موسوعة كربلاء الجزء ٢

موسوعة كربلاء0%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 800

موسوعة كربلاء

مؤلف: الدكتور لبيب بيضون
تصنيف:

الصفحات: 800
المشاهدات: 432277
تحميل: 4293


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 800 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 432277 / تحميل: 4293
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء 2

مؤلف:
العربية

وقدم الحصين بن نمير مكة ، فناوش ابن الزبير الحرب في الحرم ، ورماه بالنيران حتى أحرق الكعبة.

وكان عبد الله بن عمير الليثي قاضي ابن الزبير ، إذا تواقف الفريقان ، قام على الكعبة ، فنادى بأعلى صوته :

يا أهل الشام!. هذا حرم الله الّذي كان مأمنا في الجاهلية ، يأمن فيه الطير والصيد. فاتقوا الله يا أهل الشام.

فيصيح الشاميون : الطاعة الطاعة [أي ليزيد]!. الكرّة الكرة!. الرواح قبل المساء!.

فلم يزل على ذلك حتى أحرقت الكعبة. وكان حريقها سنة ٦٤ ه‍.

(أقول) : هذا هو الضرب الأول للكعبة بالمنجنيق وحرقها. أما الضرب الثاني فقد تمّ على يد الحجاج بن يوسف الثقفي في خلافة عبد الملك بن مروان ، حين كان عبد الله بن الزبير معتصما بالكعبة. فانتصر عليه الحجاج وقتله. وكان هو الكبش الّذي تستحلّ به حرمة الكعبة ، كما حدّث الإمام الحسينعليه‌السلام نقلا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٨٥٠ ـ ضلال ليس بعده ضلال :(الكامل لابن الأثير ، ج ٤ ص ١٢٣)

قال مسرف بن عقبة بعد أن عيّن الحصين بن النمير ، وقد أدرك الموت : الله م إني لم أعمل قط بعد شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، عملا أحب إليّ من قتلي أهل المدينة ، ولا أرجى عندي في الآخرة ، ثم هلك.

٨٥١ ـ ضرب الكعبة وحرقها :(مروج الذهب للمسعودي ، ج ٣ ص ٨١)

ونصب الحصين بن نمير فيمن معه من أهل الشام ، المجانيق والعرّادات [العرّادة : هي المنجنيق الصغير] على مكة والمسجد (الحرام) من الجبال والفجاج ، وابن الزبير في المسجد ، ومعه المختار بن أبي عبيدة الثقفي داخلا في جملته ...فتواردت أحجار المجانيق والعرادات على البيت ، ورمي مع الأحجار بالنار والنفط ومشاقات الكتان وغير ذلك من المحرقات. واحترقت البنيّة. ووقعت صاعقة فأحرقت من أصحاب المجانيق أحد عشر رجلا [أقول : ما هذه المعجزة الإلهية لمن أراد التعدي على حرمة الكعبة! وما أشبهها بأصحاب الفيل الذين أرسل الله عليهم طيرا أبابيل]. وذلك قبل وفاة يزيد بأحد عشر يوما [أقول : وهذه معجزة ثانية لمن يعتدي على حرمات الله فيبتر الله عمره بترا].

٧٠١

٨٥٢ ـ نزول صاعقة على الذين أرادوا ضرب الكعبة بالمنجنيق :

(تاريخ الخلفاء للسيوطي ، ص ٢١٢)

أخرج ابن عساكر عن محمّد بن زيد بن عبد الله بن عمر قال : إني لفوق (جبل) أبي قبيس ، حين وضع المنجنيق على ابن الزبير ، فنزلت صاعقة كأني أنظر إليها تدور كأنها جمار أحمر ، فأحرقت من أصحاب المنجنيق نحوا من خمسين رجلا.

٨٥٣ ـ وصف حريق الكعبة :(العقد الفريد لابن عبد ربه ، ج ٤ ص ٣١٣)

وكان ابن الزبير قد ضرب فسطاطا في ناحية ، فكلما جرح رجل من أصحابه أدخله ذلك الفسطاط. فجاء رجل من أهل الشام بنار في طرف سنانه فأشعلها في الفسطاط ، وكان يوما شديد الحر ، فتمزق الفسطاط ، فوقعت النار على الكعبة ، فاحترق الخشب والسقف وانصدع الركن ، واحترقت الأستار وتساقطت إلى الأرض.

واحترقت الكعبة المشرفة يوم السبت لست خلون من ربيع الأول سنة ٦٤ ه‍ ، ومات يزيد يوم الخميس لأربع عشرة خلت من ربيع الأول ، وجاء خبر موته بعد حريق الكعبة بإحدى عشرة ليلة.

٨٥٤ ـ ضرب الكعبة وهدمها :(أخبار الدول للقرماني ، ص ١٣٠)

قال القرماني : سار الحصين بن نمير [بعد موت مسرف] حتى وافى مكة ، فتحصّن منه ابن الزبير في المسجد الحرام بجميع من كان معه. فنصب الحصين المنجنيق على جبل أبي قبيس ، ورمى به الكعبة المعظمة ، وذلك في صفر سنة ٦٤ ه‍ ، واحترقت من شرارة نيرانها أستار الكعبة وسقفها ، وقرنا الكبش الّذي فدي به اسماعيل وكان في السقف. فبينما هم كذلك إذ ورد على الحصين بموت يزيد بن معاوية. فأرسل إلى ابن الزبير يسأله الموادعة ، فأجابه إلى ذلك ، وفتح الأبواب واختلط العسكران يطوفان بالبيت. ثم انصرف [الحصين] بمن معه إلى الشام.

قال أبو مخنف : مكث أهل الشام يقاتلون ابن الزبير ، حتى إذا مضى من شهر ربيع الأول أربعة عشر يوما مات يزيد ، فمكثوا أربعين يوما لا يعلمون بموته. وبلغ ابن الزبير موته قبل أن يبلغ الحصين ، فقال : يا أهل الشام لماذا تقاتلون وقد هلك طاغيتكم؟

٧٠٢

هلاك الطاغية يزيد

٨٥٥ ـ هلاك يزيد بن معاوية :(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ٢٥٢)

قال اليعقوبي : ومات يزيد بن معاوية في صفر سنة ٦٤ ه‍ ، بموضع يقال له حوّارين [لعلها القريتين شرق حمص]. وحمل إلى دمشق ، فدفن بها. وصلى عليه ابنه معاوية [الثاني] ابن يزيد.

وكان له من الولد الذكور أربعة : معاوية الثاني وخالد وأبو سفيان وعبد الله.

وكان سعيد بن المسيّب [أحد فقهاء المدينة السبعة ، توفي سنة ٩٤ ه‍] يسمّي سني يزيد بن معاوية (الأربعة) بالشؤم :

في السنة الأولى : مات معاوية وتولى يزيد الحكم

[١٥ رجب سنة ٦٠ ه‍]

وفي الثانية : قتل الحسين بن علي وأهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

[١٠ محرم سنة ٦١ ه‍]

وفي الثالثة : استباح حرم رسول الله ، وانتهك حرمة المدينة وأهلها.

[ذو الحجة سنة ٦٣ ه‍]

وفي الرابعة : سفك الدماء في حرم الله ، وأحرق الكعبة.

[٦ ربيع الأول سنة ٦٤ ه‍]

ومات يزيد في ظروف غامضة.

[١٤ ربيع الأول سنة ٦٤ ه‍]

(أقول) : لقد قصم الله عمر يزيد ، وهو في ريعان الشباب [٣٨ عاما] رحمة بالأمة ، بعد أن لم يترك موبقة إلا ارتكبها ، ولا حرمة إلا انتهكها ، ولما يمض على وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر من خمسين عاما.

ومن العجب أنه مع كل ما فعل ، فهو في نظر بعض المسلمين ، الذين لا يفرّقون بين الكفر والدين ؛ أمير المؤمنين.

٧٠٣

٨٥٦ ـ بعض صفات يزيد :(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢٥٤)

وقد روي أن يزيد كان قد اشتهر بالمعازف وشرب الخمر والغناء والصيد ، واتخاذ الغلمان والقيان والكلاب ، والنطاح بين الكباش والدباب والقرود. وما من يوم إلا يصبح فيه مخمورا.

وكان يشدّ القرد على فرس مسرجة بحبال ويسوق به ، ويلبس القرد قلانس الذهب ، وكذلك الغلمان. وكان يسابق بين الخيل. وكان إذا مات القرد حزن عليه.

ـ قرود يزيد :(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ٢٩٨)

في (جواهر المطالب) لأبي البركات شمس الدين محمّد الباغندي ، كما في نسخة مخطوطة في المكتبة الرضوية المباركة ما لفظه :

حكى ابن الفوطي في تاريخه قال : كان ليزيد قرد يجعله بين يديه ، فيكنّيه

(أبي قبيس) ، ويسقيه فضل كأسه ، ويقول (متهكّما) : هذا شيخ من بني إسرائيل أصابته خطيئة فمسخ. وكان يحمله على أتان وحشية قد ريضت له ، ويرسلها مع الخيل في حلبة السباق.

وفي (الفخري) لابن طباطبا :

كان يزيد بن معاوية أشد الناس كلفا بالصيد ، لا يزال لاهيا به ، وكان يلبس كلاب الصيد الأساور من الذهب ، والجلال المنسوجة منه ، ويهب لكل كلب عبدا يخدمه.

٨٥٧ ـ قصة عن كلب يزيد :

(الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية لمحمد بن علي بن طباطبا ، المعروف بابن الطقطقي ، عني بنشره محمود توفيق ، المطبعة الرحمانية بمصر ، ص ٣٩)

قيل : إن عبيد الله بن زياد ، أخذ من بعض أهل الكوفة أربعمائة ألف دينار جناية ، وجعلها في خزن بيت المال. فرحل ذلك الرجل من الكوفة ، وقصد دمشق ، ليشكو حاله إلى يزيد. وكانت دمشق في تلك الأيام فيها سرير الملك. فلما وصل الرجل إلى ظاهر دمشق سأل عن يزيد ، فعرّفوه أنه في الصيد ، فكره أن يدخل دمشق وليس يزيد حاضرا فيها ، فضرب مخيمه ظاهر المدينة ، وأقام به ينتظر عود يزيد من الصيد. فبينا هو في بعض الأيام جالس في خيمته ، لم يشعر إلا بكلبة قد دخلت عليه

٧٠٤

الخيمة ، وفي قوائمها الأساور الذهب ، وعليها جلّ (أي جلال) يساوي مبلغا كبيرا ، وقد بلغ منها العطش والتعب ، وقد كادت تموت تعبا وعطشا ، فعلم أنها ليزيد ، وأنها قد شذّت منه. فقام إليها ، وقدّم لها ماء وتعهدها بنفسه ، فما شعر إلا بشاب حسن الصورة على فرس جميل ، وعليه زي الملوك ، وقد علته غبرة ، فقام إليه وسلّم عليه ، فقال له : أرأيت كلبة عابرة بهذا الموضع؟. فقال : نعم يا مولانا ، ها هي في الخيمة ، قد شربت ماء واستراحت ، وقد كانت لما جاءت إلى ههنا جاءت على غاية من العطش والتعب. فلما سمع يزيد كلامه نزل ودخل الخيمة ، ونظر إلى الكلبة وقد استراحت ، فجذب بحبلها ليخرج. فشكا الرجل إليه حاله ، وعرّفه ما أخذ منه عبيد الله بن زياد ، فطلب دواة وكتب له بردّ ماله وخلعة سنيّة ، وأخذ الكلبة وخرج. فردّ الرجل من ساعته إلى الكوفة ، ولم يدخل دمشق.

٨٥٨ ـ سبب هلاك يزيد :(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢٥٤)

وقيل : إن سبب موت يزيد ، أنه حمل قردة ، وجعل ينقّزها(١) فعضّته. وذكروا عنه غير ذلك.

مات يزيد بحوّارين من قرى دمشق ، في الرابع عشر من ربيع الأول سنة ٦٤ ه‍ (وعمره ٣٨ عاما).

ثم حمل بعد موته إلى دمشق ، وصلى عليه ابنه معاوية بن يزيد ، ودفن بمقابر باب الصغير.

وفي (أنساب الأشراف) : قيل لأبي مسلم الخولاني يوم مات يزيد : ألا تصلي على يزيد؟. فقال : يصلي عليه ظباء حوّارين!.

وفي (معالم المدرستين) ج ٣ ص ٢٢ عن (أنساب الأشراف) ج ٤ قسم ١ ص٢:وروى البلاذري عن شيخ من أهل الشام ، أن سبب وفاة يزيد ، أنه حمل قردة على الأتان وهو سكران ، ثم ركض خلفها ، فسقط فاندقت عنقه أو انقطع في جوفه شيء.

وروي عن ابن عياش أنه قال : خرج يزيد يتصيّد بحوّارين ، وهو سكران ، فركب وبين يديه أتان وحشية قد حمل عليها قردا ، وجعل يركّض الأتان ويقول :

أبا خلف احتل لنفسك حيلة

فليس عليها إن هلكت ضمان

فسقط واندقت عنقه.

__________________

(١) نقّز : توثّب صعدا ، ونقّز القرد : جعل يلاعبه ويرقصه.

٧٠٥

ويبدو أن هذا القرد الّذي كنّاه (أبا خلف) هو غير القرد الّذي كنّاه (أبا قبيس).

٨٥٩ ـ حوّارين :(معجم البلدان لياقوت الحموي)

حوّارين : حصن من ناحية حمص.

قال أحمد بن جابر : مرّ خالد بن الوليد في مسيره من العراق إلى الشام بتدمر والقريتين ، ثم أتى حوّارين من سنير [هو جبل القلمون] ، فأغار على مواشي أهلها ، فقاتلوه ، وقد جاءهم مدد من أهل بعلبك. ثم أتى مرج راهط.

وفي (كتاب الفتوح) لأبي حذيفة اسحق بن بشير : وسار خالد بن الوليد من تدمر حتى مرّ بالقريتين ، وهي التي تدعى حوّارين ، وهي من تدمر على مرحلتين ، وبها مات يزيد بن معاوية في سنة ٦٤ ه‍.

٨٦٠ ـ هلاك يزيد الملعون :(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٥٦٩)

قال أبو مخنف : وتواترت الأخبار بهلاك الطاغي الكافر يزيد ، وذلك أنه ركب يوما للصيد بجيشه ، فلاحت ظبية فتبعها ، وقال لمن معه من الجيش : لا يتبعني منكم أحد. وسار خلف الظبية ، وكان تحته سابق من الخيل ، فتاه به ذاك الجواد بجريه ، فلم يلحقها إلا بين جبلين في شعب ، فدخلت الظبية في الشعب ، ولم يقف لها على خبر ، فهمّ ليرجع فلم يطاوعه الجواد ؛ فأرسل الله تعالى عليه ملك الموت فقبض روحه الخبيثة ، ووضعها في الحامية ، وسلّمها إلى زبانية الهاوية.

(وفي رواية ثانية) أنه لما رجع تاه به فرسه ، وبقي حائرا في البرية ، فهمّز جواده فلم يندفع من تحته ، وكان حائرا. فأرسل الله عليه أعرابيا ، وهو في البيداء يتلظى عطشا. فقال له الأعرابي : يا ذا الرجل إن كنت ضالا هديناك ، وإن كنت عطشانا سقيناك ، وإن كنت جائعا أطعمناك. فقال له يزيد : لو عرفتني لزدت في إكرامي.فقال له : من أنت؟. فقال : أنا يزيد بن معاوية. فقال له الأعرابي : لا مرحبا بك ولا أهلا ، ما أقبح طلعتك ، وما أشنع سمعتك ، والله لأقتلنك كما قتلت الحسينعليه‌السلام . وجذب سيفه وهمّ أن يعلوه ، فذعرت فرس يزيد من بريق السيف ، فطرحته تحتها وقطّعت أمعاءه.

(وفي رواية ثالثة) قال له : أذلّك الله من ملعون شقيّ غوي ، فإن الله قد أضلك في الدنيا والآخرة. وإن الله قد أرسلني إليك لأنتقم منك كما فعلت بابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويلك قتلت الحسينعليه‌السلام وهتكت حريمه!. فإن كنت على الحق فردّ

٧٠٦

عن نفسك قبل أن أبيدك. فمدّ يزيد يده إلى قائم سيفه فلم تطاوعه يده ثم مدّ الشخص يده إلى قائم سيفه ليضربه ، فقال له يزيد : لا تفعل فإني أضمن لك من المال ما شئت. فقال له الشخص : يا ويلك

يا ملعون ، حاش لله أبيع الآخرة بالمال ، وأختار الضلالة على الهدى ، كما فعلت أنت يا ملعون ، قبّحك الله. إن اللهعزوجل أرسلني إليك لأنتقم منك. ثم جرّد الشخص سيفه فسطع ولمع ، فنفر فرس يزيد من بريق السيف ، وألقته (الفرس) على الحجارة في الأرض ، وجعلت تدوس أمعاءه ، حتى مات.

(وفي رواية رابعة) أنه لما رجع يزيد إلى قومه رأى طيرا ، فتبع ذلك الطير حتى أتى إلى منهل بارد ، وكان يزيد عطشانا فنزل عن جواده ليشرب ، وإذا بالطير حائلا بينه وبين الماء. فقال الطير : تريد أن تشرب الماء وأنت قتلت ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عطشانا ظاميا. ثم انقضّ عليه لوقته ، وأخذ ربعه وطار. وفعل بثلاثة الأرباع كذلك. ولم يزل به كل يوم هذا الفعل إلى يوم القيامة.

(وفي رواية خامسة) أن يزيد ركب في بعض الأيام في خاصته عشرة آلاف فارس يريد الصيد والقنص ، فسار حتى بعد عن دمشق مسير يومين ، فلاحت له ظبية. فقال لأصحابه : لا يتبعني أحد منكم. ثم إنه أطلق جواده في طلبها ، وجعل يطردها من واد إلى واد ، حتى انتهت إلى واد مهول مخوف ، فأسرع في طلبها ، فلما توسّط الوادي لم ير لها خبرا ، ولم يعرف لها أثرا. وكظّه العطش فلم يجد هناك شيئا من الماء. وإذا هو برجل ومعه كوز ماء ، فقال له : يا هذا اسقني قليلا من الماء. فلما سقاه ، قال : لو عرفت من أنا لازددت في كرامتي. فقال له : ومن تكون؟. قال :أمير المؤمنين يزيد بن معاوية.

فقال الرجل : أنت والله قاتل الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام يا عدو الله.ثم نهض [يزيد] ليلزمه ، فنفر الفرس من تحته ، فرمى به عن متنه ، فعلقت رجله بالركاب ، فجعل الفرس كلما رآه خلفه نفر. فلم يزل كذلك إلى أن مزّقه ، وعجّل بروحه إلى النار.

وكان له عشرة ندماء لا يفارقونه ولا يفارقهم ، ويأمنهم على حريمه وأولاده وماله ، فاقتحموا الطريق الّذي سلك فيه ليعرفوا خبره ، فوجدوا الفرس ، وفخذه معلّق في الركاب. فوقعت الصيحة في العسكر. فرجعوا إلى دمشق ، وارتجّت دمشق لموته.

(انتهى كلام أبي مخنف في مقتله الصغير والكبير).

٧٠٧

خلافة معاوية الثاني

رحمه‌الله

٨٦١ ـ خلافة معاوية بن يزيد :

ثم ولي أمر الناس معاوية بن يزيد ، ويلقّب معاوية الثاني ، أو معاوية الصغير ، وهو ابن إحدى وعشرين سنة.

قال الذهبي : وكان خيرا من أبيه ، فيه عقل ودين. اه

ولما علم أن الأمر ليس له ، عزم على اعتزال الخلافة ، فخلع نفسه ، وأوصى أن يصلي بالناس الضحاك بن قيس الفهري ، ريثما يجتمع الناس على خليفة.

وفي (منتخبات التواريخ) ج ١ ص ٨٩ :

وعندما خاف بنو أمية أن يفلت الأمر من أيديهم ، طعنوا الضحاك وهو يؤمّ الصلاة ، فخرّ ميّتا ، لأنه كان يعمل لصالح عبد الله بن الزبير ، الّذي أعلن حكمه على الحجاز.

وبعد أربعين يوما توفي معاوية الثاني. قيل : إن زوجته قتلته!.

وجاء في (خطط الشام) لمحمد كرد علي ، ج ١ ص ١٤٦ عن معاوية الثاني :

ولما حضرته الوفاة لم يرض أن يعهد بالأمر من بعده ، فقالوا : ولّ أخاك خالدا.فقال: أتفوز بنو أمية بحلاوتها ، وأبوء بوزرها ، وأمنعها أهلها!. كلا إني

لبريء منها.

قال المسعودي : أراد أن يجعلها إلى نفر من أهل الشورى ينصبون من يرونه أهلا لها.

وقال معاوية الثاني : فاختاروا مني إحدى خصلتين : إما أن أخرج منها وأستخلف عليكم من أراه لكم رضى ومقنعا ، ولكم الله عليّ لا آلوكم نصحا في الدين والدنيا ، وإما أن تختاروا لأنفسكم وتخرجوني منها.

فأنف الناس من قوله ، وأبوا من ذلك. وخافت بنو أمية أن تزول الخلافة منهم ، وماج أمرهم واختلفوا.

وقيل : إن معاوية بن يزيد كان قدريا ، لأن عمر المقصوص كان علّمه ذلك ، فدان به وتحققه. فلما بايعه الناس ، قال للمقصوص : ما ترى؟. قال : إما أن تعتدل

٧٠٨

أو تعتزل!. فخطب الناس يستعفي من بيعتهم ، فوثب بنو أمية على عمر المقصوص ، وقالوا : أنت أفسدته وعلّمته ، فطمروه ودفنوه حيا.

ثم إنه اعتزل الخلافة ، ودخل منزله ولم يخرج إلى الناس ، وتغيّب حتى مات.وعمره إحدى وعشرون سنة. وصلى عليه أخوه خالد بن يزيد ، ودفن بدمشق في ناحية من البزورية.

وقيل : إنه دسّ إليه السمّ ، فشربه فمات. وقال بعضهم : طعن.

٨٦٢ ـ خبر عمر القوصي :(أخبار الدول للقرماني ، ص ١٣٢)

قال القرماني : ثم إن بني أمية قالوا لمعلمه عمر القوصي : أنت علّمته هذا وصددته عن الخلافة ، وحملته على ما وسمنا به من الظلم ، وحسّنت له البدع ، حتى نطق بما نطق ، وقال ما قال؟. فقال : والله ما فعلته ، ولكنه مجبول ومطبوع على حب علي بن أبي طالبعليه‌السلام . فلم يقبلوا منه ذلك ، وأخذوه ودفنوه حيا ، حتى مات.

٨٦٣ ـ أيام معاوية الثاني ابن يزيد :(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ٢٥٤)

قال اليعقوبي : ثم ملك معاوية بن يزيد بن معاوية ، وأمه أم هاشم بنت أبي هاشم ابن عتبة بن ربيعة. وكانت مدة خلافته أربعين يوما ، وقيل : بل أربعة أشهر. وكان له مذهب جميل [يقصد أنه يقرّ بالفضل لأهل البيتعليه‌السلام ، وذلك لأن مؤدبه عمر المقصوص كان مواليا].

فخطب الناس فقال : أما بعد حمد الله والثناء عليه.

أيها الناس ، فإنا بلينا بكم وبليتم بنا ، فما نجهل كراهتكم لنا وطعنكم علينا.

ألا وإن جدي معاوية بن أبي سفيان نازع الأمر من كان أولى به منه في القرابة برسول الله ، وأحق في الإسلام ، سابق المسلمين ، وأول المؤمنين ، وابن عم رسول رب العالمين ، وأبا بقية خاتم المرسلين. فركب منكم ما تعلمون ، وركبتم منه ما لا تنكرون ، حتى أتته منيّته ، وصار رهنا بعمله.

ثم قلّد أبي ، وكان غير خليق للخير ؛ فركب هواه ، واستحسن خطأه ، وعظم رجاؤه ؛ فأخلفه الأمل ، وقصّر عنه الأجل ؛ فقلّت منعته ، وانقطعت مدته ، وصار في حفرته ، رهينا بذنبه ، وأسيرا بجرمه.

٧٠٩

ثم بكى ، وقال : إن أعظم الأمور علينا ، علمنا بسوء مصرعه ، وقبح منقلبه ، وقد قتل عترة الرسول ، وأباح الحرمة ، وحرّق الكعبة. وما أنا المتقلّد أموركم ، ولا المتحمّل تبعاتكم ، فشأنكم أمركم. فو الله لئن كانت الدنيا مغنما ، لقد نلنا منها حظا ، وإن تكن شرا فحسب آل أبي سفيان ما أصابوا منها.

فقال له مروان بن الحكم : سنّها فينا عمريّة [أي اجعلها استخلافا مثلما فعل عمر ابن الخطاب!]. قال : ما كنت أتقلدكم حيا وميتا ، ومتى صار يزيد ابن معاوية مثل عمر ، ومن لي برجل مثل رجال عمر!.

وتوفي معاوية الثاني وهو ابن إحدى وعشرين سنة ، وصلى عليه أخوه خالد بن يزيد ، ودفن بدمشق في ناحية من البزورية.

٨٦٤ ـ ما قالته أم معاوية الصغير :(أخبار الدول للقرماني ، ص ١٣٢)

... ودخلت عليه أمه ، فوجدته يبكي!. فقالت له : ليتك كنت حيضة ولم أسمع بخبرك. فقال : وددت والله ذلك. ثم قال : ويلي إن لم يرحمني ربي.

ترجمة معاوية الثاني

(التنبيه والإشراف للمسعودي)

هو معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، يكنى أبا عبد الرحمن. وإنما كنّي أبا ليلى تقريعا له ، لعجزه عن القيام بالأمر. أمه أم خالد بنت أبي هاشم ابن عتبة بن ربيعة. وتوفي بدمشق في شهر ربيع الأول سنة ٦٤ ه‍ ودفن بها ، وكانت أيامه أربعين يوما.

كان ربعة من الرجال ، نحيفا يعتريه صفار. وكان مواليا لأهل البيتعليه‌السلام معترفا بحقهم ، وذلك من جهة أن مؤدّبه عمر المقصوص كان شيعيا. لذلك اعتزل معاوية الثاني الملك ، بعد أن اعترف أمام جمهور بني أمية بفساد فعل أبيه وجده ، فمات حرارحمه‌الله .

٧١٠

الفصل الرابع والثلاثون

يزيد وأبوه في الميزان

ترجمة يزيد بن معاوية

بعد موت معاوية بن أبي سفيان ـ أول من ابتدع الملكية في الإسلام ـ خلفه على الملك ابنه يزيد ، سنة ٦٠ ه‍. وقد كان معاوية أكره المسلمين على بيعة يزيد ، وهو يعلم أن ابنه رجل فاجر معلن بالفسق ، يبيح الخمر والزنا وقتل النفس المحترمة ، ويجالس الغانيات على موائد الشراب

فلما مات معاوية أنكر المسلمون بيعة يزيد وقاموا عليه في العراق والحجاز.

وقد أتى يزيد في مدة خلافته الوجيزة وهي أربع سنوات ، بثلاث موبقات عظام ، لو أتى أحد من المسلمين واحدة منها لخرج عن ربقة الإسلام ، واستوجب غضب الجبار والخلود في النار.

وهذه الموبقات هي : قتل الإمام الحسينعليه‌السلام وأهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسبي نسائه وذريته. ثم استباحة المدينة المنورة ثلاثة أيام ، وأخذ أهلها من المهاجرين والأنصار عبيدا ليزيد ، وذلك في وقعة الحرة ، التي كانت بقيادة مسلم بن عقبة. ثم محاصرة مكة المكرمة ورمي الكعبة بالمنجنيق وحرقها بالنار ، على يد الحصين بن نمير.

ومن لطف الله بالمسلمين أن حكم يزيد لم يدم طويلا ، إذ مات في مستهل شبابه بعد أربع سنوات من حكمه وعمره ٣٨ عاما. وقيل : إنه مات أثناء تلهّيه بالصيد في (حوّارين) شرق حمص. ولم يعثر من جثته إلا على فخذه ، فنقلت إلى دمشق ودفنت قرب مقبرة باب الصغير اليوم ، في غرفة مهجورة ليس لها سقف ، يرميها المارة بالحجارة ، تبرّؤا من يزيد ومن أفعاله المنكرة.

٧١١

وفي (أخبار الدول) للقرماني ، ص ١٣١ :

مات يزيد في شهر ربيع الأول سنة ٦٤ ه‍ بذات الجنب بحوران [لعلها تصحيف : حوارين] وحمل إلى دمشق. وصلى عليه أخوه خالد ، وقيل ابنه معاوية الثاني. ودفن بمقبرة باب الصغير ، وقبره الآن مزبلة. وقد بلغ سبعا وثلاثين سنة.

نسب يزيد

٨٦٥ ـ مفارقات ومناقضات :(الحسين إمام الشاهدين ، ص ٩٢)

يقول الدكتور علي شلق : في عهد يزيد بن معاوية فتح عقبة بن نافع المغرب ، وفتح مسلم بن زياد بخارى وخوارزم. ويقال : إن يزيد أول من خدم الكعبة ، وكساها الديباج الخسروي.

فوا عجبا كيف يفتح يزيد البلاد لنشر الإسلام ، ثم هو يغزو مدينة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقتل أجلاء الصحابة ، ويستبيح أعراض الصحابيات!. لا بل أعجب من ذلك وأغرب أن يخلع على الكعبة كسوتها ، ثم يعجّل عليها فيحرقها!.

إن هذا يدل على أن كل أعماله لم تكن للدين والإسلام ، وإنما كانت لتوطيد الملك والسلطان ، والحكم والصولجان.

٨٦٦ ـ نسب يزيد :(وسيلة الدارين ، ص ٨٤)

روى صاحب كتاب (إلزام الناصب) ، وأبو المنذر هشام بن محمّد بن السائب الكلبي في كتابه (المثالب) ، والحافظ أبو سعيد إسماعيل بن علي الحنفي في (مثالب بني أمية) ، والشيخ أبو الفتح جعفر بن محمّد الميداني في (بهجة المستفيد) : أن يزيد ابن معاوية ، أمه كانت بنت بجدل الكلبية ، أمكنت عبد أبيها من نفسها ، فحملت بيزيد فلينظر العاقل إلى أصول هؤلاء القوم ، كيف كانوا يقدّمونهم على آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا!.

وذكر ابن شهر آشوب في تفسير قوله تعالى عن إبليس :( وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ ) [الإسراء : ٦٤] ، أن الإمام الحسنعليه‌السلام جلس مع يزيد يأكلان

٧١٢

الرطب ، فقال يزيد : يا حسن إني منذ كنت أبغضك!. فقال الإمام الحسنعليه‌السلام :اعلم يا يزيد ، أن إبليس شارك أباك في جماعه ، فاختلط الماءان ، فأورثك ذلك عداوتي وعداوة أخي ، لأن الله يقول :( وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ ) [الإسراء : ٦٤].

وشارك الشيطان (حربا) عند جماعه فولد (صخرا) ، فلذلك كان يبغض جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٨٦٧ ـ ولادة يزيد من سفاح :

(يزيد بن معاوية فرع الشجرة الملعونة في القرآن لأبي جعفر أحمد المكي ، ص ٧١)

تزوج معاوية امرأة من بني كلب اسمها ميسون ، وكان أبوها يسمى (بجدل) شيخ كلب. وكان للأب عبد اسمه (سفاح).

وكان هذا العبد قد زنى بميسون وأذهب بكارتها ، وحملت منه. ثم حملت إلى معاوية ، فوجدها ثيّبا.

وطلبت من معاوية الطلاق ، والعودة إلى بلادها. فطلقها وأرسلها إلى أهلها في (حوّارين) ، فوضعت هناك يزيد. فهو يزيد بن سفاح ، وليس يزيد بن معاوية.

ونشأ يزيد في حوّارين ، في أحضان النصارى من أخواله ، بعيدا عن أجواء المسلمين. وحين هلك معاوية لم يكن يزيد عنده ، بل استدعي من حوارين [شرق حمص] لاستلام مقاليد الحكم. فماذا نتوقع من يزيد أن يفعله حين يحكم؟!. لا غرابة يقتل أبناء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويستبيح مدينة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويضرب الكعبة ويحرقها!.

ـ رواية أخرى :(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص بعد ٩٠)

وقيل : إن معاوية [كان] ذات يوم يبول ، فلدغته عقرب في ذكره ، فزوّجوه عجوزا ليجامعها ويشفى من دائه. فجامعها مرة وطلقها ، فوقعت النطفة مختلطة بسم العقرب في رحم العجوز ، فحصل منها يزيد. وكأن فيه نزلت الآية :( وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً ) [الأعراف : ٥٨].

ولذلك إن اللعين يزيد لم يكن فيه صفة من صفات الملوك ، ولا فيه خصلة من خصالهم.

٧١٣

٨٦٨ ـ أنساب بني أمية ، وأنهم ليسوا من قريش :

(وسيلة الدارين للسيد إبراهيم الموسوي الزنجاني ، ص ٨٥)

قال السيد القاضي نور الله التستري في كتابه (إحقاق الحق) في بيان نسب بني أمية: إن نسبهم بطريق علماء أهل البيت وغيرهم ، أن بني أمية ليسوا من قريش ؛ فقد كان (لعبد شمس) عبد رومي يقال له (أميّة) فنسب إلى قريش ، وأصلهم من الروم.وذلك أن العرب من سيرتهم أن يلحق الرجل بنسبه عبده ، وكان ذلك جائزا عندهم.وقد عدّ ذلك من وجوه كريمة في العرب. ولما افتخر معاوية في كتاباته إلى عليعليه‌السلام بالصحبة والقرشية ، كتبعليه‌السلام في جوابه : «ولكن ليس أمية كهاشم ، ولا حرب كعبد المطلب ، ولا أبو سفيان كأبي طالب ، ولا المهاجر كالطليق ، ولا الصريح كاللصيق».[نهج البلاغة ، كتاب رقم ١٧]

يقصد بذلكعليه‌السلام أن معاوية كان من الطلقاء ، وأنه لصيق أي ملحق بالنسب إلحاقا.

الملامح الهاشمية والأحقاد الأموية

٨٦٩ ـ التفاضل بين بني هاشم وبني أمية :

(الحسين بن علي إمام الشاهدين للدكتور علي شلق ، ص ١٢١)

قال الدكتور علي شلق :

الناس في الأرض كالشجر ، تأتلف أشكالهم وقدورهم ، ولكن الاختلاف في عقولهم وأمزجتهم ، يرتسم في أهوائهم وسلوكهم.

وكما أن في الأرض قطعا متجاورات ، وجنات من نخيل وأعناب ؛ منها نخيل صنوان وغير صنوان ، وكلها تسقى بماء واحد ، ونفضّل بعضها على بعض في الأكل ؛ كذلك كان في قريش أنواع من الدوح والشجر ، تختلف في الطعم والثمر.وقد برز فيهم بطنان متميزان ، هما : بنو هاشم وبنو أمية.

ولما جاء الإسلام والفريقان يتنافسان ، فانخفض جناح بني حرب الأمويين ، وعلا نجم بني عبد المطّلب الهاشميين.

بنو هاشم : قانعون معتزّون ، أصحاب رسالة وشهامة وأخلاق.

٧١٤

وبنو أمية : يخفضون الجناح وينتظرون ، وهم أكثر عددا ومالا ، وأصحاب دنيا وشهوات.

وكان بنو أمية ومن في فلكهم بزعامة أبي سفيان بن حرب ، كابدوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتربّصوا به الدوائر ، حتى هاجر من مكة إلى القحطانيين في المدينة. عند ذلك خلا الجو لبني أمية في مكة.

ولكن لم يطل العهد ، حتى كان جيش المهاجرين والأنصار بقيادة النبي الأعظم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدقّ أبواب مكة ليفتحها ، فيسقط في يد أبي سفيان زعيم مكة والأحزاب ، ويتحقق الموت أو الأسر.

لنستمع إلى محاورة أبي سفيان مع العباس عمّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

ـ يقول أبو سفيان للعباس وكانا صديقين : لقد أصبح أمر ابن أخيك عظيما!.

ـ فيجيبه العباس ناصحا : عليك أن تطلب منه الأمان قبل فوات الأوان.

ـ أبو سفيان : كيف وقد بيّتت له القتل ، وما فعل ببدر وأحد والأحزاب وحنين؟.

ـ العباس : إنه محمّد يا صديقي!. نبي لا يحقد ، ورسول من عند الله!.

ـ أبو سفيان : هل أنت ضامن لي؟.

ـ العباس : ويلك يا أبا سفيان ، كأنك لم تجرّب مكارم الشمائل والأخلاق!.ثم يدخل أبو سفيان وأولاده ـ وفيهم معاوية ـ في الإسلام. والإسلام يجبّ ما قبله. ويعلو صوت الرسول العظيم في أهل مكة ، وكأنه يقصد أبا سفيان بالذات :

اذهبوا فأنتم الطّلقاء!.

٨٧٠ ـ ما فعلت هند أم معاوية بالحمزةعليه‌السلام وكبده في أحد :

(المنتخب للطريحي ، ص ٢٢١ ط ٢)

قال فخر الدين الطريحي : فجاءت هند بنت عتبة ، ووقفت على جسد حمزةعليه‌السلام وجدعت [أي قطعت] أذنيه وأنفه ، وشقّت بطنه ، وقطعت أصابعه ونظمتها بخيط ، وجعلتها قلادة في عنقها. ثم أخرجت كبد حمزة وأخذت منه قطعة بأسنانها ومضغتها حنقا منها عليه ، وأرادت بلعها فلم تقدر على بلعها ، فقذفتها ؛ لأن الله تعالى صان كبد حمزة أن يحلّ في معدة تحرق بالنار. فهل رأيتم أو سمعتم امرأة أكلت كبد إنسان ، غير هند الهوان ، والله يقول :( وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً ) [الأعراف : ٥٨].

٧١٥

٨٧١ ـ الملامح الهاشمية :(الحسين إمام الشاهدين ، ص ١٤)

الملامح الهاشمية : جمال المظهر ، نقاء المخبر ، قوة جسدية ، شجاعة ، قامات مشيقة ، فصاحة بارعة ، حضور مهيب وحبيب ، إلى مثالية ذات أبعاد.

بدا هذا جميعه في أبي طالب ، وحمزة ، والعباس ، وعبد الله : أبناء عبد المطلب ، شيخ مشايخ قريش ؛ وتجلّى في الحسينعليه‌السلام وأولاده تجلّي المجرات في السموات.

٨٧٢ ـ الملامح الأموية :(المصدر السابق ، ص ١٤ ـ ١٦)

الملامح الأموية : بين البدانة والنحافة ، السّمرة والبياض ، ذكاء بارع الحيل وحسن التصرف ، حب المال والمنفعة ، سير عليدروب الواقعية ، هوس بالمناصب والتسلط.

ظهر هذا جليا في أبي سفيان ، ومروان بن الحكم ، ومعاوية ويزيد. ومن تسلسل من هذه (البؤرة) مرورا بعبد الملك بن مروان ، وانتهاء بمروان الحمار.

من هنا يرتسم في البال مزاجان مختلفان ، ونمطان متباينان وها نحن نرى ذينك النمطين متمثلين في حكم الخلافة ، وبذا يستقر للهاشمية اسم الخلافة الشورية ، وللأموية اسم الملكية الوراثية.

امتدت خصومة أبي سفيان مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى فتح مكة ، فكان من الذين أرغموا على قبول الأمر الواقع ، وسمّوا ب (الطّلقاء).

والذي يبدو أن إيمان الجذوع الأموية العتيقة بالإسلام ، بل بدعوة محمّد الهاشميصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كان يجري على السطوح ، ولا ينفذ إلى الأعماق. ولا عبرة بحرض بعضهم على شعيرات احتفظ بها من شعر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقليمات من أظفاره

[يقصد به معاوية] ، وقميص كان قد أهداه إياه الرسول الكريم ، كي يعلو في نظر المسلمين ؛ فالهداية والصلاح لا يتوقفان على شعر وأظفار وثياب ، فالبركة الحقيقية هي في العمل المنجي ، والصدق المشرّف.

والحسين الحسينعليه‌السلام ذلك الّذي هزئ بالموت ، فإذا به ذو عرش على قلوب الملايين ، لا يحتاج إلى قميص أو شعيرات أو أظافر يتبرك بها ، وحسبه أنه قال للموت : أريد أن تموت أنت ، وأنا أحيا إلى الأبد الأبيد ، قطرة في محيط التاريخ.

٧١٦

وأتقدم في القرن العشرين ، بعد أربعة عشر قرنا ، من هذا الجيل في العصر بصورة للحسين ، عسى أن يسطع منها ضوء يهدي ، وعطر يرفع ، وصوت يهبّ سامعه إلى نجدة الحق ، ونصرة الشمائل. وكل ذلك في سبيل الإنسانية والحضارة ، وكلتاهما جناحان نحو آفاق الله.

لقد استهوت على معاوية وبني أمية شهوة الحكم وشهوة الفتوحات ، وكلتاهما فرع من حب العيش والدنيا ، وصدى لغريزة التملك والحياة ، ومنها الهوس بالحرص على النسل ، وتوريثه وتعزيزه.

واليوم ذهب الفتح ، وانقضى الحكم ، وانطفأت قناديل الفتوحات ، وأصبح الكل هباء وفناء ، لأنهم لم يعملوا كل ذلك بدافع من سمو الحقيقة العليا ، بل عملوا على تعطيل الشورى وعدالتها ، وتغليب الوراثية والنفعية والاستبدادية.

في حين قام الهاشميون من أبناء عليعليه‌السلام ، ليثبّتوا مبدأ الخلافة والإمامة ، ولم يدعوا إليها بدافع الاستبداد والأثرة وحب التوريث ، بل كانوا أهلا لها ، وكانوا أصحاب حق وأصحاب مواقف. ولذلك استشهدوا في سبيل مبدئهم ، وخلدتهم العقيدة والتاريخ.

ـ ما قيمتنا اليوم؟ :

نحن اليوم بعد علي والحسينعليه‌السلام ، وبعد الراشدية المثلى والرسول العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أكثر عددا من مسلمي عصر صدر الإسلام ، والعصر الأموي والعباسي ، وأغنى مالا وأقوى عددا ، وأوسع رقعة وأغزر طاقة وعلما ؛ ولكننا لا نساوي والله قيمة شهيد واحد مات مع الحسينعليه‌السلام ، ولا نصلح أن ننتسب إلى صحابي واحد جاهد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . لماذا؟. لأننا فقدنا حب الحق والبطولة ، وفضّلنا المال والثياب والقصور والمزارع والمراكب وبهرج العيش. فمتى يقوم فينا من يحب الموت لتتقدم منه الحياة ، ويطلب الشهادة ليحيا في فردوس البطولة؟.

٨٧٣ ـ ما هو السبب الحقيقي لقتل يزيد للإمام الحسينعليه‌السلام ؟ :

(مقدمة مرآة العقول للسيد مرتضى العسكري ، ج ٢ ص)

يخيّل للمرء لأول وهلة أن سبب قتل يزيد للحسينعليه‌السلام هو لأنه لم يبايع له ، وهو ما كان يشيعه يزيد بين الناس ، فيقول : إنه خارجي خرج عليّ فقتلته. ولكن هل هذا هو السبب الحقيقي لقتلهعليه‌السلام ؟.

٧١٧

فليت شعري إذا كان هذا هو السبب ، فهل قتل جيش يزيد الطفل الصغير ، لأنه لم يبايع خليفتهم؟!.

أم هل سبوا بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وساروا بهن من كربلاء إلى الكوفة ، ومن الكوفة إلى الشام ، من أجل أن يبايعن الخليفة؟.

إذن لماذا فعلوا ذلك وغير ذلك؟.

لماذا حرّق جيش يزيد خيام آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كربلاء؟.

ولماذا داس جيش يزيد بحوافر خيولهم صدر ابن بنت رسول الله وظهره؟.

ولماذا تركوا جسده وأجساد آل بيته وأنصاره في العراء ولم يدفنوهم؟.

ولماذا قطعوا رؤوسهم بوحشية نادرة واقتسموها فيما بينهم ، وحملوها على أطراف الرماح؟.

ولماذا حملوا نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأطفاله على أقتاب الإبل بدون غطاء ولا وطاء؟

وساروا بهم من بلد إلى بلد ، ومن منزل إلى منزل؟.

ولماذا ينكث يزيد ـ ومن قبله ابن زياد ـ ثنايا أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام بالقضيب ، ثم يصلبه ثلاثا على مئذنة المسجد في دمشق؟.

إن الجواب على كل ذلك قد أفصح عنه يزيد في قوله ، حين وضع الرأس الشريف بين يديه ، وتمثّل بأبيات ابن الزّبعرى المشرك الكافر. فالذي دفعه إلى ذلك حقده على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليعليه‌السلام وسلالتهما ، الذين قتلوا أجداده وأعمامه الكفار يوم بدر. إذن فهي أحقاد بدرية كامنة ، والقوم لم يسلموا ولكن استسلموا ، حتى إذا حانت الفرصة لهم أخذوا بثأرهم من الإسلام ومن نبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٨٧٤ ـ مقارنة بين أعمال بني أمية وبني هاشم :

لم يزل بنو أمية بقيادة أبي سفيان يحاربون النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أسلموا مكرهين يوم فتح مكة ، فعاملهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معاملة حسنة ، وقال : «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن». وعفا عنهم ولم يضرب أعناقهم ، بل قال لهم : «اذهبوا فأنتم الطلقاء».

لكنهم حين أصبح الملك بأيديهم ، منعوا علياعليه‌السلام وجنده من الماء المباح ، ونكثوا بصلح الحسنعليه‌السلام وسمّوه ، وجزّروا أبناء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كربلاء كما تجزّر الأضاحي ، وسبوا نساءه وأطفاله كما تسبى الترك والديلم.

٧١٨

ويمكن اختصار ذلك كله بالقول المشهور (كل إناء ينضح بما فيه). وسوف أسوق القصة التالية كمثال بليغ على ما جرى.

٨٧٥ ـ رؤيا الشيخ نصر الله ، وأبيات الشاعر الحيص بيص :

(الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ، ص ١٩٦ ط ٢)

حكى الشيخ نصر الله بن يحيى مشارف الصاغة ، وكان من الثقات الخيرين ، قال : رأيت علي بن أبي طالبعليه‌السلام في المنام ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، تقولون يوم فتح مكة : «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» ، ثم يتمّ [على] ولدك الحسينعليه‌السلام يوم كربلاء منهم ما تمّ؟!. فقال ليعليه‌السلام : أما سمعت أبيات ابن الصيفي التميمي في هذا المعنى؟. فقلت : لا. فقال : اذهب إليه واسمعها!.

فاستيقظت من نومي مفكرا. ثم إني ذهبت إلى دار ابن الصيفي [وهو الحيص بيص الشاعر ، الملقب بشهاب الدين] ، فطرقت عليه الباب ، فخرج علي. فقصصت عليه الرؤيا ، (فشهق) وأجهش بالبكاء ، وحلف بالله إن كان سمعها مني أحد ، وإن أكن نظمتها إلا في ليلتي هذه. ثم أنشد :

ملكنا فكان العفو منا سجيّة

فلما ملكتم سال بالدم أبطح

وحلّلتم قتل الأسارى وطالما

غدونا عن الأسرى نعفّ ونصفح

فحسبكم هذا التفاوت بيننا

وكل إناء بالذي فيه ينضح

٨٧٦ ـ لا مقارنة بين الإمام الحسينعليه‌السلام والطاغية يزيد :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ١٦)

يقول السيد عبد الرزاق المقرّمرحمه‌الله :

فابن ميسون عصارة تلكم المنكرات ، فمتى كان يصلح لشيء من الملك ، فضلا عن الخلافة الإلهية ، وفي الأمة ريحانة الرسول وسيد شباب أهل الجنة ؛ أبوه من قام الدين بجهاده ، وأمه سيدة نساء العالمين ، وهو الخامس من أصحاب الكساء ، وهو عديل القرآن في (حديث الثقلين). يتفجّر العلم من جوانبه ، ويزدهي الخلق العظيم معه أينما توجّه ، وعبق النبوة بين أعطافه ، وألق الإمامة في أسارير وجهه ثم أترى أن معاوية كالإمام ، أم أبا سفيان كالنبي ، أم هند آكلة الأكباد كأم المؤمنين خديجة ، أم ميسون كفاطمة سيدة نساء العالمين ، أم أمية كهاشم؟ أم خلاعة الجاهلية

٧١٩

كفضيلة الإسلام ، أم الجهل المطبق بيزيد كالعلم المتدفّق من الحسينعليه‌السلام ، أم الشره المخزي كالطهارة المقدسة؟!. إلى غير ذلك مما لا مجال للمفاضلة فيها بين يزيد والحسين ، مما يكلّ به القلم ، وينقطع به الكلام.

٨٧٧ ـ التقابل بين الحسينعليه‌السلام ويزيد ، تقابل النقيضين :

(مقتل سيد الشهداء لعبد الكريم خان ، ص ٢٥)

يقول الأستاذ عبد الله العلايلي :

نحن لا نريد أن نعطي رأيا في معاوية ، ولكن نريد أن يعرف القارئ أو المستمع ما قاله بعض أعلام إخواننا أهل السنة ، أنه ليس مما يشك فيه (عدوّ ليزيد أو صديق) أن التقابل الكلي بين الحسين ويزيد ، تقابل النقيضين أو الضدين ، فلذا يشبّه بتقابل النور والظلمة ، والسموّ والانحطاط ، والكرامة والخسّة ؛ فهما صنفان أو صفّان :رجال الله ، ورجال الجبت والطاغوت.

ثم يقول في كتابه (سموّ المعنى في سموّ الذات) ص ٦٣ : ثبت لمفكري المسلمين عامة في ذلك الحين أن يزيد بالنظر إلى خلقه الخاص وتربيته الخاصة ، سيكون أداة هدّامة في بناء الحكومة والدين معا ، وإن مفكري المسلمين قد عدّوا ولايته منكرا كبيرا ، لا يصح لمسلم السكوت معه ، ومن واجبه الجهر بالإنكار.

«انتهى كلام العلايلي»

وفي مقابل ذلك فالحسينعليه‌السلام ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّذي كان مجموعة آيات من آيات الله سبحانه ، تملأ أرجاء العالم شأنا وعظمة. فإنه آية في الخلق ، وآية في الأخلاق ، وآية في كل فضل وفضيلة كيف لا يكون كذلك وهو وارث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خلقه وخلقه ، في كل حال من أحواله وجميل صفاته. كما يشهد له بذلك الأفذاذ من حملة العلم والمؤتمنين على التاريخ الصادق. ويكفيه رفعة قول جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه :

«حسين مني ، وأنا من حسين»

«أحبّ الله من أحبّ حسينا»

٧٢٠