تربة الحسين عليه السلام الجزء ١

تربة الحسين عليه السلام25%

تربة الحسين عليه السلام مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 232

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 232 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59774 / تحميل: 3716
الحجم الحجم الحجم
تربة الحسين عليه السلام

تربة الحسين عليه السلام الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

منهم يتمسحون بها ، وما تمر بشئ إلا شَمّها وأما الشياطين وكُفّار الجن فإنهم يحسدون ابن آدم عليها ، فيتمسحون بها فيذهب عامة طيبها ، ولا يخرج الطين من الحير إلا وقد إستعد له مالا يحصى منهم ، والله إنها لفي يدي صاحبها وهم يتمسحون بها ، ولا يقدرون مع الملائكة أنْ يدخلوا الحير ، ولو كان من التربة شيء يسلم ما عُولج به أحد إلا برئ من ساعته ، فإذا أخذتها فأكتمها وأكثر عليها ذكر الله جلَّ وعزَّ ، وقد بلغني أنّ بعض من يأخذ من التربة شيئاً يستخف به ، حتى أنّ بعضهم ليطرحها في مخلاة الإبل والبغل والحمار أو في وعاء الطعام ، وما يمسح به الأيدي من الطعام والخُرْج والجُوَالِقَ فكيف يستشفي مَن هذا حاله عنده ؟! ولكن القلب الذي ليس فيه اليقين من المستحق بما فيه صلاحه ؛ يفسد عليه عمله )(٢٧٦)

______________________

(٢٧٦) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٩٨ / ١٢٦

١٦١
١٦٢

١٦٣

١٦٤

توطئة :

سبق أنْ ذكرت ـ في أبحاث السجود والتسبيح والإستشفاء ـ قسماً من الأحكام المتعلقة بتربة الحسينعليه‌السلام ، إلا أنها على نحو الإستدلال المقارن بين الشيعة الإمامية والسنة ، وفي هذا البحث سيتم التركيز على أحكام التربة الحسينية في الفقه الإمامي على التفصيل التالي :

١ ـ للميت :

ذكر الفقهاء أنّ للميت علاقة بالتربة الحسينية في عدة موارد هي :

أ ـ في الحنوط :

قال المحقق البحراني ( قده ) : « وضع التربة الحسينية ـ على مُشَرِّفِها أفضل الصلاة والسلام والتحية ـ في حنوط الميت ، لما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري قال : كتبت إلى الفقيه أسأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره هل يجوز أم لا ؟ فأجاب ( عليه السلام ) وقرأت التوقيع ومنه نَسَخْتُ : يوضع مع الميت في قبره ويخلط بحنوطه إن شاء الله تعالى »(٢٧٧)

وقال المحقق الإصفهاني ( قده ) : « يستحب خَلْط كافور الحنوط بشيء من التربة الشريفة ، لكن لا يمسح به المواضع المنافية لإحترامها كالإبهامين »(٢٧٨)

ب ـ في الكفن :

وقال المحقق الحلي ( قده ) : « ويكتب على الحِبرَة والقميص والإزار والجريدتين إسمه ، وأنه يشهد الشهادتين ، وإنْ ذكر الأئمة عليهم السلام وعددهم إلى آخرهم كان حسناً ، يكون ذلك بتربة الحسين عليه السلام »(٢٧٩)

______________________

(٢٧٧) ـ البحراني ، الشيخ يوسف : الحدائق الناضرة ، ج ٤ / ٥٣

(٢٧٨) ـ الإصفهاني ، السيد أبو الحسن الموسوي : وسيلة النجاة ، ج ١ / ٨٤

(٢٧٩) ـ الحلي ، الشيخ نجم الدين جعفر بن الحسن : شرائع الإسلام ، ج ١ / ٤٠ ( تعليق محمد علي البقّال )

١٦٥

وقال شيخ الطائفة الطوسي ( قده ) : « الكتابة بالشهادتين ، والإقرار بالنبي والأئمة ( عليهم السلام ) ، ووضع التربة في حال الدفن والجريدة إنفراد محض لا يوافقنا عليه أحد من الفقهاء(٢٨٠) دليلنا : إجماع الفرقة وعملهم عليه »(٢٨١)

وقال المحقق الكركي ( قده ) : « إستحباب الكتابة بتربة الحسين عليه السلام ، ذكره الأصحاب ؛ لأنها تتخذ للبركة ، وهي مطلوب حينئذ ، ينبغي أنْ تُبَلّ التربة ، كما صَرّح به المفيد وغيره ، لتكون الكتابة مؤثرة حملاً على المعهود »(٢٨٢)

ج ـ في القبر :

قال المحقق اليزدي ( قده ) : « جعل مقدار لبنة من تربة الحسين ـ عليه السلام ـ تلقاء وجهه بحيث لا تصل إليها النجاسة بعد الإنفجار »(٢٨٣)

وقال المحقق الكركي ( قده ) : « تبركاً بها ، وتيمناً ، وإحترازاً من العذاب وهو كافٍ في الإستحباب »(٢٨٤)

٢ ـ للمصلي :

أ ـ أحكام المسجد :

قال المحقق اليزدي ( قده ) : « السجود على الأرض أفضل من النبات والقرطاس ، ولا يبعد كون التراب أفضل من الحجر ، وأفضل من الجميع التربة الحسينية ، فإنها تخرق الحُجُب السبع ، وتستنير إلى الأرضيين السبع »(٢٨٥)

______________________

(٢٨٠) ـ المراد من الفقهاء ، فقهاء العامة ـ المؤلف

(٢٨١) ـ الطوسي ، الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن : الخلاف ، ج ١ / ٧٠٦

(٢٨٢) ـ الكركي ، الشيخ علي بن الحسين : جامع المقاصد ج ١ / ٣٩٥ ـ ٣٩٦

(٢٨٣) ـ اليزدي ، السيد محمد كاظم : العروة الوثقى ، ج ١ / ١٨٥ ( تعليق المحقق السيد الحوئي )

(٢٨٤) ـ الكركي ، الشيخ علي بن الحسين : جامع المقاصد ، ج ١ / ٤٤٠

(٢٨٥) ـ اليزدي ، السيد محمد كاظم ، العروة الوثقى ج ١ / ٢٦٣

١٦٦

وقال المحقق الإصفهاني ( قده ) : « وكذا يستحب الصلاة في مشاهد الأئمة عليهم السلام ، وخصوصاً مشهد الإمام علي عليه السلام وحائر الحسين عليه السلام »(٢٨٦)

وقال الفقيه السبزواري ( قده ) : « ويلحق بالمسجد المصحف الشريف والمشاهد المشرّفة ، والضرايح المقدّسة ، والتربة الحسينية ، بل تربة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسائر الأئمة عليهم السلام المأخوذة للتبرك ، فيحرم تنجيسها إذا كان يوجب إهانتها ، ويجب إزالة النجاسة عنها حينئذ »(٢٨٧)

وقال أيضاً : « لأنّ هذه كلها من المقدسات المذهبية بل الدينية في الجملة ، فيحرم الهتك والإهانة بالنسبة إليها لمكان قداستها ، ومقتضى سيرة المتدينين خلفاً عن سلفٍ حرمة التنجيس ووجوب التطهير حتى مع عدم الهتك والإهانة ، وقد ذُكِرَ لها آداب خاصة ، هذا إذا أخذت لأجل التبرك والصلاة ، وأما لو أخذت لأجل الآجر والخزف ونحوهما فلا حرمة فيها ، ومقتضى السيرة عدم حرمة التنجيس وعدم وجوب التطهير لو تنجست »(٢٨٨)

وقال المحقق الخوئي ( قده ) : «لا يعتبر في الأرض إتصال أجزائها(٢٨٩) ، فيجوز السجود على السبحة غير المطبوخة ، وسيأتي حكم السجود على المطبوخة »(٢٩٠)

______________________

(٢٨٦) ـ الإصفهاني ، السيد أبو الحسن : وسيلة النجاة ، ج ١ / ١٥٦ ( تعليق السيد الكلبيكاني )

(٢٨٧) ـ السبزواري ، السيد عبدالأعلى : منهاج الصالحين ، ج ١ / ١٠٤

(٢٨٨) ـ السبزواري ، السيد عبدالأعلى : مهذب الأحكام ، ج ١ / ٤٨٠

(٢٨٩) ـ هذا مختلف فيه بين الفقهاء ؛ ولذا ذهب بعض إلى إتصال أجزاء الأرض عند السجود عليها ، فعلى هذا لا يجوز على السبح بما فيها السبحة الحسينية ـ المؤلف

(٢٩٠) ـ الخوئي ، السيد أبو القاسم : المسائل المنتخبة / ٩٥

١٦٧

س / ذكرتم في المنهاج ، في مبحث السجود : « فيجوز السجود على السبحة غير المطبوخة » فالمستفاد منه عدم جواز السجود على السبحة المطبوخة وقد صرّحتم في مسألة ٥٤٩ بأنه « يجوز السجود على الخزف والآجر والجص والنورة بعد طبخها » فهل يكون تهافت بين الموضعين أم لا ؟

ج / في النسخ المصححة لا يوجد هذا القيد ( وهو عدم الطبخ )(٢٩١)

س / عند إستعمال « التربة » للسجود ، هل يجوز السجود على الناحية المكتوب عليها ، والمنقوشة ( مال كربلاء ، أو مشهد رضوي مثلاً ) ؟

ج / نعم يجوز(٢٩٢)

س / توجد تُرب حسينية في بعض المساجد ، وقد صارت تراباً وأخرج ترابها ووضع في موضع طاهر ، ثم جاء بعض المؤمنين وصَبّها مرة ثانية في قوالب وعادت تُرباً حسينية مرة أخرى ، فهل يجوز إخراجها من مسجدها الأول ؟

ج / إذا أمكن الإنتفاع بها بتلك الصورة للصلاة لا يجوز إخراجها(٢٩٣)

س / هل التصرف فيها بعد صيرورتها ترباً يفتقر إلى اذن الحاكم الشرعي ؟

ج / لا يجوز التصرف المنافي ما دامت باقية على إمكانية الإنتفاع ، وأما جعلها كالحالة الأولى فلا بأس(٢٩٤)

س / هل يجب إرجاعها مرة ثانية بعد أن صارت تراباً ، وهل يجل إرجاعها إلى المسجد الأول أم يجوز وضعها في كل مسجد ؟

ج / نعم ، يختص بذلك المسجد(٢٩٥)

______________________

(٢٩١) ـ الخوئي ، السيد أبو القاسم : المسائل الشرعية ج ١ / ١٠٠ ـ ١٠١

(٢٩٢) ـ نفس المصدر ، ج ٢ / ٣٢٩

(٢٩٣) ـ نفس المصدر / ١٠٥

(٢٩٤) ـ نفس المصدر

(٢٩٥) ـ نفس المصدر

١٦٨

س / هل يجوز لولی المسجد أو وكيل الحاكم التصرف في ترب المسجد وفرشه بنقلها منه إلى غيره مع الضرورة ، كما لو كان المسجد يضيق بالجماعة للصلاة ، ورأى الإمام أن تقدم الجماعة في مكان أوسع أو أهل البلد ، فهل يجوز للوكيل أو الولی نقل التُرَب إلى ذلك المكان الذي تقام فيه صلاة الجماعة ، ثم إعادتها إلى المسجد الذي نقلت منه ، وعلى فرض الجواز هل يجوز ذلك مطلقاً أو مخصص بالضرورة كالذي مَرّ ؟

ج / إذا كانت تلك موقوفة لذلك المحل فلا يجوز النقل إلى غير محلّها(٢٩٦)

س / إذا كان المسجد مستغنياً عن بعض الفرش ، وعن بعض الترب لكثرتها فيه ، فهل يجوز نقل بعضها أو بعض الفرش إلى مسجد آخر يحتاج ؟

ج / إذا كانت موقوفة له فلا يجوز(٢٩٧)

س / إذا كان المتعارف عند أهل البلاد بالنسبة إلى الترب الحسينية أنهم لا يوقفونها وإنما يهدونها ، فهل في هذه الحالة يجوز إخراجها من المسجد إذا إحتاج الناس إليها لصلاة الجماعة في مكان واسع ؟

ج / إهداء ما من شأنه أنْ يوقف يحسب وقفاً ولا يحتاج إلى الصيغة والله العالم(٢٩٨)

س / ذُكِرَ لنا في فتوى عدم جواز نقل الترب الموقوفة على المسجد من المسجد ، وأشكل بعض الفضلاء بأنها ليست موقوفة على المسجد وإنما هي من باب الإهداء فيجوز نقلها من المسجد فاعدنا الإستفتاء حول هذه المسألة فأجبتم : ( إهداء ما من شأنه أن يوقف يحسب وقْفَاً ) وبعد هذا نريد معرفة رأيكم حول

______________________

(٢٩٦) ـ المصدر السابق ، ج ١ / ١٥٠

(٢٩٧) ـ نفس المصدر / ١٠٦

(٢٩٨) ـ نفس المصدر / ١٠٦ ـ ١٠٧

١٦٩

الذين صَلّوا ولم يكونوا عالمين بالحكم مدة من الزمن ، هل أن صلاتهم صحيحة أو لا ؟ ، وفي فرض عدم الصحة فمن شك في ما صلّى عليها ، أنه من المسجد أو من نفس المكان ، فماذا يبني ؟

ج / نعم إنّ صلاتهم محكومة بالصحة إذا كانوا معتقدين جواز الصلاة ، وإلا فهي محكومة بالبطلان ، وما في فرض الشك فالصلاة محكومة بالصحة(٢٩٩)

س / إذا تلفت التربة الحسينية على صاحبها آلاف التحية والسلام ولا يمكن الصلاة بها فماذا نعمل بها ؟

ج / أجاب السيد محمد سعيد الحكيم ( دام ظله ) : « توضع في مكان لا يعرضها للإهانة كالماء الجاري ونحوه »(٣٠٠)

س / هل يجوز تسخين التربة الحسينية بالبخاري الكهربائي بحيث تصبح صلبة كالخزف ، وهل يخرج بعد ذلك عن كونها تربة حسينية أم تبقى فضيلة التسبيح فيها ؟

ج / قال المحقق السيد الفاني ( قده ) : « يجوز ذلك بل هو أحسن في صنع المسبحة قواماً وكيفية ، ولا تخرج التربة بعد صيرورتها خزفاً عن كونها أرضاً ، بجواز السجود عليها والتيمم بها ، ولكن الأفضل بل الاحوط أنْ لا يسجد على الخزف ولا يتيمم به مهما أمكن ، بل الثواب أحسن وأفضل من مطلق وجه الأرض في الموردين »(٣٠١)

______________________

(٢٩٩) ـ المصدر السابق / ١٠٧

(٣٠٠) ـ الحكيم ، ا لسيد محمد سعيد : الفتاوى ، ج ١ / ٣٩٦

(٣٠١) ـ الفاني ، السيد علي : لكل سؤال جواب / ٢٠

١٧٠

وقال المحقق الإصفهاني ( قده ) : « ويستحب أن يكون تسبيح الزهراء ـ عليها السلام ـ بكل تسبيح بطين القبر الشريف ولو كان مشوياً ، بل السبحة منه تسبح بيد الرجل من غير أن يسبح ، ويكتب له ذلك التسبيح وإن كان غافلاً ، والأولى إتخاذها بعدد التكبير في خيط أزرق »(٣٠٢)

ب ـ صلاة المسافر :

ذكر الفقهاء في كتبهم ورسائلهم العملية : أنّ من أماكن التخيير بين القصر والتمام( الحائر الحسيني الشريف ) كالتالي :

قال المحقق الحلي ( قده ) : « أو في أحد المواطن الأربعة : مكة ، والمدينة ، والمسجد الجامع بالكوفة ، والحائر فإنه مخيّر ، والإتمام أفضل »(٣٠٣)

وقال المحقق الخوئي ( قده ) : « يتخيّر المسافر بين القصر والتمام في الأماكن الأربعة الشريفة ، وهي المسجد الحرام ، ومسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومسجد الكوفة ، وحرم الحسينعليه‌السلام ، والتمام أفضل ، والقصر أحوط ، والظاهر إلحاق تمام بلدتي مكة والمدينة ، بالمسجدين دون الكوفة وكربلاء ، وفي تحديد الحرم الشريف إشكال ، والظاهر جواز الإتمام في الروضة المقدسة دون الرواق والصحن »(٣٠٤)

وقال الفقيه السيوري ( قده ) : « وأما كونه في أحد المواطن الأربعة ؛ فهو قول الأصحاب ، وخالف أبو جعفر ابن بابويه ، والأقوى قول الأصحاب ، لأنها أماكن شريفة فناسب كثرة الطاعات فيها ولروايات كثيرة بذلك »(٣٠٥)

______________________

(٣٠٢) ـ الإصفهاني ، السيد أبو الحسن : وسيلة النجاة ، ج ١ / ١٨٧

(٣٠٣) ـ الحلي ، الشيخ جعفر بن الحسن : شرائع الإسلام ، ج ١ / ١٣٥

(٣٠٤) ـ الخوئي ، السيد أبو القاسم الموسوي : منهاج الصالحين ، ج ١ / ٢٦٦ ـ ٢٦٧

(٣٠٥) ـ السيوري ، الشيخ مقداد بن عبدالله : التنقيح الرائع ، ج ١ / ٢٩١

١٧١

جـ ـ فوائد تتعلق بهذا البحث :

الأولى ـ ذكر الفقهاء : أن التخيير بين القصر والتمام خاص بالصلاة ، وأما الصيام ؛ فهو غير جائز للمسافر بلا فرق بين الأماكن الأربعة وغيرها ، فلا يصح منه ما لم ينوِ الإقامة عشرة ، أو يبقى متردداً ثلاثين يوماً

الثانية ـ إختلف الفقهاء بالنسبة إلى كربلاء المقدسة ـ بعد القول بكونها محلاً للتخيير ـ من حيث تحديد المكان الخاص الذي يقع فيه التخيير ، ومسماه على أنحاء :

١ ـ الإختلاف في مسمى المكان ، فبعض الفقهاء عبّر عنه بالحائر ، وبعض عَبّر عنه بالحرم وهذا راجع إلى إختلاف الروايات ؛ فمنها : ما هو بلفظ الحائر ، ومنها ما هو بلفظ الحرم ، ومنها ما هو بلفظ ( عند القبر )

قال المحقق البحراني ( قده ) : « وحَمْل الحرم في تلك الروايات على الحائر بإعتبار أنه أخص أفراد الحرم وأشرفها ، وتؤيده الروايات الدالة على أنه عند القبر ، فإن إطلاق العندية على البلد لا يخلو من البعد ، وأما على الحائر ؛ فهو قريب ، وإن كان المتبادر من ذلك ما كان تحت القبة الشريفة خاصة ، إلا أنّ إدخال الحائر تحت هذا اللفظ في مقام الجمع بين الأخبار غير بعيد ولا مستنكر مثل إدخال البلد ، ويؤيده ما ورد في بعض الأخبار ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام أنه قال : قبر الحسينعليه‌السلام عشرون ذراعاً ، في عشرون ذراعاً مكسراً ، روضة من رياض الجنة معراج الملائكة إلى السماء الحديث »(٣٠٦)

٢ ـ الإختلاف في تحديد الحائر المقدس( على مُشَرِّفِه أفضل التحية والسلام )

على أقوال أهمها التالي :

______________________

(٣٠٦) ـ البحراني ، الشيخ يوسف بن أحمد : الحدائق الناضرة ، ج ١١ / ٤٦٣

١٧٢

الأول ـ محكي الشيخ المفيد في ( الإرشاد ) : « أن الحائر محيط بهمعليه‌السلام إلا العباسعليه‌السلام فإنه قتل على المسناة »(٣٠٧) وبه قال : جمع من الفقهاء

الثاني ـ قال المحقق اليزدي ( قده ) : « كما أن الأحوط في الحائر الإقتصار على ما حول الضريح المبارك »(٣٠٨)

الثالث ـ أنه مجموع الصحن المقدس

الرابع ـ أنه الروضة المقدسة وما أحاط بها من العمارات المقدسة ، من الرواق والمقتل والخزانة وغيرها هذه أهم الأقوال ؛ ولذا يجب على المكلف أن يعمل برأي من يرجع إليه في هذه المسألة

الثالثة ـ قال المحقق البحراني ( قده ) : « فلتصريح جملة منها بأن العِلّة في الإتمام إنما هو تحصيل الثواب بكثرة الصلاة في هذه الأماكن ، وأنه من المخزون والمذخور ونحو ذلك من ما يدل على أنه العلة في الإتمام إنما هو شرف هذه البقاع »(٣٠٩)

قال المحقق النجفي ( قده ) ـ نقلاً عن المدارك : « وأوضح ما وصل إلينا في ذلك مُسْنَداً خبر حماد بن عيسى ، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام ) قال : من مخزون علم الله الإتمام في أربعة مواطن : حرم رسوله ( صلی الله عليه وآله ) ، وحرم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وحرم الحسين بن علي ( عليهما السلام ) »(٣١٠)

______________________

(٣٠٧) ـ المفيد ، الشيخ محمد بن النعمان : الإرشاد / ٢٤٩

(٣٠٨) ـ اليزدي ، السيد محمد كاظم : العروة الوثقى ، ج ١ / ٤٥٧

(٣٠٩) ـ البحراني ، الشيخ يوسف : الحدائق الناضرة ، ج ١١ / ٤٥٣

(٣١٠) ـ النجفي ، الشيخ محمد حسن : جواهر الكلام ج ١٤ / ٣٣٧

١٧٣

٣ ـ للإستشفاء :

إهتم الفقهاء بهذه التربة الشريفة ، بناء على روايات كثيرة وخصوصاً في التبرك والإستشفاء بها ، وقد ذكرت بعض الأحكام في ضمن الأبحاث السابقة وبقيت بعضها ، ويمكن تلخيصها في جواب السؤال التالي :

س / هل يجوز تناول التربة الحسينية لغير الإستشفاء أم لا ؟

ج / قال الفقيه ابن إدريس ( قده ) : « ولا يجوز الإكثار منه ، ولا الإفطار عليه يوم عيد الفطر على ما ذهب إليه شيخنا أبو جعفر في مصباحه ، إلا أنه عاد عنه في ( نهايته ) ، فإنه قال : ولا يجوز أكل شيء من الطين على إختلاف أجناسه إلا طين قبر الحسينعليه‌السلام ، فإنه يجوز أن يؤكل منه اليسير للإستشفاء به »(٣١١)

وقال المحقق النجفي (قده) : « وعلى كل حال ، فإنما يجوز أكل طين القبر للإستشفاء دون غيره ولو للتبرك في عصر يوم عاشوراء ويومي عيدي الفطر والأضحی ، كما هو صريح بعضٍ وظاهر الباقين »(٣١٢)

وقال الفقيه السبزواري ( قده ) : « يستثنی من الطين طين قبر الحسينعليه‌السلام للإستشفاء فإنِّ في تربته المقدسة الشفاء من كل داء ، وأنها من الأدوية المفردة ، وأنها لا تمر بداء إلا هضمته ولا يجوز أكلها لغير الإستشفاء ، ولا أكل ما زاد علي الحِمَّصَة المتوسطة ، ولا يلحق به طين غير قبره من قبور سائر المعصومين عليهم السلام علی الأحوط لو لم يكن أقوی ، نعم لا بأس بأن يمزج بماء أو مائع أخر شربة للتبرك والإستشفاء بذلك الماء أو المائع الآخر »(٣١٣)

______________________

(٣١١) ـ ابن إدريس ، الشيخ محمد منصور بن أحمد : السرائر ، ج ٣ / ١٢٤

(٣١٢) ـ النجفي ، الشيخ محمد حسن : جواهر الكلام ، ج ٣٦ / ٣٦٨

(٣١٣) ـ السبزواري ، السيد عبدالأعلى : مهذب الأحكام ، ج ٢٣ / ١٨٢ ـ ١٨٤

١٧٤

وقال الشيخ المامقاني ( قده ) : « ولا يختص الإستشفاء بها بمرض خاص ، بل يعم جميع الأمراض والأورام والآلام والأوجاع وغيرها ، مخوفاً كان المرض أو لا ؛ سهل العلاج كان أو عسره ، أو غير ممكن العلاج ، أمكن مراجعة الطبيب أو لم يكن ، والهم والغم والتعب والكسل ونحوها من الآلام النفسانية بحكم المرض إذا بلغت إلى حد صدق معها المرض ، وطريق العلاج حتى في الأمراض الخارجية ، وهو الإستشفاء بالأكل دون اللطخ ، وإن كان اللطخ على العين ونحوه ولا أظن به بأساً والأظهر إختصاص جواز أكله بصورة الإستشفاء للصحيح أكله سواء كان بشهوة أو بقصد سلامة الأمراض ولا فرق في كيفية الإستشفاء بين أكله وحده وبين خلطه بماء ونحوه ، وقد ورد خلطه بعسل وزعفران وماء مطر وتفريقة على الشيعة ليستشفوا به(٣١٤) ويجوز التبرك بتربة غيرهعليه‌السلام من المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين بغير الأكل من الإستصحاب للحفظ واللطخ على العين والرأس ونحوهما ، وأما الإستشفاء بالأكل ؛ فلا يجوز بتربة غيره من الأئمة والأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ على الأظهر ، لما ورد عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام من أنه قال :( لا تأخذوا من تربتي شيئاً لتتبركوا به ، فإن كل تربة لنا محرمة إلا تربة جدي الحسين بن علي عليه‌السلام ، فإن الله عَزّ وجَلّ جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا ) (٣١٥)

______________________

(٣١٤) ـ في كامل الزيارات / ٢٧٢ ، باب ٩٠ ، حديث ٢ : بسنده عن أبي عبدالله البرقي ، عن بعض أصحابنا قال : ( دفعت إليَّ امرأة غزلاً فقالت : إدفعه إلى الحجبة وأنا أعرفهم ، فلما صرنا إلى المدينة دخلت على أبي جعفر ـ عليه السلام ـ فقلت : جعلت فداك إن امرأة أعطتني غزلاً فقالت : إدفعه بمكة ليخاط به كسوة الكعبة فكرهت أن أدفعه إلى الحجبة ، فقال : إشتر به عسلاً وزعفراناً ، وخذ من طين قبر الحسين ـ عليه السلام ـ واعجنه بماء السماء واجعل فيه من العسل والزعفران وفرقة على الشيعه ليداوا به مرضاهم )

(٣١٥) ـ المامقاني ، الشيخ عبدالله : مرآة الكمال ، ج ٣ / ٢٣٨ ـ ٢٤١

١٧٥

س / هل يجوز الإستشفاء بالتربة المطبوخة أو لا ؟

ج / قال المحقق المامقاني ( قده ) : « وفي جواز الإستشفاء بأكل المطبوخ منه وجهان ، أشبهها الجواز »(٣١٦)

٤ ـ للوليد :

ذكر الفقهاء : أن من سنن الوليد تحنيكه بتربة الحسينعليه‌السلام ، كالتالي :

قال المحقق الحلي ( قده ) : « وتحنيكة بماء الفرات وتربة الحسين ـ عليه السلام ـ ، فإن لم يوجد ماء الفرات فبماءٍ فرات(٣١٧) وإن لم يوجد إلا ماء ملح ؛ جعل فيه شيء من التمر أو العسل »(٣١٨)

وقال المحقق الخوئي ( قده ) : « تحنيكة بتربة الحسين ـ عليه السلام ـ وبماء الفرات »(٣١٩)

٥ ـ للتعامل بها :

س / هل يجوز أخذ الترب والسبح الحسينية من أصحاب المعامل والباعة بعنوان البيع والشراء أو بعنوان آخر ؟

ج / قال المجلسي ( قده ) : « الأحوط ترك التبايع على السبحة من التربة أو ما يصنع منها للسجدة ، بل تهدى إهداء ، ولَعَلّه مما لا بأس به أنْ يتراضى عليها المتعاملان تراضياً من دون إشتراط سابق ففي الحديث المعتبر عن ______________________

(٣١٦) ـ المصدر السابق / ٢٤٠

(٣١٧) ـ ذكر المحقق الحلي ( قده ) : ماء الفرات مرتين ، والمراد بالأولى : ماء نهر الفرات القريب من كربلاء المقدسة ، والثاني ماء عذب ـ المؤلف

(٣١٨) ـ الحلي ، الشيخ جعفر بن الحسن : شرائع الإسلام ، ج ٢ / ٣٤٣

(٣١٩) ـ الخوئي ، السيد أبو القاسم الموسوي : منهاج الصالحين ، ج ٢ / ٣٠٩

١٧٦

الصادقعليه‌السلام قال : ( من باع طين قبر الحسينعليه‌السلام فكأنما تبايع على لحمهعليه‌السلام ) »(٣٢٠)

وقال المحقق المامقاني ( قده ) : « الأحوط ترك بيع التربة المقدسة ، لأنه خلاف الإحترام وجَوّزَه الشهيد ـ رحمه الله ـ في الدروس كَيْلاً ووزناً ، ومشاهدة مجرداً ومشتملة على هيئات الإنتفاع وفيه تأمل »(٣٢١)

ذكر الحر العاملي ( قده ) : « ووجدت في حديث الحسن بن مهران الفارسي ، عن محمد بن أبي سيّار ، عن يعقوب بن يزيد ، يرفعه إلى الصادقعليه‌السلام قال : ( من باع طين قبر الحسين ـ عليه السلام ـ ؛ فإنه يبيع لحم الحسينعليه‌السلام ويشتريه ) أقول : هذا محمول على تراب نفس القبر ، ويحمل على الكراهة وإستحباب بَذْله بغير ثمن ، ويحتمل الحمل على ما ليس بمملوك »(٣٢٢)

وأجاب سيدنا السيستاني ( دام ظله ) : «لا مانع من التعامل بالبيع والشراء والله والعالم »(٣٢٣)

وأجاب سيدنا الروحاني ( دام ظله ) : « يجوز والله العالم »(٣٢٤)

______________________

(٣٢٠) ـ القمي ، الشيخ عباس : مفاتيح الجنان / ٥٧٢

(٣٢١) ـ المامقاني ، الشيخ عبدالله : مرآة الكمال ، ج ٣ / ٢٤٠

(٣٢٢) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد حسن : وسائل الشيعة ، ج ١٦ / ٣٩٧ ( باب ٥٩ من أبواب الأطعمة والأشربة حديث ٥ )

(٣٢٣) ـ إستفتاء خطي بتاريخ ١٧ / ٢ / ١٤١٦ هـ

(٣٢٤) ـ إستفتاء خطي برقم ٨٠٥ ، وتاريخ ١٧ / ٢ / ١٤١٧ هـ

١٧٧

١٧٨

١٧٩
١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

الآيتان

( وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (148) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (149) )

التّفسير

اليهود وعبادتهم للعجل :

في هذه الآيات يقصّ القرآن الكريم إحدى الحوادث المؤسفة ، وفي نفس الوقت العجيبة التي وقعت في بني إسرائيل بعد ذهاب موسىعليه‌السلام إلى ميقات ربّه ، وهي قصّة عبادتهم للعجل التي تمّت على يد شخص يدعى «السامري» مستعينا بحلي بني إسرائيل وما كان عندهم من آلات الزّينة.

إنّ هذه القصّة مهمّة جدّا بحيث إنّ الله تعالى أشار إليها في أربع سور ، في سورة البقرة الآية (51) و (54) و (92) و (93) ، وفي سورة النساء الآية (153) ، والأعراف الآيات المبحوثة هنا ، وفي سورة طه الآية (88) فما بعد.

٢٢١

على أنّ هذه الحادثة مثل بقية الظواهر الاجتماعية لم تكن لتحدث من دون مقدمة وأرضيّة ، فبنوا إسرائيل من جهة قضوا سنين مديدة في مصر وشاهدوا كيف يعبد المصريون الأبقار أو العجول. ومن جانب آخر عند ما عبروا النيل شاهدوا في الضفة الأخرى مشهدا من الوثنية ، حيث وجدوا قوما يعبدون البقر ، وكما مرّ عليك في الآيات السابقة طلبوا من موسىعليه‌السلام صنما كتلك الأصنام ، ولكن موسىعليه‌السلام وبّخهم وردّهم ، ولا مهم بشدّة.

وثالث ، تمديد مدّة ميقات موسىعليه‌السلام من ثلاثين إلى أربعين ، الذي تسبب في أن تشيع في بني إسرائيل شائعة وفاة موسىعليه‌السلام بواسطة بعض المنافقين ، كما جاء في بعض التفاسير.

والأمر الرابع ، جهل كثير من بني إسرائيل بمهارة السامريّ في تنفيذ خطته المشئومة ، كل هذه الأمور ساعدت على أن تقبل أكثرية بني إسرائيل في مدّة قصيرة على الوثنية ، ويلتفوا حول العجل الذي أوجده لهم السامريّ للعبادة.

وفي الآية الحاضرة يقول القرآن الكريم أوّلا : إنّ قوم موسىعليه‌السلام بعد ذهابه إلى ميقات ربّه صنعوا من حليّهم عجلا ، وكان مجرّد تمثال لا روح فيه ، ولكنّه كان له صوت كصوت البقر ، واختاروه معبودا لهم :( وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ ) .

ومع أنّ هذا العمل (أي صنع العجل من الحليّ) صدر من السامريّ (كما تشهد بذلك آيات سورة طه) إلّا أنّه مع ذلك نسب هذا العمل إلى بني إسرائيل لأنّ كثيرا منهم ساعد السامريّ في هذا العمل وعاضده ، وبذلك كانوا شركاء في جريمته ، في حين رضي بفعله جماعة أكبر منهم.

وظاهر هذه الآية وإن كان يفيد ـ في بدء النظر ـ أنّ جميع قوم موسى شاركوا في هذا العمل ، إلّا أنّه بالتوجه إلى الآية (159) من هذه السورة ، التي تقول :( وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) يستفاد أنّ المراد من الآية المبحوثة

٢٢٢

هنا ليس كلّهم ، بل أكثرية عظيمة منهم سلكوا هذا السبيل ، وذلك بشهادة الآيات القادمة التي تعكس عجز هارون عن مواجهتها وصرفها عن ذلك.

كيف كان للعجل الذهبي خوار؟

و «الخوار» هو الصوت الخاص الذي يصدر من البقر أو العجل ، وقد ذهب بعض المفسّرين إلى أنّ السامري بسبب ما كان عنده من معلومات وضع أنابيب خاصّة في باطن صدر العجل الذهبي ، كان يخرج منها هواء مضغوط فيصدر صوت من فم ذلك العجل الذهبيّ شبيه بصوت البقر.

ويقول آخرون : كان العجل قد وضع في مسير الريح بحيث كان يسمع منه صوت على أثر مرور الريح على فمه الذي كان مصنوعا بهيئة هندسية خاصّة.

أمّا ما ذهب إليه جماعة من المفسّرين من أن السامريّ أخذ شيئا من تراب من موضع قدم جبرئيل وصبّه في العجل فصار كائنا حيا ، وأخذ يخور خوارا طبيعيا فلا شاهد عليه في آيات القرآن الكريم ، كما سيأتي بإذن الله في تفسير آيات سورة طه.

وكلمة «جسدا» شاهد على أن ذلك العجل لم يكن حيوانا حيا ، لأنّ القرآن يستعمل هذه اللفظة في جميع الموارد في القرآن الكريم بمعنى الجسم المجرّد من الحياة والروح(1) .

وبغض النظر عن جميع هذه الأمور يبعد أن يكون الله سبحانه قد أعطى الرجل المنافق (مثل السامريّ) مثل تلك القدرة التي يستطيع بها أن يأتي بشيء يشبه معجزة النّبي موسىعليه‌السلام ، ويحيي جسما ميتا ، ويأتي بعمل يوجب ضلال الناس حتما ولا يعرفون وجه بطلانه وفساده.

__________________

(1) راجع الآيات (8) من سورة الأنبياء ، و (34) من سورة ص.

٢٢٣

أمّا لو كان العجل بصورة تمثال ذهبي كانت أدلة بطلانه واضحة عندهم ، وكان من الممكن أن يكون وسيلة لاختبار الأشخاص لا شيء آخر.

والنقطة الأخرى التي يجب الانتباه إليها ، هي أنّ السامري كان يعرف أن قوم موسىعليه‌السلام قد عانوا سنين عديدة من الحرمان ، مضافا إلى أنّهم كانت تغلب عليهم روح المادية ـ كما هو الحال في أجيالهم في العصر الحاضر ـ ويولون الحليّ والذهب احتراما خاصّا ، لهذا صنع عجلا من ذهب حتى يستقطب إليه اهتمام بني إسرائيل من عبيد الثروة.

أمّا أن هذا الشعب الفقير المحروم من أين كان له كل ذلك الذهب والفضة؟فقد جاء في الرّوايات أن نساء بني إسرائيل كنّ قد استعرن من الفرعونيين كمية كبيرة من الحليّ والذهب والفضّة لإقامة أحد أعيادهن ، ثمّ حدثت مسألة الغرق وهلاك آل فرعون ، فبقيت تلك الحلي عند بني إسرائيل(1) .

ثمّ يقول القرآن الكريم معاقبا وموبّخا : ألم ير بنو إسرائيل أن هذا العجل لا يتكلم معهم ولا يهديهم لشيء ، فكيف يعبدونه؟( أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً ) .

يعني أن المعبود الحقيقي هو من يعرف ـ على الأقل ـ الحسن والقبيح ، وتكون له القدرة على هداية أتباعه ، ويتحدث إلى عبدته ويهديهم سواء السبيل ، ويعرّفهم على طريقة العبادة.

وأساسا كيف يسمح العقل البشري بأن يعبد الإنسان شيئا ميتا صنعه وسوّاه بيده ، حتى لو استطاع ـ افتراضا ـ أن يبدّل الحلّي إلى عجل واقعي فإنّه لا يليق به أن يعبده ، لأنّه عجل يضرب ببلادته المثل.

إنّهم في الحقيقة ظلموا بهذا العمل أنفسهم ، لهذا يقول في ختام الآية :

__________________

(1) راجع تفسير مجمع البيان ، ذيل الآية المبحوثة هنا.

٢٢٤

( اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ ) .

بيد أنّه برجوع موسىعليه‌السلام إليهم ، واتضاح الأمر عرف بنو إسرائيل خطأهم ، وندموا على فعلهم ، وطلبوا من الله أن يغفر لهم ، وقالوا : إذا لم يرحمنا الله ولم يغفر لنا فإنّنا لا شك خاسرون( وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ ) .

وجملة( سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ ) أي عند ما عثروا على الحقيقة ، أو عند ما وقعت نتيجة عملهم المشؤومة بأيديهم ، أو عند ما سقطت كل الحيل من أيديهم ولم يبق بأيديهم شيء في الأدب العربي كناية عن الندامة ، لأنّه عند ما يقف الإنسان على الحقائق ، ويطلع عليها ، أو يصل إلى نتائج غير مرغوب فيها ، أو تغلق في وجهه أبواب الحيلة ، فإنّه يندم بطبيعة الحال ، ولهذا يكون الندم من لوازم مفهوم هذه الجملة.

وعلى كل حال ، فقد ندم بنو إسرائيل من عملهم ، ولكن الأمر لم ينته إلى هذا الحدّ ، كما نقرأ في الآيات اللاحقة.

* * *

٢٢٥

الآيتان

( وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) )

التّفسير

ردة فعل شديدة تجاه عبادة العجل :

في هاتين الآيتين بيّن تعالى بالتفصيل ما جرى بين موسىعليه‌السلام وبين عبدة العجل عند عودته من ميقاته المشار اليه في الآية السابقة. فهاتان الآيتان تعكسان ردة فعل موسىعليه‌السلام الشديدة التي أدت إلى يقظة هذه الجماعة.

يقول في البدء : ولما عاد موسىعليه‌السلام إلى قومه غضبان ممّا صنع قومه من عبادة العجل ، قال لهم : ضيعتم ديني وأسأتم الخلافة( وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ

٢٢٦

غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي ) (1) .

إنّ هذه الآية تفيد بوضوح أن موسى عند رجوعه إلى قومه من الميقات وقبل أن يلتقي ببني إسرائيل كان غضبان أسفا ، وهذا لأجل أن الله تعالى كان قد أخبر موسىعليه‌السلام بأنّه اختبر قومه من بعده وقد أضلّهم السامريّ( قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ ) (2) .

ثمّ إنّ موسىعليه‌السلام قال لهم :( أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ) .

للمفسّرين كلام كثير في تفسير هذه الجملة ، وقد ذكروا احتمالات عديدة مختلفة ، إلّا أن ظاهر الآيات يفيد أن المراد هو أنّكم تعجلتم في الحكم بالنسبة إلى أمر الله تعالى في قضية تمديد مدّة الميقات من ثلاثين إلى أربعين ، فاعتبرتم عدم مجيئي في المدة المقررة ـ أوّلا ـ دليلا على موتي ، في حين كان يتعين عليكم أن تتريثوا وتنتظروا قليلا ريثما تمرّ أيّام ثمّ تتّضح الحقيقة.

وفي هذا الوقت بالذات ، أي عند ما واجه موسىعليه‌السلام هذه الأزمة الخطيرة من حياة بني إسرائيل ، وكان الغضب الشديد يسر بل كل كيانه ، ويثقل روحه حزن عميق ، وقلق شديد على مستقبل بني إسرائيل ، لأنّ التخريب والإفساد أمر سهل ، وربّما استطاع شخص واحد تخريب كيان عظيم ولكن الإصلاح والتعمير أمر صعب وعسير جدّا. خاصّة أنّه إذا سرت في شعب جاهل متعنت نغمة مخالفة شاذة ، وافقت هوى ورغبة ، فإنّ محوها لا شك لن يكون أمرا ممكنا وسهلا.

فهنا لا بدّ أن يظهر موسىعليه‌السلام غضبه الشديد ويقوم بالحدّ الأعلى من ردّ الفعل والسخط ، كي يوقظ الأفكار المخدّرة لدى بني إسرائيل ، ويوجد انقلابا في

__________________

(1) «الأسف» كما يقول الراغب في «المفردات» بمعنى الحزن المقرون بالغضب ، وهذه الكلمة قد تستعمل في أحد المعنيين أيضا. وتعني في الأصل أن ينزعج الإنسان من شيء بشدة ، ومن الطبيعي أن هذا الانزعاج إذا كان بسبب من هو دونه ظهر مقرونا بالغضب ، وبردة فعل غاضبة ، وإذا كان ممن هو فوقه ممن لا يستطيع مقاومته ظهر من صورة الحزن المجرّد ، وقد نقل عن ابن عباس أيضا أن للحزن والغضب أصل واحد وإن اختلفا لفظا.

(2) سورة طه ، 85.

٢٢٧

ذلك المجتمع الذي انحرف عن الحق ، إذ العودة إلى الحق والصواب عسيرة في غير هذه الصورة.

إنّ القرآن يستعرض ردّة فعل موسى الشديدة في قبال ذلك المشهد وفي تلك الأزمة ، إذ يقول : إنّ موسى ألقى ألواح التوراة التي كانت بيده ، وعمد إلى أخيه هارون وأخذ برأسه ولحيته وجرهما إلى ناحيته ساخطا غاضبا.

وكما يستفاد من آيات قرآنية أخرى ، وبخاصّة في سورة طه ، أنّه علاوة على ذلك لام هارون بشدّة ، وصاح به ، لماذا قصّرت في المحافظة على عقائد بني إسرائيل وخالفت أمري(1) .

وفي الحقيقة كان هذا الموقف يعكس ـ من جانب ـ حالة موسىعليه‌السلام النفسية ، وانزعاجه الشديد تجاه وثنية بني إسرائيل وانحرافهم ، ومن جانب آخر كان ذلك وسيلة مؤثرة لهزّ عقول بني إسرائيل الغافية ، والفاتهم إلى بشاعة عملهم.

وبناء على هذا إذا كان إلقاء ألواح التوراة في هذا الموقف قبيحا ـ فرضا ـ وكان الهجوم على أخيه لا يبدو كونه عملا صحيحا ، ولكن مع ملاحظة الحقيقة التالية ، وهي أنّه من دون إظهار هذا الموقف الانزعاجي الشديد لم يكن من الممكن إلفات نظر بني إسرائيل إلى بشاعة خطئهم ولكان من الممكن أن تبقى رواسب الوثنية في أعماق نفوسهم وأفكارهم إنّ هذا العمل لم يكن فقط غير مذموم فحسب ، بل كان يعد عملا واجبا وضروريا.

ومن هنا يتّضح أنّنا نحتاج أبدا إلى التبريرات والتوجيهات التي ذهب إليها بعض المفسّرين ، للتوفيق بين عمل موسىعليه‌السلام هذا وبين مقام العصمة التي يتحلى بها الأنبياء ، لأنّه يمكن أن يقال هنا : إنّ موسىعليه‌السلام انزعج في هذه اللحظة من تأريخ بني إسرائيل انزعاجا شديدا لم يسبق له مثيل ، لأنّه وجد نفسه أمام أسوأ

__________________

(1) سورة طه : 92 ـ 93.

٢٢٨

المشاهد ألا وهو الانحراف عن التوحيد إلى عبادة العجل ، وكان يرى جميع آثارها وأخطارها المتوقعة.

وعلى هذا فإنّ إلقاء الألواح ومؤاخذة أخيه بشدّة في مثل هذه اللحظة مسألة طبيعية تماما.

إنّ ردة الفعل الشديدة هذه وإظهار الغضب هذا ، كان له أثر تربوي بالغ في بني إسرائيل ، فقد قلب المشهد رأسا على عقب في حين أنّ موسى لو كان يريد أن ينصحهم بالكلمات اللينة والمواعظ الهادئة ، لكان قبولهم لكلامه ونصحه أقلّ بكثير.

ثمّ إنّ القرآن الكريم ذكر أنّ هارون قال ـ وهو يحاول استعطاف موسى وإثبات برائته في هذه المسألة ـ : يا ابن أمّ هذه الجماعة الجاهلة جعلوني ضعيفا إلى درجة أنّهم كادوا يقتلونني ، فإذن أنا بريء ، فلا تفعل بي ما سيكون موجبا لشماتة الأعداء بي ولا تجعلني في صف هؤلاء الظالمين( قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) .

إن التعبير ب : «ابن أمّ» في الآية الحاضرة أو «يا ابن أمّ» (كما في الآية 94 من سورة طه) مع أن موسى وهارون كانا من أب وأم واحدة ، إنّما هو لأجل تحريك مشاعر الرحمة والعطف لدى موسىعليه‌السلام في هذه الحالة الساخنة.

وفي المآل تركت هذه القصّة أثرها ، وسرعان ما التفت بنو إسرائيل إلى قبح أعمالهم ، فاستغفروا الله وطلبوا العفو منه.

لقد هدأ غضب موسىعليه‌السلام بعض الشيء ، وتوجه إلى الله( قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) .

إنّ طلب موسىعليه‌السلام العفو والمغفرة من الله تعالى لنفسه ولأخيه ، لم يكن لذنب اقترفاه ، بل كان نوعا من الخضوع لله ، والعودة إليه ، وإظهار النفرة من أعمال

٢٢٩

الوثنيين القبيحة ، وكذا لإعطاء درس عملي للجميع حتى يفكروا ويروا إذا كان موسى وأخوه ـ وهما لم يقترفا انحرافا ـ يطلبان من الله العفو والمغفرة هكذا ، فالأجدر بالآخرين أن ينتبهوا ويحاسبوا أنفسهم ، ويتوجهوا إلى الله ويسألوه العفو والمغفرة لذنوبهم. وقد فعل بنو إسرائيل هذا فعلا ـ كما تفيد الآيتان السابقتان.

مقاربة بين تواريخ القرآن والتوراة الحاضرة :

يستفاد من الآيات الحاضرة ، وآيات سورة طه أن بني إسرائيل هم الذين صنعوا العجل لا هارون ، وأنّ شخصا خاصا في بني إسرائيل يدعى السامريّ هو الذي أقدم على مثل هذا العمل ، ولكن هارون ـ أخا موسى ووزيره ومساعده ـ لم يكن يتفرج على هذا الأمر بل عارضه ، ولم يأل جهدا في هذا السبيل ، حتى أنّهم كادوا أن يقتلوه لمعارضته لهم.

ولكن العجيب أنّ التوراة الفعلية تنسب صنع العجل والدعوة إلى عبادته إلى هارون خليفة موسىعليه‌السلام ووزيره وأخيه ، إذ نقرأ في الفصل 32 من سفر الخروج من التوراة ، ما يلي :

«لما رأى الشعب أن موسى أبطأ في النّزول من الجبل ، اجتمع الشعب على هارون وقالوا له : قم اصنع لنا آلهة تسير أمامنا. لأنّ هذا موسى الرجل الذي أصعدنا من أرض مصر لا نعلم ماذا أصابه. فقال لهم هارون : انزعوا أقراط الذهب التي في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم وأتوني بها ، فنزع كل الشعب أقراط الذهب التي في آذانهم وأتوا بها إلى هارون ، فأخذ ذلك من أيديهم وصوّره بالإزميل وصنعه عجلا مسبوكا ، فقالوا : هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر.

فلمّا نظر هارون بنى مذبحا أمامه ونادى هارون وقال : غدا عيد للربّ (ثمّ بين مراسيم تقديم القرابين لهذا العمل».

٢٣٠

ثمّ تشرح التوراة قصّة رجوع موسىعليه‌السلام غاضبا إلى بني إسرائيل وإلقاء التوراة ، ثمّ تقول :

«وقال موسى لهارون : ماذا صنع بك هذا الشعب حتى جلبت عليه خطيّة عظيمة؟!

فقال هارون : لا يحم غضب سيدي. أنت تعرف الشعب إنّه في شرّ».

إنّ ما ذكر هو قسم من قصة عبادة بني إسرائيل للعجل برواية التوراة الحاضرة بالنص ، في حين أن التوراة نفسها تشير في فصول أخرى إلى سمّو مقام هارون وعلو منزلته ، ومن ذلك التصريح بأنّ بعض معاجز موسى قد ظهرت وتحققت على يدي هارون (الإصحاح الثامن من سفر الخروج من التوراة).

كما أنّها تصف هارون بأنّه نبي قد أعلن عن نبوته موسى (الإصحاح الثامن من سفر الخروج أيضا).

وعلى كل حال ، تعترف التوراة لهارون ـ الذي كان خليفة لموسىعليه‌السلام وعارفا بتعاليم شريعته ـ بمنزلة سامية ولكن انظروا إلى الخرافة التي تصف بأنّه كان صانع العجل ، ومن عوامل حصول الوثنية في بني إسرائيل ، وحتى أنّه اعتذر لموسىعليه‌السلام عليه بما هو أقبح من الذنب حيث قال : إنّهم كانوا يميلون إلى الشرّ أساسا وقد شجعتهم عليه.

في حين أنّ القرآن الكريم ينزه هذين القائدين من كل ألوان التلوّث بأدران الشرك والوثنية.

على أنّه ليس هذا المورد هو المورد الوحيد الذي ينزّه فيه القرآن الكريم ساحة الأنبياء والرسل ، وتنسب التوراة الحاضرة أنواع الإهانات والخرافات إلى الأنبياء المطهرين. وفي اعتقادنا أنّ أحد الطرق لمعرفة أصالة القرآن وتحريف التوراة والإنجيل الفعليين ، هو هذه المقارنة بين القضايا التأريخية التي وردت في هذه الكتب حول الأنبياء والرسل.

* * *

٢٣١

الآيات

( إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154) )

التّفسير

لقد فعلت ردة فعل موسىعليه‌السلام الشديدة فعلتها في المآل فقد ندم عبدة العجل الإسرائيليون ـ وهم أكثرية القوم ـ على فعلهم ، وقد طرح هذا الندم في عدّة آيات قبل هذه الآية أيضا (الآية 149) ومن أجل أن لا يتصور أن مجرّد الندم من مثل هذه المعصية العظيمة يكفي للتوبة ، يضيف القرآن الكريم قائلا :( إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ) .

وهكذا لأجل أن لا يتصور أنّ هذا القانون يختص بهم أضاف قائلا :( وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ ) .

٢٣٢