تربة الحسين عليه السلام الجزء ١

تربة الحسين عليه السلام16%

تربة الحسين عليه السلام مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 232

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 232 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59735 / تحميل: 3716
الحجم الحجم الحجم
تربة الحسين عليه السلام

تربة الحسين عليه السلام الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

٢١

٢٢

التعرف على الأرض :

إنّ طبيعة الإنسان تدفعه للتعرف على ما يجري حوله ؛ ولذا منذ وجوده على الأرض ، بدأ يتفاعل مع البيئة المحيطة به ، وأخذ يتأمل في هذه البيئة وعلاقتها بحياته ؛ إذ هذه البيئة لها إرتباط بمكونات الأرض ومنتجاتها ، هكذا تتزايد معلومات الإنسان عن الأرض ، عبر تاريخها الطويل حتى القرن الأخير ، حيث إزدادت هذه المعلومات بشكل واسع ، مما حمل العلماء على حصرها ضمن علم مستقل أطلقوا عليه اسم( الجيولوجيا ) وهو مصطلع مُعرَّب عن الكلمة الإنجليزية(geology) المشتقة من الكلمتين الأغريقيتين(ge) يعني الأرض(Logus) وتعنى علم « وهو علم يبحث في كل ما يتعلق بالأرض ، حيث تركيبها الكيميائي والمعدني وخَواصّها الطبيعية والكيميائية والميكانيكية ، بالإضافة إلى العمليات الداخلية والخارجية التي أثَّرت وتُوثِّر عليها منذ نشأتها الأولى

كما أن الجيولوجيا أيضا تعني بدراسة أحداث الماضي السحيق ، وكذلك الأحياء النباتية والحيوانية التي عاشت فوق سطح الأرض ، وفي أعماق البحار ثم ماتت واندثرت ، والتعرف إلى خواص تطورها وقيمتها الإقتصادية على مَرّ العصور ، بالإضافة إلى دراسة الثروات المائية والبترولية والمعدنية التي توجد تحت سطح الأرض وفي أعماقها »(٧) وإليك بعض الأبحاث عن التربة

أ ـ أنواع التربة :

يقول أخصائي فيزياء التربة ( ديل سوار تزن دروبر ) : « والتربة عالم يفيض بالعجائب ، ولكنها عجائب لا يستطيع أن يصل إلى كنهها أو يكشف

______________________

(٧) ـ المهندس ، د. أحمد عبد القادر : ( الجيولوجيا والجيلوجيون ) مجلة القافلة ، ج ٣٦ ، شعبان ١٤٠٨ هـ ، ص ١٤

٢٣

أمرها إلا العلوم والدراسات العلمية »(٨) ويعبر الجغرافيون الطبيعيون عن التربة وألوانها وأنواعها وخصوبتها بما يأتي :

عَرّفوها بأنها : الغطاء الرقيق المتفتت الذي يغطي سطح الأرض في كثير من الجهات كما أنّهم قَسموها إلى التالي :

١ ـ تربة صلصالية : وتحتوي على نسبة عالية من المواد الذائبة ، وتحتفظ بكميات كبيرةٍ من المياه ، إلا أن حراثتها ليست سهلة بسبب تماسك جزئياتها الترابية وعلى كل فهي أصلح تربة زراعية ، وخَاصّة إلى القمح والشعير وغير ذلك

٢ ـ تربة رملية : وهي صالحة بشكل عام لزراعة الخضروات والفواكه ، وإنها سهلة الحراثة بسبب تفتت جزئياتها الترابية

٣ ـ تربة غرينية : وهي إما أن تكون أصلية أي جاثية فوق الصخور التي نشأت منها ؛ وهي على لون الصخور ذاتها وإما أن تكون منقولة : أي جاثية فوق صخور غريبة عنها ؛ مثل تربة السهول ، ومثل وادي الفرات أو وادي النيل وغير ذلك(٩)

ب ـ ألوان التربة :

قَسّمَ الجغرافيون الطبيعيون التربة إلى الألوان الآتية :

١ ـ تربة سوداء : وقد أطلقوا عليها اسم« التسترنوزيوم » وتوجد في أوربا الوسطى الشمالية وهي أجود تربة من حيث صلاحيتها للزراعة على الإطلاق

______________________

(٨) ـ نخبة من العلماء الأمريكيين : الله يتجلى في عصر العلم / ص ١١٦

(٩) ـ الربيعي ، الشيخ عبدالجبار : البراهين العلمية / ٢١٨

٢٤

٢ ـ تربة صفراء : وتسمى« اللوس » وتوجد في شمال الصين وهي ناعمة جداً

٣ ـ تربة حمراء : وتسمى« لاتيريت » هي ذات لون داكن أو أسمر ، وتوجد بكثرة في سهول حلب

٤ ـ تربة سمراء : وتسمى« البوذرول » وهي إما رمادي فاتح أو أبيض ، وتكثر في الغابات

٥ ـ تربة بركانية : وهي تربة خصبة جداً لكثرة المواد المعدنية فيها ، وتوجد في بلاد حَوْرَان ومنطقة الروج جنوب جسر الشغور

٦ ـ تربة المناطق الصحراوية : وهي غنية بالأملاح القابلة للذوبان ويمكن تحويلها إلى حقول زراعية إذا توفرت المياه لريّها

٧ ـ تربة شهبا كلسية : تتكون في المناطق القليلة الأمطار والنبات ، تظهر بيضاء اللون لإحتوائها على نسبة كبيرة من كربونات الكالسيوم وهي جيدة الصّرْف(١٠)

وبعد هذا البيان ؛ تبين لنا أنّ إختلاف الأرض في طبقاتها وألوانها ، لا يمكن أنْ يكون كذلك خَبْطَ عَشْوَاء ، وإنما هي صنع حكيم ، كما قال تعالى :( وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ
بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
) [ الرعد / ٤ ] بُقَاعُ مختلفةَ مع كونها متجاورة متلاصقة : طَيِّبَةٌ إلى سَبِخَة ، وصلبة إلى رخوة ، وصالحة للزرع والشجر إلى أخرى على عكسها مع إنتظام جميعها في جنس الأرضية ، وكذلك الكُرُوم والزرع والنخيل النابتة في هذه القطع مختلفة

______________________

(١٠) ـ المصدر السابق / ٢٢٠

٢٥

الأجناس والأنواع :( يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ ) وتراها متغيرة الثمار في الأشكال والهيئات والطعوم والروائح متفاضلة فيها ، وفي ذلك دلالة على صنع القادر العالم

ومن غرائب وعجائب هذه الأرض ، ما أشارت إليه الآيات ، كما في قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ
إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ
) [ فاطر / ٢٧ ـ ٢٨ ]

تكليف وعبادة :

إقتضت سنة الله تعالى في خلق الإنسان وإسكانه الأرض ، وتزينه ما عليها له ليمتعه بذلك ويُميّز به أهل السعادة من غيرهم وإلى هذا أشارت الآيات القرآنية التي سنعقد البحثين الآتين من أجلها

١ ـ إبتلاء وإمتحان :

إنّ الأرض هي الغاية من حياة الإنسان فقط ، فقد خلق آدمعليه‌السلام للأرض للتمتع بخيراتها والبقاء فيها إلى وقت محدود ، وإنّها دار إبتلاء وإمتحان ، وإلى هذا أشارت الآية الشريفة :( وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ) [ البقرة / ٣٦ ] وأيضاً قوله تعالى :( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) [ الكهف / ٧ ]

إنّ النفوس البشرية خلقت للتصفية والتطهير ، بإسكانها الأرض لأجل معلوم ، بالبقاء للتعلق والإرتباط بينها وبين ما على الأرض من أمتعة الحياة : من مال وولد وجاه ، فكان ما على الأرض محبباً لقلوبهم وزينة للأرض وحلية

٢٦

تتحلى بها ؛ لكونها عليها ؛ فتعلقت نفوسهم بالأرض بسببه واطمأنت إليها فإذا إنقضى الأجل المحدود من قبل الله تعالى لتمكينهم في الأرض ؛ تحقق ما أراده من البلاء والإمتحان وسلب ما بينهم وبين ما على الأرض

٢ ـ تقديس وعبادة :

حظيت الأرض بالتقديس والتطهير ، لما عليها من مظاهر التطهير الإلهي كما في قوله تعالى :( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) [ الأحزاب / ٣٣ ] إذ هو ـالقدوس ـ أي الطاهر المُنَزّه عن العيوب والنقائص ؛ ولذا طَهّر بعض عباده من كل العيوب ، كما نَصّت الآية الخاصة بآل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقوله تعالى :( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ ) [ النحل / ١٠٢ ] يعني جبرئيل من حيث أنّه ينزل بالقدس من الله ؛ أي بما يطهر به نفوسنا من القرآن والحكمة والفيض الإلهي وقوله تعالى :( إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) [ طه / ١٢ ]

وتتجلى لنا قداسة الأرض في هذه الآية ؛ حيث أنّ( طُوًى ) ؛ إسم الوادي بطور ، وهو الذي سَمّاه الله بالوادي المقدس ، وهذه التسمية والتوصيف ؛ هي الدليل على أنّ أمره بخلع النعلين إنّما هو لإحترام الوادي أن لا يداس بالنعل ، ثم تفريع خلع النعلين مع ذلك على قوله :( إِنِّي أَنَا رَبُّكَ ) يدل على أنّ تقديس الوادي إنّما هو لكونه حظيرة القدس وموطن الحضور والمناجاة ، وعلى هذا النحو يقدس ما يقدس من الأمكنة والأزمنة كالكعبة المشرَّفة ، والمسجد الحرام ، والمشاهد المحترمة في الإسلام ، وكذلك تربة الحسينعليه‌السلام كما سيأتي البحث فيها

ومن مظاهر التقديس في الأرض ، جعل فيها البيت الحرام ـالكعبة ـ وما في ذلك الجعل من مظاهر العبادة والتطهير ، والى هذا أشارت الآية

٢٧

الشريفة :( جَعَلَ اللَّـهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ ) [ المائدة / ٩٧ ] ومعنى القيام في الآية ـ كما هو المستفاد من كلمات المفسرين ـ أنّ الله جعلها لَتقوِّم الناس من خلال التوجه إليها في متعبداتهم ومعاشهم ؛ أما متعبداتهم فالصلاة والطواف حولها ، والتوجه إليها في ذبائحهم وإحتضار موتاهم وغسلهم ودفنهم وأما معاشهم ؛ فأمنهم عندها من المخاوف وأذى الظالمين ، وتحصيل الرزق والاجتماع بجملة الخلق الذي هو أحد أسباب إنتظام معاشهم إلى غير ذلك من المنافع والفوائد ومن مظاهر التقديس والتطهير ، ما أشار إليه الحديث النبوي : ( تمسحوا بالأرض فإنها أمكم وهي بَرَّة بكم )(١١)

توضيح حديث ( تمسحوا بالأرض ) :

وللعلماء في تفسيره وجوه كالتالي :

السيد عبدالله شُبَّر :

وَجّهه بوجوه أهما مايلي :

١ ـ أن المراد بالتمسح التيمم بها عند الضرورة

٢ ـ أن يكون ذلك كناية عن الجلوس عليها ،وإستشهد له بما رواه الراوندي :( أنه أقبل رجلان إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فقال أحدهما لصاحبه : اجلس على اسم الله تبارك وتعالى والبركة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اجلس على إستك ، فأقبل يضرب الأرض بعصا ؛ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تضربها فإنها أمكم وهي بكم بَرَّةّ )

٣ ـ أن يكون المراد بذلك مباشرة ترابها بالجباه في السجود من غير حائل ، ويكون الأمر للإستحباب وقولهعليه‌السلام : «( فإنّها بكم بَرَّةّ ) أي مشفقة

______________________

(١١) ـ شبّر ، السيد عبدالله : مصابيح الأنوار ، ج ٢ / ١٨٥

٢٨

عليكم كالوالدة البرّة بأولادها يعني منها خلقكم وفيها معاشكم وإليها بعد الموت معادكم»(١٢)

الشريف الرضي :

« والمراد بقوله : ( فإنّها بكم برّة ) يرجع إلى أنّها كالأم للبرية ؛ لأنّ خلقهم ومعاشهم عليها ورجوعهم إليها فلما كانت الأرض تسمى أُمّاً لنا من الوجوه التي ذكرناها ؛ كان قوله عليه الصلاة والسلام :( فإنّها لكم برّة ) يرجع إلى وصفها بالأمومة ؛ لأنّهم يقولون : الأرض ولود ، يريدون كثرة إنشاء الخلق وإستيلادهم عليها

ولقوله عليه الصلاة والسلام ( تمسحوا بالأرض ) وجهان :

أحدهما : أن يكون المراد التيمم منها في حالة الطهارة وحالة الجنابة

ثانيهما : أن يكون المراد مباشرة ترابها بالجباه في حال السجود عليها وتعَفّر الوجوه فيها ، ويكون هذا القول أمر تأديب ، لا أمر وجوب ؛ لأنّ من سجد على جلدة الأرض ومن سجد على حائل بينها وبين الوجه واحد في أجزاء الصلاة ، إلا أنّ مباشرتها بالسجود أفضل ، وقد روي أنّ النبي عليه الصلاة والسلام كان يسجد على الخمرة ، وهي الحصير الصغير يعمل من سعف النخل ، فبان أنّ المراد بذلك فعل الأفضل لا فعل الأوجب »(١٣)

أقول : الوجوه التي ذكرت يمكن تلخيصها بما ورد عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام : أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : (إنّ الأرض بكم بَرَّة ، تتيممون منها وتصلون

______________________

(١٢) ـ المصدر السابق

(١٣) ـ الشريف الرضي ، محمد بن أبي أحمد الحسين : المجازات النبوية / ١٨٢ ـ ١٨٣

٢٩

عليها في الحياة ، وهي لكم كفات في الممات ، وذلك من نعمة الله له الحمد ، فأفضل ما يسجد عليه المصلي الأرض النقية ) (١٤)

ـ تكريم إلهي :

كرّم الله تعالى الإنسان بأفضل أنواع النعم ، التي من أهمها ما شُرِّع له من الأحكام عند موته من تغسيل وتكفين وتحنيط وصلاة ومواراة وهذه المراسيم لم تكن لغيره من الخلق ، ويتجلى لنا هذا التكريم فيما يأتي :

١ ـ إنّ جثة ميت الإنسان لا تبقى على وجه الأرض ، كما تبقى جثة ميت الحيوان مثلاً ، بذلك المنظر الذي يوحي إلى عدم تكريم تلك الجثة ، علاوة على بشاعة المنظر

٢ ـ لو بقيت جثة الإنسان بدون مواراة ؛ لتفسخت وظهرت الروائح الكريهة ، وانتشرت الأوبئة الضارة التي تؤدي إلى هلاك الكائنات الحية التي على وجه الأرض ، ولكن التكريم الإلهي للإنسان ، حَثّ على المسارعة بالقيام بهذه المراسيم ، حِفاظاً على كرامته ميتاً ، وحفاظاً على الأحياء من تفشي الأوبئة المضرِّة بهم

٣ ـ إنّ عملية التغسيل فيها من الأسرار الطبية ؛ إذ ثبت علمياً ما نَصّه : « أما الجسد الميت فهو سريع التحلل والتفسخ ، خصوصاً في أيام الصيف ، ويصبح عرضةً لهجوم المكروبات بعد ساعات من الموت ، ومَسّ هذا الجسد من قبل الأحياء قد يؤدي إلى الإصابة بالكثير من الأمراض لاسِيما إذا كانت الوفاة حدثت نتيجة الإصابة بإحدى الأمراض المعدية »(١٥)

______________________

(١٤) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ج ٨٢ / ١٥٦

(١٥) ـ علي ، الدكتور صادق عبد الرضا : القرآن والطب الحديث / ٢٢٩ ـ ٢٣٠

٣٠

ولذا حَثّ الإسلام على المسارعة بتغسيل الميت ، والقيام بهذه الأغسال الثلاثة ، بماء السدر ، والكافور ، والقراح ، فمادة الكافور وأوراق السدر مع الماء مطهرة ومعقمة لبدن الميت من هذه الجراثيم والميكروبات المضرة ، وهذا ما نستفيده من أجوبة بعض الفقهاء

س / ما الحكمة والمصلحة في وجوب غسل مس الميت إذا وضع شخص يده على بدن ميت قبل تغسيله ؟

ج / حكم ومصالح أوامر الله كثيرة ، ومن الممكن أن تكون إحدى حكم غسل مس الميت أن في بدن الميت سموماً تسري إلى الأحياء بالمسّ وترتفع بالغسل(١٦)

س / لأي سبب يُغسَّل الميت بالسدر والكافور ، وما هي عِلّتُه وحِكْمَتهُ ؟

ج / لأمر الرسول ( صلی الله عليه وآله ) المطابق للأخبار الصادرة عن الأئمة ( عليهم السلام ) ، وحكمة ذلك المضارة لعفونة الميت والسموم التي تخرج من بدنه حال الموت(١٧)

ويقول الدكتور حَسّان شمسي باشا : « ويعرف الكافور بأنه يمنع العِثّ ، وبعض الحشرات الأخرى ، كَدِيدَان الخشب ، وقد صُنِعَتْ خزائن من خشب الكافور ظلت أثراً على مر العصور »(١٨) ؛ ولذا إقتضت حكمت التشريع الإلهي المحافظة على هذا الإنسان من بداية دخوله هذه الحياة ؛ إذ من المستحبات غسل الوليد وقد ثبت علمياً ما نَصّه : وقد ثبت اليوم علمياً ، أنّ الدم سريع التفسخ

______________________

(١٦) ـ الكلبيكاني ، السيد محمد رضا : مجمع المسائل ، ج ١ / ١٠٧

(١٧) ـ نفس المصدر ، ج ١ / ١١٣

(١٨) ـ باشا ، الدكتور حسّان شمسي : قبسات من الطب النبوي / ٩٢

٣١

والتلوث ، فبقائه على جسم الإنسان يجهله عِرْضَة للإصابة بالأمراض ، إضافة إلى رائحة غير مقبولة ؛ لهذا إشترط الإسلام الغسل على الحائض والنفساء ـالمرأة التي ولدت حديثاً ـ والطفل المولود »(١٩)

وبعد بيان ما تقدم ، تبين لنا مدى التكريم الإلهي للإنسان ، ومدى المحافظة عليه في بدايته ونهايته ، وإلى هذا يشير الشاعر بقوله :

نغسله عند الولادة مثلما

نغسله عند الوفاة جوارحاً

ليستقبل الداربن بالطهر والتقى

فيصبح في كلٍ على الكلِ راجحاً

وما بين ذي الطُهْرِ من دَنَسِ الخطا

يُطهره الباري ويحسب صالحاً(٢٠)

ـ الأرض بداية ونهاية :

تَنصّ الآيات القرآنية ، على أنّ الأرض بداية الإنسان ونهايته على الإجمال والتفصيل كما في الآيات الآتية وهي :

قوله تعالى :( مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ ) [ طه / ٥٥ ]

وقوله تعالى :( أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ) [ المرسلات / ٢٥ ـ ٢٦ ]

الكِفْتُ : الجمع والضم والوعاء وعلى هذه المعاني ، أنّ الأرض تجمع الأحياء على ظهرها ، وهي وعاء يضم الأموات في باطنها وقد تقدم السِّر في كوننا على ظهرها ، ويبدوا لنا السر في كوننا في باطنها فيما يأتي :

______________________

(١٩) ـ علي ، الدكتور صادق عبدالرضا : القرآن والطب الحديث / ٢٢٩

(٢٠) ـ البحراني ، السيد محمد صالح الموسوي : النمارق الفاخرة إلى طرائق الآخرة ، ج ٢ / ١٢٩

٣٢

يقول الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ( طاب ثراه ) : « أوجبت الشرائع السماوية(٢١) ـوبالأخص شريعة الإسلام ـ دفن الأموات فيها ، ولا يجوز دفن الميت في غيرها ، وأن يوضع خده على الأرض ، ولا يجوز حتى إلقائه في البحر مع التمكن من دفنه بالأرض ، بل ولا إحراقه بالنار ، مع أن المتبادر بادئ النظر ، أنه أبلغ في قمع جراثيم الأموات المضرة بالأحياء كما يصنعه البراهمة الذين يحرقون أمواتهم ، ولكن أليس من الجائز القريب أن يكون جثمان الإنسان يحمل ، أو تُحمل فيه عن مفارقته الحياة مواد من ناشرات الأوبئة التي لو أحست بحرارة تطايرت في الفضاء قبل أن تحترق ، فتأخذ مفعولها في نشر الأمراض وتلويت الهواء ، وكذا لو ألقيت في البحر أو الأنهار تنمو وتشتد بخلاف ما لو دفنت في التراب ، ولعل فيها مواد من خَاصِّيتها تلف تلك الجراثيم مختلفة الأنواع ، التي لو انتشرت لأهلكت كل حيّ حتى النبات »(٢٢)

وقد أيَّد العلم الحديث هذه النظرية ؛ إذ ذكرت إحدى الكتب العلمية ما يأتي :

« وللبرهنة على أن التراب قاتل الميكروبات لك مثال واحد : إننا نعلم عند موت الإنسان تتفسخ جثته ، ولا بد أن تتحول إلى جراثيم فَتّاكة للغاية ، فكيف إذا لم يكن العالم بأسره مُلَوّثاً بهذه الجراثيم ، فكيف إذن تموت ؟ فلا توجد إلا طريقة واحدة ، هي قتل التراب للميكروبات وبَرهن العالم وكسمان ، والدكتور إلبرت : أن التراب جراثيم نافعة يمكن إستخراجها ومعالجة

______________________

(٢١) ـ وبداية هذا التشريع يرجع إلى ما أشارت إليه الآية المباركة :( فَبَعَثَ اللَّـهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ
يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَىٰ أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ
) المائدة / ٣١

(٢٢) ـ كاشف الغطاء ، الشيخ محمد حسين : الأرض والتربة الحسينية / ٢١

٣٣

الأمراض السارية بها وفعلاً إستخرج دواء من التراب باسم ( استربتوماسين ) ، الذي يعالج به السل والتايفوئيد والجراحات المزمنة والإسهال القوي وذات الرئة والتهاب الحلق »(٢٣)

وبعد بيان ما تقدم من الأبحاث ، إتضح لنا أن هذه الأرض المباركة ذات الآيات الباهرة ، التي هي من أعظم آيات الله التي نَمرُّ عليها ليلاً ونهاراً ونحن عنها معرضون ، كما أشارت الآية الكريمة :( وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ) [ يوسف / ١٠٥ ]

ويكفيها عظمةً وقداسة أنها بمثابة الأم الحنون لما عليها من الكائنات الحية التي خلقت منها ، وإنها محل الإبتلاء والإختبار للعباد نعم شُرِّعت العبادة عليها ، ومن أعظم العبادات الصلاة ، ومن أعظم أركان الصلاة قرباً لله السجود عليها ، إذن عظمت الأرض تستدعي السجود عليها

______________________

(٢٣) ـ الدهان ، سعيد ناصر : القرآن والعلوم / ١٦٧ ـ ١٦٨

٣٤

٣٥
٣٦

الفصل الأول ـ السجود في اللغة :

س / ما هو السجود لغةً ؟

ج / تناولت كتب اللغة لفظة السجود بما يأتي :

في المصباح المنير ، ج ١ / ٣٦٦ للفيومي : « سَجَد ( سجوداً ) تَطَامن وكل شئ ذَلّ فقد سجد وسجد البعير ؛ خفض رأسه عند ركوبه »

وفي منجد اللغة / ٣٢١ ، « سجد ـ سجوداً : إنحنى خاضعاً ـ وضع جبهته على الأرض متعبداً ، فهو ساجد (ج) سُجَّد وسجود يقال هو ساجد النخر ؛ أي ذليل خاضع ، ونخلة ساجدة أي مائلة »

وفي مجمع البحرين ج ٣ / ٦٣ للشيخ فخر الدين الطريحي : « وهو في اللغة : الميل ، والخضوع ، والتطامن ، والإذلال » والذي يبدو ، أن هذه المعاني متقاربة ، وهي خلاصة ما ذكره اللغويون حول هذه اللفظة ؛ ولذا نلاحظ أن الطريحي أجاد في تعريف « اللفظة » بما ذكره من المعاني الأربعة ، بهذه الصياغة المختصرة

الفصل الثاني ـ السجود في الإصطلاح :

س / ما هو السجود إصطلاحاً ؟

ج / وردت عدة تعاريف للفظة ( السجود ) في الإصطلاح ، لكن الأفضل منها ما يأتي :

١ ـ « وَضْعُ الجبهة على الأرض خضوعاً لله تعالى »(٢٤)

٢ ـ « وخُصّ السجود في الشريعة بالركن المعروف من الصلاة ، وما يجري مجرى ذلك من سجود القرآن وسجود الشكر »(٢٥)

______________________

(٢٤) ـ السبزواري ، السيد عبد الأعلى : مواهب الرحمان في تفسير القرآ ن ، ج ١ / ١٦٦

(٢٥) ـ الراغب الإصفهاني ، ابي القاسم ، الحسين بن محمد : المفردات في غريب القرآن / ٢٢٤

٣٧

الفصل الثالث ـ السجود في القرآن :

١ ـ معني السجود :

س / ما هو السجود في القرآن ؟

ج / يُفْهَم من الآيات القرآنية ، أن للسجود عدة معانٍ أهمها التالي :

الخشوع والخضوع :

الخشوع : هو الخضوع أي التطامن والتواضع وهو أمر عبادي يترتب على فِعْلِه الثواب ، وهو يشمل سجود الجن والإنس والملائكة فقط ، كما في الآيات الآتية : قوله تعالى :( فَاسْجُدُوا لِلَّـهِ وَاعْبُدُوا ) [ النجم / ٦٢ ] وقوله تعالى :( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ
اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ
) [ البقرة / ٣٤ ]

ذكر المحقق السيد الخوئي في تفسير الآية : « إن السجود حيث كان بأمر الله ؛ وهو في الحقيقة خضوع لله وسجود له »(٢٦) وقال تعالى :( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى
الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا
) [ يوسف / ١٠٠ ]

وذكر الشيخ أبو جعفر الطوسي في تفسير الآية : « قال القوم : إن الهاء في قوله ( له ) راجعة إلى الله فكأنه قال : فَخَرُّوا لله سُجَداً شكراً على ما أنعم به عليهم من الإجتماع »(٢٧) ويُعَضِّده ما روي عن الصادقعليه‌السلام ـ أنه قرأ : ( وخروا لله ساجدين )(٢٨) وقوله تعالى :( وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا ) [ البقرة / ٥٨ ]

______________________

(٢٦) ـ الخوئي ، السيد أبو القاسم : البيان في تفسير القرآن / ٤٧٤

(٢٧) ـ الطوسي ، شيخ الطائفة أبو جعفر ، محمد بن الحسن : التبيان في تفسير القرآن ، ج ٦ / ١٩٧

(٢٨) ـ الطبرسي ، الشيخ الفضل بن الحسن : جامع الجوامع في تفسير القرآن ، ج ١ / ٧٤٨

٣٨

وقال المحقق السيد السبزواري في تفسير الآية : « والسجود هنا بمعنى الخضوع والخشوع المناسب لمن يدخل الأرض المقدسة ، وهو تأديب إلهي في كيفية دخول بيت المقدس »(٢٩)

الإنقياد : وهو الخضوع ، ويُعَبَّر عنه بالسجود التسخيري ، وهو عام يشمل السجود العبادي المتقدم ، وسجود باقي المخلوقات كالحيوان والجماد ، وإليه أشارت الآيات التالية :

قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ
وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ
) [ الحج / ١٨ ]

س / كيف يُتَصَوّر سجود هذه المذكورات ؟ ولِمَ قال : ( وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ) مع أن قوله : ( مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ ) مغنٍ عنه ؟

ج / « سُميت مطاوعتها له تعالى فيما يحدث فيها من أفعاله ، ويجري عليها من تدبيراته إيّاها ، وتسخيره لها ، سجوداً له تشبيهاً لمطاوعتها بإدخال أفعال المكلف في باب الطاعة والإنقياد ، وهو السجود الذي كل خضوع دونه

أما قوله :( وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ) ؛ فمعناه : ويسجد له كثير من الناس سجود طاعة وعبادة ، وهم المؤمنون به والموحدون له ، ولا يصح أن يراد من السجود في صدر الآية ، السجود بهذا المعنى من الطاعة والعبادة ؛ لأن ذلك يصح في حق الملائكة والإنس والجن فقط ، وهذا لا يصح أن يراد في حق _

_____________________

(٢٩) ـ السبزواري ، السيد عبد الأعلى : مواهب الرحمن في تفسير القرآن ، ج ١ / ٢٥٢

٣٩

الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب »(٣٠) وقوله تعالى :( وَلِلَّـهِ
يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِن دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ
) [ النحل / ٤٩ ]

س / ـ ما ـ لما لا يعقل ، وما معنى سجود ما لا يعقل ، وكيف يصدر السجود من الموجودات التي لا تعقل ، وهي جمادات وحيوانات صامته ؟

ج / « هذا من باب الإستعارة والمراد كونها غير ممتنعة عليه وتحت تصرفه ، ولما كان سجود من يعقل هو الخضوع والخشوع له تعالى الذي هو ضرب من الانقياد وسجود ما لا يعقل كما عرفت ، ناسب أن يعبر عنها بالسجود وبعلاقة عدم الامتناع عليه »(٣١)

٢ ـ هيئة السجود وكيفيته :

س / على أي كيفيّة جاءت السجدة العبادية في القرآن ؟

ج / أشارت الآيات القرآنية إلى التالي :

قوله تعالى :( إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا ) [ السجدة / ١٥ ]

وقوله تعالى :( إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَـٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ) [ مريم / ٥٨ ]

وقوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا ) [ الإسراء / ١٠٧ ]

وقوله تعالى :( تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم
مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ
) [ الفتح / ٢٩ ]

______________________

(٣٠) ـ ياسين ، الشيخ خليل : أضواء على متشابهات القرآن ، ج ٢ / ٣٧

(٣١) ـ نفس المصدر ، ج ٢ / ٣٢٢ ـ ٣٢٣

٤٠

التوضيح :

الخرور : السقوط على الأرض

الذقن : هو مجمع اللحيين من الوجه

السِّيمَا : العلامة

وبعد بيان هذه المعاني ، يتضح لنا أن « الخرور للأذقان : السقوط على الأرض على أذقانهم للسجدة كما بينه قوله : « سجدا » ، وإنما اعتبرت الأذقان ؛ لأن الذقن أقرب أجزاء الوجه من الأرض عند الخرور عليها للسجدة ، وربما قيل : المراد بالأذقان الوجوه إطلاقاً للجزء على الكل مجازاً »(٣٢)

« والمراد بـ( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) أثر التراب في جباههم ؛ لأنهم كانوا إنما يسجدون على التراب لاعلى الأثواب »(٣٣) وخلاصة القول : أن كيفية السجود في القرآن هي وضع الجبهة على الأرض خضوعاً وخشوعاً لله

٣ ـ أهمية السجود :

س / ما أهمية السجود في القرآن ؟

ج / تتضح لنا أهمية السجود في القرآن بعد معرفة العناوين التالية :

١ ـ القرب من الله : قال تعالى :( كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب ) [ العلق / ١٩ ] أي اسجد يا محمد للتقرب منه ، فإن أقرب ما يكون العبد من الله إذا سجد له

٢ ـ الإعتناء بالساجدين : ويشير إليه قوله تعالى :( وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ
أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ
) [ البقرة / ١٢٥ ] « العهد حفظ ______________________

(٣٢) ـ الطباطبائي ، السيد محمد حسين : الميزان في تفسير القرآن ، ج ١٣ / ٢٢٢

(٣٣) ـ نفس المصدر ، ج ١٨ / ٣٠٠ ( بتصرف )

٤١

الشيء ومراعاته حالاً بعد حال والإهتمام به »(٣٤) ويأتي بمعنى التثبيت المشدد مع عناية خاصة ، وهي ظهور إحترام المعهود إليه بالوفاء بما عهد إليه ، وظهور نوع الموضوع مما يعتني به كثيراً ، وفي إضافة البيت إلى نفسه المقدسة ثم التفضيل بقبول العبادة الواقعة فيه إيماء إلى كثرة عنايته تعالى بالبيت وبالعبادة الواقعة فيه(٣٥) والتي منها السجود وتتضح لنا العناية أكثر بتكرار الخطاب إلى إبراهيمعليه‌السلام في قوله :( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن
لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ
) [ الحج / ٢٦ ]

٣ ـ توبيخ الممتنعين عن السجود : قال تعالى :( قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ
أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ
فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ
) [ الأعراف / ١٢ ـ ١٣ ] « والمعنى ـ قال الله تعالى : فتنزل عن منزلتك حيث لم تسجد لما أمرتك ، فإن هذه المنزلة منزلة التذلل والانقياد لي ، فما يحق لك أن تتكبر فيها فأخرج إنك من الصاغرين أهل الهوان ، وإنما أخذ بالصغار ليقابل به التكبر »(٣٦)

الفصل الرابع : السجود في السنة :

ويضم الأبحاث التالية :

أولاً ـ تعريف السجود :

س / ما هو السجود في السنة ؟

ج / هو كما نصبت عليه كتب الحديث الإسلامية ، ونذكر منها الآتي :

______________________

(٣٤) ـ الراغب الإصفهاني ، أبي القاسم ، الحسين بن محمد : المفردات في غريب القرآن / ٣٥٠

(٣٥) ـ السبزواري ، السيد عبد الأعلى : مواهب الرحمان في تفسير القرآن ، ج ٢ / ٢٥

(٣٦) ـ الطباطبائي ، السيد محمد حسين : الميزان في تفسير القرآن ، ج ٨ / ٣٠

٤٢

روت الإمامية ، كما عن زرارة ، قال أبو جعفرعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( السجود على سبعة أعظم : الجبهة ، واليدين ، والركبتين ، والإبهامين من الرجلين ، وترغم بأنفك إرغاماً ، أما الفرض ؛ فهذه سبعة ، وأما الإرغام بالأنف ؛ فسنة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) (٣٧)

وروت السنة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إذا سجد العبد سجد معه سبعة أطراف ، وجهه ، وكفاه وركبتاه ، وقدماه ) (٣٨)

ثانياً ـ مكان السجود :

س / ما هي الأشياء التي يصح السجود عليها ؟

ج / يمكن تقسيم ذلك إلى ثلاثة أقسام :

الأول ـ السجود على الأرض مباشرة :

إن من المتسالم عليه لدى المسلمين ، السجود على الأرض حسب التفصيل الآتي :

مرويات الإمامية :

إستدلت الإمامية على ذلك بعدة روايات نذكر منها التالي :

١ ـ قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أُعطيت خمساً لم يعطها أحد قبلي ؛ جُعِلَتْ لي الأرض مسجداً وطهوراً ) (٣٩)

٢ ـ وفي لفظ آخر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( إن الله جعل لي الأرض مسجداً وطهوراً أينما كنت منها ، أتيمم من تربتها وأصلي عليها ) (٤٠)

______________________

(٣٧) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد حسن : وسائل الشيعة ، ج ٤ / ٩٥٤ ( باب ـ ٤ ـ من أبواب السجود حديث ٤ )

(٣٨) ـ مسلم ، مسلم بن الحجاج : صحيح مسلم ، ج ١ / ( كتاب الصلاة ـ باب أعضاء السجود )

(٣٩) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد حسن : وسائل الشيعة ، ج ١ / ٩٦٩ ـ ٩٧٠ ( باب ـ ٧ ـ من أبواب التيمم حديث (٢) )

(٤٠) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٨٠ / ٢٧٧

٤٣

يقول الشيخ المجلسي ( قده ) :« قد عرفت أنه يستفاد من تلك الأخبار المتواترة معنى جواز الصلاة في جميع بقاع الأرض إلا ما أخرجه الدليل » (٤١)

ويقول صاحب المدارك ( قده ) :« أجمع الأصحاب على أنه لا يجوز السجود على ما ليس بأرض ولا نبات » (٤٢) هذا خلاصة رأي الإمامية ، ومن أراد التوسع ؛ فعليه مراجعة كتبهم ورسائلهم الفقهية

مرويات السنة :

وإستدلت السنة بالسجود على الأرض بعدة روايات ، أهمها التالي :

١ ـ عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( وجعلت لي الأرض مسجداً وطهورا ، فأيما رجلُ من أمتي أدركته الصلاة فليصلِّ ) (٤٣)

٢ ـ وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وجعلت لي الأرض طيبة وطهوراً ومسجداً ، فأيما رجلُ أدركته الصلاة صلى حيث كان ) (٤٤)

قال النووي : « وفيه جواز الصلاة في جميع المواضع إلا ما إستثناه الشرع من الصلاة في المقابر وغيرها من المواضع التي فيها النجاسة كالمزبلة والمجزرة ، وكذا ما نُهي عنه لمعنى آخر ، فمن ذلك أعطان الإبل ، ومنه قارعة الطريق والحمام وغيرهما »(٤٥) وهناك أقوالٌ أخرى ، من أرادها ؛ فعليه بمراجعتها

فالنتيجة التي يمكن التوصل إليها هي : أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيتهعليهم‌السلام وصحابته والتابعين سجدوا على الأرض بلا خلاف في ذلك

______________________

(٤١) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٨٠ / ٢٧٨

(٤٢) ـ العاملي ، السيد محمد علي : مدارك الأحكام ، ج ٣ / ٢٤١

(٤٣) ـ البخاري ، محمد بن إسماعيل : صحيح البخاري ، ج ٢ / ٩١ ( باب التيمم )

(٤٤) ـ مسلم ، مسلم بن الحجاج : صحيح مسلم ، ج ٢ / ٦٤

(٤٥) ـ النووي ، محي الدين بن شرف : شرح صحيح مسلم ، ج ٥ / ٢

٤٤

الثاني ـ السجود على غير الأرض لغير عذر :

تقدم أنّ السجود لابد أنْ يكون على الأرض ؛ والمراد من الأرض التراب والحصى ، وأما المعادن والفلزّات العالقة في الأرض ؛ فخارجة ، وسيتضح هذا بعد ذلك هذا هو التشريع الأساسي ، ولكن إستفاد المسلمون من عمل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه رَخّصَ في السجود على غير الأرض ، تارة لعذر ، وأخرى لغير عذر أما الذي لغير عذر ؛ فسيكون البحث فيه كالتالي :

مرويات الإمامية :

ذهبت الإمامية : إلى أنّ السجود على الأرض أفضل من السجود على النبات والقرطاس وغيرهما مما جاز السجود عليه ، كما هو مُفَصّل في كتبهم الفقهية ، إعتماداً على روايات أهل البيتعليهم‌السلام ، ونذكر منها التالي :

١ ـ عن هشام بن الحكم : أنه قال لأبي عبد اللهعليه‌السلام :( أخبرني عما يجوز السجود عليه وعَمّا لا يجوز ؟ قال عليه‌السلام لا يجوز إلا على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لبس فقال له : جُعلْتُ فداك ما العِلّة في ذلك ؟ قال عليه‌السلام : لأنّ السجود خضوع لله عَزّ وجَلّ فلا ينبغي أنْ يكون على ما يُؤْكَل ويُلْبَس ؛ لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون والساجد في سجوده في عبادة الله عَزّ وجَلّ ، فلا ينبغي أنْ يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين إغتروا بغرورها ) (٤٦)

٢ ـ عن إسحاق بن الفضيل أنه سأل أبا عبد اللهعليه‌السلام عن السجود على الحُصُر والبَوارِي ؟ فقال :( لا بأس ، وأنْ يسجد على الأرض أَحَبُّ إليَّ ، فإنّ

______________________

(٤٦) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد حسن : الوسائل ، ج ٣ / ٥٩١ ( باب ـ ١ ـ من أبواب ما يسجد عليه ، حديث (١) )

٤٥

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يحب ذلك أنْ يُمكِّن جبهته من الأرض ، فأنا أحب لك ما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحبه ) (٤٧)

٣ ـ عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال :( لا بأس بالصلاة على البُورِيَا ، والخَصَفَة وكل نبات إلا الثمرة ) (٤٨)

وبعد هذه الروايات نقول : إن الإمامية تُصرِّح بلزوم السجود على الأرض من ناحية أساسية ، وتجوِّز السجود على نبات الأرض وما يصنع منه ، كالحصر والبواري ونحوها ، إلا المأكول والملبوس كالقطن والكتان ونحوهما ، كل ذلك إعتماداً على ما ورد عن أهل البيتعليهم‌السلام

مرويات السنة :

قد روت السنة والجماعة أحاديث كثيرة مذكورة في صحاحها ومسانيدها ، مفادها أن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رخّص في السجود على نبات الأرض وما يُصنع منه ، كالخمرة والحصير وغيرهما نذكر منها التالي :

١ ـ عن أنس بن مالك قال :( كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُقِيل عند أم سليم ؛ فتبسط له نَطْعَاً فتأخذ من عَرَقِه فتجعله في طيبها وتبسط له الخُمْرَة (٤٩) ؛ فيصلي عليها ) (٥٠)

٢ ـ عن أنس بن مالك قال :( كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحسن الناس خُلقاً ، فربما تحضره الصلاة وهو في بيتنا ، فيأمر بالبساط الذي تحته فُيكْنَسْ ثم

______________________

(٤٧) ـ المصدر السابق / ٦٠٩ ( باب (١٧) ، حديث (٤) )

(٤٨) ـ نفس المصدر / ٥٦٣ ( باب (١) ، حديث (٩) )

(٤٩) ـ المستفاد من كلمات اللغويين أن الخمرة مصنوعة من سعف النخيل أصغر من الحصير

(٥٠) ـ البيهقي ، أحمد بن الحسين : السنن الكبرى ، جـ ٢ / ٤٢١ ( باب الصلاة على الخمرة )

٤٦

يُنْضَح ثم يقوم ؛ فنقوم خلفه فيصلي بنا قال : وكان بساطهم من جريد النخل ) (٥١)

٣ ـ عن أنس بن مالك قال :( إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل بيتاً فيه فحل (٥٢) ، فكسح ناحية منه ورش فصلى عليه ) (٥٣)

٤ ـ عن جابر قال :( حدثني أبو سعيد قال : دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يُصَلِّي على حصير ) (٥٤) قال الشوكاني : « وقد ذهب إلى إستحباب الصلاة على الحصير أكثر أهل العلم كما قال الترمذي ، قال : إلا أنّ قوماً من أهل العلم إختاروا الصلاة على الأرض إستحباباً »(٥٥)

وقال أيضاً : وعن جابر بن زيد :( أنه كان يكره الصلاة على كل شئ من الحيوان ، ويستحب الصلاة على كل شئ من نبات الأرض ) (٥٦) وقال :« وقد روي عن زيد بن ثابت ، وأبي ذر ، وجابر بن عبدالله ، وعبدالله بن عمر ، وسعيد بن المسيب ، ومكحول ، وغيرهم من التابعين : إستحباب الصلاة على الحصير ، وصرح ابن المسيب بأنها سنة » (٥٧)

______________________

(٥١) ـ المصدر السابق / ٤٣٦ ( باب من بسط شيئاً فصلى عليه )

(٥٢) ـ حصير مصنوع من سعف فحال النخل ؛ أي ذكر النخل الذي تلقح منه ، فسمى الحصير فحلاً مجازاً راجع النهاية في غريب الحديث ج ٣ / ٤١٦

(٥٣) ـ البيهقي ، أحمد بن الحسين : السنن الكبرى ، ج ٢ / ٤٣٦ ( باب من بسط شيئاً فصلى عليه )

(٥٤) ـ نفس المصدر / ٤٢٠ ( باب الصلاة على الحصير )

(٥٥) ـ الشوكاني ، الشيخ محمد علي : نبل الأوطار ، ج ٢ / ١٤٩ ( باب الصلاة على الفراء وغيرهما من المفارش )

(٥٦) ـ نفس المصدر

(٥٧) ـ نفس المصدر

٤٧

الثالث ـ السجود على غير الأرض لعذر :

مرويات الإمامية :

منعت الإمامية من السجود على غير الأرض وما يلحقها من النبات غير المأكول والملبوس وأجازته في حال الضرورة والعذر ، إعتماداً على مرويات أهل البيتعليهم‌السلام ، نذكر منها التالي :

١ ـ عن أبي بصير ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال :( قلت له : أكون في السفر فتحضر الصلاة وأخاف الرّمْضَاء على وجهي ، كيف أصنع ؟ قال : تسجد على بعض ثوبك ، فقلت : ليس عليَّ ثوب يمكنني أنْ أسجد على طرفه ولا ذيله ، قال : أسجد على ظهر كفك فإنها إحدى المساجد ) (٥٨)

٢ ـ عن القاسم بن الفضيل قال :( قلت للرضا عليه‌السلام : جُعِلْتُ فداك الرجل يسجد على كُمّه من أذى الحر والبرد ؟ قال : لا بأس به ) (٥٩)

٣ ـ عن علي بن جعفر ، عن أخيهعليه‌السلام قال :( سألته عن الرجل يؤذيه حر الأرض وهو في الصلاة ولا يقدر على السجود ، هل يصلح له أن يضع ثوبه إذا كان قطناً أو كَتّاناً ؟ قال : إذا كان مضطراً فليفعل ) (٦٠)

مرويات السنة :

إختلف علماء السنة في السجود على غير الأرض ، خصوصاً في السجود على الطَنَافِسْ والفِرَاء وغيرها من المَفارِش على ثلاثة أقوال :

______________________

(٥٨) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد حسن : وسائل الشيعة ، ج ٣ / ٥٩٧ ( باب ـ ٤ ـ من أبواب ما يسجد عليه ، حديث (٥) )

(٥٩) ـ نفس المصدر ، حديث (٤)

(٦٠) ـ نفس المصدر ، حديث (٨)

٤٨
الأول ـ القول بعدم جواز السجود عليها إلا لعذر وهو الأكثر

إعتماداً على روايات كثيرة نقتصر منها على الآتي :

عن أنس بن مالك قال :( كنا نصلي مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شدة الحر ، فإذا لم يستطع أحدنا أن يُمكِّن جبهته من الأرض ؛ بَسَط ثوبه فسجد عليه ) (٦١)

قال الشوكاني : « والحديث يدل على جواز السجود على الثياب لاتقاء حر الأرض ، وفيه إشارة إلى أن مباشرة الأرض عند السجود هي الأصل ؛ لتعليق( بَسَط ثوبه ) لعدم الإستطاعة وقد إستدل بالحديث على جواز السجود على الثوب المتصل بالمصلي قال النووي : وبه قال أبو حنيفة والجمهور »(٦٢) فعليك بمراجعة كتبهم وموسوعاتهم العلمية

الثاني ـ القول بالكراهة :

« وقد كره ذلك جماعة من التابعين فروى ابن أبي شَيْبَة في المصنف : عن سعيد بن المسيب ، ومحمد بن سيرين أنهما قالا : الصلاة على الطنفسة ؛ وهي البساط الذي تحته حَمْل مُحْدَثَة وجابر بن زيد ، كان يكره الصلاة على كل شئ من الحيوان ، ويستحب الصلاة على كل شئ من نبات الأرض وإلى الكراهة ذهب الهادي ، ومالك »(٦٣)

الثالث ـ القول بالجواز :

وممن نسب إليه القول بجواز السجود ـ على الثياب والفرش والطَنَافِس المصنوعة من الجلود والقطن والصوف ونحوها وبدون عذر ـ أبو هريرة ، وأنس ، ______________________

(٦١) ـ الشوكاني ، الشيخ محمد علي : نبل الأوطار ، ج ٢ / ٢٨٩ ( باب المصلي يسجد على ما يحمله ولا يباشر مصلاه بأعضائه )

(٦٢) ـ نفس المصدر

(٦٣) ـ نفس المصدر ، ج ٢ / ١٤٧

٤٩

ومكحول ، وعامة الفقهاء فيما بعد القرن الرابع ، إعتماداً على بعض مروياتهم نذكر منها الآتي :

١ ـ عن أبي هريرة :( كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسجد على كور عمامته ) (٦٤)

٢ ـ عن ابن عباس :( أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى على بساط ) (٦٥)

٣ ـ يونس بن الحرث ، عن أبي عون ( محمد بن عبدالله الثقفي ) ، عن أبيه ، عن المغيرة بن شعبة( أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلي على الحصير والفروة المذبوغة ) (٦٦) نكتفي بذكر هذا القسم من مروياتهم ونوضح بطلان وضعف هذا القوب بما يأتي :

أولاً ـ مناقشة صحة نسبة الآراء إلى أصحابها وهي كالتالي :

أ ـ إستفادة رأي أبي هريرة من مروياته غير ثابتة ؛ حيث أنكر البيهقي حديث السجود على كور العمامة ، حيث قال : « قال الشيخ : وأما ما روي في ذلك عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من السجود على كور العمامة ، فلا يثبت شئ من ذلك »(٦٧)

وذكر الزرقاني : « وذهب الشيعة إلى عدم الجواز ووافقهم الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه ؛ لأنه لم يثبت عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه سجد على كور عمامته ، وكان ينهى عن ذلك نعم روى عبدالله بن محرر عن أبي هريرة : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سجد على كور عمامته وهذا غير صحيح ؛ لأن عبدالله متروك الحديث كما قال ابن حجر ، وأبو حاتم ، والدار قطني ، وقال البخاري : انه

______________________

(٦٤) ـ المتقي الهندي ، علاء الدين ، علي بن حسام الدين : كنز العمال ، ج ٨ / ٨٥

(٦٥) ـ نفس المصدر

(٦٦) ـ نفس المصدر / ١٤٨

(٦٧) ـ البيهقي ، أحمد بن الحسين : السنن الكبرى ، ج ٢ / ١٠٦

٥٠

منكر الحديث ، وهو أحد قضاة الدولة ، ولم يذكر علماء الرجال سماعه عن أبي هريرة وقال الحافظ ابن حجر : لم يذكر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه سجد على كور عمامته ، ولم يثبت ذلك في حديث صحيح ولا حسن »(٦٨)

ب ـ وأما ما نسب إلى أنس في مروياته ؛ فقد حمل على الإضطرار ، ويدل على ذلك رواية عبدالله عن أنس بن مالك قال :( كنا نصلي مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود ) (٦٩)

وأما روايته( أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى على البسط ) : فقال الشوكاني : « حديث انس الذي ذكر بلفظ « البسط » ، أخرجه الأئمة الستة بلفظ الحصير وقد روى ابن أبي شيبة في سننه : ما يدل على أن المراد بالبساط الحصير بلفظ( فيصلي أحياناً على بساط لنا ) ، وهو حصير ننضحه بالماء قال العراقي : فتبين أن مراد أنس بالبساط : الحصير ، ولاشك انه صادق على الحصير لكونه يبسط على الأرض أي يفرش »(٧٠) وقد تقدم ما يدل على ذلك أيضاً فراجع(٧١)

ج ـ وأما ما نسب إلى مكحول ؛ فمحمول على الاضطرار كما هو صريح ما رواه ابن راشد قال :( رأيت مكحولاً يسجد على عمامته ، فقلت : لم تسجد عليها ؟ فقال : أتقي البرد على إنساني ) (٧٢)

______________________

(٦٨) ـ الزرقاني ، محمد بن عبد الباقي : شرح المواهب اللدنية ، بالمنح المحمدية ، ج ٧ / ٣٢١

(٦٩) ـ الصنعاني عبد الرزاق بن همام بن نافع : المصنف ، ج ٢ / ٤٠٠

(٧٠) ـ الشوكاني ، الشيخ محمد علي : نبل الأوطار ، ج ٢ / ١٤٩

(٧١) ـ ص / ٤١

(٧٢) ـ ابن أبي شيبة ، الحافظ عبدالله بن محمد : الكتاب المصنف في الأحاديث والأثار ، ج ١ / ٢٦٧ ، فيه اختلاف يسير : ( إني أخاف على بصري من برد الحصى ) المؤلف

٥١

د ـ وأما ما نسب إلى عامة الفقهاء ؛ فيحتاج إلى تأمل ، حيث أن الإعتماد على مثل هذه المرويات التي قسم منها يدل على الاضطرار ، والبعض منها ضعيف ، بالإضافة إلى مخالفة رأي الكثير من فقهاء الإسلام ، كل ذلك على فرض صحة النسبة ؛ فهو من الآراء الشاذة التي لا يعتمد عليها

ثانياً ـ يمكن تلخيص آراء الصحابة والتابعين والفقهاء كالتالي :

١ ـ ذهب أبو بكر ، ومسروق بن الأجدع ، وعبادة بن الصامت ، وإبراهيم النخعي ، إلى القول بوجوب السجود على الأرض فقط

٢ ـ وذهب عبدالله بن عمر ، ومالك ، وأبو حنيفة ، وابن حجر ، والشوكاني ، وأحمد ، والاوزاعي ، وإسحاق بن راهويه ، وأصحاب الرأي ، إلى القول بوجوب السجود على الأرض وما أنبتته اختياراً ، وجواز السجود على الثياب للحر والبرد

الفصل الخامس ـ أنواع السجود :

ذكر الفقهاء في رسائلهم العملية : أربعة أنواع للسجود كالتالي :

أولاً ـ السجود في الصلاة :

والواجب منها في كل ركعة سجدتان ، وهما معاً ركن تبطل الصلاة بتركه ، أو زيادته عمداً أو سهواً ، حسب التفصيل المذكور في الرسائل العملية

ثانياً ـ سجود السهو :

وهو سجدتان يؤتى بهما بعد الصلاة مباشرة لأسباب مذكورة في بحث الصلاة اليومية

٥٢

ثالثاً ـ سجود التلاوة :

وهو : سجدة يؤتى بها بعد قراءة أو سماع إحدى آيات السجدة حسب التفصيل الآتي :

١ ـ الواجب : وهو ما يكون في آيات سور العزائم ، كما في الجدول التالي :

السورة

الآية

العلق

١٩

النجم

٦٢

السجدة

١٥

فصلت

٣٧

٢ ـ المستحب : وهو ما يكون في إحدى عشر آية كالتالي :

السورة

الآية

السورة

الآية

الأعراف

٢٠٦

الحج

١٨ ، ٧٧

الرعد

١٥

الفرقان

٦٠

النحل

٤٩

النمل

٢٥

الإسراء

١٠٧

ص

٢٤

النشقاق

٢١

مريم

٥٨

رابعاً ـ سجود الشكر :

وهو سجدة والأفضل سجدتان ، يستحب الإتيان بهما شكراً لله تعالى عند تجدد كل نعمة ، ودفع كل نقمة ، وعند تذكر ذلك والتوفيق لأداء كل فريضة أو نافلة ، بل فعل كل خير

٥٣

الفصل السادس ـ أسرار السجود

س / ما هي أسرار السجود على الأرض ؟

ج / أسرار السجود على الأرض كثيرة ، ويمكن تلخيصها في التالي :

السجود هو أعظم مراتب الخضوع ، وأحسن درجات الخشوع ، وأعلى مراتب الإستكانة ، وأحق المراتب بإستيجاب القرب إلى الله تعالى ، كما نبه عليه الكتاب الكريم في أمر نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب ) [ العلق / ١٩ ] ووعده على ذلك بأنه يقرب ثم اهوِ إلى السجود ومكّن أعزّ أعضائك وهو الوجه من أذل الأشياء وهو التراب ، فإن أمكنك أن لا تجعل بينها حائلاً فتسجد على الأرض فافعل فإنه أجلب للخشوع وأدلّ على الذلّ والخضوع ، وهذا السر في منع الشريعة من السجود على ما يأكله الآدميون ويلبسونه ؛ لأنه متاع الدنيا وأهلها الذين اغتروا بغرورها ، وركنوا إلى زخرفها ، واطمئنوا إليها ، فأسلمتهم إلى المهالك أحوج ما كانوا إليها ، وإذا وضعت نفسك موضع الذل ؛ فاعلم انك وضعتها ورددت الفرع إلى أصله ؛ فإنك من التراب خلقت وإليه رددت ، ثم تخرج منها مرة أخرى ؛ فاحضر في بالك نقلاتك منها وإليها ثم خروجك منها بتكرار السجود ، كما ذكر تعالى :( مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً
أُخْرَىٰ
) (٧٣) [ طه / ٥٥ ] وروى الصدوق عن أمير المؤمنينعليه‌السلام :( أنه سأل ما معنى السجدة الأولى ؟ قال : تأويلها « اللهم انك منها خلقتنا » يعني من الأرض وتأويل رَفْع رأسك منها « ومنها أخرجتنا » والسجدة الثانية « واليها تعيدنا » ، ورفع رأسك منها « ومنها تخرجنا تارة أخرى » ) (٧٤)

______________________

(٧٣) ـ الشهيد الثاني ، الشيخ زين الدين العاملي : أسرار الصلاة / ١٠٨ ـ ١١٠ ( مقتبس )

(٧٤) ـ شبر ، السيد عبد الله بن السيد محمد رضا : الأخلاق / ٥١

٥٤

٥٥

٥٦

٥٧
٥٨

الدليل الأول ـ الإحتياط طريق النجاة :

س / ما هو الإحتياط الذي تزعمه الشيعة الإمامية ؟

ج / هو الإحتراز والتحفظ من وقوع النفس في المأثم وبيان ذلك :

إنّ الغاية من إتخاذ تربة الحسينعليه‌السلام مسجداً في كل صلاة ، تعتمد على أصلين كالتالي :

الأول ـ إتخاذ تربة طاهرة للسجود :

إنّ المتفق عليه بين المسلمين تفضيل السجود على الأرض دون غيرها ، كما إشترطوا في مكان السجود الطهارة ، ونهوا عن الصلاة في مواطن منها : المزبلة ، والمجزرة ، والمقبرة ، وقارعة الطريق ، والحمام ، ومعاطن الإبل كما ورد الأمر بتطهير المسجاد ، كل ذلك إهتماماً بأمر الصلاة

ولذا ينبغي للمسلم أنْ يحتاط ويهتم بشأن الصلاة ، ويتخذ له تربة طاهرة يطمئن بها للسجود عليها في صلاته ، حذراً من السجود على النجاسة والقذارة التي لا يُتقرب بها إلى الله ، والمسلم لا يحصل له كل ذلك في حِلِّهِ وترحاله ؛ إذ الثقة بطهارة كل أرض لا تحصل له ، حيث يحل فيها المسلم وغيره من فئات الناس الذين لا يكترثون لأمر الطهارة والنجاسة في الدين ، فالشيعة يصطحبون معهم ألواح الطين والتراب ، ويتخذونها مساجد للسجود عليها ، إهتماماً بشأن الصلاة ومحافظة على آدابها ، وبهذا الإحتياط عمل رجال الورع من فقهاء السلف في القرون الأولى ؛ فمن الذين ساروا على هذا النهج ، التابعي الفقيه

٥٩

مسروق بن الأجدع(٧٥) ، كما أخرجه الحافظ أبو بكر ابن أبي شيبة بالطريقين التاليين :

١ ـ عن ابن سيرين قال : « نُبئْتُ أنّ مسروقاً كان إذا سافر حمل معه في السفينة لبنةً يسجد عليها »

٢ ـ يزيد بن هارون قال : « أخبرنا ابن عون ، عن محمد : أنّ مسروقاً كان إذا سافر حمل معه في السفينة لُبْنَةً يسجد عليها »(٧٦)

الثاني ـ قاعدة الإعتبار والتفاضل :

قاعدة الإعتبار المُطّرَدْ تقتضي التفاضل بين الأشياء ، وتستدعي إختلاف الآثار والشؤون والنظرات فيها ، وهذا أمر طبيعي عقلي متسالم عليه مُطّرَد بين الأمم طُراً ، بل نَصّ القرآن الكريم على ذلك في كثير من الآيات ، منها قوله تعالى :( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّـهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ) [ البقرة / ٢٥٣ ] وقوله تعالى :( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ
أَمْوَالِهِمْ
) [ النساء / ٣٤ ]

إذن ، هذا الإعتبار وقانون الإضافة لا يختص بالشرع فحسب ، ولا يختص بمفاضلة الأراضي ، وإنما هو أصل مطرد في باب المفاضلة في مواضيعها العامة ، من الأنبياء والرسل وما شابه ذلك ، بل في كل ما يتصور فيه فضل على غيره بل هذا الأصل هو محور دائرة الوجود وبه قوام كل شئ ، واليه

______________________

(٧٥) ـ هو عبدالرحمن بن مالك الهمداني ( أبو عائشة ) ، المتوفى عام ٦٢ هـ ، تابعي من رجال الصحاح الست ، روى عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وكان فقيهاً ، ومن أصحاب ابن مسعود الذين كانوا يعلمون الناس السنة راجع طبقات ابن سعد ١ / ٥٠ ، وتهذيب التهذيب ١٠ / ٢٧٠

(٧٦) ـ ابن أبي شيبة ، الحافظ عبدالله بن محمد : المصنف ج ٢ / ٢٧٠

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232