موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 8%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 452239 / تحميل: 5265
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

المعروف له الطلب إليهم و حظر عليهم قضاءه كما يحرّم الغيث على الأرض المجدبة ليهلكها و يهلك أهلها(١) .

و قال ابن أبي الحديد رأى العباس بن مأمون يوما بحضرة المعتصم خاتما في يد إبراهيم بن المهدي ، فاستحسنه فقال له : ما فص هذا الخاتم و من أين حصلته ؟ قال : هذا خاتم رهنته في دولة أبيك و افتككته في دولة الخليفة .

فقال له العباس : إن لم تشكر أبي على حقنه دمك ، فأنت لا تشكر الخليفة على فكّه خاتمك و قال الشاعر :

لعمرك ما المعروف في غير أهله

و في أهله إلاّ كبعض الودائع

فمستودع ضاع الذي كان عنده

و مستودع ما عنده غير ضائع

و ما النّاس في شكر الصنيعة عندهم

و في كفرها إلاّ كبعض المزارع

فمزرعة طابت و أضعف نبتها

و مزرعة أكدت على كلّ زارع(٢)

٥٩ الحكمة ( ٢٠٨ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ رَبِحَ وَ مَنْ غَفَلَ عَنْهَا خَسِرَ وَ مَنْ خَافَ أَمِنَ وَ مَنِ اِعْتَبَرَ أَبْصَرَ وَ مَنْ أَبْصَرَ فَهِمَ وَ مَنْ فَهِمَ عَلِمَ « من حاسب نفسه ربح » في ( الكافي ) عن الكاظمعليه‌السلام : ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كلّ يوم ، فإن عمل حسنة استزاد اللَّه تعالى ، و إن عمل سيّئة استغفر اللَّه منها و تاب إليه(٣) .

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٤ : ٢٥ ح ٢ ، عن أبي حمزة الثمالي .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢٤ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٢ : ٤٥٣ .

٥٤١

« و من غفل عنها خسر » عن الباقرعليه‌السلام : لا يغرّنّك الناس من نفسك ، فإنّ الأمر يصل إليك دونهم ، و لا تقطع نهارك بكذا و كذا ، فإنّ معك من يحفظ عليك عملك .(١) .

« و من خاف أمن » و أمّا من خافَ مقامَ ربِّه و نهى النّفس عن الهوى .

( فإنّ الجنَّةَ هي المأوى ) (٢) .

« و من اعتبر أبصر » الاعتبار سبب لابصار جديد ، و إن كان هو بإبصار تليد ، قال تعالى :( فاعتبروا يا اُولي الأَبصار ) (٣) .

« و من أبصر فهم و من فهم علم » حمل الفهم على معرفة المقدّمات ، و العلم على معرفة النتيجة الّتي هي الثمرة الشريفة .

٦٠ الحكمة ( ٢٤٠ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْحَجَرُ اَلْغَصِيبُ فِي اَلدَّارِ رَهْنٌ عَلَى خَرَابِهَا أقول هكذا في ( الطبعة المصرية ) بلفظ « الغصيب »(٤) و الصواب :

( الغصب ) كما في ابن أبي الحديد(٥) و ابن ميثم(٦) و النسخة الخطية(٧) ، و الغصب هنا بمعنى المغصوب كما في قولهم : « شي‏ء غصب » .

____________________

( ١ ) الاختصاص للمفيد : ٢٣١ .

( ٢ ) النازعات : ٤٠ ٤١ .

( ٣ ) الحشر : ٢ .

( ٤ ) النسخة المصرية شرح محمّد عبده : ٧١٠ رقم ( ٢٤٢ ) .

( ٥ ) في شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٧٢ رقم ( ٢٣٧ ) بلفظ « الغصب » .

( ٦ ) شرح ابن ميثم النسخة المنقحة ٥ : ٣٦١ رقم ( ٢٢٦ ) بلفظ « الغصيب » .

( ٧ ) سقط النصّ من النسخة الخطية ( المرعشي ) .

٥٤٢

في ( كامل الجزري ) : و في سنة ( ٥٠٠ ) عزل الوزير أبو القاسم عليّ بن جهير و أمر الخليفة بنقض داره التي بباب العامّة و فيها عبرة ، فإنّ أباه أبا نصر بن جهير بناها بأنقاض أملاك الناس و أخذ بسببها أكثر ما دخل فيها فخربت عن قريب(١) .

و قال ابن أبي الحديد : قال ابن بسّام لابن مقلة لمّا بنى داره بالزاهر ببغداد من الغصب و ظلم الرعية :

بجنبك داران مهدومتان

و دارك ثالثة تهدم

و أشار بالدارين المهدومتين إلى دار ابن الفرات و دار ابن الجرّاح أي :

الوزيرين و قال أيضا :

قل لابن مقلة مهلا لا تكن عجلا

فإنّما أنت في أضغاث أحلام

تبني بأنقاض دور النّاس مجتهدا

دارا ستنقض أيضا بعد أيّام

و صار كما قال ، فنقضت داره في أيام الراضي حتى سوّيت بالأرض(٢) .

« قال الرضي و يروى هذا الكلام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٣) لكن في ابن أبي الحديد « قال الرضي : و قد روي ما يناسب هذا الكلام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٤) و في ابن ميثم : « و نحو هذا الكلام قول الرسول : اتقوا الحرام في البنيان فإنّه أسباب الخراب »(٥) .

« و لا عجب أن يشتبه الكلامان لأن مستقاهما من قليب » أي : بئر واحدة ، قال أبو عبيد « قليب » البئر العادية القديمة .

____________________

( ١ ) الكامل في التاريخ لابن الأثير الجزري ١٠ : ٤٣٨ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٧٢ .

( ٣ ) النسخة المصرية المنقحة : ٧١٠ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٧٢ ٧٣ .

( ٥ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٣٦٢ .

٥٤٣

« و مفرغهما » من فرغ الماء بالكسر ، أي : انصبّ « من ذنوب » بالفتح ، قال ابن السّكّيت : ذنوب ، دلو فيها ماء قريب من الملا تؤنث و تذكر(١) ، و لا يقال لها ذنوب و هي فارغة .

و في معنى قول المصنف قول البحتري :

عودهما من نبعة و ثراهما

من تربة و صفاهما من مقطع(٢)

٦١ الحكمة ( ٢٤١ ) و قالعليه‌السلام :

إِذَا كَثُرَتِ اَلْمَقْدِرَةُ قَلَّتِ اَلشَّهْوَةُ عشق رجل جارية و كان يتحرّق في ذلك ، فقيل له : لم لا تشتريها فإنّها ليست كالحرّة عسرة المطلب ؟ قال : إنّي إن ملكتها تذهب شهوتها و في ذلك أجد لذّة .

٦٢ الحكمة ( ٢٤٧ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْكَرَمُ أَعْطَفُ مِنَ اَلرَّحِمِ قال البحتري في إبراهيم بن الحسن بن سهل :

بنعمتكم يا آل سهل تسهّلت

عليّ نواحي دهري المتوعّر

شكرتكم حتى استكان عدوّكم

و من يول ما أوليتموني يشكر

____________________

( ١ ) اصلاح المنطق لابن السكيت : ١٦٤ .

( ٢ ) ديوان البحتري ٢ : ٢١٩ .

٥٤٤

ألست ابنكم دون البنين و أنتم

أحباء أهلي دون معن و بحتر(١)

و كانت خنساء إلى أخيها من أبيها صخر أعطف منها إلى أخيها من أبويها معاوية لكرم صخر إليها(٢) .

و في ( شعراء ابن قتيبة ) : لم تزل خنساء تبكي صخرا حتى عميت و دخلت على عائشة و عليها صدار من شعر ، فقالت لها : ما هذا فو اللَّه لقد مات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فلم ألبس عليه صدارا قالت لها : إن له حديثا ، إنّ أبي زوّجني سيّدا من سادات قومي متلافا معطافا ، فأنفد ماله فقال لي : إلى أين يا خنساء ، فقلت :

إلى أخي صخر ، فأتيناه فقاسمنا ماله و أعطانا خير النصفين ، فأقبل زوجي يعطي و يهب و يحمل حتى أنفده ثم قال لي : إلى أين يا خنساء ؟ قلت : إلى أخي صخر ، فأتيناه و قاسمنا ماله و أعطانا خير النصفين إلى الثالثة ، فقالت له امرأته : أما ترضى أن تقاسمهم مالك حتى تعطيهم خير النصفين فقال لها :

و اللَّه لا أمنحها شرارها

و لو هلكت قدّدت خمارها

و اتّخذت من شعرها صدارها

فذلك الّذي دعاني إلى لبس الصدار(٣) .

ثم كما أن الكرم أعطف من الرحم كذلك المودّة أعطف منها ، قال العتابي :

إنّي بلوت الناس في حالاتهم

و خبرت ما وصلوا من الأسباب

فإذا القرابة لا تقرّب قاطعا

و إذا المودة أقرب الأنساب(٤)

____________________

( ١ ) ديوان البحتري ١ : ١٨٥ .

( ٢ ) أعلام النساء لعمر رضا كحالة : ٣٦٥ .

( ٣ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ١٢٤ ١٢٥ .

( ٤ ) الأغاني للأصفهاني ١٧ : ١١٧ .

٥٤٥

٦٣ الحكمة ( ٢٥٤ ) و قالعليه‌السلام :

يَا اِبْنَ آدَمَ كُنْ وَصِيَّ نَفْسِكَ فِي مَالِكَ وَ اِعْمَلْ فِيهِ مَا تُؤْثِرُ أَنْ يُعْمَلَ فِيهِ مِنْ بَعْدِكَ هكذا في ( الطبعة المصرية )(١) ، و لفظ « في مالك » زائدة ، فليس في ابن أبي الحديد(٢) و ابن ميثم(٣) و النسخة الخطية(٤) ، و لا يحتاج المعنى إليه .

« و اعمل فيه ما تؤثر أن يعمل فيه من بعدك » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٥) و الصواب ما في الثلاثة ( و اعمل في مالك ما تؤثر أن يعمل فيه من بعدك ) فبعد عدم وجود « في مالك » أوّلا كما عرفت ، لا بدّ من ذكره هنا ، يعني أن أغلب الأوصياء لا يعملون و يبدلون ، فإن كنت ناصح نفسك فكن أنت المتصدّي لنفسك .

و في ( سبب وقف غيبة الشيخ ) عن الحسين بن أحمد بن فضّال قال :

كنت أرى عند عمّي علي بن فضّال شيخا من أهل بغداد و كان يهازل عمي فقال له يوما : ليس شرّا منكم يا معشر الشيعة قال له : لم لعنك اللَّه ؟ قال : أنا زوج بنت أحمد بن أبي بشر السرّاج قال لي لمّا حضرته الوفاة : كان عندي عشرة آلاف دينار وديعة لموسى بن جعفرعليه‌السلام فدفعت ابنه عنها بعد موته و شهدت أنّه لم يمت ، فاللَّه اللَّه خلّصوني من النار و سلّموها إلى الرّضا قال :

____________________

( ١ ) النسخة المصرية : ٧١٣ رقم ( ٢٥٦ ) .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٩٥ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٥٦٣ رقم ( ٢٤٠ ) النسخة المنقحة مطابقة للنسخة المصرية : ٧١٣ رقم ( ٢٥٦ ) .

( ٤ ) سقط النصّ من النسخة الخطية ( المرعشي ) .

( ٥ ) راجع المصدرين السابقين فهما متطابقين أيضا في التكملة .

٥٤٦

فو اللَّه ما أخرجنا حبة و لقد تركناه يصلى في نار جهنم(١) .

و كان السجادعليه‌السلام : كلّما مرض أوصى بوصية فإذا برى‏ء أجرىعليه‌السلام بنفسه ما أوصى به(٢) .

هذا ، و في كنز الكراجكي قال المفيد : دخل رجل صحيح على مريض فقال له : أوص فقال له : بم أوصي و انّما يرثني زوجتاك و اختاك و خالتاك و عمتاك و جدتاك .

و قال في شرح الكلام : إنّ ذاك المريض كان تزوج جدّتي ذاك الصحيح امّ أمّه و امّ أبيه ، فأولد كلّ واحدة منهما ابنتين فابنتاه من جدته امّ أمّه خالتا ذاك الصحيح و ابنتاه من جدّته امّ أبيه عمتا ذاك ، و تزوج الصحيح جدتي المريض و تزوج أبو المريض ام الصحيح فأولدها ابنتين ، و حينئذ فقد ترك المريض إذا مات أربع بنات هما عمتا الصحيح و خالتاه و ترك جدتيه زوجتي الصحيح و ترك زوجتيه جدتي الصحيح و ترك اختيه لأبيه و هما اختا الصحيح لامه ، فلبناته الثلثان و لزوجتيه الثمن و لجدتيه السدس و لاختيه لأبيه ما بقي .

و هذه القسمة على مذهب العامة دون الخاصة(٣) .

____________________

( ١ ) الغيبة للطوسي : ٦٦ و ٦٧ ، و نقله عنه المجلسي في بحار الأنوار ٤٨ : ٢٥٥ ح ٩ .

( ٢ ) ورد في وسائل الشيعة ٦ : ٣٨٥ في باب جواز رجوع الموصي في الوصية قال علي بن الحسين : لرجل ان يغير وصيته فيعتق من كان أمر بملكه و يملك من كان أمر بعتقه و يعطي من كان حرمه ، و يحرم من كان اعطاء ما لم يمت ، لم نعثر على ما ذكر المؤلف في تراجم الإمام السجادعليه‌السلام .

( ٣ ) كنز الفوائد للكراجكي ١ : ١٠٢ ١٠٣ ، لم يورد العلاّمة التستري الأبيات الشعرية على لسان المريض و هي :

٥٤٧

اتيت الوليد ضحى عائدا

و قد خامر اللكب منه السقاما

فقلت له أوحي فيما تركت

فقال الا قد كفيت الكلاما

ففي عمتيك و في جدتيك

و في خالتيك تركت السواما

و زوجاك حقهما ثابت

و اختاك منه تجوز التماما

هنالك يا ابن أبي خالد

ظفرت بعشر حديث السهاما

٥٤٨

و في ( شعراء القتيبي ) : قيل للحطيئة حين احتضاره : أوص ، فقال : مالي للذكور من ولدي دون الإناث قالوا : فإنّ اللَّه لم يأمر بذلك قال : فإنّي آمر به .

قيل له : قل « لا إله إلاّ اللَّه » قال : ويل للشعر من راوية السوء قيل له : ألا توصي بشي‏ء للمساكين قال : أوصيهم بالمسألة ما عاشوا فإنّها تجارة لن تبور قيل له : أعتق عبدك يسارا قال : هو مملوك ما بقي عبسي قيل له : فلان اليتيم ما توصي له بشي‏ء ؟ قال : أوصيكم أن تأخذوا ماله و تنيكوا امه قيل له : ليس إلاّ هذا قال : إحملوني على حمار فإنّه لم يمت عليه كريم لعلّي أنجو ، ثم قال :

لكلّ جديد لذّة غير أنّني

وجدت جديد الموت غير لذيذ

له خبطة في الحلق ليس بسكّر

و لا طعم راح يشتهى و نبيذ

و مات مكانه(١) .

٦٤ من غريب كلامه رقم ( ٢ ) و في حديثهعليه‌السلام :

هَذَا اَلْخَطِيبُ اَلشَّحْشَحُ أقول : قال ابن أبي الحديد(٢) قال ابن ميثم(٣) : هذه الكلمة لصعصعة بن صوحان العبدي ، و كفى صعصعة بها فخرا أن يكون مثل عليعليه‌السلام يثني عليه بالمهارة و فصاحة اللسان ، و كان صعصعة من أفصح الناس ذكر ذلك الجاحظ(٤) .

____________________

( ١ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ١١٠ ١١١ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ١٠٦ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٣٧١ رقم « ٢ » .

( ٤ ) نقل الجاحظ في البيان و التبيين ١ : ٣٢٧ قول عبيد اللَّه بن زياد بن ظبيان لأشيم بن شقيق بن ثور : أنت يوم القيامة أخطب من صعصعة بن صوحان إذا تكلمت الخوارج ، ثم يقول الجاحظ : فما ظنك ببلاغة رجل عبيد اللَّه بن زياد

٥٤٩

قلت : بل قالعليه‌السلام هذه الكلمة ان صح كونها كلامهعليه‌السلام في شاب من قيس غير معروف ، ففي تاريخ الطبري بعد ذكره خبرا عن كليب الجرمي في أصحاب الجمل إلى أن قال قال كليب و نادىعليه‌السلام بعد ظفره : ألا لا تتبعوا مدبرا و لا تجهزوا على جريح و لا تدخلوا الدور ثم بعث إليهم ان أخرجوا للبيعة ، فبايعهم على الرايات و قال : من عرف شيئا فليأخذه حتى ما بقي في العسكرين شي‏ء إلاّ قبض ، فانتهى إليه قوم من قيس شبان فخطب خطيبهم فقال عليعليه‌السلام :

أين امراؤكم ؟ فقال الخطيب : أصيبوا تحت نظار الجمل ثم أخذ في خطبته فقال عليعليه‌السلام أما ان هذا لهو الخطيب الشحشح .(١) .

و ممّا يشهد انّهعليه‌السلام قال ذلك في خطيب غير معروف الاسم ان الجاحظ قال في الجزء الثاني من بيانه : في حديث عليعليه‌السلام حين رأى فلانا يخطب قال هذا الخطيب الشحشح(٢) .

و قال ابن الأثير في نهايته : في حديث عليعليه‌السلام انّه رأى رجلا يخطب فقال « هذا الخطيب الشحشح » أي : الماهر الماضي في الكلام .(٣) .

و لو كانعليه‌السلام قال هذا الكلام في معروف مثل صعصعة لقالا : رأى صعصعة ، و ابن الأثير رأى كتب جميع من صنف في الغريب و ذكر هذا الحديث فيه فيعلم انّه لم يعينه أحد .

و أما ما قاله ابن أبي الحديد من قوله « ذكر ذلك الجاحظ » مشيرا إلى يضرب به المثل ، ثم قال : و إنّما أردنا بهذا الحديث خاصة ، الدلالة على تقديم صعصعة بن صوحان في الخطب .

____________________

( ١ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري : كان في سيرة على أن لا يقتل مدبرا و لا يذفف على جريح و لا يكشف سترا و لا يأخذ مالا . إلى آخره ٣ : ٢٢٣ ، و ذكر في ٣ : ٢٢٢ قول الإمام عليعليه‌السلام أن من عرف شيئا فليأخذه الاّ سلاحا . إلى آخره أما بقية ما أورده العلاّمة التستري فهو زيادة على النصّ المذكور راجع الطبري ٣ : ٢٢٢ ٢٢٣ .

( ٢ ) لم يوجد في الهوامش يراجع : ٢٦٧ في الأصل .

( ٣ ) نهاية ابن الأثير ٢ : ٤٤٩ .

٥٥٠

جميع ما قاله(١) ، فإنّما يصح منه ان الجاحظ قال : ان صعصعة كان من أفصح الناس و كفاه فخرا ان يكون مثل عليعليه‌السلام يثنى عليه بالمهارة ، دون كون الجاحظ قال إنّهعليه‌السلام قال تلك الكلمة لصعصعة ، و هذا نص الجاحظ في بيانه في الجزء الأول : قال أشيم بن شقيق بن ثور لعبيد اللَّه بن زياد بن ظبيان : ما أنت قائل لربّك و قد حملت رأس مصعب إلى عبد الملك ؟ قال : اسكت فأنت يوم القيامة أخطب من صعصعة إذا تكلمت الخوارج ، فما ظنّك ببلاغة رجل مثل عبيد اللَّه بن زياد بن ظبيان يضرب به المثل(٢) ، و إنّما أردنا بهذا الحديث خاصة الدلالة على تقديم صعصعة في الخطب ، و أولى من كلّ دلالة استنطاق عليعليه‌السلام له .

فترى الجاحظ إنّما قال : إن قاتل مصعب ضرب المثل بخطيبية صعصعة ثم قال أولى من كلّ دلالة على خطيبية صعصعة استنطاقهعليه‌السلام له لا أنّهعليه‌السلام قال فيه « هو خطيب شحشح » ، و قد روى قول قاتل مصعب ( الأغاني ) أيضا فقال : قال رجل لعبيد اللَّه : بما ذا تحتجّ عند ربك من قتلك لمصعب فقال :

ان تركت أحتجّ رجوت أن أكون أخطب من صعصعة بن صوحان(٣) .

ثم الظاهر أصحية رواية ( الأغاني ) أن يكون قاتل مصعب قال : أنا أخطب من صعصعة ، من رواية البيان : أنت أخطب من صعصعة ، بشهادة السياق .

ثم الظاهر أن مراد الجاحظ من قوله : « و أولى من كلّ دلالة استنطاق عليعليه‌السلام له » ما رواه ( المروج ) أنّهعليه‌السلام بعد الجمل قال لصعصعة و نفرين

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٩ : ١٠٦ .

( ٢ ) البيان و التبيين للجاحظ ١ : ٣٢٧ .

( ٣ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٣٨ .

٥٥١

آخرين معه : أشيروا عليّ في أمر معاوية فقال صعصعة : الرأي أن ترسل إليه عينا من عيونك وثقة من ثقاتك بكتاب تدعوه إلى بيعتك ، فإن أجاب و إلاّ جاهدته فقال عليعليه‌السلام : عزمت عليك يا صعصعة إلاّ كتبت الكتاب بيدك و توجّهت به إلى معاوية و اجعل صدر الكتاب تحذيرا و تخويفا و عجزه استتابة و استنابة إلى أن قال ثم اكتب ما أشرت به عليّ و اجعل عنوان الكتاب( ألا إلى اللَّه تصير الاُمور ) (١) قال : اعفني من ذلك قال : عزمت عليك لتفعلن قال : أفعل ، فخرج بالكتاب إلى أن قال فقال معاوية لشي‏ء ما سوّده قومه ، وددت و اللَّه أنّي من صلبه ثم التفت إلى بني اميّة فقال هكذا فلتكن الرجال(٢) .

و بالجملة لا ريب في أنّ هذا الكلام إنّما قالهعليه‌السلام إن ثبت صحّة نسبته إليهعليه‌السلام في خطيب من أعدائه من أصحاب الجمل كما عرفت ، كما لا ريب في أنّ الجاحظ إنّما قال بتقديم صعصعة في الخطب لضرب المثل به و لأنّهعليه‌السلام استنطقه و استكتبه دون أن يقول : إنّهعليه‌السلام قال ذلك الكلام فيه .

و ممّا يشهد لمسلّميّة مقام صعصعة في الخطابة ما في ( الطبري ) في قصة خروج المستورد الخارجي على المغيرة أيام امارته على الكوفة من قبل معاوية و تعيين المغيرة أوّلا معقل بن قيس من الشيعة لحربه قال مرّة بن منقذ فقال صعصعة بعد معقل و قال : إبعثني إليهم أيّها الأمير فأنا و اللَّه لدمائهم مستحل و بحملها مستقل فقال المغيرة : إجلس فإنّما أنت خطيب فكان أحفظه ذلك و إنّما قال المغيرة ذلك لأنّه بلغه أن صعصعة يعيب عثمان و يكثر ذكر عليعليه‌السلام و يفضّله و قد كان دعاه و قال له : إيّاك أن يبلغني عنك أنّك تعيب

____________________

( ١ ) الشورى : ٥٣ .

( ٢ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٣٨ .

٥٥٢

عثمان عند أحد من الناس ، و إيّاك أن يبلغني عنك أنّك تظهر شيئا من فضل علي علانية ، فإنّك لست بذاكر من فضل عليّ شيئا أجهله بل أنا أعلم بذلك ، و لكن هذا السلطان قد ظهر و قد أخذنا بإظهار عيبه للناس فنحن ندع كثيرا ممّا أمرنا به و نذكر الشي‏ء الذي لا نجد بدا منه ندفع هؤلاء القوم عن أنفسنا تقيّة ، فإن كنت ذاكرا فضله فاذكره بينك و بين أصحابك و في منازلكم سرّا ، و أمّا علانية في المسجد فإنّ هذا لا يحتمله الخليفة لنا و لا يعذرنا فيه .

فكان صعصعة يقول : نعم افعل ، ثم يبلغه أنّه قد عاد إلى ما نهاه عنه ، فلمّا قام إليه و قال له : إبعثني إليهم ، و جد المغيرة قد حقد عليه خلافه إيّاه ، فقال له ما قال « إجلس ، فإنّما أنت خطيب » فقال له صعصعة : أو ما أنا إلاّ خطيب ، أجل و اللَّه أنا الخطيب الصليب الرئيس ، أما و اللَّه لو شهدتني تحت راية عبد القيس يوم الجمل حيث اختلف القنا فشؤن تفرى و هامة تختلى لعلمت أنّي أنا اللّيث الهزبر فقال له المغيرة : حسبك الآن ، لعمري لقد أوتيت لسانا فصيحا(١) .

و في ( ديوان معاني العسكري ) : تكلّم صعصعة عند معاوية بكلام أحسن فيه ، فحسده عمرو بن العاص فقال : هذا بالتمر أبصر منه بالكلام فقال صعصعة ، أجل أجوده ما دق نواه و رق سحاؤه و عظم لحاؤه و الريح تنفجه و الشمس تنضجه و البرد يدمجه ، و لكنك يابن العاص لا تمرا تصف و لا الخير تعرف بل تحسد فتقرف(٢) فقال معاوية لعمرو : رغما لك فقال عمرو :

و أضعاف الرغم لك و ما بي إلاّ بعض ما بك(٣) .

و في ( عقد ابن عبد ربه ) : قال عبد الملك في عبد القيس : أشد الناس

____________________

( ١ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٤ : ١٤٤ .

( ٢ ) أي تقذف .

( ٣ ) ديوان المعاني للعسكري ٢ : ٤١ .

٥٥٣

و أسخى الناس و أطوع الناس في قومه و أحلم الناس و أحضرهم جوابا و أخطب الناس ، أمّا أحضرهم جوابا فصعصعة .(١) .

و فيه دخل صعصعة على معاوية و ابن العاص جالس معه على سريره فقال له : وسع له على ترابيّة فيه فقال صعصعة : إني و اللَّه لترابي ، منه خلقت و إليه أعود و منه ابعث ، و إنّك لمارج من نار فقال له معاوية : إنّما أنت هاتف بلسانك لا تنظر في أود الكلام و استقامته ، فإن كنت تنظر في ذلك فأخبرني عن أفضل المال ، فقال : و اللَّه إنّي لأدع الكلام حتى يختمر في صدري ثم أذهب و لا أهتف به حتى أقيم أوده و اجيز متنه ، و ان أفضل المال لبرة سمراء في برية غبراء ، أو نعجة صفراء في نبعة خضراء ، أو عين فوّارة في أرض خوّارة فقال معاوية : للَّه أنت فأين الذهب و الفضة ؟ قال : حجران يصطكّان ، إن أقبلت عليهما نفدا و إن تركتهما لم يزيدا(٢) .

و في ( المروج ) : حبس معاوية صعصعة و ابن الكوّاء و رجالا من أصحاب عليعليه‌السلام مع رجال من قريش ، فدخل عليهم يوما فقال : نشدتكم باللَّه إلاّ ما قلتم حقّا و صدقا ، أيّ الخلفاء رأيتموني إلى أن قال فقال صعصعة :

تكلّمت يا ابن أبي سفيان فأبلغت و لم تقصر عمّا أردت و ليس الأمر على ما ذكرت ، أنّى يكون خليفة من ملك الناس قهرا و دانهم كبرا و استولى بأسباب الباطل كذبا و مكرا ، أما و اللَّه مالك في يوم بدر مضرب و لا مرمى ، و ما كنت فيه إلاّ كما قال القائل « لا حلّي و لا سيري » ، و لقد كنت و أبوك في العير و النفير ممّن أجلب على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، و إنّما أنت طليق ابن طليق أطلقكما الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

( ١ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٤ : ٣٦٧ ، أما أشد الناس فحكم بن جبل ، و أمّا أسخى الناس فعبد اللَّه بن سوار و أمّا أطوع الناس فالجارود بشر بن العلاء .

( ٢ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٥ : ١١٥ ( دار الكتب العلمية ) .

٥٥٤

و أنّى تصلح الخلافة لطليق(١) .

( و فيه ) قال معاوية يوما و عنده صعصعة و كان قدم عليه بكتاب عليعليه‌السلام و عنده وجوه الناس : الأرض للَّه و أنا خليفة اللَّه ، فما آخذ من مال اللَّه فهو لي و ما تركت منه كان جايزا لي فقال صعصعة :

تمنيّك نفسك ما لا يكون

جهلا معاوي لا تأثم

فقال معاوية : يا صعصعة تعلمت الكلام قال صعصعة : العلم بالتعلّم و من لا يعلم يجهل قال معاوية : ما أحوجك إلى أن اذيقك و بال أمرك قال : ليس ذلك بيدك ، ذاك بيد الذي لا يؤخّر نفسا إذا جاء أجلها قال : و من يحول بيني و بينك ؟ قال : الذي يحول بين المرء و قلبه قال معاوية : إتّسع بطنك للكلام كما اتّسع بطن البعير للشعير قال صعصعة : إتّسع بطن من لا يشبع و دعا عليه من لا يجمع(٢) .

( و فيه ) إن معاوية قال لابن عباس : ميّز لي أصحاب عليّعليه‌السلام و ابدأ بآل صوحان فإنّهم مخاريق الكلام قال : أمّا صعصعة فعظيم الشأن عضب اللّسان قائد فرسان قاتل أقران ، يرتق ما فتق و يفتق ما رتق قليل النظير(٣) .

و يكفيه أنّ مثل ابن عباس مع مقامه في الخطابة و الأدب كان يسأله عن أمور كثيرة و يجيبه ، فقال له : أنت يا ابن صوحان باقر علم العرب و لمّا سأله عن السؤدد و المروة فأجابه و أنشده أبياتا في ذلك من مرّة بن ذهل بن شيبان قال ابن عباس : لو أنّ رجلا ضرب آباط الإبل مشرقا و مغربا لفائدة هذه الأبيات ما عنّقته(٤) .

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٥٠ .

( ٢ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٥٠ .

( ٣ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٤٦ .

( ٤ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٤٦ .

٥٥٥

هذا و في ( بيان الجاحظ ) ذكر عليعليه‌السلام أكتل(١) فقال : « الصبيح الفصيح »(٢) .

و في ( الاستيعاب ) : أكتل من شماخ ، نسبه ابن الكلبي إلى عوف بن عبد مناة بن طابخة ، و قال : كان عليعليه‌السلام إذا نظر إليه قال : من أحبّ أن ينظر إلى الصبيح الفصيح فلينظر إلى أكتل بن شماخ(٣) .

قال المصنف ( يريد : الماهر بالخطبة الماضي فيها ، و كل ماض في كلام أو سير فهو شحشح ) قلت : أو في طيران فيقال قطاة شحشح أي سريع الطيران .

( و الشحشح في غير هذا الموضع البخيل الممسك ) .

قلت : و الفيروز آبادي ذكر للشحشح غير ما ذكر معاني اخر ، فقال :

الشحشح الفلاة الواسعة و السيّ‏ء الخلق و الشجاع و الغيور ، و من الغربان :

الكثير الصوت ، و من الأرض : ما لا تسيل إلاّ من مطر كثير و التي تسيل من أدنى مطر ضد ، و من الحمير : الخفيف ، و من القطا السريعة و الطويل(٤) .

٦٥ من غريب كلامه رقم ( ٣ ) و في حديثهعليه‌السلام :

إِنَّ لِلْخُصُومَةِ قُحَماً أقول : قال ابن أبي الحديد : هذه الكلمة قالهاعليه‌السلام حين وكّل عبد اللَّه بن

____________________

( ١ ) و هو أكتل بن شماخ بن زيد بن شداد العكلي ، شهد الجسر مع أبي عبيدة ، و أسر يومئذ و ضرب عنقه ، و شهد القادسية ، الإصابة في تمييز الصحابة ١ : ٤٨١ .

( ٢ ) البيان و التبيين للجاحظ ٢ : ١٧٢ .

( ٣ ) الاستيعاب لابن عبد البرّ ١ : ٤٣ ، الترجمة رقم ( ١٥٨ ) .

( ٤ ) القاموس المحيط للفيروز آبادي ١ : ٢٣٠ .

٥٥٦

جعفر في الخصومة عنه(١) .

و قال ابن ميثم : يروى أنّهعليه‌السلام وكّل أخاه في خصومة و قال : إن لها تقحّما و إنّ الشيطان يحضرها(٢) .

و في ( المستجاد ) دخل عمارة بن حمزة على المنصور فقعد في مجلسه ، فقام رجل فقال للمنصور : مظلوم قال : من ظلمك قال عمارة :

غصبني ضيعتي فقال المنصور : قم يا عمارة فاقعد مع خصمك فقال : ما هو لي بخصم قال : و كيف ذلك ؟ قال : ان كانت الضيعة له فلست انازعه و ان كانت لي فهي له ، و لا أقوم من مجلس قد شرّفني به الخليفة أمير المؤمنين و أقعد في أدنى منه بسبب ضيعة(٣) .

قال المصنف : ( يريد بالقحم المهالك لأنّها تقحم أصحابها في المهالك و المتالف في الأكثر ) في ( النهاية ) : اقتحم الأمر العظيم و تقحّمه ، إذا رمى نفسه فيه من غير رويّة ، و القحمة الورطة و الهلكه ، و منه حديث عليعليه‌السلام « ان للخصومة قحما »(٤) .

« و من ذلك قحمة الاعراب و هو ان تصيبهم السنة » أي : سنة القحط .

« فتتعرق أموالهم » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٥) و الصواب ما في ابن أبي الحديد(٦) و ابن ميثم(٧) ( فتتقرف أموالهم ) .

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٩ : ١٠٧ .

( ٢ ) شرح نهج البلاغة لابن ميثم ٥ : ٣٧٢ .

( ٣ ) المستجاد للتنوخي : ١٩٣ ١٩٤ .

( ٤ ) النهاية لابن الأثير ١ : ١٨ .

( ٥ ) النسخة المصرية : ٧١٥ شرح محمّد عبده .

( ٦ ) في شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ١٠٧ بلفظ « فتتفرق » .

( ٧ ) نسخة ابن ميثم المنقحة مطابقة للنسخة المصرية ٥ : ٣٧٢ .

٥٥٧

« فذلك تقحمها » أي : تقحّم السنة .

« فيهم » أي : في الاعراب .

« و قيل فيه » أي : في قول قحمة الاعراب .

« وجه آخر و هو أنّها تقحمهم » أي : تدخلهم .

« بلاد الريف » أي : الخصب .

« أي تحوجهم إلى دخول الحضر عند محول البدو » أي : قحط البادية .

قلت : و يشهد لكونه هو الوجه قولهم : « أقحمت السنة نابغة بني جعدة » أي : أخرجته من البادية و أدخلته الحضر .

٦٦ الحكمة ( ٢٩٨ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ بَالَغَ فِي اَلْخُصُومَةِ أَثِمَ وَ مَنْ قَصَّرَ فِيهَا ظُلِمَ وَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَّقِيَ اَللَّهَ مَنْ خَاصَمَ أقول : قال ابن أبي الحديد هذا مثل قولهعليه‌السلام في موضع آخر : « الغالب بالشرّ مغلوب »(١) و كان يقال : ما تسابّ اثنان إلاّ غلب ألامهما(٢) .

قلت : و أين ما ذكره ممّا قالهعليه‌السلام و إنّما كلامه هنا مثل قوله قبل : « إنّ للخصومة قحما » ، و كأنّ هذا تفصيل لإجمال ذاك ، و المراد بالخصومات التي ترفع إلى القضاة لا التسابّ الخارجي و يصير الرجل في خصومات القضاة موهونا اضافة إلى ما ذكره ، و لذا كان بعض الشرفاء يتركون حقّهم مع كون ادعائهم حقّا و يخسرون مع كون الادعاء باطلا حتى يخلصوا من الخصومة .

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٩ : ٢٠٤ ، و هو من الكلمات القصار .

( ٢ ) المصدر نفسه .

٥٥٨

٦٧ الحكمة ( ٢٦٥ ) و قالعليه‌السلام :

إِنَّ كَلاَمَ اَلْحُكَمَاءِ إِذَا كَانَ صَوَاباً كَانَ دَوَاءً وَ إِذَا كَانَ خَطَأً كَانَ دَاءً أي : إن صواب كلامهم دواء لباقي الناس من أمراضهم الباطنية ، كما أنّ خطأ كلامهم يولّد فيهم أمراضا حادثة ، فإنّ عامة الناس ينظرون إلى القائل و ليسوا هم أهل التمييز .

و مثل قول الحكماء علم العلماء ، فإنّه إذا كان مقرونا بالعمل يكون دواء و إذا كان عاريا عنه كان داء(١) .

و في ( الكافي ) قال عيسىعليه‌السلام للحواريين : بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبّر ، و كذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل(٢) ، و قالت الحواريون لعيسىعليه‌السلام : من نجالس ؟ قال : من يذكّركم اللَّه رؤيته و يزيدكم في علمكم منطقه ، و يرغّبكم في الآخرة عمله(٣) .

و أوحى اللَّه تعالى إلى داودعليه‌السلام : لا تجعل بيني و بينك عالما مفتونا بالدنيا فيصدّك عن طريق محبتي ، فإنّ اولئك قطّاع طريق عبادي المريدين ، إنّ أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة مناجاتي من قلوبهم(٤) .

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدّنيا باتّباع السلطان ، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم(٥) .

____________________

( ١ ) ذكر ابن أبي الحديد في شرحه ١٩ : ٢٠٤ ما يشابه ذلك .

( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ٣٧ ح ٦ .

( ٣ ) الكافي للكليني ١ : ٣٩ ح ٣ و هو عن أبي عبد اللَّه عن الرسول صلّى اللَّه عليه و آله .

( ٤ ) الكافي للكليني ١ : ٤٦ ح ٤ .

( ٥ ) الكافي للكليني ١ : ٤٦ ح ١ .

٥٥٩

و عن الصادقعليه‌السلام : إنّ العالم إذا لم يعمل بعلمه زلّت موعظته عن القلوب كما يزل المطر عن الصفا(١) .

٦٨ الحكمة ( ٢٩٦ ) وَ قَالَ ع لِرَجُلٍ يَسْعَى

 عَلَى عَدُوٍّ لَهُ بِمَا فِيهِ إِضْرَارٌ بِنَفْسِهِ إِنَّمَا أَنْتَ كَالطَّاعِنِ نَفْسَهُ لِيَقْتُلَ رِدْفَهُ أقول : الظاهر أنّ الأصل في هذا الكلام ما رواه الطبري عن سيف باسناده : أنّ الناس كانوا في الوليد فرقتين : العامة معه و الخاصة عليه ، حتى كانت صفّين فولّى معاوية فجعلوا يقولون : عيب عثمان بالباطل ، فقال لهم علي : إنّكم و ما تعيّرون به عثمان كالطّاعن نفسه ليقتل ردفه ، و ما ذنب عثمان في رجل قد ضربه بقوله و عزله عن عمله ، و ما ذنب عثمان فيما صنع عن أمرنا(٢) .

و الخبر كما ترى محرّف لا يفهم منه محصل ، ثم جميع ما يرويه الطبري عن سيف أمور منكرة خلاف ما يرويه الخاصة و العامّة(٣) ، و منها هذا الخبر فإنّ ضرب عثمان الوليد بن عقبة أخاه الرضاعي لمّا شكا أهل الكوفة صلاته بهم سكران و صلاته بهم الصبح أربعا و تغنّيه في الصّلاة إنّما كان بإجبار أمير المؤمنينعليه‌السلام له ، و كيف يعقل أن يعيب أحد عثمان بضربه الحدّ حتى ينكرعليه‌السلام ذلك ، و إنّما عابوا عثمان بتوليته مثل الوليد و آبائه عن إجراء الحد عليه حتى أنّبهعليه‌السلام بتضييعه حد اللَّه ، و تصدّىعليه‌السلام لضربه رغما لعثمان

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ١ : ٤٤ ح ٣ .

( ٢ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٢ : ٦١٢ .

( ٣ ) للسيد مرتضى العسكري بحث مطولة في هذا المضمار راجع كتابه « عبد اللَّه بن سبأ » .

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

٨١٩ ـ خبر ابن حوزة :(مناقب آل أبي طالب ، ج ٣ ص ٢١٤ ط نجف)

عن ابن بطّة في (الإبانة) وابن جرير في تاريخه : أن ابن حوزة نادى الحسينعليه‌السلام ، فقال : يا حسين أبشر ، فقد تعجّلت النار في الدنيا قبل الآخرة.قال : ويحك أنا!. قال : نعم. قال : ولي رب رحيم ، وشفاعة نبي مطاع. الله م إن كان عبدك كاذبا فجرّه (أو : فحزه) إلى النار. قال : فما هو إلا أن ثنى عنان فرسه ، فوثب فرمى به ، وبقيت رجله في الركاب ، ونفر الفرس فجعل يضرب برأسه كل حجر وشجر ، حتّى مات.

(وفي رواية) : الله م جرّه إلى النار ، وأذقه حرّها في الدنيا قبل مصيره إلى الآخرة. فسقط عن فرسه في الخندق ، وكان فيه نار. فسجد الحسينعليه‌السلام .

(وفي كامل ابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٨٩) :

فقالعليه‌السلام : الله م حزه إلى النار. فغضب ابن حوزة من دعاء الحسينعليه‌السلام وكان بينه وبين الحسين نهر ، فعلقت قدمه بالركاب ، وجالت به الفرس فسقط عنها ، فانقطعت فخذه وساقه وقدمه ، وبقي جنبه الآخر متعلقا بالركاب ، يضرب به كل حجر وشجر ، حتّى مات.

٨٢٠ ـ اهتداء مسروق بن وائل الحضرمي :(المصدر السابق)

وكان مسروق بن وائل الحضرمي قد خرج معهم ، وقال : لعلّي أصيب رأس الحسينعليه‌السلام ، فأصيب به منزلة عند ابن زياد!. فلما رأى ما صنع الله بابن حوزة بدعاء الحسينعليه‌السلام رجع ، وقال : لقد رأيت من أهل هذا البيت شيئا ، لا أقاتلهم أبدا.

يقول السيد عبد الكريم الحسيني القزويني في (الوثائق الرسمية) ص ١٦٤ :

وانتهت هذه الواقعة بشقاوة ابن حوزة ، وكرامة للحسينعليه‌السلام ، وهداية لابن وائل ، فهي شقاوة وكرامة وهداية.

٨٢١ ـ تميم بن الحصين الفزاري يتوعد الحسينعليه‌السلام بعدم ذوق الماء :

(أمالي الشيخ الصدوق ، ص ١٣٤ ط بيروت)

ثم برز من عسكر عمر بن سعد رجل آخر يقال له : تميم بن الحصين الفزاري ، فنادى : يا حسين ويا أصحاب الحسين ، أما ترون إلى ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيّات! والله لا ذقتم منه قطرة حتّى تذوقوا الموت جزعا. فقال الحسينعليه‌السلام :

٦٦١

من الرجل؟. فقيل : تميم بن حصين. فقال الحسينعليه‌السلام : هذا وأبوه في النار.الله م اقتل هذا عطشا في هذا اليوم. فخنقه العطش ، حتّى سقط عن فرسه ، فوطئته الخيل بسنابكها فمات.

٨٢٢ ـ محمّد بن الأشعث ينفي قرابة الحسينعليه‌السلام للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعاء مولانا الحسين عليه ، فمات بادي العورة :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٩)

ثم رفع الحسينعليه‌السلام صوته وقال : الله م إنا أهل بيت نبيك وذريته وقرابته ، فاقصم من ظلمنا وغصبنا حقنا ، إنك سميع قريب. فسمعها محمّد بن الأشعث ، فقال : يا حسين وأي قرابة بينك وبين محمّد؟ فقال الحسين : الله م إن محمّد بن الأشعث يقول إنه ليس بيني وبين رسولك قرابة ، الله م فأرني فيه هذا اليوم ذلا عاجلا فما كان بأسرع من أن تنحّى محمّد بن الأشعث وخرج من المعسكر ، فنزل عن فرسه وإذا بعقرب سوداء خرجت من بعض الحجرة فضربته ضربة تركته متلوثا في ثيابه مما به.

(وفي لواعج الأشجان ، ص ١٥١) أن محمّدا بن الأشعث قال : يا حسين أي حرمة لك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليست لغيرك؟. فتلا الحسينعليه‌السلام :( إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٣)ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ ) [آل عمران : ٣٣ ـ ٣٤]. ثم قال : وإن محمدا لمن آل إبراهيم.

ثم رفع الحسينعليه‌السلام رأسه إلى السماء فقال : الله م أر محمدا بن الأشعث ذلا في هذا اليوم لا تعزّه بعده أبدا. فعرض له عارض ، فخرج من المعسكر يتبرّز ، فسلّط الله عليه عقربا فلدغته ، فمات بادي العورة.

(وفي رواية ابن شهراشوب في المناقب ، ج ٣ ص ٢١٥ ط نجف) :

فبرز ابن الأشعث للحاجة ، فلسعته عقرب على ذكره ، فسقط وهو يستغيث ، ويتقلّب على حدثه.

٦٦٢

ترجمة محمّد بن الأشعث

(أسرة الغدر)

(وسيلة الدارين في أنصار الحسين ، ص ٨٧)

والده الأشعث بن قيس الكندي.

روى ابن عبد البرّ في (الاستيعاب) وابن حجر العسقلاني في (الإصابة) قال : إن الأشعث بن قيس أسلم في زمان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم ارتدّ بعده. فأسره أبو بكر ، فرجع إلى الإسلام ، وزوّجه أبو بكر أخته أم فروة ، فولدت منه محمّد بن الأشعث الّذي قاتل الحسينعليه‌السلام يوم كربلاء.

وقد كان الأشعث في صفوف الإمام عليعليه‌السلام يدّعي نصرته وينافق لمعاوية. وكان له دور في صفين في تأليب الناس ضدّ الإمامعليه‌السلام لقبوله التحكيم ، ليخلق الفتنة بين المسلمين.

وعن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : «إن الأشعث كان من مشاوري عبد الرحمن بن ملجم المرادي في قتل الإمام عليعليه‌السلام ، وسمّت بنته جعدة الإمام الحسنعليه‌السلام ، وقاتل ابنه الخبيث محمّد بن الأشعث الإمام الحسينعليه‌السلام يوم الطف». فيا لها من عائلة مجرمة.

خطبة الحسين الأولى يوم عاشوراء

٨٢٣ ـ نسبه ومكانته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٧٨)

ثم دعا الحسينعليه‌السلام براحلته فركبها ، ونادى بصوت عال يسمعه جلّهم :

أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتّى أعظكم بما هو حقّ لكم عليّ ، وحتى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم. فإن قبلتم عذري وصدّقتم قولي ، وأعطيتموني النّصف من أنفسكم ، كنتم بذلك أسعد ، ولم يكن لكم عليّ سبيل ، وإن لم تقبلوا مني العذر ولم تعطوا النّصف من أنفسكم( فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ ) (٧١) [يونس : ٧١].( إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ) (١٩٦) [الأعراف : ١٩٦].

٦٦٣

ثم حمد الله وأثنى عليه وصلّى على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى الملائكة والأنبياء ، وقال في ذلك ما لا يحصى ذكره ، ولم يسمع متكلم قبله ولا بعده أبلغ منه في منطقه(١) ثم قال :

الحمد لله الّذي خلق الدنيا ، فجعلها دار فناء وزوال ، متصرّفة بأهلها حالا بعد حال. فالمغرور من غرّته ، والشقيّ من فتنته. فلا تغرّنكم هذه الدنيا ، فإنها تقطع رجاء من ركن إليها ، وتخيّب طمع من طمع فيها. وأراكم قد اجتمعتم على أمر قد أسخطتم الله فيه عليكم ، وأعرض بوجهه الكريم عنكم ، وأحلّ بكم نقمته ، وجنّبكم رحمته ، فنعم الربّ ربّنا ، وبئس العبيد أنتم. أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم إنكم زحفتم إلى ذريته وعترته تريدون قتلهم!. لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم. فتّبا لكم ولما تريدون. إنا لله وإنا إليه راجعون.هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم فبعدا للقوم الظالمين(٢) .

فقال ابن سعد : ويلكم كلّموه ، فإنه ابن أبيه. والله لو وقف فيكم هكذا يوما جديدا لما انقطع ولما حصر.

فتقدم شمر فقال : يا حسين ما هذا الّذي تقول؟. أفهمنا حتّى نفهم.

(وفي سير أعلام النبلاء للذهبي ، ج ٣ ص ٣٠١) :

«فقالعليه‌السلام : لا تعجلوا ، والله ما أتيتكم حتّى أتتني كتب أماثلكم ، بأنّ السّنّة قد أميتت ، والنفاق قد نجم ، والحدود قد عطّلت ، فاقدم لعل الله يصلح بك الأمة ، فأتيت. فإذ كرهتم ذلك ، فأنا أرجع».

ثم قالعليه‌السلام : أيها الناس ، انسبوني من أنا ، ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها ، وانظروا هل يحلّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟. ألست ابن بنت نبيكم وابن وصيّه وابن عمه ، وابن أول المؤمنين بالله والمصدّق لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبما جاء به من عند ربه؟.أوليس حمزة سيد الشهداء عمّ أبي؟. أو ليس جعفر الطيار عمي؟. أو لم

__________________

(١) أورد المقرم في مقتله هذه الفقرة نقلا عن الطبري ج ٦ ص ٢٤٢ ، ولم يوردها الخوارزمي في مقتله.

(٢) أورد المقرم هذه الفقرة نقلا عن مقتل محمّد بن أبي طالب ، وأوردها الخوارزمي ج ١ ص ٢٥٢ ليلة العاشر وليس يوم عاشوراء. كما أوردها ابن شهراشوب في مناقبه ج ٣ ص ٢٤٩ ط نجف.

٦٦٤

يبلغكم قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لي ولأخي : هذان سيّدا شباب أهل الجنة؟.(وفي رواية أبي مخنف : وقوله إني مخلّف فيكم الثّقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي؟).فإن صدّقتموني بما أقول وهو الحق ، فوالله ما تعمّدت الكذب منذ علمت أن الله يمقت عليه أهله ، ويضرّ به من اختلقه. وإن كذّبتموني فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري ، وأبا سعيد الخدري ، وسهيل بن سعد الساعدي ، والبراء بن عازب(١) ، وزيد بن أرقم ، وأنس بن مالك ، يخبرونكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لي ولأخي. أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي(٢) ؟.

ـ مقاطعة الشمر لخطبة الحسينعليه‌السلام :

فقال الشمر : هو يعبد الله على حرف(٣) إن كان يدري ما تقول!. فقال له حبيب:والله إني أراك تعبد الله على سبعين حرفا(٤) ، وأنا أشهد أنك صادق ما تدري ما يقول ، قد طبع الله على قلبك.

(وفي تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٦٣) :

«فناداه شمر : الساعة ترد الهاوية. فقال الحسينعليه‌السلام : الله أكبر. أخبرني جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «رأيت كأن كلبا ولغ في دماء أهل بيتي». وما إخالك إلا إياه.

فقال شمر : أنا أعبد الله على حرف [أي على شبهة] إن كنت أدري ما تقول».

(وفي مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٥٣) :

«فقال الشمر للحسينعليه‌السلام : يا حسين بن علي ، أنا أعبد الله على حرف إن كنت

__________________

(١) البراء بن عازب مذكور في مقتل ابن نما خاصة ، وتجد ترجمته فيما يأتي.

(٢) أورد أبو مخنف هذه الفقرة في مقتله ص ٥٤ قبل يوم عاشوراء. وكذلك الخوارزمي في مقتله ج ١ ص ٢٥٣ بتحريف بسيط.

(٣) قال تعالى في سورة الحج الآية ١١ :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ ، فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ، وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ ، خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ، ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ ) . وتفسيرها : أنّ من الناس من يعبد الله على ضعف ، كضعف القائم على حرف أي على طرف جبل. وقيل على حرف : أي على شك. وقيل من يعبد الله بلسانه دون قلبه ، فإن أصابه خير اطمأن به ، وإن أصابه بلاء واختبار انقلب على وجهه.

(٤) يعبد الله على سبعين حرفا : أي هائم في طرق الضلال والشبهات ، يعبد الله على سبعين شبهة.

٦٦٥

أدري ما تقول. فسكت الحسينعليه‌السلام . فقال حبيب بن مظاهر للشمر : يا عدو الله وعدو رسوله ، إني لأظنك تعبد الله على سبعين حرفا ، وأنا أشهد أنك لا تدري ما يقول ، فإن الله تبارك وتعالى قد طبع على قلبك.

فقال له الحسينعليه‌السلام : حسبك يا أخا بني أسد ، فقد قضي القضاء وجفّ القلم والله بالغ أمره. والله إني لأشوق إلى جدي وأبي وأمي وأخي وأسلافي ، من يعقوب إلى يوسف وأخيه ، ولي مصرع أنا لاقيه».

ثم قال الحسينعليه‌السلام : فإن كنتم في شكّ من هذا القول ، أفتشكّون أني ابن بنت نبيكم؟. فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبيّ غيري ، فيكم ولا في غيركم ويحكم أتطلبوني بقتيل فيكم قتلته ، أو بمال استهلكته ، أو بقصاص من جراحة؟. فأخذوا لا يكلمونه.

ثم نادى : يا شبث بن ربعي ويا حجّار بن أبجر ويا قيس بن الأشعث ويا زيد بن الحارث ، ألم تكتبوا إليّ أن اقدم ، فقد أينعت الثمار واخضرّ الجناب ، وإنما تقدم على جند لك مجنّدة؟!. فقالوا : لم نفعل. قالعليه‌السلام : سبحان الله ، بلى والله لقد فعلتم.

(وفي رواية تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٦٢ ط ٢ نجف) :

«أنه نادى : يا شبث بن ربعي ، ويا حجّار بن أبجر ، ويا قيس بن الأشعث ، ويا زيد بن الحرث ، ويا فلان ويا فلان ، ألم تكتبوا إليّ؟. فقالوا : ما ندري ما تقول!.

وكان الحر بن يزيد اليربوعي من ساداتهم ، فقال له : بلى والله لقد كاتبناك ، ونحن الذين أقدمناك ، فأبعد الله الباطل وأهله».

ثم قالعليه‌السلام : أيها الناس إذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمن من الأرض. فقال له قيس بن الأشعث : ما ندري ما تقول ، ولكن انزل على حكم بني عمك ، فإنهم لن يروك إلا ما تحب ، ولن يصل إليك منهم مكروه. فقال له الحسينعليه‌السلام : أنت أخو أخيك ، أتريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل؟ لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفرّ فرار العبيد(١) .(وفي رواية :ولا أقرّ إقرار العبيد).

__________________

(١) مثير الأحزان لابن نما ، ص ٢٦.

٦٦٦

ثم نادى : يا عباد الله( وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ ) (٢٠) [الدخان : ٢٠]. أعوذ بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب(١) .

ترجمة البراء بن عازب

هو البراء بن عازب بن الحرث بن عدي الأنصاري الأوسي ، يكنى أبا عامر. صحابي ابن صحابي. استصغر يوم بدر ، وشهد أحدا. وكان من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام . قال أبو عمرو بن عبد البر في (الاستيعاب) :شهد مع عليعليه‌السلام الجمل وصفين والنهروان ، ثم نزل الكوفة ومات بها أيام مصعب بن الزبير سنة ٧٢ ه‍.

وقال العلامة الحلي : البراء بن عازب مشكور بعد إذ أصابته دعوة أمير المؤمنينعليه‌السلام في كتمان حديث غدير خم ، فأصابه البرص والعمى ، كما أصاب أنس بن مالك أيضا.

وروى الشيخ المفيد في (الإرشاد) قال : إن عليا قال للبراء ذات يوم : يا براء يقتل ابني الحسين وأنت حي لا تنصره!. فلما قتل الحسينعليه‌السلام كان البراء يقول : صدق والله علي بن أبي طالب ، قتل الحسين ولم أنصره ، ثم أظهر الحسرة على ذلك والندم.

ترجمة زيد بن أرقم

هو زيد بن أرقم بن قيس الأنصاري الخزرجي. صحابي مشهور. أول مشاهده الخندق ، ثم شهد ما بعده. وهو الّذي رفع إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قول عبد الله بن أبي :( لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ ، لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ ) فكذّبه عبد الله بن أبي وحلف ، فأنزل الله تعالى تصديق زيد بن أرقم وتكذيب عبد الله بن أبي ، وذلك في سورة المنافقين. قال أبو عمرو بن عبد البر في (الإستيعاب) : سكن زيد بن أرقم الكوفة ، وبنى دارا في بني كندة. وشهد مع عليعليه‌السلام صفين ، وهو معدود في خاصته.

__________________

(١) أورد أبو مخنف في مقتله هذا الكلام ص ٥٥ وذلك يوم عاشوراء.

٦٦٧

وذكر الشيخ المفيد في (الإرشاد) : أنه لما وصل رأس الحسينعليه‌السلام ووصل ابن سعد إلى الكوفة من غد يوم وصوله ، ومعه بنات الحسينعليه‌السلام وأهله ، جلس ابن زياد في قصر الإمارة وأذن للناس إذنا عاما ، وأمر بإحضار الرأس ، فوضع بين يديه ، فجعل ينظر إليه ويبتسم وبيده قضيب يضرب به ثناياهعليه‌السلام . وكان إلى جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول الله ، وهو شيخ كبير. فلما رآه يضرب ثناياه بالقضيب ، قال : ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين ، فو الله الّذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله عليهما ما لا أحصيه كثرة يقبّلهما ، ثم انتحب باكيا. فقال له ابن زياد : أبكى الله عينيك ، أتبكي لفتح الله!. لو لا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك ، لضربت عنقك.فنهض زيد بن أرقم من بين يديه وصار إلى منزله.

وعن زيد بن أرقم أنه قال : مرّ برأس الحسينعليه‌السلام وهو على رمح وأنا في غرفة لي في الكوفة ، فلما حاذاني سمعته يقرأ :

( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً ) فوقف والله شعري وناديت : رأسك والله يابن رسول الله وأمرك أعجب وأعجب.

وتوفي زيد بن أرقم سنة ست أو ثمان وستين ٦٨ للهجرة.

٨٢٤ ـ نصيحة زهير بن القين لأهل الكوفة وملا سنته مع الشمر :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٨٣)

وخرج إليهم زهير بن القين على فرس ذنوب [أي ذي ذنب وافر] وهو شاك في السلاح ، فقال : يا أهل الكوفة نذار لكم من عذاب الله (وفي رواية : نذار عباد الله).إن حقا على المسلم نصيحة أخيه المسلم ، ونحن حتّى الآن إخوة على دين واحد ما لم يقع بيننا وبينكم السيف. وأنتم للنصيحة منا أهل ، فإذا وقع السيف انقطعت العصمة ، وكنا أمة وأنتم أمة. إن الله ابتلانا وإياكم بذرية نبيه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لينظر ما نحن وأنتم عاملون. إنا ندعوكم إلى نصرهم وخذلان الطاغية يزيد وعبيد الله بن زياد ، فإنكم لا تدركون منهما إلا سوء عمر سلطانهما ، ليسملان أعينكم ويقطعان أيديكم وأرجلكم ، ويمثّلان بكم ويرفعانكم على جذوع النخل ، ويقتلان أماثلكم

٦٦٨

وقرّاءكم ، أمثال حجر بن عدي وأصحابه وهانئ بن عروة وأشباهه فسبّوه وأثنوا على عبيد الله بن زياد ودعوا له وقالوا : لا نبرح حتّى نقتل صاحبك ومن معه ، أو نبعث به وبأصحابه إلى عبيد الله بن زياد سلما. فقال زهير : عباد الله ، إن ولد فاطمة أحق بالودّ والنصر من ابن سميّة ، فإن لم تنصروهم فأعيذكم بالله أن تقتلوهم. فخلّوا بين هذا الرجل وبين يزيد ، فلعمري إنه ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسينعليه‌السلام . فرماه شمر بسهم ، وقال : اسكت أسكت الله نأمتك(١) أبرمتنا بكثرة كلامك. فقال زهير : يابن البوّال على عقبيه ما إياك أخاطب ، إنما أنت بهيمة.والله ما أظنك تحكم من كتاب الله آيتين ، فأبشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم. فقال الشمر : إن الله قاتلك وصاحبك عن ساعة. فقال زهير : أفبالموت تخوّفني ، فو الله للموت معه أحبّ إليّ من الخلد معكم(٢) . ثم أقبل على القوم رافعا صوته وقال : عباد الله لا يغرّنكم عن دينكم هذا الجلف الجافي وأشباهه ، فو الله لا تنال شفاعة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوما أهرقوا دماء ذريته وأهل بيته ، وقتلوا من نصرهم وذبّ عن حريمهم. فناداه رجل من أصحابه ، إن أبا عبد الله يقول لك : أقبل فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح قومه وأبلغ في الدعاء ، فلقد نصحت هؤلاء وأبلغت ، لو نفع النصح والإبلاغ(٣) .

٨٢٥ ـ نصيحة برير بن خضير لأصحاب عمر بن سعد :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٥٢)

فقال الحسينعليه‌السلام لبرير بن خضير : كلّم القوم يا برير وانصحهم. فتقدم برير حتّى وقف قريبا من القوم ، والقوم قد زحفوا إليه عن بكرة أبيهم ، [ونادى : يا معشر الناس إن الله بعث محمدا (بالحق) بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله (بإذنه) وسراجا منيرا. وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابه ، وقد حيل بينه وبين ابن بنت رسول الله ، أفجزاء محمّد هذا؟. فقالوا : يا برير قد أكثرت الكلام فاكفف عنا ، فو الله ليعطش الحسين كما عطش من كان قبله(٤) ]. فقال لهم برير : يا هؤلاء اتقوا

__________________

(١) النأمة : الصوت. وأسكت الله نأمته : أي أماته.

(٢) أورد أبو مخنف في مقتله نظير هذا الكلام ، ص ٥٦.

(٣) تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٤٣.

(٤) مقتل المقرم ص ٢٨٥ ، ولم يوردها الخوارزمي.

٦٦٩

الله فإن ثقل محمّد قد أصبح بين أظهركم ، هؤلاء ذريته وعترته وبناته وحرمه ، فهاتوا ما عندكم وما الّذي تريدون أن تصنعوا بهم؟. فقالوا : نريد أن نمكّن منهم الأمير عبيد الله بن زياد فيرى رأيه فيهم. فقال برير : أفلا ترضون منهم أن يرجعوا إلى المكان الّذي أقبلوا منه؟!. ويلكم يا أهل الكوفة أنسيتم كتبكم إليه وعهودكم التي أعطيتموها من أنفسكم وأشهدتم الله عليها وكفى بالله شهيدا. ويلكم دعوتم أهل بيت نبيكم وزعمتم أنكم تقتلون أنفسكم من دونهم ، حتّى إذا أتوكم أسلمتموهم لعبيد الله ، وحلّأتموهم [أي طردتموهم ومنعتموهم] عن ماء الفرات الجاري ، وهو مبذول يشرب منه اليهود والنصارى والمجوس ، وترده الكلاب والخنازير!. بئسما خلّفتم محمدا في ذريته. ما لكم لا سقاكم الله يوم القيامة ، فبئس القوم أنتم. فقال له نفر منهم : يا هذا ما ندري ما تقول. فقال برير : الحمد لله الّذي زادني فيكم بصيرة. الله م إني أبرأ إليك من فعال هؤلاء القوم. الله م ألق بأسهم بينهم حتّى يلقوك وأنت عليهم غضبان(١) .

فجعل القوم يرشقونه بالسهام ، فرجع برير إلى ورائه.

خطبة الحسين الثانية يوم عاشوراء

٨٢٦ ـ وفيها يستنهض الناس لنصرته ويبدي سخطه على أهل الكوفة :

ورد في (الفاجعة العظمى) ص ٦٧ :

روي في (المناقب) بإسناده عن عبد الله بن محمّد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن عن أبيه عن جده عن عبد الله ، قال :

لما عبأ عمر بن سعد أصحابه لمحاربة الحسينعليه‌السلام رتّبهم مراتبهم وأقام الرايات في مواضعها ، وعبأ أصحاب الميمنة والميسرة ، وقال لأهل القلب : اثبتوا.وأحاطوا بالحسينعليه‌السلام من كل جانب حتّى جعلوه في مثل الحلقة.

(وفي لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٣١ ط ٤) :

ثم ركب الحسينعليه‌السلام ناقته ، وقيل فرسه ، وخرج إلى الناس ، فاستنصتهم فأبوا أن ينصتوا حتّى قال لهم : ويلكم ما عليكم أن تنصتوا لي فتسمعوا قولي ، وإنما

__________________

(١) مقتل المقرم ص ٢٨٥ و ٢٨٦ عن البحار ، ج ١٠ عن محمّد بن أبي طالب.

٦٧٠

أدعوكم إلى سبيل الرشاد ، فمن أطاعني كان من المرشدين ، ومن عصاني كان من المهلكين ، وكلكم عاص لأمري غير مستمع قولي ، فقد ملئت بطونكم من الحرام وطبع على قلوبكم. ويلكم ألا تنصتون؟! ألا تسمعون؟!. فتلاوم أصحاب عمر بن سعد بينهم ، فقالوا : أنصتوا له. فحمد الله وأثنى عليه وذكره بما هو أهله وصلى على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى الملائكة والأنبياء والرسل ، وأبلغ في المقال ، ثم قال :

تبّا(١) لكم أيتها الجماعة وترحا(٢) أحين استصرختمونا والهين(٣) (وفي رواية :ولهين متحيّرين) فأصرخناكم موجفين(٤) (مؤدّين(٥) مستعدّين) سللتم علينا سيفا لنا (في رقابنا) في أيمانكم ، وحششتم(٦) علينا نارا قدحناها (أجّجناها) على عدونا وعدوكم ، فأصبحتم إلبا(٧) على أوليائكم ويدا عليهم لأعدائكم ، بغير عدل أفشوه فيكم ، ولا أمل أصبح لكم فيهم ، إلا الحرام من الدنيا أنالوكم ، وخسيس عيش طمعتم فيه. من غير حدث كان منا ، ولا رأي تفيّل لنا(٨) . فهلا لكم الويلات ، إذ كرهتمونا وتركتمونا ، تجهّزتموها(٩) والسيف مشيم(١٠) (لم يشهر) والجأش طامن(١١) والرأي لمّا يستحصف(١٢) (يستحصد). ولكن أسرعتم إليها كطيرةالدّبا(١٣) وتداعيتم إليها كتداعي (كتهافت) الفراش ، فسحقا (فقبحا) لكم يا عبيد

__________________

(١) التبّ : الهلاك.

(٢) التّرح : الهم.

(٣) الوله : الحزن.

(٤) موجفين : مسرعين في العدو.

(٥) مؤدّين : متهيئين مناصرين.

(٦) حششتم : أوقدتم.

(٧) إلبا : أي مجتمعين.

(٨) تفيّل رأيه : أخطأ وضعف.

(٩) الضمير للحرب أو الفتنة ، والتجهّز : التهيّؤ.

(١٠) مشيم : مغمد.

(١١) طامن : مطمئن.

(١٢) استحصف : استحكم.

(١٣) الدّبا : أول ما يكون الجراد قبل أن يطير ، ثم يكون غوغاء إذا هاج بعضه في بعض ، ثم يكون كتفانا ثم يصير خيفانا ثم يكون جرادا. ويضرب المثل بالدبا لكثرته.

٦٧١

الأمّة (فإنما أنتم من طواغيت الأمّة) وشذّاذ الأحزاب(١) ، ونبذة الكتاب ، ونفثة الشيطان ، وعصبة الآثام ، ومحرّفي الكتاب (الكلم) ، ومطفئي السّنن ، وقتلة أولاد الأنبياء ، ومبيدي عترة الأوصياء ، وملحقي العهّار(٢) بالنسب ، ومؤذي المؤمنين ، وصراخ أئمة المستهزئين ، الذين جعلوا القرآن عضين(٣) ولبئس ما قدّمت لهم أنفسهم ، وفي العذاب هم خالدون. وأنتم ابن حرب وأشياعه تعضدون (أهؤلاء تعضدون) وعنّا تخاذلون. أجل والله الخذل فيكم معروف (الغدر فيكم قديم) ، وشجت عليه أصولكم ، وتأزّرت عليه فروعكم (وشجت عليه عروقكم ، وتوارثته أصولكم وفروعكم) ، وثبتت عليه قلوبكم ، وغشيت صدوركم ، فكنتم أخبث ثمر (شيء) شجا للناظر(٤) وأكلة للغاصب. (ألا لعنة الله على الناكثين ، الذين ينقضون الأيمان بعد توكيدها) ، وقد جعلتم الله عليكم كفيلا ، فأنتم والله هم.

ألا وإن الدّعيّ ابن الدعيّ(٥) قد ركز بين اثنتين : السّلّة(٦) أو الذلّة ، وهيهات منا الذلّة (وهيهات منا أخذ الدنيّة) ، يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون ، وجدود (وحجور) طابت ، وحجور (وحجز) طهرت ، وأنوف حميّة ، ونفوس أبيّة ، لا تؤثر (من أن تؤثر) طاعة اللئام على مصارع الكرام. ألا قد أعذرت وأنذرت ، ألا وإني زاحف بهذه الأسرة مع قلة العدد (العتاد) وكثرة العدو ، وخذلان الناصر (وخذلة الأصحاب).

ثم وصلصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلامه بأبيات فروة بن مسيك المرادي ، وهو صحابي مخضرم ، فقال:

فإن نهزم فهزّامون قدما

وإن نغلب فغير مغلبّينا

وما إن طبّنا(٧) جبن ولكن

منايانا ودولة آخرينا

إذا ما الموت رفّع عن أناس

كلاكله(٨) أناخ بآخرينا

__________________

(١) الشذّاذ : الذين يكونون في القوم وليسوا من قبائلهم.

(٢) العهر : الفجور.

(٣) عضين : مفرّق.

(٤) شجا : مصدر بمعنى الحزن والهم.

(٥) المقصود به : عبيد الله ابن زياد.

(٦) السّلة : أي استلال السيوف.

(٧) الطّب : العادة.

(٨) الكلكل : الصدر.

٦٧٢

فأفنى ذلكم سروات قومي

كما أفنى القرون الأولينا

فلو خلد الملوك إذا خلدنا

ولو بقي الكرام إذا بقينا

فقل للشامتين بنا أفيقوا

سيلقى الشامتون كما لقينا

ثم قال : أما والله لا تلبثون بعدها إلا كريث(١) ما يركب الفرس ، حتّى تدور بكم دور الرحى(٢) وتقلق بكم قلق المحور(٣) . عهد عهده إليّ أبي عن جدي( فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ ) (٧١) [يونس : ٧١]( ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ، ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها ، إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) «هود ٥٦»(٤) .

اللهم احبس عنهم قطر السماء ، وابعث عليهم سنين كسنيّ يوسف ، وسلّط عليهم غلام ثقيف(٥) يسقيهم كأسا مصبّرة ، ولا يدع فيهم أحدا إلا قتله ، قتلة بقتلة ، وضربة بضربة ، ينتقم لي ولأوليائي وأهل بيتي وأشياعي منهم(٦) ، فإنهم غرّونا وكذّبونا وخذلونا ، وأنت ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير(٧) .

٨٢٧ ـ مقاصد الإمام الحسينعليه‌السلام يوم الطف من خلال خطبتيه السابقتين :(مقتل المقرّم ، ص ٨١ و ٨٢)

يقول السيد عبد الرزاق المقرّم في مقتله :

وعلى هذه السنن مشى أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام يوم الطف ، فلم يبدأ القوم بقتال مهما رأى من أعدائه التكاتف على الضلال والمقابلة له بكل ما لديهم من حول وطول ، حتّى منعوه وعياله وصحبه من الماء الّذي لم يزل صاحب الشريعةصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجاهر بأن «الناس في الماء والكلأ شرع سواء». لأنهعليه‌السلام أراد إقامة الحجة

__________________

(١) كريث : كمقدار.

(٢) الرحى : حجر الطاحون.

(٣) المحور : ما تدور حوله البكرة أو الطاحون.

(٤) مقتل المقرم ص ٢٨٧ عن تاريخ ابن عساكر ، ج ٤ ص ٣٣٤ واللهوف ص ٥٤.

(٥) هو المختار بن أبي عبيدة الثقفي.

(٦) مقتل المقرم ص ٢٨٧ عن مقتل العوالم ص ٨٤.

(٧) مقتل المقرم ص ٢٨٧ عن الله وف ص ٥٦. وذكر الخوارزمي في مقتله ج ٢ ص ٦ كامل الخطبة بتحريف بسيط.

٦٧٣

عليهم ، فوقف في ذلك الملأ المغمور بالأضاليل ، ونادى بحيث يعي الجماهير حجته ، فعرّفهم أولا خسارة هذه الدنيا الفانية لمن تقلّب فيها ، فلا تعود عليهم إلا بالخيبة ، ثم تراجع ثانيا إلى التعريف بمنزلته من نبيّ الإسلام ، وشهادته له ولأخيه المجتبى بأنهما سيدا شباب أهل الجنة ، وناهيك بشهادة من لا ينطق عن الهوى ، وكان محبوّا بالوحي الإلهي ، أن تؤخذ ميزانا للتمييز بين الحق والباطل. وفي الثالثة عرّفهم بأنه يؤدي كل ما لهم عنده من مال وحرمات ، وفي الرابعة نشر المصحف الكريم على رأسه ودعاهم إلى حكمه. وحتى إذا لم تجد هذه النصائح القيّمة فيهم ، ووضح لديه إصرارهم على الغي والعناد لله تعالى ولرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كشف الستار عن الإباء العلوي ، الّذي انحنت عليه أضالعه ، ورفع الحجاب عن الأنفة التي كان أبناء عليعليه‌السلام يتدارسونها ليلا ونهارا ، وتلهج بها أنديتهم. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«ألا وإن الدّعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين : بين السّلةّ والذلّة ، وهيهات منا الذلّة ، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ، وجدود طابت ، وحجور طهرت ، وأنوف حميّة ، ونفوس أبيّة ، من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام. ألا وإني زاحف بهذه الأسرة عليقلة العدد وخذلان الناصر».

هذه وصايا الشريعة المطهرة وأحكامها الباعثة على الدعوة إلى الحق والنهضة لسدّ باب الباطل ، وكما ألزمت جهاد المضلين المشركين ، أباحت ترك الجهاد للصبي والمقعد والأعمى والشيخ الكبير والمرأة والبالغ الّذي لم يأذن له أبواه. لكن مشهد (الطف) خرق ناموسها الأكبر وجاز تلك المقررات جريا على المصالح والأسرار التي قصرت عنها أحلام البشر ، وقد تلقّاها (أبيّ الضيم)عليه‌السلام ، من جده المنقذ الأكبر وأبيه الوصيّ المقدّم. فالحسينعليه‌السلام لم يشرّع سنّة أخرى في الجهاد ، وإنما هو درس إلهي أثبته اللوح الأقدس في عالم الإبداع ، محدد الظرف والمكان ، تلقّاه الأمين جبرئيل وأفاضه على حبيب الله وصفيه (محمّد)صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأودعه صاحب الدعوة الإلهية عند ولده سيد الشهداءعليه‌السلام .عليه‌السلام .

فكل ما يشاهد في ذلك المشهد الدامي من الغرائب التي تنحسر عن الوصول إلى كنهها عقول الرجال ، فهو مما آثر المولى سبحانه به وليه وحجته أبا عبد الله الحسينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٦٧٤

٨٢٨ ـ الحسينعليه‌السلام يلقي الحجة النهائية على عمر بن سعد ، ويخبره بنوع قتلته:(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٨)

ثم قالعليه‌السلام : أين عمر بن سعد ، ادعوا لي عمر. فدعي له ، وكان كارها لا يحب أن يأتيه. فقال : يا عمر أنت تقتلني وتزعم أن يوليك الدعيّ ابن الدعي بلاد الري وجرجان. والله لا تتهنّأ بذلك أبدا ، عهد معهود ، فاصنع ما أنت صانع ، فإنك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة ، وكأني برأسك على قصبة قد نصب بالكوفة ، يتراماه الصبيان ، ويتخذونه غرضا بينهم(١) . فغضب عمر بن سعد من كلامه ، ثم صرف وجهه عنه. ونادى بأصحابه : ما تنظرون به؟ احملوا بأجمعكم ، إنما هي أكلة واحدة.

٨٢٩ ـ النفوس الخيّرة تستيقظ : توبة الحر وتوجّهه إلى الحسينعليه‌السلام :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٣٧ ط ٤)

ولما رأى الحر بن يزيد أن القوم قد صمموا على قتال الحسينعليه‌السلام (٢) قال لعمر بن سعد : أمقاتل أنت هذا الرجل؟. قال : إي والله قتالا شديدا أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي!. قال : فما لكم فيما عرضه عليكم رضى؟. قال :أما لو كان الأمر إليّ لفعلت ، ولكن أميرك قد أبى ذلك. فأقبل الحر حتّى وقف عن الناس جانبا ، ومعه رجل من قومه يقال له : قرة بن قيس. فقال له : يا قرة ، هل سقيت فرسك اليوم؟. قال : لا. قال : أما تريد أن تسقيه؟. قال قرة : فظننت والله أنه يريد أن يتنحى فلا يشهد القتال ، فكره أن أراه حين يصنع ذلك. فقلت له : لم أسقه وأنا منطلق فأسقيه. فاعتزلت ذلك المكان الّذي كان فيه ، فو الله لو أطلعني على الّذي يريد لخرجت معه إلى الحسينعليه‌السلام . فأخذ الحر يدنو من الحسينعليه‌السلام قليلا قليلا ، فقال له المهاجر بن أوس : ما تريد يابن يزيد ، أتريد أن تحمل؟. فلم يجبه ، وأخذه مثل الأفكل [وهي الرعدة]. فقال له المهاجر :

__________________

(١) لواعج الأشجان ص ١٣٢ ومقتل المقرم ص ٢٨٩ ، نقلا عن تظلم الزهراء ومقتل العوالم ص ٨٤.

(٢) ذهب الخوارزمي إلى أن توبة الحر كانت بعد (الحملة الأولى) وهو ما أيّده ابن طاووس في الله وف. أما المقرّم فيعتبر توبته قبل بدء القتال ، وذلك نقلا عن تاريخ الطبري ، وهو ما اعتمده ابن شهراشوب في مناقبه والسيد الأمين في لواعجه.

٦٧٥

إن أمرك لمريب ، والله ما رأيت منك في موقف قط مثل هذا ، ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك. فما هذا الّذي أرى منك؟!. فقال الحر : إني والله أخيّر نفسي بين الجنة والنار ، فو الله إني لا أختار على الجنة شيئا ولو قطّعت وحرقت. ثم ضرب فرسه نحو الحسين(١) منكّسا برأسه حياء من آل الرسول ، بما أتى إليهم وجعجع بهم ، وهو يقول : الله م إليك أنيب فتب عليّ ، فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد بنت نبيك. وقال للحسينعليه‌السلام : جعلت فداك يابن رسول الله ، أنا صاحبك الّذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق ، وجعجعت بك في هذا المكان.والله الّذي لا إله إلا هو ، ما ظننت القوم يردّون عليك ما عرضت عليهم ، ولا يبلغون بك هذه المنزلة. والله لو علمت أنهم ينتهون بك إلى ما أرى ما ركبت مثل الّذي ركبت. وإني قد جئتك تائبا مما كان مني إلى ربي ، مواسيا لك بنفسي ، حتّى أموت بين يديك ، فهل لي من توبة؟. قال الحسينعليه‌السلام : نعم ، يتوب الله عليك(٢) ويغفر لك. ما اسمك؟. قال : أنا الحر. قال : أنت الحر كما سمّتك أمك ، أنت الحر في الدنيا والآخرة ، انزل. فقال : أنا لك فارسا خير مني لك راجلا ، أقاتلهم على فرسي ساعة ، وإلى النزول يصير آخر أمري. (وفي رواية) «ثم قال : يابن رسول الله ، كنت أول خارج عليك ، فأذن لي أن أكون أول قتيل بين يديك(٣) فلعلي أن أكون ممن يصافح جدك محمدا غدا في القيامة».

فقال له الحسينعليه‌السلام : فاصنع يرحمك الله ما بدا لك.

٨٣٠ ـ الحر بن يزيد يسمع هاتفا يبشّره بالخير :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٢٠ ط نجف)

(روى ابن نما) أن الحر قال للحسينعليه‌السلام : لما وجّهني عبيد الله إليك ، خرجت من القصر ، فنوديت من خلفي : أبشر يا حر بخير. فالتفتّ فلم أر أحدا. فقلت :

__________________

(١) مقتل المقرم ص ٢٩٠ نقلا عن تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٤٤.

(٢) مقتل المقرّم ص ٢٩٠ نقلا عن الله وف ص ٥٨ ؛ وأمالي الشيخ الصدوق ص ٩٧ مجلس ٣٠ ؛ وروضة الواعظين ص ١٥٩.

(٣) هذا بناء على أن الحر هو أول من استشهد من جماعة الحسينعليه‌السلام بالمبارزة ، ولم يعتمد المقرم ذلك ، وإنما ذكر مصرعه بعد جملة من الأصحاب. وأما أبو مخنف فقد ذكره آخر من استشهد من الأصحاب ، وهو قول ضعيف.

٦٧٦

والله ما هذه بشارة ، وأنا أسير إلى الحسينعليه‌السلام . وما كنت أحدّث نفسي باتّباعك. فقالعليه‌السلام : لقد أصبت أجرا وخيرا.

٨٣١ ـ توبة الحر بن يزيد الرياحي (على رواية مقتل أبي مخنف):

(مقتل الحسين لأبي مخنف ، ص ٧٤)

وأورد أبو مخنف في المقتل المنسوب إليه توبة الحر بعد بدء القتال ، وبعد أن بدأ الحسينعليه‌السلام يستغيث فلا يغاث.

(قال أبو مخنف) : فوقع كلامهعليه‌السلام في مسامع الحر ، فأقبل على ابن أخيه قرّة وقال : أتنظر إلى الحسين يستغيث فلا يغاث ، ويستجير فلا يجار ، قد قتلت أنصاره وبنوه ، وقد أصبح بين مجادل ومخاذل ، فهل لك أن تسير بنا إليه ، وتقاتل بين يديه ، فإنّ الناس عن هذه الدنيا راحلة ، وكرامات الدنيا زائلة ، فلعلنا نفوز بالشهادة ، ونكون من أهل السعادة.

فقال له : ما لي بذلك حاجة. فتركه الحر وأقبل على ولده وقال له : يا بنيّ لا صبر لي على النار ولا على غضب الجبار ، ولا أن يكون غدا خصمي أحمد المختار. يا بنيّ أما ترى الحسينعليه‌السلام يستغيث فلا يغاث ويستجير فلا يجار!. يا بنيّ سر بنا إليه نقاتل بين يديه ، فلعلنا نفوز بالشهادة ، ونكون من أهل السعادة. فقال له ولده :حبا وكرامة.

ثم إنهما حملا من عسكر ابن زياد كأنهما يريدان القتال حتّى هجما على الحسينعليه‌السلام ، فنزل الحر عن ظهر جواده وطأطأ رأسه ، وجعل يقبّل يد الحسين ورجليه ، وهو يبكي بكاء شديدا. فقال له الحسينعليه‌السلام : ارفع رأسك يا شيخ ، فرفع رأسه وقال : يا مولاي أنا الّذي منعتك عن الرجوع. والله يا مولاي ما علمت أن القوم يبلغون منك هذا ، وقد جئتك تائبا مما كان مني ومواسيك بنفسي ، وقليل في حقك يا مولاي أن تكون نفسي لك الفداء. وها أنا ألقى حمامي يا مولاي بين يديك ، فهل من توبة عند ربي؟. فقال لهعليه‌السلام : إن تبت تاب الله عليك ويغفر لك وهو أرحم الراحمين ثم تقدم الحر إلى الحسينعليه‌السلام وقال : يا مولاي أريد أن تأذن لي بالبراز إلى الميدان ، فإني أول من خرج إليك وأحب أن أقتل بين يديك.فقال لهعليه‌السلام : ابرز بارك الله فيك.

٦٧٧

٨٣٢ ـ نصيحة الحر بن يزيد لأهل الكوفة بعد توبته :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٩١)

ثم استأذن الحر الحسينعليه‌السلام في أن يكلم القوم ، فأذن له. فنادى بأعلى صوته : يا أهل الكوفة ، لأمّكم الهبل والعبر(١) إذ دعوتموه وأخذتم بكظمه(٢) وأحطتم به من كل جانب ، فمنعتموه التوجه إلى بلاد الله العريضة حتّى يأمن وأهل بيته ، وأصبح كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، وحلّأتموه(٣) ونساءه وصبيته وصحبه عن ماء الفرات الجاري ، الّذي يشربه اليهود والنصارى والمجوس ، وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه. وهاهم قد صرعهم العطش ، بئسما خلّفتم محمدا في ذريته ، لا سقاكم الله يوم الظمأ.

(وفي تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٦٢ ط ٢ نجف) :

وإذا لم تنصروه وتفوا له بما حلفتم عليه ، فدعوه يمضي حيث شاء من بلاد الله.أما أنتم مؤمنون؟!. وبنبوّة محمّد جده مصدّقون؟!. وبالمعاد موقنون؟!.

فحملت عليه الرجّالة ترميه بالنبل ، فتقهقر حتّى وقف أمام الحسينعليه‌السلام (٤) .

٨٣٣ ـ الرجوع عن الخطأ فضيلة :

(بقلم المؤلف)

(التربية الطيبة تكفل رجوع الإنسان إلى الحق مهما انحرف)

كثير أولئك الذين تتاح لهم في صغرهم فرض التربية والتهذيب ، والتنشئة الصالحة على المبادئ الأخلاقية الحميدة ، فتنطبع بها نفوسهم ، وتختلط نفحاتها بدمائهم ثم لا يلبثون أن تعترضهم في بداية حياتهم تقلبات من الزمان وتبدلات ، فيزهدون في تلك المبادئ السامية ، ويميلون إلى معاقرة الباطل والاستئناس به ثم هي فترة تمرّ من الزمن ، وإذا بهم قد استيقظوا وجلين مذعورين ، على أصوات ضميرهم ووجدانهم ، تدعوهم إلى النهوض من غفلتهم واليقظة من سكرتهم.فيطيحون بالباطل عن عاتق كواهلهم ، ويكنسون رواسبه من صفحات قلوبهم ،

__________________

(١) الهبل (بالتحريك والفتح) : الثّكل. والعبر : الحزن وجريان الدمعة.

(٢) الكظم (بالتحريك والفتح) : مخرج النّفس ، ويقال أخذ بكظمه : أي كربه وغمّه.

(٣) حّلأتموه : طردتموه ومنعتموه.

(٤) كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ٢٧ ، وشبيه هذا الكلام في مقتل أبي مخنف ص ٧٨.

٦٧٨

ويعودون بأنفسهم إلى أصولهم وأحسابهم ، حتّى كأنهم لم يسمعوا بالباطل ولا عهد لهم به. لقد عادوا خلقا جديدا غير الّذي كانوه بالأمس ، فكأنهم من بعد غير الذين كانوا من قبل.

وقد يعجب المرء من هذا التحول الانقلابي ، وهذا التبدّل الفجائي ، غير متذكّر أن التربية والتوجيه في الصغر يتركان في صاحبهما جذورا قوية من النبل والأدب والأخلاق. تظل متشعبة في حنايا نفسه ، لا تموت ولا تغيب ، رغم ما تخضع له من عواصف متقلّبة ، وأنواء متغيّرة ، لا تلبث بعد حين أن تنقشع غيومها ، وتنجرف رواسبها ، فتعود النفس مشرقة وضّاءة ، غنية خيّرة معطاءة ، فتنبت بذورها ، وتعلو سوقها ، مورقة مزهرة ، تفيض بالحق ، وتجود بالخير.

وليس لنا من مثال نضربه على هؤلاء الأشخاص أروع من مثال :

«الحر بن يزيد التميمي»

ذلك الرجل الحر ، الّذي أوتي من كرم الأصل وحسن المنبت وطيب السريرة ، ما جعله يؤوب إلى الحق بعد انحرافه ، ويعود إلى التصديق والإخلاص والوفاء ، وقد كان حربا عليها. وينجو من نار جهنم ، وقد كان على شفا حفرة منها. وينال الشهادة والسعادة والفوز ، وقد كان في منأى عنها.

وإن هذا المثل الخالد من تراثنا التليد ، إن كان يدلّ على شيء ، فإنما يدلّ على أن حسن التوجيه والتربية في الصغر ، غالبا ما تؤدي بصاحبها إلى السعادة والنجاة والفوز بالجنة ، وتكون له ذخرا وسندا في كبره ، على الرغم مما يتعرض له من محن وأخطاء ، وفتن وأخطار.

٦٧٩

(انتهى الجزء الأول من الموسوعة)

والحمد لله ربّ العالمين

وبذلك تمّ الفصل العشرون بانتهاء الجزء الأول من موسوعة كربلاء ،

وذلك حين جّهز عمر بن سعد جيوشه لقتال الحسينعليه‌السلام

يوم العاشر من المحرم ، ووضع سهمه في كبد قوسه ،

معلنا بدء القتال والنزال ، بين طغمة الباطل والضلال ،

وبين صفوة الهدى والكمال ، من خير صحب وخير آل.

وهو ما سيجده القارئ في الجزء الثاني من الموسوعة

إن شاء الله

٦٨٠

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735