موسوعة كربلاء الجزء ٢

موسوعة كربلاء0%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 800

موسوعة كربلاء

مؤلف: الدكتور لبيب بيضون
تصنيف:

الصفحات: 800
المشاهدات: 432274
تحميل: 4293


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 800 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 432274 / تحميل: 4293
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء 2

مؤلف:
العربية

(وفي رواية) : لعن الله ابن مرجانة ، لقد اضطره إلى القتل. لقد سأله أن يلحق ببعض البلاد أو الثغور فمنعه. لقد زرع لي ابن زياد في قلب البر والفاجر والصالح والطالح العداوة. ثم تنكّر لابن زياد ، ولم يصل زحر بن قيس بشيء.

ثم بعث الرأس إلى ابنته عاتكة [بنت يزيد] فغسّلته وطيّبته.

قال سبط ابن الجوزي : وهكذا وقعت هذه الرواية ، رواها هشام بن محمّد [الكلبي].

٦٢٣ ـ قتل الحسينعليه‌السلام ثأر لقتلى بدر من الكفار :(المصدر السابق)

ثم قال سبط ابن الجوزي :

وأما المشهور عن يزيد في جميع الروايات ، أنه لما حضر الرأس بين يديه ، جمع أهل الشام ، وجعل ينكت عليه بالخيزران ، ويقول أبيات ابن الزّبعرى :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

وقعة الخزرج من وقع الأسل

قد قتلنا القرن من ساداتهم

وعدلناه قتل بدر فاعتدل

حتى حكى القاضي أبو يعلى عن أحمد بن حنبل في كتاب (الوجهين والروايتين) أنه قال : إن صحّ عن يزيد ذلك ، فقد كفر بالله وبرسوله

قال الشعبي : ثم إن يزيد زاد في القصيدة بقوله :

لست من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

قال مجاهد : وهذا نافق في الدين.

٦٢٤ ـ تنصّل يزيد :(معالي السبطين ، ج ٢ ص ٩٠)

يقول المازندراني في معاليه : كذب ابن الفاعلة ، لو كان صادقا في مقاله لم يكن يفعل بالرأس الشريف ما فعل. وينبغي أن أذكر في هذا المقام كلام سبط ابن الجوزي في كتاب (الردّ على المتعصب العنيد في تصويب فعل يزيد) : ليس العجب من قتال ابن زياد اللعين الحسينعليه‌السلام وتسليطه عمر بن سعد والشمر على قتله ، وحمل الرؤوس إليه ؛ إنما العجب من خذلان يزيد ، ومما فعل هو نفسه ، وهو صبّ الخمر على رأس الحسينعليه‌السلام وضربه بالقضيب ثناياه ، وحمل آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبايا على أقتاب المطايا ، وعزمه على أن يدفع فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام إلى الشامي ، وإنشاده بأبيات ابن الزبعرى :

٥٢١

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

الخ.

أفيجوز أن يفعل هذا بالخوارج؟. ولو أنه احترم الرأس حين وصوله إليه ، وصلّى عليه ودفنه ، وأحسن إلى آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يترك الرأس في الطشت ، ولم يضربه بالقضيب ، ولا صبّ عليه الخمر ، ما الذي كان يضره ، وقد حصل مقصوده من القتل!. ولكن أحقاد جاهلية ، وأضغان بدرية ، ودليلها ما تقدم من إنشاده.

٦٢٥ ـ تعليق مجلة العرفان :

(العرفان ، مجلد عام ١٩٣٧ ، ص ٦٠ و ٦١)

قال السيوطي في (تاريخ الخلفاء) ص ٨٠ و ٨١ :

ولما قتل الحسين وبنو أبيه ، بعث ابن زياد برؤوسهم إلى يزيد ، فسرّ بقتلهم أولا ، ثم ندم لمّا مقته المسلمون على ذلك ، وأبغضه الناس ، وحقّ لهم أن يبغضوه.

وفي (الكامل) لابن الأثير ، ج ٤ ص ٥٥ :

قال ابن زياد لمسافر بن شريح اليشكري : أما قتلي الحسين ، فإنه أشار إليّ يزيد بقتله أو قتلي ، فاخترت قتله.

أفهل بعد هذا يصدّق لبيب أن يزيد حين وضع رأس الحسينعليه‌السلام بين يديه ، بكى. وهب أنه بكى من منظر تتصدّع منه القلوب المتحجرة ، أفهل تمحو تلك الدمعة صحائفه السود الدكناء؟!.

ولقد أقرّ معاوية الثاني ابن يزيد بأن أباه قد قتل الحسينعليه‌السلام ، ونازع على أمر كان غير أهل له ، حيث قال :

إن هذه الخلافة حبل الله ، وإن جدي معاوية نازع الأمر أهله ، ومن هو أحقّ به منه علي بن أبي طالب. وركب بكم ما تعلمون ، حتى أتته منيّته ، فصار في قبره رهينا بذنوبه.

ثم قلّد أبي الأمر وكان غير أهل له ، ونازع ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقصف عمره ، وابتزّ عقبه ، وصار في قبره رهينا بذنوبه.

٥٢٢

ثم بكى وقال : إن من أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه ، وبؤس منقلبه ، وقد قتل عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأباح الخمر ، وخرّب الكعبة(١) .

أضف إلى ذلك أنه لما وصل إليه رأس الحسينعليه‌السلام حسنت حال ابن زياد عنده ، وزاده ووصله وسرّه ما فعل(٢) .

وبالغ في رفعه ابن زياد ، حتى أدخله على نسائه(٣) .

٦٢٦ ـ كيفية حمل الرؤوس والسبايا إلى الشام :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٧١)

يقول محمّد مهدي المازندراني : اختلف في كيفية حمل السبايا.

ففي (العقد الفريد) : وحمل أهل الشام بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبايا على أحقاب الإبل. فلما أدخلت على يزيد ، قالت ابنة الحسينعليه‌السلام : يا يزيد ، أبنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبايا!؟. قال : بل حرائر كرام. ادخلي على بنات عمك تجديهنّ قد فعلن ما فعلت.

قالت فاطمة [الصغرى بنت الحسين] : فدخلت إليهن ، فما وجدت فيهن سفيانية إلا متلدّمة تبكي [التدمت المرأة : ضربت صدرها ووجهها].

وفي (مقتل الحسين) للخوارزمي ، ج ٢ ص ٦٢ قال :

عن فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام أنها قالت : لما أدخلنا على يزيد ، ساءه ما رأى من سوء حالنا ، وظهر ذلك في وجهه. فقال : لعن الله ابن مرجانة [أي عبيد الله بن زياد] وابن سميّة [أبوه زياد ابن أبيه] ، لو كان بينه وبينكم قرابة ما صنع بكم هذا ، وما بعث بكنّ هكذا.

(أقول) : كأنه بهذا ينفي قرابة عبيد الله وأبيه زياد من معاوية ، حيث ادّعى معاوية أن (زياد ابن أبيه) أخوه. قال يزيد ذلك ليبيّن للناس أنه هو لا يفعل مثل ذلك ، لأن بينه وبين الحسينعليه‌السلام قرابة ، من عبد مناف.

__________________

(١) الصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي ، ص ١٣٧.

(٢) الكامل لابن الأثير ، ج ٤ ص ٣٦.

(٣) الصواعق المحرقة ، ص ١٢٥.

٥٢٣

تعليق المؤلف :

لقد حاول يزيد التنصل من فعله في قتل الحسينعليه‌السلام وهو الّذي أمر به ، فأوهم الناس أنه يحب الحسينعليه‌السلام وأنه لا يريد قتله ، وألقى باللائمة الكاملة على عبيد الله بن زياد ، ليتخلص من سخط الجماهير التي بدأت تلعنه وتنتقده حتى في مجلسه.فلا تغرنا بعض تصرفاته إن صحّت نسبتها إليه ؛ من أنه بكى حين رأى رأس الحسينعليه‌السلام ، وذلك لأنه ذكر قرابته منه ورحمه ، وأنه لعن ابن مرجانة.

ولكن أنى للعاقل اللبيب أن ينخدع أو ينغشّ بهذه المظاهر الكاذبة ، وهو يعلم أن يزيد هو الّذي بعث منذ البداية إلى والي المدينة ومكة أن يقتل الحسينعليه‌السلام ولو كان متمسكا بأستار الكعبة ، إذا هو لم يبايع من ساعته. وكم تأسّف مروان بن الحكم أن يفلت الحسين من والي المدينة دون أن يبايع أو يقتل.

ثم إن يزيد يعزل والي الكوفة النعمان بن بشير ، ويعيّن مكانه عبيد الله ابن زياد الّذي كان يعتبره معاوية أخاه ويقرّبه إليه ، وهو فاسق ابن فاسق ، ويأمره بقتل الحسينعليه‌السلام وأشياعه ، إلا أن ينزلوا على حكمه.

وحين قتل عبيد الله بن زياد كلا من مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة ، وبعث برأسيهما إلى يزيد ، بعث يزيد يشكره على عمله ، ويشجّعه على تنكيله.

ولو كان يزيد صادقا في قوله عن ابن زياد ، فكان عليه أن يعاقبه على قتله الحسين وأهل البيتعليه‌السلام ، أو على الأقل أن يعزله من الولاية. في حين نراه بعد مقتل الحسينعليه‌السلام قد استدعاه إليه ، وأعطاه أموالا كثيرة وتحفا عظيمة ، وقرّبه من مجلسه ورفع منزلته ، وأدخله على نسائه وجعله نديمه.

وسكر ليلة معه وقال للمغني : غنّ ، ثم قال يزيد بداهة :

اسقني شربة تروّي فؤادي

ثم مل فاسق مثلها ابن زياد

صاحب السرّ والأمانة عندي

ولتسديد مغنمي وجهادي

قاتل الخارجي ، أعني حسينا

ومبيد الأعداء والحسّاد

فتنبّه يا أخي إلى حقيقة يزيد ، الّذي أجمع الرواة والعلماء على فسقه وكفره ، لا بل على خسّته ودناءته. فحقيقة المرء تعرف من خلال أفعاله ، لا من خلال أقواله.(راجع تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٣٠٠)

٥٢٤

موقف يزيد من ابن زياد

أورد العلامة السيد مرتضى العسكري في مقدمة (مرآة العقول للمجلسي) ج ٢ ص ٣٢٠ ـ ٣٢٢ ، ما يلي :

٦٢٧ ـ حال ابن زياد بعد قتل الحسينعليه‌السلام :

(الفتوح لابن أعثم ، ج ٥ ص ٢٥٢)

قال ابن أعثم : فلما قتل الحسينعليه‌السلام استوسق العراقان جميعا لعبيد الله بن زياد ، وأوصله يزيد بألف ألف درهم جائزة ، فبنى قصريه الحمراء والبيضاء في البصرة ، وأنفق عليهما مالا جزيلا ، فكان يشتّي في الحمراء ، ويصيّف في البيضاء.وعلا أمره وانتشر ذكره ، وبذل الأموال واصطنع الرجال ، ومدحته الشعراء.

٦٢٨ ـ يزيد الفاجر يزيد العطاء لجنوده البواسل :

(أنساب الأشراف للبلاذري ج ٢ ، ص ٢٢٠)

هكذا كان عطاء يزيد وحباؤه لقائد جنده ابن زياد. أما عطاؤه للجنود ، فقد ذكره البلاذري قال :

كتب يزيد إلى ابن زياد : أما بعد ، فزد أهل الكوفة ، أهل السمع والطاعة ، في أعطياتهم مائة مائة.

٦٢٩ ـ ندم يزيد على أفعاله :(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢٣٢)

قال السيد مرتضى العسكري : وهكذا عاش قتلة الحسينعليه‌السلام في نعيم وسرور ، واستبشار وحبور ، حتى إذا ظهرت آثار أفعالهم ندموا على ما فعلوا.

قال ابن كثير وغيره : لما قتل ابن زياد الحسينعليه‌السلام وبعث برؤوسهم إلى يزيد ، سرّ بقتلهم أولا ، وحسنت بذلك منزلة ابن زياد عنده ، ثم لم يلبث إلا قليلا حتى ندم ، وقال : بغّضني بقتله إلى المسلمين ، وزرع في قلوبهم العداوة ، فأبغضني البرّ والفاجر.

وكذلك يظهر ندم ابن زياد وعمر بن سعد وسائر قتلة آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٦٣٠ ـ موقف يزيد من عبيد الله بن زياد أمام الناس :

(كامل ابن الأثير ، ج ٣ ص ٤٠٣)

وقيل : لما وصل رأس الحسينعليه‌السلام إلى يزيد ، حسنت حال ابن زياد عنده ، وزاده ووصله ، وسرّه ما فعل. ثم لم يلبث إلا يسيرا حتى بلغه بغض الناس له ،

٥٢٥

ولعنهم وسبّهم. فندم على قتل الحسينعليه‌السلام فكان يقول : وما عليّ لو احتملت الأذى ، وأنزلت الحسين معي في داري ، وحكّمته فيما يريد ، وإن كان عليّ في ذلك وهن في سلطاني ، حفظا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورعاية لحقه وقرابته!. لعن الله ابن مرجانة ، فإنه اضطره [إلى القتل] ، وقد سأله أن يضع يده في يدي ، أو يلحق بثغر حتى يتوفاه الله ، فلم يجبه إلى ذلك ، فقتله. فبغّضني بقتله إلى المسلمين ، وزرع في قلوبهم العداوة ، فأبغضني البر والفاجر ، بما استعظموه من قتل الحسين. ما لي ولابن مرجانة ، لعنه الله وغضب عليه.

تعليق المؤلف :

كل هذه الأقوال من يزيد ـ إن صحّت ـ فهي كاذبة في حقيقتها ، بل هي صادرة منه للاستهلاك المحلي ، ولكبح جماح الجماهير عليه. فإذا كان صادقا في ندمه على ما حصل ، وغير راض عما فعله ابن زياد ، فلماذا

لم يعزله عن ولاية البصرة والكوفة على أقل تقدير؟. بل هو على العكس من ذلك يستدعيه ويكرمه ويزيد في عطائه وفي عطاء جنده الأوفياء مائة بالمائة.

وهذا هو يزيد التائب النادم ، بعد قتل الحسينعليه‌السلام واستئصال ذريته ، يسعى بجنده إلى المدينة المنورة معقل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصحابته الكرام ، فيسبيها ثلاثة أيام ويأمر قائد جيشه بأن يأخذ رجالها عبيدا ليزيد.

وفي (العقد الفريد) لابن عبد ربه ، ج ٣ ص ١٣٧ ؛ وتاريخ ابن عساكر ، ج ٤ ص ٣٣٢ قال في وصف يزيد : وعنده تقتل أو تعود عبدا كما تعتبد العبيد.

ولم يكتف بذلك حتى حرق الكعبة وضربها بالمنجنيق ، فقصف الله عمره في عزّ شبابه ، ولم يدم حكمه أكثر من ثلاث سنين وأشهر. كل ذلك مما يدل على أن ما فعله كان عن عمد وتصميم ، واستمرّ في عداوته لله والدين والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى آخر رمق من حياته. فأهلكه الله في ظروف غامضة ، وهو يتلهّى بالصيد في (حوّارين) شرقي حمص ، حيث أخواله النصارى.

٦٣١ ـ الجريمة تلبس يزيد مهما حاول اختلاق المبررات والأعذار :

(مقتل سيد الشهداء لعبد الكريم خان ، ص ٢٤)

قال الإمام الغزالي :

وقد زعمت طائفة أن يزيد بن معاوية لم يرض بقتل الحسينعليه‌السلام وادّعوا أن قتله كان غلطا.

٥٢٦

قال : وكيف يكون هذا الحال ، والحسينعليه‌السلام لا يحتمل الغلط ، لما جرى من قتاله ، ومكاتبة يزيد إلى ابن زياد بسببه وحثّه على قتله ، ومنعه عن الماء وقتله عطشانا ، وحمل رأسه وأهله سبايا عرايا على أقتاب الجمال ، وقرع ثناياه بالقضيب ، ومحاورته مع علي بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام لما دخل على يزيد ، حيث قال له : أنت ابن الّذي قتله الله ، فقالعليه‌السلام : أنا علي ابن من قتلت أنت ، ثم قرأ :( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً ) (٩٣) [النساء : ٩٣].

ثم استفاض في لعن عليعليه‌السلام على المنابر ألف شهر ، وكان ذلك بأمر معاوية.أتراهم أمرهم بذلك كتاب أو سنّة أو إجماع؟!. انتهى كلام الغزالي.

٦٣٢ ـ يزيد هو الآمر الفعلي لقتل الحسينعليه‌السلام :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٥٠٢)

يقول الفاضل الدربندي : إن روايات كثيرة شواهد حقّة على أن يزيد هو الّذي أمر أعيان دولته ورؤساء جنده بمقاتلة سيد الشهداءعليه‌السلام وقتله ، وقتل أولاده وأطفاله وأصحابه ، وسبي عياله ونسائه. وإن جملة قليلة من الكلمات الصادرة عنه ، مما كان ظاهرها يفيد رقة قلبه على أهل البيتعليه‌السلام ، إنما كان منه على وجه الدهاء والشيطنة ، وكان منه لأغراض سياسية ، وليمتصّ به غضب الناس عليه.

حوادث تالية

تسيير الرأس الشريف إلى الأمصار

من الأمور الواضحة الدلالة ، التي تفضح حقيقة يزيد ، في تصميمه على قتل الحسينعليه‌السلام وسبي نسائه ، انتقاما لأجداده الكفار الذين قتلوا في بدر ؛ هو تسيير رأس الحسينعليه‌السلام من دمشق إلى عدة أمصار ، ليشاركه أعوانه فرحته الكبرى في انتصاره الميمون على النبي وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستئصال ذريّته.

تسيير رأس الحسينعليه‌السلام إلى مصر

٦٣٣ ـ تسيير رأس الشريف إلى فلسطين ومصر :

لم تنته مسيرة رأس الحسينعليه‌السلام في دمشق فبعد أن شفى يزيد نفسه برؤية رأس الحسينعليه‌السلام أمر بتسييره إلى بقية الآفاق ، لينعم الناس بفرحة نصره

٥٢٧

ويشاركوه ذلك. فسيّر الرأس الشريف من دمشق إلى عسقلان [في فلسطين] وذلك بالطريق المتعارفة في ذلك الزمان كعمّان والقدس. وتقع (عسقلان) في فلسطين بين يافا وغزة ، وفيها الآن مشهد للحسينعليه‌السلام . ثم ساروا بالرأس الشريف إلى مصر ، وكانت عاصمتها الفسطاط وهي (القاهرة) اليوم. وقد أقيم في كل مكان وضع فيه الرأس الشريف مشهد للحسينعليه‌السلام . فكأن غاية يزيد في توهين قيمة الحسينعليه‌السلام ومحو ذكره وعظمته ، عن طريق تسيير رأسه الشريف من بلد إلى بلد والتشهير به ، كأن هذه الغاية قد انقلبت إلى عكسها ، فكان ذلك التسيير والتشهير سببا إلى قيام المشاهد المتعددة للحسينعليه‌السلام في كل مكان من أرض الإسلام ، ليظل ذكر الحسين وأمجاده دائمة عامرة في كل مكان.

هذا وقد بلغ من طغيان رجال يزيد وقواده ، وشذوذ أعوانه ومتملّقيه ، أن بيعت الخيل التي داست صدر الحسين الشريف ، بيعت في مصر بآلاف الدنانير ، ومن لم يستطع شراء فرس اشترى حدوة الفرس بآلاف الدنانير ، وأصبحوا يضعونها على أبواب بيوتهم للتبرك بها والتفاؤل!.

٦٣٤ ـ بدعة وضع الحدوة للبركة :

(التعجب ص ٤٦ ـ ملحق بكنز الفوائد للكراجكي)

قال البيروني في (الآثار الباقية) ص ٣٢٩ ط ليدن :

لقد فعلوا بالحسينعليه‌السلام ما لم يفعل في جميع الأمم بأشرار الخلق ، من القتل بالسيف والرمح والحجارة وإجراء الخيل.

وقد وصل بعض هذه الخيول إلى مصر ، فقلعت نعالها وسمّرت على أبواب الدور تبركا ، وجرت بذلك السّنّة [أي العادة] عندهم ؛ فصار أكثرهم يعمل نظيرها ويعلق على أبواب الدور.

٦٣٥ ـ دفن الرأس الشريف في عسقلان :

(نور الأبصار للشبلنجي ، ص ١٣٣)

قال الشيخ مؤمن الشبلنجي : السؤال الّذي يتبادر إلى الأذهان ، بعد مسير الرأس الشريف إلى الشام ؛ إلى أين سار ، وفي أي موضع استقرّ؟. فذهبت طائفة إلى أن يزيد أمر أن يطاف به في البلاد ، فطيف به حتى انتهى به إلى (عسقلان) فدفنه أميرها بها.

٥٢٨

ـ تعريف بعسقلان :(أخبار الدول للقرماني ، ص ٤٦٥)

عسقلان مدينة حسنة على ساحل بحر الشام من أعمال فلسطين ، كان يقال لها عروس الشام لحسنها. ولها سوران. فيها مشهد رأس الحسينعليه‌السلام . وهو مشهد عظيم مبني على أعمدة ، وفيه ضريح الرأس ، والناس يتبركون به ، وهو مقصود من جميع النواحي ، وله نذر كثير. وقد خرّبها صلاح الدين الأيوبي.

وفي (مجلة الموسم) العدد ٤ ص ١٠٨٤ يقول :

أما المشهد الحسيني بعسقلان فلا يزال مقصودا بالزيارة ، وهو على نشز

[أي مرتفع] من الأرض ، يطلّ على أطلال المدينة.

وفي (جغرافية سورية العمومية) لسعيد الصباغ ، ص ١١٥ :

ويوجد في جوار (المجدل) خرابات مدينة قديمة اسمها عسقلان ، كانت ذات مدنية راقية ، ولها شأن عسكري خطير ، لا سيما في زمن الصليبيين ، حتى عسر فتحها عليهم خمسين سنة. ويوجد بينها وبين المجدل مقام للحسينعليه‌السلام يؤمّه خلق كثير في الموسم الخاص به.

ويقول ياقوت الحموي في (معجم البلدان) :

اسمها في التوراة (عسقلون). وذكر بعضهم أن عسقلان تعني أعلى الرأس ، فإن كان الاسم عربيا ، فمعناه أنها في أعلى الشام. وهي مدينة بالشام من أعمال فلسطين ، على ساحل البحر بين غزة وبيت جبرين. ويقال لها عروس الشام.

افتتحها المسلمون في أيام عمر بن الخطاب ، ولم تزل عامرة حتى استولى عليها الافرنج سنة ٥٤٨ ه‍ ، وبقيت في أيديهم خمسا وثلاثين سنة ، إلى أن استنقذها صلاح الدين يوسف بن أيوب سنة ٥٨٣ ه‍. ثم قوي الإفرنج وفتحوا (عكا) ، وساروا نحو عسقلان ، فخشي صلاح الدين أن يتمّ عليها ما تمّ على عكا ، فخرّبها سنة ٥٨٧ وهي على هذا الخراب إلى الآن.

(الشكل ٢٥) :

عسقلان عروس الشام

٥٢٩

وفيها كان رأس الحسينعليه‌السلام ، ثم نقل إلى القاهرة بأمر الوزير الفاطمي طلائع ابن رزيك ، خوفا من أن يهدمه الصليبيون إذا استحلوها.

٦٣٦ ـ نقل الرأس الشريف من عسقلان إلى القاهرة :

(نور الأبصار للشبلنجي ، ص ١٣٣)

فلما غلب الفرنج على عسقلان افتداه منهم [أي الرأس] الصالح طلائع ابن رزيك وزير للفائز الفاطمي بمال جزيل ، ومشى إلى لقائه من عدة مراحل ، ووضعه في كيس حرير أخضر ، على كرسي من الأبنوس ، وفرش تحته المسك والطيب ، وبنى عليه المشهد الحسيني المعروف بالقاهرة ، قريبا من خان الخليلي.

وفي كتاب (الخطط) للمقريزي بعد كلام على مشهد الحسينعليه‌السلام ما نصّه :

وكان حمل الرأس الشريف إلى القاهرة من عسقلان ، ووصوله إليها في يوم الأحد ٨ جمادى الآخرة سنة ٥٤٨ ه‍. ويذكر أن هذا الرأس الشريف لما أخرج من المشهد بعسقلان ، وجد دمه لم يجف ، وله ريح كريح المسك.

٦٣٧ ـ إقامة ذكرى الحسينعليه‌السلام في مصر :

(تاريخ النياحة للسيد صالح الشهرستاني ، ص ١١٢)

عن (الخطط) للمقريزي : إن شعار الحزن يوم العاشر من المحرم كان أيام الإخشيديين ، واتسع نطاقه في أيام الفاطميين ؛ فكانت مصر في عهدهم ، بوقت البيع والشراء تعطّل الأسواق ، ويجتمع أهل النوح والنشيد ، يكونون بالأزقة والأسواق ، ويأتون إلى مشهد أم كلثوم ونفيسة ، وهم نائحون باكون.

وفي (الخطط) للمقريزي ، ج ١ ص ٤٩٠ :

وكان الفاطميون يتخذون يوم عاشوراء يوم حزن تتعطل فيه الأسواق ، ويعمل فيه السماط العظيم ، المسمى سماط الحزن. وكان يصل إلى الناس منه شيء كثير.

فلما زالت الدولة (الفاطمية) اتخذ الملوك من بني أيوب يوم عاشوراء يوم سرور ، يوسّعون فيه على عيالهم ، ويتبسّطون في المطاعم ، ويصنعون الحلاوات ، ويتخذون الأواني الجديدة ، ويكتحلون ويدخلون الحمام ، جريا على عادة أهل الشام ، التي سنّها لهم الحجاج في أيام عبد الملك بن مروان ، ليرغموا بذلك آناف شيعة علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، الذين اتخذوا يوم عاشوراء يوم عزاء وحزن على الحسين بن عليعليه‌السلام لأنه قتل فيه.

٥٣٠

٦٣٨ ـ تعصّب الإخشيديين على الشيعة في مصر :

(خطط المقريزي ، ج ١ ص ٤٣١)

في سنة ٣٦٣ ه‍ في عهد المعزّ لدين الله الفاطمي ، أصبح الناس يوم العاشر من المحرم يغلقون الدكاكين وأبواب الدور ، ويعطلون الأسواق حزنا على مصيبة الحسينعليه‌السلام . وإنما قويت أنفس الشيعة بكون المعز بمصر. وقد كانت مصر لا تخلو منهم أيام الإخشيدية والكافورية في يوم عاشوراء عند قبر أم كلثوم ونفيسةعليه‌السلام . وكان السودان وكافور يتعصبون على الشيعة. ويتعلق السودان في الطرقات بالناس ، ويقولون للرجل : من خالك؟. فإن قال : معاوية ، أكرموه ، وإن سكت لقي المكروه ، وأخذت ثيابه وما معه.

تسيير رأس الحسينعليه‌السلام إلى المدينة

٦٣٩ ـ تسيير رأس الحسينعليه‌السلام إلى المدينة المنورة ثم ردّه إلى دمشق :

(مقدمة مرآة العقول للسيد مرتضى العسكري ، ج ٢ ص ٣١٢)

قال البلاذري في (أنساب الأشراف) ج ٢ ص ٢١٩ ؛ والذهبي في (سير أعلام النبلاء) : ثم بعث يزيد رأسه إلى المدينة ، إلى عمرو بن سعيد. ثم ردّه إلى دمشق.

وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٧٧ ط نجف :

قال الواقدي : لما وصل الرأس إلى المدينة والسبايا ، لم يبق بالمدينة أحد ، وخرجوا يضجّون بالبكاء.

وفي (التذكرة) ص ٢٧٥ : واختلفوا في الرأس على أقوال :

أشهرها : أنه ردّه إلى المدينة مع السبايا ، ثم ردّ إلى الجسد بكربلاء ، فدفن معه.قاله هشام بن محمّد [الكلبي] وغيره.

والثاني : أنه دفن بالمدينة عند قبر أمه فاطمةعليه‌السلام . قاله ابن سعد.

قال : لما وصل إلى المدينة ، كان سعيد بن العاص واليا عليها [والصحيح : عمرو ابن سعيد بن العاص] فوضعه بين يديه ، وأخذ بأرنبة أنفه [أي طرف أنفه]. ثم أمر به فكفّن ودفن عند أمه فاطمةعليه‌السلام .

ثم ذكر أنه دفن في دمشق في دار إمارة يزيد ، ثم نقله الخلفاء الفاطميون ودفنوه في عسقلان ، ثم نقلوه إلى القاهرة كما ذكرنا سابقا.

٥٣١

وفي (التذكرة) ص ٢٧٦ :

وقال الكلبي : سمع عمرو بن سعيد بن العاص الضجة في دور بني هاشم فقال :

عجّت نساء بني تميم عجّة

كعجيج نسوتنا غداة الأرنب

والبيت لعمرو بن معديكرب.

وفي (شرح النهج) لابن أبي الحديد ، ج ١ ص ٣٦١ ط مصر ، قال :

ثم رمى بالرأس نحو قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : يا محمّد يوم بيوم بدر.

٦٤٠ ـ شماتة مروان بن الحكم :(مثير الأحزان لابن نما ، ص ٧٥)

عن (تاريخ البلاذري) أنه لما وافى رأس الحسينعليه‌السلام المدينة ، سمعت الواعية من كل جانب ، فقال مروان بن الحكم :

ضرب الدوسر(١) فيهم ضربة

أثبتت أوتاد حكم فاستقر

ثم أخذ ينكت وجهه بقضيب ، ويقول :

حبّذا بردك في اليدين

ولونك الأحمر في الخدين

كأنه بات بعسجدين

شفيت منك النفس يا حسين

ثم قال : والله لكأني أنظر إلى أيام عثمان.

تعليق :

لم أر في تاريخ العرب شخصا ألأم من مروان بن الحكم ، فكيف يسمح لنفسه بهذا الكلام عن الحسينعليه‌السلام ، والحسين هو الّذي عمل على إطلاق سراحه حين أخذ أسيرا في معركة الجمل. وكيف يسوّغ له أن ينسب إلى الحسينعليه‌السلام اشتراكه في قتل عثمان ، مع أنه وكما أثبت كل رواة التاريخ أنه كان من المدافعين عن عثمان ، والواقفين على بابه للدفاع عنه بأمر من أبيهعليه‌السلام . ومن قبل في كربلاء لما طلب الحسينعليه‌السلام شربة من ماء ، قال جند يزيد : لا تسقوه الماء حتى يموت عطشا كما فعل بعثمان. ولكن إنها لا تعمى الأبصار ، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.

__________________

(١) الدوسر : الجمل الضخم.

٥٣٢

٦٤١ ـ أحفاد الجناة في كربلاء :

(الثورة الحسينية للسيد عبد الحسين دستغيب ، ص ٧٥)

ينقل الشهيد دستغيب عن الشيخ الطوسي قوله :

إن عدة قبائل كانت محترمة في الشام بعد واقعة كربلاء ، ولمدة طويلة كان الخوارج والنواصب والمعادون لأهل البيتعليه‌السلام يحملون لهم الهدايا ؛ وذلك لأنهم أحفاد أولئك الأشخاص العشرة الذين داسوا صدر الحسينعليه‌السلام وأصحابه بحوافر الخيل ، وهذه القبائل تفتخر بأنها من نسل أولئك الرجال الذين فعلوا مثل ذلك الفعل ، تنفيذا لأوامر يزيد.

٦٤٢ ـ تفاخر بعض أسر الشام بالمشاركة في قتل الحسينعليه‌السلام :

(كتاب التعجب ، ص ٣٥٠ ط حجر قم ـ ذيل كنز الفوائد للكراجكي)

يعدد الكراجكي أسماء بعض الأسر في الشام التي اشترك أجدادها في قتل الحسينعليه‌السلام ، فسمّوا باسم العمل الّذي قاموا به :

فبنو (سراويل) : سلب جدّهم سراويل الحسينعليه‌السلام .

وبنو (السّرح) : سرّح جدهم خيله لدوس جسد الحسينعليه‌السلام ، ووصل بعض هذه الخيل إلى مصر ، فقلعت نعالها من حوافرها ، وسمّرت على أبواب الدور ليتبرك بها ، وجرت بذلك السنّة عندهم ، حتى صاروا يتعمدون عمل نظيرها (ووضعها) على أبواب دور أكثرهم.

وأما بنو (سنان) : فهم أولاد الّذي حمل الرمح الّذي حمل على سنانه رأس الحسينعليه‌السلام .

وأما بنو (الطشتي) : فجدّهم قدّم الطشت الّذي وضع فيه رأس الحسينعليه‌السلام .

وأما بنو (القضيبي) : فهم أولاد الّذي أحضر القضيب إلى يزيد ، لينكت به ثنايا الحسينعليه‌السلام الخ.

مدفن رأس الحسينعليه‌السلام

٦٤٣ ـ أين دفن رأس الحسينعليه‌السلام بعد مسيرته الطويلة :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٢٤٥)

اختلفت الروايات والأقوال في مصير رأس الحسين الشريف ، بعد مسيرته

٥٣٣

الطويلة عبر الآفاق والأقطار والأمصار فمنها أن يزيد ردّه إلى المدينة فدفن عند قبر أمه فاطمةعليه‌السلام . ومنها أنه مدفون في دمشق عند باب الفراديس ، وكأنه هو الموضع المعروف الآن بمقام أو مشهد رأس الحسينعليه‌السلام في الجهة الشرقية من المسجد الأموي إلى يمين الداخل من باب جيرون (النوفرة). ومنها أنه مدفون في القاهرة. ومنها أنه مدفون في النجف الأشرف عند قبر أبيه عليعليه‌السلام والرواية الأخيرة أنه ردّ إلى جسده المقدس فدفن معه في كربلاء.

وتزعم بعض الروايات أن الرأس الشريف قد دفن أولا في دمشق ، ثم نقله الفاطميون إلى عسقلان بفلسطين ، ثم نقلوه إلى القاهرة فدفن فيها. وذلك في المشهد المعروف اليوم بمسجد سيدنا الحسينعليه‌السلام وهو مشهد معظّم يزوره المصريون ويتبركون به.

بينما تزعم روايات أخرى أن سليمان بن عبد الملك قد وجد الرأس الشريف في خزانة من خزائن بني أمية ، فصلى عليه ودفنه في دمشق ، فلما ولي الحكم عمر بن عبد العزيز نبش الرأس وردّه إلى كربلاء.

وقال سبط ابن الجوزي في (تذكرة الخواص) : إن يزيد ردّ الرأس الشريف إلى المدينة مع السبايا ، ثم ردّه إلى الجسد بكربلاء فدفن معه.

وهذه الروايات كلها من طرق السنّة أما إجماع الشيعة الإمامية فعلى أن الإمام زين العابدينعليه‌السلام ردّ الرأس الشريف إلى الجسد المقدس في كربلاء ، أثناء رجوعه مع السبايا من دمشق إلى المدينة ، ومنه زيارة الأربعين كما نوّهنا سابقا.

إذن فمن الثابت أن الرأس الشريف قد أرجع إلى الجسد المطهر في كربلاء ، سواء بردّه مباشرة من دمشق ، كما أجمعت عليه روايات الإمامية ، أو بعد دفنه في المدينة أو في دمشق أو في عسقلان أو في القاهرة ، كما تقول الروايات الأخرى ، ثم ردّ إلى الجسد المطهر في كربلاء.

وهذه بعض الروايات في هذا الخصوص من طرق الخاصة والعامة.

٦٤٤ ـ رواية سبط ابن الجوزي :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٧٥ ط ٢ نجف)

قال سبط ابن الجوزي في (تذكرته) :

واختلفوا في الرأس (الشريف) على أقوال :

٥٣٤

أشهرها : أنه ردّه إلى المدينة مع السبايا ، ثم ردّ إلى الجسد بكربلاء ، فدفن معه.قاله هشام وغيره.

والثاني : أنه دفن (بالبقيع) بالمدينة ، عند قبر أمه فاطمةعليه‌السلام . قاله ابن سعد.

قال : لما وصل إلى المدينة ، كان سعيد بن العاص واليا عليها ، فوضعه بين يديه ، وأخذ بأرنبة أنفه. ثم أمر به فكفّن ودفن عند [قبر] أمه فاطمةعليه‌السلام .

وذكر الشعبي : أن مروان بن الحكم كان بالمدينة ، فأخذه وتركه بين يديه ، وتناول أرنبة أنفه ، وقال :

حبّذا بردك في اليدين

ولونك الأحمر في الخدين

ثم قال : والله لكأني أنظر إلى أيام عثمان.

والثالث : أنه بدمشق.

حكى ابن أبي الدنيا قال : وجد رأس الحسينعليه‌السلام في خزانة يزيد بدمشق ، فكفّنوه ودفنوه بباب الفراديس. وكذا ذكر البلاذري في تاريخه ، قال : هو بدمشق في دار الإمارة. وكذا ذكر الواقدي أيضا.

والرابع : أنه بمسجد الرقة على الفرات بالمدينة المشهورة. ذكره عبد الله ابن عمر الوراق في كتاب (المقتل) وقال : لما حضر الرأس بين يدي يزيد بن معاوية ، قال : لأبعثنه إلى آل أبي معيط عن رأس عثمان ، وكانوا بالرقة ، فبعثه إليهم ، فدفنوه في بعض دورهم. ثم أدخلت تلك الدار في المسجد الجامع. قال : وهو إلى جانب سدرة [شجرة النبق] هناك ، وعليه شبيه النيل لا يذهب شتاء ولا صيفا.

والخامس : أن الخلفاء الفاطميين نقلوه من باب الفراديس إلى عسقلان ، ثم نقلوه إلى القاهرة ، وهو فيها وله مشهد عظيم يزار.

ثم قال سبط ابن الجوزي : وفي الجملة ففي أي مكان كان رأسه أو جسده ، فهو ساكن في القلوب والضمائر ، قاطن في الأسرار والخواطر.

وقد سئل أبو بكر الآلوسي عن موضع رأس الحسينعليه‌السلام فقال شعرا :

لا تطلبوا رأس الحسين

بشرق أرض أو بغرب

ودعوا الجميع وعرّجوا

نحوي فمشهده بقلبي

٥٣٥

٦٤٥ ـ تحقيق السيد محسن الأمين :(أعيان الشيعة ، ج ٤ ص ٢٧٣)

قال العلامة السيد محسن الأمينرحمه‌الله :

اختلفت الروايات والأقوال في ذلك على وجوه :

(الأول) : أنه عند أبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام بالنجف. ذهب إليه بعض أخبار وردت بذلك. وفي بعضها أن الصادقعليه‌السلام قال لولده إسماعيل : إنه لما حمل إلى الشام سرقه مولى لنا ، فدفنه بجنب أمير المؤمنينعليه‌السلام . وهذا القول مختص بالشيعة.

(الثاني) : أنه مدفون مع جسده الشريف. روايات ذلك :

ـ في (البحار) أنه المشهور بين علمائنا الإمامية ، ردّه الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام .

ـ في (اللهوف) أنه أعيد ، فدفن بكربلاء مع جسده الشريف ، وكان عمل الطائفة على هذا المعنى المشار إليه.

ـ وقال ابن نما : الّذي عليه المعوّل من الأقوال أنه أعيد إلى الجسد ، بعد أن طيف به في البلاد ، ودفن معه.

ـ وعن المرتضى في بعض مسائله ، أنه ردّ إلى بدنه بكربلاء من الشام.

ـ وقال الشيخ الطوسي : ومنه زيارة الأربعين.

ـ وقال سبط ابن الجوزي في (تذكرة الخواص) : أشهر الأقوال أن يزيد ردّه إلى المدينة مع السبايا ، ثم ردّ إلى الجسد بكربلا فدفن معه. قاله هشام وغيره.

فهذا القول مشترك بين الشيعة وأهل السنة.

(الثالث) : في المدينة ، دفن عند قبر أمه الزهراءعليه‌السلام .

(الرابع) : أنه بدمشق ، وأنه دفن بباب الفراديس. ذكر ذلك سبط ابن الجوزي.وكذا ذكر البلاذري في تاريخه ، قال : هو بدمشق في دار الإمارة. وكذا ذكر الواقدي أيضا.

وفي رواية : أنه مكث في خزائن بني أمية ، حتى ولي سليمان بن عبد الملك ، فطلبه فجيء به وهو عظم أبيض ، فجعله في سفط وطيّبه ، وجعل عليه ثوبا ، ودفنه في

٥٣٦

مقابر المسلمين ، بعد ما صلى عليه. فلما ولي عمر بن عبد العزيز ، سأل عن الموضع الّذي دفن فيه ، فنبشه وأخذه ، والله أعلم بما صنع به. وقال بعضهم : الظاهر من دينه أنه بعث به إلى كربلاء ، فدفنه مع الجسد الشريف.

(راجع مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٧٦)

وروى ابن نما عن منصور بن جمهور ، أنه دخل خزانة يزيد لما فتحت ، فوجد بها جونة [وعاء كالخابية] حمراء ، فقال لغلامه سليم : احتفظ بهذه الجونة ، فإنها كنز من كنوز بني أمية. فلما فتحها إذ بها رأس الحسينعليه‌السلام وهو مخضوب بالسواد ، فلفّه في ثوب ودفنه عند باب الفراديس ، عند البرج الثالث مما يلي المشرق.

يقول العلامة الأمين : وكأنه هو الموضع المعروف الآن بمسجد أو مقام أو مشهد رأس الحسينعليه‌السلام بجانب المسجد الأموي بدمشق ، وهو مشهد مشيد معظم.

(الخامس) : في الرقة.

(السادس) : بمصر ، نقله الخلفاء الفاطميون من باب الفراديس إلى عسقلان ، ثم نقلوه إلى القاهرة ، وله فيها مشهد عظيم يزار. ذكره سبط ابن الجوزي.

ويقول العلامة الأمين : حكى غير واحد من المؤرخين ، أن الخليفة العلوي [أي الفاطمي] بمصر ، أرسل إلى عسقلان وهي مدينة بفلسطين ، فاستخرج رأسا زعم أنه رأس الحسينعليه‌السلام ، وجيء به إلى مصر فدفن فيها في المشهد المعروف الآن.وهو مشهد معظم يزار ، وإلى جانبه مسجد عظيم (اسمه مسجد سيدنا الحسين). وإنّ أخذ العلويين لذلك الرأس من عسقلان ودفنه بمصر لا ريب فيه ، لكن الشك في كونه رأس الحسينعليه‌السلام أم لا!.

وهذه الوجوه الأربعة الأخيرة كلها من روايات أهل السنة وأقوالهم خاصة.وإليك تفصيل ذلك :

الرأس في دمشق

٦٤٦ ـ مدفن الرأس الشريف في دمشق :

يقول القرماني في (أخبار الدول) ص ١٠٩ بعد ذكر عدة احتمالات :

والأصح أنه دفن في جامع دمشق.

٥٣٧

٦٤٧ ـ تحقيق ابن كثير :(البداية والنهاية ، ج ٨ ص ٢٢١)

يقول ابن كثير في بدايته : هناك عدة أقوال :

القول الأول : روى محمّد بن سعد أن يزيد بعث برأس الحسينعليه‌السلام إلى عمرو بن سعيد نائب المدينة ، فدفنه عند أمه بالبقيع.

القول الثاني : ذكر ابن أبي الدنيا من طريق عثمان بن عبد الرحمن عن محمّد بن عمر بن صالح ، أن الرأس لم يزل في خزانة يزيد بن معاوية حتى توفي ، فأخذ من خزانته فكفّن ودفن داخل باب الفراديس من مدينة دمشق.

قلت : ويعرف مكانه بمسجد الرأس اليوم ، داخل باب الفراديس الثاني.

القول الثالث : إن الّذي كفّنه هو سليمان بن عبد الملك ، ودفنه في مقبرة المسلمين.

٦٤٨ ـ رواية الذهبي :(سير أعلام النبلاء ، ج ٣ ص ٣١٦)

قال الذهبي : وقال عبد الصمد بن سعيد القاضي : حدثنا سليمان بن عبد الحميد البرائي : سمعت أبا أمية الكلاعي ، قال : سمعت أبا كرب ، قال : كنت فيمن توثّب على الوليد بن يزيد بدمشق ، فأخذت سفطا ، وقلت : فيه غنائي. فركبت فرسي ، وخرجت به من باب توما. قال : ففتحته ، فإذا فيه رأس مكتوب عليه : هذا رأس الحسين بن عليعليه‌السلام . فحفرت له بسيفي ، فدفنته.

يقول الذهبي في الحاشية : لا يصح الحديث ، فيه من لا يعرف.

في المدينة

٦٤٩ ـ مدفن رأس الحسينعليه‌السلام في المدينة :

(الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ٤٢)

يقول الشيخ عبد الله الشبراوي : وقيل إن يزيد أرسل برأس الحسينعليه‌السلام ومن بقي من أهله إلى المدينة ، فكفّن الرأس ودفن عند قبر أمه بقبّة الحسنعليه‌السلام .

وفي (شرح الهمزية) لابن حجر ، ص ٧٠ قيل : إن يزيد أرسل برأس الحسينعليه‌السلام وثقله ومن بقي من أهله إلى المدينة ، فكفّن رأسه ودفن عند قبر أمه بقبّة الحسنعليه‌السلام .

٥٣٨

في الكوفة

٦٥٠ ـ تحقيق الفاضل الدربندي :(أسرار الشهادة ، ص ١٦١)

يقول الفاضل الدربندي : في الخبر أنك إذا أتيت الغريّ [موضع بالنجف] رأيت قبرين : قبرا كبيرا وقبرا صغيرا. فأما الكبير فقبر أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وأما الصغير فرأس الحسينعليه‌السلام . وذلك أن ابن زياد لما بعث برأس الحسينعليه‌السلام إلى الشام ، ردّ إلى الكوفة. فقال : أخرجوه منها ، لا يفتن به أهلها ، فصيّره الله عند أمير المؤمنين ، فدفن. وهذا مفاد الحديث : فالرأس مع الجسد ، والجسد مع الرأس.وقد روى السيد ابن طاووس في (اللهوف) وغيره ، أن رأس الحسينعليه‌السلام أعيد فدفن مع بدنه بكربلاء ، وذكر أن عمل الطائفة على ذلك.

ولا يخفى أنه يمكن الجمع بين هذه الروايات وبين ما ادعاه ابن طاووس ، على [أنه] دفن الرأس أولا عند أمير المؤمنينعليه‌السلام بدافع الخوف ، ثم حمل الرأس بعد الدفن بقليل إلى كربلاء بعد الأمن ، ودفنه عند الجسد الشريف. ويؤيده في الرواية الأخيرة : «فالرأس مع الجسد ، والجسد مع الرأس». فالجسد الأول هو جسد الإمام عليعليه‌السلام ، والجسد الثاني هو جسد الحسينعليه‌السلام .

في عسقلان والقاهرة

٦٥١ ـ انتقال الرأس الشريف إلى عسقلان ثم القاهرة :

(التاريخ الحسيني للسيد محمود الببلاوي ، ص ١٦)

قال الببلاوي : أمر يزيد برفع الرؤوس في دمشق ثلاثة أيام ، ثم أمر بأن يطاف بها في البلاد. فطيف بها حتى وصلت عسقلان ، وأميرها إذ ذاك من خيرة الناس إيمانا وخوفا من الله ، فدفنها في مكان فخيم ، استمرت به إلى سنة إحدى وتسعين وأربعمائة ٤٩١ ه‍. وفي شعبان فيها خرج الأفضل ابن أمير الجيوش بعساكر كثيرة إلى بيت المقدس ، كما نقله المقريزي عن ابن ميسّر ، وحارب من به وملكه ، ثم دخل عسقلان. ولما علم بالرأس الشريف عمل له مشهدا جليلا بالمدينة المذكورة ، إذ رأى المكان الأول صار لا يليق بجلاله. ولما تكامل البناء أخرج الرأس الشريف فعطّره وحمله على صدره وسعى به ماشيا ، إلى أن أحله في المشهد المذكور.فاستمر به إلى سنة ثمان وأربعين وخمسمائة ٥٤٨ ه‍ ، وحواليها قضى الله على

٥٣٩

عسقلان أن تمتدّ إليها أيدي الطمع من الإفرنج ، وكان بها أمير يقال له عيّاش ، فأرسل إلى الخليفة الفائز بأمر الله بمصر ، يقول له : أما بعد ، فإن الإفرنج قد أشرفوا على أخذ عسقلان ، وإن بها رأس الإمام الحسين بن عليعليه‌السلام ، فأرسلوا من تختارونه وإلا أخذوه. وكان الخليفة الفاطمي الفائز إذ ذاك طفلا صغيرا لم يبلغ الحادية عشرة من عمره ، ولذلك كان الحل والعقد والأمر والنهي لأكبر وزرائه ، المسمى طلائع بن رزيك ، فأرسل فرقة من الجيش تحت أمر مكنون الخادم ، وزوّده بثلاثين ألف دينار ، فأتوا بالرأس. ووصلوا إلى قطية ، فخرج الوزير إلى لقائه من عدة مراحل ومعه جيوش كثيرة ، وكلهم حفاة خاشعون. فحمل الوزير الرأس على صدره ، حتى دخلوا مصر. وبنى طلائع مسجدا للرأس خارج باب زويلة من جهة الدرب الأحمر ، وهو المعروف بجامع الصالح الآن. فكشف الحجب عن تلك الذخيرة النبوية ، فوجد دمها لم يجف ، ووجد لها رائحة أطيب من المسك ـ كما قال المقريزي ـ فغسّل الرأس في المسجد المذكور على ألواح من الخشب ، ثم أراد أن يشرّف ذلك المسجد بدفنه فيه ، فأبى أهل القصر ، وهم معيّة الملك الفائز ، وقالوا : إن أثرا نبويا جليلا كهذا لا يليق أن يكون مستقره خارج حدود القاهرة ، بل لا بدّ من دفنه في قصر الملك [أي المعزّ] ، وكانت بوابة الباب الأخضر الموجودة الآن تحت المنارة الصغرى للمسجد الحسيني ، بابا من أبواب القصر المنتهي إلى الجمالية ، واسمه باب الديلم ودهليز الخدمة ، فعمدوا إلى الجهة المذكورة وبنوا بها بناء فخيما ، حلّوه بأنواع الزخارف الجميلة ، وكسوا جدرانه بالرخام الملون ، في البقعة المباركة الحالية.

وكان طلائع بن رزيك محبا لأهل البيتعليه‌السلام ويدعى الملك الصالح.

٦٥٢ ـ الجزم بأن الرأس الّذي كان في عسقلان ليس رأس الحسينعليه‌السلام :

(رأس الحسين لابن تيمية ، ص ١٥)

يقول ابن تيمية : بل نحن نعلم ونجزم بأنه ليس رأس الحسينعليه‌السلام ولا كان ذلك المشهد العسقلاني مشهدا للحسينعليه‌السلام ، من وجوه متعددة :

١ ـ أنه لو كان رأس الحسينعليه‌السلام هناك لم يتأخر كشفه وإظهاره إلى ما بعد مقتل الحسينعليه‌السلام بأكثر من أربعمائة سنة.

٢ ـ إن الذين جمعوا أخبار الحسينعليه‌السلام ومقتله ، مثل أبي بكر بن أبي الدنيا ،

٥٤٠