تربة الحسين عليه السلام الجزء ١

تربة الحسين عليه السلام33%

تربة الحسين عليه السلام مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 232

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 232 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59707 / تحميل: 3713
الحجم الحجم الحجم
تربة الحسين عليه السلام

تربة الحسين عليه السلام الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

له ، ولعياله فلم يكن يشغله زهده ، وورعه ، وتقاه من القيام بأمور الأرض من حرث ، وزراعة ، وسقي ، وما تتطلبه الفلاحة من أعمال حيث يؤجر نفسه لآخرين للقيام بهذه الأعمال.

الم يتمكن أمير المؤمنين وهو المقرب عند الله أن يدعو ربه ليرزقه فيريحه من العمل ، والمشاق التي كان يتحملها لتحصيل المال ليصرفه على عياله؟ ولماذا كل هذا الاهتمام بالعامل ، والعمل ، والإِنتاج اذا كان كل منا يتكل على الدعاء كوسيلة لجلب المال ، والرفاه؟

وفي مقام الدفاع عن النفس ، والحرب على الكفار نرى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) يقود المسلمين في حروبهم مع الكفار ، ويتكبد في كثير منها الخسائر في الأرواح ، والأموال مع أنه كان بإمكانه أن يدعو الله ليكف عنه وعن المسلمين الأذى والحرب فينصرهم ، وينصرهم ترتفع كلمة الإِسلام ، وهم قابعون في ديارهم.

وكان بإمكانه أن لا يطلب الأطباء لجرحى الحروب ، وللمرضى بل يدعو لهم ، أو يأمرهم بالدعاء ليحصل لهم الشفاء العاجل.

كل ذلك لم يحصل من النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) ولم يكن على الله ببعيد أن يلبي كل ذلك ، واكثر. ولكن النظام الكوني لم يتبين على هذا النوع من التسامح ـ وسنتعرض فيما سيأتي ـ الى بيان هذه النقطة وأن القضية لا بد لها من حصول الأسباب الظاهرية ، من عملٍ ، وسعي ودفاع ، ومراجعة طبيب.

والأسباب الحقيقة : هي إرادة الله ، ومشيئته.

وتثبيتاً لما نقول نرى الآية الكريمة تقول :

٢١

( وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ) .

والمخرج هو الطريق فلا بد للإِنسان أن يسلك ذلك الطريق ليصل الى الغاية أما أن يجلس في مكانه ، ويأمل أن يأتيه كل شيء من وراء الغيب ، فهذا أمر لا تقره الشريعة ، ولا النظم الكونية فقد أبى الله الا أن يجري الأمور بأسبابها ، ومن مخارجها ، ومداخلها.

نعم الاهتداء الى الأسباب ، والطريق المنتجة المؤثرة يكون بتوفيقه ، وتسديده.

٢ ـ مع القائلين برفض الدعاء وأدلتهم :

يتنوع القائلون برفض فكرة الدعاء في بيان وجهة نظرهم ونوعية الأدلة التي يقدمونها لإِثبات ما يذهبون اليه ، وإن كان كلهم يشتركون في القول : بإن الدعاء لا معنى للأخذ به كفكرة مركزة لتخليص الداعي من الذنوب ، وما تجره من ويلات عقابية ، وكذلك فيما يخص الداعي فيما يطلبه من ربه لما يعود الى أموره الحياتية ، والمعاشية.

ونتيجة لتتبع مصادر نقل أرائهم نراهم ينقسمون الى طوائف عديدة :

الطائفة الأولى : ويقولون بإن الدعاء لا يتعدى كونه طلب شيء لا تقره القوانين الكونية وذلك :

لأن الحكمة الإِلهية اقتضت بناء هذا العالم وما يحدث فيه على الأسباب ، والمسببات ، ولم تقتض المشيئة الإِلهية أن توجد مسببات بدون أسبابها لاختلال الأمور لو كانت المسببات تحصل لوحدها ـ وعلى سبيل المثال ـ فإن الشريعة المقدسة قد قررت على من يصل إلى سن

٢٢

التكليف تكاليف ، وجوبية ، وتحريمية إضافة الى المستحبات ، والمكروهات ، وبينت كل ذلك له. وحينئذٍ فمن إمتثل ما قرر له من الواجبات ، وترك المحرمات فله جزاؤه الذي يترتب على الإِتيان بالواجب ، والعقاب الذي يناله من يخالف ، ويأتي بالمحرم. أما أنه يترك ما هو واجب عليه ويأتي بما هو محرم ، ويدعو الله ليغفر له مثل هذه المخالفات فهذا معناه الطلب من الله تعطيل قاعدة الأسباب ، والمسببات ، وإجابة الله ـ لو فرضت ـ لمثل هذه الأدعية ما هي الا نسف لما بني عليه هذا الكون من الارتباط الترتبي بين الأسباب ، ومسبباتها. وهكذا الحال في الأمور المعاشية ، فإن تحصيل المال يتبع الأصول الأساسية لقاعدتين : العمل ، والتجارة ، ولكل من هذين شروطه ، وبإتباعها يتمكن الانسان من الحصول على المال. أما الاعتماد على الدعاء والانتظار لما وراء الغيب ، فهذا موضوع يبتنى على توقع تحصيل المال من باب الجزاف ، والاعتباط.

والرد على هذا الدليل : بعدم التنافي بين فكرتي الدعاء ، وقانون الاسباب ، والمسببات ففي الوقت الذي نقر فيه بأن المسبب لا يتخلف عن سببه إذا حصل نقول :

بإن الدعاء يؤثر أثره وذلك لأن السبب على نحوين :

تكويني ، وتشريعي.

ويمثل للأول : بسببية النار للحرارة ، والشمس لوجود النهار ، وحصول الضوء.

أما الثاني : وهو السبب التشريعي فيمثل له باستحقاق العقاب الذي رتبه الشارع على صدور الذنب من المكلف ، وكلا هذين لا

٢٣

يتخلف عنه حصول السبب مع الفارق في الاعتبار فيهما ، فإن الأول سبب تكوني ، والثاني سبب تشريعي ، وإلا فالترتب في كلبهما حاصل بلا تخلف.

ومن هذه الزاوية تتبين المغالطة التي فرضها المستدل ، فإنه اعتبر المسبب المترتب على صدور الذنب نفس العقوبة ، لذلك توقف من قبول الأخذ بفكرة الدعاء لأن السبب ، وهو الذنب إذا حصل ، فمعناه حصول العقاب إذاً فما تأثير الدعاء في البين؟

ولكن بما بيناه اتضح أن المسبب على صدور الذنب هو استحقاق العقاب لا نفس العقاب ، فإن المكلف إذا أذنب كان جزاؤه ما رتب على ذلك الذنب من عقوبة. أما نفس العقوبة الفعلية فتتأخر عن مرحلة الاستحقاق ، وبين هاتين المرحلتين : الاستحقاق ، والتحقق يأخذ الدعاء مكانه ، فيسلك الداعي المذنب طريق ال عاطفة ، وفيتضرع الى من بيده الحل ، والعقد ان يوقف تأثير الاستحقاق ، ويهيء المانع من تأثيره والمانع هو إرادته تعالى بالعفو عنه ، فهو إذاً بدعائه يطرق باباً لعله بتضرعه يفتح له فيصل منه الى غايته.

وفي الوقت نفسه : الداعي بهذا الطريق الذي يسلكه لا يتخطى ما رسمه الله له ، من الخط الذي اذا سار عليه وصل الى هدفه المنشود.

فهو تعالى علمه الدعاء ، بل وأمره به ، وبعد كل ذلك ضمن له الاجابة. جرى كل ذلك عبر الآيات الكريمة ، والأخبار الشريفة ، والتي صرحت بأن الله يحب عبده الملحاح في دعائه.

وقد تحدى سبحانه بأن يتعرض العبد فهل يجد من هو أرحم منه

٢٤

يجيب دعوة الداعي أذا دعاه ، وتوجه اليه.

ونستعرض لهذا النوع من التحدي في مطاوي البحوث الآتية.

الطائفة الثانية من القائلين بالرفض :

وتذهب هذه الطائفة الى القول : بإن الآيات القرآنية هي التي صرحت بعدم تأثير الدعاء لانها جاءت تقول : بإن الإِنسان ليس له من دنياه إلا ما يقدمه من عمل ، وجهد. أما الكيل من الأجر لمن لا يعمل ، أو عمل ولكنه عمل على خلاف ما يرض الله ، فذلك مالا وجه له وبهذا الصدد تقول الآيات الكريمة :

( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) (١) .

( أُولَـٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّـهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) (٢) .

( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ) (٣) .

إذاً فالمسألة تابعة لأجر الإِنسان ليوفى يوم القيامة بما كان يستحقه من جراء ما قدمه من عمل ، والله سريع الحساب. فلا جزاف في البين ، ولا أثره لبعض على حساب البعض الآخر بل كل يستحق جزاءه ، ويعطيه طبق عمله ، ومجهوده ومن خلال الآية الكريمة في قوله تعالى :

( وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ ) (٤) .

__________________

(١) سورة آل عمران : آية (٨٥).

(٢) سورة البقرة : آية (٢٠٢).

(٣) سورة آل عمران : آية (١٩٥).

(٤) سورة النجم : آية _ ٣٩).

٢٥

تبدو أبعاد العملية الجزائية واضحة صريحة ، فلكل إنسان مقدار سعيه. أما ما زاد على ذلك فليس له فيه حظ ونصيب ، لأن ما يحسب له إنما هو سعيه ، وعمله.

وتتوصع الآية فتلقي أضواءً جديدة على الموضوع حيث تكمل :

( وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ ، ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ ) (١) .

وهنا يأتي دول التفضيل ، واللطف منه سبحانه فإذا سعى العبد واستحق بازاء سعيه ما رتب على ذلك من ثواب ، فإن سعيه سوف يرى من قبل ربه ، فإن أحس منه التقرب ، والتودد فيجازيه الجزاء الأوفى. والجزاء الأوفى هو ما يفيضه الله على عبده من باب العطف والتفضل لا من باب الاستحقاق.

إذاً فالسعي والعمل هما المناط في تحصيل الجزاء لا الدعاء والاتكال وانتظار أن يأتيه كل شيء بدون تقديم مجهود في هذه الحياة.

والجواب عن هذه الآيات : بإنا نرى في قبال هذه الآيات الكريمة آيات أخرى تحث على الدعاء ، وتأمر بالاخذ به ، يقول تعالى :

( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) (٢) .

( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ) (٣) .

__________________

(١) سورة النجم : آية (٤٠) ، (٤١).

(٢) سورة المؤمن : آية (٦٠).

(٣) سورة الأعراف : آية (٥٥).

٢٦

( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) (١) .

أما الأخبار الواردة عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) في هذا الخصوص فكثيرة ، وقد طفحت بها كتب الحديث لكافة الفرق الإِسلامية.

والآن فنحن نقف بين طائفتين من الأخبار ، والآيات.

طائفة : توقف الإِنسان عند حده ، وتفهمه بإن الأمور ليست من قبيل الجزاف ، والاعتباط ، بل لكل إنسان جزاء سعيه ، وتعود القضية بالاخير الى الدقة في الموازنة بين العمل والجزاء ، حتى ولو دعا الداعي ما شاء له أن يدعو ربه.

أما الطائفة الثانية : فهي تحث العبد على التوجه الى ربه ، والتضرع اليه ، وقد كفل له أن يجد من عطفه مالا يرجعه خائباً ، بل يستجيب له دعواته.

ويزيد في الترغيب أن الآيات التي تكفلت بالإِجابة لم تقيد الاجابة بحالة خاصة يشترط أن يكون العبد عليها ، بل هي مطلقة من هذه الجهة ، ولسانها عام يضمن الاستجابة حتى ولو كان العبد غير مستحق للإِجابة.

وطبيعي ان العارضة تبدو واضحة بين هاتين الطائفتين فلأي منهما التقديم وبأي من هذين يؤخذ؟

__________________

(١) سورة البقرة : آية (١٨٦).

٢٧

وفي مقام الإِجابة نقول :

لا معارضة بين هاتين الطائفتين ، وان بدا ذلك ظاهراً منها ببيان : أن الطائفة الأولى : وردت في مقام بيان ما يستحقه المكلف من الأجر ، والاستحقاق إزاء عمله ، فبيّن الله بصريح الآيات بانه لا يضيع عمل كل عامل ، وسعي كل ساعي ، وانه يوفي العباد أجورهم. أما الطائفة الثانية : فلسانها لسان التفضل ، والعطف ، ولا علاقة لذلك بالأجر والاستحقاق ، فهي من قبيل قوله تعالى في آية اخرى :

( وَاسْأَلُوا اللَّـهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) (١) .

والداعي عندما يهرع ربه داعياً يسأله من فضله ، ولا يطالبه بأجره ، بل ربما لا يرى لعمله شيئاً يستحق أن يطالب به لذلك لا نرى تنافياً بين الطائفتين من الأخبار لأن كل طائفة تنظر الى جهة تختلف عن الجهة التي تنظر اليها الطائفة الثانية.

الطائفة الثالثة ممن يقولون برفض الدعاء :

ويذهب هؤلاء الى القول بلغوية الدعاء ، وعبثيته ، وأنه من الأمور التي يشغل الإِنسان بها نفسه ، وهو في غنىً عن ذلك. ويستدل على ذلك بان الواقع الخارجي يكذب قضية الدعاء وذلك ، لأن الداعي لا يدري ما سيتخذ الله بالنسبة الى ذنوبه من قرار فهل سيغفرها أم لا؟

هذا بالنسبة الى الذنوب وعالم الآخرة. وأما ما يعود الى الأمور الدنيوية فإن نسبة الإِجابة ضئيلة جداً إذا قيست لما يبذله الداعي من

__________________

(١) سورة النساء : آية (٣٢).

٢٨

جهد في دعائه ، وفي تقديم طلباته.

وحتى هذا المقدار من الاجابة لو حصل لربما يكون من باب المصادفات الطبيعية لا من باب إجابة الله لدعاء عبده.

فمثلاً : نرى الشخص يدعو ربه لشفاء مريضه ، أو لعودة مسافره من سفره بعد طول غياب ، أو يطلب الولد من ربه ، وهكذا غير هذه من أمنيات طويلة ، وعريضة وفي هذه الحالات قد لا تتحقق الطلبات المذكورة ، وقد تتحقق ، ولكن من يدري أن تحققها كان استجابة لدعاء الداعي؟ بل ربما كان لأجل انتهاء دورة المرض عند المريض ، فيتصور الممرض أن الشفاء كان لدعائه. أو أن الوضع العادي للمسافر صادف رجوعه حيث أنهى مهمته وعاد الى وطنه فيظن من ينتظره بان دعاءه استجيب فعاد مسافره ببركة توسلاته.

أو تلد المرأة ولداً بحسب التقدير الإِلهي الأولي لتلك المرأة فيظن الوالد بأن دعاءه في طلب الولد قد استجيب له ، وفعلاً قد أخذ مفعوله في التاثير ، فرزقه الله ولداً مستجيباً له دعاءه. وهكذا تسير قافلة الداعين في الدعاء ويسير الفلك في تقديراته الأولية وللمصادفات بين هذين أن تأخذ دورها في تحقيق الآمال ، والأمنيات.

بهذا وشبهه تصدى هؤلاء الرافضون لفكرة الدعاء والالتجاء الى الله في كل الأمور الدنيوية ، والأخروية.

الرد على هذه الطائفة :

وردنا على هؤلاء يتخلص في أن الدعاء ـ كما هو واضح ـ.

٢٩

تارة : يكون لطلب المغفرة والصفح عن الذنوب الصادرة من الداعي.

وثانية : لأمور الداعي الدنيوية من رزقٍ ، أو ولد ، او شفاء مريض وما شاكل من طلبات.

أما الأول : وهو ما يعود الى طلب الغفران فلا معنى لان نرى النتيجة من الاجابة ضئيلة ، أم غير ضئيلة ، ومن يتمكن أن يعرف ذلك لأن موضوعه يرجع الى ما وراء الغيب ، وحساب ذلك الى الله يوم القيامة ، وعندها يعرف الداعي نتائج دعائه ، وثمرات توسلاته ، وتضرعه من غفران الله له أم لا؟

وأما النوع الثاني : وهو الذي تظهر نتائجه في الخارج ، ويمكن مشاهدته في هذه الدنيا ، فإن نسبة الإِجابة ، وعدمها لا معنى لتقديرها بالحساب ، ذلك لان الله عندما خلق الخلق لم يتركهم دى بل قدر لهم مصالحهم ، وما يعود الى نفعهم ، وعدم النفع ، بل ما يجلب لهم المفسدة كل ذلك يلاحظ الله ، ويسيرهم على طبقه لإِنه رؤوف بعباده وعطوف علهيم ، وهو الذي خلقهم ، وهم عياله.

وعلى هذا المبنى فالداعي حر في دعائه ، وفي كل ما يطلب من ربه ، ولكل ما يريد في هذه الحياة. ولكن بعد دعائه هناك رب يرعى حاله ، ويلاحظ مصالحه يقدر كيف سيلبي طلبه ، وحينئذٍ فإن كان في صلاحه الإِجابة الفورية تفضل الله عليه بذلك لو علم منه صدق النيّة ، وحسن التوجه ، وان كان صلاحه في التأخير أخر له ذلك ريثما يحين الوقت الذي شاءت المصلحة تأخيره لذلك الوقت. ولربما تكون المصلحة في عدم الإِجابة لذلك يحرم

٣٠

الداعي من مطلوبه. ولقد وردت أخبار كثيرة تصرح بإن الغني لبعض الأشخاص يكون سبباً في بطره ، وكفره ، وهكذا طلب الولد ، فإنه قد يكون نقمة عليه لذلك يكون الفقر هو الأًصلح له ، وكذلك حرمان الداعي من الولد هو الأولى لأنه لو حصل فسيكون وبالاً عليه. وعلى نطاق أوسع فقد تختلف الرغبات من الأشخاص : فالبعض يتجه الى الله متضرعاً يريد المطر ، بينما يكون دعاء آخر بعدم نزوله ، ولكل رغبته ومآربه فهنا اذاً استجاب الله لكليهما ، فمعناه الجمع بين النقيضين ، وان تركهما معاً فمعناه جفاه لكل منهما. وإن استجاب لأحدهما دون الآخر ، فمعنى ذلك الترجيح بلا مرجح ، وحينئذٍ ترسو النتيجة على وجود المرجح ليقدم طلب أحد هذين. والمرجح هو المصلحة ، وعدم المفسدة ، ولا بد في هذه الصورة من تلبية من تكون المصلحة في طلبه ، وأما من يكون طلبه فيه مفسدة ، فسيحرم من الإِجابة ، وبحرمانه يقال : كيف وصل الأمر الى عدم الاجابة؟ وقد قال تعالى :

( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) .

والمفروض أن من حرم الإِجابة قد قام من جهته بما أمر به الله من الدعاء فلماذا حرم الإِجابة؟

ويتناول القرآن هذه الناحية فيوجه الأمة الى لزوم التسليم لأمر الله تعالى لأنه الأبصر بمصالح العبد ، وهو الأعرف بما ينفعهم يقول تعالى :

( وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) (١) .

__________________

(١) سورة البقرة : آية (٢١٦).

٣١

والإِنسان لا يدري اين يكون الخير ليتبعه ، واين يكون الشر فيتجنبه ، بل هو ، وبوحي من رغبته ، وتجاربه يكون فكرة عن الشيء فيظن من وراء طلب ذلك الخير ، فيقدم على طلبه ، أو من ورائه الشر ، فيحجم عنه ، وفي كلا الحالين لا يقطع بما سيترتب على ما أراد.

ولكن الله هو العالم ، وهو المطلع على الغيب ، ومن يدري فلعل ما أراده يكمن فيه الشر ، أو ما تركه ، أو أحجم عن طلبه فيه كل الخير ، إذاً فوراء كل ذلك القدرة الإِلهية فما على الإِنسان إلا أن يسلم أمره الى الله تعالى.

فمن العبد : الدعاء ، والطلب.

ومن الله : ما وراء ذلك من تمحيص دعوة الداعي من الخير ، او الشر. وتبدو هذه السلوكية الرفيعة في الدعاء ، والتسليم الى المولى في كل ما يقدره على العبد واضحة في مناجاة الإِمام (عليه السلام) : «اللهم ان عفوك عن ذنبي ، وتجاوزك عن خطيئتي ، وصفحك عن ظلمي ، وسترك على قبيح عملي ، وحلمك عن كثير جرمي عندما كان من خطأي وعمدي ، أطمعني في أن أسئلك مالا أستوجبه منك الذي رزقتني من رحمتك ، وأريتني من قدرتك ، وعرفتني من إجابتك ، فصرت أدعوك آمناً ، وأسئلك مستأنساً ، لا خائفاً ولا وجلاً ، مدلاً عليك ، ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الأمور»(١) .

__________________

(١) مقطع من دعاء الافتتاح الذي يدعى به في كل ليلة من ليالي شهر رمضان.

٣٢

وتسلسل الدعاء في فقراته ، وبدء نغم المناجاة يبين الأسباب التي دعت الداعي وهو المذنب المتجاوز أن يستزيد من الطلب ويريد من ربه مع عدم استحقاقه لذلك ـ أن الأسباب تكمن في عفوه سبحانه ، وتجاوزه ، وصفحه ، وستره على المذنبين. وهذا هو الذي دفع بالعبد أن يطمع في السؤال ، والطلب كأن له التطول على ربه.

ولكنه يعود أخيراً ليسلم الأمر الى الله ، ويطلب العذر في كل ذلك منه لأنه بشر ، والبشر بطبيعته جاهل بعواقب الأمور ولا يدري ما وراء الغيب ، ولعل الذي أبطأ هو الأصلح بحاله لأن العالم بعواقب الأمور هو الله وحده.

إن هذه السلوكية في الركون الى الله ، والتحدث اليه تمتد في جذورها لتستقي رواءها العذب من الخطوط العريضة التي يشرح أبعادها أمير المؤمنين الإِمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) لولده الإِمام الحسن (عليه السلام) نستعرضها لتكون درساً لمن يرون التباطؤ في الإِجابة وسيلة لرفض الدعاء. يقول «صلوات الله عليه» :

«واعلم أن الذي بيده خزائن السماوات والأرض ، قد اذن لك في الدعاء ، وتكفل كل بالإجابة ، وأمرك أن تسأله ليعطيك ، وتسترحمه ليرحمك ، ولم يجعل بينك وبينه ، من يحجبك عنه ، ولم يلجئك الى من يشفع لك اليه ، ولم يمنعك إن أسأت من التوبة ولم يعالجك بالنقمة ، ولم يعيرك بالإِنابة ، ولم يفضحك حيث الفضيحة بك أولى ، ولم يشدد عليك في قبول الإنابة ، ولم يناقشك بالجريمة ، ولم يؤيسك من الرحمة ، بل جعل نزوعك عن الذنب حسنة وحسب سيئتك واحدة ، وحسب حسنتك عشراً ، وفتح لك باب المتاب ،

٣٣

فإذا ناديته سمع نداءك ، وإذا ناجيته علم نجواك ، فأفضيت اليه بحاجتك ، وبثثته ذات نفسك وشكوت اليه همومك ، واستكشفته كروبك ، واستعنته على أمورك ، وسألته من خزائن رحمته مالا يقدر على إعطائه غيره من زيادة الاعمار ، وصحة الأبدان ، وسعة الأرزاق ، ثم جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك من مسألته فمتى شئت إستفتحت بالدعاء أبواب نعمته ، وإستمطرت شأبيب رحمته فلا يقنطك ابطاء إجابته ، فإن العطية على قدر النية ، وربما أخرت عنك الاجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السائل ، وأجزل لعطاء الآمل ، وربما سألت الشيء ، فلا تؤتاه ، وأوتيت خيراً منه عاجلاً ، أو آجلاً ، أو صرف عنك لما هو خير لك ، فلرب أمرٍ قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته ، فلتكن مسالتك فيما يبقى لك جماله ، وينفى عنك وباله ، فالمال لا يبقى لك ، ولا تبقى له»(١) .

إن هذا المقطع من وصية أمير المؤمنين يبدأ فيه بتناول المشكلة من مراحلها الأولية ، فالله هو الذي أمر بالدعاء ، وهو الذي تضمن بالإِجابة ، وحبب اللجوء اليه ، ولم يلجئك الى شفيع ووعدك بالخير وصور الخير أنه : حسب السيئة واحدة ، وتفضل فاعتبر حسنتك مضاعفة الى عشرة. كل ذلك ليقربك اليه وليرفع الكلفة في الطلب والهيبة في الإِقدام.

ومع كل هذا اللطف ، والتفضل ، فهل يحسن بالإِنسان أن يسيء الظن بمثل هذا الرب العطوف ، ولذلك نرى الإِمام «عليه

__________________

(١) مقطع من وصية الامام علي بن أبي طالب «عليه السلام» كتبها لولده الحسن «عليه السلام» عند رجوعه من صفين ببلدة من نواحيها يقال لها : (حاضرين).

٣٤

السلام» ينهى الداعي أن يقنط لو ابطأت الإِجابة عليه. ولماذا يدب اليأس الى قلبه؟ إذ من يدري فقد يكون التأخير في صالحه ، ولربما كان سبب التأخير ، والابطاء هو أن الله سيجمع له بعد مرور هذه الفترة من الإِنتظار الإِجابة ، والأجر.

الإِجابة : تعقيباً لدعائه.

والأجر : جزاء على تأخير الإِجابة.

وهي طرق يتوخى الله سبحانه أن من ورائها ان يجزل العطاء لعبده بكل وسيلة ، وبأي سبب.

إذاً وعلى ضوء هذه التعليمات القيّمة لا يبقى مجال للإِعتراض بالابطاء ولا يكون تأخير الإِجابة تبعاً للمصلحة ، والتبديل بالأحسن منافياً لقوله تعالى :( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) .

وهكذا لبقية الآيات التي أمرت بالدعاء وتكفلت بالإِجابة فان الله عز وجل صحيح قد أمر بالدعاء ، وكذلك بنص الآية قد وعد بالإِجابة ، ومن الواضح أن الله لا يخلف وعده. كل ذلك لا إشكال فيه ، ولكن المشكلة تنحل لو علمنا بإن الله عز وجل مع لطفه وعطفه ووعده بالإِجابة ، واعطائه لعبده أكثر مما يستحق لم يقيد نفسه بالوقت ، ولم يحدد إجابته بفترة معينه يعينها بين الدعاء والإِجابة ، بل ترك ذلك مفتوحاً له ليوازن بين الدعاء ، وبين ما يعود بالنفع على الداعي من دعائه ، أو ما يعود عليه بالشر لو كان ما طلبه على خلاف مصلحته ، أو المصلحة العامة.

ولو القينا نظرة آخرى على هذه الوصية القيّمة لرأينا الإِمام فيها يصور لنا عملية استدراج الله لعبده لجلبه اليه لذلك يبدأ معه بالأمر

٣٥

بالدعاء والحث عليه ، وانه سيجد منه أذناً صاغية وقلباً مفتوحاً يقطر عطفاً وحناناً. ولكن على الداعي أن يعلم بأن هذا الكون يسير على نظام دقيق ، وان هناك بشراً يعيشون مثله لهم أيضاً رغبات كرغباته ، وقد تختلف في مثل هذه الحالة مصالحهم ، وفي صورة الاختلاف لأي منهما الترجيح. كل ذلك لا بد من رجوعه إلى عين ساهرة ترعى الجميع ولا تقدم البعض على حساب الآخرين.

الطائفة الرابعة ممن يقولون بالرفض :

وهؤلاء هم : القدريون الذين يتقيدون بإن كل شيء في هذه الحياة من خير أو شر ، مقدر على الإِنسان يراه بدون تخلف ، وحينئذ اذا كان الأمر مقدراً على الإِنسان أن يلاقي ما كتب له فما هو معنى الدعاء والتضرع؟ بل لا بد من الإِنتظار ، وتوقع ما هو مكتوب عليه سواءً كان ذلك المقدر خيراً ، أو مما هو من القضايا التي تجلب الويل عليه.

الرد على هؤلاء :

وهو أنا سوف نتعرض في ضمن شرح الفقرة الآتية من الدعاء «وأسعده على ذلك القضاء» ـ لبيان معنى كلمة القدر ، وما يراد من ذلك.

ولكن وعلى سبيل الإِختصار نقول :

بإن القدر : إنما هو تقدير الشيء ، وتدبيره. وبعد هذه المرحلة تأتي مرحلة القضاء ، وهي مرحلة التحقق لما قدر ، ودبر ، أو الحتمية لما قدر ، ودبر.

٣٦

والآن فمع المستدل على رفض الدعاء بالقدر : بإن معنى القدر ـ كما عرفت ـ هو ما قدره الله على العباد. أما مرحلة القضاء ، والحتمية فمتأخرة ، والداعي بدعائه يطلب من ربه ان لا يلحق قدره بقضائه بل يتجاوز عما قدره عليه :

و( لِلَّـهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ) (١) .

وهو على كل شيء قدير ، فلا منافاة اذاً بين الدعاء ، والقدر.

الطائفة الخامسة ممن يقولون بالرفض :

ويقول هؤلاء بأن الله سبحانه يعلم الغيب ، ومطلع على كل شيء في هذا الوجود ، وحتى على السرائر ، والضمائر ، ويعلم ما تجيش به نفس الإنسان. واذا كان الأمر كذلك فلماذا ينتظر الله من عبده أن يدعو ويتضرع؟ بل هو يرحم ، وهو يغير ما دام يحس من عبده حسن النية وقد صنع مع نبيه ابراهيم «عليه السلام» مثل ذلك عندما القي في النار حيث نقل عنه ان جبرئيل سأله ، وهو بتلك الحالة ألك حاجة؟

فأجابه : أما اليك فلا.

قال جبرائيل : إذاً فادع الله.

ويجيب ابراهيم قائلاً : علمه بحالي يغنيه عن سؤالي.

وفي بعض الروايات انه قال له : حسبي من سؤالي علمه بحالي(٢) .

__________________ ـ

(١) سورة الروم : آية (٤).

(٢) لاحظ للموضوع بتوسع كتاب الدعاء : للشيرازي.

٣٧

فلماذا إذاً التوسل والدعاء وهو العالم ولا يخفى عليه شيء(١) ؟

الرد على هذه الطائفة :

نقول ان عمل النبي ابراهيم «عليه السلام» وهو خليل الله لا يكون ملزماً لبقية البشر. والقضية ليست من الأحكام الشرعية ليتعبد بها ، وعلى فرض ذلك ، فشريعته تختلف عن شريعتنا.

على أن بين أيدينا من الآيات ، والروايات ما يكفي لقناعة الإِنسان بإن الله ، وهو العالم والمطلع ، هو الذي يحث عبده على الدعاء ، ويأمره بذلك ، ويعلمه طريقة اللجوء اليه ، ويحب عبده الملحاح ، وإنه كريم لا ينقص منه شيء إذا اجاب عبده ، وأعطاه ما أراد وسنتعرض في ثنايا البحث الى ذكر الكثير منها كما وقد ذكرنا البعض منها فيما سبق. ومرة أخرى نقول :

إن الدعاء هو الموصل الروحي بين العبد وربه ، ولا منافاة بين أن يكون الله عالماً بحال العبد ، ولكنه ـ في الوقت نفسه ـ يحب أن يضرع اليه ليقبل عليه بوجهه الكريم ، فيجيبه الى ما سأله ، ويزيد على ذلك ، فهو ذو الفضل العظيم.

٣ ـ القائلون بالحد الوسط بين الرفض والقبول :

ويتخذ هؤلاء الحد الوسط فيرفضون القولين معاً :

فلا هم يأخذون بالدعاء في كل شيء كالقول الأول.

ولا هم يتركون الدعاء مطلقاً كما يقوله الرافضون له.

__________________ ـ

(١) لاحظ للموضوع بتوسع كتاب الدعاء : للشيرازي.

٣٨

بل يسلكون حداً وسطاً بين هذين القولين. فهم يبنون حياتهم العملية على العمل والجد ، ولكنهم ـ في الوقت نفسه ـ يتوجهون الى الله أن يبارك لهم ركب الحياة ، فيمنحهم التوفيق في أعمالهم ، ويدفع عنهم الشرور والأحداث.

وهكذا في مجال الطب والمرض ، فإن مراجعتهم للطبيب لا تكفي في نظرهم لو لم يبارك الله لهم هذه المراجعة ، فهم يدعون الله أن يختار لهم الأصلح ، ويجعل الشفاء على يديه لأن الطبيب وسيلة للشفاء. فمن الله يريدون إرشادهم الى الوسيلة النافعة وهكذا الحال في الحروب ، والميادين الحربية ، فهم يقابلون الأعداء بشجاعة ، وبسالة ، ولكنهم يطلبون النصر من عند الله لأن الله عز وجل هو الذي يقول :

( وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّـهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ) (١) .

وفي آية أخرى يقول تعالى :

( يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) (٢) .

وهكذا في الجانب العبادي من حياة الإِنسان ، فإنه لا معنى للقول بالإِتكال على مغفرة الله ، والإِتيان بالمخالفات من ترك الواجبات والاتيان بالمحرمات ، مضافاً الى التجاوز على أموال الناس ، وأعراضهم إعتماداً على عفو الله ، ورحمته ، بل لا بد من الالتزام بكل ما هو مفروض. ويلجأ الإِنسان بعد هذا الى الدعاء لو زلت

__________________

(١) سورة آل عرمان : آية (١٢٦).

(٢) سورة الروم : آية (٥).

٣٩

قدمه ليقبل الله توبته فيجد من عطف ربه ما يتجاوز به عما صدر منه.

واذاً فما يراه هؤلاء من الرأي هو انضمام العمل ، والتوبة ، وطلب المغفرة ، وطلب الأمور الحياتية ، لا الإِتكال على الدعاء فقط ، ولا الإِعتماد على النفس فحسب.

وقد ظهر بأن هذا القول هو القول الذي يرجح على القولين الأول والثاني بعد ردنا لهما ـ كما تقدم ـ.

وندلل عليه : بان الإِنسان لم يترك سدى في هذه الحياة ، بل خلق ، ومنح العقل ، والتفكير ، وحمل المسؤولية الحياتية ، وبذلك ميز عن بقية المخلوقات لذلك كان عليه أن يعمل.

ـ وفي نفس الوقت ـ بما أنه مخلوق ضعيف ، وقد صرح خالقه بهذه الحقيقة عندما قال :

( وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا ) (١) .

فلا بد أن يجبر ضعفه هذا باللجوء الى من بيده القوة ، والقدرة ليعينه في هذه المسيرة الشاقة ، وليسدد خطاه في إرشاده الى الطريق المستقيم.

( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) (٢) .

ومن ذلك الذي يهدي الى الصراط المستقيم غير الله عز وجل؟

__________________

(١) سورة النساء : آية (٢٨).

(٢) سورة الحمد : آية (٥).

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

تحديد التربة الحسينية :

س / قال الفاضل المقداد السيوري ( قده ) : « ورد متواتراً ، أنّ الشفاء في تربته ، وكثرة الثواب بالتسبيح بها ، والسجود عليها ، ووجوب تعظيمها ، وكونها دافعة للعذاب عن الميت ، وأماناً من المخاوف ، وأنّ الإستنجاء بها حرام ، فهل هي مختصة بمحل أم لا ؟ » (٢٢٣)

جـ / يمكن تلخيص رأي الأعلام فيما ذكره الفقيه السبزواري : « القدر المتيقن من محل أخذ التربة هو القبر الشريف وما يقرب منه على وجه يلحق به عرفاً ، ولعله كذلك الحائر المقدس بأجمعه ، لكن في بعض الأخبار ، يؤخذ طين قبر الحسين عليه السلام من عند القبر على سبعين ذراعاً ، وفي بعضها طين قبر الحسين فيه شفاء وإنْ أخذ على رأس ميل ، بل وفي بعضها أنه يستشفى فيما بينه وبين القبر على رأس أربعة أميال ، بل وفي بعضها على عشرة أميال ، وفي بعضها فرسخ في فرسخ ، بل وروي إلى أربعة فراسخ ، ولعلّ الإختلاف من جهة تفاوت مراتبها في الفضل فكل ما قرب إلى القبر الشريف ؛ كان أفضل ، والأحوط الإقتصار عل ی ما حول القبر إل ی سبعين ذراعاً ، وفيما زاد على ذلك أنْ يستعمل ممزوجاً بماء أو شربة على نحو لا يصدق عليه الطين ويستشفى به رجاء »(٢٢٤)

ومن أراد التوسع ، فعليه بمراجعة ( جواهر الكلام ج ٣٦ / ٣٦٤ ـ ٣٦٧ ) وغيره من الكتب الفقهية

______________________

(٢٢٣) ـ السيوري ، الشيخ جمال الدين مقداد بن عبدالله : التنقيح الرائع ، ج ٤ / ٥١

(٢٢٤) ـ السبزواري ، السيد عبدالأعلى : مهذب الأحكام ، ج ٢٣ / ١٨٥

١٤١

س / في حالة الشك في أن هذه تربة الحسينعليه‌السلام أم لا ، ماذا يصنع ؟

جـ / يقول الفقيه السبزواري ( قده ) : « إنْ أخذ التربة بنفسه أو علم من الخارج بأنّ هذا الطين من تلك التربة المقدسة فلا إشكال ، وكذا إذا قامت على ذلك البينة ، بل الظاهر كفاية قول عدل واحد بل شخص ثقة ، وهل يكفي إخبار ذي اليد بكونه منها أو بذله على أنه منها ؟ لا يعد ذلك وإنْ كان الأحوط في غير صورة العلم ، وقيام البينة تناولها بالإمتزاج بماء أو شربة »(٢٢٥)

وقال الشيخ المامقاني ( قده ) : « ويثبت كون الطين طين قبره الشريف بالبينة الشرعية ، وهل يثبت بقول ذي اليد الشيعي ؟ وجهان ، أظهرهما ذلك »(٢٢٦)

طريقة الإستشفاء :

س / هل توجد طريقة للإستشفاء بالتربة الحسينية ؟

جـ / نعم ، وقد ذكر الفقهاء ذلك وهذه كلماتهم كالتالي :

قال المحقق الأردبيلي ( قده ) : « الأخبار في جواز أكلها الإستشفاء كثيرة ، والأصحاب مطبقين عليه ، وهل يشترط أخذه بالدعاء وقراءة( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ ) ؟ ظاهر بعض الروايات في كتب المزار ذلك ، بل مع شرائط أخرى ، حتى ورد أنه قال شخص : إني أكلت وما شفيت ، فقالعليه‌السلام له : إفعل كذا وكذا وورد أيضاً أنّ له غسلاً وصلاة خاصة والأخذ على وجه خاص وربطه وختمه بخاتم يكون نقشه كذا ، ويكون أخذه مقداراً خاصاً ، ويحتمل أنْ يكون ذلك لزيادة

______________________

(٢٢٥) ـ المصدر السابق / ١٨٨ ـ ١٨٩

(٢٢٦) ـ المامقاني ، الشيخ عبد الله : مرآة الكمال ، ج ٣ / ٢٤٠

١٤٢

الشفاء وسرعته وتبقيته لا مطلقاً ، فيكون مطلقاً جائزاً كما هو مشهور ، وفي كتب الفقه مسطور »(٢٢٧)

وقال الفقيه السبزواري ( قده ) : « لأخذ التربة المقدسة وتناولها عند الحاجة آداب وأدعية مذكورة في محالها خصوصاً في كتب المزار ، ولاسيما مزار بحار الأنوار ، لكن الظاهر أنها كلها شروط كمال لسرعة تأثيرها لا أنها شرط لجواز تناولها »(٢٢٨)

وقال الشيخ الأعسم في إرجوزته :

وللحسين تربة فيها الشفا

تشفي الذي على الحِمام أشرفا(٢٢٩)

المقدار المحدد للإستشفاء :

س / هل يوجد قدر محدد للإستشفاء بتربة الحسين عليه‌السلام ؟

ج / المعروف من كلمات الأعلام أنّ القدر المحدد للإستشفاء هو بقدر الحمصة ، بل نسب الفقيه السبزواري ذلك إلى الإجماع والنصوص(٢٣٠)

وقال الشيخ الأعسم :

حَدّ له الشارع حداً خَصّصَهْ

تحريم ما قد زاد فوق الحِمَّصة(٢٣١)

وقال الفاضل المقداد ( قده ) : « قيد الشيخ في( النهاية ) المتناول باليسير ، وهو حسن وإختاره ابن إدريس والعلامة : لحصول الغرض والشفاء في ذلك ، فما زاد يكون حراماً ولما كان اليسير أمراً إضافياً ؛ لأنه رب يسير كثير بالإضافة

______________________

(٢٢٧) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٥٧ / ١٦٠

(٢٢٨) ـ السبزواري ، السيد عبدالأعلى : مهذب الأحكام ، ج ٢٣ / ١٨٤

(٢٢٩) ـ الأعسم ، الشيخ عبدالرزاق : النفحات الذكية ، في شرح الأرجوزة الأعسمية / ١٣٢ ـ ١٣٣

(٢٣٠) ـ السبزواري ، السيد عبدالأعلى : مهذب الأحكام ج ٢٣ / ١٨٣

(٢٣١) ـ الأعسم ـ الشيخ عبدالرزاق : النفحات الذكية في شرح الأرجوزة الأعسمية / ١٣٣

١٤٣

إلى ما هو أقل منه ، ورب كثير يسير بالإضافة إلى ما هو أكثر منه ؛ قيّده المصنف بقدر الحمصة لينضبط ، وهل يجوز الإكثار منه ؟ الأصح لا ، لما ورد عنهمعليهم‌السلام : من أكل زائداً عن ذلك فكأنما أكل من لحومنا »(٢٣٢)

وقال الشيخ المجلسي ( قده ) : « وقد مر التصريح بهذا المقدار في الأخبار ، وكان الأحوط(٢٣٣) عدم التجاوز عن مقدار عدسة لما رواه الكليني عن علي ابن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمّار قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إنّ الناس يروون أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :إنّ العدس بارك عليه سبعون نبياً فقال : هو الذي تسمونه عندكم الحمص ونحن نسميه العدس » (٢٣٤)

إيضاح واستنتاج :

«الحِمّصة : واحدة الحمص بكسر الحاء وفتح الميم المشددة ؛ هي القيراط الصيرفي والحمصة في كلام علماء العراق هي : الحبة المتعارفة عند العراقيين ، وهي القيراط الصيرفي الذي وزنه أربع حبات قمح »(٢٣٥)

القيراط الصيرفي : « هو أربع حبات أو أربع قمحات كما نص عليه السيد الأمين في ( الدرة البهية / ٨ ) وكما نص عليه في ( حلية الطلاب / ٥٣ ) ، وفي ( كشف الحجاب / ٥٨ ) ، حيث قالا : أربع قمحات قيراط »(٢٣٦)

والقيراط : « هو عشرون جزءاً من الغرام كما في ( حلية الطلاب / ١١٣ ) وقد إختبرناه ؛ فوجدناه صحيحاً فهو : ( ١ / ٥ غرام ) ، فالخمسة قراريط ـ

______________________

(٢٣٢) ـ السيوري ، الشيخ جمال الدين مقداد بن عبدالله : التنقيح الرائع ، ج ٤ / ٥٠

(٢٣٣) ـ ظاهر العبارة ( وان كان الأحوط ) ـ المؤلف

(٢٣٤) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر ، بحار الأنوار ، ج ٥٧ / ١٦١

(٢٣٥) ـ العاملي ، الشيخ إبراهيم سليمان : الأوزان والمقادير / ٢١

(٢٣٦) ـ نفس المصدر / ٢٤

١٤٤

أعني العشرين قمحة ـ هي غرام كما هو واضح »(٢٣٧) فالنتيجة أن الحمصة تساوي ( ١ / ٥ غرام ) ، وهي تعادل العدسة المذكورة في الرواية تقريباً

الدعاء عند الإستشفاء بتربة الحسين (عليه‌السلام ) :

وردت عدة أدعية عند إستعمال التربة الحسينية مذكورة في كتب المزار(٢٣٨) نذكر منها التالي :

عند تناول التربة وأخذها :

قال الشيخ الأعسم في ارجوزته :

لها دعاءانِ فيدعو الداعي

في وقتَّي الأخذ و الإبتلاعِ(٢٣٩)

١ ـ عن أبي أسامة قال : ( كنت في جماعة من عصابتنا بحضرة سيدنا الصادقعليه‌السلام ؛ فأقبل علينا أبو عبد اللهعليه‌السلام فقال : إنّ الله جعل تربة جدي الحسينعليه‌السلام شفاء من كل داء ، وأماناً من كل خوف ، فإذا تناولها أحدكم ؛ فليقبلها ويضعها على عينيه ، وليمرّها على ساير جسده وليقل :اللهم بحق هذه التربة ، وبحق من حَلّ بها وثوى فيها ، وبحق أبيه وأمه وأخيه والأئمة من ولده ، وبحق الملائكة الحافّين به ، إلا جعلتها شفاءً من كل داء ، وبرءاً من كل مرض ، ونجاة من كل آفة ، وحرزاً مما أخاف وأحذر ، ثم ليستعملها ) (٢٤٠)

٢ ـ عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال : ( إذا تناول أحدكم من طين قبر الحسينعليه‌السلام فليقل :اللّهُمَّ إنّي أسألُك بِحقِّ المَلَكِ الّذي تَنَاوَله ، والرّسُولِ الّذي بَوّأهُ ،

______________________

(٢٣٧) ـ المصدر السابق / ٩٢

(٢٣٨) ـ راجع : بحار الأنوار ، ج ٩٨ / ١١٨ ـ ١٤٠ وكامل الزيارات ( باب ٩٣ ، ٩٤ )

(٢٣٩) ـ الأعسم ، الشيخ عبدالرزاق : النفحات الذكية في شرح الارجوزة الاعسمية / ١٣٣

(٢٤٠) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٩٨ / ١١٩

١٤٥

والوَصِيَّ الّذي ضُمِّنَ فيه ، أنْ تَجعَلَه شِفَاءً مِنْ كُلِّ داءٍ كذا وكذا ، وتُسمِّي ذلك الداء ) (٢٤١)

٣ ـ عن أبي جعفر الموصلي ، أن أبا جعفرعليه‌السلام قال : إذا أخذت طين قبر الحسينعليه‌السلام فقل :( اللّهُمّ بِحَقِّ هذه التُّربَة ، وبحَقِّ المَلَكِ المُوَكَّل بِهَا ، وبحَقِّ المَلَكِ الذّي كرّبهَا ، وبِحَقِّ الوّصيِّ الّذي هُوَ فيها ، صَلِّ على مُحَمّد وآلِ محمدٍ ، واجْعَلْ هذا الطّينَ شِفَاءً لي منْ كُلِّ داءٍ ، وأَمَاناً منْ كُلِّ خَوْفٍ ) (٢٤٢)

٤ ـ وروي : إذا أخذته فقل :( بِسْم الله ، اللّهُمّ بِحَقِّ هذه التُّرْبَة الطّاهرَة ، وبِحَقِّ البُقْعَةِ الطَّيَّبةِ ، وبِحقَّ الوَصِيِّ الّذِي تُوارِيه ، وبِحَقِّ جَدِه وأبيه وأمه وأخيه والمَلائِكةِ الّذين يَحُفُّونَ به ، والمَلَائِكةِ العُكُوف على قَبْر وَليِّك ، ينتظرون نَصْرَه صَلّى اللهُ عَلَيْهِم أجمعين ، إجْعَل لي فيه شِفَاءً من كُلّ دَاء ، وأماناً من كُلّ خَوْفٍ ، وغِنىً من كُلّ فَقْرٍ ، وعِزّاً من كُلّ ذُلّ ، وأوسِعْ به عَلَيّ في رِزْقي ، وأصِحّ به جِسْمِي ) (٢٤٣)

٥ ـ وروي أن رجلاً سأل الصادقعليه‌السلام فقال : ( إني سمعتك تقول : إن تربة الحسينعليه‌السلام من الأدوية المفردة ، وإنها لا تمر بداء إلا هضمته ، فقال : قد كان ذلك ( أو قد قلت ذلك ) فما بالك ؟ فقال : إني تناولتها فما إنتفعت بها ، قال : أما إن لها دعاء فمن تناولها ولم يدعُ به واستعملها لم يكن ينتفع بها ، قال : فقال له : ما يقول إذا تناولها ؟ قال : تقبلها قبل كل شيء وتضعها على عينيك ، ولا تناول منها أكثر من حِمّصَه ، فإن من تناول منها ______________________

(٢٤١) ـ ابن قولويه ، الشيخ جعفر بن محمد : كامل الزيارات / ٤٦٩ ـ ٤٧٢

(٢٤٢) ـ نفس المصدر

(٢٤٣) ـ نفس المصدر

١٤٦

أكثر فكأنما أكل من لحومنا ودمائنا ، فإذا تناولت ؛ فقل :اللّهم إني أسْأَلُك بِحَقِّ المَلَكِ الذي قبضها ، وبِحَقِّ المَلَكِ الذي خَزَنَها ، وأسْأَلُك بِحَقِّ الوَصِيِّ الذي حَلَّ فيها ، أن تُصَلِّي على محمد وآل محمد ، وأن تَجعَلَهُ شِفَاءً من كُلِّ دَاءٍ ، وأمَاناً من كُلِّ خَوْفٍ ، وحِفْظَاً من كُلِّ سُوءٍ . فإذا قلت ذلك فاشددها في شيء وأقرأ عليها إنا أنزلناه في ليلة القدر ، فإن الدعاء الذي تقدم لأخذها ؛ هو الإستئذان عليها ، واقرأ إنا أنزلناه ختمها )(٢٤٤)

عند أكلها للإستشفاء :

١ ـ روى الشيخ في المصباح ، عن الصادقعليه‌السلام : ( طين قبر الحسينعليه‌السلام شفاء من كل داء ؛ فإذا أكلت منه ؛فقل : بسم الله و بالله ، اللهم إجعله رزقاً واسعاً ، وعلماً نافعاً ، وشفاء من كل داء ، إنك على كل شئ قدير ، اللهم رب التربة المباركة ، ورب الوصي الذي وارته ، صلِّ على محمد وآل محمد ، واجعل هذا الطين شفاءً من كل داء ، وأماناً من كل خوف ) (٢٤٥)

٢ ـ وروي حنان بن سدير ، عن أبيه ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام أنه قال :( مَنْ أكَلَ مِنْ طِينِ قَبْرِ الحسين عليه‌السلام غير مستشفٍ به فكأنما أكل من لحومنا ، فإذا إحتاج أحدكم للأكل منه ليستشفي به ، فليقل : بِسْمِ الله وبالله ، اللّهُمّ رَبَّ هذه التُّربَةِ المُبَارَكَةِ الطّاهِرَةِ ، ورَبّ النُّور الّذي أُنزل فيه ، ورَبّ الجَسَدِ الذي سَكَن فيه ، ورَبّ الملائكة المُوكِّلين به ، إجْعَلْهُ لي شِفاءً من دَاءِ كذا وكذا ، وأجرع من الماء جرعه خلفه ، وقل : اللّهُمَّ إجْعَلْه رِزْقَاً وَاسعاً ،

______________________

(٢٤٤) ـ الطوسي ، الشيخ محمد بن الحسن : مصباح المتهجد / ٥١٠ ـ ٥١١

(٢٤٥) ـ الأمين ، السيد محسن : مفاتيح الجنات ، ج ١ / ٤٥٥

١٤٧

وعِلْماً نَافِعاً ، وشِفَاءً من كل دَاءٍ وسُقْمٍ فإن الله تعالى يدفع عنك بها كل ما تجد من السقم والغم إن شاء الله تعالى ) (٢٤٦)

٣ ـ عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال :( طين قبر الحسين عليه‌السلام شفاء من كل داء ، وإذا أكلته فقل : بسم الله وبالله ، اللّهُمّ أجْعَلْهُ رِزْقَاً واسِعاً ، وعِلْماً نافِعاً ، وشِفاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ إنّكَ على كُلِّ شيء قدير ) (٢٤٧)

٤ ـ وروي عنهعليه‌السلام قال :( إذا أكلته تقول : اللّهُمّ رَبِّ هذه التُّربَة المباركة ، ورَبّ هذا الوَصِيّ الذي وَارَتْهُ ، صَلِّ على محمد وآل محمد ، واجْعَلْهُ عِلْماً نافِعَاً ، ورِزْقَاً واسعاً ، وشِفَاءً من كُلِّ داء ) (٢٤٨)

٥ ـ وروي عنهعليه‌السلام قال :( إذا أخذت من تربة المظلوم ووضعتها في فيك فقل : اللّهُمّ إنّي أسْأَلُك بِحَقِّ هذه التُّربَة ، وبِحَقّ المَلَكِ الذي قَبَضَها ، والنّبيِّ الذي حَضَنَها ، والإمام الذي حَلّ فيها ، أن تُصلِّي على محمدٍ وآل محمدٍ ، وأن تَجْعَل لي فيها شِفَاء نافِعَاً ، ورِزْقَاً واسِعَاً ، وأمَانَاً من كُلّ خَوْف ودَاءِ فإذا قال ذلك ؛ وهب الله له العافية ) (٢٤٩)

عند حملها للإحتراز :

ذكر ابن طاووس : « إنه لما ورد الصادقعليه‌السلام إلى العراق إجتمع إليه الناس فقالوا : يا مولانا تربة قبر مولانا الحسين شفاء من كل داء ، وهل هي أمان من كل خوف ؟ فقال : نعم إذا أراد أن تكون أماناً من كل خوف ؛ فليأخذ السبحة من تربته ويدعو دعاء ليلة المبيت على الفراش ثلاث مرات وهو :( أمسيت اللهم

______________________

(٢٤٦) ـ الطوسي ، الشيخ محمد بن الحسن : مصباح النهجد / ٥١٠ ـ ٥١١

(٢٤٧) ـ ابن قولويه ، الشيخ جعفر بن محمد : كامل الزيارات / ٤٧٩

(٢٤٨) ـ نفس المصدر / ٤٧٧

(٢٤٩) ـ نفس المصدر

١٤٨

معتصماً بذمامك المنيع الذي لا يطاول إلخ ) ، ثم يقبل السبحة ويضعها على عينيه ويقول :( اللّهُمّ إنّي أسْألُك بِحَقّ هذه التُّربَة ، وبِحَقّ صَاحِبها ، وبِحَقّ جَدّه وأبيه ، وبحق أمه وأخيه ، وبِحَقِّ ولده الطاهرين ، إجْعَلْها شِفَاءً من كُلِّ دَاءٍ ، وأمَاناً من كُلِّ خَوْفٍ ، وحِفْظَاً من كُلِّ سُوء ، ثم يضعها في جيبه فإن فعل ذلك في الغدوة ؛ فلا يزال في أمان حتى العشاء ؛ وإن فعل ذلك في العشاء ، فلا يزال في أمان الله حتى الغدوة » (٢٥٠)

ـ عن أبي حمزة الثمالي قال : قال الصادقعليه‌السلام :( إذا أردت حمل الطين ـ طين قبر الحسين عليه‌السلام ) ـ ، فأقرأ فاتحة الكتاب ، والمعوذتين ، و( قُلْ هُوَ
اللَّـهُ أَحَدٌ
) ، و( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) ، و( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ،ويس ، وآية الكرسي ، وتقول :( اللّهُمّ بِحَقِّ مُحَمدٍ عَبْدِك وحَبيبكَ ونَبِيِّك ورَسُولِكَ وأمِينكَ ، وبِحَقِّ أميرِ المُؤمِنين عَليِّ بن أبي طالب عَبْدِكَ وأخي رسُولِك ، وبِحَقِّ فَاطِمةَ بِنْتِ نَبِيِّكَ وزوْجَة وَليِّكَ ، وبِحَقِّ الحَسَنِ والحُسَيْنِ ، وبِحَقِّ الأئمَّة الرّاشِدَينَ ، وبِحَقِّ هذه التُّرْبَةِ ، وبِحَقِّ المَلَكِ المُوَكِّل بها ، وبِحَقِّ الوَصيّ الّذي حَلّ فيها ، وبِحَقِّ الجَسَدِ الّذي تضمّنَتْ ، وبِحَقِّ السِّبْطِ الّذي ضمنت ، وبِحَقِّ جَميعِ مَلائِكتِكَ وانْبِيَائِك ورُسُلِكَ ، صَلّ على مُحَمّدٍ وآل محمدٍ ، واجعَلْ هذا الطِّين شِفَاءً لي وَلَمن يَسْتَشْفِي به من كُلِّ دَاءٍ وسُقْمَ ومَرَضٍ ، وأمَاناً مِنْ كُلِّ خَوْفٍ اللّهُمّ بِحَقِّ محمد وأهلِ بيته إجْعَله عِلْماً نافِعَاً ، ورِزْقَاً واسعاً ، وشِفَاء من كُلِّ دَاءٍ وسُقْم ، وآفة وعَاهةٍ ، وجميع الأوجاع كلها ، إنك على كل شيء قدير )

______________________

(٢٥٠) ـ ابن طاووس ، السيد رضي الدين علي بن موسى : فلاح السائل / ٢٢٤ ـ ٢٢٥

١٤٩

وتقول :( اللّهُمّ رَبَّ هذه التُّربَة المباركَة الميمونَةِ ، والمَلَكِ الذي هَبَط بَها ، والوَصّي الذي هو فيها ، صلِّ على محمد وآل محمد وسلّم وأنفعني بها ، إنّك على كلِّ شيء قدير ) (٢٥١)

ـ وروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام :( اللّهُمّ إنَّي أخَذْتُه مِنْ قَبْرِ وَليِّكَ وابن وَليِّكَ ، فَاجْعَلْهُ لي أمْنَاً وحِرْزَاً لما أخَافُ ومَالَا أخَافُ ) (٢٥٢)

______________________

(٢٥١) ـ ابن قولويه ، الشيخ جعفر بن محمد : كامل الزيارات / ٤٧٥ ـ ٤٧٦

(٢٥٢) ـ آل طعان ، الشيخ احمد بن الشيخ صالح : الصحيفة الصادقية / ٢٩٤

١٥٠

١٥١
١٥٢

توطئة :

س / عرفنا مما سبق المقصود بالتربة الحسينية ، وطريقة الإستشفاء بها ، وبقي شئ وهو ما هي الأدلة التي يمكن أنْ تعتمدها الشيعة الإمامية في الإستشفاء بهذه التربة الزكية ؟

ج / من أهم الأدلة التي يمكن عرضها هي التالي :

الدليل النقلي :

وهو يتكون من عنصرين هما :

الأول : حث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الإستشفاء بتربة المدينة ، ويمكن ذكر ذلك في طائفتين :

الأولى ـ الإستشفاء بغبار المدينة :

١ ـ ( غبار المدينة شفاء من الجذام )(٢٥٣)

٢ ـ ( غبار المدينة يبرئ الجذام )(٢٥٤)

٣ ـ ( إنّ في غبارها شفاء من كل داء )(٢٥٥)

الثانية ـ الإستشفاء بتراب المدينة :

أ ـ ( والذي نفسي بيده إنّ تربتها لمؤمنة ، وأنها شفاء من الجذام )(٢٥٦)

ب ـ ( مالكم يا بني الحارث رَوْبَى ؟ قالوا : أصابتنا يا رسول الله هذه الحمى ، قال فأين أنتم عن صُعَيْب )(٢٥٧)

______________________

(٢٥٣ ـ ٢٥٦) ـ المتقي الهندي ، علاء الدين علي بن حسام الدين : كنز العمال ، ج ١٣ / ٢٠٥

ـ السمهودي ، السيد نور الدين ، علي : وفاء الوفاء ، ج ١ / ( ٦٧ ـ ٦٨ )

(٢٥٧) ـ قال أبو القاسم ، طاهر بن يحيى العلوي : صعيب : وادي بطحان دون الماجشونية ، وفيه حفرة مما يأخذ الناس منه ، وهو اليوم إذا وبأ إنسان أخذ منه وقال ابن النجار عقبه : وقد رأيت أنا هذه الحفرة اليوم ، والناس يأخذون منها ، وذكروا أنهم قد جربوه ، فوجدوه صحيحاً ) وفاء الوفاء ، ١ / ٦٨

١٥٣

قالوا : يا رسول الله ما نصنع به ؟ قال : تأخذون من ترابه فتجعلونه في ماء ، ثم يتفل عليه أحدكم ويقول : بسم الله ، تُرابُ أرضنا ، بريق بعضنا ، شفاء لمريضنا ، بإذن ربنا ففعلوا فتركتهم الحمى )(٢٥٨)

ج ـ وروى ابن زَبَالة : ( أنّ رجلاً أتى به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبرجله قرحة ، فرفع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طرف الحصيرة ، ثم وضع إصبعه التي تلي الإبهام على التراب بعدما مسّها بريقه ، بسم الله ، ريق بعضنا ، بتربة أرضنا يشفي سقيمنا ، بإذن ربنا ، ثم وضع إصبعه على القرحة فكأنما حُلّ من عِقَال )(٢٥٩)

تعقيب وإستدراك :

« قال الزركشي : ينبغي أنْ يستثنى من منع نقل تراب الحرم تربة حمزة رضي الله عنه ، لإطباق الناس على نقلها للتداوي بها »(٢٦٠)

« وحكى البرهان بن فرحون ، عن الإمام العالم أبي محمد عبد السلام بن إبراهيم بن ومصال الحاحاني قال : نقلت من كتاب الشيخ العالم أبي محمد صالح الهزميري قال : قال صالح بن عبد الحليم : سمعت أبا محمد عبد السلام بن يزيد الصنهاجي يقول : سألت أحمد ابن بكوت عن تراب المقابر الذي كان الناس يحملونه للتبرك هل يجوز أو يمنع ؟ فقال : هو جائز ومازال الناس يتبركون بقبور العلماء والشهداء والصالحين ، وكان الناس يحملون تراب قبر سيدنا حمزة بن عبد المطلب في القديم من الزمان قال ابن فرحون عَقِبَهُ : والناسُ اليوم يأخذون من تربة قريبة من مشهد سيدنا حمزة ، ويعملون خرزاً يشبه

______________________

(٢٥٨) ـ السمهودي ، السيد نور الدين ، علي بن حسام الدين : وفاء الوفاء ، ج ١ / ٦٨

(٢٥٩) ـ نفس المصدر / ٦٩

(٢٦٠) ـ نفس المصدر

١٥٤

السبح وإستدل ابن فرحون بذلك على جواز نقل تراب المدينة ، وقد علمت مما تقدم أن نقل تراب حمزة ـ رضی الله عنه ـ إنما للتداوي ؛ ولهذا لا يأخذونها من القبر بل من المسيل الذي عندْ المسجد ) ؟ »(٢٦١)

أقول : إنّ التبرك والإستشفاء بتراب المدينة وغبارها ، وما ذكرته الروايات من فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكذلك سيرة المسلمين من الأصحاب والتابعين ، هي سيرة الشيعة الإمامية في التبرك و الإستشفاء بتربة الحسينعليه‌السلام ، فكيف ينكر عليها بالخصوص دون غيرها ؟!!

الثاني ـ حق أهل البيت على الإستشفاء بتربة الحسين :

وردت أحاديث كثيرة في التبرك والإستشفاء بتربة الحسينعليه‌السلام ، وهذه بعضها كالتالي :

١ ـ عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال :( عند رأس الحسين عليه‌السلام لتربة حمراء فيها شفاء من كل داء ) (٢٦٢)

٢ ـ عن ابن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام :( يأخذ الإنسان من طين قبر الحسين عليه‌السلام فينتفع به ويأخذ غيره فلا ينتفع ، فقال : لا والله لا يأخذه أحد وهو يرى أن الله ينفعه به إلا نفعه به ) (٢٦٣)

٣ ـ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :( من أصابة عِلّة ؛ فبدأ بطين قبر الحسين عليه‌السلام شفاه الله من تلك العلة ؛ إلا أن تكون علّة السام ) (٢٦٤)

______________________

(٢٦١) ـ المصدر السابق / ١١٦

(٢٦٢) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد بن الحسن : وسائل الشيعة ، ج ١٠ / ٤٠٩ ( باب (٧٠) من المزار وما يناسبه ، حديث ـ ٢ ، ١ )

(٢٦٣) ـ نفس المصدر

(٢٦٤) ـ نفس المصدر / ٤١٢ (باب ـ ٧٠ ـ ، حديث ١٣)

١٥٥

٤ ـ عن الكاظمعليه‌السلام في حديث( ولا تأخذوا من تربتي شيئاً لتتبركوا به ، فإنّ كل تربة لنا مُحرّمة إلا تربة جدي الحسين بن علي عليه‌السلام ، فإن الله عَزّ وجَلّ جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا ) (٢٦٥)

٥ ـ عن سعد بن سعد الأشعري ، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال سألته عن الطين الذي يؤكل فقال :( كل طين حرام كالميتة والدم وما أُهِلّ لغير الله به ما خلا طين قبر الحسين عليه‌السلام ، فإنه شفاء من كل داء ) (٢٦٦)

٦ ـ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :( أكل الطين حرام على بني آدم ما خلا طين قبر الحسين عليه‌السلام ، من أكله من وجع ؛ شفاه الله ) (٢٦٧)

وبعد ذكر هذه الأحاديث المروية عن أهل بيت العصمة والطهارة ، فهل يشك مسلم في التبرك والإستشفاء بتربة سيد الشهداء أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ؟ بل هو وأخوه سيدا شباب أهل الجنة ، وأحد سبطي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن تحدث عن فضله القرآن الكريم والأحاديث النبوية ، ومن ثبت في حقه أنّ تربته الطاهرة الزكيه قبضها جبريل وأعطاها لجده المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكل ذلك من المسَلّمات بين الصحابة والتابعين ، فلماذا النبذ والعتاب الشديد اللهجة على عمل الشيعة الإمامية من التبرك والإستشفاء بتربته الطاهرة ؟!

ألا يكفي كل ذلك على صحة عمل الشيعة الإمامية وبرائتهم من كل ما اُتهموا به من أباطيل ؟

______________________

(٢٦٥) ـ المصدر السابق / ٤١٤ ( باب ـ ٧٢ ـ ، حديث ، ٢ )

(٢٦٦) ـ نفس المصدر / ٤١٥ ـ حديث (٣)

(٢٦٧) ـ نفس المصدر ، ج ١٦ / ٣٩٧ ، ( باب ٥٩ ـ باب عدم تحريم أكل طين قبر الحسين (ع) بقصد الشفاء ، حديث ٤ )

١٥٦

الدليل العلمي :

يتضح هذا الدليل بعد ذكر السؤال التالي والإجابة عليه

س / هل الإستشفاء بتربة الحسين عليه‌السلام ونحوها من الإستشفاء بماء زمزم وماء الميزاب ، من التبرك فقط ، أو لوجود أثر طبي وكيميائي زيادة على ذلك ؟

ج / إختلف العلماء في ذلك على رأيين هما :

الأول ـ التبرك والإيحاء :

قال الشيخ المجلسي ( قده ) : « وقد يكون بعض الأدوية التي لا مناسبة لها بمرض على سبيل الإفتتان والإمتحان ، ليمتاز المؤمن المخلص القوي الإيمان من المنتحل أو ضعيف الإيمان ، فإذا إستعمله الأول إنتفع به لا لخاصيته وطبعه ، بل لتوسله بمن صدر عنه ويقينه وخلوص متابعته ، كالإنتفاع بتربة الحسين عليه السلام ، وبالمعوذات ، والأدعية »(٢٦٨) وعلى هذا بعض علماء الأمامية

وإستنتج الدكتور النسيمي الآتي :

« يتفق علماء المسلمين مع الأطباء في شأن الإيحاء وأثره في المعالجة »(٢٦٩)

وقال أيضاً : « يقصد بالمعالجة الروحية منذ القديم ، تطمين المريض ورفع معنوياته ، والإيحاء اليه بأنّ مرضه سيسير عاجلاً في طريق الشفاء وفي الغالب في وسائلها أنْ تكون غير عقارات ، وقد تكون عقارات يراد بها الإيحاء بأنها دواء لِعِلّة المريض عندما يكون علاجها الناجح مفقوداً أو غير مكتشف »(٢٧٠)

______________________

(٢٦٨) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ج ٥٩ / ٧٦

(٢٦٩) ـ النسيمي ، الدكتور محمود ناظم : الطب النبوي والعلم الحديث ، ج ٣ / ١٨٧

(٢٧٠) ـ نفس المصدر / ١٣٥

١٥٧

وقال أيضاً : « يعتقد المسلمون في النتائج الحسنة للرقي المشروعة بأمر زائد على الإيحاء ، هو معونة الله القادر على كل شيء يُقدِّمها حتى في غير الأمراض النفسية والوظيفية ، إجابة لدعوة المضطر الصادرة من أعماق نفسه أو معونة أو إكراماً لعبده الصالح والراقي والمرقي الذي رجاه »(٢٧١)

الثاني ـ التبرك ووجود خصائص طبية وكيميائية :

قال الشيخ كاشف الغطاء ( قده ) : « أفلا يجوز أنْ تكون لتلك الطينة عناصر تكون بلسماً شافياً من جملة من الأسقام ، قاتلة للميكروبات ولا نكران ولا غرابة ، فتلك وصفة روحية من طبيب رباني يرى بنور الوحي والإلهام ما في طبائع الأشياء ، وبعرف أسرار الطبيعة وكنوزها الدفينة التي لم تصل إليها عقول البشر بعد ، ولعلّ البحث والتحري والمثابرة سوف يوصل اليها ، ويكشف سِرّها ، ويَحلُّ طَلْسَمَها ، كما إكتشف سِرّ كثير من العناصر ذات الأثر العظيم مما لم تصل إليه معارف الأقدمين ، ولم يكن ليخطر على باب واحد منهم مع نقدهم وسمو أفكارهم وعظم آثارهم ، وكم من سِرّ دفين ومنفعة جليلة في موجودات حقيرة وضئيلة لم تزل مجهولة لا تخطر على بال ولا تمر على خيال ، وكفي ( بالبنسلين ) وأشباهه شاهداً على ذلك ، نعم لا تزال أسرار الطبيعة مجهولة إلى أن يأذن الله للباحثين بحِلِّ رموزها وإستخراج كنوزها ، والأمور مرهونة بأوقاتها ولكل أجل كتاب ، ولا يزال العلم في تجدد فلا تبادر إلى الإنكار إذا بلغك أن بعض المرضى عجز الأطباء عن علاجهم ، وحصل

______________________

(٢٧١) ـ المصدر السابق / ١٨٧

١٥٨

لهم الشفاء بقوة روحية ، وأصابع خفية من إستعمال التربة الحسينية ، أو من الدعاء والإلتجاء إلى القدرة الأزلية ، أو ببركة دعاء بعض الصالحين »(٢٧٢)

ويؤيد هذا الرأي الشواهد التالية :

١ ـ ما ذكره المهندس يحي حمزة كوشك في كتابه ( زمزم طعام طعم وشفاء سقم ) ، الذي صدر عام ١٤٠٣ هـ : « وتؤكد التحاليل الكيميائية ومقارنتها بالمواصفات العالمية ، على أنّ ماء زمزم صالح تماماً للشرب ، وأنّ أثره الصحي جيد ، وقد وجد أنّ تركيز عنصر الصوديوم يُعدُّ مرتفعاً لكن لا يوجد ضمن المواصفات العالمية المنشورة جداً لأعلى تركيز للصوديوم ، كما وجد أنّ الأربعة عناصر السامة الموجودة : وهي الزرنيخ ، والكاذميوم ، والرصاص ، والسيلينيوم ، هي أقل من مستوى الضرر بكثير بالنسبة للإستخدام البشري ، لذلك فإنّ مياه زمزم خالية من أي أضرار صحية ، بل هي مفيدة جداً بقدرة الله تعالى »(٢٧٣)

٢ ـ « وبرهن العالم واكسمان ، والدكتور إلبرت ، أنّ التراب جراثيم نافعة يمكن إستخراجها ومعالجة الأمراض السارية بها وفعلاً اُستخرج دواء من التراب بإسم ( استربتوماسين ) الذي يعالج بها السل ، والتايفوئيد ، والجراحات المزمنة ، والإسهال القوي ، وذات الرئة وإلتهاب الحلق »(٢٧٤)

٣ ـ «والعلاج بالطين طريقة أثبتت التجارب نجاحها في إحداث الشفاء من كثير من الأمراض التي إستعصت على العقاقير المسكنة والمهدئة والمنشطة وغيرها

______________________

(٢٧٢) ـ كاشف الغطاء ، الشيخ محمد حسين : الأرض والتربة الحسينية / ٢٨ ـ ٢٩

(٢٧٣) ـ عبد القادر ، د / أحمد المهندس ( ماء زمزم الأمن المائي وصحة الحجيج ) ، القافلة ـ م / ٤٢ محرم / لعام ١٤١٤ هـ ص / ٤٤

(٢٧٤) ـ الدهان ، سعيد ناصر : القرآن والعلوم / ١٦٨

١٥٩

.. وأفادت في الوقاية من آفات أخرى أي أن لها إتجاهين : إتجاهاً وقائياً وعلاجياً

ويتم إستخدام العلاج بالطين للمرضى القادمين من أمريكا والمجر ويوغسلافيا وجميع أنحاء أوروبا ، للوقاية من السمنة ، والسكر ، وإضطرابات النمو عند الأطفال ، وإلتهابات الجهاز التنفسي ، ونوبات الربو ، والأعصاب ، كما أفادت النساء في الوقاية من الإختلافات في العظم الهورموني وحالات الدوالي كما ينصح به لمن لم تمارس أعمالاً فيزيائية متعبة ، أو لديه ميول نحو السمنة كما أظهر العلاج بالطين نتائج مذهلة في معالجة كثير من الأمراض الجلدية الإكزمائية التي إستعصت على المراهم والأدوية »(٢٧٥)

هذه بعض الشواهد المؤيدة لرأي الشيخ كاشف الغطاء ( قده ) في دليله المتقدم

وبعد هذا ، فأي مانع أنْ تكون في التربة الحسينية تلك الخصوصية الطبية والكيميائية كما كانت في ماء زمزم ؟ والخلاصة التي توصلنا إليها في الدليل العلمي ، إنّ التربة الحسينية بما تحمله من خصائص البركة إنما هي كرامة إلهية للحسينعليه‌السلام كما أنّ مقتضى البركة والكرامة أنْ توجد فيها خصائص طبية وكيميائية تفوق وجودها في التراب والطين الآخر الموجود في بقاع الأرض وكذلك المياه ، وقد حصل لماء زمزم ، ومقتضى هذه الكرامة الإلهية أنْ تكون على مدى العصور ، يحظى بها من إعتقد بها ، ويحرم منها من جهلها وتهاون بها وقد أشار إلى هذا إمامنا الصادقعليه‌السلام بقوله : ( وإنما يفسدها ما يخالطها من أوعيتها وقلة اليقين لمن يعالج بها ، فأما من أيقن أنها له شفاء إذا تعالج بها ؛ كفته بإذن الله من غيرها مما يتعالج به ، ويفسدها الشياطين والجن من أهل الكفر

______________________

(٢٧٥) ـ عبد الصمد ، محمد كامل : ثبت علمياً ، ج ١ / ( ٣٨ ـ ٣٩ )

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232