تربة الحسين عليه السلام الجزء ١

تربة الحسين عليه السلام25%

تربة الحسين عليه السلام مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 232

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 232 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59736 / تحميل: 3716
الحجم الحجم الحجم
تربة الحسين عليه السلام

تربة الحسين عليه السلام الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

٢١

٢٢

التعرف على الأرض :

إنّ طبيعة الإنسان تدفعه للتعرف على ما يجري حوله ؛ ولذا منذ وجوده على الأرض ، بدأ يتفاعل مع البيئة المحيطة به ، وأخذ يتأمل في هذه البيئة وعلاقتها بحياته ؛ إذ هذه البيئة لها إرتباط بمكونات الأرض ومنتجاتها ، هكذا تتزايد معلومات الإنسان عن الأرض ، عبر تاريخها الطويل حتى القرن الأخير ، حيث إزدادت هذه المعلومات بشكل واسع ، مما حمل العلماء على حصرها ضمن علم مستقل أطلقوا عليه اسم( الجيولوجيا ) وهو مصطلع مُعرَّب عن الكلمة الإنجليزية(geology) المشتقة من الكلمتين الأغريقيتين(ge) يعني الأرض(Logus) وتعنى علم « وهو علم يبحث في كل ما يتعلق بالأرض ، حيث تركيبها الكيميائي والمعدني وخَواصّها الطبيعية والكيميائية والميكانيكية ، بالإضافة إلى العمليات الداخلية والخارجية التي أثَّرت وتُوثِّر عليها منذ نشأتها الأولى

كما أن الجيولوجيا أيضا تعني بدراسة أحداث الماضي السحيق ، وكذلك الأحياء النباتية والحيوانية التي عاشت فوق سطح الأرض ، وفي أعماق البحار ثم ماتت واندثرت ، والتعرف إلى خواص تطورها وقيمتها الإقتصادية على مَرّ العصور ، بالإضافة إلى دراسة الثروات المائية والبترولية والمعدنية التي توجد تحت سطح الأرض وفي أعماقها »(٧) وإليك بعض الأبحاث عن التربة

أ ـ أنواع التربة :

يقول أخصائي فيزياء التربة ( ديل سوار تزن دروبر ) : « والتربة عالم يفيض بالعجائب ، ولكنها عجائب لا يستطيع أن يصل إلى كنهها أو يكشف

______________________

(٧) ـ المهندس ، د. أحمد عبد القادر : ( الجيولوجيا والجيلوجيون ) مجلة القافلة ، ج ٣٦ ، شعبان ١٤٠٨ هـ ، ص ١٤

٢٣

أمرها إلا العلوم والدراسات العلمية »(٨) ويعبر الجغرافيون الطبيعيون عن التربة وألوانها وأنواعها وخصوبتها بما يأتي :

عَرّفوها بأنها : الغطاء الرقيق المتفتت الذي يغطي سطح الأرض في كثير من الجهات كما أنّهم قَسموها إلى التالي :

١ ـ تربة صلصالية : وتحتوي على نسبة عالية من المواد الذائبة ، وتحتفظ بكميات كبيرةٍ من المياه ، إلا أن حراثتها ليست سهلة بسبب تماسك جزئياتها الترابية وعلى كل فهي أصلح تربة زراعية ، وخَاصّة إلى القمح والشعير وغير ذلك

٢ ـ تربة رملية : وهي صالحة بشكل عام لزراعة الخضروات والفواكه ، وإنها سهلة الحراثة بسبب تفتت جزئياتها الترابية

٣ ـ تربة غرينية : وهي إما أن تكون أصلية أي جاثية فوق الصخور التي نشأت منها ؛ وهي على لون الصخور ذاتها وإما أن تكون منقولة : أي جاثية فوق صخور غريبة عنها ؛ مثل تربة السهول ، ومثل وادي الفرات أو وادي النيل وغير ذلك(٩)

ب ـ ألوان التربة :

قَسّمَ الجغرافيون الطبيعيون التربة إلى الألوان الآتية :

١ ـ تربة سوداء : وقد أطلقوا عليها اسم« التسترنوزيوم » وتوجد في أوربا الوسطى الشمالية وهي أجود تربة من حيث صلاحيتها للزراعة على الإطلاق

______________________

(٨) ـ نخبة من العلماء الأمريكيين : الله يتجلى في عصر العلم / ص ١١٦

(٩) ـ الربيعي ، الشيخ عبدالجبار : البراهين العلمية / ٢١٨

٢٤

٢ ـ تربة صفراء : وتسمى« اللوس » وتوجد في شمال الصين وهي ناعمة جداً

٣ ـ تربة حمراء : وتسمى« لاتيريت » هي ذات لون داكن أو أسمر ، وتوجد بكثرة في سهول حلب

٤ ـ تربة سمراء : وتسمى« البوذرول » وهي إما رمادي فاتح أو أبيض ، وتكثر في الغابات

٥ ـ تربة بركانية : وهي تربة خصبة جداً لكثرة المواد المعدنية فيها ، وتوجد في بلاد حَوْرَان ومنطقة الروج جنوب جسر الشغور

٦ ـ تربة المناطق الصحراوية : وهي غنية بالأملاح القابلة للذوبان ويمكن تحويلها إلى حقول زراعية إذا توفرت المياه لريّها

٧ ـ تربة شهبا كلسية : تتكون في المناطق القليلة الأمطار والنبات ، تظهر بيضاء اللون لإحتوائها على نسبة كبيرة من كربونات الكالسيوم وهي جيدة الصّرْف(١٠)

وبعد هذا البيان ؛ تبين لنا أنّ إختلاف الأرض في طبقاتها وألوانها ، لا يمكن أنْ يكون كذلك خَبْطَ عَشْوَاء ، وإنما هي صنع حكيم ، كما قال تعالى :( وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ
بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
) [ الرعد / ٤ ] بُقَاعُ مختلفةَ مع كونها متجاورة متلاصقة : طَيِّبَةٌ إلى سَبِخَة ، وصلبة إلى رخوة ، وصالحة للزرع والشجر إلى أخرى على عكسها مع إنتظام جميعها في جنس الأرضية ، وكذلك الكُرُوم والزرع والنخيل النابتة في هذه القطع مختلفة

______________________

(١٠) ـ المصدر السابق / ٢٢٠

٢٥

الأجناس والأنواع :( يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ ) وتراها متغيرة الثمار في الأشكال والهيئات والطعوم والروائح متفاضلة فيها ، وفي ذلك دلالة على صنع القادر العالم

ومن غرائب وعجائب هذه الأرض ، ما أشارت إليه الآيات ، كما في قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ
إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ
) [ فاطر / ٢٧ ـ ٢٨ ]

تكليف وعبادة :

إقتضت سنة الله تعالى في خلق الإنسان وإسكانه الأرض ، وتزينه ما عليها له ليمتعه بذلك ويُميّز به أهل السعادة من غيرهم وإلى هذا أشارت الآيات القرآنية التي سنعقد البحثين الآتين من أجلها

١ ـ إبتلاء وإمتحان :

إنّ الأرض هي الغاية من حياة الإنسان فقط ، فقد خلق آدمعليه‌السلام للأرض للتمتع بخيراتها والبقاء فيها إلى وقت محدود ، وإنّها دار إبتلاء وإمتحان ، وإلى هذا أشارت الآية الشريفة :( وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ) [ البقرة / ٣٦ ] وأيضاً قوله تعالى :( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) [ الكهف / ٧ ]

إنّ النفوس البشرية خلقت للتصفية والتطهير ، بإسكانها الأرض لأجل معلوم ، بالبقاء للتعلق والإرتباط بينها وبين ما على الأرض من أمتعة الحياة : من مال وولد وجاه ، فكان ما على الأرض محبباً لقلوبهم وزينة للأرض وحلية

٢٦

تتحلى بها ؛ لكونها عليها ؛ فتعلقت نفوسهم بالأرض بسببه واطمأنت إليها فإذا إنقضى الأجل المحدود من قبل الله تعالى لتمكينهم في الأرض ؛ تحقق ما أراده من البلاء والإمتحان وسلب ما بينهم وبين ما على الأرض

٢ ـ تقديس وعبادة :

حظيت الأرض بالتقديس والتطهير ، لما عليها من مظاهر التطهير الإلهي كما في قوله تعالى :( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) [ الأحزاب / ٣٣ ] إذ هو ـالقدوس ـ أي الطاهر المُنَزّه عن العيوب والنقائص ؛ ولذا طَهّر بعض عباده من كل العيوب ، كما نَصّت الآية الخاصة بآل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقوله تعالى :( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ ) [ النحل / ١٠٢ ] يعني جبرئيل من حيث أنّه ينزل بالقدس من الله ؛ أي بما يطهر به نفوسنا من القرآن والحكمة والفيض الإلهي وقوله تعالى :( إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) [ طه / ١٢ ]

وتتجلى لنا قداسة الأرض في هذه الآية ؛ حيث أنّ( طُوًى ) ؛ إسم الوادي بطور ، وهو الذي سَمّاه الله بالوادي المقدس ، وهذه التسمية والتوصيف ؛ هي الدليل على أنّ أمره بخلع النعلين إنّما هو لإحترام الوادي أن لا يداس بالنعل ، ثم تفريع خلع النعلين مع ذلك على قوله :( إِنِّي أَنَا رَبُّكَ ) يدل على أنّ تقديس الوادي إنّما هو لكونه حظيرة القدس وموطن الحضور والمناجاة ، وعلى هذا النحو يقدس ما يقدس من الأمكنة والأزمنة كالكعبة المشرَّفة ، والمسجد الحرام ، والمشاهد المحترمة في الإسلام ، وكذلك تربة الحسينعليه‌السلام كما سيأتي البحث فيها

ومن مظاهر التقديس في الأرض ، جعل فيها البيت الحرام ـالكعبة ـ وما في ذلك الجعل من مظاهر العبادة والتطهير ، والى هذا أشارت الآية

٢٧

الشريفة :( جَعَلَ اللَّـهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ ) [ المائدة / ٩٧ ] ومعنى القيام في الآية ـ كما هو المستفاد من كلمات المفسرين ـ أنّ الله جعلها لَتقوِّم الناس من خلال التوجه إليها في متعبداتهم ومعاشهم ؛ أما متعبداتهم فالصلاة والطواف حولها ، والتوجه إليها في ذبائحهم وإحتضار موتاهم وغسلهم ودفنهم وأما معاشهم ؛ فأمنهم عندها من المخاوف وأذى الظالمين ، وتحصيل الرزق والاجتماع بجملة الخلق الذي هو أحد أسباب إنتظام معاشهم إلى غير ذلك من المنافع والفوائد ومن مظاهر التقديس والتطهير ، ما أشار إليه الحديث النبوي : ( تمسحوا بالأرض فإنها أمكم وهي بَرَّة بكم )(١١)

توضيح حديث ( تمسحوا بالأرض ) :

وللعلماء في تفسيره وجوه كالتالي :

السيد عبدالله شُبَّر :

وَجّهه بوجوه أهما مايلي :

١ ـ أن المراد بالتمسح التيمم بها عند الضرورة

٢ ـ أن يكون ذلك كناية عن الجلوس عليها ،وإستشهد له بما رواه الراوندي :( أنه أقبل رجلان إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فقال أحدهما لصاحبه : اجلس على اسم الله تبارك وتعالى والبركة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اجلس على إستك ، فأقبل يضرب الأرض بعصا ؛ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تضربها فإنها أمكم وهي بكم بَرَّةّ )

٣ ـ أن يكون المراد بذلك مباشرة ترابها بالجباه في السجود من غير حائل ، ويكون الأمر للإستحباب وقولهعليه‌السلام : «( فإنّها بكم بَرَّةّ ) أي مشفقة

______________________

(١١) ـ شبّر ، السيد عبدالله : مصابيح الأنوار ، ج ٢ / ١٨٥

٢٨

عليكم كالوالدة البرّة بأولادها يعني منها خلقكم وفيها معاشكم وإليها بعد الموت معادكم»(١٢)

الشريف الرضي :

« والمراد بقوله : ( فإنّها بكم برّة ) يرجع إلى أنّها كالأم للبرية ؛ لأنّ خلقهم ومعاشهم عليها ورجوعهم إليها فلما كانت الأرض تسمى أُمّاً لنا من الوجوه التي ذكرناها ؛ كان قوله عليه الصلاة والسلام :( فإنّها لكم برّة ) يرجع إلى وصفها بالأمومة ؛ لأنّهم يقولون : الأرض ولود ، يريدون كثرة إنشاء الخلق وإستيلادهم عليها

ولقوله عليه الصلاة والسلام ( تمسحوا بالأرض ) وجهان :

أحدهما : أن يكون المراد التيمم منها في حالة الطهارة وحالة الجنابة

ثانيهما : أن يكون المراد مباشرة ترابها بالجباه في حال السجود عليها وتعَفّر الوجوه فيها ، ويكون هذا القول أمر تأديب ، لا أمر وجوب ؛ لأنّ من سجد على جلدة الأرض ومن سجد على حائل بينها وبين الوجه واحد في أجزاء الصلاة ، إلا أنّ مباشرتها بالسجود أفضل ، وقد روي أنّ النبي عليه الصلاة والسلام كان يسجد على الخمرة ، وهي الحصير الصغير يعمل من سعف النخل ، فبان أنّ المراد بذلك فعل الأفضل لا فعل الأوجب »(١٣)

أقول : الوجوه التي ذكرت يمكن تلخيصها بما ورد عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام : أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : (إنّ الأرض بكم بَرَّة ، تتيممون منها وتصلون

______________________

(١٢) ـ المصدر السابق

(١٣) ـ الشريف الرضي ، محمد بن أبي أحمد الحسين : المجازات النبوية / ١٨٢ ـ ١٨٣

٢٩

عليها في الحياة ، وهي لكم كفات في الممات ، وذلك من نعمة الله له الحمد ، فأفضل ما يسجد عليه المصلي الأرض النقية ) (١٤)

ـ تكريم إلهي :

كرّم الله تعالى الإنسان بأفضل أنواع النعم ، التي من أهمها ما شُرِّع له من الأحكام عند موته من تغسيل وتكفين وتحنيط وصلاة ومواراة وهذه المراسيم لم تكن لغيره من الخلق ، ويتجلى لنا هذا التكريم فيما يأتي :

١ ـ إنّ جثة ميت الإنسان لا تبقى على وجه الأرض ، كما تبقى جثة ميت الحيوان مثلاً ، بذلك المنظر الذي يوحي إلى عدم تكريم تلك الجثة ، علاوة على بشاعة المنظر

٢ ـ لو بقيت جثة الإنسان بدون مواراة ؛ لتفسخت وظهرت الروائح الكريهة ، وانتشرت الأوبئة الضارة التي تؤدي إلى هلاك الكائنات الحية التي على وجه الأرض ، ولكن التكريم الإلهي للإنسان ، حَثّ على المسارعة بالقيام بهذه المراسيم ، حِفاظاً على كرامته ميتاً ، وحفاظاً على الأحياء من تفشي الأوبئة المضرِّة بهم

٣ ـ إنّ عملية التغسيل فيها من الأسرار الطبية ؛ إذ ثبت علمياً ما نَصّه : « أما الجسد الميت فهو سريع التحلل والتفسخ ، خصوصاً في أيام الصيف ، ويصبح عرضةً لهجوم المكروبات بعد ساعات من الموت ، ومَسّ هذا الجسد من قبل الأحياء قد يؤدي إلى الإصابة بالكثير من الأمراض لاسِيما إذا كانت الوفاة حدثت نتيجة الإصابة بإحدى الأمراض المعدية »(١٥)

______________________

(١٤) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ج ٨٢ / ١٥٦

(١٥) ـ علي ، الدكتور صادق عبد الرضا : القرآن والطب الحديث / ٢٢٩ ـ ٢٣٠

٣٠

ولذا حَثّ الإسلام على المسارعة بتغسيل الميت ، والقيام بهذه الأغسال الثلاثة ، بماء السدر ، والكافور ، والقراح ، فمادة الكافور وأوراق السدر مع الماء مطهرة ومعقمة لبدن الميت من هذه الجراثيم والميكروبات المضرة ، وهذا ما نستفيده من أجوبة بعض الفقهاء

س / ما الحكمة والمصلحة في وجوب غسل مس الميت إذا وضع شخص يده على بدن ميت قبل تغسيله ؟

ج / حكم ومصالح أوامر الله كثيرة ، ومن الممكن أن تكون إحدى حكم غسل مس الميت أن في بدن الميت سموماً تسري إلى الأحياء بالمسّ وترتفع بالغسل(١٦)

س / لأي سبب يُغسَّل الميت بالسدر والكافور ، وما هي عِلّتُه وحِكْمَتهُ ؟

ج / لأمر الرسول ( صلی الله عليه وآله ) المطابق للأخبار الصادرة عن الأئمة ( عليهم السلام ) ، وحكمة ذلك المضارة لعفونة الميت والسموم التي تخرج من بدنه حال الموت(١٧)

ويقول الدكتور حَسّان شمسي باشا : « ويعرف الكافور بأنه يمنع العِثّ ، وبعض الحشرات الأخرى ، كَدِيدَان الخشب ، وقد صُنِعَتْ خزائن من خشب الكافور ظلت أثراً على مر العصور »(١٨) ؛ ولذا إقتضت حكمت التشريع الإلهي المحافظة على هذا الإنسان من بداية دخوله هذه الحياة ؛ إذ من المستحبات غسل الوليد وقد ثبت علمياً ما نَصّه : وقد ثبت اليوم علمياً ، أنّ الدم سريع التفسخ

______________________

(١٦) ـ الكلبيكاني ، السيد محمد رضا : مجمع المسائل ، ج ١ / ١٠٧

(١٧) ـ نفس المصدر ، ج ١ / ١١٣

(١٨) ـ باشا ، الدكتور حسّان شمسي : قبسات من الطب النبوي / ٩٢

٣١

والتلوث ، فبقائه على جسم الإنسان يجهله عِرْضَة للإصابة بالأمراض ، إضافة إلى رائحة غير مقبولة ؛ لهذا إشترط الإسلام الغسل على الحائض والنفساء ـالمرأة التي ولدت حديثاً ـ والطفل المولود »(١٩)

وبعد بيان ما تقدم ، تبين لنا مدى التكريم الإلهي للإنسان ، ومدى المحافظة عليه في بدايته ونهايته ، وإلى هذا يشير الشاعر بقوله :

نغسله عند الولادة مثلما

نغسله عند الوفاة جوارحاً

ليستقبل الداربن بالطهر والتقى

فيصبح في كلٍ على الكلِ راجحاً

وما بين ذي الطُهْرِ من دَنَسِ الخطا

يُطهره الباري ويحسب صالحاً(٢٠)

ـ الأرض بداية ونهاية :

تَنصّ الآيات القرآنية ، على أنّ الأرض بداية الإنسان ونهايته على الإجمال والتفصيل كما في الآيات الآتية وهي :

قوله تعالى :( مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ ) [ طه / ٥٥ ]

وقوله تعالى :( أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ) [ المرسلات / ٢٥ ـ ٢٦ ]

الكِفْتُ : الجمع والضم والوعاء وعلى هذه المعاني ، أنّ الأرض تجمع الأحياء على ظهرها ، وهي وعاء يضم الأموات في باطنها وقد تقدم السِّر في كوننا على ظهرها ، ويبدوا لنا السر في كوننا في باطنها فيما يأتي :

______________________

(١٩) ـ علي ، الدكتور صادق عبدالرضا : القرآن والطب الحديث / ٢٢٩

(٢٠) ـ البحراني ، السيد محمد صالح الموسوي : النمارق الفاخرة إلى طرائق الآخرة ، ج ٢ / ١٢٩

٣٢

يقول الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ( طاب ثراه ) : « أوجبت الشرائع السماوية(٢١) ـوبالأخص شريعة الإسلام ـ دفن الأموات فيها ، ولا يجوز دفن الميت في غيرها ، وأن يوضع خده على الأرض ، ولا يجوز حتى إلقائه في البحر مع التمكن من دفنه بالأرض ، بل ولا إحراقه بالنار ، مع أن المتبادر بادئ النظر ، أنه أبلغ في قمع جراثيم الأموات المضرة بالأحياء كما يصنعه البراهمة الذين يحرقون أمواتهم ، ولكن أليس من الجائز القريب أن يكون جثمان الإنسان يحمل ، أو تُحمل فيه عن مفارقته الحياة مواد من ناشرات الأوبئة التي لو أحست بحرارة تطايرت في الفضاء قبل أن تحترق ، فتأخذ مفعولها في نشر الأمراض وتلويت الهواء ، وكذا لو ألقيت في البحر أو الأنهار تنمو وتشتد بخلاف ما لو دفنت في التراب ، ولعل فيها مواد من خَاصِّيتها تلف تلك الجراثيم مختلفة الأنواع ، التي لو انتشرت لأهلكت كل حيّ حتى النبات »(٢٢)

وقد أيَّد العلم الحديث هذه النظرية ؛ إذ ذكرت إحدى الكتب العلمية ما يأتي :

« وللبرهنة على أن التراب قاتل الميكروبات لك مثال واحد : إننا نعلم عند موت الإنسان تتفسخ جثته ، ولا بد أن تتحول إلى جراثيم فَتّاكة للغاية ، فكيف إذا لم يكن العالم بأسره مُلَوّثاً بهذه الجراثيم ، فكيف إذن تموت ؟ فلا توجد إلا طريقة واحدة ، هي قتل التراب للميكروبات وبَرهن العالم وكسمان ، والدكتور إلبرت : أن التراب جراثيم نافعة يمكن إستخراجها ومعالجة

______________________

(٢١) ـ وبداية هذا التشريع يرجع إلى ما أشارت إليه الآية المباركة :( فَبَعَثَ اللَّـهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ
يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَىٰ أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ
) المائدة / ٣١

(٢٢) ـ كاشف الغطاء ، الشيخ محمد حسين : الأرض والتربة الحسينية / ٢١

٣٣

الأمراض السارية بها وفعلاً إستخرج دواء من التراب باسم ( استربتوماسين ) ، الذي يعالج به السل والتايفوئيد والجراحات المزمنة والإسهال القوي وذات الرئة والتهاب الحلق »(٢٣)

وبعد بيان ما تقدم من الأبحاث ، إتضح لنا أن هذه الأرض المباركة ذات الآيات الباهرة ، التي هي من أعظم آيات الله التي نَمرُّ عليها ليلاً ونهاراً ونحن عنها معرضون ، كما أشارت الآية الكريمة :( وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ) [ يوسف / ١٠٥ ]

ويكفيها عظمةً وقداسة أنها بمثابة الأم الحنون لما عليها من الكائنات الحية التي خلقت منها ، وإنها محل الإبتلاء والإختبار للعباد نعم شُرِّعت العبادة عليها ، ومن أعظم العبادات الصلاة ، ومن أعظم أركان الصلاة قرباً لله السجود عليها ، إذن عظمت الأرض تستدعي السجود عليها

______________________

(٢٣) ـ الدهان ، سعيد ناصر : القرآن والعلوم / ١٦٧ ـ ١٦٨

٣٤

٣٥
٣٦

الفصل الأول ـ السجود في اللغة :

س / ما هو السجود لغةً ؟

ج / تناولت كتب اللغة لفظة السجود بما يأتي :

في المصباح المنير ، ج ١ / ٣٦٦ للفيومي : « سَجَد ( سجوداً ) تَطَامن وكل شئ ذَلّ فقد سجد وسجد البعير ؛ خفض رأسه عند ركوبه »

وفي منجد اللغة / ٣٢١ ، « سجد ـ سجوداً : إنحنى خاضعاً ـ وضع جبهته على الأرض متعبداً ، فهو ساجد (ج) سُجَّد وسجود يقال هو ساجد النخر ؛ أي ذليل خاضع ، ونخلة ساجدة أي مائلة »

وفي مجمع البحرين ج ٣ / ٦٣ للشيخ فخر الدين الطريحي : « وهو في اللغة : الميل ، والخضوع ، والتطامن ، والإذلال » والذي يبدو ، أن هذه المعاني متقاربة ، وهي خلاصة ما ذكره اللغويون حول هذه اللفظة ؛ ولذا نلاحظ أن الطريحي أجاد في تعريف « اللفظة » بما ذكره من المعاني الأربعة ، بهذه الصياغة المختصرة

الفصل الثاني ـ السجود في الإصطلاح :

س / ما هو السجود إصطلاحاً ؟

ج / وردت عدة تعاريف للفظة ( السجود ) في الإصطلاح ، لكن الأفضل منها ما يأتي :

١ ـ « وَضْعُ الجبهة على الأرض خضوعاً لله تعالى »(٢٤)

٢ ـ « وخُصّ السجود في الشريعة بالركن المعروف من الصلاة ، وما يجري مجرى ذلك من سجود القرآن وسجود الشكر »(٢٥)

______________________

(٢٤) ـ السبزواري ، السيد عبد الأعلى : مواهب الرحمان في تفسير القرآ ن ، ج ١ / ١٦٦

(٢٥) ـ الراغب الإصفهاني ، ابي القاسم ، الحسين بن محمد : المفردات في غريب القرآن / ٢٢٤

٣٧

الفصل الثالث ـ السجود في القرآن :

١ ـ معني السجود :

س / ما هو السجود في القرآن ؟

ج / يُفْهَم من الآيات القرآنية ، أن للسجود عدة معانٍ أهمها التالي :

الخشوع والخضوع :

الخشوع : هو الخضوع أي التطامن والتواضع وهو أمر عبادي يترتب على فِعْلِه الثواب ، وهو يشمل سجود الجن والإنس والملائكة فقط ، كما في الآيات الآتية : قوله تعالى :( فَاسْجُدُوا لِلَّـهِ وَاعْبُدُوا ) [ النجم / ٦٢ ] وقوله تعالى :( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ
اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ
) [ البقرة / ٣٤ ]

ذكر المحقق السيد الخوئي في تفسير الآية : « إن السجود حيث كان بأمر الله ؛ وهو في الحقيقة خضوع لله وسجود له »(٢٦) وقال تعالى :( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى
الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا
) [ يوسف / ١٠٠ ]

وذكر الشيخ أبو جعفر الطوسي في تفسير الآية : « قال القوم : إن الهاء في قوله ( له ) راجعة إلى الله فكأنه قال : فَخَرُّوا لله سُجَداً شكراً على ما أنعم به عليهم من الإجتماع »(٢٧) ويُعَضِّده ما روي عن الصادقعليه‌السلام ـ أنه قرأ : ( وخروا لله ساجدين )(٢٨) وقوله تعالى :( وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا ) [ البقرة / ٥٨ ]

______________________

(٢٦) ـ الخوئي ، السيد أبو القاسم : البيان في تفسير القرآن / ٤٧٤

(٢٧) ـ الطوسي ، شيخ الطائفة أبو جعفر ، محمد بن الحسن : التبيان في تفسير القرآن ، ج ٦ / ١٩٧

(٢٨) ـ الطبرسي ، الشيخ الفضل بن الحسن : جامع الجوامع في تفسير القرآن ، ج ١ / ٧٤٨

٣٨

وقال المحقق السيد السبزواري في تفسير الآية : « والسجود هنا بمعنى الخضوع والخشوع المناسب لمن يدخل الأرض المقدسة ، وهو تأديب إلهي في كيفية دخول بيت المقدس »(٢٩)

الإنقياد : وهو الخضوع ، ويُعَبَّر عنه بالسجود التسخيري ، وهو عام يشمل السجود العبادي المتقدم ، وسجود باقي المخلوقات كالحيوان والجماد ، وإليه أشارت الآيات التالية :

قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ
وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ
) [ الحج / ١٨ ]

س / كيف يُتَصَوّر سجود هذه المذكورات ؟ ولِمَ قال : ( وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ) مع أن قوله : ( مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ ) مغنٍ عنه ؟

ج / « سُميت مطاوعتها له تعالى فيما يحدث فيها من أفعاله ، ويجري عليها من تدبيراته إيّاها ، وتسخيره لها ، سجوداً له تشبيهاً لمطاوعتها بإدخال أفعال المكلف في باب الطاعة والإنقياد ، وهو السجود الذي كل خضوع دونه

أما قوله :( وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ) ؛ فمعناه : ويسجد له كثير من الناس سجود طاعة وعبادة ، وهم المؤمنون به والموحدون له ، ولا يصح أن يراد من السجود في صدر الآية ، السجود بهذا المعنى من الطاعة والعبادة ؛ لأن ذلك يصح في حق الملائكة والإنس والجن فقط ، وهذا لا يصح أن يراد في حق _

_____________________

(٢٩) ـ السبزواري ، السيد عبد الأعلى : مواهب الرحمن في تفسير القرآن ، ج ١ / ٢٥٢

٣٩

الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب »(٣٠) وقوله تعالى :( وَلِلَّـهِ
يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِن دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ
) [ النحل / ٤٩ ]

س / ـ ما ـ لما لا يعقل ، وما معنى سجود ما لا يعقل ، وكيف يصدر السجود من الموجودات التي لا تعقل ، وهي جمادات وحيوانات صامته ؟

ج / « هذا من باب الإستعارة والمراد كونها غير ممتنعة عليه وتحت تصرفه ، ولما كان سجود من يعقل هو الخضوع والخشوع له تعالى الذي هو ضرب من الانقياد وسجود ما لا يعقل كما عرفت ، ناسب أن يعبر عنها بالسجود وبعلاقة عدم الامتناع عليه »(٣١)

٢ ـ هيئة السجود وكيفيته :

س / على أي كيفيّة جاءت السجدة العبادية في القرآن ؟

ج / أشارت الآيات القرآنية إلى التالي :

قوله تعالى :( إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا ) [ السجدة / ١٥ ]

وقوله تعالى :( إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَـٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ) [ مريم / ٥٨ ]

وقوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا ) [ الإسراء / ١٠٧ ]

وقوله تعالى :( تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم
مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ
) [ الفتح / ٢٩ ]

______________________

(٣٠) ـ ياسين ، الشيخ خليل : أضواء على متشابهات القرآن ، ج ٢ / ٣٧

(٣١) ـ نفس المصدر ، ج ٢ / ٣٢٢ ـ ٣٢٣

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

تنتهي الرغبات في الأمور ، ومنه تتولد الصلات والمحبات والعلائق والروابط ، فبهذا الإعتبار المطرد العام المتسالم عليه لدا العقلاء والشرع الأقدس ، إتخاذ مكة المكرمة حرماً آمناً وتوجيه الخلق إليه ، وحجهم إياه من كل فج عميق ، وإيجاب تلكم الأحكام حتى بالنسبة إلى بنيته ، إن هي إلا آثار الإضافة وإختيار الله إياها من بين الأراضي

وكذلك المدينة المنورة حرماً إلهياً محترماً ، وجعل المحرمات الواردة في السنة الشريفة لها وفي أهلها وتربتها ومن حَلّ فيها ، إنما هي لإعتبار ما فيها من الإضافة والنسبة إلى الله تعالى ، وكونها عاصمة عرش نبيه العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صاحب الرسالة الخاتمة

وبهذا الإعتبار وقانون الإضافة ، جعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبكي على ولده الحسينعليه‌السلام ويقيم تلك المآتم قبل شهادته ، ويأخذ تربة كربلاء ويشمها(٧٧) ، ويقبلها(٧٨) ، ويقلبها(٧٩) ، كما ورد في الأخبار وهو الذي جعل الشيعة الإمامية تهتم بتربة الحسينعليه‌السلام ، تلك التربة الطاهرة التي شرّفها الله وقدّسها ؛ لما تحويه من أجساد طاهرة من أبناء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، سُفكت دماؤها لأجل الدين وفي سبيل إحيائه تلك التربة التي اعتنى بها الكُتاب وتفننوا في وصفها وقداستها

وعَبّر عنها الأديب الكبير عباس العقاد بقوله : « ولكنها لو أُعطيت حقها من التنويه والتخليد ؛ لحق لها أن تصبح مزاراً لكل آدمي يعرف لبني نوعه نصيباً من القداسة وحظاً من الفضيلة ، لأننا لا نذكر بقعة من بقاع هذه الأرض

______________________

(٧٧) ـ الهيثمي ، الحافظ نور الدين ، علي بن أبي بكر : مجمع الزوائد ، ج ٩ / ١٨٩

(٧٨) ـ ابن حجر ، الحافظ شهاب الدين ، أحمد : تهذيب التهذيب ، ج ٢ / ٢٤٦

(٧٩) ـ النيسابوري ، الحافظ محمد بن أحمد : سيرة أعلام النبلاء ، ج ٣ / ١٩٤

٦١

يقترن اسمها بجملة من الفضائل ، أسمى وألزم لنوع الإنسان من تلك التي اقترنت باسم كربلاء ، بعد مصرع الحسين فيها

فكل صفة من تلك الصفات العلوية التي بها الإنسان إنسان وبغيرها لا يحسب غير ضرب من الحيوان السائم فهي مقرونة في الذاكرة بأيام الحسين رضي الله عنه في تلك البقعة الجرداء وليس في نوع الإنسان صفات علويات أنبل ولا ألزم من الإيمان والفداء والإيثار ويقظة الضمير ، وتعظيم الحق ورعاية الواجب والجلد في المحنة والأنفة من الضيم والشجاعة في وجه الموت المحتوم وحسبك من تقويم الأخلاق في تلك النفوس ، أنه ما من أحد قتل في كربلاء إلا كان في وسعه أن يتجنب القتل بكلمة أو بخطوة ، ولكنهم جميعاً آثروا الموت عطاشا جياعا مناضلين على أن يقولوا تلك الكلمة أو يخطوا تلك الخطوة ؛ لأنهم آثروا جمال الأخلاق على متاع الدنيا أو حسبك من تقويم الأخلاق في نفس قائدها وقدوتها ، أنهم رأوه بينهم فاقتدوه بأنفسهم ، ولن يبتعث المرء روح الاستشهاد فيمن يلازمه إلا أن يكون هو أهلاً للإستشهاد في سبيله وسبيل دعوته ، وان يكون في سليقة الشهيد الذي يأتم به الشهداء »(٨٠)

وبعد هذا البيان إتضح لنا سِرُّ فضيلة تربة كربلاء ، ومبلغ إنتسابها إلى الله سبحانه وتعالى ، ومدى حرمة صاحبها دُنُوّاً وإقتراباً من العلي الأعلى نعم أفعاله وأقواله ـ كما نقلها التاريخ لنا ـ تثبت مدى تعلقه وتفانيه بخالقه العظيم حتى بذلك نفسه وأهله وكل غالٍ ونفيس لأجل إعلاء كلمة الله وإحياء دينه ، وقد نسب إليه الآتي :

______________________

(٨٠) ـ العقاد ، عباس محمود : أبو الشهداء ، الحسين بن علي / ٨٦ ـ ٨٧

٦٢

تركتُ الخلقَ طُرّاً في هواكا

وأيتمت العيال لكي أراكا

فلو قطعتني في الحُب إرباً

لما مال الفؤاد إلى سواكا(٨١)

أليس من الأفضل التقرب إلى الله بالخضوع والخشوع والعبودية بالسجود على تربة تفجرت في صفيحها عيون دماءٍ اصطبغت بحب الله وولائه المحض الخالص ؟!. أليس من الأليق بأسرار السجود على الأرض ، السجود على تربة ظهر فيها سِرُّ المتعة والعظمة والكبرياء والجلال لله عَزّ وجَلّ ، ورمز العبودية والتصاغر أمام عظمة الجبار سبحانه تعالى بأجلى مظاهرها وسماتها ؟!.

وبناءً على هذين الأصلين ، تتخذ الشيعة الإمامية من تربة كربلاء قطعاً وأقراصاً تسجد عليها في الصلوات(٨٢) لأنهم يشترطون في المسجد أن يكون أرضاً أو ما أنبتت ، ويشترطون في المسجد طهارته وإباحته ، وأن لا يكون من المأكول والملبوس ، فالشيعة يصحبون معهم ألواح الطين والتراب ، ويتخذونها مساجد للسجود عليها لله ، اهتماماً بشأن الصلاة ومخالفة على آدابها ، فشأن هذه الألواح شأن الخُمُر والحَصْبَاء في بداية المسلمين كما أنها أفضل أفراد الواجب ، واختياراً لما هو الأفضل والأولى بالسجود لدا العقل والمنطق والإعتبار

______________________

(٨١) ـ أمين النجفي ، الدكتور أحمد : التكامل في الإسلام ، ج ٤ / ١٧٠

(٨٢) ـ ذكر هذا الدليل المحقق الأميني ( قده ) في ( سيرتنا وسنتنا / ١٧٠ ـ ١٨٠ ) بعنوان الإستحسان العقلي ، وجئت بصياغة أخرى لهذا الدليل بعنوان ( الإحتياط طريق النجاة ) فهو أقرب إلى الإحتياط العقلي ؛ لأن الإستحسان العقلي لا تؤمن به الإمامية

٦٣

وعلى هذا النهج القويم ؛ كان التابعي علي بن عبد الله بن عباس(٨٣) كما عن ابن عينة قال : « سمعت رُزَين مولى ابن عباس رضي الله عنه يقول : كتب إليّ علي بن عبد الله بن عباس أن إبعث إلي بلوح من حجارة المروة أسجد عليه »(٨٤) فأي مانع من أن يحتاط المسلم في أمور دينه بما فيها صلاته ؟!. وأي مانع من أن يختار الأفضل في عمله ؟ فالشيعة الإمامية إختارت التربة الحسينية ؛ لأنها الأفضل ، عملاً بالأحاديث الكثيرة الواردة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته

______________________

(٨٣) ـ هو علي بن عبدالله بن عباس بن عبد المطلب ، ولد سنة ٤٠ هـ ليلة قتل علي بن أبي طالب (ع) ، وتوفي سنة ( ١١٧ أو ١١٨ ) راجع ( الطبقات لابن سعد ، ج ٥ / ٢٢٩ ) وقال ابن حجر : ثقة قليل الرواية وذكره ابن حيان في الثقات ، راجع تقريب التقريب / ٣٤٢ ، وتهذيب التهذيب ج ٣ / ١٨٠ دار الرسالة ، ط ١٤١٦ ، وحكى المبرد وغيره : لما ولد علي بن عبد الله جاء أبوه إلى أمير المؤمنين (ع) فقال : ما سميته ؟ فقال : أو يجوز لي أن أسميه قبلك ؟ فقال (ع) : قد سميته باسمي وكنيته بكنيتي وهو أبو الأملاك راجع العقد الفريد ج ٥ / ١٠٣ ـ ١٠٥ ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ، ج ٧ / ١٤٨

(٨٤) ـ الأزرقي ، أبو الوليد محمد بن عبد الله : أخبار مكة ، ج ٢ / ١٥١

ـ السمهودي ، السيد نور الدين ، علي بن عبد الله : وفاء الوفاء ، ج ١ / ١١٥

ـ ابن أبي شيبه ، الحافظ عبد الله بن محمد : الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار ، ج ١ / ٢٧٥

٦٤

٦٥
٦٦

تمهيد :

عرفت أرض كربلاء بالقداسة والسمو والشرف منذ القدم ، وإلى هذا أشار سيد الشهداءعليه‌السلام بقوله :( وخير لي مصرع أنا لاقيه ، فكأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء ) (٨٥) والمراد بالنواويس : جمع ناوس في الأصل ، وهو قبر النصراني ، والمراد به هنا القرية التي كانت عند كربلاء(٨٦) أي أن كربلاء قد اتخذت معابد ومدافن للأمم السابقة ، وخير شاهد على ذلك ما يلي : « ونقل بعض الفضلاء قول أحد الباحثين في تاريخ كربلاء القديم وهو : كل ما يمكن أن يقال عن تاريخها القديم ، أنها كانت أمهات مدن طسوج النهرين ، الواقعة على ضفاف نهر بالاكوباس( الفرات القديم ) وعلى أرضها معبد للعبادة والصلاة ، كما يستدل من الأسماء التي عرفت بها قديماً كعمورا ، ماريا ، صفورا ، وقد كثرت حولها المقابر ، كما عثر على جثث موتى داخل أوانٍ خزفية يعود تاريخها إلى قبل العهد المسيحي »(٨٧) وقال الأب اللغوي أنستاس الكرملي : « والذي نتذكره فيما قرأناه في بعض كتب الباحثين ؛ أن كربلاء منحوتة من كلمتين من( كرب وإل ) أي حرم الله أو مقدس الله »(٨٨)

وذكر السيد عبد الحسين آل طعمة ، نقلاً عن الذريعة للشيخ آغا بزرك : « ومعنى( كاربالا ) بالفهلوية هو( الفعل العلوي ) ويجوز تفسيرها (بالعمل السماوي ) المفروض من الأعلى ، ثم عُرِّبت وصيغت صياغة عربية وسموها ______________________

(٨٥) ـ السماوي ، الشيخ محمد بن الشيخ طاهر : إبصار العين في أنصار الحسين / ٦ ، ١٧

(٨٦) ـ نفس المصدر

(٨٧) ـ الخليلي ، جعفر بن الشيخ أسد الله : موسوعة العتبات المقدسة ، ج ١٣ / ١٦

(٨٨) ـ نفس المصدر / ١٠

٦٧

( كربلاء ) ، وهذا يقارب المعنى الذي ذهب إليه الأب انستاس لكلمة( كرب ) و( إل ) بأنهم( حرم الله ) أو( مقدس الله ) »(٨٩)

نعم أعطيت كربلاء هذه القداسة ـ في الإسلام والأمم السابقة ـ بالحسينعليه‌السلام ؛ إذ الأمم الغابرة لديها معرفة بشهادته عن طريق أنبيائها وكتبها المقدسة ، كما أشارت إلى ذلك بعض المصادر التالية :

« جاء في كتاب ارميا في باسوق من السيمان السادس والأربعون ( كي ذبح لدوناي الوهيم صواووت بأرض صافون إلى نهريرات ) ؛ يعني يذبح ويضحي لرب العالمين شخص جليل في أرض الشمال بشاطئ الفرات »(٩٠)

وفي مصحف شيث إشارة إلى واقعة كربلاء : « ذكر أبو عمرو الزاهد ، في كتاب الياقوت : قال : قال عبدالله بن صفار ، صاحب أبي حمزة الصوفي : غزونا غزاة ، وسبينا سبياً ، وكان فيهم شيخ من عقلاء النصارى ؛ فأكرمناه وأحسنا إليه ، فقال لنا : أخبرني أبي عن آبائه انهم حفروا في بلاد الروم حفراً قبل أن يبعث النبي العربي بثلاث مائة سنة ، فأصابوا حجراً عليه مكتوب بالمسند( كلام أولاد شيث ) هذا البيت من الشعر :

أترجو عصبة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب »(٩١)

أولاً ـ عرض الروايات :

ليس أحاديث فضل تربة الحسينعليه‌السلام وقداستها منحصرة بأحاديث الأئمةعليهم‌السلام ، بل إن أمثال هذه الروايات لها شهرة في كتب علماء الإسلام ، واليك قسماً منها كالتالي :

______________________

(٨٩) ـ المصدر السابق / ١٧ ـ ١٨ ( الحاشية )

(٩٠) ـ التستري ، الشيخ جعفر : الخصائص الحسينية / ٣٧

(٩١) ـ ابن نما ، محمد بن جعفر الحلي : مثير الأحزان ، ج ١ / ٩٧

٦٨

مرويات الإمامية :

يمكن تلخيص مرويات الإمامية في فضل تربة كربلاء من خلال الطرق التالية :

الأول ـ الرسول الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) :

روى أبو بصير عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : (بينما الحسين بن علي عليهما السلام عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ إذ أتاه جبرئيل فقال : يا محمد أتحبه ؟ فقال نعم فقال : أما إن أمتك ستقتله قال : فحزن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حزناً شديداً ، فقال له جبرئيل : يا رسول الله أتريد التربة التي يقتل فيها ؟ فقال : نعم ، فخسف ما بين مجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى كربلاء حتى إلتقت القطعتان هكذا ، ثم جمع بين السبابتين ، ثم تناول بجناحه من تربتها وناولها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم رجعت أسرع من طرفة عين ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : طوبى لك من تربة ، وطوبى لمن يقتل فيك ) (٩٢)

الثاني ـ أمير المؤمنين علي (عليه‌السلام ) :

وروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال :( مَرّ أمير المؤمنين عليه‌السلام بكربلاء في أناس من أصحابه ؛ فاغرورقت عيناه بالبكاء ، ثم قال : هذا مناخ ركابهم ، وهذا ملتقى رحالهم ، وهنا تهرق دماؤهم ، طوبى لك من تربة ، عليك تهرق دماء الأحبة ) (٩٣)

الثالث ـ الأئمة من بعده (عليهم‌السلام ) :

١ ـ قال علي بن الحسينعليه‌السلام :( إتخذ الله ارض كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل أن يخلق الله أرض الكعبة ويتخذها حرماً بأربعة وعشرين ألف عام ، وأنه

______________________

(٩٢) ـ ابن قولويه ، الشيخ أبي القاسم جعفر بن محمد : كامل الزيارات / ٦٠ ، ( باب ١٧ )

(٩٣) ـ نفس المصدر / ٢٧١ ـ ٢٧٢ ، ( باب ٨٨ )

٦٩

إذا زلزل الله تبارك وتعالى الأرض وسترها ، رفعت كما هي بتربتها نورانية صافية ؛ فجعلت في أفضل روض من رياض الجنة ، وأفضل مسكن في الجنة لا يسكنه إلا النبيون والمرسلون أو قال : أولوا العزم من الرسل ، فإنها لتزهر بين رياض الجنة كما يزهر الكوكب الذري بين الكواكب لأهل الأرض ، يغشى نورها أبصار أهل الجنة جميعا ، وهي تنادي : أنا أرض الله المقدسة الطيبة المباركة ، التي تضمنت سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة ) (٩٤)

٢ ـ قال أبو جعفر ( الباقر )عليه‌السلام :( الغاضرية هي البقعة التي كَلّم الله فيها موسى بن عمران ، وناجى نوحاً فيها ، وهي اكرم أراضي الله عليه ، ولولا ذلك ما استودع الله فيها أوليائه وأبناء نبيه ، فزوروا قبورنا بالغاضرية ) (٩٥)

٣ ـ صفوان الجمال قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول :( إن الله تبارك وتعالى فَضّل الأراضين والمياه بعضها على بعض ، فمنها ما تفاخرت ، ومنها ما بغت ، فما من ماء ولا أرض إلا عوقبت لتركها التواضع لله ، حتى سلّط الله المشركين على الكعبة ، وأرسل إلى زمزم ماء مالحاً حتى أفسد طعمه ، وإن كربلاء وماء الفرات أول أرض وأول ماء قدس الله تبارك وتعالى ؛ وبارك عليهما ، فقال لها : تكلمي بما فضلك الله تعالى ؛ فقد تفاخرت الأرضون والمياه بعضها على بعض ، قالت : أنا أرض الله المقدسة المباركة ، الشفاء في تربتي ومائي ولا فخر ، بل خاضعة ذليلة لمن فعل بي

______________________

(٩٤) ـ ابن قولويه ، الشيخ أبي القاسم جعفر بن محمد : كامل الزيارات / ٢٦٨ ( باب ٨٨ )

(٩٥) ـ نفس المصدر / ٢٧٠

٧٠

ذلك ولا فخر على من دوني ، بل شكراً لله فأكرمها وزادها بتواضعها وشكرها الله بالحسين عليه‌السلام وأصحابه ثم قال أبوعبدالله عليه‌السلام : من تواضع لله رفعه ، ومن تكبر وضعه الله تعالى ) (٩٦) ، وبهذا القدر من المرويات نكتفي

مرويات السنة :

وردت روايات كثيرة في فضل تربة الحسينعليه‌السلام ، ذكرتها الصحاح والمسانيد المعتمدة لدى جمهور السنة والجماعة ويمكن تصنيفها كالتالي :

أولاً ـ الإمام علي (عليه‌السلام ) :

وأخرج ابن سعد عن الشعبي قال : (مَرّ علي ( رضي الله عنه ) بكربلاء عند مسيره إلى صفين وحاذى نينوى ـ قرية على الفرات ـ ؛ فوقف وسأل عن إسم هذه الأرض ؟ فقيل : كربلاء فبكى حتى بَلّ الأرض من دموعه ، ثم قال : دخلت على رسول الله وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك ؟ قال : كان عندي جبرئيل آنفاً وأخبرني أن ولدي الحسين يقتل بشاطئ الفرات بموضع يقال له كربلاء ، ثم قبض جبرئيل قبضة من تراب شمني إياه ؛ فلم أملك عيني أن فاضتا ) (٩٧)

ثانياً ـ نساء النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) :

أ ـ أم سلمة :

عن أبي وايل ـ شقيق بن سلمة ـ عن أم سلمة قالت :( كان الحسن والحسين ـ رضي الله عنهما ـ يلعبان بين يدي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيتي فنزل

______________________

(٩٦) ـ المصدر السابق / ٢٧٠

(٩٧) ـ ابن حجر ، أحمد بن علي : الصواعق المحرقة / ٩٣

٧١

جبرئيل عليه‌السلام ؛ فقال : يا محمد إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك ؛ فأومأ بيده إلى الحسين فبكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضمّه إلى صدره ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وضعت عندك هذه التربة ، فشمّها رسول الله وقال : ريح كرب وبلاء ، قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أم سلمة إذا تحولت هذه التربة دماً فاعلمي أن ابني قد قتل ، قالت : فجعلتها في قارورة ، ثم جعلت تنظر إليها وتقول : إن يوماً تحولين دماً ليوم عظيم ) (٩٨)

ب ـ عائشة :

أخرج ابن سعد ، والطبراني عن عائشة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( أخبرني جبرئيل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف ، وجاءني بهذه التربة فأخبرني أن فيها مضجعه ) (٩٩)

ج ـ أم الفضل بنت الحرث :

أخرج أبو داود ، والحاكم ، عن أم الفضل بنت الحرث أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا ؛ يعني الحسين ، وأتاني بتربة من تربة حمراء ) (١٠٠)

د ـ زينب بنت جحش :

عن زينب قالت :( بينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيتي وحسين عندي ، حين درج ؛ فغفلت عنه ، فدخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : دعيه ـ إلى قولها ـ ثم قام فصلى ، فلما قام احتضنه إليه فإذا ركع أو جلس وضعه ثم جلس فبكى ،

______________________

(٩٨) ـ ابن حجر ، أحممد بن علي : تهذيب التهذيب / ج ٢ / ٣٤٦

(٩٩) ـ ابن حجر ، أحمد بن علي : الصواعق المحرقة / ١٩٢

(١٠٠) ـ الهندي ، علاء الدين ، علي المتقي : كنز العمال ، ج ١٣ / ١٠٨

٧٢

ثم مد يده فقلت حين قضى الصلاة : يا رسول الله ، إني رأيتك اليوم صنعت شيئاً ما رأيتك تصنعه ؟ قال : إن جبريل أتاني فأخبرني أن هذا تقتله أمتي ، فقلت : أرني تربته ؛ فأتاني بتربة حمراء ) (١٠١)

ثالثاً ـ أصحاب النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) :

١ ـ عبدالله بن عباس :

عن ابن عباس قال :( كان الحسين في حجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال جبرئيل : أتحبه ؟ فقال كيف لا أحبه وهو ثمرة فؤادي ؟ فقال : إن أمتك ستقتله ، ألا أريك من موضع قبره ؟ فقبض قبضة ؛ فإذا هي تربة حمراء ) (١٠٢)

٢ ـ معاذ بن جبل :

عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، أن معاذ بن جبل أخبره وقال : خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متغير اللون ، فقال : أنا محمد أوتيت فواتح الكلام وخواتمه فأطيعوني مادمت بين أظهركم ، فإذا ذهب بي ؛ فعليكم بكتاب الله عَزّ وجَلّ أحلوا حلاله ، وحرموا حرامه ، أتتكم المؤتية بالروح والراحة ، كتاب الله من الله سبق ، أتتكم فتن كقطع الليل المظلم ، كلما ذهب رسل جاء رسل ، تناسخت النبوة فصارت ملكاً ، رحم الله من أخذها بحقها ، وخرج منها كما دخلها

إمسك يا معاذ وأخصّ ، قال : قلما بلغت خمسة قال : يزيد لا يبارك الله في يزيد ، ثم ذرفت عيناه ثم قال : نعي إلي الحسين ، وأوتيت بتربته واخبرت بقاتله ، والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعوه إلا خالف

______________________

(١٠١) ـ ابن حجر ، أحمد بن علي : المطالب العالية بزوائد المساند الثمانية / ٩٠

(١٠٢) ـ ابن كثير ، عماد الدين ، إسماعيل بن عمر : البداية والنهاية ، ج ٦ / ٢٣٠

٧٣

الله بين صدورهم وقلوبهم ، وسلّط عليهم شرارهم وألبسهم شِيَعاً ثم قال : واهاً لفراخ آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خليفة مستخلف مترف ، يقتل خلفي وخلف الخلف )(١٠٣)

٣ ـ أنس بن مالك :

اخرج البغوي في معجمه من حديث أنس بن مالك ، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( استأذن ملك القطر ربه أن يزورني ؛ فأذن له وكان في يوم أم سلمه فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أم سلمه احفظي علينا الباب لا يدخل أحد ؛ فبينما هي على الباب ؛ إذ دخل الحسين فاقتحم فوثب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجعل رسول الله يلثمه ويقبله ، فقال له الملك : أتحبه ؟ قال : نعم قال : إن أمتك ستقتله ، وإن شئت أريك المكان الذي يقتل به ، فأراه فجاء بسهلة أو تراب أحمر ، فأخذته أم سلمه فجعلته في ثوبها ) (١٠٤)

هذه بعض روايات الأصحاب ونساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي روتها صحاح ومسانيد السنة والجماعة ، وهناك روايات لم نذكرها ، ومن أراد التوسع ؛ فعليه بمراجعتها في الكتب الخاصة بها(١٠٥)

ثانياً ـ نظرة حول الروايات :

بعد التأمل في الروايات المتقدمة بما فيها تعدد طرقها ؛ نخرج بالتالي :

١ ـ إهتمام السماء بهذه التربة الزكية ، من خلال إخبار جبرئيل وغيره من الملائكة بقتل الحسينعليه‌السلام وإتيانهم بتربته ، ولم يكن الإهتمام لأي تربة اخرى

______________________

(١٠٣) ـ الهيثمي ، الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر : مجمع الزوايد ، ج ٩ / ١٨٩

(١٠٤) ـ ابن حجر ، أحمد بن علي : الصواعق المحرقة / ١٩٢

(١٠٥) ـ المرعشي ، السيد شهاب الدين : إحقاق الحق وملحقاته ، ج ١١ / ٣٣٩ ـ ٤١٢

٧٤

٢ ـ إهتمام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه التربة ؛ من شمها وإعطائها أم سلمة وديعة

٣ ـ إهتمام الأصحاب ورجال الحديث ـ من خلال تعدد طرقها وكثرة مصادرها ـ بتربة الحسينعليه‌السلام

ـ وبعد كل ذلك ، بماذا نحلل إتيان جبريل وغيره من الملائكة ؟!

ـ وبماذا نحلل إهتمام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه التربة الطاهرة الزكية ؟!

ـ هل على نحو العبث ، أم لفضيلة هذه التربة الطاهرة ؟!

التفاضل بين مكة والمدينة وكربلاء :

س / يفهم من تعلق الشيعة الإمامية بـ ( تربة الحسين عليه‌السلام ) ، أنها أفضل من تربة مكة التي لم تزل منذ نزول آدم عليه‌السلام إلى الآن أرض مقدسة وأفضل من أرض المدينة المنورة التي تختص بجسد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تكونان في المنزلة دون كربلاء ، هذا أمر غريب ؟! وهل الحسين عليه‌السلام أفضل من جده الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

ج / يتضح الجواب بعد بيان التالي :

أولاً ـ إختلف العلماء في تفاضل مكة والمدينة وكربلاء حسب الوجوه التالية :

رأي السنة والجماعة :

١ ـ ذهب الشافعي ، وأهل مكة ، وأهل العلم أجمع ، إلى أن مكة أفضل(١٠٦)

٢ ـ ذهب مالك وأهل المدينة إلى أن المدينة أفضل(١٠٧)

٣ ـ قال القاضي عياض : إن موضع قبرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل بقاع الأرض ، وإن مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض(١٠٨) وحكاية الإجماع على تفضيل ما ضم

______________________

(١٠٦) ـ النووي ، محي الدين بن شرف : المجموع في شرح المهذب ، ج ٧ / ٤٦٩ ـ ٤٧٠

(١٠٧) ـ ابن حزم ، علي بن أحمد : المحلى ، ج ٧ / ٢٧٩

(١٠٨) ـ الشوكاني ، محمد بن علي : نيل الاوطار ، ج ٥ / ٣٥

٧٥

الأعضاء الشريفة نقله القاضي عياض ، وكذا القاضي أبو الوليد الباجي ( الناجي ) قبله كما قال الخطيب ابن جمله ، وكذا نقله أبو اليمن ابن عساكر وغيرهم ، مع التصريح بالتفضيل على الكعبة الشريفة(١٠٩)

رأي الشيعة الإمامية :

١ ـ ذهب الشيخ الطوسي ، بل ادعى الإجماع على أفضلية مكة على غيرها(١١٠)

٢ ـ وأجمعوا على أن الموضع الذي ضم أعضاءه الشريفة أفضل بقاع الأرض(١١١)

٣ ـ وقال السيد علي خان : والأقرب أن موضع قبور الأئمة عليهم السلام كذلك ، أما البلدان التي فيها ؛ فمكة أفضل منها حتى المدينة(١١٢)

٤ ـ وقال الشهيد الثاني ( قده ) في الدروس : مكة أفضل بقاع الأرض ما عدا قبر الرسول الله صلى الله عليه وآله ، وروي في كربلاء على ساكنها السلام ، مرجحات(١١٣)

٥ ـ ذهب السيد بحر العلوم ( قده ) : إلى تفضيل كربلاء على مكة ، كما هو المستفاد من منظومته الدرة النجفية :

والأفضل الأرض ومنها فُضِّلا

تُرْبَةُ قُدْسٍ قُدِّسَت في كربلا(١١٤)

ومن حديث كربلا والكعبة

لكربلا بان علو الرتبة(١١٥)

______________________

(١٠٩) ـ السمهودي ، نور الدين علي : وفاء الوفاء : ج ١ / ٢٨

(١١٠) ـ الطوسي ، شيخ الطائفة ، محمد بن الحسن : الخلاف ، ج ٢ / ٤٥١

(١١١) ـ الشيرازي ، السيد علي خان : رياض السالكين ، ج ١ / ٤٧٦

(١١٢) ـ نفس المصدر / ٤٧٧

(١١٣) ـ نفس المصدر / ٤٧٦

(١١٤) ـ بحر العلوم ، السيد محمد مهدي الطباطبائي : الدرة النجفية / ٩٧

(١١٥) ـ نفس المصدر / ١٠٣

٧٦

وذهب الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ( قده ) : إلى تفضيل كربلاء على غيرها ، حيث قال : « إذن ، أفليس من صميم الحق والحق الصميم ، أن تكون أطيب بقعة على وجه الأرض مرقداً وضريحاً لأكرم شخصية في الدهر »(١١٦)

خلاصة واستنتاج :

أولاً ـ بعد عرض الأقوال نخرج بما يلي :

١ ـ الإتفاق بين المسلمين على أن الموضع الذي ضم أعضاءه الشريفة أفضل بقاع الأرض وزاد الإمامية أن المواضع التي تضم أعضاء المعصومينعليهم‌السلام من أهل بيته أيضاً ؛ لأنهم أفضل الخلق من بعده

٢ ـ الإتفاق بين المسلمين على أن مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض ، والإختلاف في التفاضل بينهما

٣ ـ بعض الإمامية يقول : بأن كربلاء أفضل من مكة والمدينة ، ماعدا قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقبور أهل بيتهعليهم‌السلام

ثانياً ـ إن عظمة الحسينعليه‌السلام من عظمة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وشرف الحسينعليه‌السلام من شرفه ، وهو القائل في حقه :( حسين مني وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسيناً ، حسين سبط من الأسباط ) (١١٧) وقد روى هذا الحديث كثير من محدثي الطوائف الإسلامية

توجيه الأعلام لحديث (حسين مني) :

ولأرباب العلم في معناه وجوه :

______________________

(١١٦) ـ كاشف الغطاء ، الشيخ محمد حسين : الأرض والتربة الحسينية / ٢٥

(١١٧) ـ الترمذي ، محمد بن عيسى : سنن الترمذي ، ج ٢ / ٣٠٧ ( مناقب الحسن والحسين )

٧٧

أولاً ـ « أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قصد إكمال الحب وتمام الإلفة بسبطه وريحانته الحسين ؛ فإن البلغاء من العرب إذا أرادوا أن يظهروا الإتحاد والإلفة وشدة الإتصال والمحبة بأحد منهم ، يقولون : فلان منا ونحن من فلان ، كما أنهم إذا أرادوا أن يظهروا النفرة وشدة القطيعة من رجل قالوا فيه :( إننا لسنا منه وليس هو منا ) ، قال شاعرهم :

أيها السائل عنهم وعني

لست من قيس ولا قيس مني

وجاء في الحديث القدسي في الحاسد الحاقد :( إنه ليس مني ولست أنا منه ) ؛ أي إن المحبة الشديدة ، والصلة الأكيدة ، والعلاقة التامة بيني وبين الحسين ، جعلته كجزء مني وجعلتني كجزء منه من شدة الإتصال وعدم الإنفكاك »(١١٨)

ثانياً ـ « قد يكون إشارة إلى ما روي ؛ أن الحسينعليه‌السلام لما ولد كان يؤتى به إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيرضعه من ريقه أو إبهامه ، حتى نبت لحمه من لحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعظمه من عظمه ، ودمه من دمه ، فكأنهما نفس واحدة ، فبملاحظة ذلك صح أن يقولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وأنا من حسين ) »(١١٩)

ثالثاً ـ « لما كان الحسين متولداً من فاطمةعليها‌السلام ، وفاطمة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ صح أن يقول :( وأنا من حسين ) ؛ ولذا يفسر قوله :( حسين مني ) بالجهة المادية ، وقوله :( أنا من حسين ) بالجهة المعنوية »(١٢٠)

______________________

(١١٨) ـ الفيروزآبادي ، السيد مرتضى الحسيني : فضائل الخمسة ، ج ٣ / ٣٢٢ ـ ٣٢٣

(١١٩) ـ العمران ، العلامة الشيخ فرج : الأزهار الأرجية ، ج ٢ / ٩٦

(١٢٠) ـ نفس المصدر

٧٨

نعم نفهم من تعبير الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وأنا من حسين ) تلك المكانة العالية للحسينعليه‌السلام عند جده وعند ربه أيضاً ، وتتجلى تلك المكانة عبر الأحاديث التالية :

أ ـ أخرج الحاكم في( المستدرك ) وصححه ، وقال الذمني في التخلص على شرط مسلم عن ابن عباس قال :( أوحي إلى محمد أني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفاً ، وإنني قاتل بابن بنتك سبعين ألفاً وسبعين ألفا ) (١٢١)

ب ـ واخرج الثعلبي : «( أن السماء بكت وبكائها حمرتها ) وأخرج غيره :( إحمرّت آفاق السماء ستة أشهر بعد قتله ، ثم لا زالت الحمرة تُرى بعد ذلك ) وأن ابن سيرين قال : أخبرنا أنّ الحمرة التي تأتي مع الشفق لم تكن قبل الحسين وذكر ابن سعد أنّ هذه الحمرة لم ترَ في السماء قبل قتله .

قال ابن الجوزي : وحكمته أن غضبنا يؤثر حمرة الوجه ، والحق تنزه عن الجسمية فاظهر تأثير غضبه على من قتل الحسين بحمرة الأفق إظهاراً لعظم الجناية »(١٢٢)

كما تظهر لنا عناية الباري عَزّ وجَلّ بالحسينعليه‌السلام ، حيث عَوّضه بإستشهاده في الدنيا بثلاثة أشياء ، كما هو المستفاد من حديث ابن عباس ( ثم قال : يا ابن عباس ، من زاره عارفاً بحقه ؛ كتب له ثواب ألف حجة وألف عمره ، ألا من زاره فكأنما زارني ، ومن زارني فكأنما زار الله ، وحق

______________________

(١٢١) ـ الصبان ، الشيخ محمد : إسعاف الراغبين / ١٩٢ ، ( مطبوع بهامش ـ نور الأبصار : للشبلنجي )

(١٢٢) ـ ابن حجر ، أحمد بن علي : الصواعق المحرقة / ١٩٤

٧٩

الزائر على الله أن لا يعذبه بالنار ، وأن الإجابة تحت قبته ، والشفاء في تربته ، والأئمة من ولده )(١٢٣)

وحديث محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر ، وجعفر بن محمدعليهما‌السلام يقولان :( إن الله عوّض الحسين عليه‌السلام من قتله ؛ أن جعل الإمامة في ذريته ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ، ولا تعد أيام زائريه جائياً وراجعاً من عمره ) (١٢٤)

وبعد هذا البيان ، إتضح لنا ميزة تربة الطف على غيرها ؛ إذ قدّسها الباري عَزّ وجَلّ بسبب من قتل فيها في سبيله ، وإلى هذا يشير إمامنا السجادعليه‌السلام بقوله :( طوبى لأرض تضمنت جسدك الطاهر ، فإنّ الدنيا بعدك مظلمة ، والآخرة بنورك مشرقة ، أما الليل ؛ فمسهد والحزن سرمد ، أو يختار الله لأهل بيتك دارك التي أنت بها مقيم ، وعليك مني السلام يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته ) (١٢٥) وفي زيارة الإمام الصادقعليه‌السلام للشهداء :( بِاَبي اَنْتُمْ وَاُمّي طِبْتُمْ وَطابَتِ الاَرْضُ الَّتي فيها دُفِنْتُمْ ، وَفُزْتُمْ فَوْزاً عَظيماً ) (١٢٦) فهل في ذلك مانع ؟!

أم هل في تفضيل تربة الحسينعليه‌السلام على بقاع الأرض ، تفضيل الحسين على جده الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟! كلا ، إنّ تفضيلنا لهذه التربة ناشئ من اهتمام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بها كما ذكرنا سابقاً

______________________

(١٢٣) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ج ٣٦ / ٢٨٦ ( باب : ٤١ ـ حديث ١٠٧ )

(١٢٤) ـ نفس المصدر ، ج ٤٤ / ٢٢١ ، ( باب ٢٩ ـ حديث ١ )

(١٢٥) ـ المقرم ، السيد عبدالرزاق : مقتل الحسين / ٣٢٠

(١٢٦) ـ القمي ، الشيخ عباس : مفاتيح الجنان / ٥٢٦

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232