موسوعة كربلاء الجزء ٢

موسوعة كربلاء0%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 800

موسوعة كربلاء

مؤلف: الدكتور لبيب بيضون
تصنيف:

الصفحات: 800
المشاهدات: 431842
تحميل: 4280


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 800 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 431842 / تحميل: 4280
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء 2

مؤلف:
العربية

وأما الغلامان فقد أكلا وشربا ، وولجا الفراش وناما. فلما كان نصف الليل أقبل الرجل صاحب المنزل واسمه الحارث بن عروة [ويجري على بعض الألسن أنه أخو هانئ بن عروة ، وهو ليس بمعلوم]. دخل اللعين داره وهو مغضب ، وقالت زوجته :ما الّذي نزل بك؟. قال : قد كنت بباب الأمير فسمعت المنادي ينادي : إن مشكور السجّان أطلق من الحبس غلامين صغيرين لمسلم بن عقيل ، من أتى بهما إلى الأمير فله جائزة سنيّة وقضاء حاجته. وإني ركبت على فرسي وركضت في جميع الشوارع والمشارع والطرق والسكك حتى انقدّ فرسي بطنه كانقداد البعير ، وسقطت عن ظهر الفرس ، وبقيت راجلا ، وأتيت من بعيد في غاية التعب مع شدة الجوع والعطش.فقالت زوجته : ويلك خف الله أيها الرجل ، واحذر أن يكون محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خصمك ، ولا تحرّج عليهم. فقال : اسكتي فإن الأمير يغنيني بالأموال والذهب والفضة.قومي وأحضري الطعام والشراب. فقامت وأحضرت له الطعام ، وأكل وشرب وولج فراشه.

فأما الغلامان فكانا نائمين إذ انتبه محمّد وهو الأكبر ، وقال لأخيه إبراهيم : يا أخي قم حتى أقصّ عليك ما رأيت آنفا عند رقدتي ، وأظنّ أنّا نقتل عن قريب. رأيت كأن المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليا وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام وأبانا مسلما ، وهم في الجنة ، فنظر إلينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبكى. فالتفت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى مسلم ، وقال :كيف خلّفت ابنيك بين الأعداء؟!. فقال مسلم : غدا يأتياني ويلحقان بي. فقال إبراهيم : وإني لقد رأيت كذلك. تعال حتى أعانقك وتعانقني ، وأشمّ رائحتك وتشمّ رائحتي. وأخذ كل واحد منهما يشمّ الآخر. فعند ذلك سمع اللعين غطيط الغلامين وكلامهما ، فسأل امرأته ، فلم تجبه بشيء. فقام اللعين من ساعته ، وبيده شمعة ، وجعل يدور في البيت حتى دخل على الصبيين ووقف عليهما ، وإذا بهما قد اعتنق كل واحد منهما الآخر. فقال : من أنتما وما تصنعان في هذا المكان؟. فقالا : نحن أضيافك ومن عترة نبيّك ، وولد مسلم بن عقيل. فقال اللعين : قد أتلفت نفسي وفرسي في طلبكما وأنتما في داري ، وجعل يضربهما ضربا شديدا. ثم شدّ أكتافهما وألقاهما في البيت. وأقبلت امرأته وجعلت تقبّل يديه ورجليه وتبكي وتتضرع ، وتقول : يا هذا ما تريد منهما؟ وهذان غلامان صغيران يتيمان ، وهما عترة نبيك ، وهما ضيف عندنا.؟!. ولم يلتفت إليها. وبقي الغلامان على تلك الحالة حتى أصبح الصباح ، فقام اللعين وحمل سلاحه وحمل معه الغلامين إلى الفرات ،

٣٠١

وخرجت امرأته من خلفه وهي تعدو وتبكي ، فإذا دنت منه التفت إليها اللعين بالسيف ، فكانت ترجع.

ثم دعا بغلامه وناوله السيف ، وقال : اذهب بهما ، واضرب أعناقهما ، وائتني برؤوسهما. فقال الغلام : والله إني لأستحيي من محمّد المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن أقتل من عترته صبيين صغيرين. فقال اللعين : ويلك عصيتني!. فحمل على الغلام وحمل الغلام عليه ، ودارت بينهما ضربات ، حتى خرّ الغلام صريعا. فأقبلت زوجة الحارث مع ابنها ، وإذا باللعين يحزّ رأس عبده. فأقبل ابنه وحال بينهما ، وقال : يا أبة ما تريد من هذا الغلام ، وهو أخ لي من الرضاعة؟. فلم يجبه بشيء ، وقتل الغلام.

وقال لولده : اذهب بهذين الصبيين ، واضرب أعناقهما. فقال : معاذ الله أن أفعل ذلك ، أو تفعل وأنا حي. فقالت زوجته : ويلك ما ذنب هذين الصغيرين ، اذهب بهما إلى الأمير حتى يحكم فيهما بأمره. فقال : ما لي إلى ذلك من سبيل ، ولا آمن من أن يهجم عليّ شيعتهم ويأخذوهما من يدي.

وقام اللعين وجرّد سيفه وقصد الغلامين ، فحالت المرأة بينه وبينهما ، وقالت :ويلك أما تخاف الله ، أما تحذر من يوم القيامة!. فغضب اللعين ، وحمل على زوجته بالسيف وجرحها ، فوقعت مغشيا عليها. فأقبل ابنه وأخذ بيده ، وقال : ويلك قد خرفت وذهب عقلك ، ما تصنع؟. قتلت الغلام وجرحت أمي!. فاشتدّ غضبه وضرب ابنه بالسيف وقتله.

ثم أسرع إلى الغلامين وحمل عليهما. فعند ذلك بكى الغلامان وارتعدت فرائصهما ، وجعلا يتضرعان ، وقالا : أمهلنا حتى نصلي ركعات ، فما أمهلهما.فقام إلى الأكبر وأراد قتله ، فأقبل الصغير ورمى بنفسه عليه ، وقال : ابدأ بي فاقتلني ، فإني لا أستطيع أن أرى أخي قتيلا. فأخذ الصغير ، فأقبل الكبير ورمى بنفسه عليه ، وقال : ويلك كيف أطيق النظر إليه وهو يتمرّغ في دمه!. دعه واقتلني قبله. فقام اللعين إلى الأكبر وضرب عنقه ، ورمى بجسده إلى الفرات. فقام الصغير وأخذ رأس أخيه ، وجعل يقبّله. وأقبل اللعين إليه وأخذ الرأس منه ، وضرب عنقه ، ورمى بجسده في الماء. ووضع الرأسين في المخلاة.

وأقبل مسرعا ودخل قصر الإمارة ، ووضع الرأسين بين يدي ابن زياد. فقال ابن مرجانة : ما هذه الرؤوس؟. قال : رؤوس أعدائك ، ظفرت بهما وقتلتهما ، وأتيت

٣٠٢

برأسهما إليك ، لتوفي بما وعدت ، وتثيبني على ذلك ثوابا حسنا. قال : ومن أعدائي؟. قال : ولد مسلم بن عقيل. فأمر ابن زياد بأن تغسل الرؤوس ونظفهما ووضعهما في طبق بين يديه ، وقال : ويلك أما خفت من الله أن قتلت الصبيين ، وهما بلا ذنب!. وأنا كتبت إلى يزيد حالهما ، وربما طلبهما مني حيّين ، فما يكون جوابه وبما ذا أجيبه؟. ولم ما جئتني بهما سالمين؟. فقال : خشيت أن الناس يخلصونهما من يدي ، وما نلت بعطائك. قال : ألم يتيسّر لك أن تحبسهما وتأتيني بخبرهما؟.فسكت اللعين.

فالتفت عبيد الله إلى رجل كان نديمه يقال له (مقاتل) ، وكان من محبي أهل البيتعليهم‌السلام . قال : هذا اللعين قتل الصبيين بلا إذن مني ، اذهب به إلى ذلك المكان الّذي قتل فيه الغلامين ، واقتله بأي نحو شئت. فقام الرجل وقال : والله لو وهب الله لي إمارة الكوفة ما سررت به كسروري بهذا. فشدّ أكتاف اللعين ، وجعل يقوده حافيا حاسرا في أزقة الكوفة وسككها ، ومعه رؤوس أولاد مسلم. وجعل يقول :أيها الناس ، هذا قاتل الصبيين ، والناس يبكون ويلعنون الحارث ويشتمونه ، حتى اجتمع خلق كثير. وجاؤوا إلى الفرات ، وإذا بغلام قتيل ، وشاب مقتول ، وامرأة جريحة. فتعجبوا من تلك الخباثة والشقاوة. والتفت اللعين إلى (مقاتل) وقال : كفّ عني حتى أختفي ، وأعطيك عشرة آلاف دينار. فقال مقاتل : والله لو كانت الدنيا كلها لك وأعطيتني إياها لما خلّيت سبيلك ، وأنا أطلب الجنة بقتلك. ثم قطع يديه ورجليه وسمل عينيه وقطع أذنيه وشقّ بطنه ، ووضع هذه كلها في بطنه ، وجاء بحجر وربطه برجليه ، وألقاه في الماء. وجاءت موجة ورمت به إلى البر ، إلى ثلاث مرات. ثم حفر بئرا ورمى به في البئر ، وضمه في التراب ، فما كان بأسرع من أن قذفته الأرض فوقها ، إلى ثلاث مرات. ثم أحرقوه بالنار.

وأمر ابن زياد بأن يرموا برؤوس أولاد مسلم في الفرات ، فخرجت أبدانهم ، فكل رأس لحق بجسده ، ثم اعتنقا جميعا وغمرا في الماء.

الرواية الثانية

٣٥٦ ـ قصة الغلامين من أولاد مسلم بن عقيلعليه‌السلام :

(أمالي الشيخ الصدوق ، ص ٧٦ ط بيروت)

حدّثنا محمّد بن مسلم عن حمران بن أعين عن أبي محمّد شيخ لأهل الكوفة ، قال :

٣٠٣

لما قتل الحسين بن عليعليه‌السلام أسر من معسكره غلامان صغيران. فأتى بهما عبيد الله بن زياد. فدعا سجانا له ، فقال : خذ هذين الغلامين إليك ، فمن طيّب الطعام فلا تطعمهما ، ومن الماء البارد فلا تسقهما ، وضيّق عليهما سجنهما. فكان الغلامان يصومان النهار ، فإذا جنّهما الليل أتيا بقرصين من شعير وكوز من ماء القراح. فلما طال بالغلامين المكث حتى صارا في السنة ، قالأحدهما لصاحبه :

يا أخي قد طال بنا مكثنا ، ويوشك أن تفنى أعمارنا ، وتبلى أبداننا ، فإذا جاء الشيخ فأعلمه مكاننا ، وتقرّب إليه بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعله يوسّع علينا في طعامنا ويزيدنا في شرابنا. فلما جنّهما الليل أقبل الشيخ إليهما بقرصين من شعير وكوز من ماء القراح. فقال له الغلام الصغير : يا شيخ أتعرف محمدا؟. قال : فكيف لا أعرف محمدا وهو نبيّي!. قال: أفتعرف جعفر بن أبي طالب؟. قال : وكيف لا أعرف جعفرا وقد أنبت الله له جناحين يطير بهما مع الملائكة كيف يشاء!. قال : أفتعرف علي بن أبي طالب؟. قال : وكيف لا أعرف عليا وهو ابن عم نبيّي وأخو نبيّي!.قال : أتعرف عقيل بن أبي طالب؟. قال : نعم. قال له : يا شيخ فنحن من عترة نبيّك محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونحن من ولد مسلم بن عقيل بن أبي طالب ، بيدك أسارى ، نسألك من طيّب الطعام فلا تطعمنا ، ومن بارد الشراب فلا تسقينا ، وقد ضيّقت علينا سجننا.فانكبّ الشيخ على أقدامهما يقبّلهما ، ويقول : نفسي لنفسكما الفداء ، ووجهي لوجهكما الوقاء ، يا عترة نبي الله المصطفى. هذا باب السجن بين يديكما مفتوح ، فخذا أي طريق شئتما!. فلما جنّهما الليل أتاهما بقرصين من شعير وكوز من ماء القراح ، ووقفهما على الطريق ، وقال لهما : سيرا يا حبيبيّ الليل ، واكمنا النهار ، حتى يجعل اللهعزوجل لكما من أمركما فرجا ومخرجا. ففعل الغلامان ذلك. فلما جنهما الليل انتهيا إلى عجوز على باب ، فقالا لها : يا عجوز إنا غلامان صغيران غريبان حدثان ، غير خبيرين بالطريق ، وهذا الليل قد جنّنا ، أضيفينا سواد ليلتنا هذه ، فإذا أصبحنا لزمنا الطريق. فقالت لهما : فمن أنتما يا حبيبيّ ، فقد شممت الروائح كلها فما شممت رائحة هي أطيب من رائحتكما؟. فقالا لها :يا عجوز نحن من عترة نبيك محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هربنا من سجن عبيد الله بن زياد من القتل.قالت : يا حبيبيّ إن لي ختنا [وهو الصهر زوج البنت] قد شهد الوقعة مع عبيد الله بن زياد ، أتخوّف أن يصيبكما ههنا فيقتلكما. قالا : سواد ليلتنا هذه ، فإذا أصبحنا لزمنا الطريق. فقالت : سآتيكما بطعام ، ثم أتتهما بطعام فأكلا وشربا. ولما ولجا الفراش ، قال الصغير للكبير : يا أخي إنا نرجو أن نكون قد أمنّا ليلتنا هذه ، فتعال

٣٠٤

حتى أعانقك وتعانقني ، وأشمّ رائحتك وتشمّ رائحتي ، قبل أن يفرّق الموت بيننا.ففعل الغلامان ذلك ، واعتنقا وناما. فلما كان في بعض الليل ، أقبل ختن العجوز الفاسق ، حتى قرع الباب قرعا خفيفا. فقالت العجوز : من هذا؟. قال : أنا فلان.قالت : ما الّذي أطرقك هذه الساعة وليس هذا لك بوقت؟. قال : ويحك افتحي الباب قبل أن يطير عقلي وتنشق مرارتي في جوفي ، جهد البلاء الّذي قد نزل بي!.قالت : ويحك ما الّذي نزل بك؟. قال : هرب غلامان صغيران من عسكر عبيد الله بن زياد ، فنادى الأمير في معسكره : من جاء برأس واحد منهما فله ألف درهم ، ومن جاء برأسهما فله ألفا درهم ، فقد أتعبت فرسي وتعبت ولم يصل في يدي شيء!.فقالت العجوز : يا ختني غحذر أن يكون محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خصمك في القيامة!. قال لها : ويحك إن الدنيا محرص عليها. فقالت : وما تصنع بالدنيا وليس معها آخرة؟.قال : إني لأراك تحامين عنهما كأن عندك من طلب الأمير شيء ، فقومي فإن الأمير يدعوك. قالت : وما يصنع الأمير بي ، إنما أنا عجوز في هذه البرية!. قال : إنما لي الطلب. افتحي لي الباب حتى أريح وأستريح ، فإذا أصبحت فكرت في أي الطريق آخذ في طلبهما. ففتحت له الباب ، وأتته بطعام وشراب ، فأكل وشرب. فلما كان في بعض الليل سمع غطيط الغلامين في جوف الليل ، فأقبل يهيج كما يهيج البعير الهائج ، ويخور كما يخور الثور ، ويلمس بكفه جدار البيت ، حتى وقعت يده على جنب الغلام الصغير ، فقال له : من هذا؟. قال : أما أنا فصاحب المنزل ، فمن أنتما؟. فأقبل الصغير يحرّك الكبير ، ويقول : قم يا حبيبي فقد والله وقعنا فيما كنا نحاذره. قال لهما : من أنتما؟. قالا له : يا شيخ إن نحن صدقناك فلنا الأمان؟.قال : نعم. قالا : أمان الله وأمان رسوله وذمة الله وذمة رسول الله؟. قال : نعم.قالا : ومحمد بن عبد الله على ذلك من الشاهدين؟. قال : نعم. قالا : والله على ما نقول وكيل وشهيد؟. قال : نعم. قالا له : يا شيخ ، فنحن من عترة نبيك محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هربنا من سجن عبيد الله بن زياد من القتل. فقال لهما : من الموت هربتما وإلى الموت وقعتما. الحمد لله الّذي أظفرني بكما. فقام إلى الغلامين فشدّ أكتافهما ، فبات الغلامان ليلتهما مكتّفين. فلما انفجر عمود الصبح ، دعا غلاما له أسود يقال له (فليح) فقال : خذ هذين الغلامين ، فانطلق بهما إلى شاطئ الفرات ، واضرب أعناقهما وائتني برؤوسهما ، لأنطلق بهما إلى عبيد الله بن زياد ، وآخذ جائزة ألفي درهم. فحمل الغلام السيف فمضى بهما ومشى أمام الغلامين ، فما مضى إلا غير بعيد حتى قال أحد الغلامين : يا أسود ، ما أشبه سوادك بسواد (بلال).

٣٠٥

مؤذّن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !. قال : إن مولاي قد أمرني بقتلكما ، فمن أنتما؟. قالا له :

هذه الصورة صوّرتها في مرقد الغلامين محمّد وإبراهيم

ولدي مسلم بن عقيلعليه‌السلام في المسيّب

يا أسود ، نحن من عترة نبيك محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هربنا من سجن عبيد الله بن زياد من القتل ، أضافتنا عجوزكم هذه ، ويريد مولاك قتلنا!. فانكبّ الأسود على أقدامهما يقبّلهما ، ويقول : نفسي لنفسكما الفداء ، ووجهي لوجهكما الوقاء ، يا عترة نبي الله المصطفى ، والله لا يكون محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خصمي في القيامة. ثم عدا فرمى بالسيف من يده ناحية ، وطرح نفسه في الفرات وعبر إلى الجانب الآخر. فصاح به مولاه :

يا غلام عصيتني!. فقال : يا مولاي إنما أطعتك ما دمت لا تعصي الله ، فإذا عصيت الله فأنا منك بريء في الدنيا والآخرة. فدعا ابنه وقال : يا بنيّ إنما أجمع الدنيا ، حلالها وحرامها لك ، والدنيا محرص عليها ، فخذ هذين الغلامين إليك ، فانطلق بهما إلى شاطئ الفرات ، فاضرب أعناقهما وائتني برؤوسهما ، لأنطلق بهما إلى عبيد الله بن زياد وآخذ جائزة ألفي درهم. فأخذ الغلام السيف ومشى أمام الغلامين ، فما مضيا إلا غير بعيد ، حتى قال له أحد الغلامين : يا شاب ما أخوفني

٣٠٦

على شبابك هذا من نار جهنم ، فقال : يا حبيبيّ فمن أنتما؟. قالا : من عترة نبيك محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يريد والدك قتلنا. فانكب الغلام على أقدامهما يقبّلهما ويقول لهما مقالة الأسود ، ورمى بالسيف ناحية ، وطرح نفسه في الفرات وعبر. فصاح به أبوه : يا بنيّ عصيتني!. قال : لأن أطيع الله وأعصيك أحبّ إليّ من أن أعصي الله وأطيعك. قال الشيخ: لا يلي قتلكما أحد غيري. وأخذ السيف ومشى أمامهما ، فلما صار إلى شاطئ الفرات ، سلّ السيف من جفنه. فلما نظر الغلامان إلى السيف مسلولا اغرورقت أعينهما وقالا له : يا شيخ انطلق بنا إلى السوق واستمتع بأثماننا ، ولا ترد أن يكون محمّد خصمك في القيامة غدا. فقال : لا ولكن أقتلكما وأذهب برؤوسكما إلى عبيد الله ابن زياد وآخذ جائزة ألفين. فقالا له : يا شيخ أما تحفظ قرابتنا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !. فقال : ما لكما من رسول الله قرابة. فقالا له : يا شيخ فائت بنا إلى عبيد الله بن زياد حتى يحكم فينا بأمره. قال : ما بي إلى ذلك سبيل إلا التقرّب إليه بدمكما!.

قالا : يا شيخ أما ترحم صغر سننا!. قال : ما جعل الله لكما في قلبي من الرحمة شيئا. قالا : يا شيخ إن كان ولا بدّ فدعنا نصلي ركعات. قال : فصليا ما شئتما ، إن نفعتكما الصلاة!. فصلى الغلامان أربع ركعات ، ثم رفعا طرفيهما إلى السماء ، فناديا : يا حيّ يا عليم ، يا أحكم الحاكمين ، احكم بيننا وبينه بالحق.

فقام إلى الأكبر فضرب عنقه ، وأخذ برأسه ووضعه في المخلاة. وأقبل الغلام الصغير يتمرغ في دم أخيه ، وهو يقول : حتى ألقى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا متخضّب بدم أخي. فقال [الشيخ] : لا عليك سوف ألحقك بأخيك. ثم قام إلى الغلام الصغير فضرب عنقه ، وأخذ رأسه ووضعه في المخلاة. ورمى ببدنهما في الماء ، وهما يقطران دما.

وفي رواية (المناقب القديم) بعض الاختلاف ، يقول :

ثم هزّ السيف وضرب عنق الأكبر ، ورمى ببدنه إلى الفرات. فقال الأصغر :سألتك بالله أن تتركني حتى أتمرّغ بدم أخي ساعة. قال : وما ينفعك ذلك؟. قال :هكذا أحبّ. فتمرّغ بدم أخيه ساعة. ثم قال له الشيخ : قم ، فلم يقم. فوضع السيف على قفاه ، فضرب عنقه من قبل القفا ، ورمى ببدنه إلى الفرات. فكان بدن الأول على وجه الفرات ساعة ، حتى قذف الثاني ، فأقبل بدن الأول راجعا يشقّ الماء شقّا

٣٠٧

حتى التزم بدن أخيه ، وغارا في الماء. وسمع هذا الملعون صوتا من بينهما وهما في الماء (يقول): ربّ إنك تعلم وترى ما فعل بنا هذا الملعون ، فاستوف لنا حقنا منه يوم القيامة».

ومرّ حتى أتى بهما إلى عبيد الله بن زياد ، وهو قاعد على كرسي له ، وبيده قضيب خيزران ، فوضع الرأسين بين يديه. فلما نظر إليهما قام ثم قعد ثم قام ثم قعد ثلاثا.ثم قال : الويل لك أين ظفرت بهما؟. قال : أضافتهما عجوز لنا. قال : فما عرفت لهما حقّ الضيافة؟. قال : لا. قال : فأيّ شيء قالا لك؟.(قال) قالا : يا شيخ اذهب بنا إلى السوق فبعنا فانتفع بأثماننا ، فلا نريد أن يكون محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خصمك في القيامة. قال : فأيّ شيء قلت لهما؟.(قال) قلت : لا ، ولكن أقتلكما وأنطلق برأسكما إلى عبيد الله بن زياد ، وآخذ جائزة ألفي درهم. قال : فأيّ شيء قالا لك؟.(قال) قالا : ائت بنا إلى عبيد الله بن زياد حتى يحكم فينا بأمره. قال : فأي شيء قلت؟.(قال) قلت : ليس إلى ذلك سبيل إلا التقرب إليه بدمكما. قال : أفلا جئتني بهما حيّين ، فكنت أضاعف لك الجائزة وأجعلها أربعة آلاف درهم!. قال : ما رأيت إلى ذلك سبيلا إلا التقرّب إليك بدمهما. قال : فأيّ شيء قالا لك أيضا؟.(قال) قالا : يا شيخ احفظ قرابتنا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال : فأي شيء قلت لهما؟.(قال) قلت : ما لكما من رسول الله قرابة. قال : ويلك فأي شيء قالا لك أيضا؟.(قال) قالا : يا شيخ ارحم صغر سننا. قال : فما رحمتهما؟. قال : لا ، قلت : ما جعل الله لكما من الرحمة في قلبي شيئا. قال : ويلك فأي شيء قالا لك أيضا؟.(قال) قالا :دعنا نصلي ركعات ، فقلت : فصلّيا ما شئتما إن نفعتكما الصلاة. فصلى الغلامان أربع ركعات. قال : فأي شيء قالا في آخر صلاتهما؟. قال : رفعا طرفيهما إلى السماء ، وقالا : يا حيّ يا عليم ، يا أحكم الحاكمين ، احكم بيننا وبينه بالحق.

قال عبيد الله بن زياد : فإن أحكم الحاكمين قد حكم بينكما وبين الفاسق.

قال : فانتدب إليه رجل من أهل الشام ، فقال : أنا له.

وفي رواية المناقب : «فدعا عبيد الله بغلام له أسود يقال له نادر ، فقال له :

يا نادر ، دونك هذا الشيخ ، شدّ كتفيه».

قال : فانطلق به إلى الموضع الّذي قتل فيه الغلامين فاضرب عنقه ، ولا تترك أن يختلط دمه بدمهما ، وعجّل برأسه. ففعل الرجل ذلك.

٣٠٨

وفي رواية المناقب : «فضرب عنقه ، فرمى بجيفته إلى الماء ، فلم يقبله الماء ، ورمى به إلى الشط».

وجاء برأسه فنصبه على قناة ، فجعل الصبيان يرمونه بالنبل والحجارة ، وهم يقولون : هذا قاتل ذرّية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وصول نعي الحسينعليه‌السلام

٣٥٧ ـ ابن زياد يخبر الأمصار بمقتل الحسينعليه‌السلام :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٨٩)

وكتب ابن زياد إلى يزيد بقتل الحسينعليه‌السلام وخبر أهل بيته.

وتقدم إلى عبد الملك بن الحارث السلمي ، فقال : انطلق حتى تأتي عمرو بن سعيد بن العاص [الأشدق] بالمدينة (وكان أميرا عليها ، وهو من بني أمية) ، فتبشّره بقتل الحسين. وقال : لا يسبقنّك الخبر إليه. فاعتذر بالمرض ، فلم يقبل منه. وكان ابن زياد شديد الوطأة ، لا يصطلى بناره. وأمره أن يجدّ السير ، فإن قامت به الراحلة يشتري غيرها ، ولا يسبقه الخبر من غيره.

قال عبد الملك : فركبت راحلتي ، حتى إذا وصلت المدينة ، لقيني رجل من قريش ، فقال : ما الخبر؟. قلت : الخبر عند الأمير تسمعه. قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، قتل والله الحسينعليه‌السلام .

وكان وصول نعي الحسينعليه‌السلام بعد ٢٤ يوما من مقتله الشريف.

٣٥٨ ـ طغيان الأشدق وشماتته حين بلغه مقتل الحسينعليه‌السلام :

(المصدر السابق)

قال عبد الملك بن الحارث : ولما دخلت على عمرو بن سعيد ، قال : ما وراءك؟. فقلت : ما يسرّ الأمير ، قتل الحسين بن علي. فقال : اخرج فناد بقتله.فناديت بقتله في أزقة المدينة. فلم يسمع ذلك اليوم واعية مثل واعية نساء بني هاشم في دورهن على الحسين بن عليعليهما‌السلام حين سمعوا النداء.

فدخلت على عمرو بن سعيد ، فلما رآني تبسّم إليّ ضاحكا ، ثم تمثّل بقول عمرو ابن معديكرب الزبيدي :

٣٠٩

عجّت نساء بني زياد عجّة

كعجيج نسوتنا غداة الأرنب(١)

ثم قال عمرو : هذه واعية بواعية عثمان!.

وفي (كامل ابن الأثير) : ناعية كناعية عثمان.

٣٥٩ ـ خطبة عمرو بن سعيد يخبر فيها الناس بمقتل الحسينعليه‌السلام :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٤٣٧)

ثم صعد عمرو بن سعيد بن العاص المنبر ، وخطب الناس وأعلمهم قتل الحسينعليه‌السلام ، وقال في خطبته : إنها لدمة بلدمة(٢) وصدمة بصدمة. كم خطبة بعد خطبة ، وموعظة بعد موعظة (خطبة بالغة فما تغني النّذر). والله لوددت أن رأسه في بدنه ، وروحه في جسده. أحيانا كان يسبّنا ونمدحه ، ويقطعنا ونصله ، كعادتنا وعادته ، ولم يكن من أمره ما كان ، ولكن كيف نصنع بمن سلّ سيفه يريد قتلنا ، إلا أن ندفعه عن أنفسنا؟!.

فقام إليه عبد الله بن السائب فقال : أما لو كانت فاطمة حيّة فرأت رأس الحسين لبكت عليه!. فجبهه عمرو بن سعيد وقال : نحن أحقّ بفاطمة منك ، أبوها عمنا وزوجها أخونا وابنها ابننا (وأمها ابنتنا). أما لو كانت فاطمة حية لبكت عينها وحزن كبدها ، ولكن ما لامت من قتله ، ودفعه عن نفسه.

ترجمة عمرو بن سعيد

(الأشدق)

كان عمرو بن سعيد بن العاص المشتهر بالأشدق ، فظّا غليظا قاسيا. أمر صاحب شرطته على المدينة عمرو بن الزبير بن العوام بعد مقتل الحسينعليه‌السلام أن يهدم دور بني هاشم ففعل ، وبلغ منهم كل مبلغ. وهدم دار ابن مطيع. وضرب الناس ضربا شديدا ، فهربوا منه إلى ابن الزبير. وسمّي (بالأشدق) لأنه أصابه اعوجاج في حلقه إلى الجانب الآخر ، لإغراقه في شتم الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

__________________

(١) الأرنب : وقعة كانت لبني زبيد على بني زياد من بني الحارث بن كعب.

(٢) اللدم : صوت الحجر أو الشيء يقع بالأرض ، وليس بالصوت الشديد. ولدمت المرأة وجهها : ضربته.

٣١٠

٣٦٠ ـ ندب أم لقمان (زينب الصغرى) بنت عقيل :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٩٠)

وخرجت أم لقمان بنت عقيل بن أبي طالبعليه‌السلام حين سمعت نعي الحسينعليه‌السلام حاسرة ، ومعها أخواتها : أم هاني وأسماء ورملة وزينب بنات عقيل بن أبي طالبعليه‌السلام تبكي قتلاها بالطف ، وهي تقول :

ما ذا تقولون إن قال النبي لكم

ما ذا فعلتم وأنتم آخر الأمم؟

بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي

منهم أسارى وقتلى ضرّجوا بدم

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

إني لأخشى عليكم أن يحلّ بكم

مثل العذاب الّذي يأتي على الأمم

وفي (تاريخ ابن عساكر) تراجم النساء ، ص ١٢٣ : أن زينب العقيلةعليها‌السلام هي التي قالت هذه الأبيات يوم الطف ، بعد أن أخرجت رأسها من الخباء ، وهي رافعة عقيرتها [أي صوتها] ، بعد أخيها الحسينعليه‌السلام .

٣٦١ ـ ما قاله عبد الله بن جعفر حين بلغه مقتل الحسينعليه‌السلام ومصرع ولديه محمّد وعون(الحسين في طريقه إلى الشهادة ، ص ٥)

لما ورد نعي الحسينعليه‌السلام إلى المدينة ، كان عبد الله بن جعفر جالسا في بيته ، ودخل عليه الناس يعزّونه. فقال غلامه أبو اللسلاس : هذا ما لقيناه من الحسين [يعني قتل محمّد وعون ولدي عبد الله بن جعفر]!. قال الراوي : فحذفه عبد الله بنعله ، وقال : يابن اللخناء أللحسين تقول هذا؟. والله لو شهدته لأحببت أن لا أفارقه حتى أقتل معه. والله إنه لمما يسخي بالنفس عنهما ، ويهوّن على المصاب بهما ، أنهما أصيبا مع أخي وابن عمي مواسيين له صابرين معه. ثم أقبل على جلسائه فقال : الحمد لله ، أعزز عليّ بمصرع الحسينعليه‌السلام أن لا أكن آسيت حسينا بيدي ، فقد آسيته بولديّ.

٣٦٢ ـ ندب أم البنين لأولادهاعليهم‌السلام :(المجالس السنية ، ج ١ ص ١٣٤)

وكانت أم البنين [وهي إحدى زوجات الإمام عليعليه‌السلام وأم الإخوة الأربعة الذين استشهدوا في كربلاء ، وأكبرهم العباس بن عليعليه‌السلام ] كانت تخرج كل يوم إلى البقيع [وهي المقبرة المجاورة لقبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الشرق] وتحمل معها عبيد الله ابن ولدها العباسعليه‌السلام ، فتندب أولادها الأربعة ، خصوصا العباسعليه‌السلام ،

٣١١

أشجى ندبة وأحرقها. فيجتمع أهل المدينة ليسمعوا بكاءها وندبتها. فكان مروان بن الحكم ـ على شدة عداوته لبني هاشم ـ يجيء ، فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي.

ومما كانت ترثي به ولدها العباسعليه‌السلام قولها :

يا من رأى العباس كرّ

على جماهير النّقد(١)

ووراه من أبناء حي

در كل ليث ذو لبد

أنبئت أن ابني أصي

ب برأسه مقطوع يد

ويلي على شبلي أما

ل برأسه ضرب العمد

لو كان سيفك في يدي

ك لما دنا منه أحد

وكانت تقول في رثاء أولادها الأربعةعليهم‌السلام :

لا تدعونّي ويك أمّ البنين

تذكّريني بليوث العرين

كانت بنون لي أدعى بهم

واليوم أصبحت ولا من بنين

أربعة مثل نسور الربى

قد واصلوا الموت بقطع الوتين

تنازع الخرصان أشلاءهم

فكلهم أمسى صريعا طعين

يا ليت شعري أكما أخبروا

بأن عباسا قطيع اليمين؟

توضيح :

يبدو أن أم البنين فاطمة بنت حزام زوجة الإمام عليعليه‌السلام لم تكن مع الحسينعليه‌السلام في كربلاء ، بل ظلت في المدينة ، ولذلك كانت تقول : (يا من رأى العباس) وتستفسر عن حاله وكيفية استشهاده. فلما بلغها مقتله ومقتل إخوته ندبتهم جميعا.

٣٦٣ ـ ما قالته أم سلمة رضي الله عنها حين بلغها خبر مقتل الحسينعليه‌السلام :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٧٧ ط ٢ نجف)

ذكر ابن سعد (في الطبقات) عن أم سلمة ، لما بلغها قتل الحسينعليه‌السلام قالت :أوقد فعلوها؟!. ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا. ثم بكت حتى غشي عليها.

وروى ابن سعد أنها قالت : لعن الله أهل العراق.

__________________

(١) النّقد : جنس من الغنم قصار الأرجل قباح الوجوه. والعباس : اسم من أسماء الأسد.

شبّهت أم البنين ابنها العباس بالأسد ، وأعداءه بجماعات الغنم ، يكرّ عليهم فيفرّون منه.

٣١٢

٣٦٤ ـ ما قاله الحسن البصري(المصدر السابق ، ص ٢٧٨)

قال الزهري : لما بلغ الحسن البصري قتل الحسينعليه‌السلام بكى حتى اختلج صدغاه ، ثم قال : واذلّ أمة قتل ابن بنت نبيّها ابن دعيّها!. والله ليردّن رأس الحسين إلى جسده ، ثم لينتقمنّ له جدّه وأبوه من ابن مرجانة.

وحكى الزهري عن الحسن البصري أنه قال : أول داخل دخل على العرب ، ادّعاء معاوية زياد بن أبيه ، وقتل الحسينعليه‌السلام .

٣٦٥ ـ ما قاله الربيع بن خيثم(المصدر السابق)

وقال الزهري : لما بلغ الربيع بن خيثم قتل الحسينعليه‌السلام بكى ، وقال : لقد قتلوا فتية لو رآهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأحبهم وأطعمهم بيده وأجلسهم على فخذه وذكره ابن سعد أيضا.

٣٦٦ ـ خطبة عبد الله بن الزبير حين بلغه مقتل الحسينعليه‌السلام :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٧٨ ط ٢ نجف)

قال عامر الشعبي : لما بلغ عبد الله بن الزبير قتل الحسينعليه‌السلام خطب بمكة وقال : ألا إن أهل العراق قوم غدر وفجر. ألا وإن أهل الكوفة شرارهم ، إنهم دعوا الحسين ليولوه عليهم ، ليقيم أمورهم وينصرهم على عدوهم ، ويعيد معالم الإسلام. فلما قدم عليهم ثاروا عليه يقتلوه. قالوا له : إن لم تضع يدك في يد الفاجر الملعون ابن زياد الملعون ، فيرى فيك رأيه ، فاختار الوفاة الكريمة ، على الحياة الذميمة. فرحم الله حسينا ، وأخزى قاتله ، ولعن من أمر بذلك ورضي به. أفبعد ما جرى على أبي عبد الله ما جرى ، يطمئن أحد إلى هؤلاء ، أو يقبل عهود الفجرة الغدرة!. أما والله لقد كان صوّاما بالنهار قوّاما بالليل ، وأولى بينهم من الفاجر ابن الفاجر. والله ما كان يستبدل بالقرآن الغناء ، ولا بالبكاء من خشية الله الحداء ، ولا بالصيام شرب الخمور ، ولا بقيام الليل الزمور ، ولا بمجالس الذكر الركض في طلب الصيود ، واللعب بالقرود. قتلوه فسوف يلقون غيّا( أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) [هود : ١٨]. ثم نزل.

٣١٣
٣١٤

الباب الثامن

مسير الرؤوس والسبايا إلى الشام

(ثم إلى المدينة)

ويتضمن الفصول التالية :

الفصل ٢٨ ـ مسير الرؤوس والسبايا إلى دمشق :

ـ تحقيق الطريق والمنازل

ـ المسير بالرؤوس والسبايا إلى دمشق

الفصل ٢٩ ـ الرؤوس والسبايا في دمشق :

ـ إدخال رأس الحسينعليه‌السلام والسبايا على يزيد

ـ خطبة السيدة زينبعليها‌السلام

ـ خطبة الإمام زين العابدينعليه‌السلام

ـ إقامة السبايا في دمشق

ـ الناقمون على يزيد

الفصل ٣٠ ـ تسيير السبايا إلى المدينة المنورة :

ـ زيارة الأربعين

ـ مدفن الرأس الشريف

الفصل ٣١ ـ مرقد الحسين وأهل البيتعليهم‌السلام :

ـ مرقد الحسينعليه‌السلام في كربلاء

ـ مرقد أبي الفضل العباسعليه‌السلام

٣١٥

ـ المشاهد المشرفة لأهل البيتعليهم‌السلام في دمشق :

ـ مشهد رأس الحسينعليه‌السلام

ـ مرقد السيدة رقيةعليها‌السلام

ـ مشهد رؤوس الشهداءعليهم‌السلام

ـ مقام السيدة سكينة بنت الحسينعليهما‌السلام

ـ ترجمة سكينة والدفاع عنها

ـ مقام السيدة أم كلثوم (زينب الصغرى) بنت الإمام عليعليهما‌السلام

ـ ترجمة فاطمة الصغرى بنت الحسينعليهما‌السلام

ـ مرقد السيدة العقيلة زينب الكبرى بنت الإمام عليعليهما‌السلام

ـ ترجمة زينب العقيلةعليهما‌السلام

ـ مسجد السادات الزينبية بدمشق

ـ مدفن الشريفات العلويات في مصر

ـ ترجمة الإمام زين العابدينعليه‌السلام

الفصل ٣٢ ـ عقوبة قاتلي الحسينعليه‌السلام :

ـ صفة عقوبة قاتلي الحسينعليه‌السلام

ـ قصة الّذي احترق بالمصباح

ـ مخاصمة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقتلة الحسينعليه‌السلام يوم القيامة

ـ السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام تخاصم من قتل ابنها يوم القيامة

ـ نهاية بعض قتلة الحسين

ـ ترجمة المختار بن أبي عبيدة الثقفي

٣١٦

الفصل الثامن والعشرون

مسير الرؤوس والسبايا إلى دمشق

ويتضمن الفصل :

١ ـ كيف سيّروا الركب الحسيني إلى الشام

بحث جغرافي عن نهر دجلة ٢ ـ تحقيق الطريق من الكوفة إلى دمشق

٣ ـ المنازل التي مرّ بها موكب الرؤوس والسبايا

٤ ـ تحقيق المنازل التي مرّ بها ركب الرؤوس والسبايا ، مع مصوّر مفصّل.

٥ ـ تعريف بأشهر المواضع والبلدان :

القادسية ـ الحصّاصة ـ قصر ابن هبيرة

مسكن ـ تكريت ـ طريق البر ـ الكحيل ـ جهينة

الموصل ـ تل أعفر ـ سنجار

نصيبين ـ عين الوردة ـ حرّان

الرقة ـ بالس ـ كفرنوبة

حلب : جبل الجوشن ، مشهد النقطة ، مشهد السقط محسن

قنّسرين ـ المعرة ـ شيزر ـ كفر طاب

سيبور ـ حماة ـ الرستن ـ جبل زين العابدينعليه‌السلام

حمص ـ القصير ـ جوسية

الهرمل ـ بعلبك.

٣١٧

٦ ـ المسير بالرؤوس والسبايا إلى الشام :

دير للنصارى ـ القادسية ـ قصر بني مقاتل

شرقي الحصّاصة ـ جرايا ـ مسكن

تكريت ـ طريق البر ـ عسقلان

الموصل ـ تل أعفر ـ جبل سنجار

نصيبين ـ دعوات ـ حرّان

الرقة ـ بالس

حلب : جبل الجوشن ـ قنّسرين وراهبها

معرة النعمان ـ شيزر ـ كفر طاب ـ سيبور

حماة ـ جبل زين العابدينعليه‌السلام ـ الرستن

حمص ـ جوسية ـ اللبوة ـ بعلبك

صومعة الراهب وقصة الراهب ـ حجر قرب دمشق

٧ ـ قصة أسلم.

٣١٨

الفصل الثامن والعشرون

مسير الرؤوس والسبايا إلى دمشق

مقدمة الفصل :

ثمة ثغرات في التاريخ لا يمكن تعليلها بغير الاهمال وعدم الاكتراث. ففي حين كانت الروايات عن مقتل الحسينعليه‌السلام كثيفة مستفيضة مترامية الأطراف ، فإن الروايات عن أحوال الرأس الشريف يكتنفها الغموض والإبهام ، سواء في ذلك الطريق الّذي سلكه الرأس من الكوفة إلى الشام ، أو في مصيره الأخير ومكان دفنه.

وحتى اليوم لم يتصدّ الكثيرون لتحقيق الطريق الّذي سلكته الرؤوس والسبايا في مسيرتها إلى دمشق. وقد كانت لي محاولة سابقة في هذا الصدد برعاية مولاي الأجل العلامة المغفور له السيد حسين يوسف مكي العاملي ، وذلك عند تأليفي لكتاب [خطب الإمام الحسين على طريق الشهادة] بتوجيه منه. فقد طلب مني السيد آنذاك رسم مخطط جغرافي موثّق لمسيرة الرؤوس والسبايا ، ففعلت. ثم أرسله الى لبنان لطباعته وضاع.

وعندما عزمت على وضع هذه الموسوعة ، كان اهتمامي أن أعطي هذا الموضوع حقه من التحقيق والتدقيق. وكانت غرابتي كبيرة من أن كثيرا من كتب المقاتل قد أغفلت ما حصل في هذا الطريق ، ولم تذكر شيئا عن هذه المسيرة الهامة. أعدّ من هذه الكتب : (الإرشاد) للشيخ المفيد ، (ومقتل الحسين) للخوارزمي ، (ومثير الأحزان) لابن نما الحلي ، (وتذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، (واللهوف على قتلى الطفوف) لابن طاووس ، (ومقتل الحسين) للمقرم ، (ولواعج الأشجان) للسيد الأمين ؛ وحتى (تاريخ الطبري) ،

(وكتاب الفتوح) لابن أعثم ، (والكامل) لابن الأثير ، وغيرها من كتب التاريخ المعتبرة.

ومن الكتب التي اعتمدنا عليها لتحقيق الطريق ما يلي :

٣١٩

مقتل الحسينعليه‌السلام المنسوب لأبي مخنف ـ مقتل الحسينعليه‌السلام لأبي مخنف

[مخطوطة مكتبة الأسد] ـ وسيلة الدارين في أنصار الحسينعليه‌السلام للزنجاني ـ أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ـ نور العين لأبي إسحق الإسفريني ـ ينابيع المودة للقندوزي ، ج ٢ ـ بحار الأنوار للمجلسي ، ج ٤٥.

وأغزرها مادة (معالي السبطين) للمازندراني ، الّذي يقول بعد سرد المنازل ، ج ٢ ص ٨٣ :

إلى هنا نختم الكلام في ترتيب المنازل التي سيّروها من الكوفة إلى الشام. وهذا ما عثرنا عليه في الكتب المعتبرة من :

ناسخ التواريخ ـ القمقام ـ مقتل أبي مخنف

بحار الأنوار ـ نفس المهموم ـ الدمعة الساكبة

وبعض هذه الكتب لم أستطع العثور عليها ، وبعضها مؤلف باللغة الفارسية ، مثل كتاب (القمقام) تأليف فرهاد ميرزا ، وكتاب (ناسخ التواريخ) تأليف ميرزا محمّد تقي الكاشاني [ت ١٢٩٧ ه‍] وهو كتاب مبسّط مطوّل يقع في ثمانية مجلدات.

ولقد استطعت بعد عناء أن ألتقط أسماء المواضع التي مرّ بها ركب الرؤوس والسبايا ، من مجموعة كتب المقاتل والتواريخ ، وأن أحصي منها أكثر من أربعين موضعا ، موزّعة ما بين الكوفة والموصل ونصيبين وحلب ودمشق ، سهّلت لي رسم الطريق بشكل دقيق ، على وجه التحقيق والتدقيق.

كيف سيّروا الركب الحسيني إلى الشام

٣٦٨ ـ يزيد يأمر بتسيير الرؤوس والسبايا إلى الشام :

(اللهوف لابن طاووس ، ص ٧١)

يقول السيد ابن طاووس : وكتب عبيد الله بن زياد إلى يزيد بن معاوية يخبره بقتل الحسينعليه‌السلام وخبر أهل بيته

فلما وصل كتاب ابن زياد إلى يزيد ووقف عليه ، أعاد الجواب إليه ، يأمره بحمل رأس الحسينعليه‌السلام ورؤوس من قتل معه ، وبحمل أثقاله ونسائه وعياله.

فاستدعى ابن زياد بمحفّر بن ثعلبة العائذي ، فسلّم إليه الرؤوس والأسرى والنساء. فسار بهم محفّر إلى الشام ، كما يسار بسبايا الكفار ، يتصفح وجوههن أهل الأقطار.

٣٢٠