موسوعة كربلاء الجزء ٢

موسوعة كربلاء0%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 800

موسوعة كربلاء

مؤلف: الدكتور لبيب بيضون
تصنيف:

الصفحات: 800
المشاهدات: 431883
تحميل: 4281


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 800 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 431883 / تحميل: 4281
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء 2

مؤلف:
العربية

يسمع ضرب الحديد على الحديد كأصوات القصار. وكان إبراهيم في طليعة جيشه ، فكان لا يضرب رجلا إلا صرعه ، وجعل إبراهيم يطرح الرجال بين يديه كالمعزى.وحمل أصحابه حملة رجل واحد ، واشتدّ القتال حتى صلّوا صلاة الظهر بالتكبير والإيماء. وقتل من الفريقين قتلى كثيرة ، وانهزم أصحاب ابن زياد.

وحمل إبراهيم بن الأشتر على عبيد الله بن زياد وهو لا يعرفه ، فضربه إبراهيم ضربة قطعه نصفين ، وذهبت رجلاه في المشرق ويداه في المغرب ، وعجّل الله بروحه إلى النار.

فلما انهزم أصحاب ابن زياد ، قال إبراهيم لأصحابه : إني قتلت رجلا تحت راية منفردة على شاطئ نهر الخازر ، فالتمسوه فإني شممت منه رائحة المسك ، شرّقت يداه ، وغرّبت رجلاه. فطلبوه فإذا هو عبيد الله بن زياد قتيلا. فاحتزوا رأسه وأخذوه ، وأحرقوا جثته. فلما رآه إبراهيم قال : الحمد لله الّذي أجرى قتله على يدي.

٨٢٩ ـ قتل الحصين بن نمير :

وحمل شريك التغلبي على الحصين بن نمير ، وهو يظنه عبيد الله بن زياد ، فاعتنق كل واحد منهما صاحبه ، فنادى التغلبي : اقتلوني وابن الزانية ، فقتلوا الحصين.وهذا الشرّير هو الّذي تولى الهجوم على الكعبة المشرفة وهدمها في عهد يزيد ، بعد أن هلك صاحبه مسلم بن عقبة الّذي سبى المدينة المنورة ثلاثة أيام.

وأنفذ إبراهيم الأشتر برأس عبيد الله بن زياد ، ورؤوس قواده ومنها رأس الحصين بن نمير إلى المختار ، وفي آذانهم رقاع فيها أسماؤهم. فقدموا عليه وهو يتغدى ، فحمد الله على الظفر. فلما فرغ من الغداء قام فوطئ وجه ابن زياد بنعله ، ثم رمى بها إلى غلامه وقال : اغسلها ، فإني وضعتها على وجه نجس كافر.

وألقيت الرؤوس في القصر بين يديه ، فألقاها في المكان الّذي وضع فيه رأس الحسينعليه‌السلام ورؤوس أصحابه. ونصب المختار رأس ابن زياد في المكان الّذي نصب فيه رأس الحسينعليه‌السلام . ثم ألقاه في اليوم الثاني في الرحبة مع الرؤوس.

٨٣٠ ـ دخول الحية في منخر عبيد الله بن زياد :

(لواعج الأشجان والأخذ بالثار ، ص ٣٠٢)

ولما وضع رأس ابن زياد أمام المختار ، جاءت حيّة دقيقة فتخللت الرؤوس ،

٦٨١

حتى دخلت في فم عبيد الله بن زياد ، ثم خرجت من منخره ، ودخلت من منخره وخرجت من فيه ، فعلت ذلك مرارا. فقال المختار : دعوها دعوها.

وفي (أعيان الشيعة) ج ٤ ص ٢٩٧ :

قال ابن حجر في صواعقه : وقد صحّ عند الترمذي ، أنه لما جيء برأس ابن زياد ، ونصب في المسجد (في الكوفة) مع رؤوس أصحابه ، جاءت حيّة فتخللت الرؤوس حتى دخلت في منخره ، فمكثت هنيهة ثم خرجت ، ثم جاءت ففعلت كذلك مرتين أو ثلاثا. وكان نصبها في محل نصبه لرأس الحسينعليه‌السلام .

٨٣١ ـ رأس ابن زياد بين يدي زين العابدينعليه‌السلام :

(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ٢٥٩)

قال اليعقوبي : وجّه المختار بن أبي عبيد الثقفي (بعد أن قتل عبيد الله بن زياد) برأسه إلى علي بن الحسينعليه‌السلام في المدينة ، مع رجل من قومه ، وقال له : قف بباب علي بن الحسينعليه‌السلام ، فإذا رأيت أبوابه قد فتحت ودخل الناس ، فذلك الّذي فيه طعامه ، فادخل إليه.

فجاء الرسول إلى باب علي بن الحسينعليه‌السلام ، فلما فتحت أبوابه ودخل الناس للطعام ، دخل ونادى بأعلى صوته : يا أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومهبط الملائكة ، ومنزل الوحي ، أنا رسول المختار بن أبي عبيد الثقفي ، معي رأس عبيد الله ابن زياد.

فلم تبق في شيء من دور بني هاشم امرأة إلا صرخت. ودخل الرسول فأخرج الرأس. فلما رآه علي بن الحسينعليه‌السلام قال : أبعده الله إلى النار.

وروى بعضهم أن علي بن الحسينعليه‌السلام لم ير ضاحكا قط منذ قتل أبوه ، إلا في ذلك اليوم. وإنه كان لزين العابدينعليه‌السلام إبل تحمل الفاكهة من الشام ، فلما أتي برأس عبيد الله بن زياد ، أمر بتلك الفاكهة ففرّقت بين أهل المدينة. وامتشطت نساء آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واختضبن ، وما امتشطت امرأة ولا احتضبت منذ قتل الحسين ابن عليعليه‌السلام .

٦٨٢

ترجمة المختار بن أبي عبيد الثقفي

ولد المختار في عام الهجرة ، وحضر مع أبيه وقعة قيس الناطف ، وهو ابن ١٣ سنة ، وكان ينفلت للقتال فيمنعه سعد بن مسعود عمّه ، فنشأ مقداما شجاعا لا يتقي شيئا ، وتعاطى معالي الأمور. وكان ذا عقل وافر ، وجواب حاضر. وخلال مأثورة ، ونفس بالسخاء موفورة. وفطرة تدرك الأشياء بفراستها ، وهمّة تعلو على الفراسة بنفاستها. وحدس مصيب ، وكفّ في الحروب مجيب. ومارس التجارب فحنّكته ، ولا بس الخطوب فهذّبته.

حبسه ابن زياد بالكوفة ، وذلك قبل أن يصل الحسينعليه‌السلام إلى العراق.وبقي في السجن حتى قتل الحسينعليه‌السلام ، فشفّع فيه عبد الله ابن عمر بن الخطاب زوج أخته صفية ، لدى يزيد بن معاوية ، فأطلق من السجن بأمر من يزيد.

وكان ظهوره لأخذ ثأر الحسينعليه‌السلام في الكوفة سنة ٦٦ ه‍ ، فبايعه الناس على كتاب الله وسنّة رسوله ، للطلب بدم الحسينعليه‌السلام وأصحابه والدفع عن الضعفاء. فاستتبّ له الأمر ، وذلك لما استولى على الكوفة وضواحيها ، ثم امتلك الموصل. وعظم شأنه وراح يطلب بثأر الحسينعليه‌السلام . وقتل جلّ من حضر الطف ، وهدم دورهم. وجدّ مصعب بن الزبير وهو في البصرة في كسر شوكته ، فقاتله. ونشبت الحرب بينهما ، وأسفرت عن مقتل المختار سنة ٦٧ ه‍رحمه‌الله .

٨٣٢ ـ رأي أهل البيتعليه‌السلام في المختار :

روى المجلسي في (البحار) ج ١٠ ص ٢٨٣ ط ١ ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال :رأيت المختار على فخذ أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهو يمسح رأسه ويقول : يا كيّس يا كيّس ، فسمّي كيسان.

وقال الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام : لا تسبّوا المختار ، فإنه قتل قتلتنا ، وطلب ثأرنا ، وزوّج أراملنا ، وقسم فينا المال على العسرة.

ولقد كثرت الأقاويل على المختاررحمه‌الله . وبعد مقتله دخل ابنه الحكم على

٦٨٣

الإمام الباقرعليه‌السلام قال : سيدي لقد كثر كلام الناس بأبي ، إنهم يطعنون به!. فقال الإمامعليه‌السلام : الناس يطعنون بأبيك؟!. قال : نعم. فقال الإمام الباقرعليه‌السلام :أولم يقتل قتلتنا؟. أولم يبن دورنا؟. أولم ينتقم لدمائنا؟. فرحم الله أباك. وقد ترحّم عليه أيضا الإمام الصادقعليه‌السلام ، ودعا له الإمام زين العابدينعليه‌السلام .

ولقد تتبّع المختار قتلة الحسينعليه‌السلام ، حتى قتل منهم ثمانية عشر ألفا ، كما في إحدى الروايات.

٨٣٣ ـ مقتل المختاررحمه‌الله :

ولما علم عبد الله بن الزبير بقيام المختار في الكوفة ، بعث بجيش إليها بقيادة أخيه مصعب بن الزبير. ودارت المعركة بينهما عند القصر ، وقتل المختار في اليوم الثامن من شهر رمضان سنة ٦٧ ه‍ ، قتله طارف وطريف ابنا عبد الله بن زجاجة.

وكان للمختار عندما استشهد أربع زوجات ، فقبض مصعب عليهن ، فأمرهن بالبراءة من زوجهن ، فتبرأت اثنتان ، وأبت اثنتان وهما : بنت سمرة بن جندب ، وبنت النعمان بن بشير الأنصاري. فعرض عليهما البراءة أو السيف ، فتبرأت بنت سمرة ، وأبت بنت النعمان ، وقالت : اللهم اشهد أني متّبعة نبيّك وابن بنت نبيك ، والله لا أتبرأ منه. فأخرجها مصعب وقتلها بين الكوفة والحيرة رحمها الله.

ثم مثّل مصعب بالمختار بعد قتله ، فقطع يده وضربها بمسمار وعلّقها بجدار من جدران الكوفة.

قال الطبري : بقيت اليد معلّقة إلى زمن الحجاج ، فأخذ اليد ودفنها ، وذلك لأن المختار كان ثقفيا والحجاج ثقفيا ، وكان المختار عديلا للحجاج.

٨٣٤ ـ عجائب في قصر الإمارة بالكوفة :

قال عبد الملك بن عمير : (الكنى والألقاب للشيخ عباس القمّي ، ج ٢ ص ٣٦٢)

كنت عند عبد الملك بن مروان بقصر الكوفة ، حين جيء برأس مصعب بن الزبير فوضع بين يديه ، فرآني قد ارتعدت!. فقال لي : مالك؟.

قلت : أعيذك بالله يا أمير المؤمنين ؛ كنت بهذا الموضع مع عبيد الله بن زياد ، فرأيت رأس الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام بين يديه في هذا المكان. ثم كنت فيه مع المختار بن أبي عبيد الثقفي ، فرأيت رأس عبيد الله بن زياد بين يديه. ثم كنت

٦٨٤

فيه مع مصعب بن الزبير هذا ، فرأيت رأس المختار بين يديه. ثم هذا رأس مصعب ابن الزبير بين يديك!.

قال : فقام عبد الملك بن مروان من موضعه ، وأمر بهدم ذلك القصر الّذي كنا فيه.

من تداعيات ثورة كربلاء :

كانت نهضة الحسينعليه‌السلام سنة ٦١ ه‍ سببا لنشوء ثورات عديدة ضد الأمويين والعباسيين ، منها :

١ ـ انتفاضة المدينة سنة ٦٣ ه‍.

٢ ـ ثورة التوابين في ربيع الأول سنة ٦٤ ه‍ ، بعد هلاك يزيد.

٣ ـ ثورة المختار الثقفي سنة ٦٦ ه‍.

٤ ـ ثورة زيد بن علي سنة ١٢٢ ه‍ ، في زمن هشام بن عبد الملك.

٥ ـ انتفاضة يحيى بن زيد سنة ١٢٥ ه‍.

٦ ـ ثورة عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر سنة ١٢٧ ه‍.

٧ ـ ثورة الحسين بن الحسن في (فخ) قرب مكة سنة ١٦٩ ه‍.

٦٨٥
٦٨٦

الباب التاسع

جرائم يزيد ونهايته

ويتضمن :

الفصل ٣٣ ـ أعمال يزيد بعد كربلاء :

مقدمة الفصل

ـ مراسلات ومناورات

ـ وقعة الحرّة : استباحة المدينة ثلاثة أيام

ـ حصار الكعبة المشرّفة وضربها بالمنجنيق

ـ هلاك الطاغية يزيد

ـ خلافة معاوية الثاني

الفصل ٣٤ ـ يزيد وأبوه في الميزان :

ـ ترجمة يزيد بن معاوية

ـ نسب يزيد

ـ الملامح الهاشمية ، والأحقاد الأموية

ـ لا مقارنة بين الحسينعليه‌السلام ويزيد

ـ كفر يزيد وارتداده

ـ لعن يزيد وسبّه

ـ قبر يزيد ومعاوية

ـ قصيدة الشاعر محمّد المجذوب

ـ مظاهر العدل الإلهي

ـ العاقبة للمتقين ، والعبرة في المصير.

٦٨٧
٦٨٨

الفصل الثالث والثلاثون

أعمال يزيد بعد كربلاء

مقدمة الفصل :

لم تنته أعمال يزيد في محو الدين ، وقتل أعلام المسلمين ، عند كربلاء ؛ بل تابع يزيد مخططه الإجرامي ، بقتل أهل الحرمين : المدينة المنوّرة ومكة المكرّمة.فاستحق بذلك عقوبة السماء ، بأن يبتر عمره ، فيموت في ظروف غامضة ، بعد ثلاث سنوات فقط من حكمه الدموي ، مصداقا لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«بشّر القاتل بالقتل ، ولو بعد حين».

وكان يزيد قد بعث إلى أهل المدينة يطلب منهم البيعة له ، فأرسلوا وفدا إلى دمشق ، فلما رأوا بأمّ أعينهم واقع يزيد من الفسق والكفر والتهتك ، رجعوا إلى أهلهم وأخبروهم بحاله ، فامتنع أهل المدينة عن البيعة ليزيد ، وأعلنوا العصيان المدني ، وطردوا والي المدينة ومعه كل بني أمية ، وعلى رأسهم مروان ابن الحكم العدو الماكر للإسلام والمسلمين.

فما كان من يزيد إلا أن بعث إليهم جيشا بقيادة مسلم بن عقبة المرّي ، الّذي حاصر المدينة المنورة ، ثم دخلها في وقعة (الحرّة) ، وقتل كل أبناء الصحابة والتابعين ، واستباح نساء الأنصار والمهاجرين ، مدة ثلاثة أيام ، حتى قيل إنه ولدت في تلك السنة ألف عذراء ، أولادا لا يعرف لهم آباء. وسمّي هذا السفاك (مسرفا) لكثرة ما أسرف في قتل أهل المدينة ، مدينة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وكانت تلك وصمة عار كبيرة في جبين الإسلام بعد كربلاء ، أتبعتها وصمة

لا تقلّ عنها ، حين أمر يزيد جيشه أن يذهب إلى مكة ويغزوها. فلما مات مسلم بن عقبة في الطريق ، تولى قيادة الجيش الحصين بن نمير ، الّذي ذهب إلى مكة وحاصرها ، وطبّق عليها تعاليم ولي أمره بحذافيرها ، فضرب الكعبة بالمنجنيق حتى تهدمت وأخذت النار فيها.

٦٨٩

وبينما كان جيش الشام يضرب الكعبة بالعرّادات والمجانق ، جاء الخبر بهلاك يزيد ، لا ردّه الله.

ورغم أن هذه الحوادث لا علاقة مباشرة لها بصلب كتابنا ، إلا أنني آثرت ذكرها لكشف حقيقة يزيد ، وأنه مارق من الدين ، كما يمرق السهم من الرميّة. وكما قال الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٩٠ :

فهذه الوقائع وإن لم تكن من غرض كتابنا ، لكن ذكرتها ليزيد لك العلم بمزيد شقاوة يزيد وخذلانه ، وتعلم أنه لم يندم على ما صدر عنه ، بل كان مصرّا على غيّه ، مستمرا في طغيانه ، إلى أن أماته الله المنتقم العظيم ، وأوصله إلى دركات الجحيم.

٨٣٥ ـ عبد الله بن الزبير يدعو ابن عباس إلى بيعته ، فيأبى :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٨٥ ط ٢ نجف)

ذكر الواقدي وهشام ابن الكلبي وابن اسحق وغيرهم ، قالوا : لما قتل الحسينعليه‌السلام بعث عبد الله بن الزبير إلى عبد الله بن عباس ليبايعه ، وقال : أنا أولى من يزيد الفاسق الفاجر ، ولقد علمت سيرتي وسيرته ، وسوابق أبي الزبير مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسوابق معاوية.

فامتنع ابن عباس ، وقال : الفتنة قائمة ، وباب الدماء مفتوح ، ومالي ولهذا ، إنما أنا رجل من المسلمين.

وقال الخوارزمي في مقتله ، ج ٢ ص ٧٧ :

لما قتل الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ثار عبد الله بن الزبير ، فدعا ابن عباس إلى بيعته ، فامتنع ابن عباس. وظن يزيد بن معاوية أن امتناع ابن عباس كان تمسّكا منه ببيعته ، فكتب إليه (يستميله)

٨٣٦ ـ عداوة عبد الله بن الزبير لأهل البيتعليه‌السلام ـ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحتجم وابن الزبير يشرب دمه :(أخبار الدول للقرماني ، ص ١٣٤)

أخرج أبو يعلى في مسنده عن عبد الله بن الزبير ، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم احتجم ، فلما فرغ قال له : يا عبد الله اذهب بهذا الدم فأهرقه حيث لا يراك أحد. فلما ذهب شربه.فلما رجع قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما صنعت بالدم؟. قال : عمدت إلى أخفى موضع علمت

٦٩٠

فجعلته فيه. قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لعلك شربته؟!. قال : نعم. قال : ويل للناس منك ، وويل لك من الناس. فكانوا يرون أن القوة التي به من ذلك الدم.

مراسلات ومناورات

٨٣٧ ـ كتاب يزيد إلى ابن عباس ، يستميله ضد ابن الزبير :

(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ٢٤٧)

وأقام عبد الله بن الزبير بمكة [بعد مقتل الحسينعليه‌السلام ] خالعا يزيد ، ودعا إلى نفسه ولم يبايعه عبد الله بن عباس ، ولا عبد الله بن عمر.

فبلغ يزيد بن معاوية أن عبد الله بن عباس قد امتنع على ابن الزبير ، فسرّه ذلك ، وكتب إلى ابن عباس كتابا يمتدحه فيه ويستميله إليه ، ويقول :

«أما بعد ، فقد بلغني أن الملحد ابن الزبير (في حرم الله) دعاك إلى بيعته ، وعرض عليك الدخول في طاعته ، لتكون له على الباطل ظهيرا ، وفي المأثم شريكا ، وأنك امتنعت عليه ، واعتصمت ببيعتنا ، وفاء منك لنا ، وطاعة لله فيما عرّفك من حقنا.فجزاك الله عن ذي رحم بأحسن ما يجزي به الواصلين لأرحامهم (الموفين بعهودهم) ، فإني ما أنسى من الأشياء فلست بناس برّك وحسن جزائك ، وتعجيل صلتك ، بالذي أنت مني أهله ، في الشرف والطاعة والقرابة بالرسول. وانظر رحمك الله فيمن قبلك من قومك (من بحضرتك من أهل البيت) ، ومن يطرؤ (يرد) عليك من الآفاق (البلاد) ، ممن يسحره الملحد (ابن الزبير) بلسانه وزخرف قوله ، فأعلمهم حسن رأيك في طاعتي ، والتمسك ببيعتي ، فإنهم لك أطوع ، ومنك أسمع ، منهم للمحلّ الملحد ، والسلام».

٨٣٨ ـ ردّ ابن عباس على كتاب يزيد :(المصدر السابق ، ص ٢٤٨)

فردّ عليه ابن عباس كتابه وفنّده تفنيدا ، بكلام يشفي مكامن النفس ، ويزيل غياهب اللبس. وسوف أقتطع من هذا الكلام ما يتعلق بالحسين وآله الكرام عليهم أفضل الصلاة والسلام. يقول ابن عباس :

من عبد الله بن عباس إلى يزيد بن معاوية.

أما بعد ، فقد بلغني كتابك ، تذكر دعاء ابن الزبير إياي إلى نفسه ، وإقناعي عليه

٦٩١

في الّذي دعاني إليه من بيعته ، فإن يكن ذلك كما بلغك ، فلست حمدك أردت ولا ودّك ، ولكن الله بالذي أنوي به عليم.

وزعمت أنك لست بناس (برّي وتعجيل صلتي ، فاحبس أيها الإنسان برّك وتعجيل صلتك ، فإني حابس عنك) ودّي ، فلعمري (إنك) ما تؤتينا مما في يديك من حقنا إلا القليل ، وإنك لتحبس عنا منه العريض الطويل.

ـ أنسيت قتل الحسينعليه‌السلام ؟! :

وسألتني أن أحثّ الناس عليك (على طاعتك) ، وأخذّلهم عن ابن الزبير ، فلا (مرحبا ولا كرامة) ، ولا سرورا ولا حبورا ، وأنت قتلت الحسين بن عليعليه‌السلام .بفيك الكثكث(١) ، ولك الأثلب(٢) . إنك إن تمكّنك نفسك ذلك ، لعازب الرأس ، وإنك لأنت المفند(٣) المهوّر.

ولا تحسبني ـ لا أبا لك ـ نسيت قتلك حسينا وفتيان بني عبد المطلب ، مصابيح الدجى (الهدى) ، ونجوم الأعلام. غادرهم جنودك (بأمرك) مصرّعين في صعيد (واحد) ، مرمّلين بالتراب (مضرّجين بالدماء) ، مسلوبين بالعراء (مقتولين بالظماء) ، لا مكفّنين (ولا موسّدين) ، تسفي عليهم الرياح ، وتعاورهم الذئاب ، وتنشي بهم عرج الضباع (البطاح). حتى أتاح الله لهم أقواما لم يشتركوا في دمائهم ، فأجنّوهم (واروهم) في أكفانهم. وبي والله وبهم عززت ، وجلست مجلسك الّذي جلست ، يا يزيد.

وما أنس من الأشياء فلست بناس اطرادك الحسين بن علي (طردك حسينا) من حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى حرم الله ، ودسّك إليه الرجال تغتاله. فأشخصته من حرم الله إلى الكوفة ، فخرج منها خائفا يترقّب ، وقد كان أعزّ أهل البطحاء بالبطحاء قديما ، وأعزّ أهلها بها حديثا ، وأطوع أهل الحرمين لو تبوّأ بها مقاما ، واستحلّ بها قتالا ، ولكن كره أن يكون هو الّذي يستحلّ حرمة البيت وحرمة رسول الله ، فأكبر من ذلك ما لم تكبر ، حيث دسست إليه الرجال فيها ، ليقاتل في الحرم

__________________

(١) الكثكث : فتات الحجارة والتراب ، بكسر الكاف أو فتحها.

(٢) الأثلب : التراب أيضا.

(٣) الفند : ضعف الرأي.

٦٩٢

ثم إنك الكاتب إلى ابن مرجانة ، أن يستقبل حسينا بالرجال ، وأمرته بمعاجلته ، وترك مطاولته ، والإلحاح عليه ، حتى يقتله ومن معه من بني عبد المطلب ، أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ؛ فنحن أولئك ، لسنا كآبائك الأجلاف ، الجفاة الأكباد الحمير.

وفي رواية (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٨٦ :

فنحن أولئك ، لا آباؤك الجفاة الطغاة ، الكفرة الفجرة ، أكباد الإبل ، والحمير الأجلاف ، أعداء الله وأعداء رسوله. الذين قاتلوا رسول الله في كل موطن ، وجدّك وأبوك هم الذين ظاهروا على الله ورسوله. ولكن إن سبقتني قبل أن آخذ منك ثأري في الدنيا ، فقد قتل النبيّون قبلي ، وكفى بالله ناصرا( وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ) (٨٨) [ص : ٨٨].

ثم طلب الحسين بن عليعليه‌السلام إليكم الموادعة ، وسألكم الرجعة ، فاغتنمتم قلة أنصاره ، واستئصال أهل بيته ، فعدوتم عليهم ، فقتلتموهم كأنما قتلتم أهل بيت من الترك والكفر. فلا شيء عندي أعجب من طلبك ودّي ونصري ، وقد قتلت بني أبي ، وسيفك يقطر من دمي ، وأنت أحد ثأري. فإن يشأ الله لا يطلّ لديك دمي ، ولا تسبقني بثأري ، وإن سبقتني به في الدنيا ، فقبلنا ما قتل النبيّون وآل النبيين ، وكان الله الموعد ، وكفى به للمظلومين ناصرا ، ومن الظالمين منتقما. فلا يعجبنّك إن ظفرت بنا اليوم ، فو الله لنظفرنّ بك يوما.

ثم إنك تطلب مودتي وقد علمت لما بايعتك ، ما فعلت ذلك إلا وأنا أعلم أن ولد أبي وعمي أولى بهذا الأمر منك ومن أبيك ، ولكنكم معتدون مدّعون ، أخذتم ما ليس لكم بحق ، وتعدّيتم إلى من له الحق. وإني على يقين من الله أن يعذّبكم كما عذّب قوم عاد وثمود ، وقوم لوط وأصحاب مدين.

ألا ومن أعجب الأعاجيب ـ وما عشت أراك الدهر العجيب ـ حملك بنات عبد المطلب ، وغلمة صغارا من ولده ، إليك بالشام ، كالسبي المجلوب ، تري الناس (قدرتك علينا و) أنك قهرتنا ، وأنك تأمر علينا. ولعمري لئن كنت تصبح وتمسي آمنا لجرح (من جراحة) يدي ، إني لأرجو أن يعظم الله جراحك بلساني ، ونقضي وإبرامي ، فلا يستقرّ بك الجذل ، ولا يمهلك الله بعد قتلك عترة رسول الله إلا قليلا ، حتى يأخذك أخذا أليما ، فيخرجك الله من الدنيا ذميما أثيما. فعش لا أبا

٦٩٣

لك (ما استطعت) ، فقد والله أرداك عند الله ما اقترفت. والسلام على من أطاع الله (على من اتبع الهدى).

وقد ورد هذا الكتاب وردّه في (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٨٥ ؛ نقلا عن الواقدي وهشام ابن الكلبي وابن اسحق ، مع بعض الاختلافات ، وقد أثبتنا بعض ذلك بين قوسين.

تعليق المؤلف :

(أقول) : لا أدري بأي وجه لا يعرف الخجل والحياء ، يتصدى يزيد لمخاطبة حبر الأمة عبد الله بن عباس ، ابن عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتلميذ ابن عمه علي بن أبي طالبعليه‌السلام . وهو الّذي ليس فحسب قتل الحسين سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنما عمل على استئصال ذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلهم ، حتى لم يبق منهم حتى الطفل الرضيع ، ناهيك عن تسيير نساء أهل البيتعليه‌السلام سبايا عرايا على جمال بلا وطاء من الكوفة إلى الشام ، كأنهن سبايا من الترك أو الديلم. وكما قال الشاعر :

بأية عين ينظرون محمدا

وقد قتلوا ظلما بنيه على عمد

وبالحق أقول : إن من لا دين له ، لا حياء له ، بل لا كرامة عنده. وإن ابن عباس ، الهاشمي المرجع ، الأبي المنزع ، لم يقصّر في تسديد سهامه وتسليط سياطه ، على جسد يزيد الخائر ، وقلبه السادر الغادر.

٨٣٩ ـ كتاب يزيد إلى محمّد بن الحنفية ، واستشارة ابن الحنفية لابنيه عبد الله وجعفر :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٧٩)

وكتب يزيد إلى محمّد بن الحنفية ، وهو يومئذ بالمدينة :

أما بعد ، فإني أسألك الله لي ولك عملا صالحا يرضى به عنا ، فإني ما أعرف اليوم في بني هاشم رجلا هو أرجح منك علما وحلما ، ولا أحضر منك فهما وحكما ، ولا أبعد منك عن كل سفه ودنس وطيش. وليس من يتخلّق بالخير تخلّقا ، ويتنحّل بالفضل تنحّلا ، كمن جبله الله على الخير جبلا. وقد عرفنا ذلك كله منك قديما وحديثا ، شاهدا وغائبا. غير أني قد أحببت زيارتك ، والأخذ بالحظ من رؤيتك ، فإذا نظرت في كتابي هذا ، فأقبل إليّ آمنا مطمئنا. أرشدك الله أمرك ، وغفر لك ذنبك. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

٦٩٤

فلما ورد الكتاب على محمّد بن علي [ابن الحنفية] وقرأه ، أقبل على ابنيه : جعفر وعبد الله أبي هاشم ، فاستشارهما في ذلك.

فقال له ابنه عبد الله : يا أبتي اتّق الله في نفسك ولا تصر إليه ، فإني خائف أن يلحقك بأخيك الحسينعليه‌السلام ولا يبالي. فقال له محمّد : ولكني لا أخاف منه ذلك.

وقال له ابنه جعفر : يا أبتي إنه قد اطمأنّك وألطفك في كتابه إليك ، ولا أظنه يكتب إلى أحد من قريش بأن (أرشدك الله أمرك ، وغفر لك ذنبك) ، وأنا أرجو أن يكفّ الله شرّه عنك.

ثم يذكر الخوارزمي : إن محمّد بن الحنفية عزم على المضي إلى يزيد ، وسار إليه. فاحتفى به يزيد ، وأجلسه على سريره ، واعتذر له عن قتل الحسينعليه‌السلام ، وتنصّل من ذلك ، وألقى تبعته على عبيد الله بن زياد. ثم طلب يزيد منه البيعة فبايعه ، ووصله بمال.

(أقول) : إن هذا الكلام مشكوك في صحته ، لأن محمّد بن الحنفية كان مريضا ولا يستطيع السفر ، ومن المستحيل عليه أن يذهب إلى يزيد ، ويبايع من قتل أخاه الحسينعليه‌السلام .

٨٤٠ ـ مشاحنة بين عبد الله بن عمر ويزيد :(البحار ، ج ٤٥ ص ٣٢٨ ط ٣)

قال العلامة المجلسي : روى البلاذري قال :

لما قتل الحسينعليه‌السلام كتب عبد الله بن عمر إلى يزيد بن معاوية :

أما بعد ، فقد عظمت الرزية ، وحلّت المصيبة ، وحدث في الإسلام حدث عظيم ، ولا يوم كيوم الحسينعليه‌السلام .

فكتب إليه يزيد : أما بعد يا أحمق ، فإننا جئنا إلى بيوت منجّدة ، وفرش ممهّدة ، ووسائد منضّدة ، فقاتلنا عنها ، فإن يكن الحق لنا ، فعن حقنا قاتلنا ، وإن كان الحق لغيرنا ، فأبوك [أي عمر] أول من سنّ هذا ، وابتزّ واستأثر بالحق على أهله!.

٨٤١ ـ استنكار عبد الله بن عمر لأعمال يزيد :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١٤٦)

في كتب التواريخ : لما قتل الحسينعليه‌السلام وورد نعيه إلى المدينة ، أقيمت المآتم عند أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منزل أم سلمة ، وفي دور المهاجرين والأنصار.

٦٩٥

فخرج عبد الله بن عمر صارخا من داره ، لاطما وجهه ، شاقا جيبه ، يقول : يا معشر بني هاشم وقريش والمهاجرين والأنصار ، يستحلّ هذا من رسول الله في أهله وذريته ، وأنتم أحياء ترزقون!.

وخرج من المدينة تحت ليله ، لا يرد مدينة إلا صرخ فيها ، واستنفر أهلها على يزيد. فلم يمرّ بملأ من الناس إلا تبعه ، وقالوا : هذا عبد الله بن عمر ، ابن خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينكر فعل يزيد.

حتى ورد دمشق ، وأتى باب يزيد في خلق من الناس ، واضطرب الشام ؛ فاستأذن عليه. قال يزيد : فورة من فورات أبي محمّد ، وعن قليل يفيق منها. فأذن يزيد لعبد الله وحده ، فدخل صارخا يقول : لا أدخل يا أمير ، وقد فعلت بأهل بيت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لو تمكنت الروم والترك ما استحلوا ما استحللت ، ولا فعلوا ما فعلت. قم عن هذا البساط حتى يختار المسلمون من هو أحقّ به منك.

فرحّب به يزيد ، وتطاول له وضمّه إليه. وقال : يا أبا محمّد ، اسكن من فورتك وبغيك ، واسمع بأذنك : ما تقول في أبيك عمر ، أكان هاديا مهديا ، خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وناصره ومصاهره بأختك حفصة؟. فقال : هو كما وصفت. قال يزيد :أفترضى به وبعهده إلى أبي معاوية ، أو ما ترضاه؟. قال : بل أرضى. فضرب بيده على يد عبد الله ، وقال : قم حتى تقرأ. فقام معه ، حتى ورد خزانة من خزائنه فدخلها ، ودعا بصندوق ففتحه ، واستخرج منه تابوتا مقفلا مختوما ، فاستخرج منه طومارا لطيفا ، في خرقة حرير سوداء. فقال : هذا خط أبيك؟. قال : إي والله.قال : اقرأ حتى تعلم أني ما فعلت إلا على حسب هذا الطومار. فقرأه ابن عمر ورضي بذلك ، وحسّن فعله [أي مدح فعل يزيد].

وقعة الحرّة

(واستباحة يزيد المدينة المنوّرة ثلاثة أيام)

٨٤٢ ـ لما ذا خلع أهل المدينة والي يزيد وأنكروا بيعته؟ :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٩٨ ط ٢ نجف)

وسبب وقعة الحرّة ، ما رواه الواقدي وابن اسحق وهشام بن محمّد الكلبي : أن جماعة من أهل المدينة وفدوا على يزيد سنة ٦٢ ه‍ بعدما قتل الحسينعليه‌السلام فرأوه

٦٩٦

يشرب الخمر ويلعب بالطنابير والكلاب. فلما عادوا إلى المدينة أظهروا سبّه وخلعوه ، وطردوا عامله عثمان بن محمّد بن أبي سفيان. وقالوا : قدمنا من عند رجل لا دين له ، يسكر ويدع الصلاة.

وبايعوا عبد الله بن حنظلة [غسيل الملائكة] ، وكان ابن حنظلة يقول : يا قوم والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء. رجل ينكح الأمهات والبنات والأخوات ، ويشرب الخمر ويدع الصلاة ، ويقتل أولاد النبيين!. والله لو يكون عندي أحد من الناس ، لأبلي الله فيه بلاء حسنا.

فبلغ الخبر إلى يزيد ، فبعث إليهم مسلم بن عقبة المري ، في جيش كثيف من أهل الشام ، فأباحها ثلاثا ، وقتل ابن غسيل الملائكة والأشراف. وأقام ثلاثا ينهب الأموال ويهتك الحريم.

٨٤٣ ـ توصية يزيد لمسلم بن عقبة حين أرسله إلى الحجاز :

(الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ٦٥)

وقد ذكر بعض الثقات فيما وقع بالمدينة من يزيد ، فقال : لما ولي يزيد بن معاوية الخلافة ، عصت عليه أهل المدينة لعدم أهليته للخلافة فبعث إليهم يزيد جيشا عظيما ، وأمّر عليهم مسلم بن عقبة ، وقال له : إذا ظفرت بالمدينة ، فخلّها للجيش ثلاثة أيام ، يسفكون الدماء ويأخذون الأموال ويفسقون بالنساء. وإذا فرغت توجّه لمكّة لقتال عبد الله بن الزبير.

٨٤٤ ـ خبر وقعة الحرّة بالمدينة المنورة :(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ٢٥٠)

يقول اليعقوبي : ثم إن يزيد ولّى على المدينة عثمان بن محمّد بن أبي سفيان الثقفي ، فامتنع أهل المدينة عن دفع صوافي الحنطة والتمر إليه ، ثم وثبوا به وبمن كان معه بالمدينة من بني أمية ، وأخرجوهم من المدينة ، واتّبعوهم يرجمونهم بالحجارة.

فلما انتهى الخبر إلى يزيد بن معاوية ، وجّه إلى مسلم بن عقبة ، فأقدمه من فلسطين وهو مريض ، فأدخله منزله ، ثم قصّ عليه القصة. فقال : يا أمير المؤمنين فوجّهني إليهم ، فو الله لأدعنّ أسفلها أعلاها [يقصد مدينة الرسول]. فوجّهه في خمسة آلاف إلى المدينة ، فأوقع بأهلها وقعة الحرّة ، وجيشه مؤلف من ألف رجل من فلسطين ، وألف من الأردن ، وألف من دمشق ، وألف من حمص ، وألف من قنّسرين [حلب].

٦٩٧

فقاتله أهل المدينة قتالا شديدا ، وحفروا خندقا حول المدينة ، فرام [ابن عقبة] ناحية من نواحي الخندق ، فتعذّر ذلك عليه ، فخدع مروان بن الحكم بعضهم ، فدخل من منطقة الحرّة ومعه مائة فارس ، فأتبعه الخيل حتى دخلت المدينة. وعملوا في أهل المدينة بالقتل والتنكيل حتى لم يبق بها من الرجال إلا القليل. واستباح حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى ولدت الأبكار ولا يعرف من أولدهن.

ثم أخذ مسلم بن عقبة الناس على أن يبايعوا على أنهم عبيد ليزيد بن معاوية.فكان الرجل من قريش يؤتى به ، فيقال له : بايع أنك عبد قنّ ليزيد ، فيقول : لا أبايع!. فيضرب عنقه.

وكان ذلك في ذي الحجة [أحد الأشهر الحرم] سنة ٦٣ ه‍. وسمّي مسلم ابن عقبة من شدة إسرافه في القتل (مسرفا).

وجاء في كتاب (الإمامة والسياسة) لابن قتيبة ، ج ١ ص ١٨٥ : وذكروا أنه قتل يوم الحرة من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمانون رجلا ، ولم يبق بدري بعد ذلك ، ومن قريش والأنصار سبعمائة ، ومن سائر الناس من الموالي والعرب والتابعين عشرة آلاف.

٨٤٥ ـ استشارة مسلم بن عقبة لمروان بن الحكم لغزو المدينة :

(الكامل لابن الأثير ، ج ٣ ص ٤١٩)

قال ابن الأثير : طرد أهل المدينة كل من كان فيها من بني أمية ، وفيهم مروان بن الحكم وابنه عبد الملك. فساروا بأثقالهم حتى لقوا مسلم بن عقبة بوادي القرى.فدعا بعمرو بن عثمان بن عفان أول الناس ، فقال له : خبّرني ما وراءك وأشر عليّ.فقال : لا أستطيع ، قد أخذت علينا العهود والمواثيق أن لا ندلّ على عورة ولا نظاهر عدونا. فانتهره وقال : والله لو لا أنك ابن عثمان لضربت عنقك!. وايم الله لا أقيلها قرشيا بعدك.

فخرج عمرو بن عثمان إلى أصحابه فأخبرهم خبره. فقال مروان بن الحكم لابنه عبد الملك : ادخل قبلي لعله يجتزئ [أي يكتفي] بك عني. فدخل عبد الملك. فقال مسلم : هات ما عندك. فقال : نعم ، أرى أن تسير بمن معك ، فإذا انتهيت إلى (ذي نخلة) نزلت ، فاستظل الناس في ظله ، فأكلوا من صقره. فإذا أصبحت من الغد مضيت ، وتركت المدينة ذات اليسار ، ثم درت بها حتى تأتيهم من قبل (الحرّة) مشرّقا ، ثم تستقبل القوم. فإذا استقبلتهم وقد أشرقت عليهم الشمس ، طلعت بين

٦٩٨

أكناف أصحابك فلا تؤذيهم ، ويصيبهم أذاها ، ويرون من ائتلاق بيضكم وأسنة رماحكم وسيوفكم ودروعكم ما لا ترونه أنتم ، ما داموا مغرّبين. ثم قاتلهم واستعن الله عليهم.

فقال له مسلم : لله أبوك أيّ امرئ ولد.

ثم إن مروان دخل عليه ، فقال لمسلم : إيه ، أليس قد دخل عليك عبد الملك؟.قال : بلى. قال : إذا لقيت عبد الملك فقد لقيتني.

ثم إن مسلم صار في كل مكان ، يصنع ما أمر به عبد الملك.

٨٤٦ ـ معركة الحرّة نكسة للإسلام :

(مختصر تاريخ العرب تأليف سيد أمير علي ، ص ٧٥)

ودارت بين الفريقين معركة هائلة ، أسفرت عن هزيمة أهل المدينة ، وقتل زهرة شباب الأنصار والمهاجرين ، وانتهاك حرمة مأوى الرسول ومهبط الوحي. وهكذا قدّر للذين عضدوا رسولهم في وقت الشدة أن يتعرّضوا لأبشع تنكيل لا يعرف التاريخ له مثيلا.

ويعلق مؤرخ أوروبي على هذه الحادثة بقوله : إن تأثير هذا الحادث على العالم الإسلامي كان مروّعا ، فكان الأمويون قد أرادوا أن يوفوا ما عليهم من دين ، حينما عاملهم الرسول وجيشه بالرحمة والعطف. فشرّدوا وقتلوا خيرة شباب المدينة ورجالها الميامين ، كما أجبروا من تبقّى منهم على مبايعة يزيد على أنهم خول [أي عبيد] له ، يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ، فمن امتنع عن ذلك وصمه بالكيّ على رقبته [أي أحمى له ختما وطبعه على رقبته ، حتى يعرف أنه صار عبدا ليزيد].

وفي تلك الموقعة هدمت معظم المدارس والمنشآت العامة ، ودخلت شبه جزيرة العرب في عهد مظلم شديد الحلكة ، حتى قيّض الله لها جعفر الصادقعليه‌السلام بعد بضع سنوات ، فبعث في المدينة روح الحركة العلمية ، التي كانت قد ازدهرت في عهد الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

٨٤٧ ـ حصيلة وقعة الحرّة من القتلى :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٩٩ ط ٢ نجف)

وذكر المدائني في كتاب (الحرّة) عن الزهري قال : كان القتلى يوم الحرة سبعمائة

٦٩٩

من وجوه الناس ؛ من قريش والأنصار والمهاجرين ووجوه الموالي. وأما من لم يعرف من عبد أو حر أو امرأة فعشرة آلاف.

ـ وخاض أهل المدينة بالدماء :

وخاض الناس في الدماء ، حتى وصلت الدماء إلى قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وامتلأت الروضة والمسجد.

قال مجاهد : التجأ الناس إلى حجرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنبره ، والسيف يعمل فيهم.وكانت وقعة الحرة سنة ٦٣ ه‍ في ذي الحجة [الشهر الحرام]. فكان بينها وبين موت يزيد ثلاثة أشهر. ما أمهله الله بل أخذه أخذ القرى وهي ظالمة.

٨٤٨ ـ مثال من وحشية جنود يزيد بن معاوية :

(الإمامة والسياسة لابن قتيبة ، ج ١ ص ١٨٤)

قال أبو معشر : دخل رجل من أهل الشام على امرأة نفساء من نساء الأنصار ومعها صبي لها ، فقال لها : هل من مال؟. قالت : لا والله ما تركوا لي شيئا. فقال :والله لتخرجنّ إليّ شيئا أو لأقتلنك وصبيّك هذا. فقالت له : ويحك إنه ولد (ابن أبي كبشة الأنصاري) صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ولقد بايعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معه يوم بيعة الشجرة فاتق الله. ثم قالت لابنها : يا بني ، والله لو كان عندي شيء ، لافتديتك به.

قال الراوي : فأخذ برجل الصبي والثدي في فمه ، فجذبه من حجرها ، فضرب به الحائط ، فانتثر دماغه في الأرض.

قال : فلم يخرج من البيت حتى اسودّ نصف وجهه ، وصار مثلا.

محاصرة الكعبة وضربها بالمنجنيق

المنجنيق كلمة فارسية (من جه نيك) تعني : ما أحسنني!. وهو ما أحسنه إذا استخدم في رمي حصون الشرك والكفر ، وليس في رمي البيت الحرام والكعبة المشرّفة ، كما فعل الحصين بن نمير ، والحجاج بن يوسف فيما بعد.

٨٤٩ ـ محاصرة الكعبة المشرفة :(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ٢٥١)

قال اليعقوبي : وخرج مسرف من المدينة يريد محاربة ابن الزبير بمكة ، فلما كان في الطريق مات ، واستخلف الحصين بن نمير.

٧٠٠