موسوعة كربلاء الجزء ٢

موسوعة كربلاء0%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 800

موسوعة كربلاء

مؤلف: الدكتور لبيب بيضون
تصنيف:

الصفحات: 800
المشاهدات: 432259
تحميل: 4293


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 800 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 432259 / تحميل: 4293
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء 2

مؤلف:
العربية

منه لما فعل بها. وقد أكد الشيخ المفيد أن القصة عارية عن الصحة ، بل هي من نسج الخيال ، وقد حبكت لغرض سياسي بحت ، وهو نفي الخصومة التي كانت بين الإمام علي وزوجته الزهراءعليه‌السلام وبين الشيخين بشأن الخلافة والشورى وغصب فدك وحرق بيت فاطمةعليه‌السلام .

يقول السيد جواد شبّر في (أدب الطف) ص ٧٦ :

وأما الرواية التي تقول إن أم كلثوم قد تزوجها عمر بن الخطاب ، فهي عارية عن الصحة ، كما أكّد الشيخ المفيد. وبيان ذلك أن المؤرخين قد اتفقوا على أن أم كلثوم قد تزوجها عون بن جعفر ، أو أخوه محمّد بن جعفر أولا ثم عون بن جعفر ثانيا.والإتفاق في ذلك عن أئمة الحديث المعتمدين ، كابن حجر في (الإصابة) ، وابن عبد البر في (الاستيعاب) وغيرهما ممن كتب في الصحابة. ويذكرون أن عون بن جعفر تزوج بها بعد عمر بن الخطاب ، مع أن عون قتل يوم (تستر) ١٧ ه‍ في خلافة عمر ، وعمر مات بعد هذه الوقعة بسبع سنين سنة ٢٣ ه‍ ، فكيف تزوج بها عون بعد عمر؟. الصحيح أن عون كان زوجها من البداية إلى النهاية ، وأنه لم يتزوجها غير ابن عمها

هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ، فإن أم كلثوم كانت أصغر من أختها زينب العقيلةعليه‌السلام ، وقد ولدت العقيلة بعد أخيها الحسينعليه‌السلام بثلاث سنين أي سنة ٨ ه‍ ، وتوفيت أمها الزهراءعليه‌السلام أول سنة ١١ ه‍ ، فتكون ولادة أم كلثوم المتوقعة في سنة ٩ أو ١٠ ه‍. وقد ذكر ابن الأثير في (الكامل) ج ٢ ص ٥٢٧ : أن عمر تزوج بها سنة ١٧ ه‍ ، فيكون عمرها وقتئذ ٨ أو ٧ سنوات ، ويستحيل أن تكون البنت في هذه السن مؤهلة للزواج.

قال ابن الأثير : وفيها [أي سنة ١٧ ه‍] تزوج عمر أم كلثوم بنت علي ابن أبي طالبعليه‌السلام وهي ابنة فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودخل بها في ذي القعدة [وعمره ٥٥ سنة].

وظاهر من كلامه أنه دخل بها قبل أن تبلغ ، فكيف يكون ذلك؟.

لهذا قال ابن شهر اشوب في (مناقبه) ج ٣ ص ٨٩ : وذكر أبو محمد النوبختي في كتاب (الإمامة) : أن أم كلثوم كانت صغيرة ، ومات عمر قبل أن يدخل بها.

٦٤١

وقال المفيد : إن الخبر الوارد بالتزويج لم يثبت ، لا سيما وأن الّذي رواه هو الزبير بن بكار ، المتهم بتعصبه ضد أهل البيتعليه‌السلام .

وقد ذكر السيد الأمين في (الأعيان) ج ٣ ص ٤٨٥ طبعة كبيرة : أن وفاة أم كلثوم الكبرى كانت في سلطنة معاوية قبل سنة ٥٤ ه‍ ، ودفنت في المدينة المنورة. فيكون عمرها الشريف حوالي ٤٥ سنة.

٦ ـ مقام فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام

٧٧٣ ـ وصف مسجد مزار السيدة فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام في الستات :

(ثمار المقاصد ليوسف بن عبد الهادي ، ص ٢٥٢)

يقول : في مقبرة الباب الصغير مسجد مزار السيدة فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام ، تقول العامة إنها فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام ، والصواب أنها فاطمة بنت أحمد بن الحسين ، كما هو محفور على الضريح.

ومسجدها لطيف ذو قبة مجددة سنة ١٣٣٠ ه‍. وإلى جانب باب المسجد سلّم حجري ينزل منه إلى الضريح الحجري ، المكتوب عليه بالكوفي آية الكرسي ، ثم ما نصه :

(هذا قبر فاطمة بنت أحمد بن الحسين [ابن السبطي] الشهيد ، توفيت رضي الله عنها في مبدأ سنة ٤٣٧ ه‍).

توضيح :

إن ظاهرة النزول إلى قبور أهل البيتعليه‌السلام في الستات بدرج إلى تحت الأرض ، كما هو الأمر في القبرين المنسوبين إلى سكينة وأم كلثومعليه‌السلام وفي هذا القبر ، يمكن تعليلها بأن دمشق القديمة كانت أخفض من وضعها الحاضر ، وقد علا سطحها مع الزمن نتيجة الردم الحادث عن الحروب والزلازل. وقد أثبتت التحريات العمرانية في دمشق القديمة ذلك ، فقد كان القوس الأثري الروماني الّذي اكتشف في حي الأمين ـ طالع الفضة ، منخفضا عن سطح الأرض أكثر من أربعة أمتار ، ثم عمدت مديرية الآثار إلى رفعه إلى سوية الأرض ، للتخلص من المياه التي كانت تتجمع عند قاعدته.

٦٤٢

ترجمة فاطمة الصغرى بنت الحسينعليه‌السلام

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١٣٠)

قال الشيخ المفيد في (الإرشاد) ، وابن قتيبة في (المعارف) :

فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام ، أمها أم اسحق بنت طلحة بن عبيد الله التيمي. كانت أم إسحق تحت الحسن بن عليعليه‌السلام فولدت له الحسين بن الحسن الملقب بالأثرم ، وأخاه طلحة.

فلما حضرت الوفاة إمامنا الحسنعليه‌السلام ، دعا بأخيه الحسينعليه‌السلام فقال : يا أخي إني أرضى هذه المرأة لك ، فلا تخرجنّها من بيوتكم ، فإذا انقضت عدّتها فتزوجها من نفسك. فلما توفي الحسنعليه‌السلام تزوجها الحسينعليه‌السلام ، فولدت له فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام .

وكانت فاطمة من عقائل قريش ، وهي في الزهد والورع والعبادة في مرتبة عظيمة ، وفي الكرم والسخاء والعطاء في درجة عليّة.

وكانت تشبّه بالحور العين لجمالها ، وكانت شبيهة بجدتها فاطمة الزهراءعليها‌السلام . ولما تزوجها الحسن بن الحسن المثنّى كما ذكرنا سابقا ، ولدت له أربعة : عبد الله وإبراهيم والحسين وزينب.

فلما توفي زوجها ومضت سنة كاملة ، رغب في نكاحها عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان وخطبها ، فامتنعت امتناعا شديدا ، حتى ألحّت عليها أم اسحق وحلّفتها في القبول ، فرضيت. وولدت من عبد الله : محمّد الديباج.ثم توفي زوجها.

فلما انقضت عدتها خطبها عبد الرحمن بن ضحاك بن قيس الفهري والي المدينة ، وكان ذلك في خلافة يزيد بن عبد الملك ، فامتنعت فاطمة من ذلك ، وبعثت إليه أن دع التكلم في ذلك فإنه محال. فغضب الوالي وضيّق عليها غاية التضييق ، وأصرّ على ذلك.

قال سبط ابن الجوزي في (تذكرة الخواص) ص ٢٩٠ : فبعثت إلى يزيد ابن عبد الملك تشكوه ، فشقّ على يزيد ذلك ، وغضب وقال : بلغ من أمر

٦٤٣

عبد الرحمن أن يتعرض لبنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !. من يسمعني موته وأنا على فراشي هذا؟. ثم بعث إليه من طاف به المدينة في جبة صوف ، ثم عزله وأغرمه أمواله كلها ، ومات فقيرا.

وكانت وفاة فاطمةعليه‌السلام وأختها سكينةعليه‌السلام في سنة واحدة ، وهي سنة ١١٧ ه‍. وفي (تهذيب التهذيب) لابن حجر : أن فاطمةعليه‌السلام قاربت التسعين ، فتكون ولادتها حوالي سنة ٣٠ ه‍ ، وعمرها يوم الطف ما يقرب من ذلك.

وفيه أيضا : أن فاطمةعليه‌السلام روت الحديث عن أبيها وأخيها زين العابدينعليه‌السلام وعمتها زينبعليه‌السلام وابن عباس وأسماء بنت عميس ، وروى عنها أولادها الأربعة من الحسن المثنّى.

٧ ـ مرقد السيدة زينب الكبرىعليه‌السلام

«عقيلة بني هاشم»

كان من نتيجة تعدد اسم زينب في بنات الإمام عليعليه‌السلام أن تشابه الأمر على الرواة والمؤرخين. فبعضهم زعم أن التي بمصر هي زينب العقيلةعليه‌السلام ، وأن التي في جنوب دمشق هي أم كلثوم المكناة بزينب الصغرىعليه‌السلام . ومنهم من قال عكس ذلك.

والصحيح أن من بنات الإمام عليعليه‌السلام الأربع ، اثنتين فقط حضرتا كربلاء هما : زينب الكبرى العقيلةعليه‌السلام ، وأم كلثوم الصغرى التي أمها أم سعيد الثقفية.أما أم كلثوم الكبرى المكناة بزينب الصغرى والتي نسب إلى عمر أنه تزوجها ، فقد توفيت بعد عمر سنة ٥٤ ه‍ وعمرها ٤٥ سنة في سلطنة معاوية ، كما حقق السيد محسن الأمين في (الأعيان). وأما زينب الصغرى التي أمها أم ولد ، فقد توفيت في حياة أبيهاعليه‌السلام .

فتكون زينب المدفونة في (راوية) جنوب دمشق ، هي زينب الكبرى العقيلةعليه‌السلام زوجة عبد الله بن جعفر ، والتي في مصر ـ إن كانت بنت الإمام

٦٤٤

عليعليه‌السلام ـ فهي أم كلثوم الصغرى التي أمها ثقفية. وإذا صحّ أن أم كلثوم الكبرى قد حضرت كربلاء ، فتكون هي التي توفيت في المدينة بعد رجوعها مع السبايا بأشهر. أما التي يزعم أنها مدفونة في مقبرة باب الصغير بدمشق ، فهي ليست أم كلثوم الكبرى المكناة بزينب الصغرى على أي حال من الأحوال.

٧٧٤ ـ زينب مصر :

قال والدي وجيه بيضونرحمه‌الله في مقالة له عن زينب الكبرىعليه‌السلام نشر حديثا في مجلة الموسم ـ العدد ٤ ص ٧٦٨ :

أما زينب العقيلة ، كبرى الزينبات الثلاث ، من بنات الإمام عليعليه‌السلام ، فقد أجمع على أنها دفينة أرض النيل جملة من الرواة ؛ منهم العبيدلي في أخباره ، والحافظ ابن عساكر في تاريخه الكبير ، والمؤرخ ابن طولون الدمشقي في (الرسالة الزينبية).

ومختصر خبرها في خروجها إلى مصر ننقله بإسناده مرفوعا إلى عبد الله بن أبي رافع ، قال : سمعت محمدا أبا القاسم بن علي يقول : لما قدمت زينب بنت عليعليه‌السلام من الشام إلى المدينة مع النساء والصبيان ، وثارت الفتنة بينها وبين عمرو بن سعيد [الأشدق] والي المدينة من قبل يزيد ، كتب إليه يستشيره بنقلها من المدينة ، فجاءه الأمر بذلك ، فجهّزها هي ومن أراد السفر معها من نساء بني هاشم إلى مصر ، فقدمتها لأيام بقين من ذي الحجة. فاستقبلها والي مصر يومئذ مسلمة بن مخلّد الأنصاري في موكب كبير ، وأنزلها في داره بالحمراء. وما لبثت أن أعجلتها منيّتها بعد عام من قدومها ، فدفنت بمحل سكناها.

ويقوم مشهدها لأيامنا جنوبي القاهرة في (قناطر السباع).

مناقشة حول (أخبار الزينبات) للعبيدلي :

(أقول) : أول من ادّعى بأن المشهد الزينبي هو في مصر المؤرخ (العبيدلي).

وقد طبع الأستاذ المصري حسن قاسم كتابا ليحيى بن الحسن العبيدلي [ت ٢٥٧ ه‍] عنوانه (أخبار الزينبيات) ، وهو كتاب صغير جدا يتألف من عدة أوراق نسبت للعبيدلي ، وتشمل عدة روايات ترمي إلى إثبات صحة المقام الزينبي في القاهرة ، وأن زينب العقيلةعليه‌السلام هجّرها والي المدينة إلى مصر ، وبعد سنة توفيت ودفنت هناك في منطقة (قناطر السباع) جنوبي القاهرة.

٦٤٥

ونحن إذا تركنا شكّنا في نسبة هذا الكتاب للعبيدلي ، وتجاوزنا عن عدم وثوقنا بالعبيدلي لتعصبه ، فإننا نرفض ما جاء في كتابه من عدة وجوه :

منها : أنه انفرد في قوله بأن زينب العقيلةعليه‌السلام قد توفيت في القاهرة ، ودفنت هناك في (قناطر السباع) ، مع أن العلماء الذين هم من أهل مصر وأرّخوا لها لم يذكروا ذلك ؛ مثل القضاعي والمقريزي والسيوطي والقاضي العدوي بل إنهم صرّحوا بأنه لم يمت لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام ولد لصلبه في مصر. وكذلك الذين زاروا مصر لم يذكروا ذلك ، مثل الرحالة ابن جبير.

ومنها : أن والي المدينة من قبل يزيد وهو عمرو بن سعيد الأشدق ، لم تكن له أية قوة أو سيطرة على المدينة ، لنموّ أثر ابن الزبير فيها ، حتى يخرج زينبعليه‌السلام منها ، والهاشميون يسكتون عن ذلك!.

ومنها : أن زوج العقيلة عبد الله بن جعفر ، كان معها في المدينة ، وكانت له حظوة وكلمة عند الأمويين ، فهل يسمح لهم بتسفير ونفي زوجته إلى مصر لوحدها ، إذ لم يذكر أنه كان معها إلا فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام وأختها سكينة ؛ فهذا دونه خرط القتاد.

ومنها : ما ذكر عند وصولها مصر ، أنها نزلت في دار الحمراء لمسلمة بن مخلّد والي مصر ، فأقاكت هناك سنة ، ثمّ توفيت ، وصلى عليها مسلمة. وهذا كان مع معاوية بن حديج ، من أكبر أعداء أهل البيتعليه‌السلام ، فهل يعقل أن تنزل العقيلة في بيته ويستضيفها ، وهي الأبية الهاشمية التي ورثت الأنفة والعزة من أجدادها!.

ومنها : ما يذكرون من أنه في العهد الفاطمي كان الملك كل سنة في المحرم يقوم بزيارة مراقد أهل البيتعليه‌السلام ، فيبدأ بقبر السيدة نفيسة بنت الحسن الأنور ، ويختتم بزيارة رأس الحسينعليه‌السلام . فلو كانت زينبعليه‌السلام مدفونة هناك ، لكان الأولى أن يبدأ بزيارة قبرها ، ويختتم بزيارة رأس أخيها الحسينعليه‌السلام .

ومنها : أن أهل مصر كانوا كنانة معاوية ومن أكبر أنصاره ، ولذلك لم يفكّر الإمام الحسينعليه‌السلام بنصرتهم والتوجه إليهم ، فكيف تختار زينبعليه‌السلام مصر لتكون مكانا لنفيها وهجرتها؟!.

٧٧٥ ـ زينب الشام :

ثم قال والدي : بقي أن نولي وجهنا شطر الشام ، حيث المقام الزينبي البهي ، في ضاحية دمشق الجنوبية ، يقوم عليه السادة آل مرتضى الكرام ، منذ لا أقل من سبعمائة

٦٤٦

عام ، يوم حلّ جدهم الأكبر ربوع الشام. وهو الشائع الثابت عند الأكثرين ـ وبخاصة الشيعة ـ أنه مثوى العقيلة زينب الكبرىعليه‌السلام بعد نزوحها عن المدينة إثر المجاعة الجائحة التي أصابتها وما حولها ، حيث شحّ الرزق وتأذى الخلق ، فهاجرت مع زوجها عبد الله بن جعفر إلى الشام ، وكانت له فيها ممتلكات اقتطعها له الأمويون. فمرضت هناك وتوفيت ، ودفنت في قرية (راوية) وهي المعروفة لأيامنا بقرية (الست).

ولقد وكّد هذه الرواية بواقعها ، كلّ من ابن طولون والهروي وسبط ابن الجوزي والصيادي وغيرهم ، كما وكّدها أيضا الناصري في (طلعة المشتري) وابن عبد البر في (الإستيعاب) ، والعبيدلي في تاريخه.

وللمجتهدين من أئمة الدين في هذا الشأن فتاوى عدة ، هي في وفرتها وإجماعها شبه إفتاء عام ، بأن في الشام مدفن السيدة العقيلةعليه‌السلام ، قدمتها أول مرة سبيّة ، ثم جاءتها مهاجرة ، لتتم فيها أيامها الأخيرة. انتهى كلامه

٧٧٦ ـ مرقد زينبعليه‌السلام براوية :(رحلة ابن جبير ، ص ٢٥٣)

يقول ابن جبير : ومن مشاهد أهل البيتعليه‌السلام مشهد أم كلثوم بنت علي ابن أبي طالبعليه‌السلام ويقال لها زينب الصغرى ، وأم كلثوم كنية أوقعها عليها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لشبهها بابنته أم كلثومعليه‌السلام ، والله أعلم بذلك.

ومشهدها الكريم بقرية قبلي البلد تعرف (براوية) على مقدار فرسخ [٦ كم] ، وعليه مسجد كبير ، وحوله مساكن وله أوقاف. ويسميه أهل دمشق قبر الست أم كلثوم.

(أقول) : ظاهر خطأ ابن جبير في تحديد اسم المدفونة في (راوية) إذ أن كل من يزورها يذكرها باسم ستي زينب ، ولا أحد يذكر أنها أم كلثوم. علما بأن أم كلثوم الكبرى التي ذكرها ابن جبير كانت قد توفيت كما ذكرنا في عهد معاوية ولم تشهد الطف ودفنت في المدينة ، فمن أين جاءت إلى دمشق!؟.

ثم قال ابن جبير : وبالجبانة [يقصد مقبرة باب الصغير] التي بغربي البلد ، من قبور أهل البيتعليه‌السلام كثير. منها قبران عليهما مسجدان يقال إنهما من ولد الحسن والحسينعليه‌السلام . ومسجد آخر فيه قبر يقال لسكينة بنت الحسينعليه‌السلام ، أو لعلها سكينة أخرى من أهل البيتعليه‌السلام .

٦٤٧

(أقول) : وهذا تخبّط آخر من ابن جبير. فذكر أولا قبرين من ولد الحسن والحسينعليه‌السلام ، فمن هما؟. ثم قال : لعلها سكينة أخرى ، مما يدل على تشككه في ذلك. والصحيح أن القبرين المنسوبين للسيدة أم كلثوم زينب الصغرىعليه‌السلام ولسكينة بنت الحسينعليه‌السلام ، هما لسيدتين من نسل أهل البيتعليه‌السلام . أما أم كلثوم وسكينة فقد توفيتا في المدينة بعد رجوعهما من كربلاء ، ودفنتا هناك.

وقد ذكر ابن جبير أن هذه المشاهد هي في غرب دمشق ، والصحيح أنها جنوب دمشق خارج السور.

٧٧٧ ـ تحقيق الشيخ المازندراني :(معالي السبطين ، ج ٢ ص ١٣٣)

يذكر المازندراني في تحقيقه أقوال من ذهب إلى أن زينب العقيلةعليه‌السلام دفنت في مصر ، ومن قال إنها دفنت في دمشق ، قال :

في كتاب (لواقح الأنوار) : توفيت زينب بنت علي بن أبي طالبعليه‌السلام بدمشق الشام في سنة ٧٤ أربع وسبعين هجرية ، فعلى هذا يكون عمرها ٦٧ سنة.

وفي الكتاب المذكور قال : إن زينب المدفونة بقناطر السباع [جنوبي القاهرة] أخت الحسين بن عليعليه‌السلام بلا شك [أقول : فتكون أم كلثوم الصغرى إن صحت نسبتها].

وقال الشعراني في (الطبقات) : أول من أنشأ قناطر السباع الملك الظاهر ركن الدين بيبرس ، ونصب عليها سباعا من الحجارة ، فإن رنكه على شكل سبع [الرنك :هو شعار المماليك في مصر] ، ولذلك سمّيت قناطر السباع. ا ه

وقال المرحوم السيد حسن صدر الدين في كتابه (نزهة أهل الحرمين) : زينب الكبرى بنت أمير المؤمنينعليه‌السلام وكنيتها أم كلثوم ، قبرها في قرب زوجها عبد الله بن جعفر الطيار ، خارج دمشق الشام معروف. جاءت مع زوجها عبد الله بن جعفر أيام عبد الملك بن مروان إلى الشام سنة المجاعة ، ليقوم عبد الله بن جعفر فيما كان له من القرى والمزارع خارج الشام ، حتى تنقضي المجاعة. فماتت زينبعليه‌السلام هناك. وغيره غلط لا أصل له فاغتنم ، فقد وهم في ذلك جماعة فخبطوا خبط العشواء.

٦٤٨

وفي كتاب (نهضة الحسين) للسيد هبة الدين الشهرستاني ، قال : لأمير المؤمنينعليه‌السلام بنتان بهذا الاسم (زينب) وبلقب (أم كلثوم) ، والكبرى هي سيدة الطف ، وكان ابن عباس ينوّه عنها «بعقيلة بني هاشم» ، ولدتها الزهراءعليها‌السلام بعد شقيقها الحسينعليه‌السلام بسنتين [٦ ه‍].

وقد أفرد لسان الملك ترجمتها في مجلد خاص بها من كتاب (ناسخ التواريخ).

وقال جماعة : إن هذا لزينب الصغرى ، كما هو مرسوم على صخرة القبر ، وأن الكبرى توفيت بمصر ، ودفنت عند قناطر السباع حيث المزار المشهور بالقاهرة.«انتهى ما ذكره السيد الشهرستاني».

٧٧٨ ـ تحقيق السيد أسد حيدر :(مع الحسين في نهضته ، ص ٣٢١)

قال السيد أسد حيدر :

أقامت زينبعليه‌السلام في المدينة [بعد رجوعها من كربلاء] تواصل جهاد أخيها ، وتؤلب الناس على الطلب بثأر الحسينعليه‌السلام . وخشي عامل المدينة من وجودها أن تفجّر ثورة في المدينة ومكة ، فكتب إلى يزيد بالأمر ، فجاء الأمر من يزيد بلزوم إخراجها ، ولكنها رفضت ذلك وأعلنت أنها لا تخرج حتى يراق دمها ، قالتعليه‌السلام : «قد علم الله ما صار إلينا ؛ قتل يزيد خيارنا ، وحملنا على الأقتاب. فو الله لا خرجنا ، وإن أهرقت دماؤنا».

فنصحتها زينب بنت عقيل بأن ترحل إلى بلد آمن ، واجتمع إليها نساء بني هاشم وتلطّفن معها في الكلام. فهاجرت العقيلةعليه‌السلام هجرتها الثانية.

وهنا نجد قولين متضاربين حول اتجاه ركب العقيلةعليه‌السلام ، وقد ألزمت بالخروج من المدينة.

فهل وقع اختيارها على مصر أو على الشام؟.

١ ـ فمن قائل أنها اختارت مصر ، فذهبت مع بقية أهل البيتعليه‌السلام إلى مصر ، ومعها فاطمة وسكينة بنتا الحسينعليه‌السلام . وفي مصر استقبلت استقبالا مهيبا.

وذكر النسابة العبيدلي [يحيى بن الحسن] أن دخول السيدة زينبعليه‌السلام كان أول

٦٤٩

شعبان سنة ٦١ ه‍ ، وأقامت في مصر وهي شاكية لانحراف صحتها ، وتوفيت ليلة الاثنين لأربعة عشر خلت من رجب سنة ٦٢ ه‍ ، ودفنت بمحل سكناها.

٢ ـ ومن قائل إنها أقامت بدمشق مع زوجها عبد الله بن جعفر ، في محل إقامته في قرية (راوية) لأن له أملاكا هناك ، فوافتها المنيّة ، ودفنت في مشهدها المعروف ومزارها المشهور.

ثم يقول : لقد حصل خلط في التاريخ ، والذي أراه أن زينبعليه‌السلام كان لها أخت أصغر منها اسمها أم كلثوم زينب الصغرى ، وهي التي هاجرت إلى مصر ، بدليل أنها كانت كثيرة البكاء على أبيها حتى سميت (النوّاحة) مما أقضّ جانب والي المدينة ، فبعثها إلى مصر حيث توفيت هناك.

أما زينب العقيلةعليه‌السلام فقد تواترت الأخبار على ألسنة علمائنا أنها هاجرت مع زوجها عبد الله بن جعفر إلى دمشق ، وعاشت في (راوية) ، وتوفيت هناك سنة ٦٤ ه‍ وعمرها ٥٧ سنة كعمر الحسينعليه‌السلام يوم استشهد. وبهذا نكون قد جمعنا بين القولين ونفينا المعارضة بينهما ، والله أعلم.

٧٧٩ ـ خبر المجاعة :(زينب الكبرى لجعفر النقدي ، حاشية ص ٢٩)

جاء في (الخيرات الحسان) وغيره أن مجاعة أصابت المدينة ، فرحل عنها عبد الله بن جعفر بأهله إلى الشام في ضيعة له هناك ، وقد حمّت زوجته زينب من وعثاء السفر ، أو من ذكريات أحزان وأشجان ، من عهد سبي يزيد لآل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ثمّ توفيت على إثرها في النصف من رجب سنة ٦٥ ه‍ ، ودفنت هناك حيث المزار المشهور.

٧٨٠ ـ السيدة زينب الموجودة في مصر ليست زينب بنت عليعليه‌السلام :

هذا وقد ثبت لي مؤخرا أن زينب المدفونة في القاهرة ليست هي زينب الكبرى ولا الصغرى ، ولا هي نهائيا من بنات الإمام عليعليه‌السلام . وهذا ما أكدته الكتابات الموجودة على قبرها ، والتي تدل على أنها من حفيدات محمّد بن الحنفية ابن الإمام عليعليه‌السلام . وهذا ما أثبته المقريزي وابن العماد الحنبلي.

قال ابن العماد الحنبلي في (الشذرات) : وبمصر قبر السيدة زينب الواقع في قنطرة السباع ، وهو قبر زينب بنت أحمد بن محمّد بن عبد الله بن جعفر بن محمّد

٦٥٠

المعروف بابن الحنفية ابن الإمام عليعليه‌السلام . ويدعوها بعض المؤرخين زينب بنت علي بحذف الوسائط. أما قبر زينب بنت عليعليه‌السلام فالمشهور أنها دفنت في قرية راوية التي تبعد فرسخا عن دمشق.

وذكر المقريزي في خططه ، ج ٣ ص ٣٥٢ : وبخارج باب النصر في أوائل المقابر ، قبر زينب بنت أحمد بن محمّد بن عبد الله بن جعفر بن الحنفية يزار ، وتسميه العامة مشهد الست زينب.

وفي (سيرة الأئمة الاثني عشر) لهاشم معروف الحسني ، ج ١ ص ٦٢٢ قال : من أولاد زيد ابن الإمام الحسنعليه‌السلام : الحسن الأنور ، والد السيدة نفيسة ، ذات المقام المعروف بالقاهرة. ومن أولاد الحسن الأنور أيضا : يحيى المتوّج ، والد السيدة زينب التي لازمت عمتها نفيسة في القاهرة ودفنت فيها ، وكانت من الزاهدات العابدات. وأهل مصر يأتون لزيارة قبرها من كل فجّ ، وقبرها المعروف بقبر زينب.ويؤكد هذا البرهان قول الزركلي في كتابه (الأعلام) :

لم أر في كتب التاريخ ، أن السيدة زينب بنت عليعليه‌السلام جاءت إلى مصر ، في الحياة أو بعد الممات.

كل ذلك يدل دلالة قاطعة على أن قبر العقيلة زينب الكبرىعليه‌السلام هو الموجود في قرية (راوية) جنوب دمشق.

ضريح زينب العقيلةعليها‌السلام في راوية

٧٨١ ـ كرامة لزينبعليه‌السلام تهديها قفصا مكرما :

(أدب الطف للسيد جواد شبّر ، ص ٢٥١)

نشرت مجلة (الغريّ) النجفية في سنتها ١٥ تحت عنوان (القفص الذهبي) قالت :

أهدى أغنى أغنياء باكستان السيد محمّد علي حبيب قفصا فضيا لقبر السيدة زينب بنت عليعليه‌السلام في ضاحية دمشق. وكان السبب الوحيد لإهداء هذا القفص ، هو أنه كان له ولد مصاب بالشلل ، وعالجه أبوه في مستشفيات أوروبا ولدى أمهر أطبائها ، ولكنه لم يشف ، حتى أيس أبوه من شفائه.

فقصد الشام لزيارة قبر السيدة زينبعليه‌السلام ، وبات ليلة في حضرتها متضرعا إلى الله في شفاء ولده الوحيد. ثم سافر إلى بلده ، وحين وصوله إلى كراتشي وجد ولده

٦٥١

المقعد المشلول وهو يمشي على رجليه ، وقد عوفي من مرضه بقدرة الله تعالى. عند ذلك اعتزم السيد حبيب أن يقدّم للضريح الزينبي هدية ثمينة تليق بصاحبته المكرّمة.

ونشرت مجلة العرفان اللبنانية أن هذا القفص الفضي يزن ١٢ طنا ، وهو محلّى بالجواهر الكريمة النادرة.

٧٨٢ ـ إهداء الصندوق العاجي :(المصدر السابق)

ونشرت مجلة العرفان ـ مجلد ٤٢ ص ٩٢٣ عن الصندوق العاجي المهدى لضريح السيدة زينبعليه‌السلام قالت :

أهدت إيران حكومة وشعبا صندوقا أثريا من العاج والآبنوس المطعّم بالذهب لضريح السيدة زينبعليه‌السلام المدفونة في ظاهر دمشق (قرية راوية) ، وهو من صنع الفنان الإيراني الحاج محمّد صنيع ، وبقي في صنعه ثلاثين شهرا. وقدّر ثمنه بمائتي ألف ليرة سورية. وله غطاء من البلور. وقد أحضرته بعثة إيرانية رسمية ، وأقيمت حفلة كبرى لوضعه فوق الضريح المقدس في ٢٠ نيسان ١٩٥٥.

ترجمة العقيلة زينب الكبرىعليه‌السلام

الزينب : شجر حسن المنظر طيّب الرائحة ، وبه سمّيت المرأة. وقيل هي كلمة مركبة أصلها : زين أب.

وقد أكثر أهل البيتعليه‌السلام من التسمية باسم زينب ، أولها زينب بنت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ثم زينب بنت جحش زوجة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابنة عمته. ثم ثلاث بنات للإمام عليعليه‌السلام باسم زينب ، ثم زينب

بنت الحسينعليه‌السلام ، وزينب بنت عقيل الخ.

ولا تخلو عائلة هاشمية من هذا الاسم المبارك. وأعظم هذه الزينبات بلا منازع زينب بنت الإمام عليعليه‌السلام التي ولدتها السيدة فاطمة الزهراءعليه‌السلام بعد الحسن والحسينعليه‌السلام ، وهي زينب الكبرى العقيلة. وإنما يقال لها الكبرى للتفريق بينها وبين من سمّيت باسمها من أخواتها.

ولدت زينب الكبرىعليه‌السلام في ٥ جمادى الأولى سنة ٦ ه‍.

٦٥٢

وفي (منتخب التواريخ) أنها ولدت في أول يوم من شعبان ، بعد ولادة أخيها الحسينعليه‌السلام بسنتين ، وتوفيت في النصف من رجب سنة ٦٢ ه‍ (وقيل ٦٥ ه‍) ، والتاريخ الأخير يوافق عام المجاعة في عهد عبد الملك ؛ فيكون عمرها الشريف أقل من ستين عاما.

وكانت زينب الكبرىعليه‌السلام تلقّب بالصدّيقة الصغرى للفرق بينها وبين أمها فاطمة الزهراء (الصدّيقة الكبرى) ، ومن ألقابها : عقيلة الوحي وعقيلة بني هاشم وعقيلة الطالبيين ، والموثّقة ، والعارفة ، والعالمة ، والفاضلة ، والكاملة ، وعابدة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وكانت ذات جلال وشرف وعلم ودين وصون وحجاب ، حتى قيل إن الحسينعليه‌السلام كان إذا زارته زينب يقوم إجلالا لها. وروت الحديث عن جدها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن أبيها أمير المؤمنينعليه‌السلام وعن أمها فاطمة الزهراءعليه‌السلام .

قال ابن الأثير : إنها ولدت في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكانت عاقلة لبيبة جزلة. زوّجها أبوها من ابن عمها عبد الله بن جعفر ، فولدت له أربعة أولاد ، منهم عون ومحمد اللذين استشهدا بين يدي الحسينعليه‌السلام ، ومنهم علي وأم كلثوم. وكانت زينب مع أخيها الحسينعليه‌السلام لما قتل ، فحملت إلى دمشق وحضرت عند يزيد. وكلامها ليزيد يدل على عقل وقوة وجنان.

وبعد رجوع زينبعليه‌السلام مع السبايا إلى المدينة ، حصلت مجاعة فيها ، فهاجرت مع زوجها عبد الله بن جعفر إلى دمشق ، وأقامت في قرية (راوية) التي كانت لزوجها فيها أراض وبساتين ، حيث توفيت هناك بعد موقعة الطف بعدة سنين.

واختلف في مرقدها بين مصر والشام ، والأصح في الشام.

وقد ألفت كتب كثيرة في سيرتهاعليه‌السلام ، وآخر ما ظهر منها كتاب (بطلة كربلاء) للفاضلة الحرة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) إذ قالت في خاتمة كتابها : «بطلة استطاعت أن تثأر لأخيها الشهيد العظيم ، وأن تسلّط معاول الهدم على دولة بني أمية ، وأن تغيّر مجرى التاريخ».

٦٥٣

٧٨٣ ـ ألقاب زينب الكبرىعليه‌السلام :

لزينب الكبرىعليه‌السلام ألقاب كثيرة منها :

ـ عقيلة بني هاشم : والعقيلة هي المرأة العاقلة الكريمة الجليلة ، صاحبة المقام الأكبر.

ـ سيدة الطف أو بطلة كربلاء : لأنها ثبتت في موقف الطف ثبات الرجال ولم تجزع ، وهي ترى أولادها وإخوتها وأهلها يذبحون كالقرابين أمام عينيها.

ـ صاحبة الديوان : في مصر ، وهم يحتفلون بذكراها من يوم ولادتها في ٥ شعبان ، إلى يوم وفاتها في النصف من شعبان.

ـ عابدة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فقد كانت زاهدة عابدة ، لم تترك أورادها حتى ليلة الحادي عشر من المحرم ، وخصوصا صلاة الليل. وقد أوصاها أخوها الحسينعليه‌السلام قبل استشهاده بأن لا تنسى الدعاء له في وتر الليل.

ـ أم المصائب : فلقد مرّت على أمها فاطمةعليه‌السلام مصائب جلى ، حتى كانت أول من لحق بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أهله. لكن هذه المصائب هانت أمام مصائب زينبعليه‌السلام في كربلاء ، والتي انتهت بسبي حريم آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتسييرهم إلى الفاجر عبيد الله بن زياد ، ثم إلى الماكر يزيد بن معاوية ، عبر الأقطار والأمصار.

٧٨٤ ـ مسجد السادات الزينبية بدمشق :

هناك مسجد في دمشق يدعى مسجد السادات الزينبية ، وذلك في حي العمارة قريبا من مرقد السيدة رقيةعليه‌السلام .

إذا زرنا مسجد السيدة رقيةعليه‌السلام ثم خرجنا شمالا من باب الفراديس ، نصل إلى جادة العمارة التي تسمى شارع الملك فيصل ، حيث كانت تمرّ سكّة الترام. وهذا الطريق يصل منطقة باب توما شرقا بساحة المرجة غربا. فإذا سرنا في هذه الجادة شرقا باتجاه باب توما ، نجد في الطرف الأيمن من الطريق وقبل الوصول إلى باب توما مسجدا كبيرا قديما يدعى مسجد السادات الزينبية ، أو مسجد القصب (مز القصب) أو مسجد الأقصاب. فلماذا سمي هذا المسجد بمسجد السادات؟. وما معنى الزينبية أو الأقصاب؟.

يقول كارل ولتسنغر في كتابه (الآثار الإسلامية في مدينة دمشق) ص ٧٤ : جامع السدة الزينبية : يرجع تاريخ البناء الحالي إلى عام [٧٢١ ه‍ ـ ١٣٢١ م]. ويعلّق

٦٥٤

محقق الكتاب في الحاشية قائلا : والصحيح السادات الزينبية ، ويقصد بالسادات بعض صحابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث يعتقد بوجود سبعة منهم مدفونين في المسجد.

ويقول جان سوفاجيه في كتابه (الآثار التاريخية) ص ٩٣ :

مسجد الأقصاب : ويعرف بجامع السادات الزينبية ، أعيد بناؤه عام [٨١١ ه‍ / ١٤٠٨ م] على يد الأمير ناصر الدين محمّد بن منجك. وهو مسجد مملوكي كبير من النموذج الدارج ، وله منارة مربعة وبلاط زخرفي.

ويقول الأستاذ أكرم حسن العلبي في كتابه (خطط دمشق) ص ٣٥٢ :

جامع مسجد الأقصاب : جامع قديم ومشهور خارج باب السلام ، يعرف بجامع منجك ، وجامع السادات لوجود سبعة من الصحابة فيه ؛ منهم حجر بن عدي ، كما يقول ابن عساكر(١) ، وهذه القبور على يمين الداخل. علما بأن ابن عساكر نفسه ذكر في ترجمة حجر بن عدي أنه مدفون حيث قتل في عذرا ، وعلى قبره مسجد مشهور.

ويرجع (كارل) تاريخ صحن المسجد والأعمدة والأركان إلى عصور بيزنطية ، والأعمدة جزء من أقواس الرواق الجنوبي الأوسط لكنيسة.

يظهر من ذلك أن هذا المسجد هو منشأة معمارية قديمة ، كانت كنيسة قبل الفتح ، مساحتها أزيد من المسجد الحالي ، وتمتدّ شمالا لتشغل الطريق المجاور. ولو أمكن حفر الطريق لوجدت الأسس المطمورة من الكنيسة. ثم حولها المسلمون إلى مسجد حين قتل حجر وأصحابه في عهد معاوية عام ٥١ ه‍ ، ثم حولها المماليك إلى مسجد مملوكي ، جدده الأمير منجك عام ٨١١ ه‍.

والسؤال الّذي يطرح نفسه هو : ما الذي جاء بأجسام حجر وأصحابه إلى هذا المكان ، حتى سمي جامع السادات ، ولماذا نعتت هذه السادات بالزينبية؟. وما قصة القصب والأقصاب؟.

٧٨٥ ـ كيف استشهد حجر وأصحابه رضي الله عنهم؟ :

نرجع هنا بنظرنا إلى كيفية استشهاد حجر وأصحابه رضي الله عنهم. فبعد أن ساق والي العراق زياد بن أبيه ، الصحابي الجليل حجر بن عدي الكندي وابنه همّام وأصحابه

__________________

(١) تاريخ ابن عساكر ، ج ٢ ص ٨٤ ؛ ومختصره لابن منظور ، ج ٦ ص ٢٢٥.

٦٥٥

إلى دمشق ، وصلوا بهم إلى مرج عذراء [عدرة اليوم]. وهناك جاء الأمر من معاوية بأن يخيّروا بين البراءة من علي بن أبي طالب أو القتل ، فاختاروا القتل ، وكان عددهم سبعة. وبما أنهم كانوا يعلمون مصيرهم نتيجة إخبار الإمام عليعليه‌السلام لحجر بذلك ، حفروا قبورهم بأيديهم ولبسوا أكفانهم ، ثم ضربت أعناقهم ، ودفنوا هناك.

وهنا نجد تناقضا بين النصوص الأولى والرواية الثانية ، فهل هؤلاء الشهداء مدفونون في مسجد السادات أم في عدرة؟. ويمكن إزالة هذا التعارض ، بأن معاوية بعد قتل حجر وأصحابه ، أمر زبانيته بدفن الرؤوس في (عذراء) ، وبجرّ الأجساد إلى دمشق ، وسحلها في شوارع العاصمة. فسحلوها حتى زال اللحم من أرجلهم ، ولم يبق منها إلا القصبات. فدفنت هذه القصبات في العمارة ، وسمي المسجد هناك مسجد القصب أو الأقصاب. وأطلق عليهم اسم السادات ، لأن بعضهم كان من الصحابة الكرام.

أما كلمة (الزينبية) فلعل سبب إطلاقها عليهم ، لبيان أنهم من الموالين لزينبعليه‌السلام ، وذلك عوضا عن نعتهم بالسادات العلوية ، لأن اسم عليعليه‌السلام كان محرما الجهر به أو مجرد لفظه في زمن بني أمية. ومن المحتمل جدا أن السيدة زينب بنت عليعليه‌السلام العقيلة حين جاءت مع السبايا وسكنت في (الخربة) في نفس المكان الّذي صار فيما بعد مسجد السيدة رقيةعليه‌السلام ، أنها كانت تذهب من هناك ، وبطريق قريب جدا ، وتزور هؤلاء السادات في مسجد السادات هذا ، لعلمها بدور حجر ومركزه من القضية العلوية والنهضة الحسينية ، فلقد كان حجر الممهّد الأول لثورة الحسينعليه‌السلام التي استعرت في كربلاء. ولأن زينبعليه‌السلام باركت هذا المكان بدموعها وصلاتها ودعائها ، أطلق عليه اسم مسجد السادات الزينبية ، كما أطلق على المنطقة برمتها اسم (الزينبية).

وهناك احتمال معاكس ، وهو أنهم أطلقوا اسم الزينبية على المنطقة لمبيت زينبعليه‌السلام والسبايا فيها ، ثم أطلقوا اسم (الزينبية) على المسجد لتمييزه يعن المساجد الأخرى التي تحمل نفس الاسم (مسجد السادات) وهي عديدة في دمشق.

٦٥٦

(٤) ـ مدفن الشريفات العلويات في مصر

٧٨٦ ـ مشاهد أهل البيتعليه‌السلام عند جامع ابن طولون بالقاهرة :

(الإشارات إلى معرفة الزيارات للهروي ، ص ٣٥)

ذكر الهروي المشاهد التي عند جامع ابن طولون ، وهي :

ـ مشهد به قبر نفيسة بنت الحسن بن زيد بن زين العابدينعليه‌السلام .

ـ مشهد به قبر فاطمة بنت محمّد بن إسماعيل بن جعفر الصادقعليه‌السلام .

ـ قبر آمنة بنت الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام .

ـ مشهد به قبر رقية بنت علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

٧٨٧ ـ مشاهد أهل البيتعليه‌السلام في القرّافة :(المصدر السابق ، ص ٣٦)

القرافة هي مقبرة في جبل المقطّم ، وفيها : مشهد قبر علي بن الحسين ابن الإمام زين العابدينعليه‌السلام . وإلى جانبه مشاهد أهل البيتعليه‌السلام ، منهم :

ـ مشهد به قبر علي بن عبد الله بن القاسم بن محمّد بن جعفر الصادقعليه‌السلام .

ـ مشهد به قبر آمنة بنت الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام .

ـ مشهد به قبر يحيى بن الحسن بن زيد بن الحسن ابن الإمام عليعليه‌السلام .

ـ وبه قبر أم عبد الله بن القاسم ابن الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام .

ـ وبه قبر يحيى بن القاسم ابن الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام .

ـ وبه قبر عبد الله بن القاسم ابن الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام .

ـ وبه قبر عيسى بن عبد الله بن القاسم ابن الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام .

ـ مشهد به قبر القاسم ابن الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام .

ـ وبه مشهد (أم) كلثم بنت القاسم ابن الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام .

ولم يذكر شيئا عن باب السباع ، ولا أن رأس الحسينعليه‌السلام مدفون في باب القرافة.

٦٥٧

(٥) ـ سيرة الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام

«زين العابدين»

٧٨٨ ـ عبادة الإمام زين العابدينعليه‌السلام :

(إعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسي ، ص ٢٥٤ ط بيروت)

روى سعيد بن كلثوم قال : كنت عند الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام ، فذكر أمير المؤمنينعليه‌السلام فمدحه بما هو أهله.

ثم قال الصادقعليه‌السلام : والله ما أطاق عمل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذه الأمة غيره. وإن كان ليعمل عمل رجل كان وجهه بين الجنة والنار ؛ يرجو ثواب هذه ، ويخاف عقاب هذه. ولقد أعتق من ماله ألف مملوك في طلب وجه الله والنجاة من النار ، مما كدّ بيده ، وشحّ منه جبينه وما أشبهه من ولده ولا أهل بيته أحد أقرب شبها به ، من علي بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام .

ولقد دخل ابنه الإمام الباقرعليه‌السلام عليه ، فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد ، فرآه قد اصفر لونه من السهر ، ورمدت عيناه من البكاء ، ودبرت جبهته من السجود ، وورمت ساقاه من القيام في الصلاة.

فقال الباقرعليه‌السلام : فلم أملك حين رأيته بتلك الحال من البكاء ، فبكيت رحمة له. وإذا هو يفكر ، فالتفت إليّ بعد هنيهة من دخولي ، فقال : يا بني ، أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة عليعليه‌السلام . فأعطيته ، فقرأ منها يسيرا ، ثم تركها من يده تضجّرا ، وقال : من يقوى على عبادة علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

وروي أن زين العابدينعليه‌السلام كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ، وكانت الريح تميله بمنزلة السنبلة!.

وكانعليه‌السلام إذا توضأ اصفرّ لونه. فقيل له : ما هذا الّذي يغشاك؟. فقال :أتدري لمن أتأهّب للقيام بين يديه؟!.

وفي (أدب الطف) للسيد جواد شبّر ، ص ٢٥٥ :

قال الإمام الباقرعليه‌السلام : إن أبي ما ذكر لله نعمة إلا سجد ، ولا قرأ آية إلا سجد ، ولا وفّق لإصلاح اثنين إلا سجد ، ولا دفع الله عنه كربة إلا سجد ، ولا فرغ من صلاته إلا سجد. وكان أثر السجود في جميع مواضع سجوده.

٦٥٨

وفي (ينابيع المودة) لسليمان القندوزي ، ج ٣ ص ٢٦ ط ١ :

ووقع حريق في بيت كان فيه زين العابدينعليه‌السلام ساجدا ، فقالوا : يابن رسول الله ، النار النار ، فما رفع رأسه ليطفئ النار.! فقيل له في ذلك ، فقال : ألهتني عنها نار أخرى [يعني نار الآخرة].

وقال الزهري : كان علي بن الحسينعليه‌السلام بارا بأمه ، لم يأكل معها في قصعة قط. فقيل له في ذلك ، فقال : أخاف أن أمدّ يدي إلى ما وقعت عينها عليه ، فأكون عاقا لها.

٧٨٩ ـ والدة الإمام زين العابدينعليه‌السلام :(أعيان الشيعة ، ج ٤ ص ٣٠٩)

قال الشيخ المفيد : اسمها شاهزنان. وقيل اسمها (شهربانو) أو شهربانويه بنت يزدجرد بن شهريار بن شيرويه بن ابرويز بن أنو شروان ، وكان يزدجرد آخر ملوك الفرس.

وقال المبرد : اسمها سلافة ، وقيل خولة ، وقيل غزالة.

والظاهر أن اسمها الأصلي كان كما ذكره الشيخ المفيد ، ثم غيّر كما ذكره المبرّد ، حين أخذت سبيّة ، وتزوجها الإمام الحسينعليه‌السلام .

قيل : ولم يكن أهل المدينة يرغبون في نكاح الجواري ، حتى ولد علي بن الحسينعليه‌السلام فرغبوا فيهن.

روى الزمخشري في (ربيع الأبرار) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : لله من عباده خيرتان : فخيرته من العرب قريش ، ومن العجم فارس. وكان علي بن الحسينعليه‌السلام يقول : أنا ابن الخيرتين ؛ لأن جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمه بنت يزدجرد ملك الفرس.

وفي (المفيد في ذكرى السبط الشهيد) لعبد الحسين إبراهيم العاملي ، ص ١٧١ قال: إن أم زين العابدين الحسينعليه‌السلام . أخذت في وقعة القادسية بين العرب والفرس.فحين انهزم الملك يزدجرد ، أخذت بناته الثلاث أسرى ؛ فتزوج إحداهن الحسينعليه‌السلام وهي شاه زنان ، فولدت له زين العابدينعليه‌السلام وفاطمة الصغرى.وكان لها عبد الله الرضيع الّذي استسقاه الحسينعليه‌السلام فقتله حرملة بن كاهل.والملك يزدجرد هو حفيد الملك كسرى أنوشروان.

٦٥٩

تعليق : هناك اشتباه في الرواية السابقة ، إذ أن عبد الله الرضيععليه‌السلام أمه الرباب وليس شاهزنان. والصحيح أن شاهزنان ولدت ولدا ثالثا هو علي الأصغر ، ااستشهد أيضا في كربلاء ، وهو غير عبد الله الرضيععليه‌السلام .

وفي (مناقب ابن شهر اشوب) ج ٣ ص ٢٠٨ ط نجف قال :

خيّروا شهربانويه بمن تتزوج؟. فقالت : لست ممن تعدل عن النور الساطع والشهاب اللامع : الحسين بن عليعليه‌السلام .

(أقول) : ويمكن التوفيق بين من قال إن أم زين العابدينعليه‌السلام هي شاهزنان ، ومن قال هي شهربانويه ، بأن الحسينعليه‌السلام تزوج أولا شاهزنان بنت يزدجرد ، فلما توفيت في نفاسها بزين العابدينعليه‌السلام تزوج أختها شهربانويه ، فربّت زين العابدين خالته ، وكان يدعوها أمي. وهي التي أثر أنه لم يؤاكلها في قصعة واحدة ، بل كان يضع لها صحنا وله صحنا.

(راجع مجموعة نفيسة عن تاريخ الأئمة ، ص ٢٤)

ترجمة الإمام زين العابدينعليه‌السلام

ولد الإمام زين العابدين علي بن الحسينعليه‌السلام بالمدينة في الخامس من شعبان سنة ٣٨ ه‍ ، قبل وفاة جده عليعليه‌السلام بسنتين. وتوفي سنة ٩٤ ه‍ وعمره الشريف ٥٧ سنة كجده الحسينعليه‌السلام . ودفن عند عمه الحسنعليه‌السلام في مقبرة بقيع الغرقد بالمدينة المنورة.

قال الزبير بن بكار : كان عمره يوم الطف ثلاثا وعشرين سنة ، وتوفي سنة ٩٥ ه‍ ، وفضائله أكثر من أن تحصى أو يحيط بها الوصف.

وفي (الفصول المهمة) لابن الصباغ المالكي ، ص ٢٠١ قال :

ألقابه كثيرة أشهرها : زين العابدين ، وسيد الساجدين ، والزكي والأمين وذو الثفنات. وصفته : أسمر قصير دقيق.

وفي (سير أعلام النبلاء) للذهبي ، ج ٣ ص ٣٢١ قال :

٦٦٠