصله إليهم.فلما قرأه الحسينعليه‌السلام قال للرسول : لا حاجة لنا في أمانك ، فإن أمان الله خير من أمان ابن مرجانة (وفي رواية ابن الأثير : ابن سمية).

٧٧٧ ـ الشّمر يعرض الأمان على بني أخته والعباس :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٦)

وأقبل شمر بن ذي الجوشن على عسكر الحسينعليه‌السلام ونادى بأعلى صوته : أين بنو أختي [يقصد العباس وإخوته] ، أين عبد الله وعثمان وجعفر بنو علي ابن أبي

٦٣٨

طالب(١) ؟ فسكتوا. فقال الحسينعليه‌السلام : أجيبوه ولو كان فاسقا ، فإنه بعض أخوالكم. فنادوه : ما شأنك وما تريد؟. فقال : يا بني أختي أنتم آمنون ، فلا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم الحسين ، والزموا طاعة أمير المؤمنين يزيد بن معاوية. فناداه العباس بن عليعليه‌السلام : تبّت يداك يا شمر ، لعنك الله ولعن ما جئت به من أمانك هذا ، يا عدو الله. (وفي رواية : لعنك الله ولعن أمانك ، أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له(٢) ؟). أتأمرنا أن نترك أخانا الحسين بن فاطمةعليه‌السلام وندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء(٣) ؟.

فرجع شمر إلى عسكره مغيظا.

__________________

(١) تزوج الإمام عليعليه‌السلام من فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابية (أم البنين) ، فأنجبت له :العباس وجعفر وعثمان وعبد الله ، وكلهم استشهدوا مع أخيهم الحسينعليه‌السلام . وقد ذكر شمر ما ذكر لقرابته من أمهم ، فهي من بني كلاب والشمر من بني كلاب أيضا.

(٢) مقتل المقرم ص ٢٥٢ عن تذكرة الخواص ، ص ١٤٢ ؛ وإعلام الورى ، ص ٢٨.

(٣) اللهوف ، ص ٥٠ ؛ ومقتل المقرم ص ٢٥٣ ، نقلا عن مثير ابن نما ، ص ٢٨.

٦٣٩

الفصل التاسع عشر

اليوم التاسع من المحرم

(وعشية يوم التاسع)

(الخميس في ٩ محرم الحرام سنة ٦١ ه‍)

٧٧٨ ـ مكالمة الحسينعليه‌السلام للقوم ونصيحته لهم :

(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ٦)

قال اليعقوبي : فلما كان من الغد ، خرج الحسينعليه‌السلام فكلّم القوم ، وعظّم عليهم حقّه ، وذكّرهم اللهعزوجل ورسوله ، وسألهم أن يخلّوا بينه وبين الرجوع ، فأبوا إلا قتاله ، أو أخذه حتّى يأتوا به عبيد الله بن زياد. فجعل يكلم القوم بعد القوم ، والرجل بعد الرجل ، فيقولون : ما ندري ما تقول!.

٧٧٩ ـ خطبة للحسينعليه‌السلام ينصح فيها القوم :(مقتل أبي مخنف ص ٦٠)

لما أصبح الحسينعليه‌السلام أذّن وأقام وصلى بأصحابه. فلما فرغ استدعى بدرع جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعمم بعمامته السحاب ، وتقلّد بسيف أبيه ذي الفقار ، ونزل إلى القوم وقال : أيها الناس ، اعلموا أن الدنيا دار فناء وزوال ، متغيّرة بأهلها من حال إلى حال.

معاشر الناس ، عرفتم شرائع الإسلام ، وقرأتم القرآن ، وعلمتم أن محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسول الملك الديّان ، ووثبتم على قتل ولده ظلما وعدوانا.

معاشر الناس ، أما ترون إلى ماء الفرات يموج كأنه بطون الحيات ، يشربه اليهود والنصارى ، والكلاب والخنازير ، وآل رسول الله يموتون عطشا!. فقالوا له : اقصر عن هذا الكلام فلن تذوق الماء ولا أحد من أصحابك ، بل تذوق الموت غصة بعد غصة. فلما سمع الحسينعليه‌السلام كلامهم رجع إلى أصحابه وقال لهم : إن القوم( اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ ) (١٩) [المجادلة : ١٩].

٦٤٠

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735