موسوعة كربلاء الجزء ٢

موسوعة كربلاء0%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 800

موسوعة كربلاء

مؤلف: الدكتور لبيب بيضون
تصنيف:

الصفحات: 800
المشاهدات: 431679
تحميل: 4280


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 800 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 431679 / تحميل: 4280
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء 2

مؤلف:
العربية

الرجلان والثلاثة والأربعة يستأذنون الحسينعليه‌السلام في الذبّ عنه والدفع عن حرمه ، وكل واحد يحمي الآخر من كيد عدوه.

مصرع الشهيدين الأخوين الغفاريّينرحمهما‌الله

٨٧ ـ مصرع الأخوين الغفاريين :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٤٦ ط نجف)

فجاءه عبد الله وعبد الرحمن ابنا عروة [أو عزرة] الغفاريان ، فقالا :

يا أبا عبد الله عليك السلام ، قد حازنا الناس إليك ، فأحببنا أن نقتل بين يديك (وندفع عنك). قال : مرحبا بكما ، ادنوا مني ، فدنوا منه ، وجعلا يقاتلان. وجعل عبد الرحمن يرتجز ويقول :

قد علمت حقا بنو غفار

وخندف بعد بني نزار

لنضربنّ معشر الفجّار

بكل عضب صارم بتّار

يا قوم ذودوا عن بني الأخيار

فقاتل حتى قتل.

وقد مرّ شبيه هذا الشعر لقرة بن أبي قرة ، في الفقرة ٨٠.

(وفي رواية مقتل الخوارزمي) أن هناك شخصا آخر اسمه (عبد الرحمن بن عروة) غير الأخوين الغفاريين ، وهو الّذي خرج وهو يقول :

قد علمت حقا بنو غفار

وخندف بعد بني نزار

لأضربن معشر الأشرار

بالمشرفيّ الصارم البتّار

مصرع الشهيدين الأخوين الجابريّينرحمهما‌الله

١٠١

٨٨ ـ مصرع الأخوين الجابريّين :(لواعج الأشجان ، ص ١٤٧)

وأتاه فتيان ، وهما سيف بن الحارث بن سريع ، ومالك بن عبد الله بن سريع الجابريان [في مقتل الخوارزمي : بطن من همدان يقال لهم بنو جابر] ، وهما ابنا عم وأخوان لأم ، وهما يبكيان. فقال لهما الحسينعليه‌السلام : يا ابني أخي ، ما يبكيكما؟.فو الله إني لأرجو أن تكونا بعد (عن) ساعة قريري العين. فقالا : جعلنا الله فداك ، والله ما على أنفسنا نبكي ، ولكن نبكي عليك ، نراك وقد أحيط بك ، ولا نقدر على أن ننفعك (وفي رواية : نمنعك). فقالعليه‌السلام : جزاكما الله يا ابني أخي بوجدكما [أي حزنكما] من ذلك ، ومواساتكما إياي بأنفسكما أحسن جزاء المتقين.

ثم استقدما وقالا : السلام عليك يابن رسول الله. فقال : وعليكما السلام ورحمة الله وبركاته. فقاتلا حتى قتلا.

وقد أورد الخوارزمي في مقتله ج ٢ ص ٢٣ هذا الكلام منسوبا للأخوين الغفاريين.

مصرع جنادة ابن الحارث الأنصاري رحمه‌الله

٨٩ ـ شهادة جنادة بن الحرث الأنصاري : (مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢١)

ثم خرج من بعده جنادة بن الحرث الأنصاري ، وهو يقول :

أنا جنادة وأنا ابن الحارث

لست بخوّار ولا بناكث

عن بيعتي حتى يقوم وارث

من فوق شلو في الصعيد ماكث

فحمل ولم يزل يقاتل حتى قتل [على رواية ابن شهر اشوب] ستة عشر رجلا ، ثم قتل رضوان الله عليه.

مصرع الغلام عمرو بن جنادة الأنصاريرحمه‌الله

١٠٢

٩٠ ـ مصرع الغلام عمرو بن جنادة الأنصاري :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢١)

ثم خرج من بعده عمرو بن جنادة وهو ينشد ويقول :

أضق الخناق من ابن سعد وارمه

من هامه بفوارس الأنصار

ومهاجرين مخضّبين رماحهم

تحت العجاجة من دم الكفار

خضبت على عهد النبي محمّد

فاليوم تخضب من دم الفجّار

واليوم تخضب من دماء معاشر

رفضوا القران لنصرة الأشرار

ثم حمل فقاتل حتى قتل.

مصرع شاب قتل أبوه في المعركةرحمه‌الله

٩١ ـ مصرع شاب قتل أبوه في المعركة :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢١ ؛ ولواعج الأشجان ، ص ١٤٥)

لعل السيد عبد الرزاق المقرّمرحمه‌الله في مقتله اشتبه بأن هذا الشاب هو عمرو بن جنادة الأنصاري ، مع أن أغلب المصادر تورده منفصلا عن عمرو بن جنادة ، مما يدل على أنه شخص آخر.

وقد ذكر السيد عبد الكريم الحسيني القزويني في كتابه (الوثائق الرسمية) ص ١٨٢ : أن أباه الّذي قتل في أول المعركة هو جنادة بن كعب الخزرجي.

يقول السيد المقرّم في مقتله ، ص ٣١٤ :

وجاء عمرو بن جنادة الأنصاري بعد أن قتل أبوه ، وهو ابن إحدى عشرة سنة ، يستأذن الحسينعليه‌السلام فأبى ، وقال : هذا غلام قتل أبوه في الحملة الأولى ، ولعل أمه تكره ذلك

أما الخوارزمي فيقول في مقتله : ثم خرج من بعده شاب قتل أبوه في المعركة ، وكانت أمه معه. فقالت : يا بني اخرج فقاتل بين يدي ابن رسول الله حتى تقتل.فقال : أفعل. فخرج يستأذن الحسينعليه‌السلام فأبى ، وقال : هذا شاب قتل أبوه في

١٠٣

(الحملة الأولى) ولعل أمه تكره خروجه. فقال الشاب : أمي أمرتني يابن رسول الله.

وفي (الناسخ) قال الحسينعليه‌السلام : يا فتى قتل أبوك ، وإذا قتلت فإلى من تلتجئ أمك في هذا القفر؟. فأراد أن يرجع ، فجاءته أمه وقالت : يا بني تختار سلامة نفسك على نصرة ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلا أرضى عنك أبدا!.

فبرز الشاب وقاتل قتال الأبطال ، وأمه تنادي خلفه : أبشر يا بني ، ستسقى من يد ساقي حوض الكوثر. فبرز وهو يقول :

أميري حسين ونعم الأمير

سرور فؤاد البشير النذير

عليّ وفاطمة والداه

فهل تعلمون له من نظير

فما أسرع أن قتل ورمي برأسه إلى جهة الحسينعليه‌السلام ، فأخذت أمه رأسه ومسحت الدم عنه ، وقالت له : أحسنت يا بني ، يا قرة عيني وسرور قلبي. ثم رمت برأس ابنها رجلا فقتلته(١) ، وعادت إلى المخيم فأخذت عمود خيمة وحملت على القوم وهي تقول :

أنا عجوز في النساء ضعيفه

خاوية بالية نحيفه

أضربكم بضربة عنيفه

دون بني فاطمة الشريفه

فضربت رجلين فقتلتهما ، فردّها الحسينعليه‌السلام إلى الخيمة ودعا لها(٢) .

ـ تعليق السيد محسن الأمين على شهادة الغلام السابق :

(أعيان الشيعة ، ج ٤ ص ٢٣٤)

يقول السيد الأمينرحمه‌الله : وهذا منتهى علوّ النفس وصدق الولاء ، من هذه المرأة وابنها ، أن يكون زوجها قد قتل وهي تنظر إليه ، ثم تأمر ولدها الشاب بنصرة الحسينعليه‌السلام ، وهي تعلم أنه مقتول ، فتسوقه إلى القتل مختارة طائعة ، ويطيعها ابنها في ذلك ، فيقدم على القتل غير مبال ولا وجل. ثم يرخّص له الحسينعليه‌السلام في ترك القتال مخافة أن تكون أمه تكره قتاله ، بعدما قتل أبوه في المعركة ، فيأبى ويقول : أمي أمرتني بذلك.

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣١٤ نقلا عن مناقب ابن شهر اشوب ، ج ٣ ص ٢١٩.

(٢) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣١٥ نقلا عن البحار للمجلسي ، ج ١٠ ص ١٩٨.

١٠٤

حقا إنه لمقام عظيم وموقف جليل ، تزلّ فيه الأقدام وتذهل فيه الألباب.

شهادة المولى واضح التركيرحمه‌الله

٩٢ ـ شهادة واضح التركي مولى الحرث المذحجي :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٠٨)

كان (واضح) غلاما تركيا شجاعا قارئا ، وهو مولى للحارث المذحجي السلماني. وقد أبلى في كربلاء بلاء حسنا.

ولما صرع واضح التركي [أي سقط وبه رمق] ، استغاث بالحسينعليه‌السلام ؛ فأتاه أبو عبد اللهعليه‌السلام واعتنقه وهو يجود بنفسه ، فقال : من مثلي وابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واضع خدّه على خدي!. ثم فاضت نفسه الطاهرة(١) .

مصرع الشهيد أبي عمر النهشليرحمه‌الله

٩٣ ـ شهادة أبي عمر النهشلي :(لواعج الأشجان ، ص ١٤٨ ط نجف)

وحدّث مهران مولى بني كاهل ، قال : شهدت كربلاء مع الحسينعليه‌السلام فرأيت رجلا يقاتل قتالا شديدا ؛ لا يحمل على قوم إلا كشفهم ، ثم يرجع إلى الحسينعليه‌السلام وهو يرتجز ويقول :

أبشر هديت الرشد تلقى أحمدا

في جنة الفردوس تعلو صعدا

(وهذه الأبيات تنسب إلى غيره ؛ مثل سويد ، ومثل سعيد بن عبد الله الحنفي ، ومثل إبراهيم بن الحصين).

__________________

(١) مقتل العوالم ، ص ٩١ ؛ وإبصار العين للسماوي ، ص ٨٥.

١٠٥

فقلت : من هذا؟. فقالوا : أبو عمر النهشلي ، وقيل الخثعمي. فاعترضه عامر بن نهشل ، فقتله واحتزّ رأسه. وكان أبو عامر هذا متهجّدا كثير الصلاة.

مصرع أسلم التركي مولى الحسين (ع)

٩٤ ـ شهادة أسلم التركي غلام الحسينعليه‌السلام :(لواعج الأشجان ، ص ١٤٧)

ذكر العلامة الأمين في (أعيان الشيعة ـ حرف الألف) أنه قرأ في أحد كتب الرجال لبعض المعاصرين : أنه كان للحسينعليه‌السلام مولى اسمه أسلم بن عمرو ، وكان اشتراه بعد وفاة أخيه الحسنعليه‌السلام ، ووهبه لابنه علي بن الحسينعليه‌السلام . وكان أبوه (عمرو) تركيا. وكان (أسلم) هذا كاتبا عند الحسينعليه‌السلام في بعض حوائجه.

فلما خرج الحسينعليه‌السلام من المدينة إلى مكة كان أسلم ملازما له ، حتى أتى معه كربلاء. فلما كان اليوم العاشر وشبّ القتال ، استأذن في القتال.

وقال السيد الأمين في (لواعج الأشجان) : وخرج غلام تركي من موالي الحسينعليه‌السلام ، وكان قارئا للقرآن وعارفا بالعربية وكاتبا ، فجعل يقاتل ويرتجز ويقول :

البحر من طعني وضربي يصطلي

والجوّ من سهمي ونبلي بمتلي

إذا حسامي في يميني ينجلي

ينشقّ قلب الحاسد المبجّل

فقتل [في رواية ابن شهر اشوب] سبعين رجلا ، فتحاوشوه حتى سقط صريعا ، فجاء إليه الحسينعليه‌السلام فبكى ، ووضع خده على خده ، ففتح عينيه فرأى الحسينعليه‌السلام فتبسم ، ثم صار إلى ربه.

٩٥ ـ شهادة مالك بن ذودان :(لواعج الأشجان ، ص ١٤٨)

ثم برز مالك بن ذودان ، وأنشأ يقول :

إليكم من مالك الضرغام

ضرب فتى يحمي عن الكرام

يرجو ثواب الله ذي الإنعام

فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه.

١٠٦

٩٦ ـ شهادة إبراهيم بن الحصين الأسدي :(المصدر السابق)

وبرز إبراهيم بن الحصين الأسدي وهو يرتجز ويقول :

أضرب منكم مفصلا وساقا

ليهرق اليوم دمي إهراقا

ويرزق الموت أبا إسحاقا

أعني بني الفاجرة الفسّاقا

فقتل [على رواية ابن شهر اشوب] أربعة وثمانين رجلا ، وأنشأ يقول :

اقدم حسين اليوم تلقى أحمدا

ثم أباك الطاهر المؤيّدا

والحسن المسموم ذاك الأسعدا

وذا الجناحين حليف الشهدا

وحمزة الليث الكمي السيّدا

في جنة الفردوس فازوا سعدا

وقاتل حتى قتل رضوان الله عليه.

٩٧ ـ شهادة سوّار بن منعم بن حابس بن أبي عمير الفهمي الهمداني :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣١٥)

وقاتل سوّار بن أبي عمير من ولد فهم بن جابر الهمداني ، قتالا شديدا حتى ارتثّ بالجراح وأخذ أسيرا ، فأراد ابن سعد قتله ، وتشفّع فيه قومه ، وبقي عندهم جريحا إلى أن توفي على رأس ستة أشهر ،رحمه‌الله .

٩٨ ـ شهادة سعد بن الحارث وأخيه أبي الحتوف الأنصاري :

(وسيلة الدارين في أنصار الحسين لإبراهيم الموسوي الزنجاني ، ص ١٤٩)

ولما سمع الأنصاريان : سعد بن الحارث وأخوه أبو الحتوف ، استنصار الحسينعليه‌السلام واستغاثته ، وكانا في جيش عمر بن سعد ، فمالا بسيفيهما على أعداء الحسين ، وقاتلا حتى قتلا.

قال حميد بن أحمد في كتابه (الحدائق الوردية) : ومن المقتولين يوم الطف مع الحسينعليه‌السلام : أبو الحتوف الأنصاري وأخوه سعد بن الحرث ، وكانا من الخوارج ، فخرجا مع عمر بن سعد إلى حرب الحسينعليه‌السلام . فلما كان يوم العاشر من المحرم وقتل أصحاب الحسينعليه‌السلام ولم يبق معه غير سويد بن عمرو ابن أبي المطاع الخثعمي وبشير بن عمرو الحضرمي ، جعل الحسينعليه‌السلام ينادي : ألا من ناصر فينصرنا ، ألا من ذابّ يذبّ عن حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. فسمعن النساء والأطفال نداء الحسينعليه‌السلام فتصارخن بالعويل والبكاء.

١٠٧

فلما سمع سعد بن الحرث وأخوه أبو الحتوف أصوات النساء والأطفال من آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان بعد صلاة الظهر ، وهما في حومة الحرب ، قالا : إنا لله ولا حكم إلا لله ، ولا طاعة لمن عصاه. وهذا الحسين ابن بنت نبينا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونحن نرجو شفاعة جده يوم القيامة ، فكيف نقاتله وهو بهذا الحال ، نراه لا ناصر له ولا معين؟!. فمالا بين يدي الحسينعليه‌السلام على أعداء الله وأعدائه ، فجعلا يقاتلان قريبا منه ، حتى قتلا من القوم جماعة كثيرة وجرحا آخرين ؛ ثم قتلا معا في مكان واحد ، رضوان الله عليهما.

مصرع سويد بن عمرو ابن أبي المطاع الخثعمي

٩٩ ـ مصرع سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي :

(كامل ابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٩٤)

وأما سويد بن أبي المطاع فكان قد صرع ، فوقع بين القتلى مثخنا بالجراحات (وظنّ أنه قتل). فلما قتل الحسينعليه‌السلام وسمعهم يقولون : قتل الحسينعليه‌السلام ، فوجد خفّة ، فتحامل وأخرج سكّينة من خفّه (وكان سيفه قد أخذ) ، فقاتلهم بسكينه ساعة. وكان يرتجز ويقول :

اقدم حسين اليوم تلقى أحمدا

وشيخك الحبر عليا ذا الندى

وحسنا كالبدر وافى الأسعدا

وعمك القرم الهمام الأرشدا

حمزة ليث الله يدعى أسدا

وذا الجناحين تبوّا مقعدا

في جنة الفردوس يعلو صعدا

وتعطّفوا عليه فقتلوه. قتله عروة بن بطان الثعلبي وزيد بن رقّاد الجبني. وكان سويد آخر من قتل من أصحاب الحسينعليه‌السلام .

وفي (تاريخ الطبري) ج ٦ ص ٢٥٥ : أنه آخر من بقي مع الحسينعليه‌السلام من أصحابه ، قتله عروة بن بطار التغلبي وزيد بن رقاد الجبني.

١٠٠ ـ كل قتيل في جنب الله شهيد :(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢٥)

وكان يأتي الحسين الرجل بعد الرجل ، فيقول : السلام عليك يابن رسول الله ،

١٠٨

فيجيبه الحسينعليه‌السلام : وعليك السلام ، ونحن خلفك ، ويتلو :( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ) [الأحزاب : ٢٣] ، ثم يحمل فيقتل. حتى قتلوا عن آخرهم رضوان الله عليهم ، ولم يبق مع الحسينعليه‌السلام إلا أهل بيته.

(يقول الخوارزمي) : وهكذا يكون المؤمن ، يؤثر دينه على دنياه ، وموته على حياته ، في سبيل الله ، ينصر الحق وإن قتل. قال تعالى :( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) [آل عمران : ١٦٩].

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كل قتيل في جنب الله شهيد».

ولما وقف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على شهداء أحد وفيهم حمزة بن عبد المطلب ، قال : أنا شهيد هؤلاء القوم ، زمّلوهم بدمائهم ، فإنهم يحشرون يوم القيامة وكلومهم رواء ، وأوداجهم تشخب دما ؛ فاللون لون الدم ، والريح ريح المسك. فهم كما قيل :

كسته القنا حلّة من دم

فأضحت لرائيه من أرجوان

جزته معانقة الدارعين

معانقة القاصرات الحسان

* معنى (الشهيد) ومعنى ذكراه :

(مجلة الإسلام في معارفه وفنونه ـ بعلبك ، السنة ١٠ نيسان ١٩٦١)

يقول الشيخ حبيب آل إبراهيمرحمه‌الله :

الشهيد بكل بساطة إنسان قتل ، مع شرط أساسي : في سبيل رسالة. وبدون هذا الشرط لن يكون (شهيدا) ، بل : إنسان مات.

من جسد الشهيد من ذكراه يرتفع رمز ، يحوّله من قتيل إلى ضمير ؛ ضمير أمة أو جماعة بأكملها ، تجد فيه تعبيرا عن آمالها ، فتكرم ذكراه ، لكي يبقى الشهيد حيا في النفوس يذكي الآمال.

ههنا الفرق : الشهيد حيّ بما يمثّل من آمال ، أما القتيل فميّت.

لقد كان الحسينعليه‌السلام ضمير الإسلام ، يحتجّ على كل انحراف عن النهج الّذي خطّه من قبل جده خاتم الرسل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١٠٩

( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (١٦٩)

[آل عمران : ١٦٩].

أشهر المستشهدين من أصحاب الحسينعليه‌السلام

مع ذكر قاتليهم (مرتبين على الأحرف الهجائية)

(اسم الشهيد)

(اسم قاتله)

أبو ثمامة الصائدي

(ابن عمه) قيس بن عبد الله

أنس بن الحارث الكاهلي

(استشهد رميا بالنبل)

بربر بن خضير الهمداني

رضي بن منقذ العبدي وكعب بن جابر الأزدي

جون مولى أبي ذر الغفاري

(أستشهد على يد جماعة من القوم)

حبيب بن مظاهر الأسدي

الحصين بن نمير (وقيل بديل بن صريم)

الحر بن يزيد الرياحي

(أستشهد رميا بالنبل)

حنظلة بن أسعد الشبامي

(أستشهد على يد جماعة من القوم)

زهير بن القين البجلي

كثير بن عبد الله الشعبي ومهاجر بن أوس التميمي

سعيد بن عبد الله الحنفي

(أستشهد رميا بالنبل)

سوار بن أبي عمير الفهمي

(أستشهد أسيرا)

سويد بن عمرو الخثعمي

عروة بن بطار التغلبي وزيد بن رقاد الجهني

شوذب مولى بني شاكر

(أستشهد بالمبارزة)

عابس بن شبيب الشاكري

(أستشهد على يد جماعة من القوم)

عبد الله بن عمير الكلبي

(أستشهد أسيرا)

عمرو بن جنادة الأنصاري

(أستشهد على يد جماعة من القوم)

عمرو بن قرظة الأنصاري

(أستشهد رميا بالنبل)

مسلم بن عوسجة الأسدي

مسلم بن عبد الله الضبابي وعبد الله بن خشكارة

نافع بن هلال الجملي

(أستشهد أسيرا) قتله الشمر

وهب بن حباب الكلبي

(أستشهد أسيرا)

١١٠

الفصل الثالث والعشرون

شهادة أهل البيتعليهم‌السلام

ويتضمن :

ـ مقدمة الفصل

١ ـ شهادة علي الأكبرعليه‌السلام

٢ ـ شهادة عبد الله بن مسلم بن عقيلعليه‌السلام

٣ ـ حملة آل أبي طالبعليه‌السلام

٤ ـ شهادة الغلام القاسم بن الحسنعليه‌السلام

٥ ـ شهادة بعض إخوة الحسينعليه‌السلام

٦ ـ شهادة أبي الفضل العباس وإخوتهعليه‌السلام

٧ ـ الحسينعليه‌السلام يودّع عياله

٨ ـ شهادة علي الأصغر بن الحسينعليه‌السلام

٩ ـ شهادة عبد الله الرضيععليه‌السلام

١٠ ـ الضحاك بن عبد الله المشرقي يترك المعركة

١١ ـ جدول بأشهر المستشهدين من آل أبي طالبعليه‌السلام مع ذكر أمهاتهم ومن قتلهم.

١١١
١١٢

الفصل الثالث والعشرون

شهادة أهل البيتعليهم‌السلام

مقدمة الفصل :

بعد أن صرع جميع أصحاب الحسينعليهم‌السلام تقريبا ، خرج أهل البيتعليهم‌السلام من آل أبي طالبعليه‌السلام للمبارزة والقتال ، وكان عددهم ما بين ١٧ و ٢٧ شخصا.

ومن المسلم به أن أول من تقدّم من أهل البيتعليهم‌السلام إلى البراز الابن الأكبر للحسينعليه‌السلام وهو علي الأكبرعليه‌السلام رغم ما رواه ابن نما في (مثير الأحزان ، ص ٥١) من أن علي الأكبرعليه‌السلام برز إلى القتال حين لم يبق مع الحسينعليه‌السلام من أهل بيته إلا الأقل ، وأن ذلك كان بعد شهادة العباسعليه‌السلام . ووافقه على ذلك الخوارزمي في مقتله. أما في (مقتل الحسين المشتهر بمقتل أبي مخنف) فقد ذكر شهادة علي الأكبرعليه‌السلام بعد القاسمعليه‌السلام ، بينما ذكر شهادة العباسعليه‌السلام في أول المبارزات قبل الأصحاب ، وهذا مستبعد جدا.

ويمكن ترتيب شهادة أهل البيتعليهم‌السلام التي سبقت شهادة الحسينعليه‌السلام كما يلي :

ـ شهادة علي الأكبرعليه‌السلام .

ـ شهادة عبد الله بن مسلم بن عقيلعليه‌السلام .

ـ شهادة محمّد بن مسلم بن عقيلعليه‌السلام .

ـ حملة آل أبي طالبعليه‌السلام : شهادة جعفر بن عقيل ـ عبد الرحمن بن عقيل ـ عبد الله الأكبر بن عقيل ـ محمّد وعون الأكبر ولدي عبد الله بن جعفر.

ـ شهادة عبد الله الأكبر بن الحسنعليه‌السلام .

ـ شهادة الغلام القاسم بن الحسنعليه‌السلام .

١١٣

ـ شهادة بعض إخوة الحسينعليه‌السلام : أبو بكر بن عليعليه‌السلام ـ عمر بن عليعليه‌السلام ـ إخوة العباس لأمه وأبيه : عبد الله ـ جعفر ـ عثمان بن عليعليه‌السلام .

ـ شهادة أبي الفضل العباسعليه‌السلام .

ـ شهادة عبد الله الرضيععليه‌السلام أصغر أبناء الحسينعليه‌السلام .

المستشهدون من آل أبي طالبعليهم‌السلام

١٠١ ـ المستشهدون من آل أبي طالبعليهم‌السلام :

(أدب الطف للسيد جواد شبّر ، ص ٥٧)

ذكر سليمان بن قتّة أسماء المستشهدين من أهل البيتعليهم‌السلام في الأبيات التالية :

عين جودي بعبرة وعويل

واندبي إن ندبت آل الرسول

ستة كلهم لصلب عليّ

قد أصيبوا وسبعة لعقيل

واندبي إن بكيت عونا أخاهم

ليس فيما ينوبهم بخذول

وسميّ النبي غودر فيهم

قد علوه بصارم مصقول

وقد وردت هذه الأشعار في الفقرة ١٤ عن (مروج الذهب) للمسعودي بصيغة أخرى ، ص ٤٦ ، فراجع.

توضيح : أراد بقوله (ستة كلهم لصلب علي) أبناء الإمام عليعليه‌السلام وهم :الحسينعليه‌السلام ـ العباس ـ عبد الله ـ جعفر ـ عثمان ـ أبو بكر (محمّد الأصغر أو عبد الله).

وأراد بقوله (وسبعة لعقيل) : مسلم بن عقيل ـ عبد الله بن مسلم ـ محمّد ابن مسلم ـ محمّد بن أبي سعيد بن عقيل ـ عبد الرحمن بن عقيل ـ جعفر بن عقيل ـ عبد الله بن عقيل.

وأراد بقوله (وسميّ النبي) هو محمّد أخو عون بن عبد الله بن جعفرعليه‌السلام .

١٠٢ ـ شهادة أهل البيتعليهم‌السلام (مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢٦)

ولما قتل أصحاب الحسينعليه‌السلام ، ولم يبق إلا أهل بيته ، وهم : ولد عليعليه‌السلام ، وولد جعفر ، وولد عقيل ، وولد الحسن ، وولدهعليه‌السلام ، وعددهم على الأشهر ١٧ شخصا ، اجتمعوا وودّع بعضهم بعضا وعزموا على الحرب.

١١٤

وقد مرّ إحصاء بأسمائهم وعددهم وترتيب استشهادهم فيما مضى في الفصل الحادي والعشرين ، ص ٤٢(١) .

١٠٣ ـ بروز علي الأكبر بن الحسينعليه‌السلام للقتال :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣١٨ ط ٣)

ولما لم يبق مع الحسينعليه‌السلام إلا أهل بيته ، عزموا على ملاقاة الحتوف ببأس شديد وحفاظ مرّ ونفوس أبيّة ، وأقبل بعضهم يودّع بعضا.

وأول من تقدّم إلى البراز علي الأكبرعليه‌السلام وعمره سبع وعشرون سنة(٢) فإنه ولد في ١١ شعبان سنة ٣٣ ه‍. وأمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي.

١٠٤ ـ دعاء ليلى لابنها :

(الفاجعة العظمى لعبد الحسين بن حبيب الموسوي الحائري ، ص ١٣٨)

قال السيد عبد الحسين الموسوي : عندما برز علي الأكبرعليه‌السلام إلى القتال ، بادر إليه بكر بن غانم. فلما خرج إليه اللعين تغيّر وجه الحسينعليه‌السلام ، فقالت أمه ليلى :

__________________

(١) المشهور بين أصحاب التواريخ والمقاتل أن عددهم (١٧) شخصا هم :

خمسة من نسل عقيل وهم : عبد الله ومحمد ولدا مسلم بن عقيل ، وجعفر وعبد الرحمن وعبد الله أولاد عقيل. واثنان من أولاد عبد الله بن جعفر ، وهما عون ومحمد. وخمسة من أولاد الإمام علي عليه‌السلام وهم : العباس واخوته لأمه وأبيه جعفر وعثمان وعبد الله ، وأبو بكر. وثلاثة من أولاد الحسن عليه‌السلام وهم : أبو بكر وعبد الله والقاسم. واثنان من أولاد الإمام الحسين عليه‌السلام وهما : علي الأكبر وعبد الله الرضيع.

هذا وقد ألّفت كتابا بعنوان (أنساب العترة الطاهرة) يحوي في آخره تحقيقا قيّما لأسماء المستشهدين من آل أبي طالب عليه‌السلام في كربلاء ، مأخوذا من ١٤ مصدر بطريقة التقاطع.

(٢) لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٦٨. وذكر المقرّم في مقتله ، ص ٣١٨ أن عمر علي الأكبر كان ٢٧ سنة نقلا عن مخطوط (أنيس الشيعة) فليراجع. واعتبره المقرم أول المستشهدين من أهل البيت الطاهر ، بينما اعتبر الخوارزمي شهادته متأخرة بعد شهادة العباس (ع). ونذكر هنا أنه كان للإمام الحسينعليه‌السلام يوم الطف أربعة ذكور : (الأول) علي الأكبر شهيد كربلاء ، أمه ليلى بنت أبي مرة الثقفي. (والثاني) علي الأوسط زين العابدينعليه‌السلام ، أمه شاهزنان بنت كسرى يزدجرد ملك الفرس. قال المفيد : الأكبر هو زين العابدينعليه‌السلام ، وهو الّذي اتصلت منه سلالة النبي (ص).(والثالث) علي الأصغر ، أصابه سهم وهو طفل فمات ، أمه سلافة. (والرابع) عبد الله الرضيع الّذي أتاه سهم فذبحه وهو في حجر أبيه ، وأمه الرباب بنت امرئ القيس الكلابية ، وهي أم سكينةعليه‌السلام .

١١٥

يا سيدي لعل قد أصابه شيء؟!. قالعليه‌السلام : لا يا ليلى ، ولكن قد خرج إليه من أخاف منه عليه ؛ فادعي له ، فإني قد سمعت جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «إن دعاء الأم يستجاب في حق ولدها». فكشفت رأسها ودعت له ، ولعنت بكرا ، إلى أن جرى بينهما ما جرى.

(وفي خبر) دعت ليلى بهذا الدعاء : يا رادّ يوسف على يعقوب من بعد الفراق ، وجاعله في الدهر مسرورا ، ويا رادّ إسماعيل إلى هاجر. إلهي بعطش أبي عبد الله ، إلهي بغربة أبي عبد الله ، امنن عليّ بردّ ولدي.

١٠٥ ـ مصرع علي الأكبر بن الحسينعليه‌السلام على يد مرة بن منقذ العبدي :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٣٠)

فاستأذن أباه في القتال ، فأذن له. ثم نظر إليه نظرة آيس منه ، وأرخى عينيه فبكى.

ثم رفع سبابتيه نحو السماء وقال : الله م كن أنت الشهيد عليهم ، فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسولك محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) وكنا إذا اشتقنا إلى وجه رسولك نظرنا إلى وجهه. الله م فامنعهم بركات الأرض ، وإن منعتهم ففرقهم تفريقا ، ومزّقهم تمزيقا ، واجعلهم طرائق قددا ، ولا ترض الولاة عنهم أبدا.فإنهم دعونا لينصرونا ، ثم عدوا علينا يقاتلونا ويقتلونا(٢) . ثم صاح الحسينعليه‌السلام بعمر بن سعد : مالك قطع الله رحمك ولا بارك لك في أمرك ، وسلّط عليك من يذبحك على فراشك ، كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم رفع صوته وقرأ :( إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ٣٣ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٣٤) [آل عمران: ٣٣ ـ ٣٤].

شهادة علي الأكبرعليه‌السلام

ثم حمل علي بن الحسينعليه‌السلام وهو يقول :

أنا علي بن الحسين بن علي

نحن وبيت الله أولى بالنبي

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٢١ نقلا عن مثير الأحزان لابن نما ، واللهوف ، ص ٦٣.

(٢) ذكر أبو مخنف في مقتله مثل هذا الكلام بعد استشهاد القاسمعليه‌السلام ص ٨٠.

١١٦

والله لا يحكم فينا ابن الدّعي

أطعنكم بالرمح حتى ينثني

أضربكم بالسيف حتى يلتوي

ضرب غلام هاشميّ علوي

وكان علي الأكبرعليه‌السلام مرآة الجمال النبوي ، ومثال خلقه السامي ، وأنموذجا من منطقة البليغ ، كأن الشاعر (الشيخ عبد الحسين صادق) عناه بقوله :

ورث الصفات الغرّ وهي تراثه

من كل غطريف وشهم أصيد

في بأس حمزة في شجاعة حيدر

بإبا الحسين وفي مهابة أحمد

وتراه في خلق وطيب خلائق

وبليغ نطق كالنبيّ محمّد

قال المرحوم الحاج شيخ جعفر : فلما تجلى وجه طلعته من أفق العقاب ، واستبرى يده وقدمه على العنان والركاب ، فأخذت عماته وأخواته بعنانه وركابه ، فأحدقن به ومنعنه من العزيمة ، والحسينعليه‌السلام ينادي : خلوّا سبيله فإنه ممسوس في الله ، ومقتول في سبيل الله.

وفي (الدمعة الساكبة) : لما توجّه علي الأكبر إلى الحرب ، اجتمعت النساء حوله كالحلقة ، وقلن له : ارحم غربتنا ، ولا تستعجل إلى القتال ، فإنه ليس لنا طاقة في فراقك.

قال : فلم يزل يجهد ويبالغ في طلب الإذن من أبيه ، حتى أذن له. ثم ودّع أباه والحرم ، وتوجّه نحو الميدان.

فلم يزل يقاتل حتى ضجّ أهل الكوفة لكثرة من قتل منهم ، حتى أنه روي أنه على عطشه قتل ١٢٠ رجلا. ثم رجع إلى أبيه الحسينعليه‌السلام وقد أصابته جراحات كثيرة. فقال : يا أبت العطش قد قتلني ، وثقل الحديد قد أجهدني ، فهل إلى شربة من ماء سبيل ، أتقوى بها على الأعداء؟. فبكى الحسينعليه‌السلام وقال : يا بنيّ عزّ على محمّد وعلى علي وعلى أبيك ، أن تدعوهم فلا يجيبوك ، وتستغيث بهم فلا يغيثوك.يا بنيّ هات لسانك. فأخذ لسانه فمصّه ، ودفع إليه خاتمه(١) وقال له : خذ هذا الخاتم في فيك ، وارجع إلى قتال عدوك ، فإني أرجو أن لا تمسي حتى يسقيك جدك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا.

وأورد المقرم في مقتله : ومن جهة أن ليلى أم علي الأكبر هي بنت ميمونة ابنة أبي

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٢٢ نقلا عن مقتل العوالم ، ص ٩٥.

١١٧

سفيان(١) صاح رجل من القوم : يا علي إن لك رحما بأمير المؤمنين [يزيد] ونريد أن نرعى الرحم ، فإن شئت آمنّاك!. فقالعليه‌السلام : إن قرابة رسول الله أحقّ أن ترعى(٢) .

فرجع علي بن الحسين إلى القتال ، وحمل وهو يقول :

الحرب قد بانت لها حقائق

وظهرت من بعدها مصادق

والله ربّ العرش لا نفارق

جموعكم أو تغمد البوارق

وجعل يقاتل حتى قتل تمام المئتين (وفي رواية : فقال مرّة بن منقذ العبدي(٣) :عليّ آثام العرب إن لم أثكل أباه به ، فطعنه بالرمح في ظهره(٤) ). ثم ضربه (مرّة) على مفرق رأسه ضربة صرعه فيها ، وضربه الناس بأسيافهم ، فاعتنق الفرس فحمله الفرس إلى عسكر عدوه ، فقطّعوه بأسيافهم إربا إربا. فلما بلغت روحه التراقي نادى بأعلى صوته : يا أبتاه! هذا جدي رسول الله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبدا ، وهو يقول لك : العجل ، فإن لك كأسا مذخورة(٥) . فصاح الحسينعليه‌السلام : قتل الله قوما قتلوك يا بني ، ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة رسول الله ، على الدنيا بعدك العفا(٦) .

وروي أن الحسينعليه‌السلام بكى عليه بكاء شديدا.

وفي (ناسخ التواريخ) أن الحسينعليه‌السلام لما جاء إلى ولده ، رآه وبه رمق ، وفتح

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٢٠ نقلا عن الإصابة لابن حجر ، ج ٤ ص ١٧٨ ـ ترجمة أبي مرة.

(٢) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٢١ نقلا عن (سر السلسلة) لأبي نصر في النسب ؛ ونسب قريش لمصعب الزبيري ، ص ٥٧.

(٣) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٢٣ نقلا عن كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ٣٠ ؛ والأخبار الطوال ، ص ٢٥٤ ؛ وإرشاد المفيد ومثير ابن نما واللهوف. وفي تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٦ أن اسمه (مرة بن منقذ بن النعمان العبدي) ؛ وفي مقتل العوالم ، ص ٩٥ (منقذ بن مرة) ، وهو ما أورده الخوارزمي في مقتله.

(٤) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٢٤ عن مناقب ابن شهر اشوب ، ج ٢ ص ٢٢٢ ط إيران.

(٥) ذكر أبو مخنف في مقتله ، ص ٨١ هذا الكلام باختصار.

(٦) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٢٥ نقلا عن تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٦. والعفاء : التراب.

وقال أبو عبيدة : العفاء : الدروس والهلاك.

١١٨

عليعليه‌السلام عينيه في وجه أبيه ، وقال : يا أبتاه أرى أبواب السماء قد انفتحت ، والحور العين بيدها كؤوس الماء قد نزلن من السماء ، وهن يدعونني إلى الجنة ؛ فأوصيك بهذه النسوة ، بأن لا يخمشن عليّ وجها. ثم سكن وانقطع أنينه.

وفي (الفاجعة العظمى) ص ١٣٧ ، قال أبو مخنف : ووضع الحسينعليه‌السلام رأس ولده علي في حجره ، وجعل يمسح الدم عن ثناياه ، وجعل يلثمه ويقول : يا بني ، لعن الله قوما قتلوك ، ما أجرأهم على الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وهملت عيناه بالدموع وقال :أما أنت يا بني ، فقد استرحت من كرب الدنيا ومحنها ، وصرت إلى روح وريحان ، وبقي أبوك ، وما أسرع لحوقه بك.

قال : وجعل الحسينعليه‌السلام يتنفس الصعداء.

وفي (المنتخب) : وصاح الحسينعليه‌السلام بأعلى صوته ، فتصارخن النساء. وقال لهن الحسينعليه‌السلام : اسكتن ، فإن البكاء أمامكنّ.

ـ زينبعليها‌السلام تؤبّن الشهيد

(الفاجعة العظمى ، ص ١٣٧)

وروي أن زينبعليها‌السلام خرجت مسرعة تنادي بالويل والثبور ، وتقول :

يا حبيباه

قال حميد بن مسلم : لكأني أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها شمس طالعة ، تنادي بالويل والثبور. تصيح : وا حبيباه!. وا ثمرة فؤاداه!. وا نور عيناه!.

فسألت عنها ، فقيل : هي زينب بنت عليعليهما‌السلام . ثم جاءت حتى انكبّت عليه.فجاء إليها الحسينعليه‌السلام حتى أخذ بيدها وردّها إلى الفسطاط ثم أقبل مع فتيانه إلى ابنه ، فقال : احملوا أخاكم. فحملوه من مصرعه حتى وضعوه عند الفسطاط الّذي يقاتلون أمامه.

وذكر الميانجي في (العيون العبرى) ص ١٥٣ : وفي الزيارة المروية عن الصادقعليه‌السلام : بأبي أنت وأمي من مذبوح مقتول من غير جرم ، وبأبي أنت وأمي دمك المرتقى به إلى حبيب الله [أي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] ، وبأبي أنت وأمي من مقدّم بين يدي أبيك يحتسبك ويبكي عليك ، محترقا عليك قلبه ، يرفع دمك بكفّه إلى أعنان السماء ، لا ترجع منه قطرة ، ولا تسكن من أبيك زفرة.

١١٩

ترجمة علي الأكبر ابن الإمام الحسينعليه‌السلام

كان يكنّى أبا الحسن ، ويلقّب (بالأكبر) لأنه أكبر أولاد الحسينعليه‌السلام على ما رواه صاحب (الحدائق الوردية). وروى ابن إدريس في (السرائر) ، والمفيد في (الإرشاد) : أنه ولد بعد وفاة جده أمير المؤمنين عليعليه‌السلام بسنتين (وقيل : ولد في أوائل خلافة عثمان). أمه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي ، وهي (ليلى) بنت ميمونة ابنة أبي سفيان.

وكان علي الأكبرعليه‌السلام أول المستشهدين يوم الطف من أهل البيتعليه‌السلام ، وقيل كان عمره ٢٧ وقيل ٢٥ وقيل ١٩ وقيل ١٨ والأول هو الأصح.

وكان علي الأكبر أشبه الناس خلقا وخلقا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لابل إنه شابه الخمسة أصحاب الكساء ، وهم :

محمّد وفاطمة وعلي والحسنانعليهم‌السلام .

فأما شباهته بجده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ففي كلامه ومقاله ، وفي خلقه وأخلاقه. وأما شباهته بجده الإمام عليعليه‌السلام ففي كنيته وشجاعته وتعصبه للحق. وأما شباهته بجدته فاطمة الزهراءعليها‌السلام ففي مدة حياته ، إذ توفيت الزهراء وعمرها ثماني عشرة سنة. وأما شباهته بعمه الحسنعليه‌السلام فقد شابهه بالبهاء والهيبة ، فكان وجهه يتلألأ نورا. وأما شباهته بأبيه الحسينعليه‌السلام فقد شابهه بالإباء والكرم ، ويكفيه إباء وكرما أنه أول من برز من أهل البيت الطاهر يوم كربلاء ، وما زال يضرب في القوم [ضرب غلام هاشميّ علوي] حتى استشهد رضوان الله عليه.

ـ تحقيق في سنّ علي الأكبرعليه‌السلام :

قال الميانجي في (العيون العبرى) ص ١٥٤ : ولدعليه‌السلام في ١١ من شعبان ، كما في (أنيس الشيعة) في أوائل خلافة عثمان. أمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة ابن مسعود الثقفي.

قال صاحب (نفس المهموم) : اختلفوا في سنّه الشريف اختلافا عظيما ، فقال

١٢٠