تربة الحسين عليه السلام الجزء ١

تربة الحسين عليه السلام0%

تربة الحسين عليه السلام مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 232

تربة الحسين عليه السلام

مؤلف: الشيخ أمين حبيب آل درويش
الناشر: دار المحجّة البيضاء
تصنيف:

الصفحات: 232
المشاهدات: 55618
تحميل: 3196


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 232 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 55618 / تحميل: 3196
الحجم الحجم الحجم
تربة الحسين عليه السلام

تربة الحسين عليه السلام الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
العربية

الدكتور محمد علي البار بقوله : « ولا تعتبر هذه أول رسالة في الطب يكتبها مسلم فحسب ، بل تعتبر أول رسالة في الطب تؤلف في التاريخ الإسلامي ، حيث أنّ ما كتب قبلها لا يعدو ترجمات من كتب اليونان والسريان الطبية وهذه الرسالة تختلف عن كل ما كتب ، إنها ضمت معلومات الإمام الرضا الطبية التي إستفادت بدون شك من الطب اليوناني »(١٩٢)

أقول : يمكن مناقشة الدكتور البار في قوله : « التي إستفادت بدون شك من الطب اليوناني » إنّ الشك موجود ، حيث أنّ أئمة أهل البيتعليهم‌السلام علومهم مأخوذة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هذه هي إستفادتهم ، ومن الشواهد على ذلك ، ما ذُكِرَ في محاروة الإمام الصادقعليه‌السلام مع الطبيب الهندي( فقال له الهندي : من أين لك هذا العلم ؟ فقال عليه‌السلام : أخذته عن آبائي عليهم السلام ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عن جبرائيل ، عن رب العالمين جلّ جلاله ، الذي خلق الأجساد والأرواح فقال الهندي : صدقت ، وأنا أشهد أن لا اله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله وعبده ، وأنك أعلم أهل زمانك ) (١٩٣)

آراء حول الطب النبوي :

من الأمور التي تلفت أنظار القُرّاء ، ما ورد في الطب النبوي من وصفات طبية ، التي قد يستفيد منها المريض أو لا يستفيد ، ومن هذا الباب الرقية بالعوذات والأدعية ونحوها ، وأين هذا من طب الأبدان ؟ وما هو موقف أعلام المسلمين من ذلك ؟

والإجابة على هذا التساؤل بشكل إجمالي يُستفاد مما يأتي :

______________________

(١٩٢) ـ البار ، الدكتور محمد علي : الإمام الرضا ورسالته في الطب النبوي / ١٢٤ ـ ١٢٥

(١٩٣) ـ المظفر ، الشيخ محمد حسين : الإمام الصادق ، ج ١ / ٢٠٥ ـ ٢٠٦

١٢١

رأي الشيعة الإمامية :

١ ـ الشيخ الصدوق ( ـ ٣٨١ هـ ) :

قال : « إعتقادنا في الأخبار الواردة في الطب أنها على وجوه : منها ما قيل على هواء مكة والمدينة ، فلا يجوز إستعماله في سائر الأهوية ومنها ما أخبر به العالمـ الإمام ـ على ما عرف من طبع السائل ولم يعتبر بوصفة ؛ إذ كان أعرف بطبعه منه ومنها ما دَلّسَهُ المخالفون في الكتب ؛ لتقبيح صورة المذهب عند الناس ومنها ما وقع فيه سهو من ناقله ومنها ما حُفِظَ بعضه ونُسِيَ بعضه

وما روي في العسل أنّه شفاء من كل داء ، فهو صحيح ، ومعناه شفاء من كل داء بارد وما ورد في الإستنجاء بالماء البارد لصاحب البواسير ، فإنّ ذلك إذا كان بواسير من الحرارة وما روي في الباذنجان من الشفاء ؛ فإنّه في وقت إدراك الرطب لمن يأكل الرطب دون غيره من سائر الأوقات ، فأدوية العلل الصحيحة عن الأئمةعليهم‌السلام ؛ هي الأدعية وآيات القرآن وسوره على حسب ما وردت به الآثار ، بالأسانيد القوية والطرق الصحيحة »(١٩٤)

٢ ـ الشيخ المفيد ( ٣٣٦ ـ ٤١٣ هـ ) :

قال : « والأخبار الواردة عن الصادق ( الصادقين ) مُفَسّرة بقول أمير المؤمنينعليه‌السلام :( المعدة بيت الأدواء ( الداء ) ، والحمية رأس الدواء ، وعُوِّد كل بدن ما إعتاده .

وكان الصادقونعليه‌السلام يأمرون بعض أصحاب الأمراض باستعمال ما يَضُرّ بمن كان به المرض فلا يضره ، وذلك لعلمهمعليهم‌السلام بانقطاع سبب المرض ، فإذا إستعمل الإنسان ما يستعمله ؛ كان مستعملاً له مع الصحة من حيث لا يشعر ______________________

(١٩٤) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٥٩ / ٧٤

١٢٢

بذلك ، وكان علمهم بذلك من قبل الله تعالى على سبيل المعجزة لهم والبرهان ؛ لتخصيصهم به وخَرْق العادة بمعناه ، فظن قوم أنّ ذلك الإستعمال ، إذا حصل مع مادة المرض ؛ نفع ، فغلطوا فيه وإستضروا به ( فيه ) »(١٩٥)

رأي السنة والجماعة :

١ ـ الحافظ السيوطي ( ٨٤٩ ـ ٩١١ هـ ) :

« وفي مقدمة مخطوط كتاب( المنهج السوي والمنهل الروي في الطب النبوي ) للحافظ السيوطي : فائدة ـ قال الخطابي : إعلم أنّ الطب على نوعين : الطب القياسي : وهو طب اليونان الذي يُستعمل في أكثر البلاد ، وطب العرب والهند : وهو طب التجارب ، وأكثر ما وصفه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما هو على مذهب العرب إلا ما خص به من العلم النبوي من طريق الوحي ، فإنّ ذلك يخرق كل ما تدركه الأطباء وتعرفه الحكماء ، وكل ما فعله أو قاله في أعلى درجات الصواب عصمه الله أنْ يقول إلا صدقاً ، وأنْ يفعل إلا حقاً »(١٩٦)

٢ ـ ابن خلدون ( ٧٣٢ ـ ٨٠٨ هـ ) :

يقول ابن خلدون : « وللبادية من أهل العمران طب يبنونه في غالب الأمر على تجربة قاصرة على بعض الأشخاص ، متوارثاً عن مشايخ الحي وعجائزه ، وربما يصحُ منه البعض ، إلا أنه ليس على قانون طبيعي ، ولا على موافقة المزاج وكان عند العرب من هذا الطب كثير ، وكان فيهم أطباء معروفون ، كالحارث بن كلدة وغيره والطب المنقول في الشرعيات من هذا القبيل ، وليس من الوحي في شيء ، وإنما هو أمر كان عادياً للعرب ، ووقع في ______________________

(١٩٥) ـ المفيد ، الشيخ محمد بن محمد بن النعمان : شرح عقائد الصدوق / ١٢١ ـ ١٢٢

(١٩٦) ـ النسيمي ، الدكتور محمود ناظم : الطب النبوي والعلم الحديث ، ج ٣ / ٤١

١٢٣

ذكر أحوال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من نوع ذكر أحواله التي هي عادة وجبلة ، لا من جهة أن ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل ، فإنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما بعث ليعلمنا الشرائع ، ولم يبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديات وقد وقع له في شأن تلقيح النخل ما وقع ، فقال :( أنتم أعلم بأمور دنياكم ) فلا ينبغي أن يُحمل شئ من الطب الذي وقع في الأحاديث الصحيحة المنقولة على أنه مشروع ، فليس هناك ما يدل عليه ، اللهم إلا إذا إستعمل على جهة التبرك وصدق العقد الإيماني ، فيكون له أثر عظيم في النفع وليس ذلك في الطب المزاجي ، وإنما هو من آثار الكلمة الإيمانية ، كما وقع في مداواة المبطون بالعسل »(١٩٧)

٣ ـ الدكتور محمد علي البار ( معاصر ) :

ويمكن تلخيص رأيه من خلال مناقشته لإبن خلدون وهي ، التالي : « وعبارة ابن خلدون فيها شيء من الوقاحة ؛ إذ يصف الطب النبوي بأنه من قبيل طب البادية المبني على تجربة قاصرة ، والمتوارث عن مشايخ الحي وعجائزه كما أنّ التعبير عن الطب النبوي بأنه غير مشروع أمر غامض ! والمشروع يندرج تحته الواجب والمندوب والمباح

وكون رسول الله لم يبعث ليعلمنا الطب لا يعني أنه يقول في الطب وفي غيره من العاديات بجهل وهو أكمل الخلق وأرجحهم عقلاً وقد وهبه الله من المعارف اللدنية الربانية التي جعلته لا يقول إلا حقاً في هزل وجد ويزعم ابن خلدون أنّ علاج المبطون الذي أصيب بالإسهال بالعسل ليس إلا من قبيل التبرك وصدق العقد الإيماني نحن نعلم الآن أنّ العسل من خير الأدوية لحالات

______________________

(١٩٧) ـ ابن خلدون ، عبد الرحمن بن محمد : مقدمة بن خلدون ، ج ٢ / ١٩٠ ـ ١٩١

١٢٤

الإسهال الشديد فهو سهل الهضم سريع الإمتصاص من جدار الأمعاء والمعدة ، لا يسبب تخمراً مثل السكريات الثنائية ( السكر العادي )

وإبتدأت المحافل الطبية تهتم بفوائد العسل الطبيعية في أوروبا وأمريكا وروسيا ، وهناك العديد من الأبحاث الطبية التي تعرض لفوائد العسل وليس مجالها هنا ولكننا ذكرنا نبذة يسيرة ؛ ليعلم من ينحون منحى ابن خلدون ، أنّ للعسل فوائد علاجية للمبطون وغيره وليس ذلك فقط من قبيل التبرك وصدق العقد الإيماني »(١٩٨)

وقال أيضاً :

« ومن عجب أننا انحتاج إلى إثبات صدق أحاديث المصطفى صلوات الله عليه إلى ما يقوله الطب الحديث لأننا نواجه أقواماً قد إعتقدوا إبتداءً خطأ نبيهم فيما أورده في هذا المجال ولو كان إيمانهم عميقاً ؛ لما إحتجنا إلى إثبات صدق هذه الأحاديث الصحيحة ، وإصابتها كبد الحقيقة إلى ذكر الإكتشافات العلمية ولكان ذكر الحديث النبوي الصحيح دليلاً في ذاته على صدق الإكتشافات العلمية الحديثة لا العكس إذ أنّ نور النبوة الوضّاء لا يحتاج إلى من يكشف له المجاهيل وإنما المجاهيل والظلمات المحيطة بها محتاجة إلى وهج نور النبوة ؛ لكي تضاء ويمكن السير فيها على هدى وأخطر ما في قول ابن خلدون ، ومن نحا نحوه ، تركيزه على قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنتم أعلم بأمور دنياكم » فقد إتخذها حجة لنفي كل ما ورد عن النبي صلی الله عليه وآله وسلم في العاديات ومنها الطب »(١٩٩)

______________________

(١٩٨) ـ راجع البار ، الدكتور محمد علي : خلق الإنسان / ٣٨٤

: هل هناك طب نبوي؟ : ١٢١ ـ ١٢٢

(١٩٩) ـ البار ، الدكتور محمد علي : هل هناك طب نبوي ؟ / ٣٣ ـ ٣٤

١٢٥
٤ ـ الدكتور محمود ناظم النسيمي ( معاصر ) :

وخلاصة رأي الدكتور النسيمي كالتالي : « إنّ معظم ما جاء في الطب النبوي إنما هو من باب حفظ الصحة والطب الوقائي ، وليس غريباً أنْ يكون الأمر كذلك ؛ لأنّ التخطيط الصحي والتوعية الصحية إنما هما من مهام الدولة ، ولقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام أول مؤسس لدولة إسلامية على أساسٍ من شَرْع الله الحكيم ومن أجل ذلك كانت التعاليم والمناهج الصحية في الإسلام كثيرة منها ما هو موجود في نصوص آيات القرآن العظيم مؤكداً المهمة الصحية للرسول الكريم ، فعلى الرسول أنْ يُبلّغها أيضا ، وأنْ يبين بإلهام من الله تعالى ما يتعلق بها من إيضاح وتفسير وأحكام ، إستجابة لقوله تعالى :( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) [ النحل / ٤٤ ] والتبيان أمر زائد على التبليغ وكما أنّ في القرآن أحكاماً لها مقاصد صحية يعطي تطبيقها مردوداً صحياً على المسلمين أنْ يلتزموا بها

وبسبب المهمة الحكومية لرسول الله صلی الله عليه وآله وسلم ، ومهمته التبيانية للقرآن الكريم ؛ جاءت التعاليم الصحية في هدي الرسول العظيم كثيرة تفوق كثيراً ما ورد في الطب العلاجي ، وتُشكِّل مع بعض الآيات القرآنية القسم الأكبر من الطب النبوي ، لَقَدْ سَهَا عن الحقائق التي أوضحتُها آنفا ، كثيرون ممن كتبوا في الطب النبوي قديماً وحديثاً ، أو علّقوا عليه كالعلامة ابن خلدون في مقدمته ، فتكلموا على الطب النبوي ـ وكان معظمه علاجي أو كأنه طب متكامل ـ فلم يروا فيه طباً واسعاً أو علاجياً ذا تأثير على مجرى الطب العربي ، ولو أنهم توسعوا في دراسة الطب النبوي ؛ لرأوا أنّ الطب الوقائي في تعاليم الرسول صلی الله عليه وآله وسلم ، هو الذي ساعد في حفظ صحة الأمة

١٢٦

وهي معبأة للجهاد والتحرير ، وليس لها من مناهج صحية إلا ما تنفذه بإسم الدين في فجر الإسلام قبل نهضتها الحضارية الدنيوية الكبرى »(٢٠٠)

وقال أيضاً :

« إني نتيجة دراستي الطب النبوي أُرجِّح أنّ بعضها من الأول ، كقوله عليه الصلاة والسلام :( الكمأة من المنّ وماؤها شفاء للعين ) ، فهو إلهام روحي من الله تعالى ، وتنبيه مدى الأيام لإجراء بحث علمي لتعيين طريقة إستحصال ماء الكمأة ، وتيين المرض العيني الذي يستفيد منها ولم يعرف عن العرب قبل الإسلام ، ولا عن الطب اليوناني أو غيره ، فوائد لماء الكمأة في أمراض العين

وقد يكون الدواء ( أو الطريقة العلاجية ) معروفاً لدى قومه عليه الصلاة والسلام ، فيقرهم وينبههم على أهميته ، أو لا يقرهم عليه كل ذلك بوحي أو إلهام من الله تعالى ؛ لأنّ تصحيح الأخطاء الشائعة في المداواة الشعبية ، هو من مهمات الدولة ومن مهمات الرسول عليه الصلاة والسلام »(٢٠١)

تعقيب واستدراك :

بعد أنْ ذكرنا آراء السنة حول الطب النبوي ، وكان التركيز في ذلك على مقالة « ابن خلدون » ومدى مناقشتها من قبل علماء الطب المعاصرين ، فلابد من مناقشة أصل القاعدة التي إعتمدها « ابن خلدون » ومن سار على نهجه ، وقد عَبّر عنها الدكتور البار بقوله : « وأخطر ما في قول ابن خلدون ومن نحا نحوه ، تركيزه على قوله صلی الله عليه وآله وسلم :« أنتم أعلم بشئوون

______________________

(٢٠٠) ـ النسيمي ، الدكتور محمود ناظم : الطب النبوي والعلم الحديث ، ج ١ / ١٤٩ ـ ١٥٠

(٢٠١) ـ نفس المصدر ، ج ٣ / ٤٠ ـ ٤١

١٢٧

دنياكم » ، فقد إتخذها حجة لنفي كل ما ورد عن النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم في العاديات ومنها الطب »(٢٠٢)

وقد ناقش هذه القاعدة المذكورة العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي بقوله : « ونحن نشك في صحة ذلك ؛ إذ مضافاً إلى الإختلاف الظاهر في نصوص الرواية ، كما يظهر بالمراجعة والمقارنة لا بد وأن نسأل :

لماذا يتدخل النبي الأعظم صلی الله عليه وآله وسلم فيما لا يعنيه ، وما ليس من إختصاصه ؟ ألا يعلم : أنّ الناس يهتمون بكل كلمة تصدر منه ، ويرتبون الأثر عليها ، ويلتزمون بها ؟!

ولماذا يُعرِّض الناس إلى هذا الضرر الجسيم ؟! ومن هو المسئول عن هذه الأضرار التي سببتها مشورته تلك ؟... ثم إنه كيف يقول ذلك لهم وهو الذي أمر عبد الله بن عمرو بن العاص بأن يكتب منه كل ما يسمع ؛ فإنه لا يخرج من بين شفتيه إلا حق ؟ والرواية معروفة جداً ؛ ولذا فلا حاجة إلى ذكر مصادرها

وأيضا هل يمكن أنْ يُصدّق أنه صلی الله عليه وآله وسلم وقد جاوز الثلاث والخمسين سنة ، وهو يعيش في المنطقة العربية ـ هل يمكن أنْ تصدق : أنه لم يكن يعرف تأثير النخل وفائدته وأنّ النخل لا ينتج بدونه ؟! وكيف لم يسمع طيلة عمره المديد شيئاً عن ذلك ، وهو يعيش بينهم ومعهم أو على الأقل بالقرب منهم ؟!.

وأخيراً هل صحيح : أنه ليس على الناس أنْ يطيعوه في أمور دنياهم ؟ وأنه كان يقول برأيه ؟! وهل صحيح : أنّ الإسلام يفصل بين الدين والدنيا ،

______________________

(٢٠٢) ـ البار ، الدكتور محمد علي : خلق الإنسان بين الطب والقرآن / ٣٨٤ ـ ٣٨٥

: هل هناك طب نبوي .؟ / ٣٣ ـ ٣٤

١٢٨

وأنّ مصب إهتماماته هو ما عدا أمور دنياهم ؟! أليس هذا بهتاناً على الإسلام وافتراءً عليه ؟! ألا يتنافى ذلك مع القرآن والسنة والإسلام بمجموعه ؟! »(٢٠٣)

رأي السنة في الرقي والتمائم ونحوها :

بعد أنْ ذكرنا رأي السنة في الطب النبوي ، بقي شيء منه وهو العلاج بالرقي ونحوها ، وهو القسم الثاني من السؤال المتقدم ، وهذه آراؤهم كالتالي :

١ ـ الرقية : هي قراءة تعويذة على المريض(٢٠٤)

٢ ـ التميمة : هي الرقية المكتوبة التي تعلق ، وقد تطلق على الرقية المقولة أو على كل ما يعلق(٢٠٥)

٣ ـ النُشرة : وهي أن يكتب شيئاً من أسماء الله أو من القرآن ثم يغسله بالماء ، ثم يمسح به المريض أو يسقيه(٢٠٦)

قال الحافظ بن حجر : « وقد أجمع على جواز الرقي عند إجتماع ثلاثة شروط : أنْ تكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته ، وباللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره ، وأنْ يعتقد أنّ الرقية لا تؤثر بذاتها بل بذات الله تعالى وإستدل ابن حجر لقوله عليه السلام :( لا بأس بالرقي ما لم يكن فيه شرك ) ، على أنه مهما كان من الرقي يؤدي إلى الشرك يمنع ، وما لا يعقل معناه لا يؤمن أنْ يؤدي إلى الشرك ؛ فيمنع إحتياطاً »(٢٠٧)

______________________

(٢٠٣) ـ العاملي ، السيد جعفر مرتضى : الصحيح من سيرة النبي الأعظم ، ج ٣ / ١١٨ ـ ١١٩

(٢٠٤) ـ النسيمي ، الدكتور محمود ناظم : الطب النبوي والعلم الحديث ج ٣ / ١٤١ ـ ١٨٦

(٢٠٥) ـ نفس المصدر

(٢٠٦) ـ نفس المصدر

(٢٠٧) ـ النسيمي ، الدكتور محمود ناظم : الطب النبوي والعلم الحديث ج ٣ / ١٥٦

١٢٩

وقال النووي : « لا مخالفة بل المدح في ترك الرقي المراد بها الرقي التي هي من كلام الكفار ، والرقي المجهولة والتي بغير العربية وما لا يعرف معناه ، فهذه مذمومة ؛ لإحتمال أنّ معناها كفر أو قريب منه أو مكروه وأما الرقي بآيات القرآن وبالأذكار المعروفة ؛ فلا نهي فيه بل هو سنة ومنهم من قال في الجمع بين الحديثين : أنّ الواردة في ترك الرقي للأفضلية ، وبيان التوكل في فضل الرقي ؛ لبيان الجواز ، مع أنّ تركها أفضل ، وبهذا قال ابن عبد البر وحكاه عمن حكاه والمختار الأول وقد نقلوا الإجماع على جواز الرقي بالآيات وأذكار الله تبارك وتعالى »(٢٠٨)

وقال الإمام ابن التين في شرحه لصحيح البخاري : « الرقي بالمعوذات وغيرها من أسماء الله تعالى ، هو الطب الروحاني ، إذا كان على لسان الأبرار من الخلق حصل الشفاء بإذن الله تعالى »(٢٠٩)

وقال ابن الجوزيه : « ومن جَرّبَ هذه الدعوات والعوذ ؛ عرف مقدار منفعتها وشدة الحاجة إليها ، وهي تمنع وصول أثر العائن وتدفعه بعد وصوله بحسب قوة إيمان قائلها ، وقوة نفسه وإستعداده ، وقوة توكله وثبات قلبه ، فإنها سلاح والسلاح بضاربه »(٢١٠)

وقال القرطبي في تفسيره : « واختلف العلماء في النشرة فأجازها سعيد بن المسيب ، قيل له : الرجل يؤخذ عن امرأته أيحل عنه وينشر ؟ قال : لا بأس به ، وما ينفع لم ينه عنه ولم ير مجاهد أن تكتب آيات القرآن ثم تغسل ثم تسقاه صاحب

______________________

(٢٠٨) ـ الشوكاني ، محمد بن علي بن محمد : نيل الأوطار ج ٨ / ٢٣١

(٢٠٩) ـ النسيمي ، الدكتور محمود ناظم : الطب النبوي والعلم الحديث ج ٣ / ١٨٨

(٢١٠) ـ نفس المصدر

١٣٠

الفزع وكانت عائشة تقرأ بالمعوذتين في إناء ، ثم تأمر أن يصب على المريض ، ومنعها الحسن وإبراهيم النخعي »(٢١١) راجع التفاصيل في التفسير المذكور وقال الشيخ عبد الله الصديق : «وأما كتابة شيء من القرآن ، أو الأدعية وتعليقه على عنق الصحيح أو المريض للإستشفاء ؛ فجائز على الراجح »(٢١٢)

هذه خلاصة آرائهم في المسألة ، ومن أراد التوسع ؛ فعليه بمراجعة كتبهم وموسوعاتهم الفقهية

______________________

(٢١١) ـ القرطبي ، أبو عبد الله محمد بن أحمد : الجامع لأحكام القرآن الكريم ، ج ١٠ / ٣١٨ ـ ٣٢٠

(٢١٢) ـ النسيمي ، الدكتور محمود ناظم : الطب النبوي والعلم الحديث ، ج ٣ / ١٨٥

١٣١

١٣٢

١٣٣
١٣٤

توطئة :

من الأسئلة التي تثار حول الشيعة الإمامية السؤال التالي :

س / المعروف لدى علماء المذاهب الإسلامية الأربعة ؛ أنّ أكل الطين محرم ؛ فلماذا الشيعة الإمامية تخالفهم في ذلك بأكلها طين وتراب قبر الحسينعليه‌السلام ؟

ج / صحيح أنّ المذاهب الإسلامية الأربعة تذهب إلى حرمة أكل الطين ، وكذلك الشيعة الإمامية تذهب إلى ذلك ، وإليك آراء الجميع كالتالي :

آراء المذاهب الأربعة :

١ ـ ذهب الأحناف : ـ كما ذكر ابن عابدين ـ : وأيضاً ضبط أهل الفقه حرمة التناول ؛ إما بالإسكار كالبنج ، وإما بالإضرار بالبدن كالتراب والترياق ، أو بالإستقذار كالمخاط والبزاق ، وهذا كله فيما كان طاهراً فالقاعدة عندهم أن الجمادات ما عدا المسكرات فإنها تبني أحكامها على ثبوت الإضرار على الغالب ، وإذا تحقق الضرر على شخص بعينه ؛ كان محظوراً عليه دون سواه ؛ لأنه لا يلزم من إضراره بالبعض أن يكون مضراً بالآخرين(٢١٣)

٢ ـ ذهب الحنابلة : إلى حرمة أكل ما من شأنه الضرر كالتراب والفحم والطين ، وكذلك السم ، وهذا أخطر ؛ لأنه يؤذي إلى القتل غالباً والأصل عندهم كما عند غيرهم : أنّ الأصل في الطاهرات الحل بشرط ألا يكون ضاراً(٢١٤)

٣ ـ ذهب المالكية : إلى حرمة تعاطي أي شيء يغطي العقل من النبات وغير النبات ، وكذلك إذا كان يضر به أو بالبدن وفي القوانين : جميع

______________________

(٢١٣) ـ ابن عابدين ، محمد أمين بن عمر : الحاشية ، ج ٢ / ٣٣٣

(٢١٤) ـ ابن قدامه ، عبد الله بن أحمد : المغني ، ج ٨ / ٨١١

١٣٥

المطعومات ضربان : حيوان أو جماد ، نبات أو غيره فالجماد كله حلال إلا النجاسات ، وما خالطته نجاسة ، والمسكرات والمضرات كالسموم(٢١٥) ونقل صاحب أسهل المدارك ، عن الدردير في أقرب المسالك : والمحرم ما أفسد العقل أو البدن(٢١٦) فالقاعدة عند المالكية ـ كما عند غيرهم ـ أن كل ما يذهب بالعقل أو يضر بالبدن هو حرام

٤ ـ ذهب الشافعية : إلى حرمة تناول ما يضر البدن ، كالحجر والتراب والزجاج والسم ، وإنْ كانت هذه الأشياء طاهرة نظراً للضرر الناتج عن تناولها(٢١٧)

رأي الشيعة الإمامية :

قال الشيخ الطوسي ( قده ) : « الطين الذي يأكله الناس حرام لا يحل أكله ولا بيعه »(٢١٨) وقال الفاضل المقداد ( قده ) : « يحرم أكل الطين في الجملة بالإجماع ، ولما قيل بإنهاكه القوة وإيراثه الضعف في البنية والشهوة وقال : إستثنى أصحابنا من ذلك طين قبر الحسينعليه‌السلام للإستشفاء ؛ لما اشتهر في النقل الشريف أنّ الأئمةعليهم‌السلام من ذريته ، والإجابة تحت قبته ، والشفاء في تربته وعلم أيضاً الشفاء بتجربة معتقدي إمامته تجربة تفيد العلم ؛ فيكون تناوله سائغاً ؛ إذ لا شفاء في محرم »(٢١٩) وقال بعض المعاصرين : «وكذا يحرم الطين عدا اليسير الذي لا يتجاوز قدر الحمصة من تربة الحسينعليه‌السلام للإستشفاء ، ولا

______________________

(٢١٥) ـ ابن جزي ، محمد بن أحمد : قوانين الأحكام الفقهية / ١٤٩

(٢١٦) ـ الكشناوي ، ابو بكر بن الحسن : أسهل المدارك شرح إرشاد المسالك ، ج ٢ / ٦٢

(٢١٧) ـ الشربيني ، محمد بن أحمد الخطيب : مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ، ج ١ / ٣٠٦

(٢١٨) ـ الطوسي ، شيخ الطائفة محمد بن الحسن : الخلاف ، ج ٣ / ٤٩

(٢١٩) ـ السيوري ، الشيخ الفاضل مقداد بن عبدالله : التنقيح الرائع ، ج ٤ / ٥٠

١٣٦

يحرم غيره من المعادن والأحجار والأشجار مع عدم الإضرار »(٢٢٠) وإستثنى بعضهم : « ولا بأس بأكل طين الأرمني ، وطين داغستان للتداوي »(٢٢١)

س / على أي أساس يجوز أكل التربة الحسينية ـ أعني القليل منها ـ مع العلم أن الحرمة لأكل الرمل أو التراب مؤكدة ، ولماذا لم ترد الأحاديث بتربة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الإمام ؟

ج / يختص الجواز في التربة الحسينية بما لا يتجاوز قدر حمصة ، ويكون الغرض للإستشفاء وهذا الحكم تخصيص لحرمة أكل الطين واستثناء منها ويختص بتربة الحسينعليه‌السلام دون سائر المعصومين والله العالم بأسرار أحكامه(٢٢٢)

خلاصة واستنتاج :

بعد عرض آراء أئمة المذاهب الأربعة والشيعة الإمامية في مسألة « أكل الطين » ، يمكن القول بالتالي :

١ ـ إتفاق علماء المذاهب الإسلامية الأربعة على حرمة أكل الطين ، بناءً على وجود الضرر بأكله

٢ ـ إتفاق علماء المذهب الشيعي الإمامي على حرمة أكل الطين والتراب ؛ لتضرر الإنسان بأكله ، فهم يوافقون المذاهب الأربعة في ذلك

٣ ـ أجازوا التداوي بالقليل من تربة الحسينعليه‌السلام بمقدار الحمصة ، لأدلة إعتمدوها وسيأتي بحثها ، ومع هذا لم تخالف الشيعة الإمامية جمهور

______________________

(٢٢٠) ـ السبزواري ، السيد عبدالأعلى ، منهاج الصالحين ، ج ٢ / ٣٩٦ وغيره من الأعلام

(٢٢١) ـ الخوئي ، السيد أبو القاسم : المسائل المنتخبة / ٣١٦

(٢٢٢) ـ الخوئي، السيد أبو القاسم : المسائل الشرعية ، ج ٢ / ٢٦٧

١٣٧

المسلمين كما زعم السائل ، بل إنّ المسلمين في القرن الأول كانوا يستخدمون تربة الحمزة وغيره من الأصحاب للتداوي والبركة كما سيأتي

١٣٨

١٣٩
١٤٠