تربة الحسين عليه السلام الجزء ١

تربة الحسين عليه السلام25%

تربة الحسين عليه السلام مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 232

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 232 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59746 / تحميل: 3716
الحجم الحجم الحجم
تربة الحسين عليه السلام

تربة الحسين عليه السلام الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

٢١

٢٢

التعرف على الأرض :

إنّ طبيعة الإنسان تدفعه للتعرف على ما يجري حوله ؛ ولذا منذ وجوده على الأرض ، بدأ يتفاعل مع البيئة المحيطة به ، وأخذ يتأمل في هذه البيئة وعلاقتها بحياته ؛ إذ هذه البيئة لها إرتباط بمكونات الأرض ومنتجاتها ، هكذا تتزايد معلومات الإنسان عن الأرض ، عبر تاريخها الطويل حتى القرن الأخير ، حيث إزدادت هذه المعلومات بشكل واسع ، مما حمل العلماء على حصرها ضمن علم مستقل أطلقوا عليه اسم( الجيولوجيا ) وهو مصطلع مُعرَّب عن الكلمة الإنجليزية(geology) المشتقة من الكلمتين الأغريقيتين(ge) يعني الأرض(Logus) وتعنى علم « وهو علم يبحث في كل ما يتعلق بالأرض ، حيث تركيبها الكيميائي والمعدني وخَواصّها الطبيعية والكيميائية والميكانيكية ، بالإضافة إلى العمليات الداخلية والخارجية التي أثَّرت وتُوثِّر عليها منذ نشأتها الأولى

كما أن الجيولوجيا أيضا تعني بدراسة أحداث الماضي السحيق ، وكذلك الأحياء النباتية والحيوانية التي عاشت فوق سطح الأرض ، وفي أعماق البحار ثم ماتت واندثرت ، والتعرف إلى خواص تطورها وقيمتها الإقتصادية على مَرّ العصور ، بالإضافة إلى دراسة الثروات المائية والبترولية والمعدنية التي توجد تحت سطح الأرض وفي أعماقها »(٧) وإليك بعض الأبحاث عن التربة

أ ـ أنواع التربة :

يقول أخصائي فيزياء التربة ( ديل سوار تزن دروبر ) : « والتربة عالم يفيض بالعجائب ، ولكنها عجائب لا يستطيع أن يصل إلى كنهها أو يكشف

______________________

(٧) ـ المهندس ، د. أحمد عبد القادر : ( الجيولوجيا والجيلوجيون ) مجلة القافلة ، ج ٣٦ ، شعبان ١٤٠٨ هـ ، ص ١٤

٢٣

أمرها إلا العلوم والدراسات العلمية »(٨) ويعبر الجغرافيون الطبيعيون عن التربة وألوانها وأنواعها وخصوبتها بما يأتي :

عَرّفوها بأنها : الغطاء الرقيق المتفتت الذي يغطي سطح الأرض في كثير من الجهات كما أنّهم قَسموها إلى التالي :

١ ـ تربة صلصالية : وتحتوي على نسبة عالية من المواد الذائبة ، وتحتفظ بكميات كبيرةٍ من المياه ، إلا أن حراثتها ليست سهلة بسبب تماسك جزئياتها الترابية وعلى كل فهي أصلح تربة زراعية ، وخَاصّة إلى القمح والشعير وغير ذلك

٢ ـ تربة رملية : وهي صالحة بشكل عام لزراعة الخضروات والفواكه ، وإنها سهلة الحراثة بسبب تفتت جزئياتها الترابية

٣ ـ تربة غرينية : وهي إما أن تكون أصلية أي جاثية فوق الصخور التي نشأت منها ؛ وهي على لون الصخور ذاتها وإما أن تكون منقولة : أي جاثية فوق صخور غريبة عنها ؛ مثل تربة السهول ، ومثل وادي الفرات أو وادي النيل وغير ذلك(٩)

ب ـ ألوان التربة :

قَسّمَ الجغرافيون الطبيعيون التربة إلى الألوان الآتية :

١ ـ تربة سوداء : وقد أطلقوا عليها اسم« التسترنوزيوم » وتوجد في أوربا الوسطى الشمالية وهي أجود تربة من حيث صلاحيتها للزراعة على الإطلاق

______________________

(٨) ـ نخبة من العلماء الأمريكيين : الله يتجلى في عصر العلم / ص ١١٦

(٩) ـ الربيعي ، الشيخ عبدالجبار : البراهين العلمية / ٢١٨

٢٤

٢ ـ تربة صفراء : وتسمى« اللوس » وتوجد في شمال الصين وهي ناعمة جداً

٣ ـ تربة حمراء : وتسمى« لاتيريت » هي ذات لون داكن أو أسمر ، وتوجد بكثرة في سهول حلب

٤ ـ تربة سمراء : وتسمى« البوذرول » وهي إما رمادي فاتح أو أبيض ، وتكثر في الغابات

٥ ـ تربة بركانية : وهي تربة خصبة جداً لكثرة المواد المعدنية فيها ، وتوجد في بلاد حَوْرَان ومنطقة الروج جنوب جسر الشغور

٦ ـ تربة المناطق الصحراوية : وهي غنية بالأملاح القابلة للذوبان ويمكن تحويلها إلى حقول زراعية إذا توفرت المياه لريّها

٧ ـ تربة شهبا كلسية : تتكون في المناطق القليلة الأمطار والنبات ، تظهر بيضاء اللون لإحتوائها على نسبة كبيرة من كربونات الكالسيوم وهي جيدة الصّرْف(١٠)

وبعد هذا البيان ؛ تبين لنا أنّ إختلاف الأرض في طبقاتها وألوانها ، لا يمكن أنْ يكون كذلك خَبْطَ عَشْوَاء ، وإنما هي صنع حكيم ، كما قال تعالى :( وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ
بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
) [ الرعد / ٤ ] بُقَاعُ مختلفةَ مع كونها متجاورة متلاصقة : طَيِّبَةٌ إلى سَبِخَة ، وصلبة إلى رخوة ، وصالحة للزرع والشجر إلى أخرى على عكسها مع إنتظام جميعها في جنس الأرضية ، وكذلك الكُرُوم والزرع والنخيل النابتة في هذه القطع مختلفة

______________________

(١٠) ـ المصدر السابق / ٢٢٠

٢٥

الأجناس والأنواع :( يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ ) وتراها متغيرة الثمار في الأشكال والهيئات والطعوم والروائح متفاضلة فيها ، وفي ذلك دلالة على صنع القادر العالم

ومن غرائب وعجائب هذه الأرض ، ما أشارت إليه الآيات ، كما في قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ
إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ
) [ فاطر / ٢٧ ـ ٢٨ ]

تكليف وعبادة :

إقتضت سنة الله تعالى في خلق الإنسان وإسكانه الأرض ، وتزينه ما عليها له ليمتعه بذلك ويُميّز به أهل السعادة من غيرهم وإلى هذا أشارت الآيات القرآنية التي سنعقد البحثين الآتين من أجلها

١ ـ إبتلاء وإمتحان :

إنّ الأرض هي الغاية من حياة الإنسان فقط ، فقد خلق آدمعليه‌السلام للأرض للتمتع بخيراتها والبقاء فيها إلى وقت محدود ، وإنّها دار إبتلاء وإمتحان ، وإلى هذا أشارت الآية الشريفة :( وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ) [ البقرة / ٣٦ ] وأيضاً قوله تعالى :( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) [ الكهف / ٧ ]

إنّ النفوس البشرية خلقت للتصفية والتطهير ، بإسكانها الأرض لأجل معلوم ، بالبقاء للتعلق والإرتباط بينها وبين ما على الأرض من أمتعة الحياة : من مال وولد وجاه ، فكان ما على الأرض محبباً لقلوبهم وزينة للأرض وحلية

٢٦

تتحلى بها ؛ لكونها عليها ؛ فتعلقت نفوسهم بالأرض بسببه واطمأنت إليها فإذا إنقضى الأجل المحدود من قبل الله تعالى لتمكينهم في الأرض ؛ تحقق ما أراده من البلاء والإمتحان وسلب ما بينهم وبين ما على الأرض

٢ ـ تقديس وعبادة :

حظيت الأرض بالتقديس والتطهير ، لما عليها من مظاهر التطهير الإلهي كما في قوله تعالى :( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) [ الأحزاب / ٣٣ ] إذ هو ـالقدوس ـ أي الطاهر المُنَزّه عن العيوب والنقائص ؛ ولذا طَهّر بعض عباده من كل العيوب ، كما نَصّت الآية الخاصة بآل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقوله تعالى :( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ ) [ النحل / ١٠٢ ] يعني جبرئيل من حيث أنّه ينزل بالقدس من الله ؛ أي بما يطهر به نفوسنا من القرآن والحكمة والفيض الإلهي وقوله تعالى :( إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) [ طه / ١٢ ]

وتتجلى لنا قداسة الأرض في هذه الآية ؛ حيث أنّ( طُوًى ) ؛ إسم الوادي بطور ، وهو الذي سَمّاه الله بالوادي المقدس ، وهذه التسمية والتوصيف ؛ هي الدليل على أنّ أمره بخلع النعلين إنّما هو لإحترام الوادي أن لا يداس بالنعل ، ثم تفريع خلع النعلين مع ذلك على قوله :( إِنِّي أَنَا رَبُّكَ ) يدل على أنّ تقديس الوادي إنّما هو لكونه حظيرة القدس وموطن الحضور والمناجاة ، وعلى هذا النحو يقدس ما يقدس من الأمكنة والأزمنة كالكعبة المشرَّفة ، والمسجد الحرام ، والمشاهد المحترمة في الإسلام ، وكذلك تربة الحسينعليه‌السلام كما سيأتي البحث فيها

ومن مظاهر التقديس في الأرض ، جعل فيها البيت الحرام ـالكعبة ـ وما في ذلك الجعل من مظاهر العبادة والتطهير ، والى هذا أشارت الآية

٢٧

الشريفة :( جَعَلَ اللَّـهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ ) [ المائدة / ٩٧ ] ومعنى القيام في الآية ـ كما هو المستفاد من كلمات المفسرين ـ أنّ الله جعلها لَتقوِّم الناس من خلال التوجه إليها في متعبداتهم ومعاشهم ؛ أما متعبداتهم فالصلاة والطواف حولها ، والتوجه إليها في ذبائحهم وإحتضار موتاهم وغسلهم ودفنهم وأما معاشهم ؛ فأمنهم عندها من المخاوف وأذى الظالمين ، وتحصيل الرزق والاجتماع بجملة الخلق الذي هو أحد أسباب إنتظام معاشهم إلى غير ذلك من المنافع والفوائد ومن مظاهر التقديس والتطهير ، ما أشار إليه الحديث النبوي : ( تمسحوا بالأرض فإنها أمكم وهي بَرَّة بكم )(١١)

توضيح حديث ( تمسحوا بالأرض ) :

وللعلماء في تفسيره وجوه كالتالي :

السيد عبدالله شُبَّر :

وَجّهه بوجوه أهما مايلي :

١ ـ أن المراد بالتمسح التيمم بها عند الضرورة

٢ ـ أن يكون ذلك كناية عن الجلوس عليها ،وإستشهد له بما رواه الراوندي :( أنه أقبل رجلان إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فقال أحدهما لصاحبه : اجلس على اسم الله تبارك وتعالى والبركة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اجلس على إستك ، فأقبل يضرب الأرض بعصا ؛ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تضربها فإنها أمكم وهي بكم بَرَّةّ )

٣ ـ أن يكون المراد بذلك مباشرة ترابها بالجباه في السجود من غير حائل ، ويكون الأمر للإستحباب وقولهعليه‌السلام : «( فإنّها بكم بَرَّةّ ) أي مشفقة

______________________

(١١) ـ شبّر ، السيد عبدالله : مصابيح الأنوار ، ج ٢ / ١٨٥

٢٨

عليكم كالوالدة البرّة بأولادها يعني منها خلقكم وفيها معاشكم وإليها بعد الموت معادكم»(١٢)

الشريف الرضي :

« والمراد بقوله : ( فإنّها بكم برّة ) يرجع إلى أنّها كالأم للبرية ؛ لأنّ خلقهم ومعاشهم عليها ورجوعهم إليها فلما كانت الأرض تسمى أُمّاً لنا من الوجوه التي ذكرناها ؛ كان قوله عليه الصلاة والسلام :( فإنّها لكم برّة ) يرجع إلى وصفها بالأمومة ؛ لأنّهم يقولون : الأرض ولود ، يريدون كثرة إنشاء الخلق وإستيلادهم عليها

ولقوله عليه الصلاة والسلام ( تمسحوا بالأرض ) وجهان :

أحدهما : أن يكون المراد التيمم منها في حالة الطهارة وحالة الجنابة

ثانيهما : أن يكون المراد مباشرة ترابها بالجباه في حال السجود عليها وتعَفّر الوجوه فيها ، ويكون هذا القول أمر تأديب ، لا أمر وجوب ؛ لأنّ من سجد على جلدة الأرض ومن سجد على حائل بينها وبين الوجه واحد في أجزاء الصلاة ، إلا أنّ مباشرتها بالسجود أفضل ، وقد روي أنّ النبي عليه الصلاة والسلام كان يسجد على الخمرة ، وهي الحصير الصغير يعمل من سعف النخل ، فبان أنّ المراد بذلك فعل الأفضل لا فعل الأوجب »(١٣)

أقول : الوجوه التي ذكرت يمكن تلخيصها بما ورد عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام : أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : (إنّ الأرض بكم بَرَّة ، تتيممون منها وتصلون

______________________

(١٢) ـ المصدر السابق

(١٣) ـ الشريف الرضي ، محمد بن أبي أحمد الحسين : المجازات النبوية / ١٨٢ ـ ١٨٣

٢٩

عليها في الحياة ، وهي لكم كفات في الممات ، وذلك من نعمة الله له الحمد ، فأفضل ما يسجد عليه المصلي الأرض النقية ) (١٤)

ـ تكريم إلهي :

كرّم الله تعالى الإنسان بأفضل أنواع النعم ، التي من أهمها ما شُرِّع له من الأحكام عند موته من تغسيل وتكفين وتحنيط وصلاة ومواراة وهذه المراسيم لم تكن لغيره من الخلق ، ويتجلى لنا هذا التكريم فيما يأتي :

١ ـ إنّ جثة ميت الإنسان لا تبقى على وجه الأرض ، كما تبقى جثة ميت الحيوان مثلاً ، بذلك المنظر الذي يوحي إلى عدم تكريم تلك الجثة ، علاوة على بشاعة المنظر

٢ ـ لو بقيت جثة الإنسان بدون مواراة ؛ لتفسخت وظهرت الروائح الكريهة ، وانتشرت الأوبئة الضارة التي تؤدي إلى هلاك الكائنات الحية التي على وجه الأرض ، ولكن التكريم الإلهي للإنسان ، حَثّ على المسارعة بالقيام بهذه المراسيم ، حِفاظاً على كرامته ميتاً ، وحفاظاً على الأحياء من تفشي الأوبئة المضرِّة بهم

٣ ـ إنّ عملية التغسيل فيها من الأسرار الطبية ؛ إذ ثبت علمياً ما نَصّه : « أما الجسد الميت فهو سريع التحلل والتفسخ ، خصوصاً في أيام الصيف ، ويصبح عرضةً لهجوم المكروبات بعد ساعات من الموت ، ومَسّ هذا الجسد من قبل الأحياء قد يؤدي إلى الإصابة بالكثير من الأمراض لاسِيما إذا كانت الوفاة حدثت نتيجة الإصابة بإحدى الأمراض المعدية »(١٥)

______________________

(١٤) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ج ٨٢ / ١٥٦

(١٥) ـ علي ، الدكتور صادق عبد الرضا : القرآن والطب الحديث / ٢٢٩ ـ ٢٣٠

٣٠

ولذا حَثّ الإسلام على المسارعة بتغسيل الميت ، والقيام بهذه الأغسال الثلاثة ، بماء السدر ، والكافور ، والقراح ، فمادة الكافور وأوراق السدر مع الماء مطهرة ومعقمة لبدن الميت من هذه الجراثيم والميكروبات المضرة ، وهذا ما نستفيده من أجوبة بعض الفقهاء

س / ما الحكمة والمصلحة في وجوب غسل مس الميت إذا وضع شخص يده على بدن ميت قبل تغسيله ؟

ج / حكم ومصالح أوامر الله كثيرة ، ومن الممكن أن تكون إحدى حكم غسل مس الميت أن في بدن الميت سموماً تسري إلى الأحياء بالمسّ وترتفع بالغسل(١٦)

س / لأي سبب يُغسَّل الميت بالسدر والكافور ، وما هي عِلّتُه وحِكْمَتهُ ؟

ج / لأمر الرسول ( صلی الله عليه وآله ) المطابق للأخبار الصادرة عن الأئمة ( عليهم السلام ) ، وحكمة ذلك المضارة لعفونة الميت والسموم التي تخرج من بدنه حال الموت(١٧)

ويقول الدكتور حَسّان شمسي باشا : « ويعرف الكافور بأنه يمنع العِثّ ، وبعض الحشرات الأخرى ، كَدِيدَان الخشب ، وقد صُنِعَتْ خزائن من خشب الكافور ظلت أثراً على مر العصور »(١٨) ؛ ولذا إقتضت حكمت التشريع الإلهي المحافظة على هذا الإنسان من بداية دخوله هذه الحياة ؛ إذ من المستحبات غسل الوليد وقد ثبت علمياً ما نَصّه : وقد ثبت اليوم علمياً ، أنّ الدم سريع التفسخ

______________________

(١٦) ـ الكلبيكاني ، السيد محمد رضا : مجمع المسائل ، ج ١ / ١٠٧

(١٧) ـ نفس المصدر ، ج ١ / ١١٣

(١٨) ـ باشا ، الدكتور حسّان شمسي : قبسات من الطب النبوي / ٩٢

٣١

والتلوث ، فبقائه على جسم الإنسان يجهله عِرْضَة للإصابة بالأمراض ، إضافة إلى رائحة غير مقبولة ؛ لهذا إشترط الإسلام الغسل على الحائض والنفساء ـالمرأة التي ولدت حديثاً ـ والطفل المولود »(١٩)

وبعد بيان ما تقدم ، تبين لنا مدى التكريم الإلهي للإنسان ، ومدى المحافظة عليه في بدايته ونهايته ، وإلى هذا يشير الشاعر بقوله :

نغسله عند الولادة مثلما

نغسله عند الوفاة جوارحاً

ليستقبل الداربن بالطهر والتقى

فيصبح في كلٍ على الكلِ راجحاً

وما بين ذي الطُهْرِ من دَنَسِ الخطا

يُطهره الباري ويحسب صالحاً(٢٠)

ـ الأرض بداية ونهاية :

تَنصّ الآيات القرآنية ، على أنّ الأرض بداية الإنسان ونهايته على الإجمال والتفصيل كما في الآيات الآتية وهي :

قوله تعالى :( مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ ) [ طه / ٥٥ ]

وقوله تعالى :( أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ) [ المرسلات / ٢٥ ـ ٢٦ ]

الكِفْتُ : الجمع والضم والوعاء وعلى هذه المعاني ، أنّ الأرض تجمع الأحياء على ظهرها ، وهي وعاء يضم الأموات في باطنها وقد تقدم السِّر في كوننا على ظهرها ، ويبدوا لنا السر في كوننا في باطنها فيما يأتي :

______________________

(١٩) ـ علي ، الدكتور صادق عبدالرضا : القرآن والطب الحديث / ٢٢٩

(٢٠) ـ البحراني ، السيد محمد صالح الموسوي : النمارق الفاخرة إلى طرائق الآخرة ، ج ٢ / ١٢٩

٣٢

يقول الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ( طاب ثراه ) : « أوجبت الشرائع السماوية(٢١) ـوبالأخص شريعة الإسلام ـ دفن الأموات فيها ، ولا يجوز دفن الميت في غيرها ، وأن يوضع خده على الأرض ، ولا يجوز حتى إلقائه في البحر مع التمكن من دفنه بالأرض ، بل ولا إحراقه بالنار ، مع أن المتبادر بادئ النظر ، أنه أبلغ في قمع جراثيم الأموات المضرة بالأحياء كما يصنعه البراهمة الذين يحرقون أمواتهم ، ولكن أليس من الجائز القريب أن يكون جثمان الإنسان يحمل ، أو تُحمل فيه عن مفارقته الحياة مواد من ناشرات الأوبئة التي لو أحست بحرارة تطايرت في الفضاء قبل أن تحترق ، فتأخذ مفعولها في نشر الأمراض وتلويت الهواء ، وكذا لو ألقيت في البحر أو الأنهار تنمو وتشتد بخلاف ما لو دفنت في التراب ، ولعل فيها مواد من خَاصِّيتها تلف تلك الجراثيم مختلفة الأنواع ، التي لو انتشرت لأهلكت كل حيّ حتى النبات »(٢٢)

وقد أيَّد العلم الحديث هذه النظرية ؛ إذ ذكرت إحدى الكتب العلمية ما يأتي :

« وللبرهنة على أن التراب قاتل الميكروبات لك مثال واحد : إننا نعلم عند موت الإنسان تتفسخ جثته ، ولا بد أن تتحول إلى جراثيم فَتّاكة للغاية ، فكيف إذا لم يكن العالم بأسره مُلَوّثاً بهذه الجراثيم ، فكيف إذن تموت ؟ فلا توجد إلا طريقة واحدة ، هي قتل التراب للميكروبات وبَرهن العالم وكسمان ، والدكتور إلبرت : أن التراب جراثيم نافعة يمكن إستخراجها ومعالجة

______________________

(٢١) ـ وبداية هذا التشريع يرجع إلى ما أشارت إليه الآية المباركة :( فَبَعَثَ اللَّـهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ
يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَىٰ أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ
) المائدة / ٣١

(٢٢) ـ كاشف الغطاء ، الشيخ محمد حسين : الأرض والتربة الحسينية / ٢١

٣٣

الأمراض السارية بها وفعلاً إستخرج دواء من التراب باسم ( استربتوماسين ) ، الذي يعالج به السل والتايفوئيد والجراحات المزمنة والإسهال القوي وذات الرئة والتهاب الحلق »(٢٣)

وبعد بيان ما تقدم من الأبحاث ، إتضح لنا أن هذه الأرض المباركة ذات الآيات الباهرة ، التي هي من أعظم آيات الله التي نَمرُّ عليها ليلاً ونهاراً ونحن عنها معرضون ، كما أشارت الآية الكريمة :( وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ) [ يوسف / ١٠٥ ]

ويكفيها عظمةً وقداسة أنها بمثابة الأم الحنون لما عليها من الكائنات الحية التي خلقت منها ، وإنها محل الإبتلاء والإختبار للعباد نعم شُرِّعت العبادة عليها ، ومن أعظم العبادات الصلاة ، ومن أعظم أركان الصلاة قرباً لله السجود عليها ، إذن عظمت الأرض تستدعي السجود عليها

______________________

(٢٣) ـ الدهان ، سعيد ناصر : القرآن والعلوم / ١٦٧ ـ ١٦٨

٣٤

٣٥
٣٦

الفصل الأول ـ السجود في اللغة :

س / ما هو السجود لغةً ؟

ج / تناولت كتب اللغة لفظة السجود بما يأتي :

في المصباح المنير ، ج ١ / ٣٦٦ للفيومي : « سَجَد ( سجوداً ) تَطَامن وكل شئ ذَلّ فقد سجد وسجد البعير ؛ خفض رأسه عند ركوبه »

وفي منجد اللغة / ٣٢١ ، « سجد ـ سجوداً : إنحنى خاضعاً ـ وضع جبهته على الأرض متعبداً ، فهو ساجد (ج) سُجَّد وسجود يقال هو ساجد النخر ؛ أي ذليل خاضع ، ونخلة ساجدة أي مائلة »

وفي مجمع البحرين ج ٣ / ٦٣ للشيخ فخر الدين الطريحي : « وهو في اللغة : الميل ، والخضوع ، والتطامن ، والإذلال » والذي يبدو ، أن هذه المعاني متقاربة ، وهي خلاصة ما ذكره اللغويون حول هذه اللفظة ؛ ولذا نلاحظ أن الطريحي أجاد في تعريف « اللفظة » بما ذكره من المعاني الأربعة ، بهذه الصياغة المختصرة

الفصل الثاني ـ السجود في الإصطلاح :

س / ما هو السجود إصطلاحاً ؟

ج / وردت عدة تعاريف للفظة ( السجود ) في الإصطلاح ، لكن الأفضل منها ما يأتي :

١ ـ « وَضْعُ الجبهة على الأرض خضوعاً لله تعالى »(٢٤)

٢ ـ « وخُصّ السجود في الشريعة بالركن المعروف من الصلاة ، وما يجري مجرى ذلك من سجود القرآن وسجود الشكر »(٢٥)

______________________

(٢٤) ـ السبزواري ، السيد عبد الأعلى : مواهب الرحمان في تفسير القرآ ن ، ج ١ / ١٦٦

(٢٥) ـ الراغب الإصفهاني ، ابي القاسم ، الحسين بن محمد : المفردات في غريب القرآن / ٢٢٤

٣٧

الفصل الثالث ـ السجود في القرآن :

١ ـ معني السجود :

س / ما هو السجود في القرآن ؟

ج / يُفْهَم من الآيات القرآنية ، أن للسجود عدة معانٍ أهمها التالي :

الخشوع والخضوع :

الخشوع : هو الخضوع أي التطامن والتواضع وهو أمر عبادي يترتب على فِعْلِه الثواب ، وهو يشمل سجود الجن والإنس والملائكة فقط ، كما في الآيات الآتية : قوله تعالى :( فَاسْجُدُوا لِلَّـهِ وَاعْبُدُوا ) [ النجم / ٦٢ ] وقوله تعالى :( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ
اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ
) [ البقرة / ٣٤ ]

ذكر المحقق السيد الخوئي في تفسير الآية : « إن السجود حيث كان بأمر الله ؛ وهو في الحقيقة خضوع لله وسجود له »(٢٦) وقال تعالى :( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى
الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا
) [ يوسف / ١٠٠ ]

وذكر الشيخ أبو جعفر الطوسي في تفسير الآية : « قال القوم : إن الهاء في قوله ( له ) راجعة إلى الله فكأنه قال : فَخَرُّوا لله سُجَداً شكراً على ما أنعم به عليهم من الإجتماع »(٢٧) ويُعَضِّده ما روي عن الصادقعليه‌السلام ـ أنه قرأ : ( وخروا لله ساجدين )(٢٨) وقوله تعالى :( وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا ) [ البقرة / ٥٨ ]

______________________

(٢٦) ـ الخوئي ، السيد أبو القاسم : البيان في تفسير القرآن / ٤٧٤

(٢٧) ـ الطوسي ، شيخ الطائفة أبو جعفر ، محمد بن الحسن : التبيان في تفسير القرآن ، ج ٦ / ١٩٧

(٢٨) ـ الطبرسي ، الشيخ الفضل بن الحسن : جامع الجوامع في تفسير القرآن ، ج ١ / ٧٤٨

٣٨

وقال المحقق السيد السبزواري في تفسير الآية : « والسجود هنا بمعنى الخضوع والخشوع المناسب لمن يدخل الأرض المقدسة ، وهو تأديب إلهي في كيفية دخول بيت المقدس »(٢٩)

الإنقياد : وهو الخضوع ، ويُعَبَّر عنه بالسجود التسخيري ، وهو عام يشمل السجود العبادي المتقدم ، وسجود باقي المخلوقات كالحيوان والجماد ، وإليه أشارت الآيات التالية :

قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ
وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ
) [ الحج / ١٨ ]

س / كيف يُتَصَوّر سجود هذه المذكورات ؟ ولِمَ قال : ( وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ) مع أن قوله : ( مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ ) مغنٍ عنه ؟

ج / « سُميت مطاوعتها له تعالى فيما يحدث فيها من أفعاله ، ويجري عليها من تدبيراته إيّاها ، وتسخيره لها ، سجوداً له تشبيهاً لمطاوعتها بإدخال أفعال المكلف في باب الطاعة والإنقياد ، وهو السجود الذي كل خضوع دونه

أما قوله :( وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ) ؛ فمعناه : ويسجد له كثير من الناس سجود طاعة وعبادة ، وهم المؤمنون به والموحدون له ، ولا يصح أن يراد من السجود في صدر الآية ، السجود بهذا المعنى من الطاعة والعبادة ؛ لأن ذلك يصح في حق الملائكة والإنس والجن فقط ، وهذا لا يصح أن يراد في حق _

_____________________

(٢٩) ـ السبزواري ، السيد عبد الأعلى : مواهب الرحمن في تفسير القرآن ، ج ١ / ٢٥٢

٣٩

الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب »(٣٠) وقوله تعالى :( وَلِلَّـهِ
يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِن دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ
) [ النحل / ٤٩ ]

س / ـ ما ـ لما لا يعقل ، وما معنى سجود ما لا يعقل ، وكيف يصدر السجود من الموجودات التي لا تعقل ، وهي جمادات وحيوانات صامته ؟

ج / « هذا من باب الإستعارة والمراد كونها غير ممتنعة عليه وتحت تصرفه ، ولما كان سجود من يعقل هو الخضوع والخشوع له تعالى الذي هو ضرب من الانقياد وسجود ما لا يعقل كما عرفت ، ناسب أن يعبر عنها بالسجود وبعلاقة عدم الامتناع عليه »(٣١)

٢ ـ هيئة السجود وكيفيته :

س / على أي كيفيّة جاءت السجدة العبادية في القرآن ؟

ج / أشارت الآيات القرآنية إلى التالي :

قوله تعالى :( إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا ) [ السجدة / ١٥ ]

وقوله تعالى :( إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَـٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ) [ مريم / ٥٨ ]

وقوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا ) [ الإسراء / ١٠٧ ]

وقوله تعالى :( تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم
مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ
) [ الفتح / ٢٩ ]

______________________

(٣٠) ـ ياسين ، الشيخ خليل : أضواء على متشابهات القرآن ، ج ٢ / ٣٧

(٣١) ـ نفس المصدر ، ج ٢ / ٣٢٢ ـ ٣٢٣

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وإن لم تكن له قيمة لو قُطع ، أُجيب مَنْ يريد التبقية ؛ إذ لا فائدة لطالب القطع فيه(١) .

وإذا أبقوا الزرع بالاتّفاق أو بطلب بعضهم حيث لم تكن للمقطوع قيمة ، فالسقي وسائر الـمُؤن إن تطوّع بها الغرماء أو بعضهم أو أنفقوا عليها على قدر ديونهم ، فذاك.

وإن أنفق عليها بعضُهم ليرجع ، فلا بُدَّ من إذن الحاكم أو(٢) اتّفاق الغرماء والمفلس ، وإذا حصل الإذن ، قدّم المنفق بقدر النفقة ؛ لأنّه لإصلاح الزرع.

وكذا لو أنفقوا على قدر الديون ثمّ ظهر غريمٌ ، قدّم المنفقون في قدر النفقة عليه.

وهل يجوز الإنفاق عليه من مال المفلس؟ الوجه : الجواز ؛ لاشتماله على التنمية ، وهو أحد وجهي الشافعي.

والثاني : المنع ؛ لعدم اليقين بحصول الفائدة ، وإنّما هو موهوم(٣) .

النوع الثاني : الإجارة الواردة على الذمّة

مسألة ٣٤٥ : هذه الإجارة لا يكون حكمها حكم السَّلَم في وجوب قبض مال الإجارة في المجلس‌ كما يجب قبض رأس مال السَّلَم فيه ؛ للأصل الدالّ على عدم الوجوب ، السالم عن معارضة النصّ الوارد في السَّلَم ؛ لانفراد السَّلَم عن الإجارة ومغايرته لها ، فلا يجب اشتراكهما في‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٨.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « و» بدل « أو ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦ - ٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٨.

١٠١

الحكم ، وهو أحد قولي الشافعي.

والثاني : أنّهما متساويان في وجوب الإقباض في المجلس(١) .

فعلى الأوّل تكون كالإجارة الواردة على العين. وعلى الثاني لا أثر للإفلاس بعد التفرّق ؛ لصيرورة الأُجرة مقبوضةً قبل التفرّق.

تذنيب : لا يثبت خيار المجلس في الإجارة‌ ؛ لاختصاص النصّ بالبيع ، وعدم مشاركته للإجارة في الاسم ، والأصل عدم الخيار ، وهو أحد قولي الشافعي.

وفي الآخَر : يثبت الخيار. فإن أثبته ، كان فيه غنية عن هذا الخيار ، وإلّا فهي(٢) كما في إجارة العين(٣) .

القسم الثاني : في إفلاس المؤجر.

وفيه نوعان :

الأوّل : في إجارة العين.

فإذا آجر دابّةً من إنسان أو داراً ثمّ أفلس وحجر عليه الحاكم ، لم تنفسخ الإجارة ، ولم يكن للمستأجر ولا للغرماء فسخ الإجارة ؛ لأنّ ذلك عقد لازم عقده قبل الحجر ، والمنافع المستحقّة للمستأجر متعلّقة بعين ذلك المال ، فيقدّم بها كما تقدّم في حقّ المرتهن ، وكما لو أفلس بعد بيع شي‌ء معيّن ، فإنّ المشتري أحقّ بما اشتراه.

ثمّ الغرماء لهم الخيار بين الصبر حتى تنقضي مدّة الإجارة ثمّ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٨.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فهو » بدل « فهي ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٨.

١٠٢

يبيعونها ، وبين البيع في الحال ، فإن اختاروا الصبر إلى انقضاء مدّة الإجارة فإن انقضت المدّة والدار بحالها ، فلا بحث. وإن انهدمت الدار في أثناء المدّة ، انفسخت الإجارة.

وإن اختار المؤجر الفسخ فيما بقي من المدّة ، فإن كانت الأُجرة لم تُقبض منه ، سقطت عنه فيما بقي من المدّة ، وإن كانت قد قُبضت منه ، رجع على المفلس بحصّة ما بقي من المدّة.

وهل يضرب بذلك مع الغرماء؟ يُنظر فإن كان ذلك قبل قسمة ماله ، فهل يرجع على الغرماء؟ وجهان مبنيّان على أنّ وجود السبب كوجود المسبّب ، أو لا؟

فإن قلنا بالأوّل ، رجع عليهم بما يخصّه ؛ لأنّ سبب وجوبه وُجد قبل الحجر ، ولو كان الاعتبار بحال وجوبه ، لكان إذا وجب قبل القسمة أن لا يشارك به.

وإن قلنا بالثاني ، لم يرجع ؛ لأنّ دَيْنه تجدّد بعد الحجر ، فلم يحاصّ به الغرماء.

والأوّل أقوى.

فإن طلب الغرماء البيعَ في الحال ، أُجيبوا إليه ؛ لأنّه يجوز عندنا بيع الأعيان المستأجرة - وهو أحد قولي الشافعي - لأنّه عقد على منفعة ، فلا يمنع من بيع أصل العين ، كالنكاح.

والثاني : لا يصحّ البيع ؛ لأنّ يد المستأجر حائلة دون التسليم ، فأشبه المغصوب(١) .‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٨ - ٣٨٩.

١٠٣

فعلى قولنا تُباع في الحال ، ويكون المستأجر أحقَّ بالمنافع واليد مدّة إجارته.

ولو اختلف الغرماء في البيع والصبر ، أُجيب الذي يطلب البيع ؛ لأنّه يتعجّل حقّه به ، ولا مبالاة بما ينقص من ثمنه بسبب الإجارة ؛ إذ لا يجب على الغرماء الصبر إلى أن يزداد مال المفلس.

النوع الثاني : الإجارة الواردة على الذمّة.

مسألة ٣٤٦ : إذا التزم المفلس نَقْلَ متاع من بلدٍ إلى آخَر أو عملَ شغلٍ ثمّ أفلس‌ ، فإن كان مال الإجارة باقياً في يده ، فله فسخ الإجارة والرجوع إلى عين ماله. وإن كانت تالفةً ، فلا فسخ ، كما لا فسخ والحال هذه عند إفلاس الـمُسْلَم إليه على الأصحّ - وبه قال الشافعي(١) - ويضارب المستأجرُ الغرماءَ بقيمة المنفعة المستحقّة ، وهي أُجرة المثل ، كما يضارب الـمُسْلِم بقيمة الـمُسْلَم فيه.

إذا عرفت هذا ، فإنّ هذا النوع من الإجارة ليس سَلَماً ، وهو أحد قولي الشافعي.

وفي الثاني : يكون سَلَماً.

فعلى قوله هذا ما يخصّه بالمضاربة من مال المفلس لا يجوز تسليمه إليه ؛ لامتناع الاعتياض عن الـمُسْلَم فيه ، بل يُنظر فإن كانت المنفعة المستحقّة قابلةً للتبعيض - كما لو استأجره لحمل مائة رطل - فينقل بالحصّة بعضها.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٩.

١٠٤

وإن لم يقبل التبعيض - كما إذا كان الملتزَم قصارةَ ثوبٍ ، أو رياضة دابّة ، أو(١) حمل المستأجر إلى بلدٍ ، ولو نقل إلى بعض الطريق ضاع - فوجهان للشافعي(٢) .

قال الجويني : للمستأجر الفسخ بهذا السبب ، والمضاربة بالأُجرة المبذولة(٣) .

وعلى ما اخترناه نحن يسقط عنّا هذا ، ويقبض الحصّة بعينها ؛ لجواز الاعتياض.

ويلزم على قوله إبطال مذهبه من منع جواز الاعتياض في السَّلَم فيما صوّرناه.

هذا إذا لم يسلّم المؤجر عيناً إلى المستأجر يستوفي المنفعة الملتزمة منها ، أمّا إذا التزم النقل إلى البلد في ذمّته ثمّ سلّمه دابّةً لينقل بها ، ثمّ أفلس ، فإن قلنا : إنّ الدابّة المسلّمة تتعيّن بالتعيين ، فلا فسخ ، ويقدّم المستأجر بمنفعتها ، كما لو كانت الدابّة معيّنةً في عقد الإجارة. وإن قلنا : لا تتعيّن ، فكما لو لم يسلّم الدابّة ، فيفسخ المستأجر ، ويضارب بمال الإجارة.

تذنيبان :

أ - لو استقرض مالاً ثمّ أفلس وهو باقٍ في يده ، فللمُقرض الرجوعُ إلى عين ماله‌ ، كالبائع في عين السلعة وإن ملكها المفلس بالشراء - وهو قول الشافعي(٤) أيضاً - سواء قلنا : إنّ القرض يُملك بالقبض أو بالتصرّف.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « و» بدل « أو ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٩.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٩.

١٠٥

أمّا إذا كان لا يُملك بالقبض : فلأنّه يقدر على الرجوع من غير إفلاس ولا حجر ، فمعهما أولى.

وأمّا إذا كان(١) يُملك بالقبض : فلأنّه مملوك ببدلٍ تعذّر تحصيله ، فأشبه البيع.

ب - لو باع شيئاً واستوفى ثمنه وامتنع من تسليم المبيع أو هرب ، لم يكن للمشتري الفسخ‌ ؛ لأنّ حقّه تعلّق بالعين ، ولا نقصان في نفس المبيع ، فإن تعذّر قبضه ، تخيّر حينئذٍ.

وللشافعيّة وجهان(٢) .

النظر الثالث : في المعوّض.

مسألة ٣٤٧ : يُشترط في المعوّض - وهو المبيع مثلاً - ليرجع إليه مع إفلاس المشتري شيئان‌: بقاؤه في ملك المفلس ، وعدم التغيّر(٣) .

فلو هلك المبيع ، لم يكن للبائع الرجوع ؛ لقولهعليه‌السلام : « فصاحب المتاع أحقّ بالمتاع إذا وجده بعينه »(٤) فقد جعلعليه‌السلام وجدانَ المتاع شرطاً في أحقّيّة الأخذ.

ولا فرق بين أن يكون الهلاك بآفة سماويّة ، أو بجناية جانٍ ، أو بفعل المشتري ، ولا بين أن تكون قيمته مثل الثمن أو أكثر.

وليس له إلّا مضاربة الغرماء بالثمن ؛ عملاً بالأصل ، واختصاص‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « كانت » بدل « كان ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٩.

(٣) يأتي الشرط الثاني - وهو عدم التغيّر - في ص ١٠٨ ، المسألة ٣٥٠.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٩٠ / ٢٣٦٠ ، سنن الدارقطني ٣ : ٢٩ / ١٠٦ و ١٠٧ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٥١.

١٠٦

المخالف له بالوجدان ، وهو أحد قولي الشافعي.

والثاني : أنّه إذا زادت القيمة ، ضارب بها دون الثمن ، واستفاد بها زيادة حصّته(١) .

مسألة ٣٤٨ : لو خرجت العين عن ملك المشتري ببيعٍ أو هبة أو عتق أو وقف ، فهو كما لو هلكت.

وليس له فسخ هذه التصرّفات ، بخلاف الشفيع ، فإنّ له ردّ ذلك كلّه ؛ لأنّ حقّ الشفعة كان ثابتاً حين تصرّف المشتري ، لأنّ الشفعة تثبت بنفس البيع ، وهنا حقّ الرجوع لم يكن ثابتاً حين التصرّف ؛ لأنّه إنّما يثبت بالإفلاس والحجر.

وكذا لا رجوع للبائع لو كاتب المشتري العبد المبيع أو استولد الجارية المبيعة. أما لو دبّر ، فإنّ له الرجوع.

ولو نذر عتقه مطلقاً أو نذره عند شرطٍ ، فكذلك لا يرجع إلّا أن يبطل ذلك الشرط ويعلم بطلان النذر.

ولو علّق العتق بصفة ، لم يصح عندنا. وعند الشافعي يصحّ ، وله الرجوع(٢) .

ولو آجر العين ، فلا رجوع له في المنافع ، بل في العين عندنا ؛ لأنّه يجوز بيع المستأجر ، وهو أحد قولي الشافعيّة إن جوّزوا بيع المستأجر ، وإن منعوه ، لم يكن له الرجوعُ في العين ، فإذا جوّزنا له الرجوع ، فإن شاء أخذه مسلوب المنفعة لحقّ المستأجر ، وإلّا ضارب بالثمن(٣) .

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٠ - ٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٠.

١٠٧

مسألة ٣٤٩ : لو رهن المشتري العين ، لم يكن للبائع الرجوع ؛ لتقدّم حقّ المرتهن.

وكذا لو جنى العبد المبيع ، فالمجنيّ عليه أحقّ ببيعه.

فإن قضي حقّ المرتهن أو المجنيّ عليه ببيع بعضه ، فالبائع واجد لباقي المبيع ، وسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى.

وإن انفكّ الرهن أو برىء عن الجناية ، فله الرجوع.

ولو زوّج الجاريةَ ، لم يمنع البائع من الرجوع فيها. أمّا لو باع صيداً ثمّ أحرم وأفلس المشتري ، لم يكن للبائع الرجوعُ في العين ؛ لأنّ تملّكه للصيد حرام.

ولو نقل العين ببيعٍ وشبهه ثمّ حُجر عليه بعد ذلك ثمّ عادت العين ، فالوجه عندي : أنّه لا يرجع البائع فيها ؛ لأنّ ملك المشتري فيها الآن متلقّى من غير البائع ، ولأنّه قد تخلّلت حالة لو صادفها الإفلاس والحَجْر لما رجع ، فيُستصحب حكمها ، وهو أحد قولي الشافعي.

والثاني : أنّه إن عاد إليه بغير عوضٍ - كالهبة والإرث والوصيّة له - ففي الرجوع وجهان :

أحدهما : أنّه يرجع ؛ لأنّه وجد متاعه بعينه.

والثاني : لا يرجع ؛ لأنّ الملك قد تلقّاه من غير البائع(١) .

وهذان الوجهان مبنيّان عندهم على ما إذا قال لعبده : إذا جاء رأس الشهر فأنت حُرٌّ ، ثمّ باعه واشتراه وجاء رأس الشهر ، هل يُعتق؟(٢)

وإن عاد الملك إليه بعوضٍ كما لو اشتراه [ نُظر ](٣) إن وفّر الثمن على‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤١.

(٣) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

١٠٨

البائع الثاني ، فكما لو عاد بلا عوض ، فإن لم يوفّر وقلنا بثبوت الرجوع للبائع لو عاد بلا عوض ، فالأوّل أولى بالرجوع ؛ لسبق حقّه ، أو الثاني ؛ لقرب حقّه ، أو يستويان ويضارب كلّ واحدٍ منهما بنصف الثمن؟ فيه ثلاثة أوجُه.

تذنيب : لو كاتب العبد كتابةً مطلقة ، لم يكن للبائع الرجوعُ في العين‌ ؛ لأنّه كالعتق في زوال سلطنة السيّد عنه.

وإن كانت مشروطةً ، فإن كانت باقيةً ، لم يكن له الرجوع أيضاً ؛ لأنّها عقد لازم.

وإن عجز المكاتَب عن الأداء ، فللمفلس الصبر عليه ؛ لأنّه كالخيار.

ويُحتمل عدمه.

فإن ردّه في الرقّ ، فهل للبائع الرجوع فيه؟ الأقرب : ذلك ؛ لأنّه ليس بملك يتجدّد ، بل هو إزالة مانع.

وللشافعي طريقان :

أحدهما : أنّ رجوعه إلى الرقّ كانفكاك الرهن.

والثاني : أنّه يعود الملك بعد زواله لمشابهة الكتابة زوالَ الملك ، وإفادتها استقلالَ المكاتَب ، والتحاقه بالأحرار(١) .

مسألة ٣٥٠ : قد بيّنّا أنّه يشترط للرجوع في العين في المعوّض أمران : بقاء الملك ، وقد سلف(٢) ، وبقي الشرط الثاني ، وهو : عدم التغيّر.

فنقول : البائع إن وجد العين بحالها لم تتغيّر لا بالزيادة ولا بالنقصان ، فإنّ للبائع الرجوعَ لا محالة. وإن تغيّر(٣) ، فإمّا أن يكون بالنقصان أو‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩١.

(٢) في ص ١٠٥ ، المسألة ٣٤٧.

(٣) تذكير الفعل باعتبار المبيع.

١٠٩

بالزيادة.

القسم الأوّل : أن يكون التغيّر بالنقصان ، وهو قسمان :

الأوّل : نقصان ما لا يتقسّط عليه الثمن ، ولا يُفرد بالعقد ، وهو المراد بالعيب ونقصان الصفة ، كتلف بعض أطراف العبد.

والثاني : نقصان بعض المبيع ممّا يتقسّط عليه الثمن ، ويصحّ إفراده بالعقد.

ونحن نذكر حكم هذه الأقسام بعون الله تعالى ، ثمّ نتبع ذلك بقسم الزيادة.

[ القسم ] الأوّل : نقصان الصفة.

مسألة ٣٥١ : إذا نقصت العين بالتعيّب ، فإن حصل بآفة سماويّة ، تخيّر البائع‌ بين الرجوع في العين ناقصةً بغير شي‌ء ، وبين أن يضارب بالثمن مع الغرماء ، كما لو تعيّب المبيع في يد البائع ، يتخيّر المشتري بين أخذه معيباً بجميع الثمن - عند بعض(١) أصحابنا - وبين الفسخ والرجوع بالثمن.

وعلى ما اخترناه نحن - من أنّ المشتري يرجع بالأرش - لا يتأتّى هذا ، وإنّما لم يكن للبائع هنا الرجوع بالأرش ، وكان للمشتري في صورة البيع الرجوع به ؛ لأنّ المبيع مضمون في يد البائع ، وكما يضمن جملته يضمن أجزاءه ، سواء كانت صفاتاً أو غيرها ؛ لأنّ الثمن في مقابلة الجميع ، وأمّا هنا فإنّ البائع لا حقّ له في العين إلاّ بالفسخ المتجدّد بعد العيب ، وإنّما حقّه قبل الفسخ في الثمن ، فلم تكن العين مضمونةً له ، فلم يكن له الرجوع بأرش المتجدّد ، بل يقال له : إمّا أن تأخذ العين مجّاناً ، أو تضارب‌

____________________

(١) الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ١٠٩ ، المسألة ١٧٨.

١١٠

بالثمن ، وهو أحد قولي الشافعي(١) .

وله قولٌ آخَر : إنّه يأخذ المعيب ويضارب مع الغرماء بما نقص ، كما يأتي(٢) في الضرب الثاني(٣) . وهو غريب عندهم(٤) .

إذا عرفت هذا ، فقد وافقنا مالك والشافعي على أنّ للبائع الرجوعَ وإن كانت معيبةً(٥) .

وقال أحمد : إذا تلف جزء من العين - كتغيّر أطراف العبد ، أو ذهاب عينه ، أو تلف بعض الثوب ، أو انهدم بعض الدار ، أو اشترى نخلاً مثمراً فتلف الثمرة ، ونحو هذا - لم يكن للبائع الرجوعُ ؛ لأنّه لم يدرك متاعه بعينه(٦) .

وهو غلط.

أمّا أوّلاً : فلأنّ العين باقية وإن تلف بعض صفاتها.

وأمّا ثانياً : فلأنّه إذا ثبت له الرجوع في جميع العين بالثمن ، فإثبات الرجوع له في بعضها بالثمن أولى ، كما لو قال : أنا أرجع في نصف العين بجميع الثمن ، فإنّه يجاب إليه قطعاً ، كذا هنا.

مسألة ٣٥٢ : إذا تعيّبت العين بجناية جانٍ ، فإمّا أن يكون الجاني أجنبيّاً أو البائعَ أو المشتري.

فإن كان أجنبيّاً ، فعليه الأرش ، وللبائع أن يأخذه معيباً ، ويضاربُ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩١.

(٢) في ص ١١٢ ، المسألة ٣٥٤.

(٣) وهو نقصان ما يتقسّط عليه الثمن.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٢ ، وفي روضة الطالبين ٣ : ٣٩١ ؛ « شاذّ ضعيف ».

(٥) المغني ٤ : ٤٩٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١١.

(٦) المغني ٤ : ٤٩٨ - ٤٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١١ - ٥١٢.

١١١

الغرماءَ بمثل(١) نسبة ما انتقص من القيمة من الثمن ؛ لأنّ المشتري أخذ بدلاً للنقصان وكان مستحقّاً للبائع ، فلا يجوز تضييعه عليه ، بخلاف التعيّب بالآفة السماويّة حيث لم يكن لها عوض.

وإنّما اعتبرنا في حقّه نقصان القيمة دون التقدير الشرعي ؛ لأنّ التقدير إنّما أثبته الشرع في الجنايات ، والأعواض يتقسّط بعضها على بعضٍ باعتبار القيمة.

ولو اعتبرنا في حقّه المقدّر ، لزمنا أن نقول : إذا قطع الجاني يديه(٢) أن يأخذه البائع وقيمته ، وهذا محال ، بل يُنظر فيما انتقص من قيمته بقطع اليدين ، ونقول : يضارب البائعُ الغرماء بمثل نسبته من الثمن. ولو قطع إحدى يديه وغرم نصف القيمة وكان الناقص في السوق ثُلث القيمة ، ضارَب البائعُ بثلث الثمن وأخذه ، وعلى هذا القياس.

مسألة ٣٥٣ : لو كان الجاني على العين البائعَ ، فهو كجناية الأجنبيّ‌ ؛ لأنّ جنايته على ما ليس بمملوك له ولا هو في ضمانه.

وإن كان الجاني المشتري ، احتُمل أن تكون جنايته كجناية الأجنبيّ أيضاً ؛ لأنّ إتلاف المشتري قبض(٣) واستيفاء منه على ما مرّ(٤) في موضعه ، وكأنّه صرف جزءً من المبيع إلى غرضه. وأن تكون جنايته كجناية البائع على المبيع قبل القبض ؛ لأنّ المفلس والمبيع في يده كالبائع في المبيع قبل القبض من حيث إنّه مأخوذ منه غير مقرَّر في يده.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « مثل ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « قطع يدي الجاني ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « نقص » بدل « قبض ». والمثبت هو الظاهر.

(٤) في ج ١٠ ، ص ١١٤ ، المسألة ٦٤ من كتاب البيع.

١١٢

وللشافعي قولان :

أحدهما : أنّها(١) كجناية الأجنبيّ.

وأصحّهما عنده : أنّها كالآفة السماويّة(٢) .

ولا يقال : إنّ حقَّ تشبيه جناية المشتري هنا بجناية البائع قبل القبض كتشبيه(٣) جناية البائع هناك حتى يقال : كأنّه استرجع بعض المبيع ؛ إذ ليس له الفسخ والاسترجاع إلّا بعد حَجْر الحاكم عليه ، وليس(٤) قبل الحَجْر حقٌّ ولا مِلْكٌ.

تذنيب : لو باع المفلس قبل الحجر بعضَ العين‌ أو وهبه أو وقفه ، فهو بمنزلة تلفه.

القسم الثاني : نقصان العين.

مسألة ٣٥٤ : إذا نقص المبيع نقصاً يتقسّط الثمن عليه ، ويصحّ إفراده بالعقد‌ - كما لو اشترى عبدين صفقةً أو ثوبين كذلك فتلف أحدهما في يد المشتري ثمّ أفلس وحُجر عليه - فللبائع أن يأخذ الباقي بحصّته من الثمن ، ويُضارب مع الغرماء بحصّة التالف ، وله أن يضارب بجميع الثمن - وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٥) - لأنّه عين ماله وجدها البائع ، فله‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أنّه ». والمثبت هو الصحيح.

(٢) الوسيط ٤ : ٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٢.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « تشبيه ».

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فليس » بدل « وليس ». والظاهر ما أثبتناه.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٨٨ ، الوسيط ٤ : ٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٢ ، المغني ٤ : ٤٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٢.

١١٣

أخذها ؛ لقولهعليه‌السلام : « مَنْ أدرك متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس فهو أحقّ به »(١) .

ولأنّه مبيع وجده بعينه ، فكان للبائع الرجوعُ فيه ، كما لو وجد جميع المبيع.

وفي الرواية الأُخرى لأحمد : ليس له الرجوع ؛ لأنّه لم يجد المبيع بعينه ، أشبه ما لو كان عيناً واحدة وقد تعيّبت. ولأنّ بعض المبيع تالف ، فلم يملك الرجوع فيه ، كما لو قُطعت يد العبد(٢) .

والحكم في الأصل ممنوع ، وقد سبق ، وهذا كما لو بقي جميع المبيع وأراد البائع فسخ البيع في بعضه ، مُكّن منه ؛ لأنّه أنفع للغرماء من الفسخ في الكلّ ، فهو كما لو رجع الواهب في نصف ما وهب.

مسألة ٣٥٥ : إذا اختار فسخ البيع في الباقي وأخذه ، ضرب بقسط التالف من الثمن‌ ، ولا يجب عليه فسخ البيع وأخذ الباقي بجميع الثمن ؛ لأنّ الثمن يتقسّط على المبيع ، فكأنّه في الحقيقة بيعان بثمنين ، وهو أصحّ قولي الشافعي.

والثاني : أنّه يأخذ الباقي بجميع الثمن ، ولا يضارب بشي‌ء ، وطرّدوا هذا القول في كلّ مسألة تضاهي هذه المسألة حتى لو باع سيفاً وشقصاً بمائة ، يأخذ الشقص بجميع المائة على قولٍ(٣) . وهو بعيد.

هذا إذا تلف أحد العبدين ولم يقبض من الثمن شيئاً.

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ١٥٥ - ١٥٦ ، صحيح مسلم ٣ : ١١٩٣ / ١٥٥٩ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٦٢ ، المغني ٤ : ٤٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٢.

(٢) المغني ٤ : ٤٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٢.

١١٤

ولو باع عبدين متساويي القيمة بمائة وقبض خمسين وتلف أحدهما في يد المشتري ثمّ أفلس ، فإنّه يرجع في الباقي من العبدين ؛ لأنّ الإفلاس سبب يعود به جميع العين ، فجاز أن يعود بعضه(١) ، كالفرقة في النكاح قبل الدخول يردّ(٢) بها جميع الصداق إلى الزوج تارة وبعضه أُخرى.

ولاندراج صورة النزاع فيما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « إذا أفلس الرجل ووجد البائع سلعته بعينها فهو أحقّ بها من الغرماء »(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول أبي الحسنعليه‌السلام وقد سُئل عن رجل يركبه الدَّيْن فيوجد متاع رجل عنده بعينه ، قال : « لا يحاصّه الغرماء »(٤) .

وهو الجديد للشافعي.

وقال في القديم : ليس له الرجوعُ إلى العين ، بل يُضارب بباقي الثمن مع الغرماء ؛ لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أيّما رجل باع متاعاً فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض البائع من ثمنه شيئاً فوجده بعينه فهو أحقّ به ، وإن كان قد اقتضى(٥) من ثمنه شيئاً فهو أُسوة الغرماء »(٦) (٧) .

وهذا الحديث مرسل.

____________________

(١) الظاهر : « بعضها ».

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يريد » بدل « يردّ ». والمثبت هو الصحيح.

(٣) سنن الدارقطني ٣ : ٣٠ / ١١٢ ، و ٤ : ٢٢٩ / ٩٠ ، سنن البيهقي ٦ : ٤٦ ، المصنّف - لعبد الرزّاق - ٨ : ٢٦٥ / ١٥١٦٢.

(٤) التهذيب ٦ : ١٩٣ / ٤٢٠ ، الاستبصار ٣ : ٨ / ١٩.

(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « اقبض » بدل « اقتضى ». والصحيح ما أثبتناه كما في « العزيز شرح الوجيز ».

(٦) سنن ابن ماجة ٣ : ٧٩٠ / ٢٣٥٩ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٦ - ٢٨٧ / ٣٥٢٠ ، ٣٥٢١ ، سنن البيهقي ٦ : ٤٧.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٢.

١١٥

وعلى ما اخترناه يرجع في جميع العبد الباقي بجميع ما بقي من الثمن ، وبه قال الشافعي على قول الرجوع(١) .

وله فيما إذا أصدقها أربعين شاةً ، وحالَ عليها الحول فأخرجت شاةً ثمّ طلّقها قبل الدخول قولان :

أحدهما : أنّه يرجع بعشرين(٢) شاة.

والثاني : أنّه يأخذ نصفَ الموجود ، ونصفَ قيمة الشاة الـمُخرَجة(٣) .

واختلف أصحابه هنا على طريقين :

[ أحدهما : تخريج القول الثاني وطرد القولين هاهنا ](٤) :

أظهرهما : أنّه يأخذ جميع العبد الباقي بما بقي من الثمن ، ويجعل ما قبض من الثمن في مقابلة التالف ، كما لو رهن عبدين بمائة وأخذ خمسين وتلف أحد العبدين ، كان الآخَر مرهوناً بما بقي من الدَّيْن بجامع أنّ له التعلّق بكلّ العين ، فيثبت له التعلّق بالباقي من العين للباقي من الحقّ.

والثاني : أنّه يأخذ نصف العبد الباقي بنصف الباقي من الثمن ، ويُضارب الغرماءَ بنصفه ؛ لأنّ الثمن يتوزّع على المبيع ، فالمقبوض والباقي يتوزّع كلّ واحدٍ منهما على العبدين.

ولا بأس به عندي.

والطريق الثاني : القطع بأنّه يرجع في جميع العبد الباقي بما بقي من الثمن ، والفرق بينه وبين الصداق : أنّ الزوج إذا لم يرجع إلى عين الصداق ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٢.

(٢) في المصدر : « بأربعين » بدل « بعشرين ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٤.

(٤) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر لأجل السياق.

١١٦

أخذ القيمة بتمامها ، والبائع هنا لا يأخذ الثمن ، بل يحتاج إلى المضاربة(١) .

مسألة ٣٥٦ : لو قبض بعض الثمن ولم يتلف من المبيع شي‌ء‌ ، احتُمل الرجوع في البعض بنسبة الباقي من الثمن ، فلو قبض نصف الثمن ، رجع في نصف العبد المبيع ، أو العبدين المبيعين ، وهو الجديد للشافعي.

وقال في القديم : لا يرجع(٢) . وقد سلف.

مسألة ٣٥٧ : لو كان المبيع زيتاً فأغلاه المشتري حتى ذهب بعضه ثمّ أفلس ، فهو بمثابة تلف بعض المبيع‌ ، كما لو انصبّ بعضه ، وهو أحد قولي الشافعي.

والثاني : أنّه كما لو تعيّب المبيع ، وكان الزائلُ صفةَ الثُّفْل(٣) .

فعلى الأوّل لو ذهب نصفه ، أخذه بنصف الثمن ، وضارَب مع الغرماء بالنصف ، فإن ذهب ثلثه ، أخذ بثلثي الثمن ، وضارَب بالثلث.

وعلى الثاني يرجع إليه ، و [ يقنع ](٤) به.

وإذا ذهب نصفه مثلاً ، فالوجه : أن يطّرد ذلك الوجه في إغلاء الغاصب الزيتَ المغصوب.

ولو كان مكان الزيت العصير ، فالوجه : المساواة بينه وبين الزيت هنا وفي الغاصب ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : الفرق بأنّ الذاهب من العصير ما لا ماليّة له ، والذاهب من‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٤ - ٤٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٣.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ينتفع ». والصحيح ما أثبتناه.

١١٧

الزيت متموّل(١) .

ويُمنع عدم الماليّة ؛ لأنّه قبل الغليان مالٌ ، فقد أتلفه بالغليان.

وعلى القول بالتسوية بين العصير والزيت لو كان العصير المبيع أربعة أرطال قيمتها ثلاثة دراهم ، فأغلاها حتى عادت إلى ثلاثة أرطال ، رجع إلى الباقي ، ويُضارب بربع الثمن للذاهب(٢) ، ولا عبرة بنقصان قيمة المغليّ ، كما إذا عادت قيمته إلى درهمين.

وإن زادت قيمته بأن صارت أربعةً ، بني على أنّ الزيادة الحاصلة بالصنعة أثرٌ أو عينٌ؟

إن قلنا : إنّه أثر ، فإنّه للبائع بما زاد.

وإن قلنا : عينٌ ، قال بعض الشافعيّة : إنّه كالأوّل(٣) .

وعن بعضهم : أنّ المفلس يكون شريكاً بالدراهم الزائدة(٤) .

وإن بقيت القيمة ثلاثة كما كانت ، فيكون بقاؤها بحالها مع نقصان بعض العين ؛ لازدياد الباقي بالطبخ ، فإن جعلنا هذه الزيادة أثراً ، فاز البائع بها.

وإن جعلناها عيناً ، فكذلك عند بعض الشافعيّة(٥) .

وقال غيره : يكون المفلس شريكاً بثلاثة أرباع درهم ، فإنّ هذا القدر هو قسط الرطل الذاهب ، وهو الذي زاد بالطبخ في الباقي(٦) .

مسألة ٣٥٨ : لو كان المبيع داراً فانهدمت ولم يهلك شي‌ء من النقْض ، فقد أتلف(٧) صفة ، كعمى العبد ونحوه.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٣.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الذاهب ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣ - ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٣.

(٧) هكذا قوله : « فقد أتلف ». والظاهر أنّ بدلها : « فهو تلف » أو « فقد تلف ».

١١٨

ولو هلك بعضه باحتراقٍ وغيره ، فهو تلف عين.

وللشافعيّة خلاف هنا مبنيّ على تلف سقف الدار المبيعة قبل القبض أنّه كالتعيّب أو تلف أحد العبدين؟(١) .

مسألة ٣٥٩ : قد ذكرنا أنّه إذا نقصت ماليّة المبيع بذهاب صفة مع بقاء عينه‌ - كهزال العبد ، أو نسيانه صنعةً ، أو كبره ، أو مرضه ، أو تغيّر عقله ، أو كان ثوباً فخَلِق - لم يمنع الرجوع ؛ لأنّ فقد الصفة لا يُخرجه عن كونه عين ماله ، لكن يأخذ العين بتمام الثمن ، أو يترك ويضرب مع الغرماء بالثمن ؛ لأنّ الثمن لا يتقسّط على صفة السلعة من سمن أو هزال أو علمٍ فيصير كنقصه ؛ لتغيّر السعر.

ولو كان المبيع أمةً ثيّباً فوطئها المشتري ولم تحمل ، فله الرجوع ؛ لأنّها لم تنقص في ذات ولا صفة.

وإن كانت بكراً ، فكذلك عندنا وعند الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٢) ؛ لأنّ الذاهب صفة ، لا عين ولا جزء عين.

وفي الأُخرى : لا يرجع ؛ لأنّه أذهب منها جزءاً ، فأشبه ما لو فقأ عينها(٣) . وعنده أنّ فوات الجزء مبطل للرجوع(٤) .

مسألة ٣٦٠ : لو كان المبيع عبداً فجرح ، كان له الرجوعُ فيه عندنا‌ وعند الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٥) ؛ لأنّه فقد صفة ، فأشبه نسيان الصنعة وخلق الثوب.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٣.

(٢ و ٣) المغني ٤ : ٤٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٨.

(٤) المغني ٤ : ٤٩٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١١.

(٥) المغني ٤ : ٥٠٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٩.

١١٩

وفي الأُخرى : لا يرجع ؛ لأنّه ذهب جزء ينقص به الثمن ، فأشبه ما لو فُقئت عين العبد. ولأنّه ذهب من العين جزء له بدل ، فمنع الرجوع ، كما لو قُطعت يد العبد. ولأنّه لو كان نقص صفةٍ ، لم يكن للبائع مع الرجوع بها شي‌ء سواه ، كما في هزال العبد ونسيان الصنعة ، وهنا بخلافه. ولأنّ الرجوع في المحلّ المنصوص عليه يقطع النزاع ، ويزيل المعاملة بينهما ، ولا يثبت في محلٍّ لا يحصل منه هذا المقصود(١) .

ونمنع ذهاب الجزء. سلّمنا ، لكن نمنع صلاحيّته للمنع من الرجوع في العين.

إذا عرفت أنّ له الرجوعَ في العين ، فليُنظر إلى الجرح ، فإن لم يكن له أرش - كالحاصل من فعله تعالى أو فعل بهيمة أو فعل المشتري أو جناية عبده أو جناية العبد على نفسه - فليس له مع الرجوع أرش.

وإن أوجب أرشاً - كجناية الأجنبيّ - فللبائع إذا رجع أن يضرب مع الغرماء بحصّة ما نقص من الثمن ، فينظر كم نقص من قيمته؟ فيرجع بقسط ذلك من الثمن ؛ لأنّه مضمون على المشتري للبائع بالثمن.

لا يقال : هلّا جعلتم له الأرش الذي وجب على الأجنبيّ؟

لأنّا نقول : لـمّا أتلفه الأجنبيّ صار مضموناً بإتلافه للمفلس ، وكان الأرش له ، وهو مضمون على المفلس للبائع بالثمن ، فلا يجوز أن يضمنه بالأرش ، وإذا لم يتلفه أجنبيّ ، فلم يكن مضموناً ، فلم يجب بفواته شي‌ء.

لا يقال : هلّا كان هذا الأرش للمشتري ككسبه لا يضمنه للبائع؟

لأنّا نقول : الكسب بدل منافعه ، ومنافعه مملوكة للمشتري بغير‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٥٠٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٩.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232