تربة الحسين عليه السلام الجزء ١

تربة الحسين عليه السلام16%

تربة الحسين عليه السلام مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 232

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 232 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59737 / تحميل: 3716
الحجم الحجم الحجم
تربة الحسين عليه السلام

تربة الحسين عليه السلام الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

تنتهي الرغبات في الأمور ، ومنه تتولد الصلات والمحبات والعلائق والروابط ، فبهذا الإعتبار المطرد العام المتسالم عليه لدا العقلاء والشرع الأقدس ، إتخاذ مكة المكرمة حرماً آمناً وتوجيه الخلق إليه ، وحجهم إياه من كل فج عميق ، وإيجاب تلكم الأحكام حتى بالنسبة إلى بنيته ، إن هي إلا آثار الإضافة وإختيار الله إياها من بين الأراضي

وكذلك المدينة المنورة حرماً إلهياً محترماً ، وجعل المحرمات الواردة في السنة الشريفة لها وفي أهلها وتربتها ومن حَلّ فيها ، إنما هي لإعتبار ما فيها من الإضافة والنسبة إلى الله تعالى ، وكونها عاصمة عرش نبيه العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صاحب الرسالة الخاتمة

وبهذا الإعتبار وقانون الإضافة ، جعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبكي على ولده الحسينعليه‌السلام ويقيم تلك المآتم قبل شهادته ، ويأخذ تربة كربلاء ويشمها(٧٧) ، ويقبلها(٧٨) ، ويقلبها(٧٩) ، كما ورد في الأخبار وهو الذي جعل الشيعة الإمامية تهتم بتربة الحسينعليه‌السلام ، تلك التربة الطاهرة التي شرّفها الله وقدّسها ؛ لما تحويه من أجساد طاهرة من أبناء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، سُفكت دماؤها لأجل الدين وفي سبيل إحيائه تلك التربة التي اعتنى بها الكُتاب وتفننوا في وصفها وقداستها

وعَبّر عنها الأديب الكبير عباس العقاد بقوله : « ولكنها لو أُعطيت حقها من التنويه والتخليد ؛ لحق لها أن تصبح مزاراً لكل آدمي يعرف لبني نوعه نصيباً من القداسة وحظاً من الفضيلة ، لأننا لا نذكر بقعة من بقاع هذه الأرض

______________________

(٧٧) ـ الهيثمي ، الحافظ نور الدين ، علي بن أبي بكر : مجمع الزوائد ، ج ٩ / ١٨٩

(٧٨) ـ ابن حجر ، الحافظ شهاب الدين ، أحمد : تهذيب التهذيب ، ج ٢ / ٢٤٦

(٧٩) ـ النيسابوري ، الحافظ محمد بن أحمد : سيرة أعلام النبلاء ، ج ٣ / ١٩٤

٦١

يقترن اسمها بجملة من الفضائل ، أسمى وألزم لنوع الإنسان من تلك التي اقترنت باسم كربلاء ، بعد مصرع الحسين فيها

فكل صفة من تلك الصفات العلوية التي بها الإنسان إنسان وبغيرها لا يحسب غير ضرب من الحيوان السائم فهي مقرونة في الذاكرة بأيام الحسين رضي الله عنه في تلك البقعة الجرداء وليس في نوع الإنسان صفات علويات أنبل ولا ألزم من الإيمان والفداء والإيثار ويقظة الضمير ، وتعظيم الحق ورعاية الواجب والجلد في المحنة والأنفة من الضيم والشجاعة في وجه الموت المحتوم وحسبك من تقويم الأخلاق في تلك النفوس ، أنه ما من أحد قتل في كربلاء إلا كان في وسعه أن يتجنب القتل بكلمة أو بخطوة ، ولكنهم جميعاً آثروا الموت عطاشا جياعا مناضلين على أن يقولوا تلك الكلمة أو يخطوا تلك الخطوة ؛ لأنهم آثروا جمال الأخلاق على متاع الدنيا أو حسبك من تقويم الأخلاق في نفس قائدها وقدوتها ، أنهم رأوه بينهم فاقتدوه بأنفسهم ، ولن يبتعث المرء روح الاستشهاد فيمن يلازمه إلا أن يكون هو أهلاً للإستشهاد في سبيله وسبيل دعوته ، وان يكون في سليقة الشهيد الذي يأتم به الشهداء »(٨٠)

وبعد هذا البيان إتضح لنا سِرُّ فضيلة تربة كربلاء ، ومبلغ إنتسابها إلى الله سبحانه وتعالى ، ومدى حرمة صاحبها دُنُوّاً وإقتراباً من العلي الأعلى نعم أفعاله وأقواله ـ كما نقلها التاريخ لنا ـ تثبت مدى تعلقه وتفانيه بخالقه العظيم حتى بذلك نفسه وأهله وكل غالٍ ونفيس لأجل إعلاء كلمة الله وإحياء دينه ، وقد نسب إليه الآتي :

______________________

(٨٠) ـ العقاد ، عباس محمود : أبو الشهداء ، الحسين بن علي / ٨٦ ـ ٨٧

٦٢

تركتُ الخلقَ طُرّاً في هواكا

وأيتمت العيال لكي أراكا

فلو قطعتني في الحُب إرباً

لما مال الفؤاد إلى سواكا(٨١)

أليس من الأفضل التقرب إلى الله بالخضوع والخشوع والعبودية بالسجود على تربة تفجرت في صفيحها عيون دماءٍ اصطبغت بحب الله وولائه المحض الخالص ؟!. أليس من الأليق بأسرار السجود على الأرض ، السجود على تربة ظهر فيها سِرُّ المتعة والعظمة والكبرياء والجلال لله عَزّ وجَلّ ، ورمز العبودية والتصاغر أمام عظمة الجبار سبحانه تعالى بأجلى مظاهرها وسماتها ؟!.

وبناءً على هذين الأصلين ، تتخذ الشيعة الإمامية من تربة كربلاء قطعاً وأقراصاً تسجد عليها في الصلوات(٨٢) لأنهم يشترطون في المسجد أن يكون أرضاً أو ما أنبتت ، ويشترطون في المسجد طهارته وإباحته ، وأن لا يكون من المأكول والملبوس ، فالشيعة يصحبون معهم ألواح الطين والتراب ، ويتخذونها مساجد للسجود عليها لله ، اهتماماً بشأن الصلاة ومخالفة على آدابها ، فشأن هذه الألواح شأن الخُمُر والحَصْبَاء في بداية المسلمين كما أنها أفضل أفراد الواجب ، واختياراً لما هو الأفضل والأولى بالسجود لدا العقل والمنطق والإعتبار

______________________

(٨١) ـ أمين النجفي ، الدكتور أحمد : التكامل في الإسلام ، ج ٤ / ١٧٠

(٨٢) ـ ذكر هذا الدليل المحقق الأميني ( قده ) في ( سيرتنا وسنتنا / ١٧٠ ـ ١٨٠ ) بعنوان الإستحسان العقلي ، وجئت بصياغة أخرى لهذا الدليل بعنوان ( الإحتياط طريق النجاة ) فهو أقرب إلى الإحتياط العقلي ؛ لأن الإستحسان العقلي لا تؤمن به الإمامية

٦٣

وعلى هذا النهج القويم ؛ كان التابعي علي بن عبد الله بن عباس(٨٣) كما عن ابن عينة قال : « سمعت رُزَين مولى ابن عباس رضي الله عنه يقول : كتب إليّ علي بن عبد الله بن عباس أن إبعث إلي بلوح من حجارة المروة أسجد عليه »(٨٤) فأي مانع من أن يحتاط المسلم في أمور دينه بما فيها صلاته ؟!. وأي مانع من أن يختار الأفضل في عمله ؟ فالشيعة الإمامية إختارت التربة الحسينية ؛ لأنها الأفضل ، عملاً بالأحاديث الكثيرة الواردة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته

______________________

(٨٣) ـ هو علي بن عبدالله بن عباس بن عبد المطلب ، ولد سنة ٤٠ هـ ليلة قتل علي بن أبي طالب (ع) ، وتوفي سنة ( ١١٧ أو ١١٨ ) راجع ( الطبقات لابن سعد ، ج ٥ / ٢٢٩ ) وقال ابن حجر : ثقة قليل الرواية وذكره ابن حيان في الثقات ، راجع تقريب التقريب / ٣٤٢ ، وتهذيب التهذيب ج ٣ / ١٨٠ دار الرسالة ، ط ١٤١٦ ، وحكى المبرد وغيره : لما ولد علي بن عبد الله جاء أبوه إلى أمير المؤمنين (ع) فقال : ما سميته ؟ فقال : أو يجوز لي أن أسميه قبلك ؟ فقال (ع) : قد سميته باسمي وكنيته بكنيتي وهو أبو الأملاك راجع العقد الفريد ج ٥ / ١٠٣ ـ ١٠٥ ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ، ج ٧ / ١٤٨

(٨٤) ـ الأزرقي ، أبو الوليد محمد بن عبد الله : أخبار مكة ، ج ٢ / ١٥١

ـ السمهودي ، السيد نور الدين ، علي بن عبد الله : وفاء الوفاء ، ج ١ / ١١٥

ـ ابن أبي شيبه ، الحافظ عبد الله بن محمد : الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار ، ج ١ / ٢٧٥

٦٤

٦٥
٦٦

تمهيد :

عرفت أرض كربلاء بالقداسة والسمو والشرف منذ القدم ، وإلى هذا أشار سيد الشهداءعليه‌السلام بقوله :( وخير لي مصرع أنا لاقيه ، فكأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء ) (٨٥) والمراد بالنواويس : جمع ناوس في الأصل ، وهو قبر النصراني ، والمراد به هنا القرية التي كانت عند كربلاء(٨٦) أي أن كربلاء قد اتخذت معابد ومدافن للأمم السابقة ، وخير شاهد على ذلك ما يلي : « ونقل بعض الفضلاء قول أحد الباحثين في تاريخ كربلاء القديم وهو : كل ما يمكن أن يقال عن تاريخها القديم ، أنها كانت أمهات مدن طسوج النهرين ، الواقعة على ضفاف نهر بالاكوباس( الفرات القديم ) وعلى أرضها معبد للعبادة والصلاة ، كما يستدل من الأسماء التي عرفت بها قديماً كعمورا ، ماريا ، صفورا ، وقد كثرت حولها المقابر ، كما عثر على جثث موتى داخل أوانٍ خزفية يعود تاريخها إلى قبل العهد المسيحي »(٨٧) وقال الأب اللغوي أنستاس الكرملي : « والذي نتذكره فيما قرأناه في بعض كتب الباحثين ؛ أن كربلاء منحوتة من كلمتين من( كرب وإل ) أي حرم الله أو مقدس الله »(٨٨)

وذكر السيد عبد الحسين آل طعمة ، نقلاً عن الذريعة للشيخ آغا بزرك : « ومعنى( كاربالا ) بالفهلوية هو( الفعل العلوي ) ويجوز تفسيرها (بالعمل السماوي ) المفروض من الأعلى ، ثم عُرِّبت وصيغت صياغة عربية وسموها ______________________

(٨٥) ـ السماوي ، الشيخ محمد بن الشيخ طاهر : إبصار العين في أنصار الحسين / ٦ ، ١٧

(٨٦) ـ نفس المصدر

(٨٧) ـ الخليلي ، جعفر بن الشيخ أسد الله : موسوعة العتبات المقدسة ، ج ١٣ / ١٦

(٨٨) ـ نفس المصدر / ١٠

٦٧

( كربلاء ) ، وهذا يقارب المعنى الذي ذهب إليه الأب انستاس لكلمة( كرب ) و( إل ) بأنهم( حرم الله ) أو( مقدس الله ) »(٨٩)

نعم أعطيت كربلاء هذه القداسة ـ في الإسلام والأمم السابقة ـ بالحسينعليه‌السلام ؛ إذ الأمم الغابرة لديها معرفة بشهادته عن طريق أنبيائها وكتبها المقدسة ، كما أشارت إلى ذلك بعض المصادر التالية :

« جاء في كتاب ارميا في باسوق من السيمان السادس والأربعون ( كي ذبح لدوناي الوهيم صواووت بأرض صافون إلى نهريرات ) ؛ يعني يذبح ويضحي لرب العالمين شخص جليل في أرض الشمال بشاطئ الفرات »(٩٠)

وفي مصحف شيث إشارة إلى واقعة كربلاء : « ذكر أبو عمرو الزاهد ، في كتاب الياقوت : قال : قال عبدالله بن صفار ، صاحب أبي حمزة الصوفي : غزونا غزاة ، وسبينا سبياً ، وكان فيهم شيخ من عقلاء النصارى ؛ فأكرمناه وأحسنا إليه ، فقال لنا : أخبرني أبي عن آبائه انهم حفروا في بلاد الروم حفراً قبل أن يبعث النبي العربي بثلاث مائة سنة ، فأصابوا حجراً عليه مكتوب بالمسند( كلام أولاد شيث ) هذا البيت من الشعر :

أترجو عصبة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب »(٩١)

أولاً ـ عرض الروايات :

ليس أحاديث فضل تربة الحسينعليه‌السلام وقداستها منحصرة بأحاديث الأئمةعليهم‌السلام ، بل إن أمثال هذه الروايات لها شهرة في كتب علماء الإسلام ، واليك قسماً منها كالتالي :

______________________

(٨٩) ـ المصدر السابق / ١٧ ـ ١٨ ( الحاشية )

(٩٠) ـ التستري ، الشيخ جعفر : الخصائص الحسينية / ٣٧

(٩١) ـ ابن نما ، محمد بن جعفر الحلي : مثير الأحزان ، ج ١ / ٩٧

٦٨

مرويات الإمامية :

يمكن تلخيص مرويات الإمامية في فضل تربة كربلاء من خلال الطرق التالية :

الأول ـ الرسول الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) :

روى أبو بصير عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : (بينما الحسين بن علي عليهما السلام عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ إذ أتاه جبرئيل فقال : يا محمد أتحبه ؟ فقال نعم فقال : أما إن أمتك ستقتله قال : فحزن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حزناً شديداً ، فقال له جبرئيل : يا رسول الله أتريد التربة التي يقتل فيها ؟ فقال : نعم ، فخسف ما بين مجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى كربلاء حتى إلتقت القطعتان هكذا ، ثم جمع بين السبابتين ، ثم تناول بجناحه من تربتها وناولها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم رجعت أسرع من طرفة عين ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : طوبى لك من تربة ، وطوبى لمن يقتل فيك ) (٩٢)

الثاني ـ أمير المؤمنين علي (عليه‌السلام ) :

وروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال :( مَرّ أمير المؤمنين عليه‌السلام بكربلاء في أناس من أصحابه ؛ فاغرورقت عيناه بالبكاء ، ثم قال : هذا مناخ ركابهم ، وهذا ملتقى رحالهم ، وهنا تهرق دماؤهم ، طوبى لك من تربة ، عليك تهرق دماء الأحبة ) (٩٣)

الثالث ـ الأئمة من بعده (عليهم‌السلام ) :

١ ـ قال علي بن الحسينعليه‌السلام :( إتخذ الله ارض كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل أن يخلق الله أرض الكعبة ويتخذها حرماً بأربعة وعشرين ألف عام ، وأنه

______________________

(٩٢) ـ ابن قولويه ، الشيخ أبي القاسم جعفر بن محمد : كامل الزيارات / ٦٠ ، ( باب ١٧ )

(٩٣) ـ نفس المصدر / ٢٧١ ـ ٢٧٢ ، ( باب ٨٨ )

٦٩

إذا زلزل الله تبارك وتعالى الأرض وسترها ، رفعت كما هي بتربتها نورانية صافية ؛ فجعلت في أفضل روض من رياض الجنة ، وأفضل مسكن في الجنة لا يسكنه إلا النبيون والمرسلون أو قال : أولوا العزم من الرسل ، فإنها لتزهر بين رياض الجنة كما يزهر الكوكب الذري بين الكواكب لأهل الأرض ، يغشى نورها أبصار أهل الجنة جميعا ، وهي تنادي : أنا أرض الله المقدسة الطيبة المباركة ، التي تضمنت سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة ) (٩٤)

٢ ـ قال أبو جعفر ( الباقر )عليه‌السلام :( الغاضرية هي البقعة التي كَلّم الله فيها موسى بن عمران ، وناجى نوحاً فيها ، وهي اكرم أراضي الله عليه ، ولولا ذلك ما استودع الله فيها أوليائه وأبناء نبيه ، فزوروا قبورنا بالغاضرية ) (٩٥)

٣ ـ صفوان الجمال قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول :( إن الله تبارك وتعالى فَضّل الأراضين والمياه بعضها على بعض ، فمنها ما تفاخرت ، ومنها ما بغت ، فما من ماء ولا أرض إلا عوقبت لتركها التواضع لله ، حتى سلّط الله المشركين على الكعبة ، وأرسل إلى زمزم ماء مالحاً حتى أفسد طعمه ، وإن كربلاء وماء الفرات أول أرض وأول ماء قدس الله تبارك وتعالى ؛ وبارك عليهما ، فقال لها : تكلمي بما فضلك الله تعالى ؛ فقد تفاخرت الأرضون والمياه بعضها على بعض ، قالت : أنا أرض الله المقدسة المباركة ، الشفاء في تربتي ومائي ولا فخر ، بل خاضعة ذليلة لمن فعل بي

______________________

(٩٤) ـ ابن قولويه ، الشيخ أبي القاسم جعفر بن محمد : كامل الزيارات / ٢٦٨ ( باب ٨٨ )

(٩٥) ـ نفس المصدر / ٢٧٠

٧٠

ذلك ولا فخر على من دوني ، بل شكراً لله فأكرمها وزادها بتواضعها وشكرها الله بالحسين عليه‌السلام وأصحابه ثم قال أبوعبدالله عليه‌السلام : من تواضع لله رفعه ، ومن تكبر وضعه الله تعالى ) (٩٦) ، وبهذا القدر من المرويات نكتفي

مرويات السنة :

وردت روايات كثيرة في فضل تربة الحسينعليه‌السلام ، ذكرتها الصحاح والمسانيد المعتمدة لدى جمهور السنة والجماعة ويمكن تصنيفها كالتالي :

أولاً ـ الإمام علي (عليه‌السلام ) :

وأخرج ابن سعد عن الشعبي قال : (مَرّ علي ( رضي الله عنه ) بكربلاء عند مسيره إلى صفين وحاذى نينوى ـ قرية على الفرات ـ ؛ فوقف وسأل عن إسم هذه الأرض ؟ فقيل : كربلاء فبكى حتى بَلّ الأرض من دموعه ، ثم قال : دخلت على رسول الله وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك ؟ قال : كان عندي جبرئيل آنفاً وأخبرني أن ولدي الحسين يقتل بشاطئ الفرات بموضع يقال له كربلاء ، ثم قبض جبرئيل قبضة من تراب شمني إياه ؛ فلم أملك عيني أن فاضتا ) (٩٧)

ثانياً ـ نساء النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) :

أ ـ أم سلمة :

عن أبي وايل ـ شقيق بن سلمة ـ عن أم سلمة قالت :( كان الحسن والحسين ـ رضي الله عنهما ـ يلعبان بين يدي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيتي فنزل

______________________

(٩٦) ـ المصدر السابق / ٢٧٠

(٩٧) ـ ابن حجر ، أحمد بن علي : الصواعق المحرقة / ٩٣

٧١

جبرئيل عليه‌السلام ؛ فقال : يا محمد إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك ؛ فأومأ بيده إلى الحسين فبكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضمّه إلى صدره ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وضعت عندك هذه التربة ، فشمّها رسول الله وقال : ريح كرب وبلاء ، قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أم سلمة إذا تحولت هذه التربة دماً فاعلمي أن ابني قد قتل ، قالت : فجعلتها في قارورة ، ثم جعلت تنظر إليها وتقول : إن يوماً تحولين دماً ليوم عظيم ) (٩٨)

ب ـ عائشة :

أخرج ابن سعد ، والطبراني عن عائشة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( أخبرني جبرئيل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف ، وجاءني بهذه التربة فأخبرني أن فيها مضجعه ) (٩٩)

ج ـ أم الفضل بنت الحرث :

أخرج أبو داود ، والحاكم ، عن أم الفضل بنت الحرث أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا ؛ يعني الحسين ، وأتاني بتربة من تربة حمراء ) (١٠٠)

د ـ زينب بنت جحش :

عن زينب قالت :( بينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيتي وحسين عندي ، حين درج ؛ فغفلت عنه ، فدخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : دعيه ـ إلى قولها ـ ثم قام فصلى ، فلما قام احتضنه إليه فإذا ركع أو جلس وضعه ثم جلس فبكى ،

______________________

(٩٨) ـ ابن حجر ، أحممد بن علي : تهذيب التهذيب / ج ٢ / ٣٤٦

(٩٩) ـ ابن حجر ، أحمد بن علي : الصواعق المحرقة / ١٩٢

(١٠٠) ـ الهندي ، علاء الدين ، علي المتقي : كنز العمال ، ج ١٣ / ١٠٨

٧٢

ثم مد يده فقلت حين قضى الصلاة : يا رسول الله ، إني رأيتك اليوم صنعت شيئاً ما رأيتك تصنعه ؟ قال : إن جبريل أتاني فأخبرني أن هذا تقتله أمتي ، فقلت : أرني تربته ؛ فأتاني بتربة حمراء ) (١٠١)

ثالثاً ـ أصحاب النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) :

١ ـ عبدالله بن عباس :

عن ابن عباس قال :( كان الحسين في حجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال جبرئيل : أتحبه ؟ فقال كيف لا أحبه وهو ثمرة فؤادي ؟ فقال : إن أمتك ستقتله ، ألا أريك من موضع قبره ؟ فقبض قبضة ؛ فإذا هي تربة حمراء ) (١٠٢)

٢ ـ معاذ بن جبل :

عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، أن معاذ بن جبل أخبره وقال : خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متغير اللون ، فقال : أنا محمد أوتيت فواتح الكلام وخواتمه فأطيعوني مادمت بين أظهركم ، فإذا ذهب بي ؛ فعليكم بكتاب الله عَزّ وجَلّ أحلوا حلاله ، وحرموا حرامه ، أتتكم المؤتية بالروح والراحة ، كتاب الله من الله سبق ، أتتكم فتن كقطع الليل المظلم ، كلما ذهب رسل جاء رسل ، تناسخت النبوة فصارت ملكاً ، رحم الله من أخذها بحقها ، وخرج منها كما دخلها

إمسك يا معاذ وأخصّ ، قال : قلما بلغت خمسة قال : يزيد لا يبارك الله في يزيد ، ثم ذرفت عيناه ثم قال : نعي إلي الحسين ، وأوتيت بتربته واخبرت بقاتله ، والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعوه إلا خالف

______________________

(١٠١) ـ ابن حجر ، أحمد بن علي : المطالب العالية بزوائد المساند الثمانية / ٩٠

(١٠٢) ـ ابن كثير ، عماد الدين ، إسماعيل بن عمر : البداية والنهاية ، ج ٦ / ٢٣٠

٧٣

الله بين صدورهم وقلوبهم ، وسلّط عليهم شرارهم وألبسهم شِيَعاً ثم قال : واهاً لفراخ آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خليفة مستخلف مترف ، يقتل خلفي وخلف الخلف )(١٠٣)

٣ ـ أنس بن مالك :

اخرج البغوي في معجمه من حديث أنس بن مالك ، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( استأذن ملك القطر ربه أن يزورني ؛ فأذن له وكان في يوم أم سلمه فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أم سلمه احفظي علينا الباب لا يدخل أحد ؛ فبينما هي على الباب ؛ إذ دخل الحسين فاقتحم فوثب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجعل رسول الله يلثمه ويقبله ، فقال له الملك : أتحبه ؟ قال : نعم قال : إن أمتك ستقتله ، وإن شئت أريك المكان الذي يقتل به ، فأراه فجاء بسهلة أو تراب أحمر ، فأخذته أم سلمه فجعلته في ثوبها ) (١٠٤)

هذه بعض روايات الأصحاب ونساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي روتها صحاح ومسانيد السنة والجماعة ، وهناك روايات لم نذكرها ، ومن أراد التوسع ؛ فعليه بمراجعتها في الكتب الخاصة بها(١٠٥)

ثانياً ـ نظرة حول الروايات :

بعد التأمل في الروايات المتقدمة بما فيها تعدد طرقها ؛ نخرج بالتالي :

١ ـ إهتمام السماء بهذه التربة الزكية ، من خلال إخبار جبرئيل وغيره من الملائكة بقتل الحسينعليه‌السلام وإتيانهم بتربته ، ولم يكن الإهتمام لأي تربة اخرى

______________________

(١٠٣) ـ الهيثمي ، الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر : مجمع الزوايد ، ج ٩ / ١٨٩

(١٠٤) ـ ابن حجر ، أحمد بن علي : الصواعق المحرقة / ١٩٢

(١٠٥) ـ المرعشي ، السيد شهاب الدين : إحقاق الحق وملحقاته ، ج ١١ / ٣٣٩ ـ ٤١٢

٧٤

٢ ـ إهتمام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه التربة ؛ من شمها وإعطائها أم سلمة وديعة

٣ ـ إهتمام الأصحاب ورجال الحديث ـ من خلال تعدد طرقها وكثرة مصادرها ـ بتربة الحسينعليه‌السلام

ـ وبعد كل ذلك ، بماذا نحلل إتيان جبريل وغيره من الملائكة ؟!

ـ وبماذا نحلل إهتمام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه التربة الطاهرة الزكية ؟!

ـ هل على نحو العبث ، أم لفضيلة هذه التربة الطاهرة ؟!

التفاضل بين مكة والمدينة وكربلاء :

س / يفهم من تعلق الشيعة الإمامية بـ ( تربة الحسين عليه‌السلام ) ، أنها أفضل من تربة مكة التي لم تزل منذ نزول آدم عليه‌السلام إلى الآن أرض مقدسة وأفضل من أرض المدينة المنورة التي تختص بجسد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تكونان في المنزلة دون كربلاء ، هذا أمر غريب ؟! وهل الحسين عليه‌السلام أفضل من جده الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

ج / يتضح الجواب بعد بيان التالي :

أولاً ـ إختلف العلماء في تفاضل مكة والمدينة وكربلاء حسب الوجوه التالية :

رأي السنة والجماعة :

١ ـ ذهب الشافعي ، وأهل مكة ، وأهل العلم أجمع ، إلى أن مكة أفضل(١٠٦)

٢ ـ ذهب مالك وأهل المدينة إلى أن المدينة أفضل(١٠٧)

٣ ـ قال القاضي عياض : إن موضع قبرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل بقاع الأرض ، وإن مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض(١٠٨) وحكاية الإجماع على تفضيل ما ضم

______________________

(١٠٦) ـ النووي ، محي الدين بن شرف : المجموع في شرح المهذب ، ج ٧ / ٤٦٩ ـ ٤٧٠

(١٠٧) ـ ابن حزم ، علي بن أحمد : المحلى ، ج ٧ / ٢٧٩

(١٠٨) ـ الشوكاني ، محمد بن علي : نيل الاوطار ، ج ٥ / ٣٥

٧٥

الأعضاء الشريفة نقله القاضي عياض ، وكذا القاضي أبو الوليد الباجي ( الناجي ) قبله كما قال الخطيب ابن جمله ، وكذا نقله أبو اليمن ابن عساكر وغيرهم ، مع التصريح بالتفضيل على الكعبة الشريفة(١٠٩)

رأي الشيعة الإمامية :

١ ـ ذهب الشيخ الطوسي ، بل ادعى الإجماع على أفضلية مكة على غيرها(١١٠)

٢ ـ وأجمعوا على أن الموضع الذي ضم أعضاءه الشريفة أفضل بقاع الأرض(١١١)

٣ ـ وقال السيد علي خان : والأقرب أن موضع قبور الأئمة عليهم السلام كذلك ، أما البلدان التي فيها ؛ فمكة أفضل منها حتى المدينة(١١٢)

٤ ـ وقال الشهيد الثاني ( قده ) في الدروس : مكة أفضل بقاع الأرض ما عدا قبر الرسول الله صلى الله عليه وآله ، وروي في كربلاء على ساكنها السلام ، مرجحات(١١٣)

٥ ـ ذهب السيد بحر العلوم ( قده ) : إلى تفضيل كربلاء على مكة ، كما هو المستفاد من منظومته الدرة النجفية :

والأفضل الأرض ومنها فُضِّلا

تُرْبَةُ قُدْسٍ قُدِّسَت في كربلا(١١٤)

ومن حديث كربلا والكعبة

لكربلا بان علو الرتبة(١١٥)

______________________

(١٠٩) ـ السمهودي ، نور الدين علي : وفاء الوفاء : ج ١ / ٢٨

(١١٠) ـ الطوسي ، شيخ الطائفة ، محمد بن الحسن : الخلاف ، ج ٢ / ٤٥١

(١١١) ـ الشيرازي ، السيد علي خان : رياض السالكين ، ج ١ / ٤٧٦

(١١٢) ـ نفس المصدر / ٤٧٧

(١١٣) ـ نفس المصدر / ٤٧٦

(١١٤) ـ بحر العلوم ، السيد محمد مهدي الطباطبائي : الدرة النجفية / ٩٧

(١١٥) ـ نفس المصدر / ١٠٣

٧٦

وذهب الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ( قده ) : إلى تفضيل كربلاء على غيرها ، حيث قال : « إذن ، أفليس من صميم الحق والحق الصميم ، أن تكون أطيب بقعة على وجه الأرض مرقداً وضريحاً لأكرم شخصية في الدهر »(١١٦)

خلاصة واستنتاج :

أولاً ـ بعد عرض الأقوال نخرج بما يلي :

١ ـ الإتفاق بين المسلمين على أن الموضع الذي ضم أعضاءه الشريفة أفضل بقاع الأرض وزاد الإمامية أن المواضع التي تضم أعضاء المعصومينعليهم‌السلام من أهل بيته أيضاً ؛ لأنهم أفضل الخلق من بعده

٢ ـ الإتفاق بين المسلمين على أن مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض ، والإختلاف في التفاضل بينهما

٣ ـ بعض الإمامية يقول : بأن كربلاء أفضل من مكة والمدينة ، ماعدا قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقبور أهل بيتهعليهم‌السلام

ثانياً ـ إن عظمة الحسينعليه‌السلام من عظمة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وشرف الحسينعليه‌السلام من شرفه ، وهو القائل في حقه :( حسين مني وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسيناً ، حسين سبط من الأسباط ) (١١٧) وقد روى هذا الحديث كثير من محدثي الطوائف الإسلامية

توجيه الأعلام لحديث (حسين مني) :

ولأرباب العلم في معناه وجوه :

______________________

(١١٦) ـ كاشف الغطاء ، الشيخ محمد حسين : الأرض والتربة الحسينية / ٢٥

(١١٧) ـ الترمذي ، محمد بن عيسى : سنن الترمذي ، ج ٢ / ٣٠٧ ( مناقب الحسن والحسين )

٧٧

أولاً ـ « أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قصد إكمال الحب وتمام الإلفة بسبطه وريحانته الحسين ؛ فإن البلغاء من العرب إذا أرادوا أن يظهروا الإتحاد والإلفة وشدة الإتصال والمحبة بأحد منهم ، يقولون : فلان منا ونحن من فلان ، كما أنهم إذا أرادوا أن يظهروا النفرة وشدة القطيعة من رجل قالوا فيه :( إننا لسنا منه وليس هو منا ) ، قال شاعرهم :

أيها السائل عنهم وعني

لست من قيس ولا قيس مني

وجاء في الحديث القدسي في الحاسد الحاقد :( إنه ليس مني ولست أنا منه ) ؛ أي إن المحبة الشديدة ، والصلة الأكيدة ، والعلاقة التامة بيني وبين الحسين ، جعلته كجزء مني وجعلتني كجزء منه من شدة الإتصال وعدم الإنفكاك »(١١٨)

ثانياً ـ « قد يكون إشارة إلى ما روي ؛ أن الحسينعليه‌السلام لما ولد كان يؤتى به إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيرضعه من ريقه أو إبهامه ، حتى نبت لحمه من لحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعظمه من عظمه ، ودمه من دمه ، فكأنهما نفس واحدة ، فبملاحظة ذلك صح أن يقولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وأنا من حسين ) »(١١٩)

ثالثاً ـ « لما كان الحسين متولداً من فاطمةعليها‌السلام ، وفاطمة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ صح أن يقول :( وأنا من حسين ) ؛ ولذا يفسر قوله :( حسين مني ) بالجهة المادية ، وقوله :( أنا من حسين ) بالجهة المعنوية »(١٢٠)

______________________

(١١٨) ـ الفيروزآبادي ، السيد مرتضى الحسيني : فضائل الخمسة ، ج ٣ / ٣٢٢ ـ ٣٢٣

(١١٩) ـ العمران ، العلامة الشيخ فرج : الأزهار الأرجية ، ج ٢ / ٩٦

(١٢٠) ـ نفس المصدر

٧٨

نعم نفهم من تعبير الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وأنا من حسين ) تلك المكانة العالية للحسينعليه‌السلام عند جده وعند ربه أيضاً ، وتتجلى تلك المكانة عبر الأحاديث التالية :

أ ـ أخرج الحاكم في( المستدرك ) وصححه ، وقال الذمني في التخلص على شرط مسلم عن ابن عباس قال :( أوحي إلى محمد أني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفاً ، وإنني قاتل بابن بنتك سبعين ألفاً وسبعين ألفا ) (١٢١)

ب ـ واخرج الثعلبي : «( أن السماء بكت وبكائها حمرتها ) وأخرج غيره :( إحمرّت آفاق السماء ستة أشهر بعد قتله ، ثم لا زالت الحمرة تُرى بعد ذلك ) وأن ابن سيرين قال : أخبرنا أنّ الحمرة التي تأتي مع الشفق لم تكن قبل الحسين وذكر ابن سعد أنّ هذه الحمرة لم ترَ في السماء قبل قتله .

قال ابن الجوزي : وحكمته أن غضبنا يؤثر حمرة الوجه ، والحق تنزه عن الجسمية فاظهر تأثير غضبه على من قتل الحسين بحمرة الأفق إظهاراً لعظم الجناية »(١٢٢)

كما تظهر لنا عناية الباري عَزّ وجَلّ بالحسينعليه‌السلام ، حيث عَوّضه بإستشهاده في الدنيا بثلاثة أشياء ، كما هو المستفاد من حديث ابن عباس ( ثم قال : يا ابن عباس ، من زاره عارفاً بحقه ؛ كتب له ثواب ألف حجة وألف عمره ، ألا من زاره فكأنما زارني ، ومن زارني فكأنما زار الله ، وحق

______________________

(١٢١) ـ الصبان ، الشيخ محمد : إسعاف الراغبين / ١٩٢ ، ( مطبوع بهامش ـ نور الأبصار : للشبلنجي )

(١٢٢) ـ ابن حجر ، أحمد بن علي : الصواعق المحرقة / ١٩٤

٧٩

الزائر على الله أن لا يعذبه بالنار ، وأن الإجابة تحت قبته ، والشفاء في تربته ، والأئمة من ولده )(١٢٣)

وحديث محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر ، وجعفر بن محمدعليهما‌السلام يقولان :( إن الله عوّض الحسين عليه‌السلام من قتله ؛ أن جعل الإمامة في ذريته ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ، ولا تعد أيام زائريه جائياً وراجعاً من عمره ) (١٢٤)

وبعد هذا البيان ، إتضح لنا ميزة تربة الطف على غيرها ؛ إذ قدّسها الباري عَزّ وجَلّ بسبب من قتل فيها في سبيله ، وإلى هذا يشير إمامنا السجادعليه‌السلام بقوله :( طوبى لأرض تضمنت جسدك الطاهر ، فإنّ الدنيا بعدك مظلمة ، والآخرة بنورك مشرقة ، أما الليل ؛ فمسهد والحزن سرمد ، أو يختار الله لأهل بيتك دارك التي أنت بها مقيم ، وعليك مني السلام يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته ) (١٢٥) وفي زيارة الإمام الصادقعليه‌السلام للشهداء :( بِاَبي اَنْتُمْ وَاُمّي طِبْتُمْ وَطابَتِ الاَرْضُ الَّتي فيها دُفِنْتُمْ ، وَفُزْتُمْ فَوْزاً عَظيماً ) (١٢٦) فهل في ذلك مانع ؟!

أم هل في تفضيل تربة الحسينعليه‌السلام على بقاع الأرض ، تفضيل الحسين على جده الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟! كلا ، إنّ تفضيلنا لهذه التربة ناشئ من اهتمام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بها كما ذكرنا سابقاً

______________________

(١٢٣) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ج ٣٦ / ٢٨٦ ( باب : ٤١ ـ حديث ١٠٧ )

(١٢٤) ـ نفس المصدر ، ج ٤٤ / ٢٢١ ، ( باب ٢٩ ـ حديث ١ )

(١٢٥) ـ المقرم ، السيد عبدالرزاق : مقتل الحسين / ٣٢٠

(١٢٦) ـ القمي ، الشيخ عباس : مفاتيح الجنان / ٥٢٦

٨٠

ثالثاً ـ سر السجود على تربة الحسين (عليه‌السلام ) :

ويوضح لنا هذا السر أحد أعلام الإمامية بقوله التالي :

« ولعل السر في إلتزام الشيعة الإمامية السجود على التربة الحسينية ، مضافاً إلى ما ورد في فضلها من الأخبار ، ومفادها إلى أنها أسلم من حيث النظافة والنزاهة من السجود على سائر الأراضي ، وما يطرح عليها من الفرش والبواري والحصر الملوثة والمملوءة غالباً من الغبار والميكروبات الكامنة فيها ، مضافاً إلى كل ذلك ؛ لعل من جملة الأغراض العالية والمقاصد السامية ، أن يتذكر المصلي حين يضع جبهته على تلك التربة تضحية ذلك الإمام نفسه وأهل بيته والصفوة من أصحابه في سبيل العقيدة والمبدأ ؛ وتحطيم هيكل الجور والفساد والظلم والإستبداد ، ولما كان السجود أعظم أركان الصلاة ـ وفي الحديث :« أقرب ما يكون العبد إلى ربه حال سجوده » ـ مناسب أن يتذكر أولئك الذين وضعوا أجسامهم عليها ضحايا للحق ، وارتفعت أرواحهم إلى الملأ الأعلى ؛ ليخشع ويخضع ويتلازم الوضع والرفع ويحتقر هذه الدنيا الزائفة وزخارفها الزائلة ، ولعل هذا هو المقصود من السجود عليها بخرق الحجب السبع كما في الخبر الآتي ذكره ، فيكون حينئذ في السجود سر الصمود والعروج من التراب إلى رب الأرباب إلى غير ذلك من لطائف الحكم ودقائق الأسرار »(١٢٧)

______________________

(١٢٧) ـ كاشف الغطاء ، الشيخ محمد حسين : الأرض والتربة الحسينية / ٢٧

٨١

٨٢

٨٣
٨٤

توطئه :

عُرفت الشيعة الإمامية منذ عهد بعيد بشعار السجود على تربة الحسينعليه‌السلام ، ولو تتبعنا منشأ هذا الشعار وكيفية نشوئه وانتشاره ؛ لتوصلنا إلى أنه يرجع إلى الأطوار الآتية :

الطور الأول ـ بداية السجود عليها :

كان هذا الطور محدوداً لا يتجاوز البيت العلوي إلا لبعض الخلّص من الأصحاب ، كما هو المستفاد من كلمات المجتهد الأكبر الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ( قده ) حيث قال : « أما أول من صلى عليها من المسلمين بل من أئمة المسلمين ـ فالذي إستفدته من الآثار ، وتلقيته من جملة أخبار أهل البيت ، ومهرة الحديث من أساتيذي الأساطين الذين تخرجت عليهم برهة من العمر ـ هو زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام ، بعد أن فرغ من دفن أبيه وأهل بيته وأنصاره ، أخذ قبضة من التربة التي وضع عليها الجسد الشريف ، الذي بضعته السيوف كلحم على وضم ؛ فشد تلك التربة في صرة وعمل منها سجاده ومسبحة ، وهي : السبحة التي كان يديرها بيده حين أدخلوه الشام على يزيد . ولما رجع الإمامعليه‌السلام هو وأهل بيته إلى المدينة ؛ صار يتبرك بتلك التربة ويسجد عليها ويعالج بعض مرضى عائلته بها ، فشاع هذا عند العلويين وأتباعهم ومن يقتدي بهم ، فأول من صلى على هذه التربة واستعملها ؛ هو زين العابدين ، الإمام الرابع من أئمة الشيعة الإثني عشر المعصومين »(١٢٨)

______________________

(١٢٨) ـ كاشف الغطاء ، الشيخ محمد حسين : الأرض والتربة الحسينية / ٣١

٨٥

الطور الثاني ـ إنتشار ذلك على مستوى الشيعة :

في الفترة الزمنية ما بين عام ( ٩٥ ـ ١١٤ هـ ) ، بداية إنتشار شعار العناية بالتربة الحسينية من السجود عليها والإستشفاء والتبرك بها ، حيث إعتنى بذلك الإمام الخامس محمد بن علي الملقب بـ( الباقر ) عليه‌السلام ، فبالغ في حث أصحابه على السجود على التربة الحسينية ، ونشر فضلها ثم زاد على ذلك ابنه الإمام جعفر بن محمد الملقب بـ( الصادق ) عليه‌السلام ، فإنه أكّد عليها لشيعته حيث تكاثرت في عهده وأصبحت من كبريات الطوائف الإسلامية ، والروايات خير شاهد على ذلك كما سيأتي :

١ ـ الحسن بن محمد الديلمي في( الإرشاد ) قال :( كان الصادق عليه‌السلام لا يسجد إلا على تربة الحسين عليه‌السلام تذللاً لله واستكانة إليه ) (١٢٩)

٢ ـ عن معاوية بن عمّار قال : كان لأبي عبد الله خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبداللهعليه‌السلام ، فكان إذا حضرت الصلاة ؛ صَبّه على سجادته وسجد عليه ثم قالعليه‌السلام :( إنّ السجود على تربة أبي عبدالله يخرق الحجب السبع ) (١٣٠)

توضيح « الحجب السبع » :

« الحَجْبَ والحِجَابُ المنع من الوصول وقوله تعالى :( وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ) [ الأعراف / ٤٦ ] ؛ ليس يُعنى به ما يحجب البصر ، وإنما يعنى ما يمنع من وصول لَذّةِ أهل الجنة إلى أهل النار ، وأذيّة أهل النار إلى أهل الجنّة ، كقوله عَزّ وجَلّ :( فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ ) [ الحديد / ١٣ ]

______________________

(١٢٩) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد بن الحسن : وسائل الشيعة ، ج ٣ / ٦٠٨ ( باب ١٦ من أبواب ما يسجد عليه ، حديث ٤ )

(١٣٠) ـ نفس المصدر ( باب ـ ١٦ ـ من أبواب ما يسجد عليه ، حديث ٣ )

٨٦

والحاجب : المانع عن السلطان ، والحاجبان في الرأس ؛ لكونها كالحاجبين للعين في الذب عنهما »(١٣١)

وبعد إيضاح معنى ( الحجاب ) من الناحية اللغوية ـ وهو معنى عام ينطبق على كثير من المصاديق ـ ينبغي إيضاح ما هو المراد بـ ( الحجب السبعة ) ؟

المستفاد من كلمات العلماء في توضيح معنى ( الحجب السبعة ) أنّها ترجع إلى المعاني التالية :

الأول ـ السماوات السبع :

وقد أشار إلى هذا المعنى مجموعة من الأعلام نذكر منهم ما يلي :

١ ـ الميرزا أبي الفضل الطهراني ( ١٢٧٣ هـ ـ ١٣١٦ هـ ) :

« المراد من الحجب السبعة في حديث معاوية بن عَمّار السماوات السبع ، والمقصود عروج الصلاة إلى الملأ الأعلى وبلوغ القرب الحقيقي »(١٣٢)

٢ ـ الشيخ جعفر التستري ( ١٢٢٧ هـ ـ ١٣٠٣ هـ ) :

« إنّ السجود على ترابها يخرق الحجب السبعة ، ومعنى هذا الحديث ، خرق السماوات للصعود »(١٣٣)

٣ ـ الشيخ حسين الوحيد الخراساني ( دام ظله ) :

« وأما فقه الحديث فلا مجال للإشارة إليه ، فإنّ السجود أعظم عبادة أمر الله سبحانه نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به للإقتراب إليه :( كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب ) [ العلق / ١٩ ] والإمام المعصوم يتوسل في سجوده الذي هو نهاية تقرّبه بتراب الحسينعليه‌السلام ،

______________________

(١٣١) ـ الراغب الإصفهاني ، الحسين بن محمد : المفردات في غريب القرآن ، ج ١ / ١٤١ ـ ١٤٢

(١٣٢) ـ الطهراني ، الميرزا أبي الفضل : شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور ، ج ١ / ٤١٩

(١٣٣) ـ التستري ، الشيخ جعفر : الخصايص الحسينية / ١٣٠

٨٧

لأن يخرق الحجب السبع فماذا يمكن أن يقال في شأن دم صار ذلك التراب بإضافته إليه خارقاً للحجاب بين العبد وربه ، موصلاً لعباد الله إلى منتهى كرامة الله وفي الصحيح عن أبي الحسنعليه‌السلام : ( إنّ النبي لما أسري به إلى السماء ؛ قطع سبع حجب ، فكبّر عند كل حجاب تكبيرة ، فأوصله الله عَزّ وجَلّ بذلك إلى منتهى الكرامة ) ومما لابدّ من التأمل فيه أنّ إفتتاح الصلاة بسبع تكبيرات ـ تقوم مقام التكبيرات السبع التي كبّرها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرفعت له بها الحجب السبعة ليلة الإسراء ـ قد صار سنّة بلسان الحسينعليه‌السلام ، ففي الصحيح عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال : ( إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في الصلاة وإلى جانبه الحسين بن علي ، فكبّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يحِر الحسين التكبير ، ثم كبّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يحِر الحسين التكبير ، فلم يزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكبّر ويعالج الحسين التكبير فلم يحِر ، حتى أكمل سبع تكبيرات ، فأحار الحسينعليه‌السلام التكبير في السابعة قال أبو عبداللهعليه‌السلام : فصارت سنّة )

فقطع الحجاب بين العباد وربَّ الأرباب في أوّل العروج إلى الله ؛ وهو أول الركعة بلسان الحسينعليه‌السلام وخرق الحجاب في آخر الركعة ؛ وهو السجود بتربة الحسينعليه‌السلام »(١٣٤)

الثاني ـ الذنوب والمعاصي :

وإلى هذا المعنى أشار بعض الأعلام نذكر منهم ما يلي :

١ ـ الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ( ١٣٩٤ هـ ـ ١٣٧٣ هـ ) :

« ولعلّ المراد بالحجب هي الحاءات السبع من الرذائل ، التي تحجب النفس عن الإستضاءة بأنوار الحق ، وهي : الحقد ، الحسد ، الحرص ، الحدّة ،

______________________

(١٣٤) ـ الخراساني ، الشيخ حسين الوحيد : مقدمة في أصول الدين / ٣٦١ ـ ٣٦٢

٨٨

الحماقة ، الحلية ، الحقارة فالسجود على التربة من عظيم التواضع ، والتوسّل بأصفياء الحقّ يمزّقها ويخرقها ويبدلها بالحاءات السبع من الفضائل ، وهي : الحكمة ، الحزم ، الحلم ، الحنان ، الحضانة ، الحياء ، الحبّ »(١٣٥)

٢ ـ الميرزا أبي الفضل الطهراني ( قده ) :

« المعاصي السبع المانعة من قبول الأعمال وحجابها ، وتلك هي المعاصي التي رأى جماعة إنحصار الكبائر بها ـ كما ذكر ذلك في الكتب الفقهية ـ :

أ ـ الشرك ،

ب ـ قتل النفس ،

ج ـ قذف المحصنة ،

د ـ أكل مال اليتيم ،

هـ ـ الزنا ،

و ـ الفرار من الزحف ،

ز ـ عقوق الوالدين

ومعنى الخرق لهذه الحجب ، أنه إن كان مقروناً بالتوبة الصادقة والعزم الثابت ، فإن الله تعالى يعفو عن الذنوب السالفة ، يمحوها ببركة هذه التربة المقدسة »(١٣٦)

٣ ـ الشيخ جعفر التستري ( قده ) :

« المراد بالحجب ؛ المعاصي السبع التي تمنع قبول الأعمال ، على ما في رواية معاذ بن جبل ، وأنّ السجود عليها يُنوِّر الأرضين السبع »(١٣٧)

الثالث ـ إستنتاج المؤلف :

بعد عرض ما ذكره العلماء الأعلام في توضيح معنى ( الحجب السبع ) ، يمكن القول بترجيح القول الأول وهو ( السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ ) ؛ وذلك بعد بيان ما يلي :

______________________

(١٣٥) ـ كاشف الغطاء ، الشيخ محمد حسين : الأرض والتربة الحسينية / ٣٢

(١٣٦) ـ الطهراني ، الميرزا أبي الفضل : شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور ، ج ١ / ٤١٩

(١٣٧) ـ التستري ، الشيخ جعفر : الخصائص الحسينية / ١٣٠ ـ ١٣١

٨٩

أولاً ـ السجود :

لابد من ملاحظة السجود باعتباره أعظم مراتب الخضوع والخشوع لله عَزّ وجَلّ ، بل الإيمان الخالص له سبحانه في العبادة في أعظم وأقرب مصاديقها ، ويتضح ذلك بعد عرض الروايات التالية :

١ ـ عبد الواحد الآمدي في الغرر : عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال :( السجود الجسماني : وضع عتائق الوجوه على التراب ، وإستقبال الأرض بالراحتين والركبتين ، وأطراف القدمين ، مع خشوع القلب وإخلاص النية )

السجود النفساني : فراغ القلب من الفانيات ، والإقبال بكنه الهمة على الباقيات ، وخلع الكبر والحمية ، وقطع العلائق الدنيوية ، والتحلي بالأخلاق النبوية )(١٣٨)

٢ ـ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إن الأرض التي يسجد عليها المؤمن يضئ نورها إلى السماء ) (١٣٩)

٣ ـ قال الصادقعليه‌السلام :( السجود على تربة قبر الحسين عليه‌السلام يُنوّر الأرضين السبع ، ومن كان معه سبحه من طين قبر الحسين عليه‌السلام ؛ كان مسبّحاً وإن لم يُسبّح بها ) (١٤٠)

ثانياً ـ معنى ( الخَرْق ) :

لو تصفحنا الكتب اللغوية ؛ لتوصلنا إلى عدة معانٍ متقاربة أهمها ما يلي :

______________________

(١٣٨) ـ الطبرسي ، ميرزا حسين النوري ، مستدرك الوسائل ، ج ٤ / ٤٨٦ ( باب ٢٣ ، من أبواب السجود )

(١٣٩) ـ نفس المصدر / ٤٨٥

(١٤٠) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد بن حسن : وسائل الشيعة ، ج ٣ / ٦٠٨ ( باب ـ ١٦ ـ من أبواب ما يسجد عليه ، حديث ١ )

٩٠
١ ـ الفُرْجَة والشَقّ والقطع :

« الخَرْقُ : الفُرْجَة ، وجمعه خُروق الخرق الشّق في الحائط والثوب ونحوه »(١٤١)

وقال الراغب الإصفهاني : « وبإعتبار القطع قيل : خَرَقَ الثوب وخَرّقه ، وخَرَقَ المَفاوِز واخترق الريح وخُصّ الخَرقْ والخَرِيق بالمفاوز الواسعة ؛ إمّا لإختراق الريح فيها ، وإمّا لتخرُّقها في الفَلَاة ، وخُصّ الخَرْق بمن ينخرق في السحاب وقوله تعالى :( إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ ) [ الإسراء / ٣٧ ] فيه قولان : أحدهما ـ لن ينقطع ، والآخر لن تثقب الأرض إلى الجانب الآخر ، إعتباراً بالخرق في الأذن »(١٤٢)

٢ ـ البلوغ :

قال الشيخ الطريحي (ره) : « قوله تعالى :( إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ ) ؛ أي تبلغ آخرها »(١٤٣)

ثالثاً ـ أهمية السماء :

وقد أشار إلى هذه الأهمية أمير المؤمنينعليه‌السلام بقوله : ( فمن شواهد خلقه خلق السماوات موطّدات بلا عمد ، قائمات بلا سند ، دعا هن فأجبن طائعات مذعنات غير متلكّئات ولا مبطئات ، ولولا إقرارهنّ بالربوبية ، وإذعانهن ______________________

(١٤١) ـ الطبرسي ، ميرزا حسين النوري : مستدرك الوسائل ، ج ٤ / ٤٨٦ ( باب ٢٣ ـ من أبواب السجود ـ حديث ٩ )

(١٤٢) ـ الراغب الإصفهاني ، الحسين بن محمد : المفردات في غريب القرآن ، ج ١ / ١٤٩

(١٤٣) ـ الطريحي ، الشيخ فخر الدين : مجمع البحرين ، ج ٥ / ١٥٣

٩١

بالطواعية ؛ لما جعلهن موضعاً لعرشه ، ولا مسكناً لملائكتة ، ولا مصعداً للكلم الطيب والعمل الصالح من خلقه )(١٤٤)

وبعد عرض هذا المقطع من خطبة أمير المؤمنينعليه‌السلام ؛ ينبغي الإشارة إلى الآيات التالية :

الأولى ـ قوله تعالى :( وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ ) [ المؤمنون / ١٧ ] المراد بـ( سَبْعَ طَرَائِقَ ) السماوات السبع ، وَعبّرت عنها الآية بـ( طَرَائِقَ ) ؛ لأنها طرائق الملائكة في العروج والهبوط والطيران ، وما يترتب على ذلك من نزول الوحي على الأنبياء ، ورفع الأعمال البشرية

الثانية ـ قوله تعالى :( وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ) [ الذاريات / ٢٢ ]

قيل المراد أنها أسباب رزقكم أو تقديره( وَمَا تُوعَدُونَ ) من الثواب ؛ لأنّ الجنة فوق السماء السابعة ، أو لأنّ الأعمال وثوابها مكتوبة مُقَدّرة في السماء

الثالثة ـ قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ )
[ الأعراف / ٤٠ ] ؛ أي لا تفتح لهم أبواب السماء لأدعيتهم وأعمالهم ، أو لأرواحهم ، كما تفتح لأعمال المؤمنين وأرواحهم ، ويُؤيِّد هذا المعنى ما روي عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام أنّه قال : ( أما المؤمنون فترفع أعمالهم وأرواحهم إلى السماء ، فتُفتّح لهم أبوابها ، وأما الكافر فيُصْعَدُ بعمله وروحه حتى إذا بلغ إلى السماء نادي منادٍ : إهبطوا به إلى ______________________

(١٤٤) ـ ابن أبي الحديد ، عبدالحميد : شرح نهج البلاغة ، ج ١٠ / ٨١ ـ ٨٢

٩٢

سِجِّين ؛ وهو وادٍ بحضرموت يقال له : بَرَهُوت )(١٤٥) وبعد إيضاح ما تقدم ؛ نخرج بالنتيجة التالية :

أولاً ـ إنّ السجود أعظم أركان الصلاة ؛ حيث يتحقق فيه غاية الخضوع والخشوع والقرب إلى الله عَزّ وجَلّ في هذه العبادة وإذا كان على تربة سيد الشهداء الحسينعليه‌السلام والصفوة من أهل بيته وصحبه الكرام ، فيناسب للساجد وهو في هذه الحالة العبادية ، أن يتذكر بوضع جبهته على تلك التربة الطاهرة تضحية تلك الصفوة النبوية والمؤمنة في سبيل المبدأ والعقيدة الذين صعدت دماؤهم وأرواحهم إلى أعلى عليين ، فيكون حينئذ في السجود سرّ الصعود والعروج من التراب إلى رب الأرباب ، فيتحقق ( خرق الحجب السبعة ) ؛ وهي السماوات السبع

ثانياً ـ أما ما ذهب إليه بعض الأعلام من تفسير ( الحجب السبعة ) بالذنوب والمعاصي ؛ فيمكن مناقشته كالتالي :

أ ـ ما ذهب إليه الشيخ كاشف الغطاء ، من أنّ المراد بها الحاءات السبع من الرذائل ؛ فهذا إستنتاج عقلي محض يحتاج إلى مؤيد من الروايات وغيرها

ب ـ وأما ما ذكره الميرزا أبي الفضل الطهراني ، والشيخ التستري من إنحصار الكبائر بالسبع ؛ فهذا غير واضح من الروايات ؛ لذا إختلف الفقهاء في حصر الكبائر في عدد مُعَيّن ، فبقي لدينا القول بكونها هي السماوات السبع ، وقد أوضحنا ذلك في بيان أهمية السماء

______________________

(١٤٥) ـ البحراني ، السيد هاشم الموسوي : البرهان في تفسير القرآن ، ج ٣ / ١٦٢

٩٣

الطور الثالث ـ عملها ألواحاً :

وبعد عصر الصادق عليه السلام ، سار على نهجه الأئمة من ولده في تحريك العواطف ، وتحفيز الهمم ، وتوفر الدواعي إلى السجود على تربة الحسينعليه‌السلام ، وبيان تضاعف الأجر والثواب في التبرك بها والمواظبة عليها ، حتى إنتشر ذلك بين الشيعة في بلادهم مع عظيم الإهتمام بها ، فلم يمضِ على زمن الصادقعليه‌السلام قرن من الزمن ؛ حتى صارت الشيعة تصنعها ألواحاً وتضعها في جيوبها كما هو المتعارف اليوم

فيظهر أن صنع التربة ألواحاً ـ كما هو المتعارف اليوم ـ كان في وسط القرن الثالث الهجري ؛ أي حدود المائتين وخمسين هجرية ، أي في الغيبة الصغرى ، كما هو المستفاد من الخبر التالي :

عن محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري : عن صاحب الزمانعليه‌السلام : ( أنه كتب إليه يسأله عن السجدة على لوح من طين القبر ، هل فيه فضل ؟ فأجاب يجوز ذلك وفيه الفضل )(١٤٦)

وخلاصة الدليل ؛ أي الإقتداء بأهل البيتعليهم‌السلام في السجود على تربة الحسينعليه‌السلام ، أن المستفاد من الروايات المتقدمة ، من سجود الإمام زين العابدينعليه‌السلام ومن جاء بعده من الأئمة ، خير شاهد ودليل على إلتزام الشيعة الإمامية بذلك ، وهل في ذلك إشكال ؟ بعد أن أوصانا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتمسك والإقتداء بهم كما في حديث الثقلين المشهور بين المسلمين ، عن زيد بن أرقم : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي

______________________

(١٤٦) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد بن حسن : وسائل الشيعة ، ج ٣ / ٦٠٨ ( باب ١٦ من أبواب ما يسجد عليه ، حديث ٩ )

٩٤

أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود بين السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ) (١٤٧)

ويقول الشيخ ابن تيمية :« وإذا كانوا خير الخلائق ؛ فلا ريب أن أعمالهم أفضل الأعمال » (١٤٨) وهذا إعتراف منه صريح بصحة عمل من إتبع أهل البيتعليهم‌السلام في أقوالهم وأفعالهم ، لا يشك في ذلك أحد من المسلمين ، وإلى هذا يشير بعض العلويين بقوله :

قل لمن حجنا بقول سوانا

حيث فيه لم يأتنا بدليل

نحن نروي إذا روينا حديثاً

بعد آيات محكم التنزيل

عن أبينا عن جدنا ذي المعالي

سيد المرسلين عن جبرئيل

وكذا جبرئيل يروي عن الله

بلا شبهة ولا تأويل(١٤٩)

______________________

(١٤٧) ـ الترمذي ، محمد بن عيسى : سنن الترمذي ، ج ٢ / ٣٠٨

(١٤٨) ـ ابن تيمية ، أحمد عبد الحليم : رأس الحسين / ١٧٠٤ « مطبوع مع استشهاد الحسين ـ للحافظ ابن كثير ـ تقديم الدكتور محمد جميل غازي ـ القاهرة ـ مطبعة المدني

(١٤٩) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد بن حسن : الجواهر السنية في الأحاديث القدسية / ١٧٧

٩٥
٩٦

٩٧
٩٨

الفصل الأول ـ مقدمة في تاريخ السبحة :

السُّبحة ؛ المسبحة Rosary : خرزات أو قطع من الزجاج أو العاج أو الأحجار الكريمة أو شبه الكريمة منظومة في سلك وهي عريقة في القدم عرفها الإنسان منذ العصور القبتاريخية واتخذها تميمة أو تعويذة حِيَناً ، وضَرْبَاً من ضروب الزينة حِينَاً آخر حتى إذا كان القرن الثالث للميلاد إتخذها رهبان الكنيسة المسيحية الشرقية للصلاة والتسبيح وسرعان ما شاعت في أوساط الكنيسة الغربية أيضاً أما المسلمون فقد عرفوا السبحة أول ما عرفوها من طريق الصوفية ، وهي تعتبر بدعة لا أصل لها في الدين وأكثر السُّبحات شيوعاً تلك التي يبلغ عدد حباتها تسعاً وتسعين أو ثلاثاً وثلاثين وكثير من الناس يحملون السُّبوحات اليوم على سبيل التسلية ليس غير(١٥٠)

مناقشة هذا النص التأريخي :

بعد ذكر النص المتقدم نخرج بالملاحظتين الآتيتين :

الأولى ـ أنّ المسلمين عرفوا السبحة عن طريق الصوفية ؟

ويمكن الاجابة عن ذلك بمايلي :

أنها دعوى تحتاج إلى دليل ، والدليل الواضح لدينا أنّ الزهراءعليها‌السلام هي من أوائل الذين إتخذوا السبحة للتسبيح بها في الصلاة وغيرها من الأوقات ، وكانت سبحتها الأولى من خيط صوف مفتل معقود عليه عدد التكبيرات ، والثانية بعد مقتل حمزة ( رضي ) حيث إتخذت من تربته مسبحةً ، وسار على ذلك المسلمون في حدود السنة الثالثة للهجرة ، وسوف نذكر الروايات النَّاصّة على ذلك

______________________

(١٥٠) ـ البعلبكي ، منير : موسوعة المورد العربية ، ج ١ / ٦٠٧

٩٩

الثانية ـ أنها بدعة لا أساس لها في الدين ؟

ويمكن الإجابة عن ذلك بمايلي :

إنّ دعواه بأنها بدعة لا أساس لها في الدين ، هذه دعوى تحتاج إلى دليل وهو مفقود ، حيث ذكرنا في الجواب عن الملاحظة الأولى ؛ أنّ لها إرتباطاً في الدين وليس بدعة ؛ إذ أنّ الزهراءعليها‌السلام لا تفعل البدع ، ولو كان بدعة ؛ لنهى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك وأيضاً المصادر اللغوية نَصّت على أنها تستخدم في الصلاة ولم تنص على أنها بدعة ؛ إذ أنّ بعض المصادر منها تختص بالقرآن والسنة كما ستعرف ، وإليك هذه المصادر :

١ ـ كتاب العين ، ج ٣ / ١٥٢ ، للخليل بن أحمد الفراهيدي :

« السُّبحة : خرزات يُسبَّح بعددها »

٢ ـ المفردات في غريب القرآن / ٢٢٣ ، للراغب الإصفهاني :

« السُّبحة : التسبيح ، وقد يقال للخرزات التي يُسبّح بها سُبحة »

٣ ـ أساس البلاغة / ٢٠ ، لجار الله الزمخشري :

« السُّبحة : أي النافلة ، وفي يده السُّبح يُسبح بها »

٤ ـ لسان العرب ، ج ٢ / ٤٧٣ ، لإبن منظور :

« السُّبحة : الخرزات المسبح بها تسبيحة ، وهي كلمة مُولّدَة »

٥ ـ المصباح المنير ، ج ١ / ٢٦٢ ، للفيومي :

« السُّبحة : خرزات منظومة ، قال الفارابي وتبعه الجوهري : والسُّبحة التي يسبح بها ، وهو يقتضي كونها عربية وقال الأزهري : كلمة مولّدة وجمعها سُبح »

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232