تربة الحسين عليه السلام الجزء ١

تربة الحسين عليه السلام16%

تربة الحسين عليه السلام مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 232

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 232 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59768 / تحميل: 3716
الحجم الحجم الحجم
تربة الحسين عليه السلام

تربة الحسين عليه السلام الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

٦ ـ منجد اللغة / ٣١٧ ، لليسوعي :

« السُّبحة : سُبح وسُبُحات : خرزات منظومة في سلك ، إما للوضوء أو الصلاة والتسبيح وإما للتسلية »

٧ ـ جامع العلوم في إصطلاحات الفنون ( دستور العلماء ) ، ج ٢ / ١٦٢ ، للقاضي عبد النبي الأحمد نكري

« السّبحة : بالفتح التسبيح والصلاة والذكر ، وقد يطلق على ما يُعد به من الحبوب السُّبحة بالضم : خرزات للتسبيح تُعد ، والدعاء وصلوات التطوع »

٨ ـ الرائد ، ج ١ / ٨٠١ ، لجبران مسعود :

( السُّبحة : سُبح وسُبُحات : خرزات منظومة في سلك للتسبيح أو السَّلوى )

وبعد ذكر هذه المصادر اللغوية ، نخرج بالتالي :

١ ـ إتفاق اللغويين من عصر الخليل إلى الآن على وجود السُّبحة المعروفة والمتداولة في هذا العصر ، واستخدامها في التسبيح في الصلاة فكيف لا علاقة لها بالدين ؟

٢ ـ الإختلاف بين اللغويين على أنها عربية أم مولّدة

٣ ـ يستفاد من النص التاريخي واللغوي ، أنها تستخدم للتسبيح بها في جميع الأديان السماوية ، ودليل شرعيتها في الإسلام إستخدام الزهراءعليها‌السلام بمرأى من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع عدم نهيه عن ذلك ، وسار على ذلك المسلمون وخصوصاً بعد إستشهاد حمزة بن عبد المطلب ( رضي الله عنه ) كما ذكرت بعض المصادر

١٠١

أدلة الشيعة الإمامية :

عرفت الشيعة منذ القدم بأنها تتخذ من تربة الحسينعليه‌السلام سبحات تستخدمها بعد الإنتهاء من الصلاة المفروضة وفي باقي الأوقات ، بل يعتبر التسبيح بها فيه الفضل وزيادة الثواب ، وإنها تسبح في يد حاملها وإن لم يسبح بها ، فما هي حجتهم في ذلك ؟ نعم هذا شعار الشيعة الإمامية منذ قرون عديدة متداولاً بين علمائهم وعوامهم ، واستندوا في هذا العمل على سيرة أهل البيتعليهم‌السلام ، ويمكن تلخيصها فيما يأتي :

أولاً ـ الزهراء تسبح بتربة حمزة (رض) :

من المعروف لدى المسلمين أن لتربة حمزة بن عبدالمطلب ( رضي ) فضيلة ، وخير شاهد على ذلك ما روته كتب العامة والخاصة : بأنّ الزهراء إتخذت من تربته سبحة تديرها ، ثم عمل بذلك المسلمون

« قال ابن فرحون : والناس اليوم يأخذون من تربة قريبة من مشهد حمزة ، ويعملون بها خرزاً يشبه السبح » (١٥١)

وأيضاً ما روي عن إمامنا الصادقعليه‌السلام :( إنّ فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت سبحتها من خيط صوف مفتل معقود عليه عدد التكبيرات ، وكانت تديرها بيدها تكبر وتسبح حتى قتل حمزة بن عبد المطلب ، فاستعملت تربته وعملت منها التسابيح فاستعملها الناس فلما قتل الحسين صلوات الله عليه ؛ عُدِل بالأمر إليه فاستعملوا تربته لما فيها من الفضل والمزية ) (١٥٢)

______________________

(١٥١) ـ السمهودي ، السيد نور الدين علي : وفاء الوفاء ، ج ١ / ١١٦

(١٥٢) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار : ج ٩٨ / ١٣٣ ( باب ٣٣ ـ حديث ٦٤ )

١٠٢

ثانياً ـ الإمام السجّاد (عليه‌السلام ) يُسبح بتربة الحسين (عليه‌السلام ) :

إنّ أول من سبّح بتربة الحسينعليه‌السلام هو الإمام السجّادعليه‌السلام ، حيث أنه بعد أن دفن والده أخذ قبضة من تراب القبر وعمل منه سجادة وسبحة ، وهي السبحة التي كان يديرها بيده حين أدخلوه الشام على يزيد ( لعنه الله ) ، كما في الحديث الآتي :

( روي أنه لما حمل علي بن الحسين عليه‌السلام إلى يزيد ( لعنه الله ) ؛ همّ بضرب عنقه فوقفه بين يديه ، وهو يكلمه ليستنطقه بكلمة يوجب بها قتله وعلي عليه‌السلام يجيبه حسب ما يكلمه ، وفي يده سبحة صغيرة يديرها بأصابعه وهو يتكلم ، فقال له يزيد : أكلمك وأنت تجيبني وتدير أصابعك بسبحة في يدك فكيف يجوز ذلك ؟ فقال : حدثني أبي ، عن جدي أنه كان إذا صلى الغداة وانفتل لا يتكلم حتى يأخذ سبحة بين يديه ؛ فيقول : اللهم إني أصبحتُ أُسبِّحك وأُمجِّدك وأحمدك وأُهللك بعدد ما أدير به سبحتي ، ويأخذ السبحة ويديرها وهو يتكلم بما يريد من غير أن يتكلم بالتسبيح ، وذكر أن ذلك محتسب له وهو حرز إلى أن يأوي إلى فراشه ، فإذا أوى إلى فراشه قال : مثل ذلك ووضع سبحته تحت رأسه ، فهي محسوبة له من الوقت إلى الوقت ، ففعلت هذا إقتداء بجدي فقال له يزيد : لست أكلَّم أحداً منكم إلا ويجيبني بما يعود به وعفا عنه ووصله وأمر بإطلاقه ) (١٥٣)

قال الشيخ المامقاني ( قده ) :« الظاهر أن مسبحته عليه السلام كانت من غير تربة الحسين عليه السلام لعدم مهلته لصنعها منها بعد وقعة الطف ،

______________________

(١٥٣) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٩٨ / ١٣٦ ( باب ٣٣ ـ حديث ٧٨ )

١٠٣

والرواية مطلقة ، فيجزي ذلك في كل سبحة ، والله العالم» (١٥٤) ويمكن مناقشة هذا بما يأتي :

أولاً ـ قال الشيخ كاشف الغطاء ( قده ) : « فالذي استفدته من الآثار ، وتلقيته من حملة أخبار أهل البيتعليهم‌السلام ومهرة الحديث من أساتيذي الأساطين ، الذين تخرجت عليهم برهة من العمر هو أن زين العابدين ، علي بن الحسين عليهما السلام بعد أن فرغ من دفن أبيه وأهل بيته وأنصاره ، أخذ قبضة من التربة التي وضع عليها الجسد الشريف فشّد تلك التربة في صرّة وعمل منها سجادة ومسبحة ، وهي السبحة التي كان يديرها بيده حين أدخلوه الشام على يزيد ..»(١٥٥)

ثانياً ـ أن السبحة المذكورة في الرواية صغيرة ، وبإمكان الإمامعليه‌السلام صنعها وهو على تلك الحالة مع القوم ، ولعل المبادرة إلى ذلك ، هو القيام بإظهار فضيلة التسبيح بهذه التربة الشريفة بعد الدفن مباشرة ، لعلمه بما فيها من المزايا والفضائل

ثالثاً ـ وكون الرواية مطلقة ؛ لعدم تصريح الإمام زين العابدينعليه‌السلام بذلك للتقية ، وهو أحرص بتطبيقها من غيره في ذلك الوقت ، وأما شمولها لكل تربة ؛ فهذا خلاف المعروف المستفاد من روايات أهل البيتعليهم‌السلام ، بل المعروف من السبح المتداولة عند أهل البيتعليهم‌السلام هي تربة حمزة ( رضي الله عنه ) كما هو عمل الزهراءعليها‌السلام ثم هذه التربة الشريفة ، وهي أفضل من تربة حمزة

______________________

(١٥٤) ـ المامقاني ، الشيخ عبد الله : مرآة الكمال ، ج ٣ / ٢٤٣

(١٥٥) ـ كاشف الغطاء ، الشيخ محمد حسين : الأرض والتربة الحسينية / ٣١

١٠٤

ثالثاً ـ روايات أهل البيت (عليهم‌السلام ) :

وردت روايات عن طريق أهل البيت عليهم‌السلام تحث الشيعة الإمامية على التسبيح بتربة الحسين عليه‌السلام منها الآتي :

١ ـ وفي كتاب الحسن بن محبوب : ( أنَّ أبا عبد اللهعليه‌السلام سئل عن إستعمال التربتين من طين قبر حمزة (رض) وقبر الحسينعليه‌السلام والتفاضل بينهما فقالعليه‌السلام : السبحة التي هي من طين قبر الحسينعليه‌السلام تُسبح بيد الرجل من غير أن يسبح قال : وقال : رأيت أبا عبدالله وفي يده السبحة منها ، وقيل له في ذلك ، فقال : أما إنها أعود عليَّ ، أو قال : أخف عليَّ )(١٥٦)

٢ ـ عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام قال( لا يخلو المؤمن من خمسة : سواك ، ومشط ، وسجادة ، وسبحة فيها أربع وثلاثون حبة ، وخاتم عقيق ) (١٥٧)

٣ ـ عن محمد الحميري قال :( كتبت إلى الفقيه أسأله هل يجوز أن يُسبِّح الرجل بطين القبر ؟ وهل فيه فضل ؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت : فسبِّح به فما من شيء من التسبيح أفضل منه ، ومن فضله أن المسبح ينسى التسبيح ويدير السبحة فيكتب له ذلك التسبيح ) (١٥٨)

٤ ـ روي عن الصادقعليه‌السلام :( من أدار الحجير من تربة الحسين عليه‌السلام فإستغفر مرّة واحدة كتب الله له سبعين مرَّة ، وإن مسك السبحة ولم يُسبح بها ففي كل حبة منها سبع مرات ) (١٥٩)

______________________

(١٥٦) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٩٨ / ١٣٣ ، ( باب ٣٣ ـ حديث ٦٦ )

(١٥٧) ـ نفس المصدر / ١٣٦ ، ( باب ٣٣ ـ حديث ٧٦ )

(١٥٨) ـ نفس المصدر / ١٣٣ ، ( باب ٣٣ ـ حديث ٦٦ )

(١٥٩) ـ نفس المصدر / ١٣٣ ، ( باب ٣٣ ـ حديث ٦٣ )

١٠٥

٥ ـ وعن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال :( من أدار الطين من التربة فقال : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، مع كل حبة منها كتب الله له بها ستة آلاف حسنة ، ومحا عنه ستة آلاف سيئة ، ورفع له ستة آلاف درجة ، وأثبت له من الشفاعة مثلها ) (١٦٠)

٦ ـ وروي عن الصادقعليه‌السلام أنه قال : ( السُّبح الزرق في أيدي شيعتنا ، مثل الخيوط الزرق في أكسية بني إسرائيل ، إنّ الله عَزَّ وجَلَّ أوحى إلى موسى ( عليه السلام ) :أنْ مر بني إسرائيل أن يجعلوا في أربع جوانب أكسيتهم الخيوط الزرق ، ويذكرون به إله السماء ) (١٦١)

قال الشيخ المامقاني ( قده ) :( وقيل : يستحب أنْ يكون خيط السبحة أزرق ويستأنس له بقول الصادق : السُبح الزرق في أيدي شيعتنا مثل الخيوط الزرق في أكسية بني إسرائيل ، بناء على إرادة زرقة خيطها لا نفس حباتها ) (١٦٢)

٧ ـ روي عن الصادقعليه‌السلام أنه قال :( من اتخذ سبحة من تربة الحسين عليه‌السلام إن سَبّح بها ، وإلا سبحت في كَفِّه ، وإذا حَرّكها وهو ساهٍ كتب له تسبيحة ، واذا حركها وهو ذاكر الله تعالى ؛ كتب له أربعين تسبحة ) (١٦٣)

٨ ـ وعنهعليه‌السلام أنه قال :( من سَبّح بسبحة من طين قبر الحسين عليه‌السلام تسبيحة ؛ كتب الله له أربع مائة حسنة ، ومحى عنه أربع مائة سيئة ، وقضيت له أربع مائة حاجة ، ورفع له أربع مائة درجة ، ثم قال : وتكون السبحة بخيوط ______________________

(١٦٠) ـ النوري ، الميرزا حسين : مستدرك الوسائل ، ج ١٠ / ٣٤٤ ( باب ٥٨ ـ حديث ١ )

(١٦١) ـ نفس المصدر / ٣٤٥ ( باب ٥٨ ـ حديث ٥ )

(١٦٢) ـ المامقاني ، الشيخ عبد الله : مرآة الكمال ، ج ٣ / ٢٤٢

(١٦٣) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٨٢ / ٣٤٠

١٠٦

زرق أربعاً وثلاثين خرزة ، وهي سبحة مولاتنا فاطمة الزهراء ، لما قتل حمزة عليه‌السلام عملت من طين قبره سبحة تسبح بها بعد كل صلاة ) (١٦٤)

الفصل الثاني ـ السبحة الحسينية تُسبِّح عن صاحبها :

س / المستفاد من بعض الروايات السابقة ، أنّ تربة الحسين تُسبح وإنْ لم يُسبح بها صاحبها ، فكيف يكون ذلك ؟

ج / لكي نصل إلى جواب هذا السؤال ، لابد من بيان التالي :

أولاً ـ لا مانع من تسبيح الجمادات أو غيرها كما هو المستفاد من كلمات أعلام المسلمين ، إعتماداً على بعض الآيات ، وهي كالتالي :

١ ـ السيد نعمة الله الجزائري ( ١٠٥٠ ـ ١١١٢ هـ ) :

« إنّ الله سبحانه وتعالى قد رَكّبَ في الجمادات نوعاً من العلم والشعور للخضوع والإنقياد لخالقها وبارئها ( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ
تَسْبِيحَهُمْ
) (١٦٥) ومن هذا قال بعضهم : أن تسبيح الحصاة في كفهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس بإعجاز إنما في إسماعه الصحابة ، وهذا الذي دلت عليه الأخبار فلا عدول عنه »(١٦٦)

٢ ـ الشيخ البهائي ( ٩٥٣ ـ ١٠٣٠ هـ ) :

قال الشيخ البهائي قدس الله سره ما هذا لفظه : «( يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
) (١٦٧) هذا التسبح إما بلسان الحال ، فإن كل ذرة من ______________________

(١٦٤) ـ المصدر السابق ، ج ٨٢ / ٣٤١

(١٦٥) ـ الإسراء / ٤٤

(١٦٦) ـ الجزائري ، السيد نعمة الله : الأنوار النعمانية ، ج ٢ / ٢١١

(١٦٧) ـ الحشر / ٢٤

١٠٧

الموجودات تنادي بلسان حالها على وجود صانع حكيم واجب الوجود لذاته وإما بلسان المقال ، وهو في ذوي العقول ظاهر ، وأما غيرهم من الحيوانات ؛ فذهبت فرقة عظيمة إلى أن كل طائفة منها تسبح ربها بلغتها وأصواتها كبني آدم وحملوا عليه قوله تعالى :( وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ
أَمْثَالُكُم
) (١٦٨)

وأما غير الحيوانات من الجمادات ، فذهب جمع غفير إلى أنَّ لها تسبيحاً لسانياً أيضاً ، واعتقدوا بقوله سبحانه :( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ) وقالوا : لو أريد به التسبيح بلسان الحال ؛ لاحتاج قوله جلَّ شأنه :( وَلَـٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ
تَسْبِيحَهُمْ
) إلى تأويل ؛ وذكروا الإعجاز في تسبيح الحصى في كف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس من حيث نفس التسبيح ، بل من حيث إسماعه للصحابة وإلا فهي في التسبيح دائماً ، إنظر مفتاح الفلاح ص ١٠١ ط مصر »(١٦٩)

٣ ـ الشيخ أبو عبد الله القرطبي ( ـ ٦٧١ هـ )

في قوله : «( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ) واختلف في هذا العموم ، هل هو مخصص أم لا ؟ فقالت فرقة : ليس مخصوصاً به تسبيح الدلالة ، وكل مُحَدَث يشهد على نفسه بأن الله عَزَّ وجَلَّ خالق قادر

وقالت طائفة : هذا التسبيح حقيقة ، وكل شيء على العموم يُسبِّح تسبيحاً لا يسمعه البشر ولا يفقهه ، ولو كان ما قاله الأولون من أنه من أثر الصنعة والدلالة لكان أمراً مفهوماً ، والآية تنطق بأن هذا التسبيح لا يَفقه ـ إلى ______________________

(١٦٨) ـ الأنعام / ٣٨

(١٦٩) ـ الجزائري ، السيد نعمة الله : الأنوار النعمانية ، ج ٢ / ٢١١ ـ ٢١٢ ( الحاشية )

١٠٨

أنّ قال : فالصحيح أن الكل يُسبح للأخبار الدالة على ذلك ، ولو كان ذلك التسبيح دلالة ، فأي تخصيص لداود ؟(١٧٠) وإنما ذلك تسبيح المقال بخلق الحياة والإنطاق بالتسبيح كما ذكرنا وقد نصَّت السنة على ما دَلّ عليه ظاهر القرآن من تسبيح كل شيء ، فالقول به أولى »(١٧١)

ثانياً ـ بعد ثبوت تسبيح الجمادات فلا غرابة من تسبيح تربة الحسينعليه‌السلام بيد صاحبها وحاملها وإن لم يُسبح بها ، فإنّ هذا التسبيح خاص ، حيث أنّ السبحة الحسينية تُسبح لله عن صاحبها وحاملها من دون سماع لغتها وصوتها ، ويحسب له ثواب ذلك كما مَرّ من روايات أهل البيتعليهم‌السلام وهم أعرف بخصوصية هذه التربة الزكية من غيرهم ، فهل في ذلك مانع ؟ وإذا كانت سبحة التربة الحسينية محل إستغراب ، فلماذا لا يُستغرب مما ذكره التاريخ في تسبيح سبحة أبي مسلم الخولاني ؟!!(١٧٢)

« كان أبو مسلم الخولاني بيده سبحة يُسبِّح بها فنام والسبحة بيده ، فاستدارت وإلتَفّت على ذراعه وجعلت تُسبِّح ، فإلتَفَتَ إليها وهي تدور في ذراعه ، وهي تقول : سبحانك يا منبت النبات ، ويا دائم الثبات ، فقال ______________________

(١٧٠) ـ إشارة إلى قوله تعالى :( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ
وَالْإِشْرَاقِ
) [ ص / ١٧ ـ ١٨ ]

(١٧١) ـ القرطبي ، محمد بن أحمد الأنصاري : الجامع لأحكام القرآن ، ج ١٠ / ٢٦٦ ـ ٢٦٨

(١٧٢) ـ عبد الله بن ثُوب ، وقيل بن أثوَب ، ويقال بن عوف ، يقال اسمه : يعقوب بن عوف ، ثقة عابد ، من الثانية ، رحل إلى النبي (ص) فلم يدركه ، وعاش إلى زمن يزيد بن معاوية راجع تقريب التهذيب ، ٥٩٣ وتعتقد فيه العامة أنه سيد التابعين ، أسلم في حياة النبي (ص) ، وكان من أعوان معاوية سيئ الرأي في علي (ع) من الزهاد الثمانية ، مات سنة ٦٢ هجرية راجع الكنى والألقاب ج ١ / ١٥٨ ـ ١٥٩ للشيخ عباس القمي

١٠٩

لزوجته : هلمّي يا أم مسلم وأنظري أعجب الأعاجيب ، فجاءت والسبحة تدور تُسبِّح ، فلمّا جلست سكتت »(١٧٣)

الفصل الثالث ـ السبحة الحسينية حرز وأمان :

( في الحديث المعتبر ، أن الصادق صلوات الله عليه لما قدم فسألوه : عرفنا أن تربة الحسينعليه‌السلام شفاء من كل داء ، فهل هي أمان أيضاً من كل خوف ؟ فقال : بلى ، من أراد أن تكون التربة أماناً له من كل خوف ؛ فليأخذ السبحة منها بيده ويقول ثلاثاً : « اَصْبَحْتُ اَللّهُمَّ مُعْتَصِماً بِذِمامِكَ الْمَنيعِ ، الَّذي لا يُطاوَلُ وَلا يُحاوَلُ ، مِنْ شَرِّ كُلِّ غاشِم وَطارِق ، مِنْ سائِرِ مَنْ خَلَقْتَ ، وَما خَلَقْتَ مِنْ خَلْقِكَ الصّامِتِ وَالنّاطِقِ ، في جُنَّة مِنْ كُلِّ مَخُوف بِلِباس سابِغَة وَلاءِ اَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكَ ، مُحْتَجِباً مِنْ كُلِّ قاصِد لي اِلى اَذِيَّة بِجِدار حَصين الْاِخْلاصِ فِي الْاِعْتِرافِ بِحَقِّهِمْ ، وَالتَّمَسُّكِ بَحَبْلِهِمْ ، مُوقِناً اَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ وَمَعَهُمْ وَفيهِمْ وَبِهِمْ اُوالي مَنْ والَوْا ، وَاُجانِبُ مَنْ جانَبُوا ، فَاَعِذْني اَللّهُمَّ بِهِمْ مِنْ شَرِّ كُلِّ ما اَتَّقيهِ ، يا عَظيمُ حَجَزْتُ الْاَعادِيَ عَنّي بِبَديعِ السَّمواتِ وَالْاَرْضِ ، اِنّا( جَعَلْنَا مِن بَيْنِ
أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ
) » ثم يُقبِّل السبحة ويمسح بها عينه ويقول : «اللَّهُمَّ انِّي أسأَلُكَ بِحَقِّ هذِهِ التُربَةِ المُبارَكَةِ وَبِحَقِّ صاحِبِها ، وبِحَقِّ جَدِّهِ وَبِحَقِّ أبيهِ ، وبِحَقِّ أُمِّهِ وبِحَقِّ أخيهِ ، وَبِحَقِّ وُلدِهِ الطاهِرينَ ، اجْعَلْها شِفاءً مِنْ كُلِّ داء ، وأماناً مِنْ كُلِّ خَوف ، وَحِفظاً مِنْ كُلِّ سُوء » ، ثم يجعلها على جبينه ، فإنْ عمل ذلك صباحاً ؛ كان في أمان الله تعالى حتى يمشي ، وإنْ عمله مساءً كان في أمان الله تعالى حتى يصبح )(١٧٤)

______________________

(١٧٣) ـ ابن عساكر ، الحافظ أبو القاسم ، علي بن الحسن : تاريخ دمشق ، ج ٧ / ٣١٨

(١٧٤) ـ القمي ، الشيخ عباس : مفاتيح الجنان / ٥٧١ ـ ٥٧٢

١١٠

١١١
١١٢

١١٣
١١٤

توطئة حول الإستشفاء والطب :

من الواضحات أنّ تعاطي الدواء والأخذ بوسائل الطب والصحة موافق للعقل والشرع ، أما العقل ؛ فلأن في ذلك جلباً للمنفعة ودفعاً للمفسدة وأما الشرع ؛ فلما جاء من الأحاديث النبوية الكثيرة المتعلقة بالطب الوقائي والعلاجي كما أن الأدوية أسباب خلقها الله للشفاء من الأمراض ، فالأخذ بها أخذ بسنة الله في خلقه ؛ ولذا رأيت قبل الدخول في بحث التداوي والإستشفاء بالتربة الحسينية ، أنْ أستعرض بعض الأمور التي لها فائدة وتعلق بالبحث المذكور ، وهي كالآتي :

معنى الإستشفاء والطب :

«الإستشفاء : طلب الشفاء والشفاء رجوع الأخلاط إلى الإعتدال »(١٧٥)

«الطب : علاج الجسم والنفس »(١٧٦)

«والطبيب : العالم بالطب ، وهو في الأصل الحاذق في الأمور العارف بها ، وجمع القلة ( أطِبَّة ) والكثرة أطباء الطبيب الحق هو الله تعالى ؛ لأنّه العالم بحقيقة الداء والدواء ويسمى غيره رفيقاً ؛ لأنه يرفق بالمريض ويحميه ما يخشى ويطعمه ماله الرفق قيل : ولا يطلق الطبيب عليه إسماً »(١٧٧) ويؤيد هذا المعنى ما روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام :( قال موسى بن عمران : يا رب من أين الداء ؟ قال : مني قال : فالشفاء ؟ قال : مني قال : فما يصنع عبادك بالمعالج ؟ قال : يطيب بأنفسهم ، فيومئذ سمي المعالج الطبيب ) (١٧٨)

______________________

(١٧٥) ـ الجرجاني ، الشريف علي بن محمد : التعريفات / ١٢٧

(١٧٦) ـ ابن منظور ، محمد بن مكرم : لسان العرب ، ج ١ / ٥٥٣

(١٧٧) ـ الطريحي ، الشيخ فخر الدين : مجمع البحرين ، ج ٢ / ١٠٨

(١٧٨) ـ الكليني ، الشيخ محمد بن يعقوب : الفروع من الكافي ج ٨ / ٨٨

١١٥

مبدأ ظهور الطب :

إختلف المؤرخون في مبدأ ظهور الطب على أقوال :

١ ـ أنّ سحرة اليمن هم الذين وضعوا أساس علم الطب

٢ ـ وفئة تذهب إلى أنّ المصريين هم الذين وضعوا أساس هذا العلم

٣ ـ ويرى البعض أنهم سحرة فارس

٤ ـ وفئة رابعة تذهب إلى أن الهنود ، أو الصقالبة ، أو قدماء اليونان ، أو الكلدان هم الذين وضعوا أساس هذا العلم(١٧٩)

٥ ـ إنّ صناعة الطب مبدؤها الوحي والإلهام ، وإلى هذا ذهب الشيخ المفيد ( قده ) حيث قال : « الطب صحيح والعلم به ثابت وَطرِيقُه الوحي ، وإنما أخذ العلماء به عن الأنبياءعليهم‌السلام ، وذلك أنه لا طريق إلى علم حقيقة الداء إلا بالسمع ولا سبيل إلى معرفة الدواء إلا بالتوقيف ، فثبت أنّ طريق ذلك هو السمع عن العالم بالخفيات تعالى »(١٨٠) وهذا القول هو الأقرب إلى الصواب ، أي أساس هذا العلم من وحي السماء ، إلا أنّه بعد مرور الزمن إجتهد الناس حسب التجربة والدراسة ؛ فتوسعوا في هذا العلم ، وهذا ما نراه في الطب الحديث من الإكتشافات الطبية حسب إكتشاف الأمراض المستجدة

أهمية الإستشفاء والطب :

إهتمت الشريعة الإسلامية بحفظ الصحة الإنسانية بقسميها البدنية والنفسية إهتماماً بالغاً ، وذلك من خلال قواعدها الأساسية في القرآن الكريم والسنة النبوية ، وهما محور هذا البحث ، كالتالي :

______________________

(١٧٩) ـ راجع ـ العاملي ، العلامة السيد جعفر مرتضى : الآداب الطبية في الإسلام / ٩ ـ ١٠

(١٨٠) ـ المفيد ، الشيخ محمد بن محمد بن النعمان : شرح عقائد الصدوق / ١٢١

١١٦

الطب القرآني :

إنّ القرآن المجيد هو دستور الحياة لإصلاحها من الجهل والهمجية ، نعم هذا الكتاب المقدس فيه تبيان كل شئ ، حاوياً من الكنوز العلمية والإرشادات الدينية ما لا يعلمها إلا الله والراسخون في العلم ، ومن تلك الكنوز علم الطب ، وتظهر قيمة هذا العلم وأهميته من خلال تلك التكاليف السماوية التي لم تُشَرّع إلا لسليم العقل ، ولم يكن العقل السليم إلا في الجسم السليم ؛ ولذا كان من الحكمة واللطف الإلهي أنْ يلحظ القرآن هذه الناحية المهمة ـ أعني صحة الإنسان ـ ويهتم بها إهتماماً لا يقل عن الإهتمام بالتكاليف الشرعية لتوقفها عليها ، ولذا ذكر أسس الطب ودعائم الصحة ، كما ورد عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( إنّ في القرآن لآية تجمع الطب كله :( كُلُوا
وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا
) (١٨١) ) [ الأعراف / ٣١ ]

« فإنّ كافة الأطباء قد أجمعوا بعد التحقيق العلمي المستمر والتجارب المتعاقبة ، على أنّ مدار صحة الأجسام ودعامة سلامتها هو الإعتدال ، إذا ما تعدى إلى الإفراط أو الإسراف ، أصبح وبالاً على البدن وفتح باباً واسعاً للفتك بالأجسام والنفوس وما هذا النتاج العلمي الذي يفخر به الطب في تقدمه إلا مؤدى هذه الكلمات الثلاث :( كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ) حيث جمعت في طيِّها جميع أسُس حفظ الصحة وخلاصة مراميه »(١٨٢)

______________________

(١٨١) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار / ٢٦٧

(١٨٢) ـ الخليلي ، محمد بن الشيخ صادق : طب الإمام الصادق / ٢٣٢ ـ ٢٣٣

١١٧

كما تعرض القرآن المجيد للعلاج النفسي من خلال كثير من الآيات التي منها ـ على سبيل المثال ـ قوله تعالى :( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن
رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ
) [ يونس / ٥٧ ]

ـ وقوله تعالى :( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا
خَسَارًا
) [ الإسراء / ٨٢ ]

وما أظن القارئ الكريم ينكر الطب النفساني والروحاني ومدى تأثيرهما في معالجة كثير من الأمراض ، وكم قرأنا وسمعنا شواهد على ذلك أقرّها العلم الحديث ، فعلى سبيل المثال قوله تعالى :( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ) [ الشعراء / ٨٠ ]

« يقرر العلم الحديث : أنّ الإيمان له علاقة وثيقة بالشفاء ، فالقوى المناعية في الإنسان عندما تضعف يقابلها ؛ عامل آخر لا يضعف بأي حال من الأحوال وهو عامل الإيمان ، وأنّ المعادلة التالية توضح لنا :أنّ الثقة القدرة الشفاء ، وكلمة ( هو ) في الآية السابقة تُعَبِّر عن الثقة وكلمة( يشفين ) تعبر عن القدرة ، كما أثبتت الأبحاث مؤخراً أنّ كثيراً من الأمراض المستعصية : كالسرطان والروماتيزم والذبحة الصدرية والإِنهيار العصبي ، ما هي إلا أعراض بدنية تُعَبِّر عن حالات نفسية ناشئة عن إضطراب نفسي مثل : القلق والخوف والغضب ، أدّت إلى صدور أوامر من العقل الباطن للأعضاء المصابة كوسيلة من وسائل تدمير النفس والرغبة في إنهاء الحياة ، في حين أنّ الصراع من أجل الحياة ينبع من داخل الإنسان ؛ لأنه خُلِقَ ولديه الوسائل الدفاعية التي لو إستخدمت الإستخدام الصحيح ؛ لأمَدّتُه بقوة هائلة ، تؤدي به إلى الشفاء ،

١١٨

بل وتقيه المرض »(١٨٣) وقوله تعالى :( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّـهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّـهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) [ الرعد / ٢٨ ]

إنّ الباحثين والأطباء توصلوا إلى أنّه لا علاج لهذه الأمراض إلا الإيمان بالله « فيقول وليم جيمس ـ أستاذ علم النفس ، بجامعة هارفاد : إنّ أعظم علاج للقلق ولا شك هو الإيمان »(١٨٤) ويقول الدكتور« كارل بونج » ـ من أعظم أطباء علم النفس ـ إنّ كل المرضى الذين إستشاروني خلال الثلاثين سنة الماضية من كل أنحاء العالم ، كان سبب مرضهم هو نقص إيمانهم وتزعزع عقائدهم ، ولم ينالوا الشفاء إلا بعد أن استعادوا إيمانهم »(١٨٥)

الطب النبوي :

إهتم نبينا العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيتهعليهم‌السلام بمعالجة الجسد كإهتمامهم بمداواة الروح ، فهم أطباء الروح والجسد ؛ أما النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صاحب الرسالةصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ فقد وردت عنه من التعاليم والإرشادات الصحية ما تستوف حد الحصر ، وكلها أصول ترتكز عليها قواعد هذا الفن وتدعم بها أركانه ، فقد أشتهر عنه التالي :

١ ـ ( تداووا ، فما أنزل الله داء إلا وأنزل معه الدواء ، إلا السام فإنه لا دواء له )(١٨٦)

٢ ـ ( المعدة بيت الداء ، والحمية رأس كل دواء ، وأعط كل بدن ما عود )(١٨٧)

٣ ـ ( روّحوا القلوب ساعة بعد ساعة )(١٨٨)

______________________

(١٨٣) ـ عبد الصمد ، محمد كامل : الإعجاز العلمي في الإسلام ـ القرآن الكريم / ٣٢٤

(١٨٤) ـ نفس المصدر / ٣١١

(١٨٥) ـ نفس المصدر

(١٨٦) ـ الخليلي ، محمد بن الشيخ صادق : طب الإمام الصادق / ٢٣٣

(١٨٧) ـ نفس المصدر / ٢٣٥

(١٨٨) ـ نفس المصدر / ٢٣٣

١١٩

وأما صنو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ؛ فقد إهتم بهذا الشأن ، ومن أقواله المشهورة :

ـ ( العالم ثلاثة ، الفقه للأديان ، والطب للأبدان ، والنحو للسان )(١٨٩)

ـ ( لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب ، فإنّ القلب يموت كالزرع إذا كثر عليه الماء ) (١٩٠) وقوله لإبنه الإمام الحسنعليه‌السلام : (يا بني ، ألا أعلمك أربع كلمات تستغني بها عن الطب ؟ فقال عليه‌السلام : بلى قال : لا تجلس على الطعام إلا وأنت جائع ، ولا تقم عن الطعام إلا وأنت تشتهيه ، وجَوِّد المضغ ، وإذا نمت فاعرض نفسك على الخلاء ، فإذا إستعملت هذه إستغنيت عن الطب ) (١٩١)

وأما حفيده الإمام الصادقعليه‌السلام ، فقد كان عصره عصر إبتداء النهضة العلمية في الجزيرة العربية ، حيث إتجهت نحو طلب العلوم ، وكان ذلك الوقت مُلائِمَاً والظروف مساعدة له على بَثِّ ما لديه من تلك الكنوز القرآنية ، التي وصلته من آبائه عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد ظهر من أقواله وآرائه الطبية ، فيما كتبه تلامذته الخواص

فقد جمع المفضل بعضاً منها في كتابه المروي عنه المسمى بـ( توحيد المفضل ) ، والدكتور محمد الخليلي في كتابه المسمى بـ( طب الإمام الصادق ) وغيرهما من الكتب وأما الإمام الرضاعليه‌السلام ، فقد كتب للمأمون العباسي( الرسالة الذهبية ) المشتملة على الطب النبوي ، هذه الرسالة التي عَبّر عنها

______________________

(١٨٩) ـ الحراني ، الشيخ حسن بن علي بن شعبة : تحف العقول عن آل الرسول / ١٤٧

(١٩٠) ـ الخليلي ، محمد ابن الشيخ صادق : طب الإمام الصادق / ٢٣٥

(١٩١) ـ القمي ، الشيخ محمد بن علي بن بابويه : الخصال / ٢٢٩

١٢٠

الدكتور محمد علي البار بقوله : « ولا تعتبر هذه أول رسالة في الطب يكتبها مسلم فحسب ، بل تعتبر أول رسالة في الطب تؤلف في التاريخ الإسلامي ، حيث أنّ ما كتب قبلها لا يعدو ترجمات من كتب اليونان والسريان الطبية وهذه الرسالة تختلف عن كل ما كتب ، إنها ضمت معلومات الإمام الرضا الطبية التي إستفادت بدون شك من الطب اليوناني »(١٩٢)

أقول : يمكن مناقشة الدكتور البار في قوله : « التي إستفادت بدون شك من الطب اليوناني » إنّ الشك موجود ، حيث أنّ أئمة أهل البيتعليهم‌السلام علومهم مأخوذة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هذه هي إستفادتهم ، ومن الشواهد على ذلك ، ما ذُكِرَ في محاروة الإمام الصادقعليه‌السلام مع الطبيب الهندي( فقال له الهندي : من أين لك هذا العلم ؟ فقال عليه‌السلام : أخذته عن آبائي عليهم السلام ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عن جبرائيل ، عن رب العالمين جلّ جلاله ، الذي خلق الأجساد والأرواح فقال الهندي : صدقت ، وأنا أشهد أن لا اله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله وعبده ، وأنك أعلم أهل زمانك ) (١٩٣)

آراء حول الطب النبوي :

من الأمور التي تلفت أنظار القُرّاء ، ما ورد في الطب النبوي من وصفات طبية ، التي قد يستفيد منها المريض أو لا يستفيد ، ومن هذا الباب الرقية بالعوذات والأدعية ونحوها ، وأين هذا من طب الأبدان ؟ وما هو موقف أعلام المسلمين من ذلك ؟

والإجابة على هذا التساؤل بشكل إجمالي يُستفاد مما يأتي :

______________________

(١٩٢) ـ البار ، الدكتور محمد علي : الإمام الرضا ورسالته في الطب النبوي / ١٢٤ ـ ١٢٥

(١٩٣) ـ المظفر ، الشيخ محمد حسين : الإمام الصادق ، ج ١ / ٢٠٥ ـ ٢٠٦

١٢١

رأي الشيعة الإمامية :

١ ـ الشيخ الصدوق ( ـ ٣٨١ هـ ) :

قال : « إعتقادنا في الأخبار الواردة في الطب أنها على وجوه : منها ما قيل على هواء مكة والمدينة ، فلا يجوز إستعماله في سائر الأهوية ومنها ما أخبر به العالمـ الإمام ـ على ما عرف من طبع السائل ولم يعتبر بوصفة ؛ إذ كان أعرف بطبعه منه ومنها ما دَلّسَهُ المخالفون في الكتب ؛ لتقبيح صورة المذهب عند الناس ومنها ما وقع فيه سهو من ناقله ومنها ما حُفِظَ بعضه ونُسِيَ بعضه

وما روي في العسل أنّه شفاء من كل داء ، فهو صحيح ، ومعناه شفاء من كل داء بارد وما ورد في الإستنجاء بالماء البارد لصاحب البواسير ، فإنّ ذلك إذا كان بواسير من الحرارة وما روي في الباذنجان من الشفاء ؛ فإنّه في وقت إدراك الرطب لمن يأكل الرطب دون غيره من سائر الأوقات ، فأدوية العلل الصحيحة عن الأئمةعليهم‌السلام ؛ هي الأدعية وآيات القرآن وسوره على حسب ما وردت به الآثار ، بالأسانيد القوية والطرق الصحيحة »(١٩٤)

٢ ـ الشيخ المفيد ( ٣٣٦ ـ ٤١٣ هـ ) :

قال : « والأخبار الواردة عن الصادق ( الصادقين ) مُفَسّرة بقول أمير المؤمنينعليه‌السلام :( المعدة بيت الأدواء ( الداء ) ، والحمية رأس الدواء ، وعُوِّد كل بدن ما إعتاده .

وكان الصادقونعليه‌السلام يأمرون بعض أصحاب الأمراض باستعمال ما يَضُرّ بمن كان به المرض فلا يضره ، وذلك لعلمهمعليهم‌السلام بانقطاع سبب المرض ، فإذا إستعمل الإنسان ما يستعمله ؛ كان مستعملاً له مع الصحة من حيث لا يشعر ______________________

(١٩٤) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٥٩ / ٧٤

١٢٢

بذلك ، وكان علمهم بذلك من قبل الله تعالى على سبيل المعجزة لهم والبرهان ؛ لتخصيصهم به وخَرْق العادة بمعناه ، فظن قوم أنّ ذلك الإستعمال ، إذا حصل مع مادة المرض ؛ نفع ، فغلطوا فيه وإستضروا به ( فيه ) »(١٩٥)

رأي السنة والجماعة :

١ ـ الحافظ السيوطي ( ٨٤٩ ـ ٩١١ هـ ) :

« وفي مقدمة مخطوط كتاب( المنهج السوي والمنهل الروي في الطب النبوي ) للحافظ السيوطي : فائدة ـ قال الخطابي : إعلم أنّ الطب على نوعين : الطب القياسي : وهو طب اليونان الذي يُستعمل في أكثر البلاد ، وطب العرب والهند : وهو طب التجارب ، وأكثر ما وصفه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما هو على مذهب العرب إلا ما خص به من العلم النبوي من طريق الوحي ، فإنّ ذلك يخرق كل ما تدركه الأطباء وتعرفه الحكماء ، وكل ما فعله أو قاله في أعلى درجات الصواب عصمه الله أنْ يقول إلا صدقاً ، وأنْ يفعل إلا حقاً »(١٩٦)

٢ ـ ابن خلدون ( ٧٣٢ ـ ٨٠٨ هـ ) :

يقول ابن خلدون : « وللبادية من أهل العمران طب يبنونه في غالب الأمر على تجربة قاصرة على بعض الأشخاص ، متوارثاً عن مشايخ الحي وعجائزه ، وربما يصحُ منه البعض ، إلا أنه ليس على قانون طبيعي ، ولا على موافقة المزاج وكان عند العرب من هذا الطب كثير ، وكان فيهم أطباء معروفون ، كالحارث بن كلدة وغيره والطب المنقول في الشرعيات من هذا القبيل ، وليس من الوحي في شيء ، وإنما هو أمر كان عادياً للعرب ، ووقع في ______________________

(١٩٥) ـ المفيد ، الشيخ محمد بن محمد بن النعمان : شرح عقائد الصدوق / ١٢١ ـ ١٢٢

(١٩٦) ـ النسيمي ، الدكتور محمود ناظم : الطب النبوي والعلم الحديث ، ج ٣ / ٤١

١٢٣

ذكر أحوال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من نوع ذكر أحواله التي هي عادة وجبلة ، لا من جهة أن ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل ، فإنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما بعث ليعلمنا الشرائع ، ولم يبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديات وقد وقع له في شأن تلقيح النخل ما وقع ، فقال :( أنتم أعلم بأمور دنياكم ) فلا ينبغي أن يُحمل شئ من الطب الذي وقع في الأحاديث الصحيحة المنقولة على أنه مشروع ، فليس هناك ما يدل عليه ، اللهم إلا إذا إستعمل على جهة التبرك وصدق العقد الإيماني ، فيكون له أثر عظيم في النفع وليس ذلك في الطب المزاجي ، وإنما هو من آثار الكلمة الإيمانية ، كما وقع في مداواة المبطون بالعسل »(١٩٧)

٣ ـ الدكتور محمد علي البار ( معاصر ) :

ويمكن تلخيص رأيه من خلال مناقشته لإبن خلدون وهي ، التالي : « وعبارة ابن خلدون فيها شيء من الوقاحة ؛ إذ يصف الطب النبوي بأنه من قبيل طب البادية المبني على تجربة قاصرة ، والمتوارث عن مشايخ الحي وعجائزه كما أنّ التعبير عن الطب النبوي بأنه غير مشروع أمر غامض ! والمشروع يندرج تحته الواجب والمندوب والمباح

وكون رسول الله لم يبعث ليعلمنا الطب لا يعني أنه يقول في الطب وفي غيره من العاديات بجهل وهو أكمل الخلق وأرجحهم عقلاً وقد وهبه الله من المعارف اللدنية الربانية التي جعلته لا يقول إلا حقاً في هزل وجد ويزعم ابن خلدون أنّ علاج المبطون الذي أصيب بالإسهال بالعسل ليس إلا من قبيل التبرك وصدق العقد الإيماني نحن نعلم الآن أنّ العسل من خير الأدوية لحالات

______________________

(١٩٧) ـ ابن خلدون ، عبد الرحمن بن محمد : مقدمة بن خلدون ، ج ٢ / ١٩٠ ـ ١٩١

١٢٤

الإسهال الشديد فهو سهل الهضم سريع الإمتصاص من جدار الأمعاء والمعدة ، لا يسبب تخمراً مثل السكريات الثنائية ( السكر العادي )

وإبتدأت المحافل الطبية تهتم بفوائد العسل الطبيعية في أوروبا وأمريكا وروسيا ، وهناك العديد من الأبحاث الطبية التي تعرض لفوائد العسل وليس مجالها هنا ولكننا ذكرنا نبذة يسيرة ؛ ليعلم من ينحون منحى ابن خلدون ، أنّ للعسل فوائد علاجية للمبطون وغيره وليس ذلك فقط من قبيل التبرك وصدق العقد الإيماني »(١٩٨)

وقال أيضاً :

« ومن عجب أننا انحتاج إلى إثبات صدق أحاديث المصطفى صلوات الله عليه إلى ما يقوله الطب الحديث لأننا نواجه أقواماً قد إعتقدوا إبتداءً خطأ نبيهم فيما أورده في هذا المجال ولو كان إيمانهم عميقاً ؛ لما إحتجنا إلى إثبات صدق هذه الأحاديث الصحيحة ، وإصابتها كبد الحقيقة إلى ذكر الإكتشافات العلمية ولكان ذكر الحديث النبوي الصحيح دليلاً في ذاته على صدق الإكتشافات العلمية الحديثة لا العكس إذ أنّ نور النبوة الوضّاء لا يحتاج إلى من يكشف له المجاهيل وإنما المجاهيل والظلمات المحيطة بها محتاجة إلى وهج نور النبوة ؛ لكي تضاء ويمكن السير فيها على هدى وأخطر ما في قول ابن خلدون ، ومن نحا نحوه ، تركيزه على قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنتم أعلم بأمور دنياكم » فقد إتخذها حجة لنفي كل ما ورد عن النبي صلی الله عليه وآله وسلم في العاديات ومنها الطب »(١٩٩)

______________________

(١٩٨) ـ راجع البار ، الدكتور محمد علي : خلق الإنسان / ٣٨٤

: هل هناك طب نبوي؟ : ١٢١ ـ ١٢٢

(١٩٩) ـ البار ، الدكتور محمد علي : هل هناك طب نبوي ؟ / ٣٣ ـ ٣٤

١٢٥
٤ ـ الدكتور محمود ناظم النسيمي ( معاصر ) :

وخلاصة رأي الدكتور النسيمي كالتالي : « إنّ معظم ما جاء في الطب النبوي إنما هو من باب حفظ الصحة والطب الوقائي ، وليس غريباً أنْ يكون الأمر كذلك ؛ لأنّ التخطيط الصحي والتوعية الصحية إنما هما من مهام الدولة ، ولقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام أول مؤسس لدولة إسلامية على أساسٍ من شَرْع الله الحكيم ومن أجل ذلك كانت التعاليم والمناهج الصحية في الإسلام كثيرة منها ما هو موجود في نصوص آيات القرآن العظيم مؤكداً المهمة الصحية للرسول الكريم ، فعلى الرسول أنْ يُبلّغها أيضا ، وأنْ يبين بإلهام من الله تعالى ما يتعلق بها من إيضاح وتفسير وأحكام ، إستجابة لقوله تعالى :( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) [ النحل / ٤٤ ] والتبيان أمر زائد على التبليغ وكما أنّ في القرآن أحكاماً لها مقاصد صحية يعطي تطبيقها مردوداً صحياً على المسلمين أنْ يلتزموا بها

وبسبب المهمة الحكومية لرسول الله صلی الله عليه وآله وسلم ، ومهمته التبيانية للقرآن الكريم ؛ جاءت التعاليم الصحية في هدي الرسول العظيم كثيرة تفوق كثيراً ما ورد في الطب العلاجي ، وتُشكِّل مع بعض الآيات القرآنية القسم الأكبر من الطب النبوي ، لَقَدْ سَهَا عن الحقائق التي أوضحتُها آنفا ، كثيرون ممن كتبوا في الطب النبوي قديماً وحديثاً ، أو علّقوا عليه كالعلامة ابن خلدون في مقدمته ، فتكلموا على الطب النبوي ـ وكان معظمه علاجي أو كأنه طب متكامل ـ فلم يروا فيه طباً واسعاً أو علاجياً ذا تأثير على مجرى الطب العربي ، ولو أنهم توسعوا في دراسة الطب النبوي ؛ لرأوا أنّ الطب الوقائي في تعاليم الرسول صلی الله عليه وآله وسلم ، هو الذي ساعد في حفظ صحة الأمة

١٢٦

وهي معبأة للجهاد والتحرير ، وليس لها من مناهج صحية إلا ما تنفذه بإسم الدين في فجر الإسلام قبل نهضتها الحضارية الدنيوية الكبرى »(٢٠٠)

وقال أيضاً :

« إني نتيجة دراستي الطب النبوي أُرجِّح أنّ بعضها من الأول ، كقوله عليه الصلاة والسلام :( الكمأة من المنّ وماؤها شفاء للعين ) ، فهو إلهام روحي من الله تعالى ، وتنبيه مدى الأيام لإجراء بحث علمي لتعيين طريقة إستحصال ماء الكمأة ، وتيين المرض العيني الذي يستفيد منها ولم يعرف عن العرب قبل الإسلام ، ولا عن الطب اليوناني أو غيره ، فوائد لماء الكمأة في أمراض العين

وقد يكون الدواء ( أو الطريقة العلاجية ) معروفاً لدى قومه عليه الصلاة والسلام ، فيقرهم وينبههم على أهميته ، أو لا يقرهم عليه كل ذلك بوحي أو إلهام من الله تعالى ؛ لأنّ تصحيح الأخطاء الشائعة في المداواة الشعبية ، هو من مهمات الدولة ومن مهمات الرسول عليه الصلاة والسلام »(٢٠١)

تعقيب واستدراك :

بعد أنْ ذكرنا آراء السنة حول الطب النبوي ، وكان التركيز في ذلك على مقالة « ابن خلدون » ومدى مناقشتها من قبل علماء الطب المعاصرين ، فلابد من مناقشة أصل القاعدة التي إعتمدها « ابن خلدون » ومن سار على نهجه ، وقد عَبّر عنها الدكتور البار بقوله : « وأخطر ما في قول ابن خلدون ومن نحا نحوه ، تركيزه على قوله صلی الله عليه وآله وسلم :« أنتم أعلم بشئوون

______________________

(٢٠٠) ـ النسيمي ، الدكتور محمود ناظم : الطب النبوي والعلم الحديث ، ج ١ / ١٤٩ ـ ١٥٠

(٢٠١) ـ نفس المصدر ، ج ٣ / ٤٠ ـ ٤١

١٢٧

دنياكم » ، فقد إتخذها حجة لنفي كل ما ورد عن النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم في العاديات ومنها الطب »(٢٠٢)

وقد ناقش هذه القاعدة المذكورة العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي بقوله : « ونحن نشك في صحة ذلك ؛ إذ مضافاً إلى الإختلاف الظاهر في نصوص الرواية ، كما يظهر بالمراجعة والمقارنة لا بد وأن نسأل :

لماذا يتدخل النبي الأعظم صلی الله عليه وآله وسلم فيما لا يعنيه ، وما ليس من إختصاصه ؟ ألا يعلم : أنّ الناس يهتمون بكل كلمة تصدر منه ، ويرتبون الأثر عليها ، ويلتزمون بها ؟!

ولماذا يُعرِّض الناس إلى هذا الضرر الجسيم ؟! ومن هو المسئول عن هذه الأضرار التي سببتها مشورته تلك ؟... ثم إنه كيف يقول ذلك لهم وهو الذي أمر عبد الله بن عمرو بن العاص بأن يكتب منه كل ما يسمع ؛ فإنه لا يخرج من بين شفتيه إلا حق ؟ والرواية معروفة جداً ؛ ولذا فلا حاجة إلى ذكر مصادرها

وأيضا هل يمكن أنْ يُصدّق أنه صلی الله عليه وآله وسلم وقد جاوز الثلاث والخمسين سنة ، وهو يعيش في المنطقة العربية ـ هل يمكن أنْ تصدق : أنه لم يكن يعرف تأثير النخل وفائدته وأنّ النخل لا ينتج بدونه ؟! وكيف لم يسمع طيلة عمره المديد شيئاً عن ذلك ، وهو يعيش بينهم ومعهم أو على الأقل بالقرب منهم ؟!.

وأخيراً هل صحيح : أنه ليس على الناس أنْ يطيعوه في أمور دنياهم ؟ وأنه كان يقول برأيه ؟! وهل صحيح : أنّ الإسلام يفصل بين الدين والدنيا ،

______________________

(٢٠٢) ـ البار ، الدكتور محمد علي : خلق الإنسان بين الطب والقرآن / ٣٨٤ ـ ٣٨٥

: هل هناك طب نبوي .؟ / ٣٣ ـ ٣٤

١٢٨

وأنّ مصب إهتماماته هو ما عدا أمور دنياهم ؟! أليس هذا بهتاناً على الإسلام وافتراءً عليه ؟! ألا يتنافى ذلك مع القرآن والسنة والإسلام بمجموعه ؟! »(٢٠٣)

رأي السنة في الرقي والتمائم ونحوها :

بعد أنْ ذكرنا رأي السنة في الطب النبوي ، بقي شيء منه وهو العلاج بالرقي ونحوها ، وهو القسم الثاني من السؤال المتقدم ، وهذه آراؤهم كالتالي :

١ ـ الرقية : هي قراءة تعويذة على المريض(٢٠٤)

٢ ـ التميمة : هي الرقية المكتوبة التي تعلق ، وقد تطلق على الرقية المقولة أو على كل ما يعلق(٢٠٥)

٣ ـ النُشرة : وهي أن يكتب شيئاً من أسماء الله أو من القرآن ثم يغسله بالماء ، ثم يمسح به المريض أو يسقيه(٢٠٦)

قال الحافظ بن حجر : « وقد أجمع على جواز الرقي عند إجتماع ثلاثة شروط : أنْ تكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته ، وباللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره ، وأنْ يعتقد أنّ الرقية لا تؤثر بذاتها بل بذات الله تعالى وإستدل ابن حجر لقوله عليه السلام :( لا بأس بالرقي ما لم يكن فيه شرك ) ، على أنه مهما كان من الرقي يؤدي إلى الشرك يمنع ، وما لا يعقل معناه لا يؤمن أنْ يؤدي إلى الشرك ؛ فيمنع إحتياطاً »(٢٠٧)

______________________

(٢٠٣) ـ العاملي ، السيد جعفر مرتضى : الصحيح من سيرة النبي الأعظم ، ج ٣ / ١١٨ ـ ١١٩

(٢٠٤) ـ النسيمي ، الدكتور محمود ناظم : الطب النبوي والعلم الحديث ج ٣ / ١٤١ ـ ١٨٦

(٢٠٥) ـ نفس المصدر

(٢٠٦) ـ نفس المصدر

(٢٠٧) ـ النسيمي ، الدكتور محمود ناظم : الطب النبوي والعلم الحديث ج ٣ / ١٥٦

١٢٩

وقال النووي : « لا مخالفة بل المدح في ترك الرقي المراد بها الرقي التي هي من كلام الكفار ، والرقي المجهولة والتي بغير العربية وما لا يعرف معناه ، فهذه مذمومة ؛ لإحتمال أنّ معناها كفر أو قريب منه أو مكروه وأما الرقي بآيات القرآن وبالأذكار المعروفة ؛ فلا نهي فيه بل هو سنة ومنهم من قال في الجمع بين الحديثين : أنّ الواردة في ترك الرقي للأفضلية ، وبيان التوكل في فضل الرقي ؛ لبيان الجواز ، مع أنّ تركها أفضل ، وبهذا قال ابن عبد البر وحكاه عمن حكاه والمختار الأول وقد نقلوا الإجماع على جواز الرقي بالآيات وأذكار الله تبارك وتعالى »(٢٠٨)

وقال الإمام ابن التين في شرحه لصحيح البخاري : « الرقي بالمعوذات وغيرها من أسماء الله تعالى ، هو الطب الروحاني ، إذا كان على لسان الأبرار من الخلق حصل الشفاء بإذن الله تعالى »(٢٠٩)

وقال ابن الجوزيه : « ومن جَرّبَ هذه الدعوات والعوذ ؛ عرف مقدار منفعتها وشدة الحاجة إليها ، وهي تمنع وصول أثر العائن وتدفعه بعد وصوله بحسب قوة إيمان قائلها ، وقوة نفسه وإستعداده ، وقوة توكله وثبات قلبه ، فإنها سلاح والسلاح بضاربه »(٢١٠)

وقال القرطبي في تفسيره : « واختلف العلماء في النشرة فأجازها سعيد بن المسيب ، قيل له : الرجل يؤخذ عن امرأته أيحل عنه وينشر ؟ قال : لا بأس به ، وما ينفع لم ينه عنه ولم ير مجاهد أن تكتب آيات القرآن ثم تغسل ثم تسقاه صاحب

______________________

(٢٠٨) ـ الشوكاني ، محمد بن علي بن محمد : نيل الأوطار ج ٨ / ٢٣١

(٢٠٩) ـ النسيمي ، الدكتور محمود ناظم : الطب النبوي والعلم الحديث ج ٣ / ١٨٨

(٢١٠) ـ نفس المصدر

١٣٠

الفزع وكانت عائشة تقرأ بالمعوذتين في إناء ، ثم تأمر أن يصب على المريض ، ومنعها الحسن وإبراهيم النخعي »(٢١١) راجع التفاصيل في التفسير المذكور وقال الشيخ عبد الله الصديق : «وأما كتابة شيء من القرآن ، أو الأدعية وتعليقه على عنق الصحيح أو المريض للإستشفاء ؛ فجائز على الراجح »(٢١٢)

هذه خلاصة آرائهم في المسألة ، ومن أراد التوسع ؛ فعليه بمراجعة كتبهم وموسوعاتهم الفقهية

______________________

(٢١١) ـ القرطبي ، أبو عبد الله محمد بن أحمد : الجامع لأحكام القرآن الكريم ، ج ١٠ / ٣١٨ ـ ٣٢٠

(٢١٢) ـ النسيمي ، الدكتور محمود ناظم : الطب النبوي والعلم الحديث ، ج ٣ / ١٨٥

١٣١

١٣٢

١٣٣
١٣٤

توطئة :

من الأسئلة التي تثار حول الشيعة الإمامية السؤال التالي :

س / المعروف لدى علماء المذاهب الإسلامية الأربعة ؛ أنّ أكل الطين محرم ؛ فلماذا الشيعة الإمامية تخالفهم في ذلك بأكلها طين وتراب قبر الحسينعليه‌السلام ؟

ج / صحيح أنّ المذاهب الإسلامية الأربعة تذهب إلى حرمة أكل الطين ، وكذلك الشيعة الإمامية تذهب إلى ذلك ، وإليك آراء الجميع كالتالي :

آراء المذاهب الأربعة :

١ ـ ذهب الأحناف : ـ كما ذكر ابن عابدين ـ : وأيضاً ضبط أهل الفقه حرمة التناول ؛ إما بالإسكار كالبنج ، وإما بالإضرار بالبدن كالتراب والترياق ، أو بالإستقذار كالمخاط والبزاق ، وهذا كله فيما كان طاهراً فالقاعدة عندهم أن الجمادات ما عدا المسكرات فإنها تبني أحكامها على ثبوت الإضرار على الغالب ، وإذا تحقق الضرر على شخص بعينه ؛ كان محظوراً عليه دون سواه ؛ لأنه لا يلزم من إضراره بالبعض أن يكون مضراً بالآخرين(٢١٣)

٢ ـ ذهب الحنابلة : إلى حرمة أكل ما من شأنه الضرر كالتراب والفحم والطين ، وكذلك السم ، وهذا أخطر ؛ لأنه يؤذي إلى القتل غالباً والأصل عندهم كما عند غيرهم : أنّ الأصل في الطاهرات الحل بشرط ألا يكون ضاراً(٢١٤)

٣ ـ ذهب المالكية : إلى حرمة تعاطي أي شيء يغطي العقل من النبات وغير النبات ، وكذلك إذا كان يضر به أو بالبدن وفي القوانين : جميع

______________________

(٢١٣) ـ ابن عابدين ، محمد أمين بن عمر : الحاشية ، ج ٢ / ٣٣٣

(٢١٤) ـ ابن قدامه ، عبد الله بن أحمد : المغني ، ج ٨ / ٨١١

١٣٥

المطعومات ضربان : حيوان أو جماد ، نبات أو غيره فالجماد كله حلال إلا النجاسات ، وما خالطته نجاسة ، والمسكرات والمضرات كالسموم(٢١٥) ونقل صاحب أسهل المدارك ، عن الدردير في أقرب المسالك : والمحرم ما أفسد العقل أو البدن(٢١٦) فالقاعدة عند المالكية ـ كما عند غيرهم ـ أن كل ما يذهب بالعقل أو يضر بالبدن هو حرام

٤ ـ ذهب الشافعية : إلى حرمة تناول ما يضر البدن ، كالحجر والتراب والزجاج والسم ، وإنْ كانت هذه الأشياء طاهرة نظراً للضرر الناتج عن تناولها(٢١٧)

رأي الشيعة الإمامية :

قال الشيخ الطوسي ( قده ) : « الطين الذي يأكله الناس حرام لا يحل أكله ولا بيعه »(٢١٨) وقال الفاضل المقداد ( قده ) : « يحرم أكل الطين في الجملة بالإجماع ، ولما قيل بإنهاكه القوة وإيراثه الضعف في البنية والشهوة وقال : إستثنى أصحابنا من ذلك طين قبر الحسينعليه‌السلام للإستشفاء ؛ لما اشتهر في النقل الشريف أنّ الأئمةعليهم‌السلام من ذريته ، والإجابة تحت قبته ، والشفاء في تربته وعلم أيضاً الشفاء بتجربة معتقدي إمامته تجربة تفيد العلم ؛ فيكون تناوله سائغاً ؛ إذ لا شفاء في محرم »(٢١٩) وقال بعض المعاصرين : «وكذا يحرم الطين عدا اليسير الذي لا يتجاوز قدر الحمصة من تربة الحسينعليه‌السلام للإستشفاء ، ولا

______________________

(٢١٥) ـ ابن جزي ، محمد بن أحمد : قوانين الأحكام الفقهية / ١٤٩

(٢١٦) ـ الكشناوي ، ابو بكر بن الحسن : أسهل المدارك شرح إرشاد المسالك ، ج ٢ / ٦٢

(٢١٧) ـ الشربيني ، محمد بن أحمد الخطيب : مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ، ج ١ / ٣٠٦

(٢١٨) ـ الطوسي ، شيخ الطائفة محمد بن الحسن : الخلاف ، ج ٣ / ٤٩

(٢١٩) ـ السيوري ، الشيخ الفاضل مقداد بن عبدالله : التنقيح الرائع ، ج ٤ / ٥٠

١٣٦

يحرم غيره من المعادن والأحجار والأشجار مع عدم الإضرار »(٢٢٠) وإستثنى بعضهم : « ولا بأس بأكل طين الأرمني ، وطين داغستان للتداوي »(٢٢١)

س / على أي أساس يجوز أكل التربة الحسينية ـ أعني القليل منها ـ مع العلم أن الحرمة لأكل الرمل أو التراب مؤكدة ، ولماذا لم ترد الأحاديث بتربة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الإمام ؟

ج / يختص الجواز في التربة الحسينية بما لا يتجاوز قدر حمصة ، ويكون الغرض للإستشفاء وهذا الحكم تخصيص لحرمة أكل الطين واستثناء منها ويختص بتربة الحسينعليه‌السلام دون سائر المعصومين والله العالم بأسرار أحكامه(٢٢٢)

خلاصة واستنتاج :

بعد عرض آراء أئمة المذاهب الأربعة والشيعة الإمامية في مسألة « أكل الطين » ، يمكن القول بالتالي :

١ ـ إتفاق علماء المذاهب الإسلامية الأربعة على حرمة أكل الطين ، بناءً على وجود الضرر بأكله

٢ ـ إتفاق علماء المذهب الشيعي الإمامي على حرمة أكل الطين والتراب ؛ لتضرر الإنسان بأكله ، فهم يوافقون المذاهب الأربعة في ذلك

٣ ـ أجازوا التداوي بالقليل من تربة الحسينعليه‌السلام بمقدار الحمصة ، لأدلة إعتمدوها وسيأتي بحثها ، ومع هذا لم تخالف الشيعة الإمامية جمهور

______________________

(٢٢٠) ـ السبزواري ، السيد عبدالأعلى ، منهاج الصالحين ، ج ٢ / ٣٩٦ وغيره من الأعلام

(٢٢١) ـ الخوئي ، السيد أبو القاسم : المسائل المنتخبة / ٣١٦

(٢٢٢) ـ الخوئي، السيد أبو القاسم : المسائل الشرعية ، ج ٢ / ٢٦٧

١٣٧

المسلمين كما زعم السائل ، بل إنّ المسلمين في القرن الأول كانوا يستخدمون تربة الحمزة وغيره من الأصحاب للتداوي والبركة كما سيأتي

١٣٨

١٣٩
١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232