تربة الحسين عليه السلام الجزء ١

تربة الحسين عليه السلام16%

تربة الحسين عليه السلام مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 232

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 232 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59710 / تحميل: 3715
الحجم الحجم الحجم
تربة الحسين عليه السلام

تربة الحسين عليه السلام الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
العربية

تربة الحسين عليه السلام الجزء الأول

الشيخ أمين حبيب آل درويش

دار المحجّة البيضاء

١

٢

٣

٤

الإهداء :

إلى سبط الرسول ، ومهجة علي والبتول

إلى سيد الشهداء ، وخامس أصحاب الكساء

إلى الإمام الحسين بن علي (ع)

يسعدني ويشرفني أن أرفع إلى ساحة

قدسك هذا المجهود ، آملاً منك القبول ،

وشفاعتك في اليوم المهول

           

« المؤلف »

٥

٦

تقديم تفضل به

سماحة العلامة الحجة البحاثة الشيخ باقر شريف القرشي ( دام فضله )

بسم الله الرحمن الرحيم

الإمام الحسين رائد الحركة الإصلاحية التي أضاءت سماء الشرق العربي وغيره وانقدت المسلمين من واقعهم المرير وفتحت لهم آفاقاً مشرقة من الحرية والكرامة لقد أعزّ الله تعالى الإسلام بثورة أبي الأحرار التي جعلها الله تعالى عبرة لأولي الألباب وقدوة حسنة لدعاة الإصلاح الإجتماعي ، فلم تمض عليها حفنة من السنين حتى تبلورت الأفكار واستيقظ المسلمون من سباتهم ، وإذا بالمجتمع ينادي بفجر جديد لحياتهم الإجتماعية والسياسية فقد هَبّ المسلمون بثورات مثلى حقة فنسفت قصور الأموين وألحقت بهم الهزيمة والعار ، وانطوت معالم دولتهم القائمة على الظلم والطغيان

وكما أن الإمام الحسين عليه السلام سيد شباب أهل الجنة وأفضل المسلمين وسيد المصلحين فكذلك التربة التي استشهد على صعيدها من أفضل بقاع الأرض فما أضلت قبة السماء مكاناً قط أفضل ولا أسمى من بقعة كربلاء ، وقد أجمع رواة المسلمين أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد شم قطعة من تلك التربة الطاهرة التي جاء بها جبرئيل إليه وأخبره بشهادة ولده الإمام الحسين عليه السلام على صعيدها ، والشيعة إذ تقدس هذه التربة وتعظمها وتسجد عليها لله تعالى في صلاتها إنما هو إقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي شمها وقبلها وقد جعل الله تعالى الشفاء في تلك التربة الزكية إجلالاً للحسين وتعظيماً له وهي من الكرامات التي خصه بها فسلام عليه فما أعظم عائدته على الإسلام والمسلمين

٧

ومن الخير والفضل ما قام به ولدنا الفاضل العلامة الشيخ عبد الرسول آل درويش(أ) في تأليف رسالة ممتعة عن التربة الحسينية ، فقد بحث عنها بحثاً موضوعياً وشاملاً شكر الله تعالى مساعيه وبلّغه أمانيه واني أصافحه وأتمنى له المزيد من البحوث المشرقة التي تنفع الناس .

باقر شريف القرشي

١٧ / الأضحى / ١٤٢٣ هـ

__________________________

(أ) ـ هذا هو الاسم السابق للمؤلف

٨

كتاب

( تربة الحسين ـ دراسة وتحليل)

للشيخ عبدالرسول حبيب درويش ـ حفظه الله ـ

كان تأليف الجزء الأول من الكتاب سنة ١٤١٢ هـ ، ونسخ ـ وصف ـ حروف الكتاب سنة ١٤١٧ هـ ؛ لذا أنشدتُ هذه الأبيات مؤرخاً لسنة نسخه(ب)

هذا كتابٌ فيه تبيانٌ لنا

لكُلِّ داءٍ ودواءٍ وكفى

« عبدالرسول » شيخنا كتابه

أعيى « ابنُ سينا » طبهُ أنْ يصفا

جاءَ بهِ بجهدهِ وفنِّهِ

أضاءَ للقراءِ نوراً كُشِفا

في رونقٍ مُجللٍ شيدهُ

فمن أراد الشهدَ منهُ ارتشفا

كتابهُ بفكرهِ أرختهُ :

( أميرُنا ترابهُ فيهِ الشفا )

٣٠٢ + ٨٠٦ + ٩٥ + ٤١٢ = ١٤١٧ هـ

عبدالرؤوف إبراهيم آل درويش(ج)

__________________________

(ب) ـ طبع الجزءُ الأول ـ وظهر إلى النور ـ سنة ١٤١٩ هـ

(ج) ـ أحد شعراء بلدتنا ( الملاحة )

٩

١٠

١١
١٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيمِ

اَلحَمْدُ لله رَبِّ الْعالَمينَ ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى مُحَمَّد آلهِ الطَّاهِرينَ ، وبعد

الموضوع ودوافع اختياره :

فُطِرَ الإنسان على حب الإستطلاع ، والتعرف على الحقائق في مختلف المواضيع ، فهو دائماً هَمّه الوصول إلى الحقيقة ؛ إذ هي ضالته المنشودة ، وعلى هذه الفطرة سار الإسلام في خطوطه التربوية العامة ، وحرص على تربية هذه الأمة على الموضوعية والبحث ، ومقارنة الحجة بالحجة ، والبرهان بالبرهان ، قال تعالى :( قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) [ البقرة / ١١١ ] كما أنّه نعى على العقول الجامدة ؛ التي تحجرت ضمن جدران التقليد الأعمى ، قال تعالى :( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ) [ الزخرف / ٢٣ ]

وهذه التربية القرآنية من شأنها أن تجعل المسلم رائداً للحقيقة ، قوي الثقة بنفسه وبرسالته ، مادام الدليل مسلكه ، والبرهان حجته ، والحق غايته ولذلك كان طبيعياً أن يتجه الكثير من قادة الفكر الإسلامي ورواده ، وشبابنا المسلم المثقف ، إتجاهاً علمياً لدراسة تلك الأفكار المذهبية ، التي وقع فيها الخلاف بين الفئات الإسلامية ، ومن بين تلك الأفكار ـتربة الحسين عليه‌السلام ـ التي هي موضوع بحثنا

ومن الدوافع التي دفعتني لاختيار هذا الموضوع ما يلي :

١٣

١ ـ وجود الملابسات والإستفهامات حول هذا الموضوع

٢ ـ إهتمام الشباب والباحثين ـبهذا الموضوع ـ ؛ دعاني لبحثه بصورة واسعة ، بحيث يكون شاملاً لجميع نواحيه

أهميته :

يرجع الخلاف في هذا الموضوع ـتربة الحسين عليه‌السلام ـ إلى عمل الشيعة الإمامية حينما اتفقت كلمتهم على جواز السجود عليها ، واتخاذها سُبَح للتسبيح بها في الصلاة وفي غيرها ، واستعمالها للشفاء والبركة ، لأدلة اعتمدوها وهناك فئة تعيب على الشيعة الإمامية عملها هذا ، بل عَبّرت عنه بأنّه عبادة للتربة ومنطق العقل والإنصاف يقتضي عرض كلا الفكرتين على البحث ، ليتبين لنا مدى صحة إحداهما أو بطلانهما معاً ، وبحثنا« تربة الحسين عليه‌السلام دراسة وتحليل » سيعالج الفكرتين معاً

والشيء الذي ينبغي التنبيه عليه ، أنّ تربة الحسينعليه‌السلام ليست من مصطلحات الشيعة الإمامية ، بل ظهر هذا المصطلح وأشرقت شمس أهميته في عصر المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حينما أخبرته ملائكة السماء عن تلك التربة ، بإخبار جبرئيل ، وملك القطر أو المطر ـحسب ما ذكرته الروايات ـ وسوف نشير إلى قسم منها في طَيَّات هذا البحث

وأيضاً إهتمام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بها من شَمِّها وتقبيلها وتقليبها كما نَصّت الروايات وكذلك إخبار زوجاته وصحابته بشأن هذه التربة المقدسة واهتمام أهل البيتعليهم‌السلام بشأن هذه التربة ؛ بدءاً بالإمام السجادعليه‌السلام حيث أخذ من تراب قبر والده الحسينعليه‌السلام واستعمله للسجود في الصلاة ، وعمل منه سبحة ، وجعله للشفاء والبركة ، وسار على نهجه أولاده وشيعته

١٤

وقد اهتم بهذه التربة الشريفة الكُتّاب والباحثون من المسلمين وغيرهم ، يقول جعفر الخياط في بحثه( كربلاء في المراجع الغربية ) ، تحت عنوان : التربة الحسينية : « وقد كانت التربة الحسينية وما تزال تلفت نظر الكثيرين من الغربيين وغيرهم حينما يزورون كربلاء ، أو يتعرفون على المجتمعات الشيعية في كل مكان ولعل أول من أشار إليها وإلى إستعمالها في الصلاة من الغربيين الرحالة الألماني كايستن نيبور حينما زار كربلاء سنة ١٧٦٥ م »(١)

وتقول الدكتورة سعاد ماهر : « يحتفظ الشيعة بألواح من تربة كربلاء ، مما يصنع عادة في قوالب مختلفة الرسوم والأشكال ، وبعضها يحتوي على رسوم نباتية وهندسية أو كتابات قرآنية أو أحاديث نبوية أو أقوال مأثورة ، يتخذون منها لطهارة تربتها موضعاً للجبهة ليتحقق السجود عليها لأداء الصلاة لله تبارك وتعالى ، إهتماماً بشأن الصلاة ومحافظة على صحتها »(٢)

كما إهتم بها الشعراء وأخصُّ منهم الآتي :

١ ـ المرحوم السيد حيدر الحلي حيث يقول :

يا تربةَ الطف المقدّسةِ التي

هالوا على ابن محمدٍ بَوْغاءها

حيث ثراكِ فلا طفته سحابةٌ

من كوثر الفردوس تحمل ماءها(٣)

٢ ـ المرحوم طلائع بن رُزَيِّك ( الملك الصالح ) حيث يقول :

يا بقعة بالطف حشو

ترابها دنياً ودينا

أضحت كأصدافٍ يصادف

عندها الدر الثمينا(٤)

__________________________

(١) ـ الخليلي ، جعفر : العتبات المقدسة ، ج ١٣ / ٣٦٧ ـ ٣٦٨

(٢) ـ ماهر ، الدكتورة سعاد : مشهد الإمام علي في النجف وما به من الهدايا والتحف / ١٨٦

(٣) ـ الخليلي ، جعفر : العتبات المقدسة ، ج ١٣ / ٢١٧

(٤) ـ نفس المصدر / ٢٢٤

١٥

٣ ـ المرحوم العلامة الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حيث يقول :

تربة تَقدّست حين سالت

فوقها للحسين أزكى دماءِ

كل يوم يعلو ويهبط فوج

فوقها من أكارم الأمناءِ

ما تبقى لعظمها من نبي

لم يزرها من سائر الأنبياءِ(٥)

تساؤلات البحث :

١ ـ لماذا يعبد الإمامية التربة الحسينية ؟

٢ ـ لماذا يخالف الإمامية جمهور المسلمين بسجودهم على الأحجار ، وحملها في جيوبهم وتقديسها ؟

٣ ـ ما هذه الكلمات المكتوبة على التربة الحسينية ؛ التي يسجد عليها الشيعة الإمامية ؟

٤ ـ هل السجود على تربة الحسينعليه‌السلام يجعل الصلاة مقبولة عند الله سبحانه وتعالى ولو كانت باطلة ؟

٥ ـ لماذا يضع الشيعة الإمامية تربة الحسينعليه‌السلام مع الميت في قبره ؟

٦ ـ المعروف عن الشيعة الإمامية أنّها تقوم بتحنيك أولادها بتربة الحسينعليه‌السلام ، فما هو التحنيك ، وما أسبابه ، وما فوائده ؟

منهج وأسلوب البحث :

لستُ أول من كتب في هذا الموضوع ، بل سبقني إليه العلماء والباحثون وأخصُّ منهم التالي :

١ ـ المجتهد الأكبر الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء طاب ثراه ( ١٢٩٤ هـ ـ ١٣٧٣ هـ ) في رسالته( الأرض والتربة الحسينية ) حيث تناول التالي :

______________________

(٥) ـ الفرطوسي ، الشيخ عبد المنعم : ملحمة أهل البيت ، ج ٣ / ٢١٣

١٦

أولاً ـ أهمية الأرض للإنسان ؛ إذ هي مادة خلقه ومصدر خيراته ولها ارتباط بأحكامه الشرعية كل ذلك في الحياة ، وهي مدفنه في الممات ، أشار إلى ذلك في تفسيره لقوله تعالى :( أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ) [ المرسلات / ٢٥ ]

ثانياً ـ تَعرّض لأقسام الأرض من خلال تفسيره لقوله تعالى :( وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ ) [ الرعد / ١٤ ] وأوضح من خلال ذلك قاعدة التفاضل بين الأراضي ، وأثبت فضيلة تربة الحسينعليه‌السلام على غيرها

ثالثاً ـ أعطى فكرة تاريخية موجزة عن علاقة الشيعة الإمامية بهذه التربة الزكية ، من السجود عليها والإستشفاء بها ، وإعتمد في ذلك على روايات أهل البيتعليهم‌السلام

رابعاً ـ ختم رسالته بفوائد مهمة تتعلق بالأرض تشريعية وتكوينية

٢ ـ البحّاثة العلامة الشيخ عبد الحسين الأميني ( ١٣٢٢ هـ ـ ١٣٩٠ هـ ) طاب ثراه ، في بحثه( السجدة وما يصح السجود عليها ، السجدة على تربة كربلاء ) (٦) حيث تناول فيه التالي :

أ ـ ما يصح السجود عليه في السنة النبوية ، من خلال إستدلاله بروايات أهل السنة والجماعة

ب ـ أدلة الشيعة الإمامية على جواز السجود على تربة الحسينعليه‌السلام ، بناءً على الإستحسان العقلي المعتمد على أصلين :

أولهما ـ إتخاذ المصلي لنفسه تربة طاهرة يتيقن بطهارتها

ثانيهما ـ ثاعدة الإعتبار المطرد تقتضي التفاضل بين الأراضين

______________________

(٦) ـ الأميني ، الشيخ عبد الحسين : سيرتنا وسنتنا / ١٥٨ ـ ١٨٠

١٧

أقول : هذان البحثان أفضل ما كُتبا في هذا الموضوع ، وهما المادة الأساسية للبحوث التي أتت بعدهما ، إلا أنّ الأول منهما يتميز بالسعة والشمول على إختصاره ، إلا أنّ هذا الإختصار يحتاج إلى توضيح ؛ إذ مضى على تأليفه حتى الآن قرابة نصف قرن ، والأسئلة والإستفسارات تزداد ـ يوماً بعد يوم ـ حول هذا الموضوع ويتميز الثاني منهما بدراسة روايات السجود التي روتها العامة من باب التمهيد للوصول إلى صحة السجود على تربة الحسينعليه‌السلام من جهة ثم استعراض الدليل العقلي من جهة أخرى ، وأثبت من خلال ذلك صحة السجود على هذه التربة الزكية

وهذا الإسلوب رائع وموصل لغاية البحث ، إلا أنّه مع هذا يحتاج إلى إضافة بعض البحوث التي لها تَعلّق بالتربة ، حتى يقل التساؤل والإستفسار حولها ، وهذا ما يتميز به بحثنا ، وسوف يتبين لك ذلك ـأيها القارئ الكريم ـ بعد قراءة البحث بأكمله كما أنّه يعتمد في أسلوبه على طريقة السؤال والجواب ، فإنّها من الأساليب المحببة للقرَّاء الكرام وقد إتبعتُ فيه المنهج التالي :

البحث الأول ـ السجود على تربة الحسينعليه‌السلام

البحث الثاني ـ بداية إتخاذها سُبح ، مع بيان فضيلة التسبيح بها

البحث الثالث ـ الإستشفاء بها

البحث الرابع ـ أحكام التربة الحسينية

ثم نتائج تساؤلات البحث

وبهذا يتم بحثنا ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسوله محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآله الهداة ..

أمين آل درويش الجمعة ٢٧ / ٦ / ١٤١٢ هـ

١٨

١٩

٢٠

٢١

٢٢

التعرف على الأرض :

إنّ طبيعة الإنسان تدفعه للتعرف على ما يجري حوله ؛ ولذا منذ وجوده على الأرض ، بدأ يتفاعل مع البيئة المحيطة به ، وأخذ يتأمل في هذه البيئة وعلاقتها بحياته ؛ إذ هذه البيئة لها إرتباط بمكونات الأرض ومنتجاتها ، هكذا تتزايد معلومات الإنسان عن الأرض ، عبر تاريخها الطويل حتى القرن الأخير ، حيث إزدادت هذه المعلومات بشكل واسع ، مما حمل العلماء على حصرها ضمن علم مستقل أطلقوا عليه اسم( الجيولوجيا ) وهو مصطلع مُعرَّب عن الكلمة الإنجليزية(geology) المشتقة من الكلمتين الأغريقيتين(ge) يعني الأرض(Logus) وتعنى علم « وهو علم يبحث في كل ما يتعلق بالأرض ، حيث تركيبها الكيميائي والمعدني وخَواصّها الطبيعية والكيميائية والميكانيكية ، بالإضافة إلى العمليات الداخلية والخارجية التي أثَّرت وتُوثِّر عليها منذ نشأتها الأولى

كما أن الجيولوجيا أيضا تعني بدراسة أحداث الماضي السحيق ، وكذلك الأحياء النباتية والحيوانية التي عاشت فوق سطح الأرض ، وفي أعماق البحار ثم ماتت واندثرت ، والتعرف إلى خواص تطورها وقيمتها الإقتصادية على مَرّ العصور ، بالإضافة إلى دراسة الثروات المائية والبترولية والمعدنية التي توجد تحت سطح الأرض وفي أعماقها »(٧) وإليك بعض الأبحاث عن التربة

أ ـ أنواع التربة :

يقول أخصائي فيزياء التربة ( ديل سوار تزن دروبر ) : « والتربة عالم يفيض بالعجائب ، ولكنها عجائب لا يستطيع أن يصل إلى كنهها أو يكشف

______________________

(٧) ـ المهندس ، د. أحمد عبد القادر : ( الجيولوجيا والجيلوجيون ) مجلة القافلة ، ج ٣٦ ، شعبان ١٤٠٨ هـ ، ص ١٤

٢٣

أمرها إلا العلوم والدراسات العلمية »(٨) ويعبر الجغرافيون الطبيعيون عن التربة وألوانها وأنواعها وخصوبتها بما يأتي :

عَرّفوها بأنها : الغطاء الرقيق المتفتت الذي يغطي سطح الأرض في كثير من الجهات كما أنّهم قَسموها إلى التالي :

١ ـ تربة صلصالية : وتحتوي على نسبة عالية من المواد الذائبة ، وتحتفظ بكميات كبيرةٍ من المياه ، إلا أن حراثتها ليست سهلة بسبب تماسك جزئياتها الترابية وعلى كل فهي أصلح تربة زراعية ، وخَاصّة إلى القمح والشعير وغير ذلك

٢ ـ تربة رملية : وهي صالحة بشكل عام لزراعة الخضروات والفواكه ، وإنها سهلة الحراثة بسبب تفتت جزئياتها الترابية

٣ ـ تربة غرينية : وهي إما أن تكون أصلية أي جاثية فوق الصخور التي نشأت منها ؛ وهي على لون الصخور ذاتها وإما أن تكون منقولة : أي جاثية فوق صخور غريبة عنها ؛ مثل تربة السهول ، ومثل وادي الفرات أو وادي النيل وغير ذلك(٩)

ب ـ ألوان التربة :

قَسّمَ الجغرافيون الطبيعيون التربة إلى الألوان الآتية :

١ ـ تربة سوداء : وقد أطلقوا عليها اسم« التسترنوزيوم » وتوجد في أوربا الوسطى الشمالية وهي أجود تربة من حيث صلاحيتها للزراعة على الإطلاق

______________________

(٨) ـ نخبة من العلماء الأمريكيين : الله يتجلى في عصر العلم / ص ١١٦

(٩) ـ الربيعي ، الشيخ عبدالجبار : البراهين العلمية / ٢١٨

٢٤

٢ ـ تربة صفراء : وتسمى« اللوس » وتوجد في شمال الصين وهي ناعمة جداً

٣ ـ تربة حمراء : وتسمى« لاتيريت » هي ذات لون داكن أو أسمر ، وتوجد بكثرة في سهول حلب

٤ ـ تربة سمراء : وتسمى« البوذرول » وهي إما رمادي فاتح أو أبيض ، وتكثر في الغابات

٥ ـ تربة بركانية : وهي تربة خصبة جداً لكثرة المواد المعدنية فيها ، وتوجد في بلاد حَوْرَان ومنطقة الروج جنوب جسر الشغور

٦ ـ تربة المناطق الصحراوية : وهي غنية بالأملاح القابلة للذوبان ويمكن تحويلها إلى حقول زراعية إذا توفرت المياه لريّها

٧ ـ تربة شهبا كلسية : تتكون في المناطق القليلة الأمطار والنبات ، تظهر بيضاء اللون لإحتوائها على نسبة كبيرة من كربونات الكالسيوم وهي جيدة الصّرْف(١٠)

وبعد هذا البيان ؛ تبين لنا أنّ إختلاف الأرض في طبقاتها وألوانها ، لا يمكن أنْ يكون كذلك خَبْطَ عَشْوَاء ، وإنما هي صنع حكيم ، كما قال تعالى :( وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ
بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
) [ الرعد / ٤ ] بُقَاعُ مختلفةَ مع كونها متجاورة متلاصقة : طَيِّبَةٌ إلى سَبِخَة ، وصلبة إلى رخوة ، وصالحة للزرع والشجر إلى أخرى على عكسها مع إنتظام جميعها في جنس الأرضية ، وكذلك الكُرُوم والزرع والنخيل النابتة في هذه القطع مختلفة

______________________

(١٠) ـ المصدر السابق / ٢٢٠

٢٥

الأجناس والأنواع :( يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ ) وتراها متغيرة الثمار في الأشكال والهيئات والطعوم والروائح متفاضلة فيها ، وفي ذلك دلالة على صنع القادر العالم

ومن غرائب وعجائب هذه الأرض ، ما أشارت إليه الآيات ، كما في قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ
إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ
) [ فاطر / ٢٧ ـ ٢٨ ]

تكليف وعبادة :

إقتضت سنة الله تعالى في خلق الإنسان وإسكانه الأرض ، وتزينه ما عليها له ليمتعه بذلك ويُميّز به أهل السعادة من غيرهم وإلى هذا أشارت الآيات القرآنية التي سنعقد البحثين الآتين من أجلها

١ ـ إبتلاء وإمتحان :

إنّ الأرض هي الغاية من حياة الإنسان فقط ، فقد خلق آدمعليه‌السلام للأرض للتمتع بخيراتها والبقاء فيها إلى وقت محدود ، وإنّها دار إبتلاء وإمتحان ، وإلى هذا أشارت الآية الشريفة :( وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ) [ البقرة / ٣٦ ] وأيضاً قوله تعالى :( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) [ الكهف / ٧ ]

إنّ النفوس البشرية خلقت للتصفية والتطهير ، بإسكانها الأرض لأجل معلوم ، بالبقاء للتعلق والإرتباط بينها وبين ما على الأرض من أمتعة الحياة : من مال وولد وجاه ، فكان ما على الأرض محبباً لقلوبهم وزينة للأرض وحلية

٢٦

تتحلى بها ؛ لكونها عليها ؛ فتعلقت نفوسهم بالأرض بسببه واطمأنت إليها فإذا إنقضى الأجل المحدود من قبل الله تعالى لتمكينهم في الأرض ؛ تحقق ما أراده من البلاء والإمتحان وسلب ما بينهم وبين ما على الأرض

٢ ـ تقديس وعبادة :

حظيت الأرض بالتقديس والتطهير ، لما عليها من مظاهر التطهير الإلهي كما في قوله تعالى :( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) [ الأحزاب / ٣٣ ] إذ هو ـالقدوس ـ أي الطاهر المُنَزّه عن العيوب والنقائص ؛ ولذا طَهّر بعض عباده من كل العيوب ، كما نَصّت الآية الخاصة بآل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقوله تعالى :( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ ) [ النحل / ١٠٢ ] يعني جبرئيل من حيث أنّه ينزل بالقدس من الله ؛ أي بما يطهر به نفوسنا من القرآن والحكمة والفيض الإلهي وقوله تعالى :( إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) [ طه / ١٢ ]

وتتجلى لنا قداسة الأرض في هذه الآية ؛ حيث أنّ( طُوًى ) ؛ إسم الوادي بطور ، وهو الذي سَمّاه الله بالوادي المقدس ، وهذه التسمية والتوصيف ؛ هي الدليل على أنّ أمره بخلع النعلين إنّما هو لإحترام الوادي أن لا يداس بالنعل ، ثم تفريع خلع النعلين مع ذلك على قوله :( إِنِّي أَنَا رَبُّكَ ) يدل على أنّ تقديس الوادي إنّما هو لكونه حظيرة القدس وموطن الحضور والمناجاة ، وعلى هذا النحو يقدس ما يقدس من الأمكنة والأزمنة كالكعبة المشرَّفة ، والمسجد الحرام ، والمشاهد المحترمة في الإسلام ، وكذلك تربة الحسينعليه‌السلام كما سيأتي البحث فيها

ومن مظاهر التقديس في الأرض ، جعل فيها البيت الحرام ـالكعبة ـ وما في ذلك الجعل من مظاهر العبادة والتطهير ، والى هذا أشارت الآية

٢٧

الشريفة :( جَعَلَ اللَّـهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ ) [ المائدة / ٩٧ ] ومعنى القيام في الآية ـ كما هو المستفاد من كلمات المفسرين ـ أنّ الله جعلها لَتقوِّم الناس من خلال التوجه إليها في متعبداتهم ومعاشهم ؛ أما متعبداتهم فالصلاة والطواف حولها ، والتوجه إليها في ذبائحهم وإحتضار موتاهم وغسلهم ودفنهم وأما معاشهم ؛ فأمنهم عندها من المخاوف وأذى الظالمين ، وتحصيل الرزق والاجتماع بجملة الخلق الذي هو أحد أسباب إنتظام معاشهم إلى غير ذلك من المنافع والفوائد ومن مظاهر التقديس والتطهير ، ما أشار إليه الحديث النبوي : ( تمسحوا بالأرض فإنها أمكم وهي بَرَّة بكم )(١١)

توضيح حديث ( تمسحوا بالأرض ) :

وللعلماء في تفسيره وجوه كالتالي :

السيد عبدالله شُبَّر :

وَجّهه بوجوه أهما مايلي :

١ ـ أن المراد بالتمسح التيمم بها عند الضرورة

٢ ـ أن يكون ذلك كناية عن الجلوس عليها ،وإستشهد له بما رواه الراوندي :( أنه أقبل رجلان إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فقال أحدهما لصاحبه : اجلس على اسم الله تبارك وتعالى والبركة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اجلس على إستك ، فأقبل يضرب الأرض بعصا ؛ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تضربها فإنها أمكم وهي بكم بَرَّةّ )

٣ ـ أن يكون المراد بذلك مباشرة ترابها بالجباه في السجود من غير حائل ، ويكون الأمر للإستحباب وقولهعليه‌السلام : «( فإنّها بكم بَرَّةّ ) أي مشفقة

______________________

(١١) ـ شبّر ، السيد عبدالله : مصابيح الأنوار ، ج ٢ / ١٨٥

٢٨

عليكم كالوالدة البرّة بأولادها يعني منها خلقكم وفيها معاشكم وإليها بعد الموت معادكم»(١٢)

الشريف الرضي :

« والمراد بقوله : ( فإنّها بكم برّة ) يرجع إلى أنّها كالأم للبرية ؛ لأنّ خلقهم ومعاشهم عليها ورجوعهم إليها فلما كانت الأرض تسمى أُمّاً لنا من الوجوه التي ذكرناها ؛ كان قوله عليه الصلاة والسلام :( فإنّها لكم برّة ) يرجع إلى وصفها بالأمومة ؛ لأنّهم يقولون : الأرض ولود ، يريدون كثرة إنشاء الخلق وإستيلادهم عليها

ولقوله عليه الصلاة والسلام ( تمسحوا بالأرض ) وجهان :

أحدهما : أن يكون المراد التيمم منها في حالة الطهارة وحالة الجنابة

ثانيهما : أن يكون المراد مباشرة ترابها بالجباه في حال السجود عليها وتعَفّر الوجوه فيها ، ويكون هذا القول أمر تأديب ، لا أمر وجوب ؛ لأنّ من سجد على جلدة الأرض ومن سجد على حائل بينها وبين الوجه واحد في أجزاء الصلاة ، إلا أنّ مباشرتها بالسجود أفضل ، وقد روي أنّ النبي عليه الصلاة والسلام كان يسجد على الخمرة ، وهي الحصير الصغير يعمل من سعف النخل ، فبان أنّ المراد بذلك فعل الأفضل لا فعل الأوجب »(١٣)

أقول : الوجوه التي ذكرت يمكن تلخيصها بما ورد عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام : أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : (إنّ الأرض بكم بَرَّة ، تتيممون منها وتصلون

______________________

(١٢) ـ المصدر السابق

(١٣) ـ الشريف الرضي ، محمد بن أبي أحمد الحسين : المجازات النبوية / ١٨٢ ـ ١٨٣

٢٩

عليها في الحياة ، وهي لكم كفات في الممات ، وذلك من نعمة الله له الحمد ، فأفضل ما يسجد عليه المصلي الأرض النقية ) (١٤)

ـ تكريم إلهي :

كرّم الله تعالى الإنسان بأفضل أنواع النعم ، التي من أهمها ما شُرِّع له من الأحكام عند موته من تغسيل وتكفين وتحنيط وصلاة ومواراة وهذه المراسيم لم تكن لغيره من الخلق ، ويتجلى لنا هذا التكريم فيما يأتي :

١ ـ إنّ جثة ميت الإنسان لا تبقى على وجه الأرض ، كما تبقى جثة ميت الحيوان مثلاً ، بذلك المنظر الذي يوحي إلى عدم تكريم تلك الجثة ، علاوة على بشاعة المنظر

٢ ـ لو بقيت جثة الإنسان بدون مواراة ؛ لتفسخت وظهرت الروائح الكريهة ، وانتشرت الأوبئة الضارة التي تؤدي إلى هلاك الكائنات الحية التي على وجه الأرض ، ولكن التكريم الإلهي للإنسان ، حَثّ على المسارعة بالقيام بهذه المراسيم ، حِفاظاً على كرامته ميتاً ، وحفاظاً على الأحياء من تفشي الأوبئة المضرِّة بهم

٣ ـ إنّ عملية التغسيل فيها من الأسرار الطبية ؛ إذ ثبت علمياً ما نَصّه : « أما الجسد الميت فهو سريع التحلل والتفسخ ، خصوصاً في أيام الصيف ، ويصبح عرضةً لهجوم المكروبات بعد ساعات من الموت ، ومَسّ هذا الجسد من قبل الأحياء قد يؤدي إلى الإصابة بالكثير من الأمراض لاسِيما إذا كانت الوفاة حدثت نتيجة الإصابة بإحدى الأمراض المعدية »(١٥)

______________________

(١٤) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ج ٨٢ / ١٥٦

(١٥) ـ علي ، الدكتور صادق عبد الرضا : القرآن والطب الحديث / ٢٢٩ ـ ٢٣٠

٣٠

ولذا حَثّ الإسلام على المسارعة بتغسيل الميت ، والقيام بهذه الأغسال الثلاثة ، بماء السدر ، والكافور ، والقراح ، فمادة الكافور وأوراق السدر مع الماء مطهرة ومعقمة لبدن الميت من هذه الجراثيم والميكروبات المضرة ، وهذا ما نستفيده من أجوبة بعض الفقهاء

س / ما الحكمة والمصلحة في وجوب غسل مس الميت إذا وضع شخص يده على بدن ميت قبل تغسيله ؟

ج / حكم ومصالح أوامر الله كثيرة ، ومن الممكن أن تكون إحدى حكم غسل مس الميت أن في بدن الميت سموماً تسري إلى الأحياء بالمسّ وترتفع بالغسل(١٦)

س / لأي سبب يُغسَّل الميت بالسدر والكافور ، وما هي عِلّتُه وحِكْمَتهُ ؟

ج / لأمر الرسول ( صلی الله عليه وآله ) المطابق للأخبار الصادرة عن الأئمة ( عليهم السلام ) ، وحكمة ذلك المضارة لعفونة الميت والسموم التي تخرج من بدنه حال الموت(١٧)

ويقول الدكتور حَسّان شمسي باشا : « ويعرف الكافور بأنه يمنع العِثّ ، وبعض الحشرات الأخرى ، كَدِيدَان الخشب ، وقد صُنِعَتْ خزائن من خشب الكافور ظلت أثراً على مر العصور »(١٨) ؛ ولذا إقتضت حكمت التشريع الإلهي المحافظة على هذا الإنسان من بداية دخوله هذه الحياة ؛ إذ من المستحبات غسل الوليد وقد ثبت علمياً ما نَصّه : وقد ثبت اليوم علمياً ، أنّ الدم سريع التفسخ

______________________

(١٦) ـ الكلبيكاني ، السيد محمد رضا : مجمع المسائل ، ج ١ / ١٠٧

(١٧) ـ نفس المصدر ، ج ١ / ١١٣

(١٨) ـ باشا ، الدكتور حسّان شمسي : قبسات من الطب النبوي / ٩٢

٣١

والتلوث ، فبقائه على جسم الإنسان يجهله عِرْضَة للإصابة بالأمراض ، إضافة إلى رائحة غير مقبولة ؛ لهذا إشترط الإسلام الغسل على الحائض والنفساء ـالمرأة التي ولدت حديثاً ـ والطفل المولود »(١٩)

وبعد بيان ما تقدم ، تبين لنا مدى التكريم الإلهي للإنسان ، ومدى المحافظة عليه في بدايته ونهايته ، وإلى هذا يشير الشاعر بقوله :

نغسله عند الولادة مثلما

نغسله عند الوفاة جوارحاً

ليستقبل الداربن بالطهر والتقى

فيصبح في كلٍ على الكلِ راجحاً

وما بين ذي الطُهْرِ من دَنَسِ الخطا

يُطهره الباري ويحسب صالحاً(٢٠)

ـ الأرض بداية ونهاية :

تَنصّ الآيات القرآنية ، على أنّ الأرض بداية الإنسان ونهايته على الإجمال والتفصيل كما في الآيات الآتية وهي :

قوله تعالى :( مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ ) [ طه / ٥٥ ]

وقوله تعالى :( أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ) [ المرسلات / ٢٥ ـ ٢٦ ]

الكِفْتُ : الجمع والضم والوعاء وعلى هذه المعاني ، أنّ الأرض تجمع الأحياء على ظهرها ، وهي وعاء يضم الأموات في باطنها وقد تقدم السِّر في كوننا على ظهرها ، ويبدوا لنا السر في كوننا في باطنها فيما يأتي :

______________________

(١٩) ـ علي ، الدكتور صادق عبدالرضا : القرآن والطب الحديث / ٢٢٩

(٢٠) ـ البحراني ، السيد محمد صالح الموسوي : النمارق الفاخرة إلى طرائق الآخرة ، ج ٢ / ١٢٩

٣٢

يقول الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ( طاب ثراه ) : « أوجبت الشرائع السماوية(٢١) ـوبالأخص شريعة الإسلام ـ دفن الأموات فيها ، ولا يجوز دفن الميت في غيرها ، وأن يوضع خده على الأرض ، ولا يجوز حتى إلقائه في البحر مع التمكن من دفنه بالأرض ، بل ولا إحراقه بالنار ، مع أن المتبادر بادئ النظر ، أنه أبلغ في قمع جراثيم الأموات المضرة بالأحياء كما يصنعه البراهمة الذين يحرقون أمواتهم ، ولكن أليس من الجائز القريب أن يكون جثمان الإنسان يحمل ، أو تُحمل فيه عن مفارقته الحياة مواد من ناشرات الأوبئة التي لو أحست بحرارة تطايرت في الفضاء قبل أن تحترق ، فتأخذ مفعولها في نشر الأمراض وتلويت الهواء ، وكذا لو ألقيت في البحر أو الأنهار تنمو وتشتد بخلاف ما لو دفنت في التراب ، ولعل فيها مواد من خَاصِّيتها تلف تلك الجراثيم مختلفة الأنواع ، التي لو انتشرت لأهلكت كل حيّ حتى النبات »(٢٢)

وقد أيَّد العلم الحديث هذه النظرية ؛ إذ ذكرت إحدى الكتب العلمية ما يأتي :

« وللبرهنة على أن التراب قاتل الميكروبات لك مثال واحد : إننا نعلم عند موت الإنسان تتفسخ جثته ، ولا بد أن تتحول إلى جراثيم فَتّاكة للغاية ، فكيف إذا لم يكن العالم بأسره مُلَوّثاً بهذه الجراثيم ، فكيف إذن تموت ؟ فلا توجد إلا طريقة واحدة ، هي قتل التراب للميكروبات وبَرهن العالم وكسمان ، والدكتور إلبرت : أن التراب جراثيم نافعة يمكن إستخراجها ومعالجة

______________________

(٢١) ـ وبداية هذا التشريع يرجع إلى ما أشارت إليه الآية المباركة :( فَبَعَثَ اللَّـهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ
يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَىٰ أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ
) المائدة / ٣١

(٢٢) ـ كاشف الغطاء ، الشيخ محمد حسين : الأرض والتربة الحسينية / ٢١

٣٣

الأمراض السارية بها وفعلاً إستخرج دواء من التراب باسم ( استربتوماسين ) ، الذي يعالج به السل والتايفوئيد والجراحات المزمنة والإسهال القوي وذات الرئة والتهاب الحلق »(٢٣)

وبعد بيان ما تقدم من الأبحاث ، إتضح لنا أن هذه الأرض المباركة ذات الآيات الباهرة ، التي هي من أعظم آيات الله التي نَمرُّ عليها ليلاً ونهاراً ونحن عنها معرضون ، كما أشارت الآية الكريمة :( وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ) [ يوسف / ١٠٥ ]

ويكفيها عظمةً وقداسة أنها بمثابة الأم الحنون لما عليها من الكائنات الحية التي خلقت منها ، وإنها محل الإبتلاء والإختبار للعباد نعم شُرِّعت العبادة عليها ، ومن أعظم العبادات الصلاة ، ومن أعظم أركان الصلاة قرباً لله السجود عليها ، إذن عظمت الأرض تستدعي السجود عليها

______________________

(٢٣) ـ الدهان ، سعيد ناصر : القرآن والعلوم / ١٦٧ ـ ١٦٨

٣٤

٣٥
٣٦

الفصل الأول ـ السجود في اللغة :

س / ما هو السجود لغةً ؟

ج / تناولت كتب اللغة لفظة السجود بما يأتي :

في المصباح المنير ، ج ١ / ٣٦٦ للفيومي : « سَجَد ( سجوداً ) تَطَامن وكل شئ ذَلّ فقد سجد وسجد البعير ؛ خفض رأسه عند ركوبه »

وفي منجد اللغة / ٣٢١ ، « سجد ـ سجوداً : إنحنى خاضعاً ـ وضع جبهته على الأرض متعبداً ، فهو ساجد (ج) سُجَّد وسجود يقال هو ساجد النخر ؛ أي ذليل خاضع ، ونخلة ساجدة أي مائلة »

وفي مجمع البحرين ج ٣ / ٦٣ للشيخ فخر الدين الطريحي : « وهو في اللغة : الميل ، والخضوع ، والتطامن ، والإذلال » والذي يبدو ، أن هذه المعاني متقاربة ، وهي خلاصة ما ذكره اللغويون حول هذه اللفظة ؛ ولذا نلاحظ أن الطريحي أجاد في تعريف « اللفظة » بما ذكره من المعاني الأربعة ، بهذه الصياغة المختصرة

الفصل الثاني ـ السجود في الإصطلاح :

س / ما هو السجود إصطلاحاً ؟

ج / وردت عدة تعاريف للفظة ( السجود ) في الإصطلاح ، لكن الأفضل منها ما يأتي :

١ ـ « وَضْعُ الجبهة على الأرض خضوعاً لله تعالى »(٢٤)

٢ ـ « وخُصّ السجود في الشريعة بالركن المعروف من الصلاة ، وما يجري مجرى ذلك من سجود القرآن وسجود الشكر »(٢٥)

______________________

(٢٤) ـ السبزواري ، السيد عبد الأعلى : مواهب الرحمان في تفسير القرآ ن ، ج ١ / ١٦٦

(٢٥) ـ الراغب الإصفهاني ، ابي القاسم ، الحسين بن محمد : المفردات في غريب القرآن / ٢٢٤

٣٧

الفصل الثالث ـ السجود في القرآن :

١ ـ معني السجود :

س / ما هو السجود في القرآن ؟

ج / يُفْهَم من الآيات القرآنية ، أن للسجود عدة معانٍ أهمها التالي :

الخشوع والخضوع :

الخشوع : هو الخضوع أي التطامن والتواضع وهو أمر عبادي يترتب على فِعْلِه الثواب ، وهو يشمل سجود الجن والإنس والملائكة فقط ، كما في الآيات الآتية : قوله تعالى :( فَاسْجُدُوا لِلَّـهِ وَاعْبُدُوا ) [ النجم / ٦٢ ] وقوله تعالى :( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ
اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ
) [ البقرة / ٣٤ ]

ذكر المحقق السيد الخوئي في تفسير الآية : « إن السجود حيث كان بأمر الله ؛ وهو في الحقيقة خضوع لله وسجود له »(٢٦) وقال تعالى :( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى
الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا
) [ يوسف / ١٠٠ ]

وذكر الشيخ أبو جعفر الطوسي في تفسير الآية : « قال القوم : إن الهاء في قوله ( له ) راجعة إلى الله فكأنه قال : فَخَرُّوا لله سُجَداً شكراً على ما أنعم به عليهم من الإجتماع »(٢٧) ويُعَضِّده ما روي عن الصادقعليه‌السلام ـ أنه قرأ : ( وخروا لله ساجدين )(٢٨) وقوله تعالى :( وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا ) [ البقرة / ٥٨ ]

______________________

(٢٦) ـ الخوئي ، السيد أبو القاسم : البيان في تفسير القرآن / ٤٧٤

(٢٧) ـ الطوسي ، شيخ الطائفة أبو جعفر ، محمد بن الحسن : التبيان في تفسير القرآن ، ج ٦ / ١٩٧

(٢٨) ـ الطبرسي ، الشيخ الفضل بن الحسن : جامع الجوامع في تفسير القرآن ، ج ١ / ٧٤٨

٣٨

وقال المحقق السيد السبزواري في تفسير الآية : « والسجود هنا بمعنى الخضوع والخشوع المناسب لمن يدخل الأرض المقدسة ، وهو تأديب إلهي في كيفية دخول بيت المقدس »(٢٩)

الإنقياد : وهو الخضوع ، ويُعَبَّر عنه بالسجود التسخيري ، وهو عام يشمل السجود العبادي المتقدم ، وسجود باقي المخلوقات كالحيوان والجماد ، وإليه أشارت الآيات التالية :

قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ
وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ
) [ الحج / ١٨ ]

س / كيف يُتَصَوّر سجود هذه المذكورات ؟ ولِمَ قال : ( وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ) مع أن قوله : ( مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ ) مغنٍ عنه ؟

ج / « سُميت مطاوعتها له تعالى فيما يحدث فيها من أفعاله ، ويجري عليها من تدبيراته إيّاها ، وتسخيره لها ، سجوداً له تشبيهاً لمطاوعتها بإدخال أفعال المكلف في باب الطاعة والإنقياد ، وهو السجود الذي كل خضوع دونه

أما قوله :( وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ) ؛ فمعناه : ويسجد له كثير من الناس سجود طاعة وعبادة ، وهم المؤمنون به والموحدون له ، ولا يصح أن يراد من السجود في صدر الآية ، السجود بهذا المعنى من الطاعة والعبادة ؛ لأن ذلك يصح في حق الملائكة والإنس والجن فقط ، وهذا لا يصح أن يراد في حق _

_____________________

(٢٩) ـ السبزواري ، السيد عبد الأعلى : مواهب الرحمن في تفسير القرآن ، ج ١ / ٢٥٢

٣٩

الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب »(٣٠) وقوله تعالى :( وَلِلَّـهِ
يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِن دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ
) [ النحل / ٤٩ ]

س / ـ ما ـ لما لا يعقل ، وما معنى سجود ما لا يعقل ، وكيف يصدر السجود من الموجودات التي لا تعقل ، وهي جمادات وحيوانات صامته ؟

ج / « هذا من باب الإستعارة والمراد كونها غير ممتنعة عليه وتحت تصرفه ، ولما كان سجود من يعقل هو الخضوع والخشوع له تعالى الذي هو ضرب من الانقياد وسجود ما لا يعقل كما عرفت ، ناسب أن يعبر عنها بالسجود وبعلاقة عدم الامتناع عليه »(٣١)

٢ ـ هيئة السجود وكيفيته :

س / على أي كيفيّة جاءت السجدة العبادية في القرآن ؟

ج / أشارت الآيات القرآنية إلى التالي :

قوله تعالى :( إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا ) [ السجدة / ١٥ ]

وقوله تعالى :( إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَـٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ) [ مريم / ٥٨ ]

وقوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا ) [ الإسراء / ١٠٧ ]

وقوله تعالى :( تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم
مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ
) [ الفتح / ٢٩ ]

______________________

(٣٠) ـ ياسين ، الشيخ خليل : أضواء على متشابهات القرآن ، ج ٢ / ٣٧

(٣١) ـ نفس المصدر ، ج ٢ / ٣٢٢ ـ ٣٢٣

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232