موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 8%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 452012 / تحميل: 5260
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

صحيحة الحلبيّ عن الصادق عليه الصلاة والسلام أنّه سئل عن الرجل يخرج من بيته وهو يريد السفر وهو صائم قال إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر وليقض ذلك اليوم، وإن خرج بعد الزوال فليتمّ صومه. وهو حسن على رواية الشيخ وصحيح على ما رواه في الفقيه(1) وهذه صريحة في الجواز قبل الزوال ويفهم بعده أيضا في الجملة لعدم المنع في الخبرين وعدم القول بالواسطة على ما أظنّ.

ولصحيحة رفاعة(2) قال سألت أبا عبد الله عليه الصلاة والسلام عن الرجل يريد السفر في شهر رمضان قال: إذا أصبح في بلده ثمّ خرج فان شاء صام، وإن شاء أفطر، ولصحيحة محمّد بن مسلم عن الباقر عليه الصلاة والسلام أنّه سئل عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان وهو مقيم وقد مضى منه أيّام فقال: لا بأس أن يسافر ويفطر ولا يصوم، ولصحيحة حمّاد بن عثمان، قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام رجل من أصحابنا جاء خبره من الأعراض(3) وذلك في شهر رمضان أتلقّاه وأفطر؟ قال نعم قلت أتلقّاه وأفطر أو أقيم وأصوم؟ قال تلقّاه وأفطر، ولما في الفقيه في الصحيح عن أبان بن عثمان(4) وسئل الصادق عليه الصلاة والسلام عن الرجل يخرج يشيّع أخاه مسيرة يومين أو ثلاثة فقال: إن كان في شهر رمضان فليفطر، قيل: فأيّهما أفضل يصوم أو يشيّع؟ قال يشيّع إنّ الله تعالى وضع الصوم عنه إذا شيّع. ويفهم منه استحباب التشييع على وجه آكد، فافهم وغيرها من الأخبار على ما في المختلف لكن تركتها لعدم الصحّة.

والّذي يدلّ على مذهب أبي الصلاح وهو تحريم السفر في شهر رمضان أخبار غير صحيحة إلّا خبر أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الخروج إذا دخل شهر رمضان فقال لا، إلّا فيما أخبرك به: خروج فيه إلى مكّة أو غزو في سبيل الله، أو مال تخاف هلاكه، أو أخ تخاف هلاكه، وإنّه ليس بأخ

__________________

(1) التهذيب ج 1 ص 416، الفقيه ج 2 ص 92، الكافي ج 4 ص 131.

(2) ترى هذه الروايات في المصادر الثلاثة بتقديم وتأخير في الصفحات.

(3) أعراض الحجاز رساتيقه، وفي الفقيه والكافي: الأعوص وهو عين قرب المدينة.

(4) في نسبة هذا الحديث إلى أبان بن عثمان سهو راجع الفقيه ج 2 ص 90.

١٦١

من الأب والأمّ(1) ويمكن الجواب عن استدلاله بضعف الأخبار، وبأنّ أبا بصير مشترك وأيضا أرسل عن أبي حمزة عنه في الفقيه، فان كان الثماليّ كما هو الظاهر فالطريق على ما قيل قوىّ على تقدير توثيق أبي بصير وإن كان البطائنيّ فليس بقويّ أيضا لأنّه مجهول والظاهر أنّ أبا بصير هو يحيى بن القاسم على ما نقل في الكافي عن عليّ بن أبي حمزة عن أبي بصير وعليّ هو قائد أبي بصير يحيى فيحتمل سقوطه على ما في الفقيه.

وأيضا في الكافي «تريد وداعه» بدل تخاف هلاكه، فلا دلالة فيه حينئذ وبأنّه ليس بصريح في التحريم، فانّ كلمة «لا» تحتمل التحريم والكراهة وإن قلنا إنّ الأوّل أظهر، ولكنّه ليس بمثابة يعارض هذه الأخبار، ويخصّص عموم القرآن به إذ لا بدّ لتخصيص القرآن بالخبر من كون الخبر نصّا في الدلالة على ما يخرج به القرآن عن ظاهره، وبالجملة ينبغي في تخصيص قطعيّ المتن بظنيّ المتن من كون دلالة المخصّص الظنيّ قطعيّة لينجبر به قطعيّة العامّ، فلا بدّ أن يكون دلالة الخاصّ على الفرد المخرج بالمخصّص عن العام القطعيّ أقوى وأتمّ من دلالة العامّ عليه، وهو ظاهر ومبيّن في الأصول، فلا تغفل عن هذه اللّطيفة وبأنّه قد يكون بترك ما أخبر به أيضا مثل ما فهم من الأخبار، بل ذلك متعيّن لعدم إمكان ترك هذه الأخبار كلّها، أو أنّ هذا عامّ فيخصّص بتلك الأخبار يعني نزيد عليه ما وجد في الأخبار الأخر، ولا يمكن حمل تلك على هذا، إذ فيه حصر في أمور مذكورة محصورة ولو حمل على كلّ ضروريّ كما هو مذهب أبي الصلاح فهو خلاف الظاهر من الرواية فمذهبه أيضا لا يناسب دليله، ومع ذلك لا يمكن حمل بعض الروايات عليه، كما يعلم إذا تأمّلتها.

وبعد هذا كلّه يمكن حمله على الكراهية للجمع ويدلّ عليه ما ذكره الشيخ في التهذيب عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قلت جعلت فداك يدخل عليّ شهر

__________________

(1) التهذيب ج 1 ص 444، الفقيه ج 2 ص 89، الكافي ج 4 ص 126. وفيه أو أخ تريد وداعه.

١٦٢

رمضان فأصوم بعضا فيحضرني زيارة قبر أبي عبد اللهعليه‌السلام فأزوره وأفطر ذاهبا وجائيا أو أقيم حتّى أفطر وأزوره بعد ما أفطر بيوم أو يومين؟ فقال: أقم حتّى تفطر قلت جعلت فداك فهو أفضل؟ قال: نعم أما قرأت كتاب الله( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) . ففيه دلالة على الأفضليّة وكذا يدلّ عليها ما رواه في الفقيه(1) في صحيحة الحلبيّ عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام قال: سألته عن الرجل يدخل شهر رمضان وهو مقيم لا يريد براحا ثمّ يبدو له بعد ما يدخل، فسكت فسألته غير مرّة فقال يقيم أفضل إلّا أن يكون له حاجة لا بدّ من الخروج فيها أو يتخوّف على ماله، وإن كان الحلبيّ محتملا ولكنّ الظاهر أنّه ثقة كما يفهم من كلامهم والمشهور أنه مكروه إلى أن يمضي ثلاثة وعشرون يوما، فتزول الكراهة للخبر بذلك التفصيل، حيث قال في الرواية: فإذا مضت ليلة ثلاث وعشرين فليخرج حيث شاء.

ثمّ اعلم أنّ في الأخبار المتقدّمة دلالة على الإفطار لو سافر قبل الزوال، وعلى الصوم والاجزاء لو سافر بعده، ويدلّ عليها مع ذلك الإجماع المنقول في المختلف عن الشيخ والأخبار الصحيحة الدالّة على أنّ من قصّر الصلاة قصّر الصوم، ومن لم يقصّرها لم يقصّره(2) فالعجب أنّ في المختلف بعد ما اختار ما قلناه هنا وردّ مذهب الشيخ قال: قوله إذا خرج بعد الزوال مع تبييت النيّة للسفر أمسك وعليه الإعادة ليس ببعيد من الصواب، إذ لم يتحقّق منه شرط الصوم، وهو النيّة. فإنّه في غاية البعد، إذ لا معنى بالاعتداد بالصوم والأمر به، ووجوب القضاء والإعادة مع أنّ الأمر مفيد للاجزاء والصحّة كما بيّن في محلّه إلّا أن يؤوّل بالإمساك وهو بعيد أيضا، وليس له دليل إلّا ما تخيّل من قوله هنا، إذ لم يتحقّق إلى آخره يعني النيّة شرط فإذا بيّت بنيّة السفر لم يتحقّق نيّة الصوم فلا يصحّ الصوم، وهو ليس بدليل بعد ما نقلنا لك ما رأيت من أنّ النيّة قد لا تشترط في اللّيل وقد

__________________

(1) الفقيه ج 2 ص 90 الكافي ج 4 ص 126.

(2) الفقيه ج 1 ص 280 وج 2 ص 91 و 92.

١٦٣

يتحقّق على طريق الشرط، ولهذا يوجبون النيّة على من بيّت نيّة السفر، ويوجبون عليه الصوم لا الإمساك فقطّ حتّى يخرج وأيضا قد تحصل النيّة بالنهار بعد أن عرف أنّه إنّما يسافر بعد الزوال وحينئذ يصحّ فيجزي صومه أو يكون تبييت النيّة في اللّيل على هذه المثابة أي بأنّه إنّما يسافر بعد الزوال.

ثمّ قال بالتخيير بين الإفطار والصوم لصحيحة رفاعة المتقدّمة، بعد أن قال أصحّ ما بلغنا في هذا الباب هي مع روايتي الحلبيّ ومحمّد الصحيحتين المتقدّمتين وقال إنّما قيّدنا ذلك بالخروج بعد الزوال، جمعا بين الأخبار، ولك أن تقول: الجمع بين الأخبار إن اقتضى ذلك يقتضيه قبل الزوال أيضا فإنّه نقل في المختلف أخبارا تدلّ على وجوب الصوم إذا سافر قبل الزوال أيضا مع أنّ حمل صحيحة رفاعة على النصف الأوّل أقرب، لقوله أصبح، ويأبى حمله على تفصيل صحيحة الحلبيّ المتقدّمة فيمكن الحمل على عمومه وهو ظاهر، وحمل المتقدّمة على الاستحباب، ويمكن حملها على قبل الزوال على معنى مخيّر بين أن يبطل سفره فيصوم، وبين أن يلتزمه فيفطر، أو يحمل على أنّ معناها إن خرج قبل الزوال فيفطر، وإن خرج بعده فيصوم، فهو مخيّر بين الصوم والإفطار بهذا التفصيل، بل يجب حملها عليه لوجوب حمل المطلق والمجمل على المقيّد والمفصّل، وقد مضى المفصّل والمقيّد.

واعلم أنّه قد طوّلنا في هذه المسئلة، والعذر ما ذكره في المختلف للتطويل وهو كونه من المسائل الجليلة، وأنّه أفتى فيه أوّلا بما ذكرناه أوّلا ثمّ استصوب مذهب الشيخ، بعد ردّه، واستدلّ عليه، ثمّ استصوب التخيير واستدلّ عليه، وهذا لا يخلو عن اضطراب، على أنّه اعترض في هذه المسئلة على ابن إدريس بالاضطراب الله تعالى يعلم الصواب.

ثمّ اعلم أنّه لما كانت في الآية المذكورة بعدها دلالة مّا على بعض الأحكام مع اشتمالها على التحريض، في الطلب والدعاء والسؤال من الله تعالى، مع ورود أنّ دعاء الصائم لا يردّ ذكرناها هنا.

١٦٤

( وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) (1) .

روي أنّ أعرابيّا قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أقريب ربّنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فنزلت(2) . النداء للبعيد المحتاج إلى رفع الصوت والمناجاة للقريب الّذي لا يحتاج إلى ذلك والخطاب لهصلى‌الله‌عليه‌وآله والتقدير فقل لهم إنّي قريب - وهو تمثيل لكمال علمه بأفعال العباد واطّلاعه على أحوالهم - بحال من قرب مكانه منهم، يعني إذا سألك عبادي - وفي هذه الإضافة تشريف لهم - عن كيفيّة أحوالي من جهة القريب والبعد فقل إنّي عليم أعلم دعاءكم، ولو كان في غاية الخفاء كما يسمع القريب إذا قرب فمه إلى اذنه يناجيه، بل أقرب من حبل الوريد، فأقبل دعاء الداعي إذا دعاني، ولعلّ «ذكر إذا دعان» للتحريص في الدعاء والترغيب في التكرار، وتعريف الداعي إشارة إلى داع خاصّ وهو الّذي يدعو متيقّنا للإجابة، ويطلب ما له فيه المصلحة، لا المحرّم، ولا ما لا يليق بحاله وليس فيه المصلحة، أو يكون إلى الجنس، وبالجملة إنّ الله يعلم المصلحة ويستجيب معها، ولا يستجيب بدونها، ويعجّل ويؤخّر لذلك ولو لم يستجب يعوّض ويثيب في الدّنيا والآخرة فعلى تقدير عدم الإجابة لا ينبغي الترك واليأس، فإنّ ذلك للمصلحة.

فاندفع بما قرّرناه السؤال المشهور كما ذكره المفسّرون أيضا.

وبعد أن وعد بالإجابة والقبول قال( فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي ) أي أقبلوا أنتم أيضا دعوتي إذا دعوتكم وأمرتكم بالطاعات والدعاء، فاطلبوا واسألوا تضرّعا وخفية لا بقلب ساه وغير متوجّه، ومتعقّل لمعنى ما تقولون، ولا جهرا ورياء فانّ الله لا يحبّ المعتدين واطلبوا ولا تستكبروا ولا تتركوا الدعاء استكبارا وتجبّرا، وعدم اعتقاد

__________________

(1) البقرة: 185.

(2) راجع الدر المنثور ج 1 ص 194، مجمع البيان ج 2 ص 278.

١٦٥

الإجابة وعدم علمه بالسماع وقدرته على الإجابة، فإنّ من فعل ذلك يدخل النار مقيما فيها.

( وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ ) إلى قوله(1) ( وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ ) في الكشّاف سأل زكريّاعليه‌السلام ربّه أن يرزقه ولدا يرثه، ولا يدعه وحيدا بلا وارث ثمّ ردّ أمره إلى الله مستسلما فقال وأنت خير الوارثين، إن لم ترزقني من ترثني، فلا أبالي فإنّك خير وارث، وإصلاح زوجه أن جعلها صالحة للولادة، بعد عقرها، وقيل تحسين خلقها، وكانت سيّئة الخلق، فيمكن أن يستدلّ بها على تحقّق الإرث من الأنبياءعليهم‌السلام فتذكّر! وعلى استحباب هذا الدعاء لطلب الولد، ولا يبعد أن يستجاب له كما لزكريّاعليه‌السلام مثل الآيتين المتقدّمتين(2) ويدلّ عليه الرواية عن أبي عبد اللهعليه‌السلام (3) .

( إِنَّهُمْ كانُوا ) بمنزلة التعليل لاستجابة دعاء الأنبياء السابقينعليهم‌السلام ، يريد أنّ الأنبياء المتقدّمين استحقّوا إجابة دعوتهم وقبول دعائهم بمبادرتهم إلى أبواب الخير، ومسارعتهم في تحصيل العبادات كما يفعل الراغبون في الأمور الجادّون وقرئ( رَغَباً وَرَهَباً ) بالإسكان، وأنّهم يدعون الله رغبا راغبين في الدعاء، وراجين للإجابة، وخائفين من الردّ، وعدم الإجابة، وعقاب ربّهم، مثل قوله( يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ ) (4) وأنّهم كانوا خاشعين متضرّعين، فالمسارعة إلى العبادات مطلقا مطلوبة لله كما في( وَسارِعُوا ) (5) فيدلّ على أنّ فعلها في أوّل الوقت أفضل، الصلاة وغيرها، إلّا لدليل وعلى الدّعاء.

__________________

(1) والآية هكذا: فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجة إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين - الأنبياء: 89 و 90.

(2) هما قوله( وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ ) الاية وقوله بعدها «وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً إلى قوله تعالىفَاسْتَجَبْنا لَهُ الاية.

(3) يعني الرواية الاتية.

(4) الزمر: 9.

(5) آل عمران: 133.

١٦٦

فهذه الآية تدلّ على استحباب كون الداعي مسارعا في الخيرات، وراغبا وراهبا وخاشعا ليستجاب دعاؤه، فيمكن أن يقيّد به عموم ما يدلّ على استجابة الدعاء مطلقا، مثل قوله تعالى( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) وهذا أحد الأجوبة لما يقال: كثيرا مّا ندعو ولا نرى الإجابة فتأمّل.

قال في مجمع البيان: روى الحارث بن المغيرة قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام إنّي من أهل بيت قد انقرضوا، وليس لي ولد، فقال لي: ادع وأنت ساجد ربّ هب لي من لدنك ذرّيّة طيّبة إنّك سميع الدعاء ربّ لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين»(1) فقد أشرنا فيما قلناه إلى معنى قوله تعالى في التحريص على الدعاء في الآيتين الأخيرتين بقوله( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) و( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ ) (2) .

( وَلْيُؤْمِنُوا بِي ) أمر بتحصيل الإيمان أي التصديق بجميع ما جاء به الأنبياء لمن لا إيمان له، وبالثبات والاستمرار للمتّصف به أو التصديق بأنّه قادر على الإجابة( لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) راجين في ذلك كلّه الرشد، يعني إصابة الحقّ والخير.

واعلم أنّه لمّا أمر بعبادات شاقّة وهي الصوم بتكميل العدّة على وجه أمر به والقيام بوظائف التحميد والتكبير والشكر على ما يليق به، فإنّ الإتيان بالمأمور به على وجهه ومع شرائطه عسر ومشقّة كما يفهم من الرواية المشهورة، وهي على ما سمعتها من بعض الفضلاء أنّه روي أنّه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله شيّبتني سورة هود إذ فيها( فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ ) في الكشّاف عن ابن عبّاس: ما نزلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في جميع القرآن آية كانت أشدّ ولا أشقّ عليه من هذه الآية، ولهذا قال شيّبتني سورة هود والواقعة وأخواتهما، وروي أنّ أصحابه قالوا له لقد أسرع فيك الشيب، فقال شيّبتني سورة هود(3) ، وعن بعض رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام فقلت له: روي عنك أنّك قلت

__________________

(1) راجع مجمع البيان ج 7 ص 61.

(2) الأعراف: 55، غافر: 50. راجع ص 82 و 84 مما سبق.

(3) ورواه الثعلبي بإسناده عن أبي إسحاق عن أبي جحيفة كما في المجمع ج 5 ص 140 وهكذا في الدر المنثور ج 3 ص 319.

١٦٧

شيّبتني سورة هود؟ فقال نعم، فقلت: ما الّذي شيّبتك منها أقصص الأنبياء؟ وهلاك الأمم؟ فقال: لا، ولكن قوله( فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ ) (1) وعن جعفر الصادق عليه الصلاة والسلام( فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ ) قال: افتقر إلى الله بصحّة العزم، وغيره من الأخبار عن أهل البيتعليهم‌السلام وأيضا قال في الفقيه قال أبو جعفرعليه‌السلام يا جابر من دخل عليه شهر رمضان فصام نهاره، وقام وردا من ليله، وحفظ فرجه ولسانه، وغضّ بصره وكفّ أذاه خرج من الذنوب كيوم ولدته امّه، قال جابر قلت له: جعلت فداك ما أحسن هذا من حديث؟ قال: ما أشدّ هذا من شرط(2) أتى(3) بهذه الآية الشريفة الدالّة على أنّه خبير بأحوالهم، سميع لأقوالهم مجيب لدعائهم، مجاز لهم بأعمالهم حتّى يهون ذلك عليهم، ويكونوا حريصا عليها ففهم من الآية وجوب الايمان وقبوله، ووجوب قبول سائر الطاعات واعتقاد إجابة الدعاء، واعتقاد أنّه سميع عليم، وأنّه ليس في جهة ولا مكان إذ لو كان كذلك لما قرب إلى كلّ داع، ثمّ بيّن أحكام الصوم وكيفيّة فعله بعد أن بيّن الفاعل فقال:

( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) (4) .

__________________

(1) أخرجه البيهقي في شعب الايمان عن أبي على السري كما في الدر المنثور ج 3 ص 320.

(2) الفقيه ج 2 ص 60.

(3) جواب قوله في الصفحة الماضية: لما أمر.

(4) البقرة: 187.

١٦٨

قيل: سبب نزولها أنّ الله تعالى لمّا أوجب الصوم على الناس، كان وجوبه بحيث لو صلّوا العشاء الآخرة أو رقدوا، ما يحلّ لهم الأكل والشرب والجماع إلى اللّيلة القابلة، ثمّ إنّ عمر باشر بعد العشاء فندم وأتى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله واعتذر إليه فقام إليه رجال واعترفوا بما صنعوا بعد العشاء فنزلت كذا في تفسير القاضي والكشاف وقاله في مجمع البيان، أيضا، وأنت تعلم أنّ هذا أيضا لا يناسب ما نقلنا عنهما في تفسير قوله تعالى في أوائل السورة( وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ ) (1) الآية أنها تدلّ على أنّ الفاسق لا يصلح للإمامة، وأنّ النبيّ معصوم قبل النبوّة أيضا وهذا دليل على أنّه(2) .

وأمّا تفسيرها فهو أنّ الله تعالى أباح الجماع في اللّيلة الّتي يصبح فيها صائما إذ الرفث هو الجماع هنا كما قاله المفسّرون، ودلّ عليه سبب النزول، وكأنّ لتضمّنه معنى الإفضاء عدّي، بإلى( هُنَّ لِباسٌ ) استيناف لبيان سبب الإباحة، بمعنى أنّ الصبر عنهنّ صعب لأنّهنّ مثل الثياب لكم وأنتم كذلك، فشبّه شدّة المخالطة والملامسة والانضمام بمخالطة الثياب وملامستها وانضمامها بصاحبها، وقيل هنّ فروش لكم وأنتم لحاف لهنّ أو شبّه حفظ كلّ واحد حال صاحبه عن كشفه عند غيره بفعل الساتر وصيانته عن كشف عورته عند الغير.

( عَلِمَ اللهُ ) بيان لزيادة سبب الإباحة ولطفه ورحمته لعباده، بأنّه يعلم أنّهم ما يفعلون الصبر، بل يختانون الأوامر والنواهي بالمخالفة والمعصية فما يؤدّون الأوامر الشرعيّة الّتي هي أمانات، ويظلمون أنفسهم بتعريضها للعقاب وتنقيص حظّها عن الثواب لشهوتهم وقلّة تدبّرهم في العواقب ويسعون ويبالغون في الظلم والاختيان والخيانة لكثرة الميل والشهوة، ولهذا قال( تَخْتانُونَ ) وما قال

__________________

(1) البقرة: 124. راجع ص 44 - 48 فيما سبق.

(2) عجز شعر أوله:

يحب الغلام إذا ما التحى

وهذا دليل على أنه

يقال: التحى الغلام: إذا نبت شعر لحيته وقوله على أنه اى على أنه كذا وكذا، كناية،

١٦٩

«تخونون» إذ الاختيان أبلغ في الخيانة كالاكتساب والكسب، فإنّ زيادة المباني تدلّ على زيادة المعاني، كما هو المشهور عندهم، فيحتمل أن يكون الزيادة في الاكتساب هنا(1) إشارة إلى أنّ المعصية لا تكتب عليها، ولا تصير سببا للعقاب إلّا بعد كثرتها: فعلا أو إصرارا والسعي والجدّ في تحصيلها وتعمّدها وعمدها(2) والكسب في الطاعة، إلى أنّ الطاعة تكتب ويثاب عليها، بمجرّد وقوعها، على أيّ وجه كانت وأدنى شيء منها، فيكون إشارة إلى كمال كرم الله ولطفه ورحمته وشفقته قال صاحب الكشّاف وذكر في المطوّل أيضا أنّه إشارة إلى أنّ النفس إنّما تعمل المعاصي بالميل والشهوة والسعي، فهي أعمل وأجدّ في المعصية، بخلاف الطاعة.

( فَتابَ عَلَيْكُمْ ) أي قبل توبتكم إن تبتم عمّا فعلتم، ومحا عنكم ذنوب ما فعلتم من المحرّم الّذي ذكرناه من قبل أو مطلقا لعموم اللفظ، فدلّ على وجوب قبول التوبة سمعا، لأنّ الله تعالى أخبر بذلك( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ ) يعني لمّا جوّزنا ورفعنا التحريم، فافعلوا ما نهيناكم عنه وابتغوا واطلبوا ما كتبنا لكم وقدّرنا وأثبتناه في اللّوح المحفوظ من الولد، إشارة إلى أنّه لا ينبغي حصر الغرض من هذا الفعل في الشهوة وإعطاء النفس ما تريد، بل ينبغي جعل ما هو مطلوب لله منه غرضا ومطلوبا، أو اجعلوا جميع ما تطلبون في مطالبكم وأفعالكم من أرزاقكم وأزواجكم وأولادكم ما كتب الله لكم، أي اقصدوا الّذي قدّره ورضيه لكم، لا غيره، فإنّكم تتعبون في التحصيل، ولم يحصل وما يليق بكم أيضا، لعموم اللفظ.

( وَكُلُوا ) أي باشروهنّ وأطعموا( وَاشْرَبُوا ) من حين الإفطار إلى أن يعلم لكم الفجر المعترض في الأفق ممتازا عن الظلمة الّتي معه، فشبّه الأوّل بالخيط الأبيض، والثاني بالأسود، وبيّن المراد بأنّ الأوّل هو الفجر، واكتفى ببيانه عن بيان الثاني لأنّه علم من ذلك، ثمّ بيّن آخر الصوم بقوله:( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ

__________________

(1) في قوله تعالى( لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ ) البقرة: 286.

(2) في النسخ: وعدمها، وهو تصحيف: وقد فسره بعضهم بقوله: أى يحتمل أن عدم زيادة الحروف والمعاني والكسب إشارة إلى أن الطاعة تكتب، وهو كلام بارد.

١٧٠

إِلَى اللَّيْلِ ) بأنّه أوّل اللّيل، وهو دخول الظلمة في الجملة، وقالوا يعلم بغروب الشمس المعلوم بذهاب الحمرة المشرقيّة، بحيث لا يبقى منها شيء وإن بقيت صفرة أو بياض، هذا عند أكثر الأصحاب وعند الشيخ باستتار القرص كما عند العامّة والروايات مختلفة، ولعلّ الأحوط ما قاله الأكثر للأكثريّة، واحتمال دليل غيره التقييد به، للخبر الدالّ على أنّ غيبوبة القرص المذكور في بعض الروايات يعلم بالذهاب المذكور.

ثمّ إنّه نهى عن المباشرة في حال كونهم عاكفين في المساجد، وكأنّه لمناسبة اشتراط الصوم في الاعتكاف ذكر متّصلا بأحكام الصوم والاعتكاف هو اللزوم لغة، وشرعا هو اللّبث المخصوص في مكان مخصوص للقربة، ولا يحسن تعريفه بأنّه لبث في جامع صائما للعبادة كما هو في كلام بعض الأصحاب، فإنّه مشعر بكون الغرض من اللبث فيه عبادة أخرى غيره من صلاة أو تسبيح أو قراءة أو غير ذلك وليس كذلك وتفصيل أحكامه وأحكام الصوم يطلب من كتب الفقه.

ثمّ أكّد الأحكام المذكورة بقوله( تِلْكَ حُدُودُ اللهِ ) يعني أنّ ما نهيتم عنه من المنهيّات صريحا أو في ضمن الأمر، من حدود الله( فَلا تَقْرَبُوها ) فنهى عن قرب المنهيّات وترك المأمورات للمبالغة مثل( لا تَقْرَبُوا الزِّنى ) (1) . أو المراد بالقرب المخالفة، وبحدود الله أحكامه أمرا كان أو نهيا أي لا تتعدّوها لقوله تعالى( تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها ) (2) ( وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ) (3) .

( كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ ) إلخ أي مثل هذا البيان المذكور يبيّن الله لكم آياته مثل الترخّص، رجاء تقواكم عن المعاصي والمحارم.

وأمّا الأحكام المستفادة منها فهي إباحة الوطي في ليلة كلّ يوم يراد صومه أوّل اللّيل وآخره أيّ ليلة كانت، وأيّ صوم كان، وتحريم ذلك في النهار من المفهوم، ومن مفهوم المفهوم إباحة التقبيل وغيره من الأفعال المتعلّقة بالنساء

__________________

(1) أسرى: 32.

(2) البقرة: 229.

(3) الطلاق: 1.

١٧١

غير الجماع، إذ مفهوم الإباحة المذكورة تحريم الرفث في النهار، ومفهومه ما قلناه، وذلك كلّه معلوم بالأصل والأخبار بل الإجماع أيضا فخلافه من التحريم والكراهة يحتاج إلى الدليل، ووجوب التوبة، لأنّه قد علم سقوط الذنب بها وفعل مسقطة الّذي هو مخلّص من ضرر عظيم واجب عقلا وسمعا أيضا على ما هو المقرّر.

ورجحان المباشرة المستفادة من الأمر أي باشروهنّ ويحتمل الاستحباب مطلقا إلّا أن يدلّ على غيره دليل، كالكراهة مثل أوّل ليلة كلّ شهر غير شهر رمضان، ونصفه وغيرهما ممّا هو المذكور في الفقه مع دليله، إذ لا قائل بالوجوب أو يكون للإباحة مجملا، والتفصيل مستفاد من الشرع مثل وجوبها لو خاف الوقوع في الزنا، أو بعد مضيّ أربعة أشهر، واستحبابها في أوّل ليلة شهر رمضان للرواية وانكسار الشهوة في النهار، ورفع حدث يحتمل وقوعه من غير شعور، وعند كثرة الميل مع عدم الوصول إلى الوجوب، ورجاء حصول ولد يعبد الله، والكراهة مثل ما مرّ، والإباحة إذا لم يكن دليل على غيرها.

واستحباب النكاح ووجوبه أو التسرّي(1) لأنّ المباشرة المستحبّة أو الواجبة موقوفة عليه إذ الأصل عدم التقدير، واستحباب طلب الولد بالنكاح ليعبد الله لا المال والجمال، كما وقع النهي عنهما في الأخبار، ولا قصد التلذّذ والشهوة كالبهائم واستحباب القناعة والرضا بما كتب الله، واستحباب اختيار الولود أي من هي في سنّ من تلد أو من البيت الغالب عليهنّ الولادة أو الخالية من علامات العقم، مثل عدم الحيض على ما قيل أو الّتي تزوّجت وما ولدت، ولا يبعد فهم كراهة الوطي في غير القبل الّذي ليس هو من مظنّة حصول الولد، وكراهة العزل عن الأمة والمتعة، والتحريم في غيرهما يكون مستفادا من غيرها من الأخبار أو الإجماع إن كان.

وإباحة الأكل والشرب بل رجحانهما، لبقاء الأمر في معناه الأصليّ في

__________________

(1) التسري: أخذ السرية، والسرية كذرية الأمة التي أنزلتها بيتا وتزوجتها سرا لئلا تعلم زوجتك بها، أو هو مطلق التزوج بالإماء.

١٧٢

الجملة وإن كان بعد النهي وقلنا إنّه للإباحة بمعنى رفع الحظر أم لا، وهذا يجري في المباشرة أيضا، وتحريم الأكل والشرب بعد الفجر للغاية لأنّ مفهوم الغاية حجّة كما هو الحقّ المبيّن في الأصول وهذا على تقدير حمل الأمر على الإباحة بالمعنى الأعمّ واضح، وبالمعنى الأخصّ كذلك بضمّ أمر آخر إليه لا على حمله على الاستحباب.

وليس ببعيد إخراج جزء ما قبل الفجر أيضا من باب المقدّمة، فيحرمان في ذلك أيضا كما يحرمان في جزء من أوّل اللّيل كذلك كما هو المصرّح في الأصول والمدلّل فحينئذ يمكن أن لا يصحّ النيّة مقارنة للفجر، فكيف في النهار، لوجوب تقديمها على المنويّ بحيث لا يقع جزء منه خاليا عنها يقينا، وذلك لم يتحقّق إلّا بوقوعها قبله، ففهم أيضا وجوب النيّة ليلا لأنّ الصوم المنويّ الّذي هو الإمساك في تمام النهار مع جزء من اللّيل من باب المقدّمة لا بدّ أن لا يخلو عن النيّة يقينا ولو لم تكن في اللّيل لم يتحقّق ذلك، نعم لو فرض تحقّق الصوم بدون جزء من الليل يمكن القول بالمقارنة، فيسقط المقدّمة كما في سائر ما يجعلونه مقدّمة للواجب فبناء على ما تقرّر عندهم يلزم مقارنة النيّة لذلك الجزء، فجوازها من أوّل اللّيل وكذا النهار فيما يجوّزونه يحتاج إلى الدليل.

فقد ظهر لك من ذلك أنّه على تقدير جعل «حتّى» غاية للمباشرة أيضا لا يدلّ على جواز الوطي إلى الفجر، فيدلّ على جواز وقوع الغسل نهارا وصحّة صوم المصبح جنبا، وما ذكره في الكشّاف بقوله: قالوا فيه دليل على جواز النيّة بالنهار في صوم شهر رمضان، وعلى جواز تأخير الغسل إلى الفجر، كما قاله القاضي أيضا غير ظاهر، ثمّ إنّ الظاهر أنّ حتّى غاية للشرب لأنّ المذهب الحقّ الثابت في الأصول أنّ القيد المذكور بعد الجمل المتعدّدة للأخيرة فكأنّه أشار إليه صاحب الكشّاف بإسناد ما مرّ إلى الغير كيف لا، وهو خلاف مذهب الحنفيّ؟ وأمّا هنا فيمكن تعلّقه بكلوا أيضا لأنّه مع الشرب كشيء واحد فكأنّهما جملة واحدة، أو نقول ليس بمتعلّق إلّا بالشرب وكون الأكل مثله لدليل آخر من السنّة والإجماع

١٧٣

أو إجماع مركّب، وكذا غاية الجماع، واشتراط الصوم بالغسل في اللّيل وعدمه يفهم من موضع آخر، وأكثر الأصحاب على اشتراطه، وابن بابويه على عدمه، والأخبار مختلفة، والظاهر مذهب ابن بابويه للأصل والرواية الصحيحة الصريحة(1) بل ظاهر الآية حيث دلّت على جواز الرفث والمباشرة في جميع أجزاء اللّيل والشريعة السهلة وأولويّة الجمع بين الأدلّة بحمل ما يدلّ على الغسل ليلا على الاستحباب ولكنّ الاحتياط مع الجماعة، وتركنا ذكر الأخبار والبحث عنها خوفا من التطويل مع أنّها مبيّنة في موضعها.

وأيضا وجوب الإفطار بمعنى تحصيل مبطل للصوم ولو كان بقصد إبطاله في الليل، ويحتمل كون الإتمام إشارة إلى وجوب استمراره إلى اللّيل حسب فلا يجب غيره. وتحريم الوصال، وأيضا مشروعيّة الاعتكاف في المسجد، وتحريم مباشرة النساء فيه، ولو ليلا، ولا يفهم منه الشرطية ولا فساد الاعتكاف بالوطء لأنّ النهي ليس بمتعلّق بالعبادة حتّى يلزم تعلّق الأمر والنهي معا بشيء واحد شخصيّ فيكون محالا فيفسد، نعم ذلك ثابت الأخبار بل الإجماع أيضا على الظاهر، فقد علمت فساد قول القاضي: «وفيه دليل على أنّ الاعتكاف يكون في المسجد، ولا يختصّ بمسجد دون مسجد، وأنّ الوطي يحرم فيه ويفسده لأنّ النهي في العبادات يوجب الفساد». لأنّك قد علمت أنّ النهي إنّما يدلّ على الفساد في العبادة إذا تعلّق بها أو بجزئها أو بشرطها الشرعيّ المأمور به.

وبالجملة التحقيق ما أشرت إليه، ففي كلّ صورة يلزم اجتماع الطلب والنهي يفسد، وهنا ليس كذلك إلّا أن يقال: يفهم التنافي هنا فتأمل، بل يمكن كون التحريم لكونه في المسجد لا للاعتكاف فتأمل، وأيضا خفاء في دلالة الآية بمجرّدها من غير انضمام تعريف الاعتكاف وثبوت الحقيقة الشرعيّة على أنّ الاعتكاف لا يكون في غير المسجد، كما هو ظاهر كلامه، وكذا في دلالتها على عدم الاختصاص بمسجد دون مسجد كما هو صريح نقل الكشّاف، حيث قال: «وقالوا: فيه دليل على أنّ

__________________

(1) راجع الفقيه ج 2 ص 75، التهذيب ج 1 ص 411 و 412.

١٧٤

الاعتكاف لا يكون إلّا في المسجد وأنّه لا يختصّ به مسجد دون مسجد» فانّ مضمونها تحريم المباشرة حين الاعتكاف في المساجد - بعد أن سلّمنا إرادة عموم المساجد أي أيّ مسجد كان - ولكن ما يفهم جواز الاعتكاف في أيّ مسجد كان، بل تحريم المباشرة في أيّ مسجد يجوز الاعتكاف [ويتحقّق الاعتكاف فيه] وقد يكون ذلك مخصوصا ببعض دون بعض، كما قيل إنّ مالكا يقول باختصاصه بالجامع، وكذا بعض أصحابنا وبعض يقول باشتراطه في مسجد جمع فيه معصوم جمعة، وقيل جماعة، فخصّص البعض بالأربعة المسجدين ومسجد الكوفة ومسجد البصرة، وبعضهم بالثلاثة الأول، وبدّل البعض البصرة بالمدائن وهو بعيد، وقال في الكشاف: وقيل: لا يجوز إلّا في مسجد نبيّ وهو أحد المساجد الثلاثة، وقيل في مسجد جامع والعامّة على أنّه في مسجد جماعة وقرأ مجاهد «في المسجد» انتهى، لعلّ المراد بالثلاثة مسجد الحرمين ومسجد الأقصى، والجامع المسجد الأعظم، وهذا يدلّ على عدم فهم العموم وفهم الاختصاص إلّا أن يقال: إنّهم فهموا العموم وخصّصوا بدليل، وإن كان يلزمهم خلاف ظاهر الآية، ولكنّه غير بعيد ولا عزيز.

١٧٥

(كتاب الزكاة)

وفيه أبحاث:

(الأول)

في وجوبها ومحلها

وفيه آيات:

الاولى: ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) (1) .

أي ليس الخير والفعل المرضيّ كلّه صرف الوجه في الصلاة إلى القبلة حتّى يضاف إليه سائر الطاعات، فيكون الخطاب للمسلمين أيضا أو يكون الخطاب لأهل الكتاب، فإنّهم لمّا أكثروا الخوض في أمر القبلة حين حوّلت وادّعى كلّ طائفة أنّ البرّ هو التوجّه إلى قبلته فاليهود يدّعي أنّ البرّ هو التوجّه قبل المغرب أي إلى بيت المقدس، والنصارى قبل المشرق قال الله تعالى ليس البرّ ذلك بل البرّ المعتمد عليه هو برّ من آمن بالله الآية، فهنا المضاف محذوف، وهو أولى من جعل البرّ بمعنى البارّ لموافقة ليس البرّ، أي من صدّق بالله وبجميع صفاته من العلم والإرادة والكراهة والوحدة والقدرة والسمع والبصر والعدل والحكمة وجميع الصفات الثبوتيّة والسلبيّة، كأنّ ذلك كلّه مراد بالإيمان بالله قال في مجمع البيان

__________________

(1) البقرة: 177.

١٧٦

يدخل فيه جميع ما لا يتمّ معرفة الله تعالى إلّا به كمعرفة حدوث العالم إلخ.

وصدّق بيوم القيامة بأنّه حقّ وفيه الحساب والعقاب، والحشر والنشر والميزان وتطاير الكتب وجميع الأمور الواقعة فيه وصدّق بوجود الملائكة وأنّهم عباد الله يعبدون حيث يؤمرون وبالكتب المنزلة بأنّه حقّ وثابت ومنزل من الله تعالى إلى عباد الله وأنّ ما فيه حقّ وصدق، وكذا التصديق بالأنبياء بأنّهم مبعوثون إلى الناس لتعليمهم، وأنّهم معصومون من الذنوب وما يفعلون إلّا الحقّ.

( وَآتَى الْمالَ ) عطف على( آمَنَ ) أي من أعطى المال مع حبّ المال أي مع احتياجه كما روي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا سئل أيّ الصدقة أفضل قال: أن تؤتيه وأنت صحيح شحيح تأمل العيش وتخشى الفقر(1) أو على حبّ الله تعالى أي لوجهه، والتقرّب به إلى الله، وهذا نقله في مجمع البيان عن السيّد المرتضى قدّس الله روحه قال: ما سبقه إليه أحد وهو مذكور في الكشّاف وتفسير القاضي أيضا، أو على حبّ الإعطاء، والجارّ والمجرور حال «وذَوِي الْقُرْبى » أي قرابة المعطي أو قرابة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّه ورد الثواب العظيم لإعطاء القرابة، لأنّه تصدّق وصلة الرحم، وكذا صلة قرابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّها تصدّق وصلة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

واليتيم من الانس من لا أب له ممّن لم يبلغ، ومن باقي الحيوانات ما ليس له أمّ كذا قيل في مجمع البيان وغيره وفيه أيضا فيحتمل أن يكون معطوفا على القربى فيعطي المال من يكفلهم لأنّه لا يصحّ إيصال المال إلى من لا يعقل، أو يكون معطوفا على ذوي القربى فيعطي المال أنفسهم، نقلا عن الغير في كلا الوجهين، ومنع إعطاء المال للأطفال سيّما المميّز غير ظاهر إلّا أن يكون من الحقوق الواجبة وكذا يشكل إعطاؤه لكلّ من يكفلهم حيث لا يكون وليّا، فينبغي الإعطاء للوليّ ولا يبعد الإعطاء على تقدير عدمه إلى ثقة ليخرجه عليهم، وصرف المعطي بنفسه عليهم على تقدير عدم الغير فتأمل.

__________________

(1) تمامه: ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا. راجع مجمع البيان ج 1 ص 263، الدر المنثور ج 1: 171 من حديث أبي هريرة.

١٧٧

والمسكين من ليس له نفقة السنة، على ما قالوا، وابن السبيل من انقطع بسفره عن أهله ويكون غير قادر على الرّواح إلى أهله وإن كان غنيّا في أهله، ولعلّه يشترط عدم قدرته على التصرّف في ماله الّذي في بلده ببيع ونحوه، والسائل الفقير الّذي يسأل فهو أخصّ من المسكين، والظاهر أنّ الفقر شرط في الجميع على تقدير الإعطاء من الزكاة الواجبة وترك لعدم الالتباس كما قال في الكشّاف وتفسير القاضي( وَفِي الرِّقابِ ) أي أعطي المال في الرقاب بأن يشتري العبيد والإماء ويعتق مطلقا أو الّذين تحت الشدّة، أو المكاتبين فقطّ، والأوّل هو الظاهر من الآية.

وكذا البرّ برّ من أقام الصلاة بحدودها في أوقاتها مع الشرائط المعتبرة فيها، وبرّ من آتى الزكاة مع الشرائط أيضا، فهما أيضا عطف على( آمَنَ ) كما قبلهما( وَالْمُوفُونَ ) أي هم الموفون بعهدهم فهو خبر مبتدأ محذوف، أي الّذين ذكروا من أصحاب البرّ هم الّذين يوفون بما عاهدوا الله، ويمكن أن يعمّ العهد واليمين والنذر أيضا، بل لا يبعد شموله لما عاهدوا الناس أيضا، وهم الصابرون أيضا أي الحابسون أنفسهم على ما تكرهه لله( فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ ) البؤس الفقر والوجع والعلّة( وَحِينَ الْبَأْسِ ) وقت القتال وجهاد العدوّ أو الشدّة والرخاء، والصحّة وو المرض و( الصَّابِرِينَ ) قيل منصوب على المدح أي أعني بمن ذكرناه الصابرين كما أنّ الموفون مرفوع بالمدح، ولكن وجود الواو غير مناسب في المنصوب بالمدح والمرفوع به أيضا لأنّهما صفتان في الأصل، ولعدم ما عطفا عليه ظاهرا وكأنّه استيناف، ويحتمل أن يكون الموفون عطفا على( مَنْ آمَنَ ) والصابرين بتقدير وبرّ الصابرين عطفا عليه أيضا، ولكن في الأوّل حذف المضاف وأعرب المضاف إليه بإعرابه وفي الثاني أقيم على حاله كما في( وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ) (1) بقراءة الجرّ بتقدير عرض الآخرة، قال في الكشّاف( الْمُوفُونَ ) عطف على( مَنْ آمَنَ ) وأخرج( الصَّابِرِينَ ) منصوبا على الاختصاص والمدح، إظهارا لفضل الصبر في

__________________

(1)( تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ) الأنفال: 67.

١٧٨

الشدائد، وقرئ «والصابرون» وقرئ: والموفين والصابرين.

( أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ) أي الموصوفون بالصفات المتقدّمة هم الّذين صدقوا الله فيما قبلوا وعاهدوا وقت القتال، أو هم الّذين صدّق أفعالهم نيّاتهم، وهم المتّقون بفعلهم عن نار جهنّم وسائر العذاب، أو عن الكفر وسائر المعاصي المهلكة، ويحتمل أن يكون( وَآتَى الْمالَ ) إشارة إلى غير الزكاة الواجبة من المندوبات والصلات وآتى الزكاة إشارة إليها أو يكون كلاهما في الواجبة: الأولى لبيان المصرف، والثانية لبيان الفعل فقط، ويكون الذكر على هذا الوجه والتكرار للاهتمام فما قال في مجمع البيان: في الآية دلالة على وجوب إعطاء مال الزكاة المفروضة غير ظاهر عندي إلّا باعتبار حصر البرّ أو حصر الصدق والتقوى في فاعل المذكورات، وذلك أيضا غير واضح فافهم.

واعلم أنّه ليس في الآية دلالة على وجوب الزكاة، بل ولا على وجوب شيء من المذكورات، نعم فيها ترغيب وتحريص على الأمور المذكورة فيعلم الوجوب من موضع آخر، فما كان فيها أحكام يعتدّ بها مع أنّ هذه الأحكام يفهم من غيرها مفصّلة، ولكن ذكرتها لمتابعة من تقدّمنا كغيرها، واشتمالها على فوائد حتّى قال القاضي: والآية جامعة للكمالات الإنسانيّة بأسرها دالّة عليها صريحا أو ضمنا فإنّها بكثرتها وشعبها منحصرة في ثلاثة أشياء: صحّة الاعتقاد، وحسن المعاشرة وتهذيب النفس، وقد أشير إلى الأوّل بقوله «مَنْ آمَنَ - إلى -وَالنَّبِيِّينَ » وإلى الثاني بقوله «وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ - إلى قوله تعالى -وَفِي الرِّقابِ » وإلى الثالث بقوله( وَأَقامَ الصَّلاةَ ) إلى آخرها، ولذلك وصف المستجمع لها بالصدق نظرا إلى إيمانه واعتقاده، وبالتقوى باعتبار معاشرته للخلق، وتهذيب أفعاله ونفسه أيضا، وكأنّه إليه أشار بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من عمل بهذه الآية فقد استكمل الايمان(1) وفيها وفيه دلالة على عدم اعتبار الأعمال في الايمان بل في كماله.

__________________

(1) تفسير البيضاوي: 47.

١٧٩

الثانية: ( وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ ) (1) .

فيها دلالة على وجوب الزكاة على الكفّار لأنّه يفهم منها أنّ للوصف بعدم إيتاء الزكاة دخلا في ثبوت الويل لهم، ولكن علم من الإجماع وغيره عدم الصحّة منهم إلّا بعد الإسلام وكذا علم بالإجماع سقوطها عنهم بالإسلام، ويدلّ عليه الخبر المشهور «الإسلام يجبّ ما قبله(2) » وأما دلالتها على كون مستحلّ تركها كافرا ففيها خفاء، نعم إشعار به من قوله( وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ ) فإنّه يدلّ على كفر الموصوفين بعدم الإيتاء، وذلك لم يكن إلّا مع الاستحلال بالنصّ والإجماع ولكنّهما يكفيان فتلغو الآية أو يقال: لأنّهم ما كانوا يتركونها إلّا استحلالا فتأمّل فيه.

الثالثة: ( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ) (3) .

الكنز هو المال المذخور تحت الأرض، ولعلّ المراد هنا حفظه وعدم إنفاقه في سبيل الله، فيكون( وَلا يُنْفِقُونَها ) بيانا للمقصود، ولعلّ الضمائر للكنوز أو الأموال أو لكلّ واحد من الذهب والفضّة، والتأنيث باعتبار الفضّة أو باعتبار التعدّد والكثرة، وقيل للفضّة والاختصار لقربها، وفهم حكم الذهب بالطريق الأولى و «الّذين» مبتدأ تضمّن معنى الشرط و «فبشّرهم» خبره مع التأويل، و «يوم» يحتمل أن يكون ظرفا لقوله «فبشّر» وأن يكون صفة «عذاب» أو «أليم»

__________________

(1) حم السجدة: 7.

(2) تراه في الجامع الصغير على ما في السراج المنير ج 2 ص 131 الدر المنثور ج 3 ص 184.

(3) براءة: 36.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

٧٨٠ ـ الحسينعليه‌السلام يبعث أنس بن كاهل لينصح عمر بن سعد :

(مقتل أبي مخنف ، ص ٦١)

قال : ودعاعليه‌السلام برجل من أصحابه يقال له «أنس بن كاهل «وقال له : امض إلى هؤلاء القوم وذكّرهم الله تعالى ورسوله ، عساهم يرجعون عن قتالنا ، وأعلم أنهم لا يرجعون ، ولكن لتكون لي عليهم حجة يوم القيامة.

قال : فانطلق أنس حتّى دخل على ابن سعد وهو جالس فلم يسلّم عليه. فقال له :

يا أخا كاهل ما منعك أن تسلّم عليّ ، ألست مؤمنا مسلما؟. والله ما كفرت وقد عرفت الله ورسوله. فقال له أنس : كيف عرفت الله ورسوله وأنت تريد أن تقتل ولده وأهل بيته ومن نصرهم؟ فنكّس ابن سعد رأسه وقال : إني أعلم أن قاتلهم في النار لا محالة ، ولكن لا بدّ أن أنفذّ أمر الأمير عبيد الله بن زياد. فرجع أنس إلى الحسينعليه‌السلام وأخبره بما قاله.

٧٨١ ـ الزحف المباشر : الجيش الأموي بقيادة عمر بن سعد يزحف لقتال الحسينعليه‌السلام بعد صلاة العصر :(لواعج الأشجان للأمين ، ص ٤٠٣)

ونهض عمر بن سعد عشية الخميس لتسع خلون من المحرم ، ونادى في عسكره بالزحف نحو الحسينعليه‌السلام ، وقال : يا خيل الله اركبي ، وبالجنة أبشري. فركب الناس ، ثم زحف نحوهم بعد العصر.

وكان الحسينعليه‌السلام جالسا أمام بيته محتبيا بسيفه ، وخفق برأسه فرأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «إنك صائر إلينا عن قريب».

(وفي رواية) أنهعليه‌السلام جلس فرقد ، ثم استيقظ وقال : يا أختاه رأيت الساعة جدي محمدا وأبي عليا وأمي فاطمة وأخي الحسنعليه‌السلام وهم يقولون : يا حسين إنك رائح إلينا غدا.

٧٨٢ ـ زينبعليها‌السلام توقظ الحسينعليه‌السلام :(الوثائق الرسمية ، ص ١٢٣)

وبينما الحسينعليه‌السلام واضع رأسه بين ركبتيه ، سمعت الحوراء زينب بنت عليعليه‌السلام الصيحة وضجّة الخيل ، فدنت من أخيها ، وقالت : يا أخي أما تسمع الأصوات قد اقتربت؟. فنهض الحسينعليه‌السلام قائما ، وقصّ عليها رؤياه. فلطمت أخته وجهها ، وقالت : يا ويلتا!. فقال الحسينعليه‌السلام : ليس لك الويل يا أخيّة ، اسكتي رحمك الرحمن.

٦٤١

٧٨٣ ـ العباسعليه‌السلام يستعلم الأمر؟ :(مقتل المقرّم ، ص ٢٥٤)

فقالعليه‌السلام لأخيه العباس : اركب «بنفسي أنت(١) «حتّى تلقاهم ، واسألهم عما جاءهم وما الّذي يريدون؟. فركب العباس في عشرين فارسا ، فيهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر وسألهم عن ذلك. قالوا : جاء أمر الأمير أن نفرض عليكم النزول على حكمه ، أو ننازلكم الحرب.

فانصرف العباس يخبر الحسينعليه‌السلام بذلك ، ووقف أصحابه يعظون القوم.

(وفي رواية مقتل الخوارزمي ج ١ ، ص ٢٥٠) أنه لما بعث الحسينعليه‌السلام أخاه العباسعليه‌السلام ليستطلع خبر ابن سعد ، قال : يا هؤلاء ما شأنكم وما تريدون؟.فقالوا : جاءنا الأمر من عبيد الله بن زياد أن نعرض عليكم ، إما أن تنزلوا على الحكم وإلا ناجزناكم. فرجع العباس إلى الحسينعليه‌السلام فأخبره بذلك ، فأطرق ساعة يفكر ، وأصحابه يخاطبون أصحاب عمر بن سعد.

٧٨٤ ـ محاورة حبيب بن مظاهر وزهير بن القين مع عسكر ابن سعد ، وبيان سبب عدول زهير إلى الحسينعليه‌السلام :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٥٠)

فقال لهم حبيب بن مظاهر الأسدي : أما والله لبئس القوم قوم يقدمون غدا على الله ورسوله وقد قتلوا ذريته وأهل بيته ، المتهجّدين بالأسحار ، الذاكرين الله بالليل والنهار ، وشيعته الأتقياء الأبرار. فقال له رجل من أصحاب ابن سعد يقال له عروة بن قيس (وفي رواية : عزرة بن قيس(٢) ) : إنك لتزكّي نفسك ما استطعت!. فقال له زهير بن القين : (يا عزرة إن الله قد زكّاها وهداها(٣) ). اتّق الله يابن قيس ولا تكن من الذين يعينون على الضلال وقتل النفوس الزكية الطاهرة وعترة خير الأنبياء وذرية أصحاب الكساء. فقال له ابن قيس : إنك لم تكن عندنا من شيعة أهل البيت ، وإنما

__________________

(١) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٣٧ ؛ وروضة الواعظين ، ص ١٥٧ ؛ والإرشاد للمفيد ؛ والبداية لابن كثير ، ج ٨ ص ١٧٦. وظاهر من هذه العبارة مقام العباسعليه‌السلام عند أخيه الحسينعليه‌السلام حتّى أقامه مقام نفسه.

(٢) مقتل المقرم ص ٢٥٦ ، نقلا عن تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣٧. وذكر الخوارزمي في مقتله أن هذه المحاورة جرت بعد خطبة امتحان الأصحاب.

(٣) المصدر السابق.

٦٤٢

كنت عثمانيا نعرفك ، فكيف صرت ترابيا؟. فقال له زهير : إني كنت كذلك ، غير أني لما رأيت الحسينعليه‌السلام مغصوبا على حقه ، ذكرت جده ومكانه منه ، فرأيت لنفسي أن أنصره وأكون من حزبه ، وأجعل نفسي من دون نفسه ، حفظا لما ضيّعتم من حق الله وحق رسوله. (وفي مقتل المقرم) قال عزرة : يا زهير ، ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت ، وإنما كنت على غير رأيهم!. قال زهير : أفلست تستدل بموقفي هذا أني منهم؟. أما والله ما كتبت إليه كتابا قط ، ولا أرسلت إليه رسولا ولا وعدته نصرتي ، ولكن الطريق جمع بيني وبينه ، فلما رأيته ذكرت به رسول الله ومكانه منه ، وعرفت ما يقدم عليه عدوه ، فرأيت أن أنصره وأن أكون من حزبه ، وأجعل نفسي دون نفسه ، حفظا لما ضيّعتم من حق رسوله(١) .

٧٨٥ ـ استمهال القوم : الحسينعليه‌السلام يطلب من ابن سعد الإمهال باقي اليوم للصلاة والدعاء :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٥٠)

فقال الحسين للعباسعليه‌السلام : ارجع يا أخي إلى القوم ، فإن استطعت أن تصرفهم وتدفعهم عنا باقي هذا اليوم فافعل ، لعلنا نصلي لربنا ليلتنا هذه وندعو الله ونستعينه ونستنصره على هؤلاء القوم. (وفي رواية : ارجع إليهم واستمهلهم هذه العشية إلى غد ، لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره ، فهو يعلم أني أحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار(٢) ). فأقبلالعباس إلى القوم وهم وقوف ، فقال لهم : يا هؤلاء إن أبا عبد الله يسألكم الانصراف عنه باقي يومكم هذا حتّى ينظر في هذا الأمر ، ثم نلقاكم به غدا إنشاء الله. فأخبر القوم أميرهم عمر بن سعد ، فقال لأصحابه : ما ترون؟. قالوا له : أنت الأمير. فقال له عمرو بن الحجاج : سبحان الله العظيم ، والله لو كان هؤلاء من الترك أو الديلم ، ثم سألونا هذه الليلة (وفي رواية : هذه المنزلة(٣) ) لقد كان ينبغي أن تجيبوهم إلى ذلك ، فكيف وهم آل الرسول محمّد؟!. فقال ابن سعد : أخبروهم أنّا أجّلناهم باقي يومنا هذا إلى

__________________

(١) مقتل المقرم ص ٢٥٦ ، نقلا عن تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣٧.

(٢) اللهوف ص ٥٠ ومقتل المقرم ص ٢٥٦. وذكر الخوارزمي أن هذا الطلب جرى بعد خطبة امتحان الأصحاب ، وهو قول ضعيف.

(٣) مناقب ابن شهراشوب ج ٣ ص ٢٤٨ وذكر هذا الطلب قبل خطبة امتحان الأصحاب

٦٤٣

غد ، فإن استسلموا ونزلوا على الحكم وجّهنا بهم إلى الأمير عبيد الله ، وإن أبوا ناجزناهم.

فانصرف الفريقان ، وعاد كلّ إلى معسكره.

خطبة امتحان الأصحاب

٧٨٦ ـ خطبة امتحان الأصحاب ، وفيها يختبر الحسينعليه‌السلام أصحابه ويعطيهم الرخصة بمفارقته والتفرق عنه :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٦)

وجمع الحسينعليه‌السلام أصحابه بين يديه ، ثم حمد الله وأثنى عليه وقال : الله م لك الحمد على ما علّمتنا من القرآن ، وفقّهتنا في الدين ، وأكرمتنا به من قرابة رسولك محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة ، فاجعلنا من الشاكرين.

أما بعد ، فإني لا أعلم أصحابا أصلح منكم ، ولا أعلم أهل بيت أبرّ ولا أوصل ولا أفضل من أهل بيتي ، فجزاكم الله جميعا عني خيرا. إن هؤلاء القوم ما يطلبون أحدا غيري ، ولو قد أصابوني وقدروا على قتلي لما طلبوكم أبدا. وهذا الليل قد غشيكم فقوموا واتّخذوه جملا. وليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من إخوتي ، وتفرّقوا في سواد هذا الليل ، وذروني وهؤلاء القوم.

(وفي مقتل الحسين للمقرم ، ص ٢٥٧) :

وجمع الحسينعليه‌السلام أصحابه قرب المساء قبل مقتله بليلة(١) فقال :

أثني على الله أحسن الثناء ، وأحمده على السرّاء والضرّاء. الله م إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة ، وعلّمتنا القرآن ، وفقّهتنا في الدين ، وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة ، ولم تجعلنا من المشركين.

أما بعد ، فإني لا أعلم أصحابا أولى ولا خيرا من أصحابي ، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي ، فجزاكم الله عني جميعا(٢) . وقد أخبرني جدي رسول

__________________

(١) إثبات الرجعة للفضل بن شاذان.

(٢) تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣٨ ، وكامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ٢٤.

٦٤٤

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأني سأساق إلى العراق فأنزل أرضا يقال لها (عمورا وكربلاء) وفيها أستشهد ، وقد قرب الموعد(١) .

ألا وإني أظنّ يومنا من هؤلاء الأعداء غدا ، وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ، ليس عليكم مني ذمام. وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا ، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ، فجزاكم الله جميعا خيرا ، وتفرّقوا في سوادكم ومدائنكم ، فإن القوم إنما يطلبونني ، ولو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري(٢) .

(وفي رواية مقتل أبي مخنف ، ص ٦١) أنه قال :

معاشر المؤمنين ، لست أعلم أصحابا أصبر منكم ، ولا أهل بيت أوفى وأفضل من أهل بيتي ، فجزاكم الله عني أحسن الجزاء. وإني أظنّ أن آخر أيامي هذه مع هؤلاء القوم الظالمين ، وقد أبحتكم فما في رقابكم مني ذمام وحرج. وهذا الليل قد انسدل عليكم ، فليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ، وتفرّقوا في البيداء يمينا وشمالا ، عسى أن يفرّج الله عنا وعنكم ، فإن القوم يطلبوني دونكم.

ردّ الآل والأصحاب

٧٨٧ ـ كلام أهل البيتعليهم‌السلام في الردّ على خطبة الحسينعليه‌السلام :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٧)

فتكلم إخوة الحسينعليه‌السلام وجميع أهل بيته وقالوا : يابن رسول الله ، فماذا تقول الناس ، وماذا نقول لهم؟. إنا تركنا شيخنا وسيدنا وابن بنت نبينا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم نرم معه بسهم ، ولم نطعن برمح ، ولم نضرب بسيف!. لا والله يابن رسول الله لا نفارقك أبدا ، ولكنا نفديك بأنفسنا ونقتل بين يديك ونرد موردك ، فقبّح الله العيش من بعدك.

(وفي مقتل المقرم ، ص ٢٥٨) فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وأبناء عبد الله بن جعفر : لم نفعل ذلك ، لنبقى بعدك؟! لا أرانا الله ذلك أبدا. بدأهم بهذا القول العباس بن عليعليه‌السلام وتابعه الهاشميون.

__________________

(١) إثبات الرجعة للفضل بن شاذان.

(٢) مناقب ابن شهراشوب ج ٣ ص ٢٤٨ ط نجف.

٦٤٥

والتفت الحسينعليه‌السلام إلى بني عقيل وقال : حسبكم من القتل بمسلم ، اذهبوا قد أذنت لكم. فقالوا : إذن ما يقول الناس وما نقول لهم ، إنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ، ولم نرم معهم بسهم ، ولم نطعن برمح ، ولم نضرب بسيف ، ولا ندري ما صنعوا!. لا والله لا نفعل ، ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ، ونقاتل معك حتّى نرد موردك ، فقبّح الله العيش بعدك(١) .

٧٨٨ ـ كلام مسلم بن عوسجة الأسدي :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٧)

ثم تكلم مسلم بن عوسجة الأسدي فقال : يابن رسول الله أنحن نخلّيك هكذا وننصرف عنك ، وقد أحاط بك هؤلاء الأعداء؟. لا والله لا يراني الله وأنا أفعل ذلك أبدا ، حتّى أكسر في صدورهم رمحي ، وأضرب فيهم بسيفي ، ما ثبت قائمه بيدي. ولو لم يكن لي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ، ولم أفارقك حتّى أموت بين يديك. (وفي مقتل المقرم ص ٢٥٩) أنه قال : أنحن نخلّي عنك؟!. وبماذا نعتذر إلى الله في أداء حقك؟ أما والله لا أفارقك حتّى أطعن في صدورهم برمحي ، وأضرب بسيفي ما ثبت قائمه بيدي(٢) .

٧٨٩ ـ كلام سعيد بن عبد الله الحنفي :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٧)

ثم تكلم سعيد بن عبد الله الحنفي فقال : لا والله يابن رسول الله لا نخلّيك أبدا ، حتّى يعلم الله تبارك وتعالى أنا حفظنا فيك غيبة رسوله. ووالله لو علمت أني أقتل ثم أحيا ثم أحرق حيا ، يفعل بي ذلك سبعين مرة ، لما فارقتك أبدا حتّى ألقى حمامي من دونك. وكيف لا أفعل ذلك ، وإنما هي قتلة واحدة ، ثم أنال الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا(٣) .

٧٩٠ ـ كلام زهير بن القين البجلي :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٧)

ثم تكلم زهير بن القين البجلي فقال : والله يابن رسول الله لوددت أني قتلت فيك

__________________

(١) تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣٨ ؛ وكامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ٢٤ ؛ والإرشاد للمفيد ؛ وإعلام الورى ، ص ١٤١ ؛ وسير أعلام النبلاء للذهبي ج ٣ ص ٢٠٢ ؛ ومقتل أبي مخنف ص ٦٢.

(٢) إرشاد المفيد وتاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣٩ ؛ ومقتل أبي مخنف ص ٦٢ ؛ واللهوف ص ٥٢.

(٣) اللهوف ص ٥٢ ؛ ومقتل المقرم ص ٢٥٩ ، نقلا عن إرشاد المفيد وتاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣٩. وفي مناقب ابن شهراشوب ومقتل أبي مخنف أن هذا الكلام قاله مسلم بن عوسجة.

٦٤٦

ثم نشرت ، حتّى أقتل فيك ألف مرة ، وأن الله قد دفع القتل عنك وعن هؤلاء الفتية من إخوتك وولدك وأهل بيتك(١) .

٧٩١ ـ كلام بقية الأصحاب :(المصدر السابق)

وتكلم جماعة بنحو هذا الكلام وقالوا : أنفسنا لك الفداء ، ونقيك بأيدينا ووجوهنا وصدورنا ، فإذا نحن قتلنا بين يديك نكون قد وفيّنا وقضينا ما علينا.

٧٩٢ ـ الحسينعليه‌السلام يرخّص لمحمد بن بشير الحضرمي بمفارقته ، فيأبى :

(اللهوف لابن طاووس ، ص ٣٩)

ووصل الخبر إلى محمّد بن بشير الحضرمي في تلك الحال ، أن قد أسر ابنك بثغر الرّي!. فقال : عند الله أحتسبه ونفسي ، ما كنت أحب أن يؤسر وأنا أبقى بعده. فسمع الحسينعليه‌السلام قوله ، فقال : رحمك الله أنت في حلّ من بيعتي ، فاعمل في فكاك ابنك. فقال : أكلتني السباع حيا إن فارقتك. قالعليه‌السلام : فأعط ابنك [الآخر] هذه الأثواب البرود يستعين بها في فداء أخيه ، فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار.

٧٩٣ ـ جواب الحسينعليه‌السلام على كلمات أصحابه :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٦٠)

ولما عرف الحسينعليه‌السلام من أصحابه صدق النية والإخلاص في المفاداة دونه ، أوقفهم على غامض القضاء فقال : إني غدا أقتل ، وكلكم تقتلون معي ، ولا يبقى منكم أحد(٢) حتّى القاسم وعبد الله الرضيع ، إلا ولدي علي زين العابدين ، لأن الله لم يقطع نسلي منه ، وهو أبو أئمة ثمانية(٣) . فقالوا بأجمعهم : الحمد لله الّذي أكرمنا بنصرك وشرّفنا بالقتل معك. أولا نرضى أن نكون معك في درجتك يابن رسول الله!. فدعا لهم بالخير(٤) وكشف عن أبصارهم فرأوا ما حباهم الله من نعيم الجنان وعرّفهم منازلهم فيها(٥) .

__________________

(١) مقتل المقرم ص ٢٥٩ نقلا عن إرشاد المفيد ؛ وتاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣٩ ، وكذا في مقتل أبي مخنف ص ٦٣ ؛ وفي الله وف ص ٥٢.

(٢) نفس المهموم في مقتل الحسين المظلوم ، ص ١٢٢.

(٣) أسرار الشهادة للفاضل الدربندي.

(٤) نفس المهموم ، ص ١٢٢.

(٥) الخرايج والجرايح للقطب الراوندي.

٦٤٧

٧٩٤ ـ الحسينعليه‌السلام يري كل شهيد منزلته في الجنة ـ تجلّي الحقائق وانكشاف الحجب :(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٢٦٨)

بعد أن طلب الإمام الحسينعليه‌السلام من أصحابه التفرق عنه ليلة العاشر ، قالوا :الحمد لله الّذي شرّفنا بالقتل معك. ثم دعا وقال لهم : ارفعوا رؤوسكم وانظروا ، فجعلوا ينظرون إلى مواضعهم ومنازلهم من الجنة ، وهو يقول لهم : هذا منزلك يا فلان ، وهذا قصرك يا فلان ، وهذه زوجتك يا فلان فكان الرجل يستقبل الرماح والسيوف بصدره ووجهه ليصل إلى منزله من الجنة.

وفي (علل الشرائع للصدوق) مسندا عن عمارة ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام (قال) قلت له : أخبرني عن أصحاب الحسينعليه‌السلام وإقدامهم على الموت. فقالعليه‌السلام :إنهم كشف لهم الغطاء حتّى رأوا منازلهم من الجنة. فكان الرجل منهم يقدم على القتل ليبادر إلى الحور يعانقها ، وإلى مكانه من الجنة.

٧٩٥ ـ علي بن مظاهر يريد بعث زوجته إلى أهلها ، فتأبى :

(الفاجعة العظمى للسيد عبد الحسين بن حبيب الموسوي ، ص ١٢١)

ويروى أن الحسينعليه‌السلام في آخر خطبته [في امتحان الأصحاب] قال :أصحابي ، بني عمومتي ، أهل بيتي ؛ ألا ومن كان في رحله امرأة فليبعث بها إلى أهلها ، فإن نسائي تسبى ، وأخاف على نسائكم السبي.

فقام من بينهم علي بن مظاهر الأسدي [أخو حبيب] وأقبل إلى خيمته ، فتبسمت زوجته في وجهه ، فقال لها : دعينا والتبسّم ، قومي والحقي بابني عمك من بني أسد. فقالت : لم يابن مظاهر ، هل فعلت معك مكروها؟ قال : حاشا لله. ولكن أما سمعت غريب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطبنا في هذه الساعة؟. قالت : بلى ، ولكن سمعت في آخر خطبته همهمة لا أعرفها. قال : خطبنا وقال : ألا ومن كان في رحله امرأة فليبعث بها إلى أهلها.

فلما سمعت الحرة ذلك نطحت رأسها بعمود الخيمة وقالت : ما أنصفتني يابن مظاهر ، أيسرّك أن زينبعليها‌السلام يسلب إزارها وأنا أتزيّن بإزاري؟!. أم يسرّك أن سكينة تسلب قرطيها وأنا أتزين بقرطي؟!. لا كان ذلك أبدا. بل أنتم تواسون الرجال ونحن نواسي النساء.

فلما سمع منها ذلك رجع إلى الحسينعليه‌السلام فرآه جالسا ومعه أخوه

٦٤٨

العباسعليه‌السلام فسلّم عليهما وجلس ، وقال : سيدي أبت الأسدية أن تفارقكم. فقال الحسينعليه‌السلام : جزاكم الله خير الجزاء.

٧٩٦ ـ لا يقاتل معي من عليه دين :

روى الثوري عن أبي الجحّاف عن أبيه ، أن رجلا قال للحسينعليه‌السلام : إن عليّ دينا. قالعليه‌السلام : لا يقاتل معي من عليه دين (أخرجه الطبراني برقم ٢٨٧٢).

٧٩٧ ـ الضحاك بن عبد الله المشرقي يعاهد الحسينعليه‌السلام على نصرته ما لم يصبحعليه‌السلام وحيدا :(تاريخ الطبري ، ج ٧ ص ٣٢١ ط ليدن)

روى الطبري عن الضحاك بن عبد الله المشرقي ، قال : قدمت مع مالك بن النضر الأرحبي على الحسينعليه‌السلام ، فسلمنا عليه ثم جلسنا إليه. فردّ علينا ، ورحّب بنا وسألنا عما جئنا له؟. فقلنا : جئنا لنسلّم عليك وندعو الله لك بالعافية ، ونحدث بك عهدا ، ونخبرك خبر الناس. وإنا نحدّثك أنهم قد جمعوا على حربك ، فر رأيك.فقال الحسينعليه‌السلام : حسبي الله ونعم الوكيل. قال : فتذممنا وسلّمنا عليه ودعونا الله له. قال : فما يمنعكما من نصرتي؟. فقال مالك بن النضر : عليّ دين ولي عيال.فقلت له : إن عليّ دينا وإن لي عيالا ، ولكنك إن جعلتني في حلّ من الانصراف إذا لم أجد مقاتلا ، قاتلت عنك ما كان لك نافعا وعنك دافعا.

(قال) قالعليه‌السلام : فأنت في حلّ ، فأقمت معه.

(أقول) : وظل الضحاك هذا يقاتل مع الحسينعليه‌السلام حسب الاتفاق ، حتّى أصبح الحسينعليه‌السلام وحيدا فريدا ، فانسلّ من المعركة وذهب إلى أهله.

٧٩٨ ـ كلام برير بن خضير الهمداني ، ونصيحته لعمر بن سعد :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٧)

ثم تكلم برير بن خضير الهمداني ، وكان من الزهاد الذين يصومون النهار ويقومون الليل. فقال : يابن رسول الله ائذن لي أن آتي هذا الفاسق عمر بن سعد ، فأعظه لعله يتّعظ ويرتدع عما هو عليه. فقال الحسينعليه‌السلام : ذاك إليك يا برير.فذهب إليه حتّى دخل على خيمته فجلس ولم يسلّم. فغضب عمر وقال : يا أخا همدان ، ما منعك من السلام عليّ ، ألست مسلما أعرف الله ورسوله وأشهد بشهادة الحق؟. فقال له برير : لو كنت عرفت الله ورسوله كما تقول ، لما خرجت إلى عترة رسول الله تريد قتلهم. وبعد فهذا الفرات يلوح بصفائه ويلج كأنه بطون الحيات ،

٦٤٩

تشرب منه كلاب السواد وخنازيرها ، وهذا الحسين بن علي وإخوته ونساؤه وأهل بيته يموتون عطشا ، وقد حلت بينهم وبين ماء الفرات أن يشربوه ، وتزعم أنك تعرف الله ورسوله!. فأطرق عمر بن سعد ساعة إلى الأرض ، ثم رفع رأسه وقال : والله يا برير إني لأعلم يقينا أن كل من قاتلهم وغصبهم حقهم هو في النار لا محالة(١) ولكن يا برير أفتشير عليّ أن أترك ولاية الرّي فتكون لغيري ، فوالله ما أجد نفسي تجيبني لذلك. ثم قال :

دعاني عبيد الله من دون قومه

إلى خطةّ ، فيها خرجت لحيني

فوالله ما أدري وإني لحائر

أفكّر في أمري على خطرين

أأترك ملك الرّي والريّ منيتي

أم ارجع مأثوما بقتل حسين

وفي قتله النار التي ليس دونها

حجاب ، وملك الرّيّ قرّة عيني

فرجع برير إلى الحسينعليه‌السلام وقال : يابن رسول الله إن ابن سعد قد رضي لقتلك بولاية الري(٢) .

ليلة العاشر من المحرم

(يقول السيد عبد الرزاق المقرّم في مقتله ، ص ٢٦٢) :

كانت ليلة عاشوراء أشدّ ليلة مرّت على أهل بيت الرسالة

حفّت بالمكاره والمحن وأعقبت الشر وآذنت بالخطر.

وقد قطعت عنهم عصابة الضلال من بني أمية وأتباعهم كلّ الوسائل الحيوية.

وهناك ولولة النساء وصراخ الأطفال من العطش المبرّح والهمّ المدلهم.

٧٩٩ ـ الحسينعليه‌السلام ونافع بن هلال يتفقدان التلال حول المخيّم ، واختبار الحسينعليه‌السلام لنافع :(الوثائق الرسمية ، ص ١٣٢)

ثم إن الحسينعليه‌السلام خرج ليلا وحده ، ليختبر الثنايا والعقبات والأكمات المشرفة على المنزل ، وإذا بنافع بن هلال خلفه. فقال له الحسينعليه‌السلام : من

__________________

(١) مرّ شبيه هذا الكلام في نصيحة أنس بن كاهل ، ولم يورد المقرم في مقتله هذا الكلام.

(٢) الرّيّ : المنطقة الجنوبية من طهران اليوم.

٦٥٠

الرجل؟. قال : نافع جعلت فداك يابن رسول الله. قال الحسينعليه‌السلام : ما أخرجك في هذا الليل يا نافع؟. قال : سيدي أزعجني خروجك ليلا إلى جهة هذا الباغي.قالعليه‌السلام : خرجت أتفقد هذه التلعات مخافة أن تكون مكمنا لهجوم الخيل على مخيمنا ، يوم يحملون وتحملون.

ثم إنهعليه‌السلام رجع وهو قابض على يسار نافع ، وهو يقول : هي هي والله ، وعد لا خلف فيه. ثم قال لنافع : ألا تسلك بين هذين الجبلين ، وانج بنفسك؟. قال نافع : سيدي إذن ثكلت نافعا أمّه. إن سيفي بألف ، وفرسي بمثله ، فوالله الّذي منّ عليّ بك في هذا المكان ، لن أفارقك أبا عبد الله حتّى يكلّا عن فري وجري(١) .

٨٠٠ ـ شهادة الحسينعليه‌السلام بأصحابه حين استعلمت زينبعليها‌السلام عن حالهم :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٦٥)

ثم إن الحسينعليه‌السلام فارق نافعا ، ودخل خيمة أخته زينبعليها‌السلام . فوضعت له متكأ ، وجلس يحدثها سرا. ونافع واقف ينتظر خروج الحسينعليه‌السلام .

قالت زينب لأخيها الحسينعليه‌السلام : هل استعلمت من أصحابك نياتهم؟. فإني أخشى أن يسلموك عند الوثبة. فقال لها : والله لقد بلوتهم فما وجدت فيهم إلا الأشوس الأقعس ، يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل إلى محالب أمه.

٨٠١ ـ الأصحاب يكرّمون خاطر نسوة أهل البيتعليهم‌السلام :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٦٦)

وقال الحسينعليه‌السلام لأصحابه : هلمّوا معي لنواجه النسوة ونطيّب خاطرهن.فجاء حبيب بن مظاهر ومعه أصحابه وصاح : يا معشر حرائر رسول الله ، هذه صوارم فتيانكم آلوا ألا يغمدوها إلا في رقاب من يريد السوء فيكم ، وهذه أسنة غلمانكم أقسموا ألا يركزوها إلا في صدور من يفرّق ناديكم.

فخرجن النساء إليهم ببكاء وعويل ، وقلن : أيها الطيبون حاموا عن بنات رسول الله وحرائر أمير المؤمنين.

فضجّ القوم بالبكاء حتّى كأن الأرض تميد بهم(٢) .

__________________

(١) المجالس الفاخرة للسيد عبد الحسين شرف الدين ، ص ٩٢.

(٢) الدمعة الساكبة ، ص ٢٢٥.

٦٥١

٨٠٢ ـ وصية الإمام الحسن لأخيه الحسينعليه‌السلام عند احتضاره :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٦١ ط نجف)

فلما كانت الليلة التي قتل الحسينعليه‌السلام في صبيحتها ، قام يصلي ويدعو ويترحم على أخيه الحسنعليه‌السلام . وذلك لأن الحسنعليه‌السلام قال له لما احتضر : يا أخي اسمع ما أقول ، إن أباك لما قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسوّف إلى هذا الأمر رجاء أن يكون صاحبه ، فصرف عنه إلى غيره. فلما احتضر أبو بكر تسوّف أن يكون صاحبه ، فصرف عنه إلى عمر. فلما احتضر عمر تسوّف أن يكون صاحبه ، فصرف عنه إلى عثمان. تجرّد أبوك للطلب بالسيف ولم يدركه ، وأبى الله أن يجعل فينا أهل البيت النبوة والدنيا أو الخلافة(١) أو الملك. فإياك وسفهاء أهل الكوفة ، أن يستخفّوك فيخرجوك ويسلموك ، ولات حين مناص.

٨٠٣ ـ ليلة الوداع : ليلة صلاة ودعاء ، وتوجّه إلى الله :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٠٦ ط نجف)

وجاء الليل ، فبات الحسينعليه‌السلام وأصحابه الليل كله يصلّون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون ، وباتوا ولهم دويّ كدويّ النحل ، ما بين راكع وساجد ، وقائم وقاعد.

وفي ذلك يقول العلامة المجتهد السيد محسن الأمينرحمه‌الله :

باتوا وبات إمامهم ما بينهم

ولهم دويّ حوله ونحيب

من راكع أو ساجد أو قارئ

أو من يناجي ربّه وينيب

منهم (زهير) زاهر الأفعال يت

لوه (برير)(ومسلم)(وحبيب)

فتأثر بهذا الجو الواقعي نفر من الجيش الأموي ، من ذوي الضمائر الحية ، التي كانت عليها غشاوة ضلال ، فانجلت بهذا الجو المشحون إيمانا وتقى وهدى.

وعبر إليهم في تلك الليلة من عسكر عمر بن سعد ٣٢ رجلا

__________________

(١) يقصد الخلافة الزمنية ، أما الخلافة الدينية فهي ثابتة لأهل البيتعليهم‌السلام بأمر من الله تعالى ، سواء حكموا أم لم يحكموا. والمقصود بالنبوة هنا الخلافة الدينية أو الإمامة ، عبّر عنها بالنبوة لأنها من توابع النبوة ، وهي منصب إلهي

٦٥٢

٨٠٤ ـ الذين تسللوا في جنح الليل إلى الحسينعليه‌السلام :

(إبصار العين للشيخ السماوي ، ص ٨)

فجعل يتسلل إلى الحسينعليه‌السلام من أصحاب عمر بن سعد في ظلام الليل ، الواحد والاثنان ، حتّى بلغوا في اليوم العاشر زهاء ثلاثين ، ممن هداهم الله إلى السعادة ووفقهم للشهادة.

٨٠٥ ـ محاورة برير بن خضير مع جماعة الشّمر ، فيمن هم الطيبون؟ وثناء الحسين عليه :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٥١)

وجاء شمر بن ذي الجوشن في نصف الليل يتجسس ومعه جماعة من أصحابه ، حتّى قارب معسكر الحسينعليه‌السلام فسمعه يتلو قوله تعالى :( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ ، إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً ، وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ* ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) «آل عمران ١٧٩».

فصاح رجل من أصحاب شمر : نحن وربّ الكعبة الطيبون ، وأنتم الخبيثون ، وقد ميّزنا الله منكم(١) . فقطع برير بن خضير الهمداني صلاته ثم نادى : يا فاسق يا فاجر يا عدوّ الله يابن البوّال على عقبيه ، أمثلك يكون من الطيبين والحسين ابن رسول الله من الخبيثين!. والله ما أنت إلا بهيمة لا تعقل ما تأتي وما تذر ، فأبشر يا عدو الله بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم. فصاح شمر : إن الله قاتلك وقاتل صاحبك عن قريب. فقال برير : أبالموت تخوّفني ، والله إن الموت مع ابن رسول الله أحبّ إليّ من الحياة معكم ، والله لا نالت شفاعة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوما أراقوا دماء ذريته وأهل بيته.

فجاء إليه رجل من أصحابه وقال : يا برير ، إن أبا عبد الله يقول لك : ارجع إلى موضعك ولا تخاطب القوم ، فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء فلقد نصحت وأبلغت في النصح والدعاء.

__________________

(١) مقتل المقرم ص ٢٦٣ نقلا عن تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٤٠ ، وذكر الطبري أن اسم الرجل (عبد الله بن شهر) ويلقب أبو حرب السبيعي.

٦٥٣

٨٠٦ ـ مقاربة البيوت من بعضها ليقاتلوا العدوّ من وجه واحد :

(إعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسي ، ص ٢٣٢)

ثم أمر الحسينعليه‌السلام أصحابه أن يقرّب بعضهم بيوتهم من بعض ، وأن يدخلوا الأطناب بعضها في بعض ، وأن يكونوا بين البيوت ، فيقبلوا القوم من وجه واحد ، والبيوت من ورائهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ، قد حفّت بهم إلا الوجه الّذي يأتيهم منه عدوهم.

٨٠٧ ـ حفر خندق وراء البيوت في ساعة متأخرة من الليل :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٦٥)

ثم إن الحسينعليه‌السلام أمر أصحابه أن يقاربوا البيوت بعضها من بعض ليستقبلوا القوم من وجه واحد ، وأمر بحفر خندق من وراء البيوت يوضع فيه الحطب ويلقى عليه بالنار إذا قاتلهم العدو ، كيلا تقتحمه الخيل ، فيكون القتال من وجه واحد(١) .

(وفي مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٨) :

فلما أيس الحسينعليه‌السلام من القوم ، وعلم أنهم مقاتلوه ، قال لأصحابه : قوموا فاحفروا لنا حفيرة شبه الخندق حول معسكرنا ، وأجّجوا فيها نارا ، حتّى يكون قتال هؤلاء القوم من وجه واحد ، فإنهم لو قاتلونا وشغلنا بحربهم لضاعت الحرم.

فقاموا من كل ناحية فتعاونوا واحتفروا الحفيرة. ثم جمعوا الشوك والحطب فألقوه في الحفيرة ، وأجّجوا فيها النار.

(وفي الوثائق الرسمية للسيد عبد الكريم الحسيني القزويني ، ص ١٤٠) :

ثم إنهعليه‌السلام أمر أصحابه أن يحفروا خندقا من وراء البيوت ، ويضعوا فيه الحطب ، ويضرموا فيها النار في الغداة ، لئلا يهجم القوم من وراء الخيام.

٨٠٨ ـ رؤيا الحسينعليه‌السلام وخبر من يقتله واقتراب أجله :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٥١)

__________________

(١) تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٤٠ ، وذكر الخوارزمي هنا محاورة مالك بن جريرة مع الحسينعليه‌السلام وقد رأى النار تشتعل في الخندق ، ولم أرجّح ذلك. بل ذكرتها بعد محاورة الحسينعليه‌السلام مع الشمر في نفس الخصوص يوم عاشوراء.

٦٥٤

فلما كان وقت السحر خفق الحسينعليه‌السلام برأسه خفقة(١) ثم استيقظ فقال :أتعلمون ما رأيت في منامي الساعة؟. قالوا : فما رأيت يابن رسول الله؟. قال :رأيت كلابا قد شدّت عليّ لتنهشني وفيها كلب أبقع(٢) رأيته كأشدها عليّ ، وأظن الّذي يتولى قتلي رجل أبرص من هؤلاء القوم. ثم إني رأيت بعد ذلك جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه جماعة من أصحابه وهو يقول لي :

يا بنيّ أنت شهيد آل محمّد ، وقد استبشر بك أهل السموات وأهل الصفيح الأعلى ، فليكن إفطارك عندي الليلة. عجّل يا بنيّ ولا تتأخر ، فهذا ملك نزل من السماء ليأخذ دمك في قارورة خضراء(٣) . فهذا ما رأيت وقد أزف الأمر واقترب الرحيل من هذه الدنيا.

__________________

(١) الخفقة : النومة اليسيرة.

(٢) أبقع : مختلف اللون ، فيه سواد وبياض.

(٣) مقتل المقرم ص ٢٦٧ نقلا عن نفس المهموم ص ١٢٥ عن الشيخ الصدوق.

٦٥٥

الفصل العشرون

يوم عاشوراء

(الجمعة في ١٠ محرّم سنة ٦١ ه‍)

[الموافق ١٠ ت ١ سنة ٦٨٠ م]

دم ودموع ، وسموّ واستعلاء

وألم يفري الضلوع ، وعزّة للنفس وإباء

تلك ذكرى أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام يوم عاشوراء

في هذا اليوم الحالك ارتكب الحكم الأموي أبشع مجزرة دموية عرفها التاريخ.والذين قاموا بهذه المجزرة الرهيبة لم يتخلّوا فقط عن قوانين الإسلام ، بل انسلخوا حتّى من الأخلاق العربية والمبادئ الإنسانية.

تصوّروا أن مجموعة صغيرة من المؤمنين الملتزمين ، تحيط بهم جحافل جرّارة من جيوش عرمرمة ، حتّى ملكت عليهم أقطار الأرض والسماء ، ومنعتهم من كل شيء حتّى من الماء.

ولم يكن خوف الحسينعليه‌السلام من كثرة أعدائه ، ولم تكن دهشته من أنواع أسلحته وعتاده ، بأكثر من خوفه على تلك النفوس المريضة التي هامت في الباطل ، ودهشته أن كيف استطاع الأفاّكون أن يضلّوهم إلى هذا الحد ، ويجعلوهم يسيرون لقتل إمامهم ومن وجبت طاعته في أعناقهم!.

٨٠٩ ـ استسقاء رهط الحسينعليه‌السلام واستعدادهم للموت :

(دائرة المعارف للشيخ محمّد حسين الأعلمي ، ج ١٥ ص ١٧١)

وطلع فجر اليوم العاشر من المحرم ، وأرسل الحسينعليه‌السلام ابنه عليا في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا ، ليسقوا الماء ، وهم في وجل شديد.

٦٥٦

فقام الحسينعليه‌السلام ونادى أصحابه ، وأمرهم بالصلاة ، فتيمموا بدلا من الوضوء لعدم توفر الماء ، وأقام بنفسه وصلّى بأصحابه صلاة الصبح.

فلما فرغ رفع يديه إلى السماء ، وقد أخذ المصحف بيده اليمنى ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : إن الله قد أذن في قتلكم وقتلي ، وكلكم تقتلون في هذا اليوم إلا ولدي علي بن الحسينعليه‌السلام ، فاتقوا الله يا قوم واصبروا.

٨١٠ ـ خطبة الحسينعليه‌السلام في صباح اليوم الّذي استشهد فيه :

(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ، ص ٢١٥)

عن رجل من همدان ، قال : خطبنا الحسين بن عليعليه‌السلام غداة اليوم(١) الّذي استشهد فيه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :

عباد الله ، اتقوا الله ، وكونوا من الدنيا على حذر. فإن الدنيا لو بقيت لأحد أو بقي عليها أحد ، كانت الأنبياء أحق بالبقاء ، وأولى بالرضا وأرضى بالقضاء. غير أن الله تعالى خلق الدنيا للبلاء ، وخلق أهلها للفناء. فجديدها بال ، ونعيمها مضمحلّ ، وسرورها مكفهرّ. والمنزل بلغة ، والدار قلعة. فتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى ، فاتقوا الله لعلكم تفلحون.

(وفي الوثائق الرسمية ، ص ١٤١) :

فتباشر أصحاب الحسينعليه‌السلام بلقاء ربهم ، وأنهم سيقدمون على روح وريحان ، وجنة عرضها السموات والأرض ، خالدين فيها أبدا. وإذا بهم فرحين يمازح بعضهم بعضا.

٨١١ ـ استبشار أصحاب الحسينعليه‌السلام بالشهادة والقدوم على الجنة :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٢٦ ط ٤)

وأمر الحسينعليه‌السلام بفسطاط فضرب ، وأمر بجفنة فيها مسك كثير ، وجعل فيها نورة [أي كلسا] ثم دخل ليطلّي. فروي أن برير بن خضير الهمداني وعبد الرحمن بن عبد ربه الأنصاري وقفا على باب الفسطاط ، وازدحما أيهما يطّلي بعده ، فجعل برير يضاحك عبد الرحمن ، فقال له عبد الرحمن : يا برير (أتضحك؟) ما هذه ساعة

__________________

(١) الغداة : ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.

٦٥٧

باطل!. فقال برير : لقد علم قومي أني ما أحببت الباطل كهلا ولا شابا ، وإنما أفعل ذلك استبشارا بما نصير إليه ، فوالله ما هو إلا أن نلقى هؤلاء القوم بأسيافنا نعالجهم بها ساعة ثم نعانق الحور العين. (وفي رواية : لقد علم قومي ما أحببت الباطل كهلا ولا شابا ، ولكني مستبشر بما نحن لاقون. والله ما بيننا وبين الحور العين إلا أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم ، ولوددت أنهم مالوا علينا الساعة(١) ).

وخرج حبيب بن مظاهر يضحك ، فقال له يزيد بن الحصين : ما هذه ساعة ضح!. قال حبيب : وأي موضع أحقّ بالسرور من هذا. ما هو إلا أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم فنعانق الحور(٢) .

٨١٢ ـ تعبئة الحسينعليه‌السلام أصحابه يوم عاشوراء :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٤)

ولما أصبح الحسينعليه‌السلام يوم الجمعة عاشر محرم (وفي رواية : يوم السبت) عبّأ أصحابه ، وكان معه اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا. وعن الإمام الباقرعليه‌السلام أنهم كانوا خمسة وأربعين فارسا ومائة راجل. فجعل على ميمنته :زهير بن القين ، وعلى مسيرته : حبيب بن مظاهر ، ودفع اللواء إلى أخيه : العباس بن علي ، وثبتعليه‌السلام مع أهل بيته في القلب. وجعلوا البيوت في ظهورهم.

٨١٣ ـ إضرام الخندق بالحطب :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٠٧ ط نجف)وأمرعليه‌السلام بحطب وقصب كان من وراء البيوت أن يترك في خندق كانوا قد حفروه هناك في ساعة من الليل ، وأن يحرق بالنار مخافة أن يأتوهم من ورائهم ، فنفعهم ذلك.

٨١٤ ـ تعبئة عمر بن سعد جيشه :(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٤)

وعبّأ عمر بن سعد أصحابه ، فجعل على الميمنة : عمرو بن الحجاج ، وعلى الميسرة: شمر بن ذي الجوشن ، وعلى الخيل : عروة بن قيس ، وعلى الرجّالة :شبث بن ربعي ، وأعطى رايته : دريدا مولاه. وكان جنده اثنين وعشرين ألفا يزيد أو ينقص.

__________________

(١) مقتل المقرم ص ٢٦٢ عن تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٤١ ، وذكره المقرم ليلة عاشوراء.

(٢) مقتل المقرم ص ٢٦٣ عن رجال الكشي واللهوف ص ٥٤.

٦٥٨

(وفي كامل ابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٨٥) :

وكان الرؤساء في الكوفة أربعة :

فجعل على ربع أهل المدينة : عبد الله بن زهير الأزدي.

وعلى ربع ربيعة وكندة : قيس بن الأشعث بن قيس.

وعلى ربع مذحج وأسد : عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي.

وعلى تميم وهمدان : الحر بن يزيد الرياحي.

٨١٥ ـ دعاء الحسينعليه‌السلام وفيه يبدي ثقته بالله :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٠٨ ط نجف)

ثم ركب الحسينعليه‌السلام دابته ودعا بمصحف فوضعه أمامه ، ثم إنه أناخ راحلته ، وأمر عقبة بن سمعان فعقلها. ثم ركب فرسه وتهيأ للقتال.

فروي عن الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام أنه قال : لما صبّحت خيل الحسينعليه‌السلام ونظروا إلى جمعهم كأنه السيل رفع يديه بالدعاء وقال :

اللهم أنت ثقتي في كل كرب ، ورجائي في كل شدة ، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدّة. كم من همّ يضعف فيه الفؤاد ، وتقلّ فيه الحيلة ، ويخذل فيه الصديق ، ويشمت فيه العدو ؛ أنزلته بك وشكوته إليك ، رغبة مني إليك عمن سواك ، فكشفته وفرّجته ، فأنت وليّ كل نعمة ، ومنتهى كل رغبة(١) .

٨١٦ ـ قول الشمر للحسينعليه‌السلام : تعجلت بالنار قبل يوم القيامة :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٠٩ ط نجف)

وركب أصحاب عمر بن سعد ، وأقبلوا يجولون حول بيوت الحسينعليه‌السلام فيرون النار تضطرم في الخندق. فنادى شمر بأعلى صوته : يا حسين تعجّلت بالنار قبل يوم القيامة. فقال الحسينعليه‌السلام : من هذا؟ كأنه شمر بن ذي الجوشن.فقالوا : نعم. قال : يابن راعية المعزى ، أنت أولى بها (مني) صليّا.

ورام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم ، فمنعه الحسينعليه‌السلام من ذلك. فقال له :دعني حتّى أرميه ، فإنه الفاسق من أعداء الله وعظماء الجبارين ، وقد أمكن الله منه.

فقال له الحسينعليه‌السلام : لا ترمه ، فإني أكره أن أبدأهم بقتال.

__________________

(١) كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ٢٥ ؛ وتاريخ ابن عساكر ، ج ٤ ص ٣٣٣ ، وذكر الكفعمي في المصباح ، ص ١٥٨ ط الهند ، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا بهذا الدعاء يوم بدر.

٦٥٩

(وفي تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٦٢) :

ثم ناداه محمّد بن الأشعث : أبشر ، الساعة ترد الجحيم. فقالعليه‌السلام : من هذا؟. فقالوا : ابن الأشعث. فقال : لعنك الله وقومك.

الآيات الباهرة

٨١٧ ـ ابن أبي جويرية يسقط في النار :

(بحار الأنوار للمجلسي ، ج ٤٤ ص ٣١٧ ط ٣)

وأقبل رجل من عسكر عمر بن سعد على فرس له يقال له : ابن أبي جويرية المزني. فلما نظر إلى النار تتّقد صفّق بيده ونادى : يا حسين وأصحاب حسين ، أبشروا بالنار!. فقد تعجلتموها في الدنيا. فقال الحسينعليه‌السلام : من الرجل؟.فقيل : ابن أبي جويرية المزني. فقال الحسينعليه‌السلام : الله م أذقه عذاب النار في الدنيا. فنفر به فرسه وألقاه في تلك النار ، فاحترق.

٨١٨ ـ محاورة مالك بن جريرة مع الحسينعليه‌السلام وقد أشعلعليه‌السلام النار في الخندق حول معسكره :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٨)

وأقبل رجل من عسكر عمر بن سعد يقال له مالك بن جريرة على فرس له حتّى وقف على الحفيرة ، وجعل ينادي بأعلى صوته : أبشر يا حسين فقد تعجلت النار في الدنيا قبل الآخرة. فقال له الحسينعليه‌السلام : كذبت يا عدو الله ، أنا قادم على رب رحيم ، وشفيع مطاع ، ذاك جدي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ثم قال الحسينعليه‌السلام لأصحابه :من هذا؟. فقيل له : هذا مالك بن جريرة. فقال الحسينعليه‌السلام : الله م جرّه إلى النار وأذقه حرّها قبل مصيره إلى نار الآخرة. فلم يكن بأسرع من أن شبّ به الفرس فألقاه على ظهره ، فتعلقت رجله في الركاب ، فركض به الفرس حتّى ألقاه في النار ، فاحترق. فخرّ الحسينعليه‌السلام ساجدا ، ثم رفع رأسه وقال : يا لها من دعوة ما كان أسرع إجابتها(١) .

__________________

(١) مقتل أبي مخنف ص ٦٣ ، وذكر اسما آخر وهو جبيرة الكلبي. وفي مقتل الحسين للمقرم ص ٢٨٢ ذكر اسما آخر وهو عبد الله بن حوزة التميمي. وفي لواعج الأشجان ص ١٢٤ ذكر أنه ابن أبي جويرية المزني.

٦٦٠

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735