تربة الحسين عليه السلام الجزء ١

تربة الحسين عليه السلام16%

تربة الحسين عليه السلام مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 232

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 232 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59761 / تحميل: 3716
الحجم الحجم الحجم
تربة الحسين عليه السلام

تربة الحسين عليه السلام الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

التوضيح :

الخرور : السقوط على الأرض

الذقن : هو مجمع اللحيين من الوجه

السِّيمَا : العلامة

وبعد بيان هذه المعاني ، يتضح لنا أن « الخرور للأذقان : السقوط على الأرض على أذقانهم للسجدة كما بينه قوله : « سجدا » ، وإنما اعتبرت الأذقان ؛ لأن الذقن أقرب أجزاء الوجه من الأرض عند الخرور عليها للسجدة ، وربما قيل : المراد بالأذقان الوجوه إطلاقاً للجزء على الكل مجازاً »(٣٢)

« والمراد بـ( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) أثر التراب في جباههم ؛ لأنهم كانوا إنما يسجدون على التراب لاعلى الأثواب »(٣٣) وخلاصة القول : أن كيفية السجود في القرآن هي وضع الجبهة على الأرض خضوعاً وخشوعاً لله

٣ ـ أهمية السجود :

س / ما أهمية السجود في القرآن ؟

ج / تتضح لنا أهمية السجود في القرآن بعد معرفة العناوين التالية :

١ ـ القرب من الله : قال تعالى :( كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب ) [ العلق / ١٩ ] أي اسجد يا محمد للتقرب منه ، فإن أقرب ما يكون العبد من الله إذا سجد له

٢ ـ الإعتناء بالساجدين : ويشير إليه قوله تعالى :( وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ
أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ
) [ البقرة / ١٢٥ ] « العهد حفظ ______________________

(٣٢) ـ الطباطبائي ، السيد محمد حسين : الميزان في تفسير القرآن ، ج ١٣ / ٢٢٢

(٣٣) ـ نفس المصدر ، ج ١٨ / ٣٠٠ ( بتصرف )

٤١

الشيء ومراعاته حالاً بعد حال والإهتمام به »(٣٤) ويأتي بمعنى التثبيت المشدد مع عناية خاصة ، وهي ظهور إحترام المعهود إليه بالوفاء بما عهد إليه ، وظهور نوع الموضوع مما يعتني به كثيراً ، وفي إضافة البيت إلى نفسه المقدسة ثم التفضيل بقبول العبادة الواقعة فيه إيماء إلى كثرة عنايته تعالى بالبيت وبالعبادة الواقعة فيه(٣٥) والتي منها السجود وتتضح لنا العناية أكثر بتكرار الخطاب إلى إبراهيمعليه‌السلام في قوله :( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن
لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ
) [ الحج / ٢٦ ]

٣ ـ توبيخ الممتنعين عن السجود : قال تعالى :( قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ
أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ
فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ
) [ الأعراف / ١٢ ـ ١٣ ] « والمعنى ـ قال الله تعالى : فتنزل عن منزلتك حيث لم تسجد لما أمرتك ، فإن هذه المنزلة منزلة التذلل والانقياد لي ، فما يحق لك أن تتكبر فيها فأخرج إنك من الصاغرين أهل الهوان ، وإنما أخذ بالصغار ليقابل به التكبر »(٣٦)

الفصل الرابع : السجود في السنة :

ويضم الأبحاث التالية :

أولاً ـ تعريف السجود :

س / ما هو السجود في السنة ؟

ج / هو كما نصبت عليه كتب الحديث الإسلامية ، ونذكر منها الآتي :

______________________

(٣٤) ـ الراغب الإصفهاني ، أبي القاسم ، الحسين بن محمد : المفردات في غريب القرآن / ٣٥٠

(٣٥) ـ السبزواري ، السيد عبد الأعلى : مواهب الرحمان في تفسير القرآن ، ج ٢ / ٢٥

(٣٦) ـ الطباطبائي ، السيد محمد حسين : الميزان في تفسير القرآن ، ج ٨ / ٣٠

٤٢

روت الإمامية ، كما عن زرارة ، قال أبو جعفرعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( السجود على سبعة أعظم : الجبهة ، واليدين ، والركبتين ، والإبهامين من الرجلين ، وترغم بأنفك إرغاماً ، أما الفرض ؛ فهذه سبعة ، وأما الإرغام بالأنف ؛ فسنة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) (٣٧)

وروت السنة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إذا سجد العبد سجد معه سبعة أطراف ، وجهه ، وكفاه وركبتاه ، وقدماه ) (٣٨)

ثانياً ـ مكان السجود :

س / ما هي الأشياء التي يصح السجود عليها ؟

ج / يمكن تقسيم ذلك إلى ثلاثة أقسام :

الأول ـ السجود على الأرض مباشرة :

إن من المتسالم عليه لدى المسلمين ، السجود على الأرض حسب التفصيل الآتي :

مرويات الإمامية :

إستدلت الإمامية على ذلك بعدة روايات نذكر منها التالي :

١ ـ قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أُعطيت خمساً لم يعطها أحد قبلي ؛ جُعِلَتْ لي الأرض مسجداً وطهوراً ) (٣٩)

٢ ـ وفي لفظ آخر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( إن الله جعل لي الأرض مسجداً وطهوراً أينما كنت منها ، أتيمم من تربتها وأصلي عليها ) (٤٠)

______________________

(٣٧) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد حسن : وسائل الشيعة ، ج ٤ / ٩٥٤ ( باب ـ ٤ ـ من أبواب السجود حديث ٤ )

(٣٨) ـ مسلم ، مسلم بن الحجاج : صحيح مسلم ، ج ١ / ( كتاب الصلاة ـ باب أعضاء السجود )

(٣٩) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد حسن : وسائل الشيعة ، ج ١ / ٩٦٩ ـ ٩٧٠ ( باب ـ ٧ ـ من أبواب التيمم حديث (٢) )

(٤٠) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٨٠ / ٢٧٧

٤٣

يقول الشيخ المجلسي ( قده ) :« قد عرفت أنه يستفاد من تلك الأخبار المتواترة معنى جواز الصلاة في جميع بقاع الأرض إلا ما أخرجه الدليل » (٤١)

ويقول صاحب المدارك ( قده ) :« أجمع الأصحاب على أنه لا يجوز السجود على ما ليس بأرض ولا نبات » (٤٢) هذا خلاصة رأي الإمامية ، ومن أراد التوسع ؛ فعليه مراجعة كتبهم ورسائلهم الفقهية

مرويات السنة :

وإستدلت السنة بالسجود على الأرض بعدة روايات ، أهمها التالي :

١ ـ عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( وجعلت لي الأرض مسجداً وطهورا ، فأيما رجلُ من أمتي أدركته الصلاة فليصلِّ ) (٤٣)

٢ ـ وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وجعلت لي الأرض طيبة وطهوراً ومسجداً ، فأيما رجلُ أدركته الصلاة صلى حيث كان ) (٤٤)

قال النووي : « وفيه جواز الصلاة في جميع المواضع إلا ما إستثناه الشرع من الصلاة في المقابر وغيرها من المواضع التي فيها النجاسة كالمزبلة والمجزرة ، وكذا ما نُهي عنه لمعنى آخر ، فمن ذلك أعطان الإبل ، ومنه قارعة الطريق والحمام وغيرهما »(٤٥) وهناك أقوالٌ أخرى ، من أرادها ؛ فعليه بمراجعتها

فالنتيجة التي يمكن التوصل إليها هي : أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيتهعليهم‌السلام وصحابته والتابعين سجدوا على الأرض بلا خلاف في ذلك

______________________

(٤١) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٨٠ / ٢٧٨

(٤٢) ـ العاملي ، السيد محمد علي : مدارك الأحكام ، ج ٣ / ٢٤١

(٤٣) ـ البخاري ، محمد بن إسماعيل : صحيح البخاري ، ج ٢ / ٩١ ( باب التيمم )

(٤٤) ـ مسلم ، مسلم بن الحجاج : صحيح مسلم ، ج ٢ / ٦٤

(٤٥) ـ النووي ، محي الدين بن شرف : شرح صحيح مسلم ، ج ٥ / ٢

٤٤

الثاني ـ السجود على غير الأرض لغير عذر :

تقدم أنّ السجود لابد أنْ يكون على الأرض ؛ والمراد من الأرض التراب والحصى ، وأما المعادن والفلزّات العالقة في الأرض ؛ فخارجة ، وسيتضح هذا بعد ذلك هذا هو التشريع الأساسي ، ولكن إستفاد المسلمون من عمل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه رَخّصَ في السجود على غير الأرض ، تارة لعذر ، وأخرى لغير عذر أما الذي لغير عذر ؛ فسيكون البحث فيه كالتالي :

مرويات الإمامية :

ذهبت الإمامية : إلى أنّ السجود على الأرض أفضل من السجود على النبات والقرطاس وغيرهما مما جاز السجود عليه ، كما هو مُفَصّل في كتبهم الفقهية ، إعتماداً على روايات أهل البيتعليهم‌السلام ، ونذكر منها التالي :

١ ـ عن هشام بن الحكم : أنه قال لأبي عبد اللهعليه‌السلام :( أخبرني عما يجوز السجود عليه وعَمّا لا يجوز ؟ قال عليه‌السلام لا يجوز إلا على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لبس فقال له : جُعلْتُ فداك ما العِلّة في ذلك ؟ قال عليه‌السلام : لأنّ السجود خضوع لله عَزّ وجَلّ فلا ينبغي أنْ يكون على ما يُؤْكَل ويُلْبَس ؛ لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون والساجد في سجوده في عبادة الله عَزّ وجَلّ ، فلا ينبغي أنْ يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين إغتروا بغرورها ) (٤٦)

٢ ـ عن إسحاق بن الفضيل أنه سأل أبا عبد اللهعليه‌السلام عن السجود على الحُصُر والبَوارِي ؟ فقال :( لا بأس ، وأنْ يسجد على الأرض أَحَبُّ إليَّ ، فإنّ

______________________

(٤٦) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد حسن : الوسائل ، ج ٣ / ٥٩١ ( باب ـ ١ ـ من أبواب ما يسجد عليه ، حديث (١) )

٤٥

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يحب ذلك أنْ يُمكِّن جبهته من الأرض ، فأنا أحب لك ما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحبه ) (٤٧)

٣ ـ عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال :( لا بأس بالصلاة على البُورِيَا ، والخَصَفَة وكل نبات إلا الثمرة ) (٤٨)

وبعد هذه الروايات نقول : إن الإمامية تُصرِّح بلزوم السجود على الأرض من ناحية أساسية ، وتجوِّز السجود على نبات الأرض وما يصنع منه ، كالحصر والبواري ونحوها ، إلا المأكول والملبوس كالقطن والكتان ونحوهما ، كل ذلك إعتماداً على ما ورد عن أهل البيتعليهم‌السلام

مرويات السنة :

قد روت السنة والجماعة أحاديث كثيرة مذكورة في صحاحها ومسانيدها ، مفادها أن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رخّص في السجود على نبات الأرض وما يُصنع منه ، كالخمرة والحصير وغيرهما نذكر منها التالي :

١ ـ عن أنس بن مالك قال :( كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُقِيل عند أم سليم ؛ فتبسط له نَطْعَاً فتأخذ من عَرَقِه فتجعله في طيبها وتبسط له الخُمْرَة (٤٩) ؛ فيصلي عليها ) (٥٠)

٢ ـ عن أنس بن مالك قال :( كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحسن الناس خُلقاً ، فربما تحضره الصلاة وهو في بيتنا ، فيأمر بالبساط الذي تحته فُيكْنَسْ ثم

______________________

(٤٧) ـ المصدر السابق / ٦٠٩ ( باب (١٧) ، حديث (٤) )

(٤٨) ـ نفس المصدر / ٥٦٣ ( باب (١) ، حديث (٩) )

(٤٩) ـ المستفاد من كلمات اللغويين أن الخمرة مصنوعة من سعف النخيل أصغر من الحصير

(٥٠) ـ البيهقي ، أحمد بن الحسين : السنن الكبرى ، جـ ٢ / ٤٢١ ( باب الصلاة على الخمرة )

٤٦

يُنْضَح ثم يقوم ؛ فنقوم خلفه فيصلي بنا قال : وكان بساطهم من جريد النخل ) (٥١)

٣ ـ عن أنس بن مالك قال :( إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل بيتاً فيه فحل (٥٢) ، فكسح ناحية منه ورش فصلى عليه ) (٥٣)

٤ ـ عن جابر قال :( حدثني أبو سعيد قال : دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يُصَلِّي على حصير ) (٥٤) قال الشوكاني : « وقد ذهب إلى إستحباب الصلاة على الحصير أكثر أهل العلم كما قال الترمذي ، قال : إلا أنّ قوماً من أهل العلم إختاروا الصلاة على الأرض إستحباباً »(٥٥)

وقال أيضاً : وعن جابر بن زيد :( أنه كان يكره الصلاة على كل شئ من الحيوان ، ويستحب الصلاة على كل شئ من نبات الأرض ) (٥٦) وقال :« وقد روي عن زيد بن ثابت ، وأبي ذر ، وجابر بن عبدالله ، وعبدالله بن عمر ، وسعيد بن المسيب ، ومكحول ، وغيرهم من التابعين : إستحباب الصلاة على الحصير ، وصرح ابن المسيب بأنها سنة » (٥٧)

______________________

(٥١) ـ المصدر السابق / ٤٣٦ ( باب من بسط شيئاً فصلى عليه )

(٥٢) ـ حصير مصنوع من سعف فحال النخل ؛ أي ذكر النخل الذي تلقح منه ، فسمى الحصير فحلاً مجازاً راجع النهاية في غريب الحديث ج ٣ / ٤١٦

(٥٣) ـ البيهقي ، أحمد بن الحسين : السنن الكبرى ، ج ٢ / ٤٣٦ ( باب من بسط شيئاً فصلى عليه )

(٥٤) ـ نفس المصدر / ٤٢٠ ( باب الصلاة على الحصير )

(٥٥) ـ الشوكاني ، الشيخ محمد علي : نبل الأوطار ، ج ٢ / ١٤٩ ( باب الصلاة على الفراء وغيرهما من المفارش )

(٥٦) ـ نفس المصدر

(٥٧) ـ نفس المصدر

٤٧

الثالث ـ السجود على غير الأرض لعذر :

مرويات الإمامية :

منعت الإمامية من السجود على غير الأرض وما يلحقها من النبات غير المأكول والملبوس وأجازته في حال الضرورة والعذر ، إعتماداً على مرويات أهل البيتعليهم‌السلام ، نذكر منها التالي :

١ ـ عن أبي بصير ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال :( قلت له : أكون في السفر فتحضر الصلاة وأخاف الرّمْضَاء على وجهي ، كيف أصنع ؟ قال : تسجد على بعض ثوبك ، فقلت : ليس عليَّ ثوب يمكنني أنْ أسجد على طرفه ولا ذيله ، قال : أسجد على ظهر كفك فإنها إحدى المساجد ) (٥٨)

٢ ـ عن القاسم بن الفضيل قال :( قلت للرضا عليه‌السلام : جُعِلْتُ فداك الرجل يسجد على كُمّه من أذى الحر والبرد ؟ قال : لا بأس به ) (٥٩)

٣ ـ عن علي بن جعفر ، عن أخيهعليه‌السلام قال :( سألته عن الرجل يؤذيه حر الأرض وهو في الصلاة ولا يقدر على السجود ، هل يصلح له أن يضع ثوبه إذا كان قطناً أو كَتّاناً ؟ قال : إذا كان مضطراً فليفعل ) (٦٠)

مرويات السنة :

إختلف علماء السنة في السجود على غير الأرض ، خصوصاً في السجود على الطَنَافِسْ والفِرَاء وغيرها من المَفارِش على ثلاثة أقوال :

______________________

(٥٨) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد حسن : وسائل الشيعة ، ج ٣ / ٥٩٧ ( باب ـ ٤ ـ من أبواب ما يسجد عليه ، حديث (٥) )

(٥٩) ـ نفس المصدر ، حديث (٤)

(٦٠) ـ نفس المصدر ، حديث (٨)

٤٨
الأول ـ القول بعدم جواز السجود عليها إلا لعذر وهو الأكثر

إعتماداً على روايات كثيرة نقتصر منها على الآتي :

عن أنس بن مالك قال :( كنا نصلي مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شدة الحر ، فإذا لم يستطع أحدنا أن يُمكِّن جبهته من الأرض ؛ بَسَط ثوبه فسجد عليه ) (٦١)

قال الشوكاني : « والحديث يدل على جواز السجود على الثياب لاتقاء حر الأرض ، وفيه إشارة إلى أن مباشرة الأرض عند السجود هي الأصل ؛ لتعليق( بَسَط ثوبه ) لعدم الإستطاعة وقد إستدل بالحديث على جواز السجود على الثوب المتصل بالمصلي قال النووي : وبه قال أبو حنيفة والجمهور »(٦٢) فعليك بمراجعة كتبهم وموسوعاتهم العلمية

الثاني ـ القول بالكراهة :

« وقد كره ذلك جماعة من التابعين فروى ابن أبي شَيْبَة في المصنف : عن سعيد بن المسيب ، ومحمد بن سيرين أنهما قالا : الصلاة على الطنفسة ؛ وهي البساط الذي تحته حَمْل مُحْدَثَة وجابر بن زيد ، كان يكره الصلاة على كل شئ من الحيوان ، ويستحب الصلاة على كل شئ من نبات الأرض وإلى الكراهة ذهب الهادي ، ومالك »(٦٣)

الثالث ـ القول بالجواز :

وممن نسب إليه القول بجواز السجود ـ على الثياب والفرش والطَنَافِس المصنوعة من الجلود والقطن والصوف ونحوها وبدون عذر ـ أبو هريرة ، وأنس ، ______________________

(٦١) ـ الشوكاني ، الشيخ محمد علي : نبل الأوطار ، ج ٢ / ٢٨٩ ( باب المصلي يسجد على ما يحمله ولا يباشر مصلاه بأعضائه )

(٦٢) ـ نفس المصدر

(٦٣) ـ نفس المصدر ، ج ٢ / ١٤٧

٤٩

ومكحول ، وعامة الفقهاء فيما بعد القرن الرابع ، إعتماداً على بعض مروياتهم نذكر منها الآتي :

١ ـ عن أبي هريرة :( كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسجد على كور عمامته ) (٦٤)

٢ ـ عن ابن عباس :( أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى على بساط ) (٦٥)

٣ ـ يونس بن الحرث ، عن أبي عون ( محمد بن عبدالله الثقفي ) ، عن أبيه ، عن المغيرة بن شعبة( أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلي على الحصير والفروة المذبوغة ) (٦٦) نكتفي بذكر هذا القسم من مروياتهم ونوضح بطلان وضعف هذا القوب بما يأتي :

أولاً ـ مناقشة صحة نسبة الآراء إلى أصحابها وهي كالتالي :

أ ـ إستفادة رأي أبي هريرة من مروياته غير ثابتة ؛ حيث أنكر البيهقي حديث السجود على كور العمامة ، حيث قال : « قال الشيخ : وأما ما روي في ذلك عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من السجود على كور العمامة ، فلا يثبت شئ من ذلك »(٦٧)

وذكر الزرقاني : « وذهب الشيعة إلى عدم الجواز ووافقهم الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه ؛ لأنه لم يثبت عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه سجد على كور عمامته ، وكان ينهى عن ذلك نعم روى عبدالله بن محرر عن أبي هريرة : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سجد على كور عمامته وهذا غير صحيح ؛ لأن عبدالله متروك الحديث كما قال ابن حجر ، وأبو حاتم ، والدار قطني ، وقال البخاري : انه

______________________

(٦٤) ـ المتقي الهندي ، علاء الدين ، علي بن حسام الدين : كنز العمال ، ج ٨ / ٨٥

(٦٥) ـ نفس المصدر

(٦٦) ـ نفس المصدر / ١٤٨

(٦٧) ـ البيهقي ، أحمد بن الحسين : السنن الكبرى ، ج ٢ / ١٠٦

٥٠

منكر الحديث ، وهو أحد قضاة الدولة ، ولم يذكر علماء الرجال سماعه عن أبي هريرة وقال الحافظ ابن حجر : لم يذكر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه سجد على كور عمامته ، ولم يثبت ذلك في حديث صحيح ولا حسن »(٦٨)

ب ـ وأما ما نسب إلى أنس في مروياته ؛ فقد حمل على الإضطرار ، ويدل على ذلك رواية عبدالله عن أنس بن مالك قال :( كنا نصلي مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود ) (٦٩)

وأما روايته( أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى على البسط ) : فقال الشوكاني : « حديث انس الذي ذكر بلفظ « البسط » ، أخرجه الأئمة الستة بلفظ الحصير وقد روى ابن أبي شيبة في سننه : ما يدل على أن المراد بالبساط الحصير بلفظ( فيصلي أحياناً على بساط لنا ) ، وهو حصير ننضحه بالماء قال العراقي : فتبين أن مراد أنس بالبساط : الحصير ، ولاشك انه صادق على الحصير لكونه يبسط على الأرض أي يفرش »(٧٠) وقد تقدم ما يدل على ذلك أيضاً فراجع(٧١)

ج ـ وأما ما نسب إلى مكحول ؛ فمحمول على الاضطرار كما هو صريح ما رواه ابن راشد قال :( رأيت مكحولاً يسجد على عمامته ، فقلت : لم تسجد عليها ؟ فقال : أتقي البرد على إنساني ) (٧٢)

______________________

(٦٨) ـ الزرقاني ، محمد بن عبد الباقي : شرح المواهب اللدنية ، بالمنح المحمدية ، ج ٧ / ٣٢١

(٦٩) ـ الصنعاني عبد الرزاق بن همام بن نافع : المصنف ، ج ٢ / ٤٠٠

(٧٠) ـ الشوكاني ، الشيخ محمد علي : نبل الأوطار ، ج ٢ / ١٤٩

(٧١) ـ ص / ٤١

(٧٢) ـ ابن أبي شيبة ، الحافظ عبدالله بن محمد : الكتاب المصنف في الأحاديث والأثار ، ج ١ / ٢٦٧ ، فيه اختلاف يسير : ( إني أخاف على بصري من برد الحصى ) المؤلف

٥١

د ـ وأما ما نسب إلى عامة الفقهاء ؛ فيحتاج إلى تأمل ، حيث أن الإعتماد على مثل هذه المرويات التي قسم منها يدل على الاضطرار ، والبعض منها ضعيف ، بالإضافة إلى مخالفة رأي الكثير من فقهاء الإسلام ، كل ذلك على فرض صحة النسبة ؛ فهو من الآراء الشاذة التي لا يعتمد عليها

ثانياً ـ يمكن تلخيص آراء الصحابة والتابعين والفقهاء كالتالي :

١ ـ ذهب أبو بكر ، ومسروق بن الأجدع ، وعبادة بن الصامت ، وإبراهيم النخعي ، إلى القول بوجوب السجود على الأرض فقط

٢ ـ وذهب عبدالله بن عمر ، ومالك ، وأبو حنيفة ، وابن حجر ، والشوكاني ، وأحمد ، والاوزاعي ، وإسحاق بن راهويه ، وأصحاب الرأي ، إلى القول بوجوب السجود على الأرض وما أنبتته اختياراً ، وجواز السجود على الثياب للحر والبرد

الفصل الخامس ـ أنواع السجود :

ذكر الفقهاء في رسائلهم العملية : أربعة أنواع للسجود كالتالي :

أولاً ـ السجود في الصلاة :

والواجب منها في كل ركعة سجدتان ، وهما معاً ركن تبطل الصلاة بتركه ، أو زيادته عمداً أو سهواً ، حسب التفصيل المذكور في الرسائل العملية

ثانياً ـ سجود السهو :

وهو سجدتان يؤتى بهما بعد الصلاة مباشرة لأسباب مذكورة في بحث الصلاة اليومية

٥٢

ثالثاً ـ سجود التلاوة :

وهو : سجدة يؤتى بها بعد قراءة أو سماع إحدى آيات السجدة حسب التفصيل الآتي :

١ ـ الواجب : وهو ما يكون في آيات سور العزائم ، كما في الجدول التالي :

السورة

الآية

العلق

١٩

النجم

٦٢

السجدة

١٥

فصلت

٣٧

٢ ـ المستحب : وهو ما يكون في إحدى عشر آية كالتالي :

السورة

الآية

السورة

الآية

الأعراف

٢٠٦

الحج

١٨ ، ٧٧

الرعد

١٥

الفرقان

٦٠

النحل

٤٩

النمل

٢٥

الإسراء

١٠٧

ص

٢٤

النشقاق

٢١

مريم

٥٨

رابعاً ـ سجود الشكر :

وهو سجدة والأفضل سجدتان ، يستحب الإتيان بهما شكراً لله تعالى عند تجدد كل نعمة ، ودفع كل نقمة ، وعند تذكر ذلك والتوفيق لأداء كل فريضة أو نافلة ، بل فعل كل خير

٥٣

الفصل السادس ـ أسرار السجود

س / ما هي أسرار السجود على الأرض ؟

ج / أسرار السجود على الأرض كثيرة ، ويمكن تلخيصها في التالي :

السجود هو أعظم مراتب الخضوع ، وأحسن درجات الخشوع ، وأعلى مراتب الإستكانة ، وأحق المراتب بإستيجاب القرب إلى الله تعالى ، كما نبه عليه الكتاب الكريم في أمر نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب ) [ العلق / ١٩ ] ووعده على ذلك بأنه يقرب ثم اهوِ إلى السجود ومكّن أعزّ أعضائك وهو الوجه من أذل الأشياء وهو التراب ، فإن أمكنك أن لا تجعل بينها حائلاً فتسجد على الأرض فافعل فإنه أجلب للخشوع وأدلّ على الذلّ والخضوع ، وهذا السر في منع الشريعة من السجود على ما يأكله الآدميون ويلبسونه ؛ لأنه متاع الدنيا وأهلها الذين اغتروا بغرورها ، وركنوا إلى زخرفها ، واطمئنوا إليها ، فأسلمتهم إلى المهالك أحوج ما كانوا إليها ، وإذا وضعت نفسك موضع الذل ؛ فاعلم انك وضعتها ورددت الفرع إلى أصله ؛ فإنك من التراب خلقت وإليه رددت ، ثم تخرج منها مرة أخرى ؛ فاحضر في بالك نقلاتك منها وإليها ثم خروجك منها بتكرار السجود ، كما ذكر تعالى :( مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً
أُخْرَىٰ
) (٧٣) [ طه / ٥٥ ] وروى الصدوق عن أمير المؤمنينعليه‌السلام :( أنه سأل ما معنى السجدة الأولى ؟ قال : تأويلها « اللهم انك منها خلقتنا » يعني من الأرض وتأويل رَفْع رأسك منها « ومنها أخرجتنا » والسجدة الثانية « واليها تعيدنا » ، ورفع رأسك منها « ومنها تخرجنا تارة أخرى » ) (٧٤)

______________________

(٧٣) ـ الشهيد الثاني ، الشيخ زين الدين العاملي : أسرار الصلاة / ١٠٨ ـ ١١٠ ( مقتبس )

(٧٤) ـ شبر ، السيد عبد الله بن السيد محمد رضا : الأخلاق / ٥١

٥٤

٥٥

٥٦

٥٧
٥٨

الدليل الأول ـ الإحتياط طريق النجاة :

س / ما هو الإحتياط الذي تزعمه الشيعة الإمامية ؟

ج / هو الإحتراز والتحفظ من وقوع النفس في المأثم وبيان ذلك :

إنّ الغاية من إتخاذ تربة الحسينعليه‌السلام مسجداً في كل صلاة ، تعتمد على أصلين كالتالي :

الأول ـ إتخاذ تربة طاهرة للسجود :

إنّ المتفق عليه بين المسلمين تفضيل السجود على الأرض دون غيرها ، كما إشترطوا في مكان السجود الطهارة ، ونهوا عن الصلاة في مواطن منها : المزبلة ، والمجزرة ، والمقبرة ، وقارعة الطريق ، والحمام ، ومعاطن الإبل كما ورد الأمر بتطهير المسجاد ، كل ذلك إهتماماً بأمر الصلاة

ولذا ينبغي للمسلم أنْ يحتاط ويهتم بشأن الصلاة ، ويتخذ له تربة طاهرة يطمئن بها للسجود عليها في صلاته ، حذراً من السجود على النجاسة والقذارة التي لا يُتقرب بها إلى الله ، والمسلم لا يحصل له كل ذلك في حِلِّهِ وترحاله ؛ إذ الثقة بطهارة كل أرض لا تحصل له ، حيث يحل فيها المسلم وغيره من فئات الناس الذين لا يكترثون لأمر الطهارة والنجاسة في الدين ، فالشيعة يصطحبون معهم ألواح الطين والتراب ، ويتخذونها مساجد للسجود عليها ، إهتماماً بشأن الصلاة ومحافظة على آدابها ، وبهذا الإحتياط عمل رجال الورع من فقهاء السلف في القرون الأولى ؛ فمن الذين ساروا على هذا النهج ، التابعي الفقيه

٥٩

مسروق بن الأجدع(٧٥) ، كما أخرجه الحافظ أبو بكر ابن أبي شيبة بالطريقين التاليين :

١ ـ عن ابن سيرين قال : « نُبئْتُ أنّ مسروقاً كان إذا سافر حمل معه في السفينة لبنةً يسجد عليها »

٢ ـ يزيد بن هارون قال : « أخبرنا ابن عون ، عن محمد : أنّ مسروقاً كان إذا سافر حمل معه في السفينة لُبْنَةً يسجد عليها »(٧٦)

الثاني ـ قاعدة الإعتبار والتفاضل :

قاعدة الإعتبار المُطّرَدْ تقتضي التفاضل بين الأشياء ، وتستدعي إختلاف الآثار والشؤون والنظرات فيها ، وهذا أمر طبيعي عقلي متسالم عليه مُطّرَد بين الأمم طُراً ، بل نَصّ القرآن الكريم على ذلك في كثير من الآيات ، منها قوله تعالى :( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّـهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ) [ البقرة / ٢٥٣ ] وقوله تعالى :( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ
أَمْوَالِهِمْ
) [ النساء / ٣٤ ]

إذن ، هذا الإعتبار وقانون الإضافة لا يختص بالشرع فحسب ، ولا يختص بمفاضلة الأراضي ، وإنما هو أصل مطرد في باب المفاضلة في مواضيعها العامة ، من الأنبياء والرسل وما شابه ذلك ، بل في كل ما يتصور فيه فضل على غيره بل هذا الأصل هو محور دائرة الوجود وبه قوام كل شئ ، واليه

______________________

(٧٥) ـ هو عبدالرحمن بن مالك الهمداني ( أبو عائشة ) ، المتوفى عام ٦٢ هـ ، تابعي من رجال الصحاح الست ، روى عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وكان فقيهاً ، ومن أصحاب ابن مسعود الذين كانوا يعلمون الناس السنة راجع طبقات ابن سعد ١ / ٥٠ ، وتهذيب التهذيب ١٠ / ٢٧٠

(٧٦) ـ ابن أبي شيبة ، الحافظ عبدالله بن محمد : المصنف ج ٢ / ٢٧٠

٦٠

تنتهي الرغبات في الأمور ، ومنه تتولد الصلات والمحبات والعلائق والروابط ، فبهذا الإعتبار المطرد العام المتسالم عليه لدا العقلاء والشرع الأقدس ، إتخاذ مكة المكرمة حرماً آمناً وتوجيه الخلق إليه ، وحجهم إياه من كل فج عميق ، وإيجاب تلكم الأحكام حتى بالنسبة إلى بنيته ، إن هي إلا آثار الإضافة وإختيار الله إياها من بين الأراضي

وكذلك المدينة المنورة حرماً إلهياً محترماً ، وجعل المحرمات الواردة في السنة الشريفة لها وفي أهلها وتربتها ومن حَلّ فيها ، إنما هي لإعتبار ما فيها من الإضافة والنسبة إلى الله تعالى ، وكونها عاصمة عرش نبيه العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صاحب الرسالة الخاتمة

وبهذا الإعتبار وقانون الإضافة ، جعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبكي على ولده الحسينعليه‌السلام ويقيم تلك المآتم قبل شهادته ، ويأخذ تربة كربلاء ويشمها(٧٧) ، ويقبلها(٧٨) ، ويقلبها(٧٩) ، كما ورد في الأخبار وهو الذي جعل الشيعة الإمامية تهتم بتربة الحسينعليه‌السلام ، تلك التربة الطاهرة التي شرّفها الله وقدّسها ؛ لما تحويه من أجساد طاهرة من أبناء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، سُفكت دماؤها لأجل الدين وفي سبيل إحيائه تلك التربة التي اعتنى بها الكُتاب وتفننوا في وصفها وقداستها

وعَبّر عنها الأديب الكبير عباس العقاد بقوله : « ولكنها لو أُعطيت حقها من التنويه والتخليد ؛ لحق لها أن تصبح مزاراً لكل آدمي يعرف لبني نوعه نصيباً من القداسة وحظاً من الفضيلة ، لأننا لا نذكر بقعة من بقاع هذه الأرض

______________________

(٧٧) ـ الهيثمي ، الحافظ نور الدين ، علي بن أبي بكر : مجمع الزوائد ، ج ٩ / ١٨٩

(٧٨) ـ ابن حجر ، الحافظ شهاب الدين ، أحمد : تهذيب التهذيب ، ج ٢ / ٢٤٦

(٧٩) ـ النيسابوري ، الحافظ محمد بن أحمد : سيرة أعلام النبلاء ، ج ٣ / ١٩٤

٦١

يقترن اسمها بجملة من الفضائل ، أسمى وألزم لنوع الإنسان من تلك التي اقترنت باسم كربلاء ، بعد مصرع الحسين فيها

فكل صفة من تلك الصفات العلوية التي بها الإنسان إنسان وبغيرها لا يحسب غير ضرب من الحيوان السائم فهي مقرونة في الذاكرة بأيام الحسين رضي الله عنه في تلك البقعة الجرداء وليس في نوع الإنسان صفات علويات أنبل ولا ألزم من الإيمان والفداء والإيثار ويقظة الضمير ، وتعظيم الحق ورعاية الواجب والجلد في المحنة والأنفة من الضيم والشجاعة في وجه الموت المحتوم وحسبك من تقويم الأخلاق في تلك النفوس ، أنه ما من أحد قتل في كربلاء إلا كان في وسعه أن يتجنب القتل بكلمة أو بخطوة ، ولكنهم جميعاً آثروا الموت عطاشا جياعا مناضلين على أن يقولوا تلك الكلمة أو يخطوا تلك الخطوة ؛ لأنهم آثروا جمال الأخلاق على متاع الدنيا أو حسبك من تقويم الأخلاق في نفس قائدها وقدوتها ، أنهم رأوه بينهم فاقتدوه بأنفسهم ، ولن يبتعث المرء روح الاستشهاد فيمن يلازمه إلا أن يكون هو أهلاً للإستشهاد في سبيله وسبيل دعوته ، وان يكون في سليقة الشهيد الذي يأتم به الشهداء »(٨٠)

وبعد هذا البيان إتضح لنا سِرُّ فضيلة تربة كربلاء ، ومبلغ إنتسابها إلى الله سبحانه وتعالى ، ومدى حرمة صاحبها دُنُوّاً وإقتراباً من العلي الأعلى نعم أفعاله وأقواله ـ كما نقلها التاريخ لنا ـ تثبت مدى تعلقه وتفانيه بخالقه العظيم حتى بذلك نفسه وأهله وكل غالٍ ونفيس لأجل إعلاء كلمة الله وإحياء دينه ، وقد نسب إليه الآتي :

______________________

(٨٠) ـ العقاد ، عباس محمود : أبو الشهداء ، الحسين بن علي / ٨٦ ـ ٨٧

٦٢

تركتُ الخلقَ طُرّاً في هواكا

وأيتمت العيال لكي أراكا

فلو قطعتني في الحُب إرباً

لما مال الفؤاد إلى سواكا(٨١)

أليس من الأفضل التقرب إلى الله بالخضوع والخشوع والعبودية بالسجود على تربة تفجرت في صفيحها عيون دماءٍ اصطبغت بحب الله وولائه المحض الخالص ؟!. أليس من الأليق بأسرار السجود على الأرض ، السجود على تربة ظهر فيها سِرُّ المتعة والعظمة والكبرياء والجلال لله عَزّ وجَلّ ، ورمز العبودية والتصاغر أمام عظمة الجبار سبحانه تعالى بأجلى مظاهرها وسماتها ؟!.

وبناءً على هذين الأصلين ، تتخذ الشيعة الإمامية من تربة كربلاء قطعاً وأقراصاً تسجد عليها في الصلوات(٨٢) لأنهم يشترطون في المسجد أن يكون أرضاً أو ما أنبتت ، ويشترطون في المسجد طهارته وإباحته ، وأن لا يكون من المأكول والملبوس ، فالشيعة يصحبون معهم ألواح الطين والتراب ، ويتخذونها مساجد للسجود عليها لله ، اهتماماً بشأن الصلاة ومخالفة على آدابها ، فشأن هذه الألواح شأن الخُمُر والحَصْبَاء في بداية المسلمين كما أنها أفضل أفراد الواجب ، واختياراً لما هو الأفضل والأولى بالسجود لدا العقل والمنطق والإعتبار

______________________

(٨١) ـ أمين النجفي ، الدكتور أحمد : التكامل في الإسلام ، ج ٤ / ١٧٠

(٨٢) ـ ذكر هذا الدليل المحقق الأميني ( قده ) في ( سيرتنا وسنتنا / ١٧٠ ـ ١٨٠ ) بعنوان الإستحسان العقلي ، وجئت بصياغة أخرى لهذا الدليل بعنوان ( الإحتياط طريق النجاة ) فهو أقرب إلى الإحتياط العقلي ؛ لأن الإستحسان العقلي لا تؤمن به الإمامية

٦٣

وعلى هذا النهج القويم ؛ كان التابعي علي بن عبد الله بن عباس(٨٣) كما عن ابن عينة قال : « سمعت رُزَين مولى ابن عباس رضي الله عنه يقول : كتب إليّ علي بن عبد الله بن عباس أن إبعث إلي بلوح من حجارة المروة أسجد عليه »(٨٤) فأي مانع من أن يحتاط المسلم في أمور دينه بما فيها صلاته ؟!. وأي مانع من أن يختار الأفضل في عمله ؟ فالشيعة الإمامية إختارت التربة الحسينية ؛ لأنها الأفضل ، عملاً بالأحاديث الكثيرة الواردة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته

______________________

(٨٣) ـ هو علي بن عبدالله بن عباس بن عبد المطلب ، ولد سنة ٤٠ هـ ليلة قتل علي بن أبي طالب (ع) ، وتوفي سنة ( ١١٧ أو ١١٨ ) راجع ( الطبقات لابن سعد ، ج ٥ / ٢٢٩ ) وقال ابن حجر : ثقة قليل الرواية وذكره ابن حيان في الثقات ، راجع تقريب التقريب / ٣٤٢ ، وتهذيب التهذيب ج ٣ / ١٨٠ دار الرسالة ، ط ١٤١٦ ، وحكى المبرد وغيره : لما ولد علي بن عبد الله جاء أبوه إلى أمير المؤمنين (ع) فقال : ما سميته ؟ فقال : أو يجوز لي أن أسميه قبلك ؟ فقال (ع) : قد سميته باسمي وكنيته بكنيتي وهو أبو الأملاك راجع العقد الفريد ج ٥ / ١٠٣ ـ ١٠٥ ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ، ج ٧ / ١٤٨

(٨٤) ـ الأزرقي ، أبو الوليد محمد بن عبد الله : أخبار مكة ، ج ٢ / ١٥١

ـ السمهودي ، السيد نور الدين ، علي بن عبد الله : وفاء الوفاء ، ج ١ / ١١٥

ـ ابن أبي شيبه ، الحافظ عبد الله بن محمد : الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار ، ج ١ / ٢٧٥

٦٤

٦٥
٦٦

تمهيد :

عرفت أرض كربلاء بالقداسة والسمو والشرف منذ القدم ، وإلى هذا أشار سيد الشهداءعليه‌السلام بقوله :( وخير لي مصرع أنا لاقيه ، فكأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء ) (٨٥) والمراد بالنواويس : جمع ناوس في الأصل ، وهو قبر النصراني ، والمراد به هنا القرية التي كانت عند كربلاء(٨٦) أي أن كربلاء قد اتخذت معابد ومدافن للأمم السابقة ، وخير شاهد على ذلك ما يلي : « ونقل بعض الفضلاء قول أحد الباحثين في تاريخ كربلاء القديم وهو : كل ما يمكن أن يقال عن تاريخها القديم ، أنها كانت أمهات مدن طسوج النهرين ، الواقعة على ضفاف نهر بالاكوباس( الفرات القديم ) وعلى أرضها معبد للعبادة والصلاة ، كما يستدل من الأسماء التي عرفت بها قديماً كعمورا ، ماريا ، صفورا ، وقد كثرت حولها المقابر ، كما عثر على جثث موتى داخل أوانٍ خزفية يعود تاريخها إلى قبل العهد المسيحي »(٨٧) وقال الأب اللغوي أنستاس الكرملي : « والذي نتذكره فيما قرأناه في بعض كتب الباحثين ؛ أن كربلاء منحوتة من كلمتين من( كرب وإل ) أي حرم الله أو مقدس الله »(٨٨)

وذكر السيد عبد الحسين آل طعمة ، نقلاً عن الذريعة للشيخ آغا بزرك : « ومعنى( كاربالا ) بالفهلوية هو( الفعل العلوي ) ويجوز تفسيرها (بالعمل السماوي ) المفروض من الأعلى ، ثم عُرِّبت وصيغت صياغة عربية وسموها ______________________

(٨٥) ـ السماوي ، الشيخ محمد بن الشيخ طاهر : إبصار العين في أنصار الحسين / ٦ ، ١٧

(٨٦) ـ نفس المصدر

(٨٧) ـ الخليلي ، جعفر بن الشيخ أسد الله : موسوعة العتبات المقدسة ، ج ١٣ / ١٦

(٨٨) ـ نفس المصدر / ١٠

٦٧

( كربلاء ) ، وهذا يقارب المعنى الذي ذهب إليه الأب انستاس لكلمة( كرب ) و( إل ) بأنهم( حرم الله ) أو( مقدس الله ) »(٨٩)

نعم أعطيت كربلاء هذه القداسة ـ في الإسلام والأمم السابقة ـ بالحسينعليه‌السلام ؛ إذ الأمم الغابرة لديها معرفة بشهادته عن طريق أنبيائها وكتبها المقدسة ، كما أشارت إلى ذلك بعض المصادر التالية :

« جاء في كتاب ارميا في باسوق من السيمان السادس والأربعون ( كي ذبح لدوناي الوهيم صواووت بأرض صافون إلى نهريرات ) ؛ يعني يذبح ويضحي لرب العالمين شخص جليل في أرض الشمال بشاطئ الفرات »(٩٠)

وفي مصحف شيث إشارة إلى واقعة كربلاء : « ذكر أبو عمرو الزاهد ، في كتاب الياقوت : قال : قال عبدالله بن صفار ، صاحب أبي حمزة الصوفي : غزونا غزاة ، وسبينا سبياً ، وكان فيهم شيخ من عقلاء النصارى ؛ فأكرمناه وأحسنا إليه ، فقال لنا : أخبرني أبي عن آبائه انهم حفروا في بلاد الروم حفراً قبل أن يبعث النبي العربي بثلاث مائة سنة ، فأصابوا حجراً عليه مكتوب بالمسند( كلام أولاد شيث ) هذا البيت من الشعر :

أترجو عصبة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب »(٩١)

أولاً ـ عرض الروايات :

ليس أحاديث فضل تربة الحسينعليه‌السلام وقداستها منحصرة بأحاديث الأئمةعليهم‌السلام ، بل إن أمثال هذه الروايات لها شهرة في كتب علماء الإسلام ، واليك قسماً منها كالتالي :

______________________

(٨٩) ـ المصدر السابق / ١٧ ـ ١٨ ( الحاشية )

(٩٠) ـ التستري ، الشيخ جعفر : الخصائص الحسينية / ٣٧

(٩١) ـ ابن نما ، محمد بن جعفر الحلي : مثير الأحزان ، ج ١ / ٩٧

٦٨

مرويات الإمامية :

يمكن تلخيص مرويات الإمامية في فضل تربة كربلاء من خلال الطرق التالية :

الأول ـ الرسول الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) :

روى أبو بصير عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : (بينما الحسين بن علي عليهما السلام عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ إذ أتاه جبرئيل فقال : يا محمد أتحبه ؟ فقال نعم فقال : أما إن أمتك ستقتله قال : فحزن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حزناً شديداً ، فقال له جبرئيل : يا رسول الله أتريد التربة التي يقتل فيها ؟ فقال : نعم ، فخسف ما بين مجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى كربلاء حتى إلتقت القطعتان هكذا ، ثم جمع بين السبابتين ، ثم تناول بجناحه من تربتها وناولها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم رجعت أسرع من طرفة عين ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : طوبى لك من تربة ، وطوبى لمن يقتل فيك ) (٩٢)

الثاني ـ أمير المؤمنين علي (عليه‌السلام ) :

وروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال :( مَرّ أمير المؤمنين عليه‌السلام بكربلاء في أناس من أصحابه ؛ فاغرورقت عيناه بالبكاء ، ثم قال : هذا مناخ ركابهم ، وهذا ملتقى رحالهم ، وهنا تهرق دماؤهم ، طوبى لك من تربة ، عليك تهرق دماء الأحبة ) (٩٣)

الثالث ـ الأئمة من بعده (عليهم‌السلام ) :

١ ـ قال علي بن الحسينعليه‌السلام :( إتخذ الله ارض كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل أن يخلق الله أرض الكعبة ويتخذها حرماً بأربعة وعشرين ألف عام ، وأنه

______________________

(٩٢) ـ ابن قولويه ، الشيخ أبي القاسم جعفر بن محمد : كامل الزيارات / ٦٠ ، ( باب ١٧ )

(٩٣) ـ نفس المصدر / ٢٧١ ـ ٢٧٢ ، ( باب ٨٨ )

٦٩

إذا زلزل الله تبارك وتعالى الأرض وسترها ، رفعت كما هي بتربتها نورانية صافية ؛ فجعلت في أفضل روض من رياض الجنة ، وأفضل مسكن في الجنة لا يسكنه إلا النبيون والمرسلون أو قال : أولوا العزم من الرسل ، فإنها لتزهر بين رياض الجنة كما يزهر الكوكب الذري بين الكواكب لأهل الأرض ، يغشى نورها أبصار أهل الجنة جميعا ، وهي تنادي : أنا أرض الله المقدسة الطيبة المباركة ، التي تضمنت سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة ) (٩٤)

٢ ـ قال أبو جعفر ( الباقر )عليه‌السلام :( الغاضرية هي البقعة التي كَلّم الله فيها موسى بن عمران ، وناجى نوحاً فيها ، وهي اكرم أراضي الله عليه ، ولولا ذلك ما استودع الله فيها أوليائه وأبناء نبيه ، فزوروا قبورنا بالغاضرية ) (٩٥)

٣ ـ صفوان الجمال قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول :( إن الله تبارك وتعالى فَضّل الأراضين والمياه بعضها على بعض ، فمنها ما تفاخرت ، ومنها ما بغت ، فما من ماء ولا أرض إلا عوقبت لتركها التواضع لله ، حتى سلّط الله المشركين على الكعبة ، وأرسل إلى زمزم ماء مالحاً حتى أفسد طعمه ، وإن كربلاء وماء الفرات أول أرض وأول ماء قدس الله تبارك وتعالى ؛ وبارك عليهما ، فقال لها : تكلمي بما فضلك الله تعالى ؛ فقد تفاخرت الأرضون والمياه بعضها على بعض ، قالت : أنا أرض الله المقدسة المباركة ، الشفاء في تربتي ومائي ولا فخر ، بل خاضعة ذليلة لمن فعل بي

______________________

(٩٤) ـ ابن قولويه ، الشيخ أبي القاسم جعفر بن محمد : كامل الزيارات / ٢٦٨ ( باب ٨٨ )

(٩٥) ـ نفس المصدر / ٢٧٠

٧٠

ذلك ولا فخر على من دوني ، بل شكراً لله فأكرمها وزادها بتواضعها وشكرها الله بالحسين عليه‌السلام وأصحابه ثم قال أبوعبدالله عليه‌السلام : من تواضع لله رفعه ، ومن تكبر وضعه الله تعالى ) (٩٦) ، وبهذا القدر من المرويات نكتفي

مرويات السنة :

وردت روايات كثيرة في فضل تربة الحسينعليه‌السلام ، ذكرتها الصحاح والمسانيد المعتمدة لدى جمهور السنة والجماعة ويمكن تصنيفها كالتالي :

أولاً ـ الإمام علي (عليه‌السلام ) :

وأخرج ابن سعد عن الشعبي قال : (مَرّ علي ( رضي الله عنه ) بكربلاء عند مسيره إلى صفين وحاذى نينوى ـ قرية على الفرات ـ ؛ فوقف وسأل عن إسم هذه الأرض ؟ فقيل : كربلاء فبكى حتى بَلّ الأرض من دموعه ، ثم قال : دخلت على رسول الله وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك ؟ قال : كان عندي جبرئيل آنفاً وأخبرني أن ولدي الحسين يقتل بشاطئ الفرات بموضع يقال له كربلاء ، ثم قبض جبرئيل قبضة من تراب شمني إياه ؛ فلم أملك عيني أن فاضتا ) (٩٧)

ثانياً ـ نساء النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) :

أ ـ أم سلمة :

عن أبي وايل ـ شقيق بن سلمة ـ عن أم سلمة قالت :( كان الحسن والحسين ـ رضي الله عنهما ـ يلعبان بين يدي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيتي فنزل

______________________

(٩٦) ـ المصدر السابق / ٢٧٠

(٩٧) ـ ابن حجر ، أحمد بن علي : الصواعق المحرقة / ٩٣

٧١

جبرئيل عليه‌السلام ؛ فقال : يا محمد إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك ؛ فأومأ بيده إلى الحسين فبكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضمّه إلى صدره ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وضعت عندك هذه التربة ، فشمّها رسول الله وقال : ريح كرب وبلاء ، قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أم سلمة إذا تحولت هذه التربة دماً فاعلمي أن ابني قد قتل ، قالت : فجعلتها في قارورة ، ثم جعلت تنظر إليها وتقول : إن يوماً تحولين دماً ليوم عظيم ) (٩٨)

ب ـ عائشة :

أخرج ابن سعد ، والطبراني عن عائشة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( أخبرني جبرئيل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف ، وجاءني بهذه التربة فأخبرني أن فيها مضجعه ) (٩٩)

ج ـ أم الفضل بنت الحرث :

أخرج أبو داود ، والحاكم ، عن أم الفضل بنت الحرث أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا ؛ يعني الحسين ، وأتاني بتربة من تربة حمراء ) (١٠٠)

د ـ زينب بنت جحش :

عن زينب قالت :( بينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيتي وحسين عندي ، حين درج ؛ فغفلت عنه ، فدخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : دعيه ـ إلى قولها ـ ثم قام فصلى ، فلما قام احتضنه إليه فإذا ركع أو جلس وضعه ثم جلس فبكى ،

______________________

(٩٨) ـ ابن حجر ، أحممد بن علي : تهذيب التهذيب / ج ٢ / ٣٤٦

(٩٩) ـ ابن حجر ، أحمد بن علي : الصواعق المحرقة / ١٩٢

(١٠٠) ـ الهندي ، علاء الدين ، علي المتقي : كنز العمال ، ج ١٣ / ١٠٨

٧٢

ثم مد يده فقلت حين قضى الصلاة : يا رسول الله ، إني رأيتك اليوم صنعت شيئاً ما رأيتك تصنعه ؟ قال : إن جبريل أتاني فأخبرني أن هذا تقتله أمتي ، فقلت : أرني تربته ؛ فأتاني بتربة حمراء ) (١٠١)

ثالثاً ـ أصحاب النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) :

١ ـ عبدالله بن عباس :

عن ابن عباس قال :( كان الحسين في حجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال جبرئيل : أتحبه ؟ فقال كيف لا أحبه وهو ثمرة فؤادي ؟ فقال : إن أمتك ستقتله ، ألا أريك من موضع قبره ؟ فقبض قبضة ؛ فإذا هي تربة حمراء ) (١٠٢)

٢ ـ معاذ بن جبل :

عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، أن معاذ بن جبل أخبره وقال : خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متغير اللون ، فقال : أنا محمد أوتيت فواتح الكلام وخواتمه فأطيعوني مادمت بين أظهركم ، فإذا ذهب بي ؛ فعليكم بكتاب الله عَزّ وجَلّ أحلوا حلاله ، وحرموا حرامه ، أتتكم المؤتية بالروح والراحة ، كتاب الله من الله سبق ، أتتكم فتن كقطع الليل المظلم ، كلما ذهب رسل جاء رسل ، تناسخت النبوة فصارت ملكاً ، رحم الله من أخذها بحقها ، وخرج منها كما دخلها

إمسك يا معاذ وأخصّ ، قال : قلما بلغت خمسة قال : يزيد لا يبارك الله في يزيد ، ثم ذرفت عيناه ثم قال : نعي إلي الحسين ، وأوتيت بتربته واخبرت بقاتله ، والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعوه إلا خالف

______________________

(١٠١) ـ ابن حجر ، أحمد بن علي : المطالب العالية بزوائد المساند الثمانية / ٩٠

(١٠٢) ـ ابن كثير ، عماد الدين ، إسماعيل بن عمر : البداية والنهاية ، ج ٦ / ٢٣٠

٧٣

الله بين صدورهم وقلوبهم ، وسلّط عليهم شرارهم وألبسهم شِيَعاً ثم قال : واهاً لفراخ آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خليفة مستخلف مترف ، يقتل خلفي وخلف الخلف )(١٠٣)

٣ ـ أنس بن مالك :

اخرج البغوي في معجمه من حديث أنس بن مالك ، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( استأذن ملك القطر ربه أن يزورني ؛ فأذن له وكان في يوم أم سلمه فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أم سلمه احفظي علينا الباب لا يدخل أحد ؛ فبينما هي على الباب ؛ إذ دخل الحسين فاقتحم فوثب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجعل رسول الله يلثمه ويقبله ، فقال له الملك : أتحبه ؟ قال : نعم قال : إن أمتك ستقتله ، وإن شئت أريك المكان الذي يقتل به ، فأراه فجاء بسهلة أو تراب أحمر ، فأخذته أم سلمه فجعلته في ثوبها ) (١٠٤)

هذه بعض روايات الأصحاب ونساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي روتها صحاح ومسانيد السنة والجماعة ، وهناك روايات لم نذكرها ، ومن أراد التوسع ؛ فعليه بمراجعتها في الكتب الخاصة بها(١٠٥)

ثانياً ـ نظرة حول الروايات :

بعد التأمل في الروايات المتقدمة بما فيها تعدد طرقها ؛ نخرج بالتالي :

١ ـ إهتمام السماء بهذه التربة الزكية ، من خلال إخبار جبرئيل وغيره من الملائكة بقتل الحسينعليه‌السلام وإتيانهم بتربته ، ولم يكن الإهتمام لأي تربة اخرى

______________________

(١٠٣) ـ الهيثمي ، الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر : مجمع الزوايد ، ج ٩ / ١٨٩

(١٠٤) ـ ابن حجر ، أحمد بن علي : الصواعق المحرقة / ١٩٢

(١٠٥) ـ المرعشي ، السيد شهاب الدين : إحقاق الحق وملحقاته ، ج ١١ / ٣٣٩ ـ ٤١٢

٧٤

٢ ـ إهتمام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه التربة ؛ من شمها وإعطائها أم سلمة وديعة

٣ ـ إهتمام الأصحاب ورجال الحديث ـ من خلال تعدد طرقها وكثرة مصادرها ـ بتربة الحسينعليه‌السلام

ـ وبعد كل ذلك ، بماذا نحلل إتيان جبريل وغيره من الملائكة ؟!

ـ وبماذا نحلل إهتمام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه التربة الطاهرة الزكية ؟!

ـ هل على نحو العبث ، أم لفضيلة هذه التربة الطاهرة ؟!

التفاضل بين مكة والمدينة وكربلاء :

س / يفهم من تعلق الشيعة الإمامية بـ ( تربة الحسين عليه‌السلام ) ، أنها أفضل من تربة مكة التي لم تزل منذ نزول آدم عليه‌السلام إلى الآن أرض مقدسة وأفضل من أرض المدينة المنورة التي تختص بجسد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تكونان في المنزلة دون كربلاء ، هذا أمر غريب ؟! وهل الحسين عليه‌السلام أفضل من جده الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

ج / يتضح الجواب بعد بيان التالي :

أولاً ـ إختلف العلماء في تفاضل مكة والمدينة وكربلاء حسب الوجوه التالية :

رأي السنة والجماعة :

١ ـ ذهب الشافعي ، وأهل مكة ، وأهل العلم أجمع ، إلى أن مكة أفضل(١٠٦)

٢ ـ ذهب مالك وأهل المدينة إلى أن المدينة أفضل(١٠٧)

٣ ـ قال القاضي عياض : إن موضع قبرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل بقاع الأرض ، وإن مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض(١٠٨) وحكاية الإجماع على تفضيل ما ضم

______________________

(١٠٦) ـ النووي ، محي الدين بن شرف : المجموع في شرح المهذب ، ج ٧ / ٤٦٩ ـ ٤٧٠

(١٠٧) ـ ابن حزم ، علي بن أحمد : المحلى ، ج ٧ / ٢٧٩

(١٠٨) ـ الشوكاني ، محمد بن علي : نيل الاوطار ، ج ٥ / ٣٥

٧٥

الأعضاء الشريفة نقله القاضي عياض ، وكذا القاضي أبو الوليد الباجي ( الناجي ) قبله كما قال الخطيب ابن جمله ، وكذا نقله أبو اليمن ابن عساكر وغيرهم ، مع التصريح بالتفضيل على الكعبة الشريفة(١٠٩)

رأي الشيعة الإمامية :

١ ـ ذهب الشيخ الطوسي ، بل ادعى الإجماع على أفضلية مكة على غيرها(١١٠)

٢ ـ وأجمعوا على أن الموضع الذي ضم أعضاءه الشريفة أفضل بقاع الأرض(١١١)

٣ ـ وقال السيد علي خان : والأقرب أن موضع قبور الأئمة عليهم السلام كذلك ، أما البلدان التي فيها ؛ فمكة أفضل منها حتى المدينة(١١٢)

٤ ـ وقال الشهيد الثاني ( قده ) في الدروس : مكة أفضل بقاع الأرض ما عدا قبر الرسول الله صلى الله عليه وآله ، وروي في كربلاء على ساكنها السلام ، مرجحات(١١٣)

٥ ـ ذهب السيد بحر العلوم ( قده ) : إلى تفضيل كربلاء على مكة ، كما هو المستفاد من منظومته الدرة النجفية :

والأفضل الأرض ومنها فُضِّلا

تُرْبَةُ قُدْسٍ قُدِّسَت في كربلا(١١٤)

ومن حديث كربلا والكعبة

لكربلا بان علو الرتبة(١١٥)

______________________

(١٠٩) ـ السمهودي ، نور الدين علي : وفاء الوفاء : ج ١ / ٢٨

(١١٠) ـ الطوسي ، شيخ الطائفة ، محمد بن الحسن : الخلاف ، ج ٢ / ٤٥١

(١١١) ـ الشيرازي ، السيد علي خان : رياض السالكين ، ج ١ / ٤٧٦

(١١٢) ـ نفس المصدر / ٤٧٧

(١١٣) ـ نفس المصدر / ٤٧٦

(١١٤) ـ بحر العلوم ، السيد محمد مهدي الطباطبائي : الدرة النجفية / ٩٧

(١١٥) ـ نفس المصدر / ١٠٣

٧٦

وذهب الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ( قده ) : إلى تفضيل كربلاء على غيرها ، حيث قال : « إذن ، أفليس من صميم الحق والحق الصميم ، أن تكون أطيب بقعة على وجه الأرض مرقداً وضريحاً لأكرم شخصية في الدهر »(١١٦)

خلاصة واستنتاج :

أولاً ـ بعد عرض الأقوال نخرج بما يلي :

١ ـ الإتفاق بين المسلمين على أن الموضع الذي ضم أعضاءه الشريفة أفضل بقاع الأرض وزاد الإمامية أن المواضع التي تضم أعضاء المعصومينعليهم‌السلام من أهل بيته أيضاً ؛ لأنهم أفضل الخلق من بعده

٢ ـ الإتفاق بين المسلمين على أن مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض ، والإختلاف في التفاضل بينهما

٣ ـ بعض الإمامية يقول : بأن كربلاء أفضل من مكة والمدينة ، ماعدا قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقبور أهل بيتهعليهم‌السلام

ثانياً ـ إن عظمة الحسينعليه‌السلام من عظمة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وشرف الحسينعليه‌السلام من شرفه ، وهو القائل في حقه :( حسين مني وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسيناً ، حسين سبط من الأسباط ) (١١٧) وقد روى هذا الحديث كثير من محدثي الطوائف الإسلامية

توجيه الأعلام لحديث (حسين مني) :

ولأرباب العلم في معناه وجوه :

______________________

(١١٦) ـ كاشف الغطاء ، الشيخ محمد حسين : الأرض والتربة الحسينية / ٢٥

(١١٧) ـ الترمذي ، محمد بن عيسى : سنن الترمذي ، ج ٢ / ٣٠٧ ( مناقب الحسن والحسين )

٧٧

أولاً ـ « أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قصد إكمال الحب وتمام الإلفة بسبطه وريحانته الحسين ؛ فإن البلغاء من العرب إذا أرادوا أن يظهروا الإتحاد والإلفة وشدة الإتصال والمحبة بأحد منهم ، يقولون : فلان منا ونحن من فلان ، كما أنهم إذا أرادوا أن يظهروا النفرة وشدة القطيعة من رجل قالوا فيه :( إننا لسنا منه وليس هو منا ) ، قال شاعرهم :

أيها السائل عنهم وعني

لست من قيس ولا قيس مني

وجاء في الحديث القدسي في الحاسد الحاقد :( إنه ليس مني ولست أنا منه ) ؛ أي إن المحبة الشديدة ، والصلة الأكيدة ، والعلاقة التامة بيني وبين الحسين ، جعلته كجزء مني وجعلتني كجزء منه من شدة الإتصال وعدم الإنفكاك »(١١٨)

ثانياً ـ « قد يكون إشارة إلى ما روي ؛ أن الحسينعليه‌السلام لما ولد كان يؤتى به إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيرضعه من ريقه أو إبهامه ، حتى نبت لحمه من لحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعظمه من عظمه ، ودمه من دمه ، فكأنهما نفس واحدة ، فبملاحظة ذلك صح أن يقولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وأنا من حسين ) »(١١٩)

ثالثاً ـ « لما كان الحسين متولداً من فاطمةعليها‌السلام ، وفاطمة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ صح أن يقول :( وأنا من حسين ) ؛ ولذا يفسر قوله :( حسين مني ) بالجهة المادية ، وقوله :( أنا من حسين ) بالجهة المعنوية »(١٢٠)

______________________

(١١٨) ـ الفيروزآبادي ، السيد مرتضى الحسيني : فضائل الخمسة ، ج ٣ / ٣٢٢ ـ ٣٢٣

(١١٩) ـ العمران ، العلامة الشيخ فرج : الأزهار الأرجية ، ج ٢ / ٩٦

(١٢٠) ـ نفس المصدر

٧٨

نعم نفهم من تعبير الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وأنا من حسين ) تلك المكانة العالية للحسينعليه‌السلام عند جده وعند ربه أيضاً ، وتتجلى تلك المكانة عبر الأحاديث التالية :

أ ـ أخرج الحاكم في( المستدرك ) وصححه ، وقال الذمني في التخلص على شرط مسلم عن ابن عباس قال :( أوحي إلى محمد أني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفاً ، وإنني قاتل بابن بنتك سبعين ألفاً وسبعين ألفا ) (١٢١)

ب ـ واخرج الثعلبي : «( أن السماء بكت وبكائها حمرتها ) وأخرج غيره :( إحمرّت آفاق السماء ستة أشهر بعد قتله ، ثم لا زالت الحمرة تُرى بعد ذلك ) وأن ابن سيرين قال : أخبرنا أنّ الحمرة التي تأتي مع الشفق لم تكن قبل الحسين وذكر ابن سعد أنّ هذه الحمرة لم ترَ في السماء قبل قتله .

قال ابن الجوزي : وحكمته أن غضبنا يؤثر حمرة الوجه ، والحق تنزه عن الجسمية فاظهر تأثير غضبه على من قتل الحسين بحمرة الأفق إظهاراً لعظم الجناية »(١٢٢)

كما تظهر لنا عناية الباري عَزّ وجَلّ بالحسينعليه‌السلام ، حيث عَوّضه بإستشهاده في الدنيا بثلاثة أشياء ، كما هو المستفاد من حديث ابن عباس ( ثم قال : يا ابن عباس ، من زاره عارفاً بحقه ؛ كتب له ثواب ألف حجة وألف عمره ، ألا من زاره فكأنما زارني ، ومن زارني فكأنما زار الله ، وحق

______________________

(١٢١) ـ الصبان ، الشيخ محمد : إسعاف الراغبين / ١٩٢ ، ( مطبوع بهامش ـ نور الأبصار : للشبلنجي )

(١٢٢) ـ ابن حجر ، أحمد بن علي : الصواعق المحرقة / ١٩٤

٧٩

الزائر على الله أن لا يعذبه بالنار ، وأن الإجابة تحت قبته ، والشفاء في تربته ، والأئمة من ولده )(١٢٣)

وحديث محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر ، وجعفر بن محمدعليهما‌السلام يقولان :( إن الله عوّض الحسين عليه‌السلام من قتله ؛ أن جعل الإمامة في ذريته ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ، ولا تعد أيام زائريه جائياً وراجعاً من عمره ) (١٢٤)

وبعد هذا البيان ، إتضح لنا ميزة تربة الطف على غيرها ؛ إذ قدّسها الباري عَزّ وجَلّ بسبب من قتل فيها في سبيله ، وإلى هذا يشير إمامنا السجادعليه‌السلام بقوله :( طوبى لأرض تضمنت جسدك الطاهر ، فإنّ الدنيا بعدك مظلمة ، والآخرة بنورك مشرقة ، أما الليل ؛ فمسهد والحزن سرمد ، أو يختار الله لأهل بيتك دارك التي أنت بها مقيم ، وعليك مني السلام يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته ) (١٢٥) وفي زيارة الإمام الصادقعليه‌السلام للشهداء :( بِاَبي اَنْتُمْ وَاُمّي طِبْتُمْ وَطابَتِ الاَرْضُ الَّتي فيها دُفِنْتُمْ ، وَفُزْتُمْ فَوْزاً عَظيماً ) (١٢٦) فهل في ذلك مانع ؟!

أم هل في تفضيل تربة الحسينعليه‌السلام على بقاع الأرض ، تفضيل الحسين على جده الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟! كلا ، إنّ تفضيلنا لهذه التربة ناشئ من اهتمام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بها كما ذكرنا سابقاً

______________________

(١٢٣) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ج ٣٦ / ٢٨٦ ( باب : ٤١ ـ حديث ١٠٧ )

(١٢٤) ـ نفس المصدر ، ج ٤٤ / ٢٢١ ، ( باب ٢٩ ـ حديث ١ )

(١٢٥) ـ المقرم ، السيد عبدالرزاق : مقتل الحسين / ٣٢٠

(١٢٦) ـ القمي ، الشيخ عباس : مفاتيح الجنان / ٥٢٦

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232