تربة الحسين عليه السلام الجزء ١

تربة الحسين عليه السلام25%

تربة الحسين عليه السلام مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 232

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 232 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59758 / تحميل: 3716
الحجم الحجم الحجم
تربة الحسين عليه السلام

تربة الحسين عليه السلام الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

التوضيح :

الخرور : السقوط على الأرض

الذقن : هو مجمع اللحيين من الوجه

السِّيمَا : العلامة

وبعد بيان هذه المعاني ، يتضح لنا أن « الخرور للأذقان : السقوط على الأرض على أذقانهم للسجدة كما بينه قوله : « سجدا » ، وإنما اعتبرت الأذقان ؛ لأن الذقن أقرب أجزاء الوجه من الأرض عند الخرور عليها للسجدة ، وربما قيل : المراد بالأذقان الوجوه إطلاقاً للجزء على الكل مجازاً »(٣٢)

« والمراد بـ( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) أثر التراب في جباههم ؛ لأنهم كانوا إنما يسجدون على التراب لاعلى الأثواب »(٣٣) وخلاصة القول : أن كيفية السجود في القرآن هي وضع الجبهة على الأرض خضوعاً وخشوعاً لله

٣ ـ أهمية السجود :

س / ما أهمية السجود في القرآن ؟

ج / تتضح لنا أهمية السجود في القرآن بعد معرفة العناوين التالية :

١ ـ القرب من الله : قال تعالى :( كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب ) [ العلق / ١٩ ] أي اسجد يا محمد للتقرب منه ، فإن أقرب ما يكون العبد من الله إذا سجد له

٢ ـ الإعتناء بالساجدين : ويشير إليه قوله تعالى :( وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ
أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ
) [ البقرة / ١٢٥ ] « العهد حفظ ______________________

(٣٢) ـ الطباطبائي ، السيد محمد حسين : الميزان في تفسير القرآن ، ج ١٣ / ٢٢٢

(٣٣) ـ نفس المصدر ، ج ١٨ / ٣٠٠ ( بتصرف )

٤١

الشيء ومراعاته حالاً بعد حال والإهتمام به »(٣٤) ويأتي بمعنى التثبيت المشدد مع عناية خاصة ، وهي ظهور إحترام المعهود إليه بالوفاء بما عهد إليه ، وظهور نوع الموضوع مما يعتني به كثيراً ، وفي إضافة البيت إلى نفسه المقدسة ثم التفضيل بقبول العبادة الواقعة فيه إيماء إلى كثرة عنايته تعالى بالبيت وبالعبادة الواقعة فيه(٣٥) والتي منها السجود وتتضح لنا العناية أكثر بتكرار الخطاب إلى إبراهيمعليه‌السلام في قوله :( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن
لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ
) [ الحج / ٢٦ ]

٣ ـ توبيخ الممتنعين عن السجود : قال تعالى :( قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ
أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ
فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ
) [ الأعراف / ١٢ ـ ١٣ ] « والمعنى ـ قال الله تعالى : فتنزل عن منزلتك حيث لم تسجد لما أمرتك ، فإن هذه المنزلة منزلة التذلل والانقياد لي ، فما يحق لك أن تتكبر فيها فأخرج إنك من الصاغرين أهل الهوان ، وإنما أخذ بالصغار ليقابل به التكبر »(٣٦)

الفصل الرابع : السجود في السنة :

ويضم الأبحاث التالية :

أولاً ـ تعريف السجود :

س / ما هو السجود في السنة ؟

ج / هو كما نصبت عليه كتب الحديث الإسلامية ، ونذكر منها الآتي :

______________________

(٣٤) ـ الراغب الإصفهاني ، أبي القاسم ، الحسين بن محمد : المفردات في غريب القرآن / ٣٥٠

(٣٥) ـ السبزواري ، السيد عبد الأعلى : مواهب الرحمان في تفسير القرآن ، ج ٢ / ٢٥

(٣٦) ـ الطباطبائي ، السيد محمد حسين : الميزان في تفسير القرآن ، ج ٨ / ٣٠

٤٢

روت الإمامية ، كما عن زرارة ، قال أبو جعفرعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( السجود على سبعة أعظم : الجبهة ، واليدين ، والركبتين ، والإبهامين من الرجلين ، وترغم بأنفك إرغاماً ، أما الفرض ؛ فهذه سبعة ، وأما الإرغام بالأنف ؛ فسنة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) (٣٧)

وروت السنة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إذا سجد العبد سجد معه سبعة أطراف ، وجهه ، وكفاه وركبتاه ، وقدماه ) (٣٨)

ثانياً ـ مكان السجود :

س / ما هي الأشياء التي يصح السجود عليها ؟

ج / يمكن تقسيم ذلك إلى ثلاثة أقسام :

الأول ـ السجود على الأرض مباشرة :

إن من المتسالم عليه لدى المسلمين ، السجود على الأرض حسب التفصيل الآتي :

مرويات الإمامية :

إستدلت الإمامية على ذلك بعدة روايات نذكر منها التالي :

١ ـ قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أُعطيت خمساً لم يعطها أحد قبلي ؛ جُعِلَتْ لي الأرض مسجداً وطهوراً ) (٣٩)

٢ ـ وفي لفظ آخر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( إن الله جعل لي الأرض مسجداً وطهوراً أينما كنت منها ، أتيمم من تربتها وأصلي عليها ) (٤٠)

______________________

(٣٧) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد حسن : وسائل الشيعة ، ج ٤ / ٩٥٤ ( باب ـ ٤ ـ من أبواب السجود حديث ٤ )

(٣٨) ـ مسلم ، مسلم بن الحجاج : صحيح مسلم ، ج ١ / ( كتاب الصلاة ـ باب أعضاء السجود )

(٣٩) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد حسن : وسائل الشيعة ، ج ١ / ٩٦٩ ـ ٩٧٠ ( باب ـ ٧ ـ من أبواب التيمم حديث (٢) )

(٤٠) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٨٠ / ٢٧٧

٤٣

يقول الشيخ المجلسي ( قده ) :« قد عرفت أنه يستفاد من تلك الأخبار المتواترة معنى جواز الصلاة في جميع بقاع الأرض إلا ما أخرجه الدليل » (٤١)

ويقول صاحب المدارك ( قده ) :« أجمع الأصحاب على أنه لا يجوز السجود على ما ليس بأرض ولا نبات » (٤٢) هذا خلاصة رأي الإمامية ، ومن أراد التوسع ؛ فعليه مراجعة كتبهم ورسائلهم الفقهية

مرويات السنة :

وإستدلت السنة بالسجود على الأرض بعدة روايات ، أهمها التالي :

١ ـ عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( وجعلت لي الأرض مسجداً وطهورا ، فأيما رجلُ من أمتي أدركته الصلاة فليصلِّ ) (٤٣)

٢ ـ وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وجعلت لي الأرض طيبة وطهوراً ومسجداً ، فأيما رجلُ أدركته الصلاة صلى حيث كان ) (٤٤)

قال النووي : « وفيه جواز الصلاة في جميع المواضع إلا ما إستثناه الشرع من الصلاة في المقابر وغيرها من المواضع التي فيها النجاسة كالمزبلة والمجزرة ، وكذا ما نُهي عنه لمعنى آخر ، فمن ذلك أعطان الإبل ، ومنه قارعة الطريق والحمام وغيرهما »(٤٥) وهناك أقوالٌ أخرى ، من أرادها ؛ فعليه بمراجعتها

فالنتيجة التي يمكن التوصل إليها هي : أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيتهعليهم‌السلام وصحابته والتابعين سجدوا على الأرض بلا خلاف في ذلك

______________________

(٤١) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٨٠ / ٢٧٨

(٤٢) ـ العاملي ، السيد محمد علي : مدارك الأحكام ، ج ٣ / ٢٤١

(٤٣) ـ البخاري ، محمد بن إسماعيل : صحيح البخاري ، ج ٢ / ٩١ ( باب التيمم )

(٤٤) ـ مسلم ، مسلم بن الحجاج : صحيح مسلم ، ج ٢ / ٦٤

(٤٥) ـ النووي ، محي الدين بن شرف : شرح صحيح مسلم ، ج ٥ / ٢

٤٤

الثاني ـ السجود على غير الأرض لغير عذر :

تقدم أنّ السجود لابد أنْ يكون على الأرض ؛ والمراد من الأرض التراب والحصى ، وأما المعادن والفلزّات العالقة في الأرض ؛ فخارجة ، وسيتضح هذا بعد ذلك هذا هو التشريع الأساسي ، ولكن إستفاد المسلمون من عمل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه رَخّصَ في السجود على غير الأرض ، تارة لعذر ، وأخرى لغير عذر أما الذي لغير عذر ؛ فسيكون البحث فيه كالتالي :

مرويات الإمامية :

ذهبت الإمامية : إلى أنّ السجود على الأرض أفضل من السجود على النبات والقرطاس وغيرهما مما جاز السجود عليه ، كما هو مُفَصّل في كتبهم الفقهية ، إعتماداً على روايات أهل البيتعليهم‌السلام ، ونذكر منها التالي :

١ ـ عن هشام بن الحكم : أنه قال لأبي عبد اللهعليه‌السلام :( أخبرني عما يجوز السجود عليه وعَمّا لا يجوز ؟ قال عليه‌السلام لا يجوز إلا على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لبس فقال له : جُعلْتُ فداك ما العِلّة في ذلك ؟ قال عليه‌السلام : لأنّ السجود خضوع لله عَزّ وجَلّ فلا ينبغي أنْ يكون على ما يُؤْكَل ويُلْبَس ؛ لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون والساجد في سجوده في عبادة الله عَزّ وجَلّ ، فلا ينبغي أنْ يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين إغتروا بغرورها ) (٤٦)

٢ ـ عن إسحاق بن الفضيل أنه سأل أبا عبد اللهعليه‌السلام عن السجود على الحُصُر والبَوارِي ؟ فقال :( لا بأس ، وأنْ يسجد على الأرض أَحَبُّ إليَّ ، فإنّ

______________________

(٤٦) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد حسن : الوسائل ، ج ٣ / ٥٩١ ( باب ـ ١ ـ من أبواب ما يسجد عليه ، حديث (١) )

٤٥

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يحب ذلك أنْ يُمكِّن جبهته من الأرض ، فأنا أحب لك ما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحبه ) (٤٧)

٣ ـ عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال :( لا بأس بالصلاة على البُورِيَا ، والخَصَفَة وكل نبات إلا الثمرة ) (٤٨)

وبعد هذه الروايات نقول : إن الإمامية تُصرِّح بلزوم السجود على الأرض من ناحية أساسية ، وتجوِّز السجود على نبات الأرض وما يصنع منه ، كالحصر والبواري ونحوها ، إلا المأكول والملبوس كالقطن والكتان ونحوهما ، كل ذلك إعتماداً على ما ورد عن أهل البيتعليهم‌السلام

مرويات السنة :

قد روت السنة والجماعة أحاديث كثيرة مذكورة في صحاحها ومسانيدها ، مفادها أن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رخّص في السجود على نبات الأرض وما يُصنع منه ، كالخمرة والحصير وغيرهما نذكر منها التالي :

١ ـ عن أنس بن مالك قال :( كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُقِيل عند أم سليم ؛ فتبسط له نَطْعَاً فتأخذ من عَرَقِه فتجعله في طيبها وتبسط له الخُمْرَة (٤٩) ؛ فيصلي عليها ) (٥٠)

٢ ـ عن أنس بن مالك قال :( كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحسن الناس خُلقاً ، فربما تحضره الصلاة وهو في بيتنا ، فيأمر بالبساط الذي تحته فُيكْنَسْ ثم

______________________

(٤٧) ـ المصدر السابق / ٦٠٩ ( باب (١٧) ، حديث (٤) )

(٤٨) ـ نفس المصدر / ٥٦٣ ( باب (١) ، حديث (٩) )

(٤٩) ـ المستفاد من كلمات اللغويين أن الخمرة مصنوعة من سعف النخيل أصغر من الحصير

(٥٠) ـ البيهقي ، أحمد بن الحسين : السنن الكبرى ، جـ ٢ / ٤٢١ ( باب الصلاة على الخمرة )

٤٦

يُنْضَح ثم يقوم ؛ فنقوم خلفه فيصلي بنا قال : وكان بساطهم من جريد النخل ) (٥١)

٣ ـ عن أنس بن مالك قال :( إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل بيتاً فيه فحل (٥٢) ، فكسح ناحية منه ورش فصلى عليه ) (٥٣)

٤ ـ عن جابر قال :( حدثني أبو سعيد قال : دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يُصَلِّي على حصير ) (٥٤) قال الشوكاني : « وقد ذهب إلى إستحباب الصلاة على الحصير أكثر أهل العلم كما قال الترمذي ، قال : إلا أنّ قوماً من أهل العلم إختاروا الصلاة على الأرض إستحباباً »(٥٥)

وقال أيضاً : وعن جابر بن زيد :( أنه كان يكره الصلاة على كل شئ من الحيوان ، ويستحب الصلاة على كل شئ من نبات الأرض ) (٥٦) وقال :« وقد روي عن زيد بن ثابت ، وأبي ذر ، وجابر بن عبدالله ، وعبدالله بن عمر ، وسعيد بن المسيب ، ومكحول ، وغيرهم من التابعين : إستحباب الصلاة على الحصير ، وصرح ابن المسيب بأنها سنة » (٥٧)

______________________

(٥١) ـ المصدر السابق / ٤٣٦ ( باب من بسط شيئاً فصلى عليه )

(٥٢) ـ حصير مصنوع من سعف فحال النخل ؛ أي ذكر النخل الذي تلقح منه ، فسمى الحصير فحلاً مجازاً راجع النهاية في غريب الحديث ج ٣ / ٤١٦

(٥٣) ـ البيهقي ، أحمد بن الحسين : السنن الكبرى ، ج ٢ / ٤٣٦ ( باب من بسط شيئاً فصلى عليه )

(٥٤) ـ نفس المصدر / ٤٢٠ ( باب الصلاة على الحصير )

(٥٥) ـ الشوكاني ، الشيخ محمد علي : نبل الأوطار ، ج ٢ / ١٤٩ ( باب الصلاة على الفراء وغيرهما من المفارش )

(٥٦) ـ نفس المصدر

(٥٧) ـ نفس المصدر

٤٧

الثالث ـ السجود على غير الأرض لعذر :

مرويات الإمامية :

منعت الإمامية من السجود على غير الأرض وما يلحقها من النبات غير المأكول والملبوس وأجازته في حال الضرورة والعذر ، إعتماداً على مرويات أهل البيتعليهم‌السلام ، نذكر منها التالي :

١ ـ عن أبي بصير ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال :( قلت له : أكون في السفر فتحضر الصلاة وأخاف الرّمْضَاء على وجهي ، كيف أصنع ؟ قال : تسجد على بعض ثوبك ، فقلت : ليس عليَّ ثوب يمكنني أنْ أسجد على طرفه ولا ذيله ، قال : أسجد على ظهر كفك فإنها إحدى المساجد ) (٥٨)

٢ ـ عن القاسم بن الفضيل قال :( قلت للرضا عليه‌السلام : جُعِلْتُ فداك الرجل يسجد على كُمّه من أذى الحر والبرد ؟ قال : لا بأس به ) (٥٩)

٣ ـ عن علي بن جعفر ، عن أخيهعليه‌السلام قال :( سألته عن الرجل يؤذيه حر الأرض وهو في الصلاة ولا يقدر على السجود ، هل يصلح له أن يضع ثوبه إذا كان قطناً أو كَتّاناً ؟ قال : إذا كان مضطراً فليفعل ) (٦٠)

مرويات السنة :

إختلف علماء السنة في السجود على غير الأرض ، خصوصاً في السجود على الطَنَافِسْ والفِرَاء وغيرها من المَفارِش على ثلاثة أقوال :

______________________

(٥٨) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد حسن : وسائل الشيعة ، ج ٣ / ٥٩٧ ( باب ـ ٤ ـ من أبواب ما يسجد عليه ، حديث (٥) )

(٥٩) ـ نفس المصدر ، حديث (٤)

(٦٠) ـ نفس المصدر ، حديث (٨)

٤٨
الأول ـ القول بعدم جواز السجود عليها إلا لعذر وهو الأكثر

إعتماداً على روايات كثيرة نقتصر منها على الآتي :

عن أنس بن مالك قال :( كنا نصلي مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شدة الحر ، فإذا لم يستطع أحدنا أن يُمكِّن جبهته من الأرض ؛ بَسَط ثوبه فسجد عليه ) (٦١)

قال الشوكاني : « والحديث يدل على جواز السجود على الثياب لاتقاء حر الأرض ، وفيه إشارة إلى أن مباشرة الأرض عند السجود هي الأصل ؛ لتعليق( بَسَط ثوبه ) لعدم الإستطاعة وقد إستدل بالحديث على جواز السجود على الثوب المتصل بالمصلي قال النووي : وبه قال أبو حنيفة والجمهور »(٦٢) فعليك بمراجعة كتبهم وموسوعاتهم العلمية

الثاني ـ القول بالكراهة :

« وقد كره ذلك جماعة من التابعين فروى ابن أبي شَيْبَة في المصنف : عن سعيد بن المسيب ، ومحمد بن سيرين أنهما قالا : الصلاة على الطنفسة ؛ وهي البساط الذي تحته حَمْل مُحْدَثَة وجابر بن زيد ، كان يكره الصلاة على كل شئ من الحيوان ، ويستحب الصلاة على كل شئ من نبات الأرض وإلى الكراهة ذهب الهادي ، ومالك »(٦٣)

الثالث ـ القول بالجواز :

وممن نسب إليه القول بجواز السجود ـ على الثياب والفرش والطَنَافِس المصنوعة من الجلود والقطن والصوف ونحوها وبدون عذر ـ أبو هريرة ، وأنس ، ______________________

(٦١) ـ الشوكاني ، الشيخ محمد علي : نبل الأوطار ، ج ٢ / ٢٨٩ ( باب المصلي يسجد على ما يحمله ولا يباشر مصلاه بأعضائه )

(٦٢) ـ نفس المصدر

(٦٣) ـ نفس المصدر ، ج ٢ / ١٤٧

٤٩

ومكحول ، وعامة الفقهاء فيما بعد القرن الرابع ، إعتماداً على بعض مروياتهم نذكر منها الآتي :

١ ـ عن أبي هريرة :( كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسجد على كور عمامته ) (٦٤)

٢ ـ عن ابن عباس :( أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى على بساط ) (٦٥)

٣ ـ يونس بن الحرث ، عن أبي عون ( محمد بن عبدالله الثقفي ) ، عن أبيه ، عن المغيرة بن شعبة( أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلي على الحصير والفروة المذبوغة ) (٦٦) نكتفي بذكر هذا القسم من مروياتهم ونوضح بطلان وضعف هذا القوب بما يأتي :

أولاً ـ مناقشة صحة نسبة الآراء إلى أصحابها وهي كالتالي :

أ ـ إستفادة رأي أبي هريرة من مروياته غير ثابتة ؛ حيث أنكر البيهقي حديث السجود على كور العمامة ، حيث قال : « قال الشيخ : وأما ما روي في ذلك عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من السجود على كور العمامة ، فلا يثبت شئ من ذلك »(٦٧)

وذكر الزرقاني : « وذهب الشيعة إلى عدم الجواز ووافقهم الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه ؛ لأنه لم يثبت عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه سجد على كور عمامته ، وكان ينهى عن ذلك نعم روى عبدالله بن محرر عن أبي هريرة : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سجد على كور عمامته وهذا غير صحيح ؛ لأن عبدالله متروك الحديث كما قال ابن حجر ، وأبو حاتم ، والدار قطني ، وقال البخاري : انه

______________________

(٦٤) ـ المتقي الهندي ، علاء الدين ، علي بن حسام الدين : كنز العمال ، ج ٨ / ٨٥

(٦٥) ـ نفس المصدر

(٦٦) ـ نفس المصدر / ١٤٨

(٦٧) ـ البيهقي ، أحمد بن الحسين : السنن الكبرى ، ج ٢ / ١٠٦

٥٠

منكر الحديث ، وهو أحد قضاة الدولة ، ولم يذكر علماء الرجال سماعه عن أبي هريرة وقال الحافظ ابن حجر : لم يذكر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه سجد على كور عمامته ، ولم يثبت ذلك في حديث صحيح ولا حسن »(٦٨)

ب ـ وأما ما نسب إلى أنس في مروياته ؛ فقد حمل على الإضطرار ، ويدل على ذلك رواية عبدالله عن أنس بن مالك قال :( كنا نصلي مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود ) (٦٩)

وأما روايته( أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى على البسط ) : فقال الشوكاني : « حديث انس الذي ذكر بلفظ « البسط » ، أخرجه الأئمة الستة بلفظ الحصير وقد روى ابن أبي شيبة في سننه : ما يدل على أن المراد بالبساط الحصير بلفظ( فيصلي أحياناً على بساط لنا ) ، وهو حصير ننضحه بالماء قال العراقي : فتبين أن مراد أنس بالبساط : الحصير ، ولاشك انه صادق على الحصير لكونه يبسط على الأرض أي يفرش »(٧٠) وقد تقدم ما يدل على ذلك أيضاً فراجع(٧١)

ج ـ وأما ما نسب إلى مكحول ؛ فمحمول على الاضطرار كما هو صريح ما رواه ابن راشد قال :( رأيت مكحولاً يسجد على عمامته ، فقلت : لم تسجد عليها ؟ فقال : أتقي البرد على إنساني ) (٧٢)

______________________

(٦٨) ـ الزرقاني ، محمد بن عبد الباقي : شرح المواهب اللدنية ، بالمنح المحمدية ، ج ٧ / ٣٢١

(٦٩) ـ الصنعاني عبد الرزاق بن همام بن نافع : المصنف ، ج ٢ / ٤٠٠

(٧٠) ـ الشوكاني ، الشيخ محمد علي : نبل الأوطار ، ج ٢ / ١٤٩

(٧١) ـ ص / ٤١

(٧٢) ـ ابن أبي شيبة ، الحافظ عبدالله بن محمد : الكتاب المصنف في الأحاديث والأثار ، ج ١ / ٢٦٧ ، فيه اختلاف يسير : ( إني أخاف على بصري من برد الحصى ) المؤلف

٥١

د ـ وأما ما نسب إلى عامة الفقهاء ؛ فيحتاج إلى تأمل ، حيث أن الإعتماد على مثل هذه المرويات التي قسم منها يدل على الاضطرار ، والبعض منها ضعيف ، بالإضافة إلى مخالفة رأي الكثير من فقهاء الإسلام ، كل ذلك على فرض صحة النسبة ؛ فهو من الآراء الشاذة التي لا يعتمد عليها

ثانياً ـ يمكن تلخيص آراء الصحابة والتابعين والفقهاء كالتالي :

١ ـ ذهب أبو بكر ، ومسروق بن الأجدع ، وعبادة بن الصامت ، وإبراهيم النخعي ، إلى القول بوجوب السجود على الأرض فقط

٢ ـ وذهب عبدالله بن عمر ، ومالك ، وأبو حنيفة ، وابن حجر ، والشوكاني ، وأحمد ، والاوزاعي ، وإسحاق بن راهويه ، وأصحاب الرأي ، إلى القول بوجوب السجود على الأرض وما أنبتته اختياراً ، وجواز السجود على الثياب للحر والبرد

الفصل الخامس ـ أنواع السجود :

ذكر الفقهاء في رسائلهم العملية : أربعة أنواع للسجود كالتالي :

أولاً ـ السجود في الصلاة :

والواجب منها في كل ركعة سجدتان ، وهما معاً ركن تبطل الصلاة بتركه ، أو زيادته عمداً أو سهواً ، حسب التفصيل المذكور في الرسائل العملية

ثانياً ـ سجود السهو :

وهو سجدتان يؤتى بهما بعد الصلاة مباشرة لأسباب مذكورة في بحث الصلاة اليومية

٥٢

ثالثاً ـ سجود التلاوة :

وهو : سجدة يؤتى بها بعد قراءة أو سماع إحدى آيات السجدة حسب التفصيل الآتي :

١ ـ الواجب : وهو ما يكون في آيات سور العزائم ، كما في الجدول التالي :

السورة

الآية

العلق

١٩

النجم

٦٢

السجدة

١٥

فصلت

٣٧

٢ ـ المستحب : وهو ما يكون في إحدى عشر آية كالتالي :

السورة

الآية

السورة

الآية

الأعراف

٢٠٦

الحج

١٨ ، ٧٧

الرعد

١٥

الفرقان

٦٠

النحل

٤٩

النمل

٢٥

الإسراء

١٠٧

ص

٢٤

النشقاق

٢١

مريم

٥٨

رابعاً ـ سجود الشكر :

وهو سجدة والأفضل سجدتان ، يستحب الإتيان بهما شكراً لله تعالى عند تجدد كل نعمة ، ودفع كل نقمة ، وعند تذكر ذلك والتوفيق لأداء كل فريضة أو نافلة ، بل فعل كل خير

٥٣

الفصل السادس ـ أسرار السجود

س / ما هي أسرار السجود على الأرض ؟

ج / أسرار السجود على الأرض كثيرة ، ويمكن تلخيصها في التالي :

السجود هو أعظم مراتب الخضوع ، وأحسن درجات الخشوع ، وأعلى مراتب الإستكانة ، وأحق المراتب بإستيجاب القرب إلى الله تعالى ، كما نبه عليه الكتاب الكريم في أمر نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب ) [ العلق / ١٩ ] ووعده على ذلك بأنه يقرب ثم اهوِ إلى السجود ومكّن أعزّ أعضائك وهو الوجه من أذل الأشياء وهو التراب ، فإن أمكنك أن لا تجعل بينها حائلاً فتسجد على الأرض فافعل فإنه أجلب للخشوع وأدلّ على الذلّ والخضوع ، وهذا السر في منع الشريعة من السجود على ما يأكله الآدميون ويلبسونه ؛ لأنه متاع الدنيا وأهلها الذين اغتروا بغرورها ، وركنوا إلى زخرفها ، واطمئنوا إليها ، فأسلمتهم إلى المهالك أحوج ما كانوا إليها ، وإذا وضعت نفسك موضع الذل ؛ فاعلم انك وضعتها ورددت الفرع إلى أصله ؛ فإنك من التراب خلقت وإليه رددت ، ثم تخرج منها مرة أخرى ؛ فاحضر في بالك نقلاتك منها وإليها ثم خروجك منها بتكرار السجود ، كما ذكر تعالى :( مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً
أُخْرَىٰ
) (٧٣) [ طه / ٥٥ ] وروى الصدوق عن أمير المؤمنينعليه‌السلام :( أنه سأل ما معنى السجدة الأولى ؟ قال : تأويلها « اللهم انك منها خلقتنا » يعني من الأرض وتأويل رَفْع رأسك منها « ومنها أخرجتنا » والسجدة الثانية « واليها تعيدنا » ، ورفع رأسك منها « ومنها تخرجنا تارة أخرى » ) (٧٤)

______________________

(٧٣) ـ الشهيد الثاني ، الشيخ زين الدين العاملي : أسرار الصلاة / ١٠٨ ـ ١١٠ ( مقتبس )

(٧٤) ـ شبر ، السيد عبد الله بن السيد محمد رضا : الأخلاق / ٥١

٥٤

٥٥

٥٦

٥٧
٥٨

الدليل الأول ـ الإحتياط طريق النجاة :

س / ما هو الإحتياط الذي تزعمه الشيعة الإمامية ؟

ج / هو الإحتراز والتحفظ من وقوع النفس في المأثم وبيان ذلك :

إنّ الغاية من إتخاذ تربة الحسينعليه‌السلام مسجداً في كل صلاة ، تعتمد على أصلين كالتالي :

الأول ـ إتخاذ تربة طاهرة للسجود :

إنّ المتفق عليه بين المسلمين تفضيل السجود على الأرض دون غيرها ، كما إشترطوا في مكان السجود الطهارة ، ونهوا عن الصلاة في مواطن منها : المزبلة ، والمجزرة ، والمقبرة ، وقارعة الطريق ، والحمام ، ومعاطن الإبل كما ورد الأمر بتطهير المسجاد ، كل ذلك إهتماماً بأمر الصلاة

ولذا ينبغي للمسلم أنْ يحتاط ويهتم بشأن الصلاة ، ويتخذ له تربة طاهرة يطمئن بها للسجود عليها في صلاته ، حذراً من السجود على النجاسة والقذارة التي لا يُتقرب بها إلى الله ، والمسلم لا يحصل له كل ذلك في حِلِّهِ وترحاله ؛ إذ الثقة بطهارة كل أرض لا تحصل له ، حيث يحل فيها المسلم وغيره من فئات الناس الذين لا يكترثون لأمر الطهارة والنجاسة في الدين ، فالشيعة يصطحبون معهم ألواح الطين والتراب ، ويتخذونها مساجد للسجود عليها ، إهتماماً بشأن الصلاة ومحافظة على آدابها ، وبهذا الإحتياط عمل رجال الورع من فقهاء السلف في القرون الأولى ؛ فمن الذين ساروا على هذا النهج ، التابعي الفقيه

٥٩

مسروق بن الأجدع(٧٥) ، كما أخرجه الحافظ أبو بكر ابن أبي شيبة بالطريقين التاليين :

١ ـ عن ابن سيرين قال : « نُبئْتُ أنّ مسروقاً كان إذا سافر حمل معه في السفينة لبنةً يسجد عليها »

٢ ـ يزيد بن هارون قال : « أخبرنا ابن عون ، عن محمد : أنّ مسروقاً كان إذا سافر حمل معه في السفينة لُبْنَةً يسجد عليها »(٧٦)

الثاني ـ قاعدة الإعتبار والتفاضل :

قاعدة الإعتبار المُطّرَدْ تقتضي التفاضل بين الأشياء ، وتستدعي إختلاف الآثار والشؤون والنظرات فيها ، وهذا أمر طبيعي عقلي متسالم عليه مُطّرَد بين الأمم طُراً ، بل نَصّ القرآن الكريم على ذلك في كثير من الآيات ، منها قوله تعالى :( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّـهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ) [ البقرة / ٢٥٣ ] وقوله تعالى :( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ
أَمْوَالِهِمْ
) [ النساء / ٣٤ ]

إذن ، هذا الإعتبار وقانون الإضافة لا يختص بالشرع فحسب ، ولا يختص بمفاضلة الأراضي ، وإنما هو أصل مطرد في باب المفاضلة في مواضيعها العامة ، من الأنبياء والرسل وما شابه ذلك ، بل في كل ما يتصور فيه فضل على غيره بل هذا الأصل هو محور دائرة الوجود وبه قوام كل شئ ، واليه

______________________

(٧٥) ـ هو عبدالرحمن بن مالك الهمداني ( أبو عائشة ) ، المتوفى عام ٦٢ هـ ، تابعي من رجال الصحاح الست ، روى عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وكان فقيهاً ، ومن أصحاب ابن مسعود الذين كانوا يعلمون الناس السنة راجع طبقات ابن سعد ١ / ٥٠ ، وتهذيب التهذيب ١٠ / ٢٧٠

(٧٦) ـ ابن أبي شيبة ، الحافظ عبدالله بن محمد : المصنف ج ٢ / ٢٧٠

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ايها السادة المحترمون !

مثل هذهِ الامور كثيرة جداً في التاريخ القضائي لبلادنا. وان ذكرها بأجمعها يحتاج الىٰ سنوات من الوقت.

والحقيقة هي ان القيود التي وضعها العالم المتحضر علىٰ القوانيين القضائية سلبتها السرعة اللازمة وجعلها كما هي الآن مضحكة ، مما ادىٰ الىٰ يأس الفئات المستضعفة من احقاق حقها بواسطة الاجهزة القضائية ، للحدّ الذي يرضىٰ اكثر المظلومين المستضعفين بغض النظر عن حقوقهم المسلّمة والقانونية على أن يرجعوا الىٰ المحاكم.

لكن الاسلام العظيم لا يرضىٰ ان يكون هناك عمل مهما كان صغيراً بعنوان طي مراحل قانونية او عناوين اُخرىٰ في دائرته القضائية ، ومع ان المحكمة الاسلامية ليس فيها الّا عضوان هما القاضي والكاتب ( الذي يحرر الحكم ) ، الّا انه في الغالب يفضّ النزاع في اول جلسة قضائية ، ويأخذ كل واحد حقه.

المحكمة القضائية الاسلامية برأي غوستاف لوبون

يقول الدكتور غوستاف لوبون حول القضاء في الاسلام :

« القضاء الاسلامي وترتيب المحاكمات وجيز وبسيط ، فهناك شخص منصب من قبل الحاكم لأمر القضاء ، يتابع جميع القضايا شخصياً ويحكم فيها ،

١٨١

وحكمه هذا قطعي ، ففي المحكمة الاسلامية ، يدعىٰ طرفي النزاع الىٰ الحضور شخصياً الىٰ المحكمة ويقومان بشرح القضية ويقدم كل طرف منهم دليله ، ثم يصدر القاضي حكمه في ذلك المجلس.

لقد حضرت مرّة في احدىٰ هذهِ المحاكم في المغرب ورأيت كيف يقوم القاضي بعمله ، كان القاضي يجلس علىٰ كرسيه في بناية متصلة بدار الحكومة ، كما ان كلّ واحد من المتداعيين أيضاً يجلس في مكانه ومعه شهوده ، وكانوا يتحدثون بألفاظ مختصرة وكلام بسيط ، فإذا كان احدهم يحكم عليه بعدّة سياط ، كان الحكم ينفذ فيه في ختام الجلسة ، واكبر فوائد هذا النوع من القضاء هو عدم ضياع وقت المتداعيين ، وعدم وجود خسائر مالية للمتداعيين بسبب المراجعات الادارية التي نراها اليوم ، ومع البساطة والايجاز الذي ذكرته فأن الاحكام الصادرة كانت عادلة ومنصفة ».

ليس في الاسلام استئناف ولا تميز

الدكتور : الشروط التي ذكرتها والالتفاتات العلمية الموجودة في القضاء الاسلامي ليس لها مثيل في قوانين القضاء الوضعية في جميع العالم ، حسب معلوماتي الشخصية ، ورغم الضجيج الاعلامي الذي تقوم به اوروبا دعاية لمؤساستها القضائية ، فليست هناك مؤسسة متطورة كما هو الحال في المؤسسات القضائية الاسلامية. لكن هناك امر في قوانين القضاء الوضعية المعاصرة لا نجدها في القوانين القضائية الاسلامية ، وتلك مرحلة الاستئناف والتميز ، اي ان القوانين القضائية المعاصرة تكون علىٰ مرحلتين ، فلو اخطأ

١٨٢

القضاة في المرحلة الاولىٰ او ارتكبوا خيانة ، تذهب القضية مباشرة الىٰ محكمة الاستئناف ومن ثم الىٰ التميز وهناك تدرس وتتابع من جديد ، في حين ان الاسلام فاقد لهذهِ الميزة القضائية ( الاستئناف والتميز ).

الشيخ : ان وجود مرحلتان قضائيتان في عالم اليوم وعدم وجود ذلك في القانون القضائي الاسلامي هو دليل هام علىٰ استحكام مباني القوانين القضائية الاسلامية ، وهشاشتها في القوانين القضائية الوضعية المعاصرة ، ولان الاسلام يأخذ الحدّ الاقصىٰ من الاحتياط والدقة في المرحلة الاولىٰ وضمن الشروط الواجب توفرها في القاضي. لان تلك الشروط التي ذكرناها مسبقاً تجعل من الصعب ان يخطيء القاضي او يخون وبذلك تنتفي الحاجة الىٰ مرحلة الاستئناف والتميز.

أمّا دنيا اليوم ترىٰ ان شرط القضاء الوحيد هو الشهادة الدراسية ، دون الاخذ بالجوانب الاُخرىٰ والتي تجعل من اي شخص قاضياً لمجرد انه خريج فرع القانون ، لابد وان لا تطمئن لقضاءهم وان تجعل احتمال الخطأ والخيانة مساوياً لاحتمال الصحة في الحكم !

سعادة الدكتور ! حتىٰ لو فرضنا ان جميع القضاة عدول واتقياء ، فان الاسلوب القضائي المتبع اليوم لا يبعث علىٰ الاطمئنان ، لان الاضبارة التي يجب ان يدرسها القضاة نظمت في محلّ آخر ، ومن اين للقضاة ان يطمئنوا اليها وانها لم تطلها يد التحريف والتزوير ، وهل تستطيع تلك الاضبارة أن تعكس واقع الناس المساكين والمظلومين ؟! وهل الاحكام التي تصدر من مثل هذه الاضبارات صحيحة ويمكن الاطمئنان إليها ؟

١٨٣

سعادة الدكتور ! يحاول عالمنا المعاصر حلّ مشاكله القضائية مثل احتمال الخيانة او الخطأ ( وهو احتمال قوي جداً وفي محله ) عن طريق محكمة الاستئناف والتميز ، في حين ان هذا الامر خطأ تماماً وتصور مغلوط ، لان القضاة الكبار في محكمة الاستئناف والتميز ليسوا ملائكة ، بل من اولئك المتعلمين الذين يعتبر شرط استخدامهم الوحيد هو شهادتهم الدراسية ، اي ان قضاة الاستيناف والتميز ايضا من نفس شاكلة القضاة العاديين ، فكيف لا يطمئن الىٰ حكم المحاكم العادية ويطمئن الىٰ حكم محكمة الاستئناف والتميز ؟! فهل ان قضاة المحاكم العادية غير عدول وغير متقين ، لكن قضاة محاكم الاستيناف والتميز عدول ومتقون ؟!

أليسوا جميعاً من صنف وهيئة واحدة ، والشرط الوحيد لعملهم هو الورقة التي في ايديهم ( الشهادة الدراسية ) ؟!

أمّا الاسلام وعلىٰ الرغم من عدم وجود محكمة استئناف وتميز في تشكيلاته القضائية ، يمكن الاطمئنان الىٰ قضائه سبب الشروط التي يضعها للقضاء ، وللحد الذي يعترف بصراحة الدكتور غوستاف لوبون :

« علىٰ الرغم من بساطة عملية القضاء الاسلامي والايجاز الذي فيها ، إلّا ان جميع الاحكام الصادرة عادلة ومنصفة. على العكس من القضاء في دول اوروبا وامريكا رغم تشكيلاته العريضة والطويلة والمعقدة ».

سعادة الدكتور ! لقد اراد العالم الاوروبي والامريكي من خلال محاكم الاستئناف والتميز ، الدقّة والحيطة التي اتبعها الاسلام قبل تعيين القاضي من

١٨٤

حيث شروط القضاة والشهُود ، ولقد اثبتنا ان اجراءات الاسلام لها دور مهم وبارز في القضاء لا يمكن لمحاكم الاستئناف والتميز القيام به ، ويجب ان نعترف بأن محكمة الاستئناف والتميز ايضاً تتبع نفس الاجراءات الروتينية التي تتبعها المحاكم العادية ، وليس لها تأثير سوىٰ في المبالغ الطائلة التي تصرف سنوياً من اموال هذا الشعب المسكين !

جواب سؤال

الطالب الجامعي ، حسن : أيّها العمّ العزيز كيف لا يوجد في الاسلام محكمة استئناف وتميز ، مع ان الاسلام يرىٰ احتمال نقض حكم القاضي الأوّل من قبل قاض ثان ، او ان المحكوم يطلب اعادة محاكمته عند قاضٍ آخر ؟

الشيخ : الموارد التي يمكن فيها نقض حكم القاضي ، ان المحكوم يمكنه طلب اعادة المحاكمة عند قاص آخر ، لا تشبه ما عليه في محاكم الاستئناف والتميز في عالم اليوم. لانه هناك ثلاثة مراحل قضائية في مؤسسات القضاء المعاصرة ، هي : المرحلة الاولية والاستئنافية والتميزية ، فمرحلة الاستئناف فوق مستوى المرحلة الاولىٰ والتميز فوق مرحلة الاستئناف ، من شروط عقد محكمة الاستئناف هو ان لا يمضىٰ اكثر من عشرة ايام علىٰ تاريخ صدور الحكم من قبل المحكمة الاولىٰ ، كما ان محكمة التميز تنعقد بشروط خاصة ، كما لا يوجد في انعقاد محكمة التميز ، امتيازاً بين الدعاوىٰ الجزائية او الحقوقية.

١٨٥

وتنعقد محكمة الاستئناف في حال طب المحكوم ضده ، سواءً كان يحتمل الخطأ في الحكم الصادر بحقه او متيقن من خطأه ، فالقانون يقرّ انعقاد محكمة الاستئناف لمجرد طلب الشخص الذي صدر الحكم ضده ، وسواءً قطع قضاة محكمة الاستئناف بخطأ قضاة المحكمة الاوليّة اوقطعوا بعدهم خطأهم ، واحتملوا الخطأ أو الخيانة في حكمهم ، واذا ما انعقدت محكمة الاستئناف وبعد دراستهم لأضبارة طرفي النزاع ، استنبطوا حكماً مخالفاً لأستنباط المحكمة الاولىٰ ، عند ذاك يقومون بنقض حكم المحكمة الاولىٰ ويصدرون هم حكماً محله.

موارد نقض الحكم في قوانين الاسلام القضائية

في الاسلام لا يحق لقاضٍ نقص حكم قاض قبله الّا في ثلاث موارد ، هي :

1 ـ اذا لم يرَ القاضي الثاني صلاحية وجدارة في القاضي الأول لمقام القضاء.

2 ـ فيما لو كان حكم القاضي الأول مخالفاً للأدلة القاطعة والقواعد المسلّمة في القضاء الاسلامي ، مثل : مخالفة للاجماع المحقق والثابت والخبر المتواتر وامثالها.

أمّا إذا استنبط القاضي الاول حكماً علىٰ اساس القوانين القضائية الاسلامية ، لم يستنبطه القاضي الثاني منها ، بل فهم منها شيئاً آخراً ، ففي هذه الحالة لا يحق للقاضي الثاني نقض حكم القاضي الاول.

١٨٦

3 ـ عندما يثبت تقصير القاضي الاول في دراسته للقوانين والادلة القضائية ، ولم يدقق فيها بشكل جيد.

حول طلب اعادة المحاكمة في الاسلام

أمّا الموارد التي يمكن فيها للمحكوم ضده طلب اعادة المحاكمة ، هي الادعاء بقطع خطأ القاضي في حكمه ، او انه لم يكن يمتلك صلاحية علمية للقضاء ، او انه كان فاسقاً ، او ان الشهود لم يكونوا عدول وانهم فساق ومثل هذهِ الادعاءات.

كما انه لا تعاد المحاكمة لمجرد تلك الادعاءات ، بل على المحكوم في البداية اثبات دعواه ، فلو ادعىٰ المحكوم ان القاضي قد اخطأ ، عليه اولاً ان يثبت خطأ القاضي ومن ثم طلب اعادة المحاكمة.

أمّا اذا لم يثبت المحكوم خطأ القاضي او عدم صلاحيته او عنوان آخر مما ذكرناه ، فليس له طلب اعادة المحاكمة لمجرد احتماله الخطأ وحتىٰ لو طلب ذلك من قاض آخر ، فلا يحق لذلك القاضي ان يبحث ويدرس حكم القاضي الأول.

خصوصيات المسألتين في القضائين الاسلامي والوضعي

اصدقائي الاعزاء !

أتصوّر انه ومن خلال ما ذكرته اعلاه ، يتضح الفارق بين محكمة

١٨٧

الاستئناف والتميز عن الموارد التي يمكن فيها للقاضي المسلم نقض حكم قاض آخر او التي يحق للمحكوم فيها طلب اعادة محاكمته ، وثبت عدم تشابه ما يطرحه الاسلام عما موجود في الانظمة الوضعية ( محكمة الاستئناف والتميز ) ، وبشكل عام فأن الفوارق القضائية بين الاسلام والوضعية ، هي كالتالي :

1 ـ لا توجد في المؤسسة القضائية الاسلامية ثلاثة مراحل قضائية ، خلافاً للمؤسسة القضائية الوضعية المعاصرة التي لها ثلاث مراحل قضائية ، هي : المرحلة الاولية والاستئناف والتميز.

2 ـ من منظار القوانين القضائية الاسلامية ، اذا كان استنباط احد القضاة مخالفاً لأستنباط وحكم القاضي الاول ، فليس له اي حق في نقض ذلك الحكم الاولي ، في حين ان القوانين القضائية الوضعية المعاصرة ترىٰ ان استنباط قضاة محكمة الاستئناف إذا كان مخالفاً للحكم الاولي ، ينقضه ويصدر مباشرة حكم آخر في القضية.

3 ـ لا يقبل من المحكوم طلب اعادة المحاكمة ما دام لم يدعي خطأ القاضي الاول بشكل قطعي او عدم صلاحيته اوفسقه او الخ ، وحتىٰ لو طلب المتهم ذلك من قاض آخر ، فلا يحق لذلك القاضي اعادة المحاكمة او النظر في حكم القاضي الاول ، اما لو اتهم المحكوم القاضي الاول بما ذكرناه مسبقاً ، فلا تنعقد محكمة جديدة مباشرة أيضاً ، لانه عليه ان يثبت ما ادعاه اولاً ، في حين ان قوانين القضاء الوضعية تقرّ بتشكيل محكمة استئناف بمجرد طلب المحكوم لذلك ، كما ان لقضاة محكمة الاستئناف النظر في حكم المحكمة الاولىٰ ونقصه ،

١٨٨

وعلىٰ هذا لا يوجد في الاسلام محكمة استئناف وتميز بالمعنىٰ الوارد في القوانين الوضعية المعاصرة ، وان عدم وجود مرحلتي الاستئناف والتميز في القانون القضائي الاسلامي لهو خير دليل علىٰ استحكام مبنىٰ القضاء في الاسلام ، ونزلزله في القضاء الوضعي.

كانت تلك جوانب من خصوصيات قوانين القضاء الاسلامي مقارنة بالقضاء الوضعي المعاصر ، وهناك الكثير من نماذج تفوق القوانين الاسلامية علىٰ غيرها مما يعمل به في عصرنا الحاضر.

ملاحظة بعض قوانين الاسلام الجزائية

الدكتور : كما اشرتم ، ان قوانين الاسلام تتفوّق علىٰ قوانين العصر الوضعية في العديد من المجالات ، وهو امر لابد من الاعتراف به ، ولكن هناك بعض القوانين الجزائية في الاسلام ، ادت الىٰ الطعن في صميم الدين وتلك هي العقوبات الشديدة التي فرضت علىٰ بعض الذنوب في الاسلام ، مثل قطع يد السارق ، او السوط بالنسبة للزاني او شارب الخمر ، فالعالم الغربي يرىٰ ان هذهِ العقوبات اعمال وحشية ، يجب ان لا تنفذ علىٰ البشر.

الشيخ : ان معرفة حقيقة معينة تحتاج الىٰ معرفة سائر القضايا التي ترتبط بها بنحوٍ ما.

أمّا إذا أردنا دراسة موضوع ما دون الاخذ بالمواضيع الاخرىٰ المتصلة به ، فلن نصل الىٰ معرفة حقيقة وصحيحة فيما يتعلق به. ومن النماذج التامة لذلك هي القوانين الجزائية الاسلامية التي سألتم عنها. والاشكالات التي

١٨٩

يواجهها البعض مع القوانين والاحكام الجزائية في الاسلام ، مصدرها ذلك الخطأ ، وهو انهم ينظرون فقط الىٰ احكام الاسلام فيما يتعلق ببعض العقوبات ، دون الاخذ بنظر الاعتبار للقوانين التي يطرحها الاسلام في مجال تطهير المجتمع من الاثم والذنب ، والتي تعد القوانين الجزائية الشديدة ، آخر علاج لها.

أمّا الخطوات والأحكام التي يطرحها الاسلام في مجال تطهير المجتع وجعله فاضلاً ، فهي كالآتي :

أ ـ العوامل التربوية :

يستند الاسلام غالباً في صيانة المجتمع وابعاده عن العصيان والذنوب الىٰ العوامل التربوية التي يطرحها ، وهذهِ العوامل واسعة وشاملة بحيث لو أنّها طبقت بشكل جيد تضمن سلامة المجتمع ونظافته وتقيه من 90% من المعاصي.

والعوامل التربوية كثيرة في الاسلام ، لكن اهمها :

1 ـ الايمان بالله.

2 ـ الالتزام والمسؤولية.

3 ـ الالتفات الىٰ الآخرة والحساب والاجر والعقاب.

4 ـ دعوة الانسان الىٰ الفضيلة ومحاربة الخصال الذميمة.

5 ـ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

١٩٠

6 ـ الصلاة بمعاينها السامية ومفاهيمها التربوية الخاصة.

7 ـ الصوم.

وعشرات العوامل الاُخرىٰ التي لها أدوار أساسية في تربية الانسان بتمام معنى الكلمة.

ب ـ العلاج من الاساس :

المسألة الاخرىٰ التي التفت اليها الاسلام من اجل تطهير المجتمع من الذنوب والمعاصي ، هي معالجة الظواهر من الاساس ، ومهاجمة العوامل الاساسية التي تؤدي الىٰ الذنب والمعصية ، وهذهِ بحد ذاتها مرحلة مهمة يجب الالتفات اليها قبل دراسة القوانين الجزائية الاسلامية الشديدة.

فالاسلام عندما حرّم الزنا ـ علىٰ سبيل المثال ـ لم يتجاهل الغريزة الجنسية للانسان او يقمعها ، بل وضع لها طرق شرعية متعددة لو طبقت سدت حاجة الانسان الجنسية.

ولو كان الاسلام شديداً في تعامله مع السارق فلأنه طرح نظاماً اقتصادياً ليست فيه فوارق طبقية وتمايزات بين البشر ، وهو يدعو الىٰ توزيع الثروات الطبيعية والدخل علىٰ اساس العدل ، وعلىٰ ضوء النظام الاقتصادي الاسلامي ، لن يكون هناك محتاجاً في المجتمع حتىٰ يقال : لماذا يقطع الاسلام يد السارق الجائع ، الذي ما سرق إلّا ليشبع بطنه ؟! لانه سيقال في جواب ذلك اولاً ، لن يكون هناك جائع على ضوء النظام الاقتصادي الاسلامي ، بل هو سيملك حق

١٩١

الاستفادة من جميع المصادر الطبيعية في العالم بقدر حاجته وعلىٰ اساس اصالة العمل. وثانياً متىٰ قال الاسلام بقطع يد السارق في النظام الذي يبيت فيه الاشخاص جياعاً ؟!

أجل ، ان علاج الحالات المرضية من الأساس هو الأصل الثاني المهم الذي وضعه الاسلام لتطهير المجتمع من الجريمة والمعصية ، وذلك من خلال قلع جذور الاسباب الرئيسية للجريمة.

ج ـ الاحام الجزائية في الاسلام :

وفي نهاية المطاف ، وكآخر حلّ يضع الاسلام مجموعة من العقوبات لردع الانسان العاصي والوقوف دون وقوع الجريمة ، والآن إذا أراد شخص ان ينظر الىٰ احكام العقوبات فقط وتجاهل الموردين الاوليين المهمين في الاسلام ، فأن هذا الشخص مخطئ تماماً ، لانه وكما شرحنا من قبل وضع الاسلام من جهة عوامل تربوية واسعة وشاملة تقوم ببناء شخصية الانسان من خلالها ، ويسيطر بها على الصفات الرذيلة ، لكي يرتدع الانسان من خلال امتناعه عن الذنب والمعصية.

ومن جهة اخرىٰ ، قام بقطع دابر العوامل المؤدية للذنب من الجذور ، ووضع حلولاً علمية مناسبة لجميع المشاكل وفي كل المجالات ، وفيما لو طبقت تضمن جميع متطلبات الانسان وحاجياته الطبيعية والمشروعة.

وصدقوني ان نسبة عالية من الناس لو اجتازوا هاتين المرحلتين سيكونون بكل تأكيد اشخاصاً متقين واصحاب فضائل.

١٩٢

أمّا لو بقي رغم ذلك كله شخصاً مصرّاً في اختيار الطرق الشيطانية والخصال الرديئة ، فهنا وكآخر وسيلة للعلاج ، يتعامل الاسلام معه بشدّة ويقف من خلال قوانينه واحكامه سدّاً مقابل هذه الاعمال التي تريد هدم كيان المجتمع.

وهنا لكم ان تحكموا ، أليس من غير الانصاف ان يأتي شخص ويحكم في قوانين الاسلام الجزائية ويدينها دون الاخذ بنظر الاعتبار للمسائل الاُخرىٰ المرتبطة بها ، اي تلكما المرحلتان التي ذكرتهما من قبل ؟!

الثقافة

من الضروري الالتفات الىٰ ان الاسلام يرىٰ ان العوامل التربوية والمرحلة الثانية التي هي علاج الحالات المرضية من الاساس لها دور مؤثر وقوي جداً في تطهير المجتمع وردع الاشخاص عن الذنب والعصيان ، كما ان القوانين الجزائية لو طبقت بشكل جيد يمكن ان تقف امام المعاصي وتحول دون انتشار الفساد.

أمّا الايديولوجيات الوضعية ـ وللأسف الشديد ـ لا هي تستخدم العوامل التربوية المؤثرة ولا هي تقدم حلولاً اصولية من اجل تأمين حاجات الانسان ومتطلباته المختلفة ، ولا تقدم للأسف ايضاً قوانين جزائية صارمة يمكنها مكافحة الجريمة والفساد بشكل واسع ومؤثر.

١٩٣

الذين قطعت ايديهم !!!

هنا قد يقال : لو ان السارقين تقطع اياديهم ، لفقد الكثير من الناس في المجتمع اياديهم ؟! وفي جواب ذلك ، نقول :

بل العكس فلو طبقت تلك القوانين ( خاصة مع الاخذ بالمرحلتين الاوليتين المذكورتين ) لن يكون في المجتمع مقطوعي ايدي ولا سارقين ، ومثال ذلك في عصرنا دولة السعودية ، فعلىٰ الرغم من عدم وجود عوامل تربوية صحيحة في ذلك المجتمع ونظام اقتصادي اسلامي عادل ، وعلىٰ الرغم من الفوارق العميقة الموجودة وترف ولهو وثروات الامراء والحواشي والمقربين من اموال النفط وعائداتة الطائلة ، فليس هناك سرقة ( طبعاً السرقة العادية وليست السرقات الكبيرة التي يقوم بها المسؤولون والامراء من اموال الشعب ) ولا ايدٍ مقطوعة ، لانه علىٰ الاقل تطبق الحكومة السعودية قانون قطع يد السارق ، وهذا ما يمكن التأكد منه بواسطة آلاف الحجيج الذين يذهبون سنوياً الىٰ هناك للحج ، فكم من يدٍ وجدوها مقطوعة ؟! وكم رؤوا من السرقات ؟! وحتىٰ لو شاهدوا السرقات فيه أقل بكثير مما يحدث في أي دولة اُخرىٰ.

فهذا نموذج عملي واحد عن دور القوانين الجزائية الاسلامية فيما يتعلق بالسرقة في عالمنا المعاصر ، علىٰ الرغم من ان السعودية دولة لا تطبق النظام الاقتصادية الاسلامي وليس هناك توزيع عادل للثروة ، كما انها من البلدان المتخلفة ثقافياً وحضارياً.

١٩٤

قاطعية الاسلام في مكافحة الفساد

لا يُنكر ان الاسلام واجه المذنبين والعصاة المفسدين بعقوبات شديدة ، لكن يجب ان لا ننسىٰ ان ذلك كله من أجل مصلحة المجتمع وبسبب خطورة المعصية اجتماعياً ، ولا يهدف الاسلام في قوانينه الجزائية إلّا المكافحة الحقيقية للمعصية.

والاسلام ليس كالعالم المعاصر وقوانينه ، الذي يسوّي المسألة مع العاصي أو المذنب ، وبهذا الشكل يتلاعب بسعادة المجتمع ومصلحته.

فالاسلام يرجح أن يضرب شارب الخمر ثمانين سوطاً من أجل ان يقطع دابر شرب الخمر من المجتمع ويخلصه من امراضه.

والاسلام يرجح ان يضرب شارب الخمر ثمانين سوطاً ولكن في المقابل يكون له ولجميع يجله رادعاً عن فعل ذلك للأبد.

والغريب ان عالمنا المعاصر وعلىٰ الرغم من اعترافاته بأضرار شرب الخمر ، فهو يقول ان المشروبات الكحولية سموم مهلكة وخطرة وانها تؤثر سلباً علىٰ المخ والدم والقلب والاعصاب والجلد والجهاز الهضمي و الخ ، لكنه لا يتعامل بجدية مع القضية ويتساهل مع شارب الخمر بشكل يعتبر عمله ترغيباً واشاعة للمعصية !

ولو كان العالم المعاصر يريد قلع جذور السرقة والاعتداء علىٰ اموال وممتلكات الناس ، فلماذا يتساهل مع السارق ويبدي معه تسامحاً ؟! ولو كان

١٩٥

العالم المعاصر يعتبر الاعتداء علىٰ اعراض الناس خيانة وجريمة فلماذا كل هذا التساهل مع من يفعلها ؟!

هنا لا بدّ أن نعترف وللأسف الشديد ، ان القوانين الوضعية الحالية لن تستطيع ان تلعب دوراً مهماً في قلع الفساد والمعاصي من الجذور في المجتمع فقط ، بل اجازت تلك الاعمال وأدت إلىٰ انتشارها من خلال التسامح والتساهل الذي تبديه مع مرتكبيها ، والنهج الذي تتبعه تلك القوانين الجزائية الوضعية في مكافحة الفساد والاثم ، يشبه عمل الدكتور الذي يكتفي ببعض الجرعات المسكنة مقابل مرض خطر ومسري ، علىٰ الرغم من امتلاكه جميع الوسائل والامكانيات لمكافحة المرض. وفي مثل هذه الحالة الا يقال ان هدف الدكتور هو ليس علاج الحالة المرضية بل الهاء المريض المسكين وتخديره !

أمّا الاسلام

لكن الاسلام ( وخلافاً لعالمنا المعاصر ) يسعىٰ بجدية لمكافحة جذرية للفساد والمعصية في المجتمع ، وهدف الاسلام من ذلك هو قلع الفساد والمعصية من الجذور ، علىٰ قدر المستطاع ، ولهذا نراه شديداً في وضعه للقوانين الجزائية وقوانين العقوبات وفي تنفيذها.

ولان الاسلام يريد مكافحة السرقة بشكل حقيقي ويضمن امن المجتمع من هذه الناحية ، لذلك يأمر بقطع يد السارق(1) .

________________

(1) طبعاً من الأخذ بالشروط التي وضعها الاسلام.

١٩٦

والاسلام يريد مكافحة الاعتداء علىٰ اعراض ونواميس الآخرين بشكل حقيقي ، لذلك أمر بجلد الزاني مئة سوط أمام أعين الناس ، لكي لا يعود الىٰ ذلك ويكون عبرة للآخرين وسدّاً امام اتساع دائرة المعصية في المجتمع.

والاسلام يرىٰ ان المشروبات الكحولية سموم مهلكة وانها تهدد أساس المجتمع وسلامته ، لذلك يأمر بضرب ذلك الشخص الذي يخاطر بسعادة نفسه وسلامتها وسعادة وسلامة جيلة ، ويشرب من هذا الشراب المهلك ، ثمانين سوطاً ، لكي يقف امام تكرار مثل هذا العمل في المجتمع.

ألا يمكن تطبيق هذه القوانين في عصرنا.

هنا يمكن القول ، علىٰ الرغم من تأثير القوانين الجزائية والعقوبات الشديدة التي وضعها الاسلام لمكافحة المعاصي والفساد من الجذور الا ان هذه القوانين غير قابلة للتطبيق في عصرنا الحاضر ، لانه يعتبرها اساليب وحشية !

فنقول : ليس لنا إلّا أن نتعجب لهذا القول ونأسف له.

أليس عجيباً ان الدنيا تصمت وتصم آذانها وهي تشاهد مئات عمليات القتل والاعتداء وقطع الاعضاء وعشرات الجرائم الاُخرىٰ ، والتي تقع بسبب السرقة او التطاول علىٰ أموال الآخرين ، ولكنها تعتبر قطع أربعة أصابع من يد خائن او معتدي وذلك أيضاً من أجل محو ظاهرة السرقة ، والوقوف أمام مئات الجرائم التي تأتي من هذه الاعتداءات والتجاوزات غير قابلة للتطبيق والاجراء ؟!

وكيف يستصعب عالم اليوم ثمانين سوطاً علىٰ جسد شارب الخمر

١٩٧

في حين انه لا يستصعب القتل والجرائم وسلب راحة المجتمع الذي ينتج عن تأثير الخمر في سلوكيات الاشخاص والمجتمع ، ويرىٰ ذلك صعب النتفيذ !

دنيا التناقضات

اليست دنيا الي نعيش فيها ، دنيا تناقضات وعصرنا عصر غريب ! فدنيانا من جهة رؤوفة وعطوفة للحد الذي لا ترضىٰ بقطع اربعة اصابع لمجرم ( من اجل الامن العام ومحو السرقة من المجتمع ) ، ومن جهة اخرىٰ ، هذه الدنيا الرؤوفة ، تستثمر وعلىٰ مدىٰ سنوات عديدة ملايين البشر الضعفاء وعشرات الشعوب الصغيرة والمحرومة ، وتعطي للاقوياء الحق في نهب ثروات المستضعفين. في حين ان اولئك المساكين يعيشون حفاة وجياعاً ويعانون من اسوء الظروف !

وكيف تبرر هذه الدنيا العطوفة التي لا ترضىٰ ان يضرب شارب الخمر أو الزاني ثمانين أو مائة سوط ، قتل مليون جزائري مسلم ليس لهم ذنب سوىٰ انهم يريدون الاستقلال والخلاص من الهيمنة الاستعمارية ؟!

وكيف قبلت هذه الدنيا بالقنبلتين الذريتين اللآتي دمرتا هيروشيما وناكازاكي في اليابان فقتل اكثر من سبعين الف شخص وتحولت الابنية والمصانع والمرافق العامة الىٰ انقاض خلال لحظات ؟ اليس من حق الانسان صاحب الضمير الحي ان يعجب امام تصرفات هذه الدنيا المتناقضة ؟!!

١٩٨

سرد موجز للجريمة في الدول المتقدمة

عالمنا الذي يرىٰ خطأ ان قوانين الاسلام الجزائية وحشية ، اراد ان يقف امام اعتدالات الانسان عن طريق وضع قوانين اقل صرامة وبعبارة اخرىٰ لينة ، وبذلك يقتلع جذور السرقة او اية جريمة اخرىٰ ، لكنه وللأسف لم يوفق في ذلك فقط ، بل اضطر الىٰ تشديد عقوباته وقوانينه الجزائية ويزيد من عدد سجونه يوماً بعد يوم.

وعلىٰ الرغم من ذلك كله ، ولسوء الحظ ، يزداد عدد السارقين والمجرمين في كل يوم للحد الذي اصبحت احصائيات الجريمة تقلق وتخيف مسؤولي اكبر الدول المتحضرة.

وهذه بعض تلك الاحصائيات المنشورة ، والتي سببها ترك قوانين الاسلام الجزائية وعدم العمل بها :

أ ـ تقرير وزير العدل :

في تقرير قدمه وزير العدل الايراني بتاريخ 2 / 1 / 1960 الىٰ البرلمان ( المجلس الوطني ) يقول :

« نحن نواجه هذه الحقيقة المرّة ، وهي التزايد المستمر لدعاوى الناس الحقوقية والجزائية ، ولابد من التفكير بحلّ لذلك ، وعلىٰ سبيل المثال : طبقاً للاحصائيات الموجودة عندي ، فان مجموع الاضبارات التي دخلت الىٰ جهاز

١٩٩

القضاء في الأشهر الستّة الاُولىٰ من سنة 1959 ، هو 362665 في حين ان المجموع للاشهر الستة الاولىٰ من هذا العام بلغ 444391 ، اي ان ما يقرب ثمانين الف اضبارة زادت عما كان عليه في العام الماضي ، وبالتأكيد فان العملية تصاعدية في السنوات السابقة أيضاً.

ونقلت الصحف آنذاك نصّ التقرير ، وهو نماذج صغير للجرائم الموجودة لبلد في طريقه الىٰ الرقيّ ، يرىٰ ان القوانين الجزائية الاسلامية وحشية ، ويريد ان يقف امام الجريمة بالقوانين التي تضعها عقول رجاله ورجال اوروبا المخمورين !!

ولا بدّ من كلمة لوزير العدل الذي يعجب للنتائج التي تعطيها قوانينهم الوضعية : ما ستراه في المستقبل اعظم بكثير ، فأنّك لا زلت في أول الطريق.

ب ـ سجن واشنطن :

طبقاً لاحد التقارير الذي نشرته صحيفة معروفة ، كانت في واشنطن سابقاً 3600 سجينة فقط ، اما هذه السنين فقد وصل عدد السجينات الىٰ ثمانية آلاف.

وفي مدينة فلادلفيا(1) يطلق سراح النساء اللواتي يصدر الحكم بسجنهن ، لان سجون النساء مكتضة ، وليس هناك مكان للسجينات الجُدد.

________________

(1) هذه الاحصائيات تعود لثمان سنوات قبل ، أمّا الآن فالله العالم.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232