الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام8%

الحقائق في تاريخ الاسلام مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 495

الحقائق في تاريخ الاسلام
  • البداية
  • السابق
  • 495 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 192822 / تحميل: 7423
الحجم الحجم الحجم
الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

العبّاس: ألم أقل لك يا علي؟.(١)

أقول: يظهر من هذه المكالمة أنّ خلافة علي (ع) كانت مسلّمة قطعية في نظرهم ولا سيّما في نظر عليّ (ع)، وكان لا يحتمل خلاف أحد وإنكاره واستبداده عليه.

ويروي أيضاً: قال سلمان الفارسي حين بويع أبو بكر: كرداد ونا كرداد أي: عملتم وما عملتم، لو بايعوا علياً لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم.(٢)

أقول: يريد أنّكم باستخلاف أبي بكر فعلتم ما فعلتم وحرّفتم وصيّة رسول الله (ص) عن موضعها وظلمتم آله وعترته وغصبتم حقّ عليّ (ع) ولكن ما ظلمتم إلا أنفسكم، وما فعلتم إلا على أنفسكم.

يقول في منتخب كنزل العمّال: إنّ أبا بكر حين استُخلف قعد في بيته حزينا، فدخل عليه عمر فأقبل يلومه، وقال: أنت كلّفتني هذا الأمر وشكى إليه الحكم بين الناس! فقال له عمر: أو ما علمت أنّ رسول الله (ص) قال: إنّ الوالي إذا اجتهد فأصاب الحقّ فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ الحقّ فله أجر واحد.(٣)

ويقول: عن رافع قال: لما استخلف الناس أبا بكر قلت: صاحبي الذي أمرني أن لا أتأمّر على رجلين! فارتحلت فانتهيت إلى المدينة فتعرّضت لأبي بكر، فقلت له: يا أبا بكر أتعرفني؟ قال: نعم: قلت: أتذكر شيئا قلته لي لا أتأمّر على رجلين، وقد وليت أمر الأمة؟! فقال: إنّ رسول الله (ص) قبض والناس حديث عهد بكفرٍ، فخفت عليهم أن يرتدّوا وان يختلفوا، فدخلت فيها وأنا كاره، ولم يزل بي صاحبي يعتذر حتى عذرته.(٤)

أقول: فليستنتج المحقّق الحرّ من هذه الكلمات أيّ نتيجة يدرك بفكره الثاقب ونظره الخالص.

____________________

١ - أنساب الأشراف، ج ١، ص ٥٨٣.

٢ - نفس المصدر، ص ٥٩١.

٣ - منتخب كنز العمّال، ج ٢، ص ١٥٨.

٤ - نفس المصدر، ص ١٦٠.

١٦١

( نتيجة تدبيرات المخالفين )

إنّ المخالفين بذلوا جهدهم واجتهدوا غاية الجهد في تحصيل مقاصدهم والوصول إلى منويّاتهم.

وكان أكبر مانع من إجراء منظورهم: كتابة النبيّ (ص)، وإنفاذ جيش أسامة، وأمر السقيفة.

نعم، هذه الموضوعات الثلاث كانت مانعة عن النيل إلى ما قصدوا، وكنهم رفعوا بجدهم هذه الموضوعات المانعة، وكشفوا بخلافهم الشديد هذه الحصون العائقة، وتيسّر لهم المعسور، واستقيمت لهم الأمور.

منعوا عن أنّ يكتب رسول الله (ص) لهم وصيّته، وامتنعوا عن الحركة في جيش أسامة، وجدّوا واجتهدوا في أن ينتخبوا في السقيفة لأنفسهم.

وقد بدّلوا ما أوصاهم به، وحرّفوا الكلم عن مواضعه، وغيّروا مسير الإسلام، وتركوا بل عادَوا أهل بيت الرسول، ونسوا ما وصّى رسول الله (ص) فيهم.

حتى إذا واروه في قبره ما قال بالأمس وأوصى به وقطّعوا أرحامه بعده وانصرفوا عن دفنه ضيعوا واشتروا الضرّ بما ينفع فسوف يُجزون بما قطّعوا.

كأنّهم ما سمعوا من رسول الله (ص) ما قال في أهل بيته وفي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) وفي بنته فاطمة الزهراء، بل ولعلهم أُمروا بالظلم والعدوان والمعادة.

* * *

١٦٢

( بعض ما ورد في فاطمة (ع) )

رجال أصبهان: عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله مالك إذا قبّلت فاطمة جعلت لسانك في فيها كأنّك تريد أن تلعقها عسلاً؟ فقال رسول الله (ص): يا عائشة إنّها لمّا كانت ليلة أسري بي إلى السماء أدخلني جبريل الجنّة فناولني تفّاحة فأكلتها فصارت نطفة في صلبي ففاطمة من تلك النطفة فهي حوراءٌ إنسية كلّما اشتقت إلى الجنّة قبّلتها.(١)

مستدرك الحاكم: عن سعد بن مالك، قال رسول الله (ص): أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام بسفرجلة من الجنّة فأكلتها ليلة أُسري بي، فَعلقت خديجة بفاطمة، فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنّة شممت رقبة فاطمة.(٢)

ويروي: عن ميناء قال: خذوا عنّي قبل أن تُشابّ الأحاديث بالأباطيل، سمعت رسول الله (ص) يقول: أنا الشجرة، وفاطمة فرعها، وعليّ لقاحها، والحسن والحسين ثمرتها، وشيعتنا ورقها، وأصل الشجرة في جنّة عدن.(٣)

أقول: قد ذكرنا في فصول أهل البيت ما يتعلّق بها، وقد صرّحت الروايات النبوية بأنّ المراد من أهل بيت الرسول هم: عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، ولا يشاركهم في هذا العنوان غيرهم، كما أنّه لا يشرك في فضائلها ومقاماتها الواردة غيرها من سائر بنات رسول الله (ص).

____________________

١ - رجال أصبهان، ج ١، ص ٧٨.

٢ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٥٦.

٣ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٦٠.

١٦٣

( فاطمة بضعة من رسول الله (ص) )

البخاري: بإسناده، أنّ رسول الله (ص) قال: فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني.(١)

البيان والتعريف: إنّما فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها فقد أغضبني. أخرجه الشيخان والنسائي وأبو داود والإمام أحمد وغيرهم عن المسور بن مخرمة.(٢)

سير الأعلام: عن المسور قال رسول الله (ص): إنّما فاطمة شِجنة منّي، يبسطني ما يبسطها ويقبضني ما يقبضها.(٣)

مسند أحمد: ما يقرب منها.(٤)

مستدرك الحاكم: عن عليّ (رض) قال: قال رسول الله (ص) لفاطمة: إنّ الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك.(٥)

أقول: فمن أغضب فاطمة فقد أغضب الله ورسوله، فإنّها بضعة من الرسول بدناً وروحاً، ولا أدري أنّ من أغضبها كيف يعتذر من الله عند رسوله، وكيف يلقى الله ورسوله.

ويروي في ذخائر العقبى: عن عليّ (رض) قال: قال رسول الله (ص): اشتدّ غضب الله وغضب رسوله وغضب ملائكته على من هراق دم نبيّ وآذاه في عترته.(٦)

البخاري: بإسناده قال النبيّ (ص): إنّما هي بضعة منّي يُريبني ما أرابها

____________________

١ - البخاري، ج ٢، ص ١٨٥ وص ١٨٩.

٢ - البيان والتصريف، ج ١، ص ٢٧٠.

٣ - سير الأعلام، ج ٢، ص ٩٦.

٤ - مسند أحمد، ج ٤، ص ٣٣٢.

٥ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٥٤.

٦ - ذخائر العقبى، ص ٣٩.

١٦٤

ويؤذيني ما آذاها.(١)

مسلم: بإسناده عن المِسور قال: سمعت رسول الله (ص) على المنبر وهو يقول:إن بني هاشم بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم عليّ بن أبي طالب، فلا آذن لهم، ثمّ لا آذن لهم، ثمّ لا آذن لهم، إلاّ أن يحبّ ابن أبي طالب أن يُطلّق ابنتي ويُنكح ابنتهم، فإنّما ابنتي بضعة مني يُريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها.(٢)

ويروي أيضاً: بسند آخر عنه قال رسول الله (ص): إنّما فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها.

ويروي أيضاً: قال النبيّ (ص): إنّما فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها ويُنصبني ما أنصبها.

مسند أحمد: ما يقرب منها.(٣)

خصائص النسائي: كما في مسلم، وفيها: ومن آذى رسول الله (ص) فقد حبط عمله.(٤)

ويروي أيضاً عن المسور: قال النبي (ص): إنّ فاطمة بضعة منّي من أغضبها أغضبني.

ويروي أيضاً عنه: قال النبي (ص): إنّ فاطمة لمُضغة أو بضعة منّي.

أقول: هذه الروايات الشريفة تدلّ على كمال اختصاصها بالنبيّ (ص) ونهاية محبّة رسول الله (ص) لها كأنّها مثل نفسه

( تزويجها من عليّ بن أبي طالب (ع) )

خصائص النسائي: عن عبد الله بن يزيد عن أبيه قال: خطب أبو بكر وعمر

____________________

١ - البخاري، ج ٣، ص ١٦٤.

٢ - مسلم، ج ٧، ص ١٤١، وابن ماجة، ج ١، ص ٦١٦ وسنن الترمذي، ص ٥٤٩.

٣ - مسند أحمد، ج٤، ص ٥.

٤ - خصائص النسائي، ص ٢٥.

١٦٥

فاطمة، فقال رسول الله (ص) إنّها صغيرة. فخطبها عليّ رضي الله عنه فزوّجها منه.(١)

الطبقات: إنّ أبا بكر خطب فاطمة إلى النبيّ (ص)! فقال: يا أبا بكر انتظر بها القضاء، فذكر ذلك أبو بكر لعمر، فقال له عمر: ردّك يا أبا بكر، ثمّ أنّ أبا بكر قال لعمر: اخطب فاطمة إلى النبيّ (ص)، فخطبها فقال له مثل ما قال لأبي بكر: أنتظر بها القضاء، فجاء عمر إلى أبي بكر فأخبره، فقال له: ردّك يا عمر. ثمّ إنّ أهل عليّ قالوا لعليّ: اخطب فاطمة إلى رسول الله (ص)، فقال: بعد أبي بكر وعمر! فذكروا له قرابته من النبيّ (ص) فخطبها، فزوّجه النبيّ (ص).(٢)

ويروي أيضاً: خطب أبو بكر وعمر فاطمةَ إلى رسول الله (ص)، فقال النبيّ (ص): هي لك يا علي!.

أنساب الأشراف: كان أبو بكر خطب فاطمة فقال له رسول الله (ص): أنا أنتظر بها القضاء. ثمّ خطبها عمر، فقال له مثل ذلك. فقيل لعلي: لو خطبت فاطمة! فقال: منعها أبا بكر وعمر ولا آمن أن يمنعنيها، فحمل على خطبتها، فخطبها الى رسول الله (ص)، فزوّجه إياها.(٣)

البيان والتعريف: إن الله أمرني أن أُزوّج فاطمة من عليّ. أخرجه الخطيب وابن عساكر عن أنس بن مالك. سببه: كما في الجامع الكبير عن أنس، قال: كنت قاعداً عند النبيّ (ص) فغشيه الوحي فلمّا سرى عنه قال لي: يا أنس أتدري ما جاء به جبريل من عند صاحب العرش؟ قلت: بأبي أنت وأمّي، وما جاء به جبريل من عند صاحب العرش؟ قال: إنّ الله أمرني إلخ.(٤)

أقول: تدلّ هذه الروايات الشريفة على أنّ تزويج فاطمة (ع) من عليّ بن أبي طالب (ع) كان بأمر الله عزّ وجلّ، فاختار لها كفواً يحبّه الله ورسوله وهو

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ص ٢٢.

٢ - الطبقات، ج ٨، ص ١٩.

٣ - أنساب الأشراف، ج ١، ص ٤٠٢.

٤ - البيان والتعريف، ج ١، ص ١٧٤.

١٦٦

ابن عمّ رسول الله (ص)، وقد مرّ الحديث عن رسول الله (ص): أنّ الله اطلع إلى أهل الأرض فاختار رجلين أحدهما أبوك والآخر بعلك.

( فاطمة سيدة نساء الجنّة )

الاستيعاب: عن ابن عبّاس، قال رسول الله (ص): أفضل نساء أهل الجنّة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمّد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم.(١)

البخاري: قال النبيّ (ص): فاطمة (ع) سيدة نساء أهل الجنّة.(٢)

سنن الترمذي: عن حذيفة قال: أتيت النبيّ (ص) فصلّيت معه قال: هذا ملك لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه أن يُسلم عليّ ويبشرني بأنّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنّة وأنّ الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة.(٣) .

خصائص النسائي: عن أبي هريرة أبطأ علينا رسول الله (ص) يوماً صبور النهار، فلمّا كان العشي، قال له قائلنا: يا رسول الله قد شقّ علينا لم نرك اليوم! قال: إنّ ملكا لم يكن زارني فاستأذن الله في زيارتي، فأخبرني بأنّ كما في الترمذي.(٤)

مستدرك الحاكم: عن عائشة، أنّ النبيّ (ص) قال في مرضه الذي توفّي فيه: يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين وسيدة نساء هذه الأمّة وسيدة نساء المؤمنين.(٥)

قال: هذا إسناد صحيح ولم يخرجاه هكذا.

أقول: تدلّ هذه الروايات الشريفة على أنّ فاطمة (ع) أفضل نساء هذه الأمّة، بل وأفضل نساء أهل الجنّة من السابقين واللاحقين، كما أنّ ابنيها سيدا شباب أهل الجنّة. فالويل ثمّ الويل لمن آذاهم وأغضبهم.

____________________

١ - الاستيعاب، ج ٤، ص ١٨٩٥.

٢ - البخاري، ج ٢، ص ١٨٥ و، ص ١٨٩.

٣ - سنن الترمذي، ص ٥٤٠.

٤ - خصائص النسائي، ص ٢٤.

٥ - مستدرك الحاكم ج٣، ص ١٥٦.

١٦٧

( إنّها كانت أوّل من يدخل عليه النبيُّ (ص) )

سنن أبى داود: كان رسول الله (ص) إذا سافر كان آخر عهده بإنسان من أهله فاطمة، وأوّل من يدخل عليه إذا قدم فاطمة.(١)

مسند أحمد: يروي مثلها.(٢)

مستدرك الحاكم: عن أبى ثعلبة، قال: كان رسول الله (ص) إذا رجع من غزاة أو سفر أتى المسجد فصلّى فيه ركعتين، ثمّ ثنّى بفاطمة رضي الله عنها، ثمّ يأتي أزواجه.(٣)

ويروي أيضاً: نظير ما في السنن.(٤)

وروى بإسناد آخر نظيره، وفيه: فقال لها رسول الله (ص) فداك أبي وأمّي.

أقول: تدلّ هذه الروايات الشريفة على شدّة حبّ رسول الله (ص) لها، بحيث يقول لها: بأبي وأمّي فداك.(٥)

( أنّها أحبّ الناس إلى رسول الله (ص) )

وقد مرّ في فصول أهل البيت وفي فصول ما ورد في عليّ (ع) ما يتعلّق بالمقام فراجعها.

سنن الترمذي: عن بُريدة: كان أحبّ النساء إلى رسول الله (ص) فاطمة ومن الرجال عليّ.(٦)

ويروي أيضاً: عن جُميع بن عُمير التيمي، قال: دخلت مع عمّتي على عائشة

____________________

١ - سنن أبي داود، ج ٢، ص ٢٢٣.

٢ - مسند أحمد، ج ٥، ص ٢٧٥.

٣ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٥٥.

٤ - الاستيعاب، ج ٣، ص ١٨٣٥.

٥ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٥٦.

٦ - سنن الترمذي، ص ٥٤٩.

١٦٨

فسألت أيّ الناس كان أحبّ إلى رسول الله (ص)؟ قالت فاطمة، فقيل مِن الرجال؟ قالت: زوجها أنّ كان ما عملت صوّاماً قواماً.(١)

خصائص النسائي: عن جُميع وهو ابن عُمير قال دخلت مع أمّي على عائشة وأنا غلام فذكرت لها علياً رضي الله عنه؟ فقالت: ما رأيت رجلاً أحبّ إلى رسول الله (ص) منه ولا امرأة أحبّ إلى رسول الله (ص) من امرأته.(٢)

الاستيعاب: ويروي مثلها.(٣)

ويروي أيضاً: عن جُميع: قال دخلت مع أبي على عائشة يسألها من وراء الحجاب عن عليّ رضي الله عنه؟ فقالت: تسألني عن رجلٌ ما أعلم أحداً كان أحبّ إلى رسول الله (ص) الحديث.

ويروي الحاكم في المستدرك: نظيره.(٤)

ويروي أيضاً: عن بريدة نظير ما في الترمذي.(٥)

ويروي أيضاً: يقول عليّ، على منبر الكوفة: خطبت إلى رسول الله (ص) فاطمة عليها السلام! فزوّجني، فقلت: يا رسول الله أنا أحبّ إليك أم هي؟ قال: هي أحبّ إليّ منك وأنت أعزّ عليّ منها.(٦)

البيان والتعريف: فاطمة أحبّ إليّ منك وأنت أعزّ عليّ منها.(٧)

أخرجه الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة، قال الهيثميّ: رجاله رجال الصحيح.

مستدرك الحاكم: عن عمر ؛ أنّه دخل على فاطمة بنت رسول الله (ص) فقال: يا فاطمة والله ما رأيت أحداً أحبّ إلى رسول الله (ص) منك، والله ما كان أحد

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ص ٥٥٠.

٢ - خصائص النسائي، ص ٢٠.

٣ - الاستيعاب، ج٤، ص ١٨٩٧.

٤ - مستدرك الحاكم، ج٣، ص ١٥٤.

٥ - خصائص النسائي، ص ٢١.

٦ - نفس المصدر، ص ٢٦.

٧ - البيان والتعريف، ج٢، ص ١١٨.

١٦٩

من الناس بعد أبيك (ص) أحبّ إليَّ منك.(١)

قال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يُخرجاه.

أقول: هذه الأحاديث مصرّحة بأنّ أحبّ الناس إلى رسول الله (ص) من النساء، بل ومن عموم الناس، فاطمة (ع)، ولا ريب أنّ حبّ رسول الله (ص) ينبعث من منشأ روحاني ومن جهة معنوية إلهية، لا ربط لها بالأمور المادية.

( ومن فضائلها (ع) )

الاستيعاب: عن عمران، أنّ النبيّ (ص) عاد فاطمة وهي مريضة، فقال لها: كيف تجدينك يا بنية؟قالت: إنّي لوجعة، وإنّه ليزيدني أنّي ما لي طعام آكله.قال: يا بنية أمّا ترضين أنّك سيدة نساء العالمين؟قالت: يا أبت فأين مريم بنت عمران؟قال: تلك سيدة نساء عالمها، وأنت سيدة نساء عالمك، أَمَا والله لقد زوّجتك سيداً في الدنيا والآخرة.(٢)

دلائل النبوّة: عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: إذا كان يوم القيامة نادى مناد من وراء الحُجب يا أيّها الناس غضّوا أبصاركم ونكسوا ؛ فإنّ فاطمة بنت محمّد (ص) تجوز الصراط إلى الجنة.(٣)

سنن أبي داود: قال عليّ لابن أعبد: ألا أحدّثك عنّي وعن فاطمة بنت رسول الله (ص) وكانت أحبّ أهله إليه وكانت عندي، فجرّت بالرحى حتى أثّرت بيدها واستقت بالقربة حتى أثّرت في نحرها، وقمّت البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت القدر حتى دكنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضُر، فسمعنا أنّ رقيقا أُتي بهم النبي (ص)، فقلت: لو أتيت أباك فسألتيه خادماً يكفيك، فأتته فوجدت عنده حدّاثاً، فاستحيت فرجعت إلخ.(٤)

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج٣، ص ١٥٥.

٢ - الاستيعاب، ج٤، ص ١٨٩٥.

٣ - دلائل النبوة، ج٣، ص ٢١٩.

٤ - سنن أبي داود، ج٢، ص ٣٣٤.

١٧٠

سير الأعلام: عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة إلاّ أن يكون الذي ولدها.(١)

مستدرك الحاكم: عن عائشة، أنها كانت إذا ذكرت فاطمة بنت رسول الله (ص) قالت الرواية.(٢)

الاستيعاب: يروي مثلها.(٣)

أقول: إنّها أصدق لهجة، ولكنّ المخالفين حكموا بكذبها وكذّبوها في دعواها فدكاً، وأنّ رسول الله (ص) قد وهبها لها.

مستدرك الحاكم: عن أنس، قال رسول الله (ص): حسبك من نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد.(٤)

ويروي: بسند آخر نظيره.

ويروي: عن عائشة، قالت لفاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله (ص): ألا أُبشرك أنّي سمعت رسول الله (ص) يقول: سيدات نساء أهل الجنّة أربع: مريم بنت عمران، وفاطمة بنت رسول الله (ص)، وخديجة بنت خويلد، وآسية.(٥)

الاستيعاب: يروي مثلهما.(٦)

أقول: هذه الأخبار لا تنافي ما سبق من أنّ سيدة نساء أهل الجنّة فاطمة (ع)، فإنّهن سيدات النساء، وفاطمة (ع) سيدة قاطبة النساء كلّها.

مستدرك الحاكم: عن عليّ (ع) قال: سمعت النبيّ (ص) يقول: إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من وراء الحجاب: يا أهل الجمع غُضوا أبصاركم عن

____________________

١ - سير الأعلام، ج٢، ص ٩٥.

٢ - مستدرك الحاكم، ج٣، ص ١٦٠.

٣ - الاستيعاب، ج٤، ص ١٨٩٦.

٤ - مستدرك الحاكم، ج٣، ص ١٥٧.

٥ - مستدرك الحاكم، ج٣، ص ١٨٥.

٦ - الاستيعاب، ج٤، ص ١٨٩٦.

١٧١

فاطمة بنت محمد (ص) حتى تمرّ.(١)

( رسول الله (ص) وفاطمة (ع) )

الاستيعاب: عن عائشة أنّها قالت: ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله (ص) من فاطمة، وكانت إذاً دخلت عليه قام إليها فقبّلها ورحّب بها، كما كانت تصنع هي به (ص).(٢)

سنن ابي داود: عن عائشة: ما رأيت أحداً كان أشبه سمتاً ودلاًّ وهدياً برسول الله (ص) من فاطمة كرم الله وجهها، كانت إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها فيقبّلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبّلته وأجلسته في مجلسها.(٣)

ويروي: عن الحسن: مثلها، وفيها - أشبه حديثا وكلاماً.

سنن الترمذي: قريب منها، وفيها: فلمّا مرض النبيّ (ص) دخلت فاطمة فأكّبت عليه فقبّلته ثمّ رفعت رأسها فبكت، ثمّ اكبّت عليه، ثمّ رفعت رأسها فضحكت، فقلت: إن كنتُ لأظنّ أنّ هذه من أعقل نسائنا، فإذا هي من النساء، فلمّا توفّي النبيّ (ص) قلت لها: أرأيت حين أكببت على النبيّ (ص) فرفعت رأسك الرواية.(٤)

مستدرك الحاكم: عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً من فاطمة برسول الله (ص) كانت إذا دخلت عليه رحّب بها وقام إليها فأخذ بيدها فقبّلها وأجلسها في مجلسه.(٥)

قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج٣، ص ١٥٣.

٢ - الاستيعاب، ج٤، ص ١٨٩٦.

٣ - سنن أبي داود، ج٢، ص ٣٥٤.

٤ - سنن الترمذي، ص ٥٥٠.

٥ - مستدرك الحاكم، ج٣، ص ١٥٤.

١٧٢

الاستيعاب ومسند أحمد: عن عائشة قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأنّ مشيتها مِشية رسول الله (ص)، فقال: مرحباً بابنتي ثمّ أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثمّ أسرّ إليها حديثا فبكت، فقلت لها استخصّك رسول الله (ص) حديثه ثمّ تبكين، ثمّ أنّه أسرّ إليها حديثاً فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن فبكيتُ لذلك، ثم قال: ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة أو نساء المؤمنين قالت فضحكتُ لذلك.(١)

البخاري: قالت عائشة: أقبلت فاطمة تمشي كأنّ مشيتها مشيُ النبيّ (ص)، فقال النبيّ (ص): مرحباً يا ابنتي. ثمّ أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثمّ أسر إليها حديثاً فبكت، فقلت لها: لم تبكين؟! ثمّ أسرّ اليها حديثا فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن، فسألتها عمّا قال؟ فقالت: ما كنت لاُ فشي سرّ رسول الله (ص)، حتى قبض النبيّ (ص) فسألتها، فقالت: أسرّ إليّ أن جبريل كان يعارضني القرآن كلّ سنة مرّة، وأنّه عارضني العام مرّتين، ولا أراه إلا حضر أجلي وأنّكِ أوّل أهل بيتي لحاقا بي فبكيت، فقال: أَمَا ترضيين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنّة أو نساء المؤمنين؟ فضحكت لذلك.(٢)

ثمّ: روى بإسناد آخر قريباً منها.

ويروي أيضاً: قريباً منها، وفيها: ولا أرى الأجل إلاّ قد اقترب فاتّقي الله واصبري فإنّي نعم السلف أنا لكِ، قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت، فلمّا رأى جزعي سارّني الثانية، قال: يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمّة.(٣)

ويروي مسلم: بإسناده حديثين كما في البخاري (ج ٢، ص ١٧٤) وفيها: فقلت

____________________

١ - الاستيعاب، ج٤، ص ١٨٩٤ ومسند أحمد، ج٦، ص ٢٨٢.

٢ - البخاري، ج٢ ص١٧٤.

٣ - البخاري، ج٤، ص ٦٠.

١٧٣

لها حين بكت: أخصّكِ رسول الله (ص) بحديثه دوننا ثمّ تبكين.(١)

وفي زاد المسلم: وقد روى البزّاز عن عائشة: أنّه عليه الصلاة والسلام قال: فاطمة خير بناتي إنّها أصيبت بي فحقّ لمن كانت هذه حالتها أن تسود نساء أهل الجنّة، وقد سُئل أبو بكر بن داود: مَن أفضل خديجة أم فاطمة؟ فقال: إنّ رسول الله (ص) قال: إنّ فاطمة بضعة منّي. فلا أعدل ببضعة من رسول الله (ص) أحداً. وحسّن هذا القول السهيلي واستشهد لصحته أنّ أبا لبابه حين ربط نفسه وحلف أن لا يحلّه إلاّ رسول الله (ص) جاءت فاطمة لتحلّه فأبى من أجل قسمه، فقال رسول الله (ص): إنّما فاطمة بضعة منّي. فحلّته.(٢)

ابن ماجة: قالت عائشة: اجتمعت نساء النبيّ (ص) فلم تغادر منهنّ امرأة، فجاءت فاطمة كأنّ مشيتها مشية رسول الله (ص) فقال: مرحباً بابنتي. ثمّ أجلسها عن شمالها.(٣) .. كما في مسلم، ج٧، ص ١٤٢.

ويروي أيضاً: حديثا آخر قريباً ممّا في البخاري ( ج ٢)

الطبقات: يروي قريبا ممّا في البخاري.(٤)

يروي أيضاً: ما رأيت فاطمة عليها السلام ضاحكة بعد رسول الله (ص) إلا أنّه قد تمودي بطرف فيها.(٥)

أقول: يستفاد من هذه الأحاديث أمور:

الأوّل: كان سلوكها ومِشيتها في الوقار كمِشية رسول الله (ص)

الثاني: أنّها كانت موضع سرّ رسول الله (ص) والمخصوصة بحديثه.

الثالث: أنّها بضعة رسول الله (ص) فلا يعدل بضعته أحد.

الرابع: أنّها سيدة نساء أهل الجنّة.

____________________

١ - مسلم، ج٧، ص ١٤٢ و١٤٣.

٢ - زاد المسلم، ج٢، ص ٣٩٩.

٣ - ابن ماجة، ج١، ص ٤٩٤.

٤ - الطبقات، ج٢، ص ٢٤٧.

٥ - نفس المصدر، ص ٢٤٨.

١٧٤

الخامس: أنّها سيدة نساء الأمّة والمؤمنين.

السادس: قام رسول الله فأخذ بيدها وكان يقبّلها.

السابع: كانت أشبه سمتاً ودلاًّ وهدياً برسول الله.

١٧٥

فتنة:

( إحراق بيت فاطمة (ع) )

تاريخ الطبري: عن زياد بن كليب قال: أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين، فقال: والله لأحرقنّ عليكم أو لتخرُجُنّ إلى البيعة، فخرج عليه الزبير مُصلّتا بالسيف، فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه.(١)

العقد الفريد: الذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر، عليّ والعبّاس والزبير وسعد بن عبادة. فأمّا عليّ والعبّاس والزبير، فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة، وقال له: إن أبوا فقاتلهم! فأقبل بقبس من نار على أن يُضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة، فقالت يا ابن الخطّاب أجئت لتُحرق دارنا؟ قال: نعم، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمّة.(٢)

أقول: هذه أوّل فتنة في الإسلام ظهرت على أهل بيت رسول الله (ص)، وأوّل عدوان من الأمّة عليهم، ولا ينقضي عجبي من قول أبي بكر حيث يقول: فإن أبوا فقاتلهم! أَوَلا يذكر قول رسول الله (ص):

- أذكِّركم في أهل بيتي.

- إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي.

- اللّهمّ اذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

- أنا حربٌ لمن حاربكم وسلمٌ لمن سالمكم.

- اللّهمّ هؤلاء أهلي.

ثمّ أتعجب كثيراً من عمل عمر ومن قوله، حيث أقبل بقبس من نارٍ على أن يُضرم عليهم الدار. كأنّه ما سمع من رسول الله (ص): فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها. ولعله كان قد أمر بإيذائهم ومقاتلتهم وإحراق دارهم. وقد ظلموا أهل

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج٣، ص ١٩٨.

٢ - العقد الفريد، ج٤، ص ٢٥٩.

١٧٦

البيت وما راعوا حقوقهم، وما حفظوا وصيّة رسول الله (ص) فيهم، ونسوا ما ذكّروا به، وآذوا عليّاً وفاطمة والحسن والحسين وهم أهل بيت الطهارة، وكان إيذاؤهم ومحاربتهم إيذاءً ومحاربة لله ولرسوله.

ثمّ أنّ بنتَ رسول الله وبضعته فاطمة الزهراء قد انزجرت وتضجّرت تضجراً شديداً، وسأمت منهم سأمة، حتى مرضت واشتدّ مرضها، ولم تُجز آحاد منهم لعيادتها ولا الحضور لجنازتها ولا للصلاة عليها.

الاستيعاب: فقالت أسماء: يا بنتَ رسول الله ألا أُريك شيئاً رأيته بأرض الحبشة: فدعت بجرائد رطبة فحنّتها ثمّ طرحت عليها ثوباً، فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله: تُعرف به المرأة والرجال، فإذا أنا متّ فاغسليني أنت وعليّ، ولا تُدخلي عليّ أحداً. فلما تُوفيت جاءت عائشة تدخل، فقالت أسماء: لا تدخلي. فشكت إلى أبي بكر، فقالت: هذه الخثعمية تحول بيننا وبين بنت رسول الله (ص)، وقد جعلت لها مثل الهودج، فجاء أبو بكر فوقف على الباب فقال: يا أسماء ما حملك على أن منعت أزواج النبيّ (ص) أن يدخلن على بنتِ رسول الله (ص) فقالت: أمرتني أن لا يدخل عليها أحد قال أبو بكر: فاصنعي ما أمرتك، ثمّ انصرف، فغسّلها عليّ وأسماء.(١)

الطبقات: دُفنت فاطمة بنت رسول الله (ص) ليلاً، ودفنها عليّ.(٢)

وروى بإسناد مختلفة ستّة أحاديث بهذا المضمون.

ويروي أيضاً: سألت ابن عبّاس متى دفنتم فاطمة؟ فقال: دفنّاها بليل بعد هدأةٍ، قال قلت: فمن صلّى عليها؟ قال: علي.(٣)

أقول: يظهر من الروايات أنّ ابن عبّاس ممّن حضر تشييع بنت رسول الله (ص) ودفنها والصلاة عليها. ويعلم من دفنها ليلاً أنّ الدفن قد وقع في سرٍّ وخفاءٍ من الناس، وهذا من جهة انزجار بنت رسول الله (ص) ووصيّتها

____________________

١ - الاستيعاب، ج٤، ص ١٨٩٧.

٢ - الطبقات، ج٨، ص ٢٩.

٣ - نفس المصدر، ص ٣٠.

١٧٧

وعدم رضايتها بحضورهم في جنازتها وصلاتها ودفنها.

وهذا جريان تشييع حبيبة رسول الله وبضعته، وهذه كيفية الصلاة عليها ودفنها، فليقض فيها المحقّق الحرّ بما شاء.

ويروي أيضاً: عن عبد الله بن الحسن، قال: وجدت المغيرة بن عبد الرحمن واقفا ينتظرني بالبقيع نصف النهار في حرّ شديد، فقلت: ما يوقفك يا أبا هاشم ها هنا؟ قال: انتظرتك، بلغني أنّ فاطمة دُفنت في هذا البيت في دار عقيل ممّا يلي دار الجحشيّين فأحبّ أن تبتاعه لي بما بلغ، أدفن فيها؟ فقال عبد الله: والله لأفعلنّ، فجهد بالعقيليين فأبوا، قال عبد الله بن جعفر: وما رأيت أحدا يشكّ أنّ قبرها في ذلك الموضع.

ويروي أيضاً: رواية أخرى قريبة منها.

انساب الأشراف: عن عروة أنّ علياً دفن فاطمة عليها السلام ليلاً، وغسّلها عليّ وأسماء، وبذلك أوصت، ولم يُعلم أبو بكر وعمر بموتها.(١)

مستدرك الحاكم: عن عائشة قالت: دُفنت فاطمة بنت رسول الله (ص) ليلاً دفنها عليّ، ولم يُشعر بها أبو بكر حتى دُفنت وصلّى عليها عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.(٢)

تاريخ الطبري: قال: فهجرت فاطمة أبا بكر فلم تُكلّمه في ذلك حتى ماتت، فدفنها عليّ ليلاً ولم يُؤذن بها أبا بكر.(٣)

أقول: لا ينقضي تأثّري وحزني ما دمت وما دامت السموات والأرض على موت حبيبة رسول الله (ص) وبضعته، وابنته الفريدة المصابة بأبيها، المظلومة من الأمّة، الغريبة بين المسلمين، المدفونة ليلاً، المضطهدة المقهورة.

الله أكبر! ما هذا الحادث الجلل

لقد تزلزل سهل الأرض والجبل

وهذه مصيبة ما أعظمها وفتنة بين المسلمين ما أكبرها؟ جعلت رؤوس

____________________

١ - أنساب الأشراف، ج١، ص ٤٠٥.

٢ - مستدرك الحاكم، ج٣، ص ١٦٢.

٣ - تاريخ الطبري، ج٣، ص ٢٠٢.

١٧٨

المسلمين منخفضة عند الله ورسوله، بل وعند الأجانب والكفّار، فإنّهم لم يحفظوا حرمة رسول الله بعد رحلته، ولم يُراعوا حقوق أهل بيته، فتعساً لهم ثمّ تُعساً.

١٧٩

فتنة:

( أخذ فدك )

الملل والنحل: الخلاف السادس في أمر فدك والتوارث عن النبيّ (ص) ودعوى فاطمة عليه السلام وراثة تارة وتمليكاً أخرى، حتى دُفنت عن ذلك بالرواية المشهورة عن النبيّ عليه السلام:نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه صدقة. (١)

تاريخ الطبري: فلما نزل أهل خيبر على ذلك سألوا رسول الله (ص) أن يُعاملهم بالأموال على النصف، وقالوا: نحن أعلم بها منكم وأعمر لها؟ فصالحهم رسول الله الله (ص) على النصف على أنّا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم. وصالحه أهل فدك على مثل ذلك، فكانت خيبر فيئاً للمسلمين، وكانت فدك خالصة لرسول الله (ص) لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب.(٢)

أقول: قال الله تعالى في سورة الحشر:( وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) . أي الأموال التي أعادها الله وأرجعها وأعطاها رسول الله (ص) من الكفار وأنتم ما أجريتم على تحصيله من خيل ولا ركاب، أي لم تحصّلوه بالقتال والغلبة، بل سلّط الله رسوله عليهم وعلى ما في أيديهم، فالأمر فيه مفوّض إليه يضعه حيث يشاء، ولا يقسّم قسمة الغنائم التي قوتل عليها وأخذت عنوة وقهرا وبالحَرب.

السيرة النبوية: فلمّا فرغ رسول الله (ص) من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك حين بلغهم ما أوقع الله تعالى بأهل خيبر، فبعثوا إلى رسول الله (ص)

____________________

١ - الملل والنحل، ج١، ص ١٧.

٢ - تاريخ الطبري، ج٣، ص ٩٥.

١٨٠

يصالحونه على النصف من فدك، فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطائف أو بعد ما قدم المدينة، فقبل ذلك منهم، فكانت فدك لرسول الله (ص) خالصة ؛ لأنّه لم يوجّف عليها بخيل ولا ركاب.(١)

أنساب الأشراف: كان لرسول الله (ص) ثلاث صفايا: مال بني النضير، وخيبر، وفدك. فأمّا أموال بني النضير فكانت حبساً لنوائبه، وأمّا فدك فكانت لأبناء السبيل، وجزّأ خيبر ثلاثة أجزاء فقسّم جزأين منها بين المسلمين وحبس جزءا لنفسه ونفقة أهله.(٢)

أقول: الصفية من الغنيمة، والجمع صفايا: ما اختاره الرئيس لنفسه. فيكون مرادفا للفيء أو أخص منه، كما أنّ الأنفال أعمّ من الفيء حيث أنّه يشمل الأراضي الموات ورؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام أيضاً. فالغنيمة شاملة للأنفال وغيرها، والأنفال شاملة للفيء وغيره. والفيء شامل للصفية وغيرها. فالصفية من الفيء: ما اختاره رسول الله (ص) لنفسه وجعله من ماله وملكه. قال ابن الأثير في النهاية: الصفي ما كان يأخذه رئيس الجيش ويختاره لنفسه من الغنيمة قبل القسمة، ويقال له الصفية والجمع الصفايا، ومنه حديث عائشة: كانت صفية من الصفي، يعني صفية بنت حُيّ كانت ممّا اصطفاها النبي (ص) من غنيمة خيبر.

البخاري: بإسناده: أنّ فاطمة ابنة رسول الله (ص) سألت أبا بكر الصدّيق بعد وفاة رسول الله (ص) أن يقسّم لها ميراثها ما ترك رسول الله (ص) ممّا أفاء الله عليه، فقال لها أبا بكر: إنّ رسول الله (ص) قال: لا نورَث، ما تركنا صدقة. فغضبت فاطمة بنت رسول الله (ص) فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتى تُوفيت، وعاشت بعد رسول الله (ص) ستة أشهر.(٣)

كذلك في مسند أحمد.(٤)

____________________

١ - السيرة النبوية، ج٣، ص ٣٦٨.

٢ - أنساب الأشراف، ج١، ص ٥١٩.

٣ - البخاري، ج٢، ص ١١٥.

٤ - مسند أحمد، ج١، ص ٦.

١٨١

ويروي بإسناده: أنّ فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النبيّ (ص) فيما أفاء الله على رسوله (ص) تطلب صدقة النبيّ (ص) التي بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر! فقال أبو بكر: إنّ رسول الله (ص) التي بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر! فقال أبو بكر:إنّ رسول الله (ص) قال: لا نورّث ما تركنا فهو صدقة. إنّما يأكل آل محمد من هذا المال، يعني مال الله، ليس لهم أن يزيدوا على المأكل، وإنّي والله لا أغيّر شيئا من صدقات النبيّ (ص) التي كانت عليها في عهد النبيّ (ص) ولأعملنّ فيها بما عمل فيها رسول الله (ص)، فتشهّد عليّ ثمّ قال: إنّا قد عرفنا يا أبا بكر فضيلتك، وذكر قرابتهم من رسول الله (ص) وحقّهم، فتكلّم أبو بكر فقال: والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله (ص) أحبّ إلي أن أصل من قرابتي.(١) وفي مسند أحمد: ما يقرب منها.(٢)

ويروي: قريباً من هذه الرواية، وفيها: فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلّمه حتى تُوفيّت، وعاشت بعد النبيّ (ص) ستة أشهر، فلما توفّيت دفنها زوجها ليلاً ولم يُؤذن بها أبا بكر وصلّى عليها، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة، فلما تُوفيت استنكر على وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن يبايع تلك الأشهر، فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا يأتنا أحدٌ معك ؛ كراهية لمحضر عمر، فقال عمر: لا والله لا تدخل عليهم وحدك، فقال أبو بكر: وما عسيتهم أن يفعلوا بي؟ والله لآتينهم! فدخل عليهم أبو بكر، فتشهد عليّ فقال:إنّا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله، ولم ننفس عليك خيراً ساقه الله إليك ولكنّك استبددت علينا بالأمر، وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله (ص) نصيباً. حتى فاضت عينا أبي بكر، فلمّا تكلّم أبو بكر قال: والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله (ص) أحبّ إليّ أن أصل من قرابتي، وأمّا الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال: فلم آل فيها عن الخير ولم أترك أمرا رأيت رسول الله (ص) يصنعه فيها إلاّ صنعته.

____________________

١ - البخاري، ج٢، ص ١٨٥.

٢ - مسند أحمد، ج١، ص ٩.

١٨٢

فقال عليّ لأبي بكر: موعدك العشية للبيعة، فلمّا صلّى أبو بكر الظهر رقى المنبر فتشهّد وذكر شأن عليّ وتخلّفه عن البيعة وعذره بالذي اعتذر إليه ثمّ استغفر وتشهّد عليّ فعئم حق أبي بكر وحدّث أنّه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبي بكر ولا إنكار للذي فضّله الله به، ولكنّا كنّا نرى لنا في هذا الأمر نصيباً فاستبدّ علينا فوَجَدْنا في أنفسنا. فسرّ بذلك المسلمون قالوا: أصبت.(١)

أقول: يستفاد من هذا الكلام المنقول من الصحيح أمور:

الأوّل: أنّ فاطمة (ع) على قولهم: ما كانت عالمة بحقيقة الفيء والخمس والصدقة والميراث المذكورة في هذه الروايات، مع كونها من أهل بيت الوحي والنبوّة، ومع كونها متصرّفة فيها حياة النبيّ (ص).

الثاني: أنّ فاطمة ما صدّقت قول أبي بكر والحديث الذي رواه، أو ما توجّهت إلى معناه، حتى غضبت وهاجرت ولم تكلّمه.

الثالث: أنّ فاطمة غضبت أشدّ الغضب بحيث هجرته حتى تُوفيت، وقد قال النبيّ (ص): فمن أغضبها فقد أغضبني.

الرابع: أنّ فاطمة وعلياً (ع) قد غضبا وأوذيا بحيث لم يرضيا أن يحضر أبو بكر في تشييع بنت النبيّ وصلاتها ودفنها حتى دفنها عليّ (ع) ليلاً ولم يُخبر أحداً منهم بتجهيزها ودفنها.

الخامس: أنّ مصالحة عليّ (ع) ومبايعته كان بعد وفاة فاطمة (ع).

وفي البخاري: بإسناده: أنّ فاطمة والعبّاس عليهما السلام أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثها من رسول الله (ص) وهما حينئذٍ يطلبان أرضهما من فدك وسهمهما من خيبر، فقال لهما أبو بكر سمعت رسول الله (ص) يقول فهجرته فاطمة فلم تكلّمه حتى ماتت.(٢)

ثمّ يروي أيضاً: أتى حاجب عمر وقال: هل لك في عليّ وعبّاس؟ قال: نعم، قال عبّاس: يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا قال عمر: فإنّي أحدثكم

____________________

١ - البخاري، ج٣، ص ٣٥.

٢ - البخاري، ج٤، ص ١٠١.

١٨٣

عن هذا الأمر: إنّ الله قد كان خصّ رسوله (ص) في هذا الفيء بشيء لم يُعطه أحداً غيره، فقال عزّ وجلّ:( وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ ) إلى قوله ( قَدِيرٌ ) ، فكانت خالصة لرسول الله (ص) والله ما احتازها دونكم، ولا استأثر بها عليكم، لقد أعطاكموه وبثّها فيكم حتى بقي منها هذا المال، فكان النبيّ (ص) يُنفق على أهله من هذا المال نفقة سَنَتِه، ثمّ يأخذ ما بقي فيجعله مَجعل مال الله ثمّ جئتماني وكلمتُكما واحدة وأمركما جميع، جئتني تسألني نصيبك من أبن أخيك، وأتاني هذا يسألني نصيب امرأته من أبيها، فقلت: إن شئتما دفعتها إليكما بذلك، فتلتمسان منّي قضاءً غير ذلك، فوالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاءً غير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما فادفعاها إليّ فأنا أكفيكماها.

أقول: فيدل هذا الحديث على أنّ عبّاساً وعلياً أيضاً يلتمسان على عقيدتهم أمراً خلاف الحقّ والشريعة، مع أنّ علياً أقضى الأمّة وأنّ الحقّ مع عليّ.

ثمّ العجب من عمر حيث اعترف بأنّ الله خصّ رسوله (ص) في هذا الفيء بشيءٍ لم يعطه أحداً غيره، ثمّ إنّه دفعها إليهما بعد سنتين من خلافته، مع أنّ أبا بكر لم يدفعها إلى فاطمة.

والأعجب أنّ البخاري يروي في أوّل صفحة ١٠٢ حديث( لا نورث ما تركنا صدقة ) ثمّ يروي في آخر الصفحة عن النبيّ (ص): أنّك إن تركت ولدك أغنياء خيرٌ من أن تركتهم عالة يتكفّفون الناس.

مع أنّ هذا الحكم يوجب الظلم على ورثة الأنبياء ومحروميّتهم من حقّهم، والنبيّ إذا مات ليس له حقّ في ماله، والمال للورثة، وهل يجوز لنبيٍّ أن يحكم في أموال الورثة بما شاء ويجعلهم عالة يتكفّفون الناس.

ويقول عمر بن الخطاب حسبنا كتاب الله: مع أنّ الكتاب يقول:( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ) .

ويروي أيضاً: قريباً من الحديث، وفيها: إن شئتما دفعتها إليكم، على أن عليكما عهد الله وميثاقه تعملان فيها بما عمل به رسول الله (ص) وبما عمل فيها أبو بكر

١٨٤

وبما عملت فيها منذ وليّتها، وإلاّ فلا تكلّماني فيها، فقلتما ادفعها إلينا بذلك.. الحديث.(١)

أقول: ردّ هذه الأموال إلى أهل بيت النبيّ (ص) صحيح وواقع في محلّه، وأمّا الشرط الذي اشترطه فباطل ؛ فإنّ عمر بن الخطاب ليس له مقام ولاية دينية حتى يتوقّف التصرّف في بيت المال على إجازته، وقد أثبتنا في بابه أنّ عمر منصوب من جانب أبي بكر كما أنّ أبا بكر أيضاً قد نُصّب من جانب عمر وبتعيينه، ولا تثبت بهذا ولاية حقيقية دينية لهما على عموم المسلمين، حتى على أهل بيت (ص) وعليّ بن أبي طالب (ع).

ويروي مسلم نظير تلك الرواية، وفيها: فقلت إن شئتم دفعتها إليكم، على أنّ عليما عهد الله أن تعملا فيها بالذي كان يعمل رسول الله (ص) فأخذتماها بذلك.(٢)

ويروي أيضاً: نظير رواية البخاري، وفيها: ولم يؤذن بها أبا بكر وصلّى عليها عليّ.(٣)

ويروي: عن عائشة: وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها ممّا ترك رسول الله (ص) من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة، فأبى أبو بكر عليها ذلك، وقال: لست تاركاً شيئاً كان رسول الله (ص) يعمل به إلاّ عملت به، إنّي أخشى أن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ، فأمّا صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى عليّ وعبّاس، فغلبه عليها عليّ، وأمّا خيبر وفدك فأمسكهما عمر وقال: هما صدقة رسول الله (ص) كانتا لحقوقه التي تعروه ونوائبه، وأمرهما إلى من ولّى الأمر، قال: فهما على ذلك إلى اليوم.(٤)

مسند أحمد: يروي في رواية نظيرها.(٥)

____________________

١ - البخاري، ج٤، ص ١٦١.

٢ - مسلم، ج٥، ص ١٥٢.

٣ - نفس المصدر، ص ١٥٣.

٤ - نفس المصدر، ص ١٥٥.

٥ - مسند أحمد، ج١، ص ٦.

١٨٥

سنن النسائي: عن عمر قال: كانت أموال بني النضير ممّا أفاء الله على رسوله ممّا لو يُوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، فكان ينفق على نفسه منها قوت سنة، وما بقي جعله في الكراع والسلاح عُدة في سبيل الله.(١)

ويروي: وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيلٍ ولا ركاب. قال الزهري: هذه لرسول الله (ص) خاصة قرى عربية فدك كذا وكذا.(٢)

سنن أبي داود: نظير ما في مسلم (ص ١٥٥).(٣)

ويروي أيضاً: عن الزهري، قال: صالح النبي (ص) أهل فدك وقرى ( قد سمّاها لا أحفظها )، وهو محاصر قوماً آخرين، فأرسلوا إليه بالصلح، قال فما أوجفتم عليه من خيلٍ ولا ركاب، يقول بغير قتال. قال الزهري: وكانت بنو النضير للنبيّ خالصاً لم يفتحوها عنوة افتتحوها على صلح قسّمها النبيّ (ص) بين المهاجرين لم يعط الأنصار منها شيئاً إلاّ رجلين كانت بهما حاجة.

ويروي أيضاً: جمع عمر بن عبد العزيز بني مروان حين استخلف، فقال إنّ رسول الله (ص) كانت له فدك فكان ينفق منها ويعود منها على صغير بني هاشم ويزوّج منها أيّهم، وأنّ فاطمة سألته أن يجعلها لها، فأبى. فكانت كذلك في حياة رسول الله (ص) حتى مضى لسبيله، فلمّا أن ولى أبو بكر عمل فيها بما عمل النبيّ (ص) حتى مضى لسبيله، فلمّا أن ولي عمر عمل فيها بمثل ما عملا حتى مضى لسبيله، ثمّ أقطعها مروان ثمّ صارت لعمر بن عبد العزيز، قال عمر يعني ابن عبد العزيز: فرأيت أمراً منعه النبيّ (ص) فاطمة ليس لي بحقّ، وإنّي اُشهدكم أنّي قد رددتها على ما كانت، يعني على عهد رسول الله (ص)

وفي حاشية الكتاب (ص ٥٥) أقطعها مروان أي زمن عثمان، والمعنى جعلها قطعة لنفسه وتوابعه.

____________________

١ - سنن النسائي، ج٧، ص ١٣٢.

٢ - نفس المصدر، ص ١٣٧.

٣ - سنن أبي داود، ج٢، ص ٥٨.

١٨٦

أقول: يظهر من هذا الكلام أنّ مروان بن الحكم كان أولى وأحقّ من فاطمة بنت رسول الله (ص)، حيث أنّ أبا بكر وعمر قد منعا فاطمة منها ثمّ أنّ عثمان أقطعها لمروان وتوابعه. ويظهر أيضاً أنّ عثمان كان قد عمل في هذا الموضوع خلاف أبي بكر وعمر.

سنن الترمذي: عن أبي هريرة: جاءت فاطمة إلى أبي بكر فقالت: من يرثك؟ قال: أهلي وولدي، قالت: فما لي لا أرث أبي؟ فقال أبو بكر: سمعت رسول الله (ص) يقول: لا نورَث، لكن أعول من كان رسول الله (ص) يعوله وأنفق على من كان رسول الله (ص) يُنفق عليه.(١) كذلك في مسند أحمد.(٢)

ويروي أيضاً نظير النسائي : (ج ٧، ص ١٣٢) وفيها: ولا ركاب، فكانت لرسول الله (ص) خالصاً وكان رسول الله (ص) يعزل نفقة أهله سنة ثمّ يجعل ما بقي.(٣)

الطبقات: عن أم هاني: أنّ فاطمة قالت لأبي بكر: من يرثك إذا مُتّ؟ قال: ولدي وأهلي: قالت: فما لك ورثت النبيّ دوننا؟ فقال: يا بنت رسول الله (ص) إنّي والله ما ورثت أباك أرضاً ولا ذهباً ولا فضةً ولا غلاماً ولا مالاً. قالت: فسهم الله الذي جعله لنا وصافيتنا التي بيدك؟ فقال: إنّي سمعت رسول الله (ص) يقول هي طعمة أطعمنيها الله فإذا مُتّ كان بين المسلمين.(٤)

ويروي أيضاً: جاءت فاطمة إلى أبي بكر تطلب ميراثها، وجاء العبّاس بن عبد المطلب يطلب ميراثه، وجاء معهما عليّ، فقال أبو بكر: قال رسول الله (ص) لا نورث ما تركنا صدقة، وما كان النبيّ (ص) يعول فعَلَيَّ، فقال عليّ: ورث سليمان داود، وقال زكريا: يرثني ويرث من آل يعقوب! قال أبو بكر: هو هكذا

____________________

١ - سنن الترمذي، ص ٢٥٠.

٢ - مسند أحمد، ج١، ص ١٠.

٣ - سنن الترمذي، ص ٢٦٣.

٤ - الطبقات، ج٢، ص ٣١٤.

١٨٧

وأنت والله تعلم مثل ما أعلم، فقال عليّ: هذا كتاب الله ينطق، فسكتوا وانصرفوا.(١)

ويروي أيضاً: عن أسلم، قال: سمعت عمر يقول: لما كان اليوم الذي تُوفي فيه رسول الله (ص) بويع لأبي بكر في ذلك اليوم، فلمّا كان من الغد جاءت فاطمة إلى أبي بكر معها عليّ، فقالت: ميراثي مِن رسول الله (ص) أبي؟! فقال: أبو بكر أمن الرِّثة أو من العُقد؟ قالت: فدك وخيبر وصدقاته بالمدينة، أرثها كما ترثك بناتك إذا مِتَ. فقال أبو بكر: أبوك والله خير منّي وأنت والله خيرٌ من بناتي، وقد قال رسول الله (ص): لا نَورت ما تركنا صدقة، يعني هذه الأموال القائمة، فتعلمين: أنّ أباك أعطاكها! فوالله لئن قلت نعم، لأقبلنّ قولك ولأصدّقنّك! قالت: جاءتني أم أيمن فأخبرتني أنّه أعطاني فدك، قال: فسمعته يقول: هي لك؟ فإذا قلت: قد سمعته، فهي لك ؛ فأنا أصدّقك وأقبل قولك، قال: قد أخبرتك ما عندي.

ويروي أيضاً: حدّث جعفر الأنصاري: كانت فدك صفيا لرسول الله (ص) فكانت لابن السبيل، وسألته ابنته فدك أن يهبها لها فأبى رسول الله (ص) ذلك عليها فلم يطمع فيها طامع، ثمّ توفي رسول الله (ص) والأمر على ذلك فلمّا كانت الجماعة على معاوية سنة أربعين ولّي مروان بن الحكم المدينة، فكتب إلى معاوية يطلب إليه فدك، فأعطاه إياها، فكانت بيد مروان يبيع ثمرها بعشرة آلاف دينار كلّ سنة ثمّ أعطى مروان عبد الملك نصفها وعبد العزيز بن مروان نصفها، فوهب عبد العزيز نصفها الذي كان بيده لعمر بن العبد العزيز.(٢)

ويروي أيضاً: فكتب عمر بن العزيز إلى أبي بكر بن محمّد كتابا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى أبي بكر بن محمّد. سلام عليك فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلاّ هو. أمّا بعد: فإنّي نظرت في أمر فدك وفحصت عنه، فإذا هو لا يصلح لي، ورأيت إن أردّها على ما كانت عليه في

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ص ٣١٥.

٢ - نفس المصدر، ج٥، ص ٣٨٨.

١٨٨

عهد رسول الله (ص) وأبي بكر وعمر وعثمان، وأترك ما حدث بعدهم، فإذا جاءك كتابي هذا فاقبضها وولّها رجلاً يقوم فيها بالحقّ.(١)

فتوح البلدان: قالوا: بعث رسول الله (ص) إلى أهل فدك منصرّفه من خيبر، محيصة بن مسعود الأنصاري يدعوهم إلى الإسلام، ورئيسهم رجل منهم يقال له يوشع بن نون اليهودي، فصالحوا رسول الله (ص) على نصف الأرض بتربتها فقبل ذلك منهم، فكان نصف فدك خالصاً لرسول الله (ص) ؛ لأنّه لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب.(٢)

ويروي أيضاً: عن عمر قال: كانت لرسول الله (ص) ثلاث صفايا، فكانت أرض بني النضير تحبساً وكانت لنوائبه، وجزأ خيبر على ثلاثة أجزاء، وكانت فدك لأبناء السبيل.(٣)

ويروي أيضاً: عن جعونة: قال: قالت فاطمة لأبي بكر: إنّ رسول الله (ص) جعل لي فدك فأعطني إياها، وشهد لها علي بن أبي طالب، فسألها شاهداً آخر فشهدت لها أمّ أيمن، فقال: قد علمت يا بنت رسول الله أنّه لا تجوز إلاّ شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، فانصرفت.(٤)

أقول: الحاجة إلى البينة إذا فقد العلم واليقين، وكيف لا يحصل اليقين لمسلم عند دعوى فاطمة بنت رسول الله وهي سيدة نساء العالمين، والبضعة من رسول الله (ص)، وأحبّ الخلق إليه، أو كيف لا يحصل إذا شهد لأمرٍ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، وهو أخو رسول الله (ص) وولّيه وصفيّه وحبيبه وحبيب الله، بل وأحب الخلق إلى الله وإلى رسوله، وقد قال رسول الله (ص): من أغضب وآذى فاطمة فقد آذاني وأغضبني، وقال: ومن آذى علياً فقد آذاني، وقال أيضاً: عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ، وقال: عليّ منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ص٣٨٩.

٢ - فتوح البلدان، ص٤٢.

٣ - نفس المصدر، ص٤٣.

٤ - نفس المصدر، ص٤٤.

١٨٩

بعدي، فهل يحتمل مسلم أن تدّعي فاطمة وأن يشهد عليّ باطلاً؟! وأمّا أمّ أيمن فهي حاضنة رسول الله (ص)، وقال في حقّها:أنّها من أهل الجنّة.

يناسب هذا المقال ما كتب المأمون إلى عامله بالمدينة، كما فيفتوح البلدان:

أمّا بعد فإنّ أمير المؤمنين بمكانة من دين الله وخلافة رسوله (ص) والقرابة به، أولى مَن استنّ سنّته ونفذ أمره وسلّم لمن منحه منحة وتصدّق عليه بصدقة منحتَه وصدقتَه، وبالله توفيق أمير المؤمنين وعصمته، وإليه في العمل بما يقرّبه إليه رغبته، وقد كان رسول الله (ص) أعطى فاطمة بنت رسول الله (ص) فدكاً وتصدّق بها عليها، وكان ذلك أمراً معروفاً لا اختلاف فيه بين آل الرسول (ص)، ولم تزل تدّعي منه ما هو أولى به من صدق عليه، فرأى أمير المؤمنين أن يردّها إلى ورثتها ويسلّمها إليهم تقرّباً إلى الله تعالى بإقامة حقّه وعدله، وإلى رسول الله (ص) بتنفيذ أمره وصدقته، فأمر بإثبات ذلك في دواوينه والكتّاب به إلى عمّاله، فلئن كان ينادي في كلّ موسم بعد أن قبض الله نبيه (ص) أن يذكر كلّ مَن كانت له صدقة أو هبة أو عدّة ذلك فيقبل قوله وينفذ عدّته، إنّ فاطمة رضي الله عنها لأولى بأن يصدّق قولها فيما جعل رسول الله (ص) لها.

وقد كتب أمير المؤمنين إلى المبارك الطبري، مولى أمير المؤمنين، يأمره بردّ فدكٍ على ورثة فاطمة بنت رسول الله (ص) بحدودها وجميع حقوقها المنسوبة إليها، وما فيها من الرقيق والغلاّت وغير ذلك، وتسليمها إلى محمّد بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علىّ بن الحسين بن عليّ بن أبى طالب، ومحمّد بن عبد الله بن الحسن بن علىّ بن الحسين بن عليّ بن أبى طالب، لتولية أمير المؤمنين إيّاهما القيام بها لأهلها. فأعلم ذلك من رأى أمير المؤمنين إلخ.(١)

العقد الفريد: وفي كتاب إبراهيم بن جعفر في فدكٍ حين أمره بردّها: قد أرضيت خليفة اللهُ فدك كما أرضى الله رسوله فيها.(٢)

فتحصّل من هذه الروايات أمور:

١ - أنّا نقطع بأنّ فاطمة (ع) طالبت فدكاً من أبي بكر، ومن المسلّمات

____________________

١ - فتوح البلدان، ص٤٦.

٢ - العقد الفريد، ج٤، ص٢١٦.

١٩٠

اليقينية. أنّ فاطمة لا تطالب إلاّ عن حقّ ولا تدّعي شيئا إلاّ إذا أيقنت به، ولا تتكلّم إلاّ عن صدقٍ، ولا يمكن في حقّها الانحراف والتعدّي والتمايل الباطل، فإنّها من الذين أذهب الله الرجس عنهم وطهّرهم، وهي سيدة نساء العالمين.

٢ - ونقطع بأنّ علياً (ع) أيّدها ونصرها في هذه الدعوى، بل وشهد لها. ونعلم علماً قطعيّاً بأنّ علياً مع الحقّ والحقّ معه، ومع القرآن، وهو أعلم الأمّة وأتقاها، ويُحبّه الله ورسوله، ولا يمكن في حقّه خلاف الحقّ والصدق.

٣ - ونقطع أيضاً بأنّ أهل البيت قد تأذّوا وغضبوا وتألّموا تألّماً شديداً، وقد وردت روايات صحيحة بأنّ من آذاهم فقد آذى رسول الله، ومن آذى رسول الله (ص) فقد آذى الله.

٤ - ونقطع بأنّ الروايات الواردة في هذا الباب مختلة جداً ومغشوشة ؛ لاختلافها، ومخالفة بعض مضامينها بالأحاديث المقطوعة.

٥ - أنّ حديث:( نحن الأنبياء لا نورث )، إن أريد منه أنّهم لا يورّثون في الجهة المعنوية الإلهية من النبوة والفيوضات الغيبية التي ليسب بمكتسَبة فيصح مضمونها، فإنها لا تقبل التوارث والانتقال، بل وأنّها بيد الله يعطي من يشاء ويمنع. وإن أريد منه - الجهة المادّية الظاهرية من المال والملك، فيكون الحديث ضعيفاً وغير صحيح، فإنّ انتقال المال من الميت إلى ورثته ليس في اختيار الميت وجوداً ولا عدماً، بل وإنّه لا يقدر أن يمنع من الانتقال والإرث، والمال بعد الموت للورثة سواء وافق الميّت أو خالف، فلا يعدّ هذا من محاسن الميّت ولا من مساويه، بل الظاهر أنّ منع الورثة من الإرث يخالف العدل والإنصاف، ويساوق الجور والعدوان ؛ فإنّه يوجب محرومية الورثة من حقّهم الذي جعله الله لهم. فلا يكون هذا الحديث مدحاً للأنبياء بل قدحاً وذمّاً لهم.

٦ - هذا الحديث مردود عند أهل البيت عليهم السلام، كما شاهدت من الروايات، وهم أدرى بما في البيت.

٧ - إنّ الحقّ الصريح الذي لا ريب فيه أنّ رسول الله (ص) قد أعطى فدكاً لفاطمة (ع) في حال حياته، وكانت في تصرفها، ثمّ لمّا توفّي رسول الله (ص)

١٩١

أخذها أبو بكر وأخرج منها عاملها، في تلو السياسة التي اتّخذت، ونقطع بأنّ هذا العمل مرتبط بالفتن الحادثة التي أسلفناها.

وهذه فتنة منعت أهل البيت عن بسط أيديهم وتوسعة معاشهم، وصرفت وجوه الناس عنهم، وجعلتهم في مضيق من العيش والحياة، وصار أعداؤهم فرحين مستبشرين.

١٩٢

( نتيجة الفتن الخمسة )

ظهرت هذه الفتن الخمسة، وحدثت الأحداث التي أسلفناها، فجعلت مجرى الإسلام منحرفاً، وغيّرت ما أقامه رسول الله (ص)، فصار المسلمون مختلفين، وارتدّوا عن الصراط المستقيم، وأعرضوا عمّا أوصاهم به رسول الله (ص).

فهذه الأحداث قد جعلت جامعة المسلمين منحرفة عن أهل البيت، وموافقة لخلافة أبي بكر وعمر، ومستعدّة لقبول كلمات المخالفين.

ثمّ أنهم قد أحدثوا أحاديث جديدة، وشاعت روايات حديثة ليست لها سابقة في زمان رسول الله (ص) ولا في الأيام الأوّل بعد الإسلام ولا في السقيفة ولا في محاورات أخرى. فغيّروا كلمات رسول الله (ص) عن مواضعها وحرّفوها وبدّلوها، فبئس ما صنعوا، ضلُّوا وأضلّوا، وبئس ما ظلموا، وما ظلموا إلاّ أنفسهم.

* * *

١٩٣

( روايات في فضل أبي بكر )

البخاري: قال رسول الله (ص): أنّ من أمّن عليّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متّخذاً خليلاً غير ربّي لاتّخذت أبا بكر خليلاً، ولكن إخوة الإسلام ومودّته، لا يبقينَّ في المسجد باب إلاّ باب أبي بكر.(١)

ويروي: مثلها، وفيها: إلاّ خلّة الإسلام، لا يبقينَّ في المسجد خوخة إلاّ خوخة أبي بكر.(٢)

ويروي مسلم: مثلها، وفيها: ولكن أخوة الإسلام لا تُبقينّ في المسجد خوخة إلاّ خوخة أبي بكر.(٣)

وفي زاد المسلم شرح المسلم: يشير به إلى قطع المنازعة مع أبي بكر في أمر الخلافة على الاستعارة التصريحية، بأنّ شبّه طريق النزاع فيه الأبواب ولم يكن بيت أبي بكر متّصلا به ولا ينافيه قوله في حقّ عليّ كرّم الله وجهه سُدّوا أبواب المسجد كلّها إلاّ بابَ عليّ، لأنّه محمول على حقيقته، لأنّ بيت عليّ ثبت أنّه كان في جنب المسجد النبوي، فلم يقصد به الإشارة إلى خلافته.(٤)

ابن ماجة: عن عائشة قالت: لما قبض رسول الله (ص) وأبو بكر عند امرأته ابنة خارجة بالعوالي الرواية.(٥)

أقول: فيها تصريح بأنّ بيت أبي بكر كانت بالعوالي. وأمّا إخوة الإسلام:

____________________

١ - البخاري، ج٢، ص ١٧٧.

٢ - نفس المصدر، ص ٢٠٣.

٣ - مسلم، ج٧، ص ١٠٨

٤ - زاد المسلم ج١، ص ٨٦.

٥ - ابن ماجة، ج١، ص ٤٩٨.

١٩٤

فهي عامة بالنسبة إلى جميع المسلمين، كما قال تعالى:( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) فلا دلالة فيها على امتياز مخصوص لأبي بكر، مع أنّ رسول الله (ص) قد آخى بينه وبين عليّ بن أبي طالب (ع)، كما في ابن ماجة قال عليّ: أنا عبد الله واخو رسوله وأنا الصدّيق الأكبر لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب.(١)

وفي السيرة النبويّة: فقال (ص): تآخوا في الله أخوين، ثمّ أخذ بيد عليّ بن أبي طالب، فقال: هذا أخي.(٢)

أقول: قد سبق فصل مخصوص بهذا الموضوع، فراجعه.

ومن راجع الروايات المنقولة في خصوص بعض الأصحاب المخالفين، ونظر فيها نظر دقّة وتحقيق وجدها مقتبسة ومأخوذة من الأحاديث الواردة في عليّ بن أبي طالب (ع) ومجعولة على مضامين قريبة منها، كالأحاديث المجعولة في محاسن الشام وفضائل أهلها، في مقابل الرايات الواردة في المدينة، وكالتي جعلت في فضائل بني أمية وسلاطينها في قِبال ما وردت في بني هاشم وأهل البيت، ونظائرها.

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: وذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافي: أنّ معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في عليّ (ع) تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جُعلا يرغب في مثله.(٣)

وفي الموضوعات الكبير للقاري: ومنهم زنادقة وضعوه قصداً إلى إفساد الشريعة وإيقاع الشكّ والتلاعب بالدين، وقد كان بعض الزنادقة يضع الحديث لنصرة مذهبه، ومنهم من يضع حسبة ترغيباً وترهيباً، ومنهم من أجاز وضع الأسانيد لكلام حسن، ومنهم من قصد التقريب إلى السلطان ومنهم القُصّاص.(٤)

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ج١، ص ٥٧.

٢ - السيرة النبوية، ج٢، ص ١٥٠.

٣ - شرح النهج لابن أبي الحديد، ج١، ص ٣٥٨.

٤ - الموضوعات الكبير للقاري، ص ١٥٠.

١٩٥

مستدرك الحاكم: قال رسول الله (ص): أن تُولوا أبا بكر تجدوه زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة، وان تُولوا عمرَ تجدوه قوياً أمينا لا تأخذه في الله تعالى لومة لائم، وان تُولوا علياً تجدوه هادياً مهدياً يسلك بكم الطريق.(١)

أقول: المطلوب اللازم في الخليفة كونه مهدياً وهادياً يهدي الأمّة إلى صراطاً مستقيم، وأمّا الزهد والأمانة فمن صفات المؤمنين ولازم لكلّ فردٍ من المسلمين أنّ يتّصف به.

ويروي: ما يقرب منها، وفيه: راغب في الآخرة وفي جسمه ضعف فهادٍ مهتدٍ يقيمكم على صراط مستقيم.(٢)

أقول: توصيف أبي بكر بقوله:( وفي جسمه ضعف ) ، يدل على ضعفه عن مقام الخلافة وبأنّه غير مستعدٍ له.

ثمّ أنّ نظائر هذا الروايات لم تثبت عند أهل البيت، ولم تضبط في كتب الإمامية، وعلى تقدير ورودها وصحّتها لا تدلّ على مطلوبهم، ولا سيّما مع وجود أحاديث صحيحة واردة في كتب الفريقين لعليّ (ع)، وقد أدرجنا أنموذجا منها في الكتاب.

أنساب الأشراف: لما ثقل رسول الله (ص) دعا عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: ائتني بكتفٍ حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يُختلف عليه معه، فذهب عبد الرحمن ليقوم، فقال: اجلس أبى الله والمؤمنون أن يُختلف على أبي بكر.(٣)

ويروي: عن رسول الله (ص) قال: اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر.(٤)

المعارف: عن أبي نضرة، قال أبو بكر في الخلافة: ومن أحقّ بها منّي أو لست أوّل من أسلم؟!(٥)

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج٣، ص ٧٠.

٢ - مستدرك الحاكم، ج٣، ص ١٤٢.

٣ - أنساب الأشراف، ج١، ص ٥٤١.

٤ - نفس المصدر، ص ٥٤٠.

٥ - المعارف، ص ١٦٩.

١٩٦

الاستيعاب: عن عمرو بن العاص، قلت يا رسول الله من أحبّ الناس إليك؟ قال عائشة، قلت: من الرجال؟ قال أبوها.(١)

أقول: قلنا إنّ المخالفين لأهل البيت قد وضعوا أحاديث في مقابل ما وردت في أهل البيت وعليّ (ع).

فالرواية الأولى: موضوعة في مقابل أحاديث الوصية وطلبه كتاباً، وقول عمر: إنّ الرجلَ ليهجر!! فراجعها.

والرواية الثانية: موضوعة في مقابل ما وردت: إن تولّوا علياً تجدوه هادياً، وما يقرب منها.

والرواية الثالثة: موضوعة في مقابل ما وردت من الأحاديث المتواترة المسلّمة: إنّ أوّل من أسلم وصلّى عليّ.

والرواية الرابعة: موضوعة في مقابل ما وردت: إنّ أحبّ الناس إلى رسول الله فاطمة وعليّ. فراجعها.

مع ضعف هذه الروايات دلالة وسنداً، لا يخفى على المحقّق الخبير، ونحن نشير إلى بعض موارد الضعف فيها.

١ - أن يُختلف على أبي بكر ولعلّ رسول الله (ص) لم يتوجّه إلى الاختلاف الواقع بعد رحلته ولا سيّما خلاف أهل بيته الأطهار.

٢ - ائتني بكتفٍ: ولا أدري كيف لم يتوجّه الرجل الذي صرّح بقوله: إنّ الرجل ليهجر وقد غلبه الوجع، حتى يمنع عن هذه الوصية أيضاً.

٣ - اقتدوا باللذَين: ولعلّ رسول الله (ص) قد نسي ما قال في عليّ (ع) ولم يتوجّه إلى خلافهما علماً وعملاً.

٤ - أَوَلستُ أوّل من أسلم: هذه الرواية مجعولة، والصحيح ما خطب به أبو بكر في السقيفة، كما في العقد الفريد ثمّ قال: أيّها الناس نحن المهاجرون أوّل الناس إسلاماً، وأكرمهم أحساباً، وأوسطهم داراً، وأحسنهم وجوهاً، وأكثر الناس

____________________

١ - الاستيعاب، ج٣، ص ٩٦٧.

١٩٧

ولادة في العرب، وأمسّهم رحماً برسول الله (ص)، أسلمنا قبلكم إلخ.(١)

وقال عليّ (ع) في خطب النهج: احتجّوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة.

٥ - أحبّ الناس إليك: وقد روينا روايات متواترة في أنّ:أحبّ الناس من الرجال عليّ ومن النساء فاطمة ، وقد روي بعض هذه الروايات عن عائشة فراجعه.

الاستيعاب: عن عبد الله بن زمعة، قال: كنت عند رسول الله (ص) وهو عليل، فدعاه بلال إلى الصلاة، فقال لنا:مُروا من يصلّي بالناس. قال: فخرجت فإذا عمر في الناس وكان أبو بكر غائباً، فقلت: قم يا عمر فصلِّ بالناس، فقام عمر فلمّا كبّر سمع رسول الله (ص) صوته وكان مُجهراً، فقال رسول الله (ص):فأين أبو بكر؟ يأبّى الله ذلك والمسلمون، فبعث إلى أبي بكر فجاءه بعد أن صلّى عمر تلك الصلاة، فصلّى بالناس طول علّته حتى قبض (ص).(٢)

وفي مسند أحمد: عن ابن عبّاس قال: لمّا مرض رسول الله (ص) مرضه الذي مات فيه كان في بيت عائشة، فقال: ادعوا لي علياً! قالت عائشة: ندعو لك أبا بكر، قال: ادعوه، قالت حفصة: يا رسول الله ندعو لك عمر، قال ادعوه. قالت أمّ الفضل: يا رسول الله ندعو لك العبّاس، قال: ادعوه. فلمّا اجتمعوا رفع رأسه فلم يرَ علياً فسكت. فقال عمر: قوموا عن رسول الله (ص)! فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فقال: مروا أبا بكر يصلّي بالناس إلخ.(٣)

أقول: يفهم من الروايتين أن كلّ واحدة من الأزواج تحبّ تقديم أبيها في مقابل عليّ (ع)، وأمّا جملة ( يأبى الله ذلك والمسلمون): يخالف ما ورد من تقديم عليّ (ع) كما في أكل الطير والتزويج والبراءة وغيرها، مع أنّ أبا بكر وعمر كانا من جيش أسامة فكيف يمكن لهما الصلاة مع تأكيد رسول الله (ص) بقوله جهّزوا جيش أسامة، ولعنِه على من تخلّف.

____________________

١ - العقد الفريد، ج٤، ص ٥٨.

٢ - الاستيعاب، ج٣، ص ٩٦٩.

٣ - مسند أحمد، ج١، ص ٣٥٦.

١٩٨

( في الصحابة )

الطبقات: أتينا علياً قلنا أخبرنا عن سلمان؟ قال: أدرك العلم الأوّل والعلم الآخر، بحر لا ينزح قعره، منّا أهل البيت. ويروي أيضاً عن أبي صالح. عن النبيّ (ص)، قال: ثكلت سلمان أمّه ؛ لقد أشبع من العلم.(١)

ويروي أيضاً: سئل عليّ عن سلمان الفارسي، فقال: ذاك امرؤ منّا وإلينا أهل البيت، مَن لكم بمثل لقمان الحكيم؟! عَلَم العلم الأوّل والعلم الآخِر، وقرأ الكتاب الأوّل وقرأ الكتاب الآخر، وكان بحراً لا يُنزف.(٢)

البيان والتعريف: سلمان منّا أهل البيت. أخرجه الطبراني في الكبير والحاكم عن عمرو بن عوف. سببه: كما في المستدرك: أنّ رسول الله (ص) خطّ الخندق عام الأحزاب حتى بلغ المذاحج فقطع لكلّ عشرة أربعين ذراعاً، فقالت المهاجرون: سلمان منّا، وقالت الأنصار: سلمان منّا. فقال (ص): سلمان منّا أهل البيت.(٣)

سير الأعلام: عن زيد بن أبي أوفى: ثمّ دعا أبا الدرداء وسلمان، فقال: يا سلمان أنت منا أهل البيت، وقد آتاك الله العلم الأوّل والعلم الآخر.(٤)

أخبار أصبهان: يقول أهل العلم: عاش سلمان ثلاثمئة وخمسين سنة فأمّا مائتين وخمسين فلا يشكّون فيه، وكان من المعمّرين، قيل أنّه أدرك وصيّ عيسى بن مريم (ع) وأعطي العلم الأوّل والآخر، وقرأ الكتابين، كان أحد

____________________

١ - الطبقات، ج٢، ص ٣٤٦.

٢ - نفس المصدر، ج٤، ص ٨٦.

٣ - البيان والتعريف، ج٢، ص ٧٠.

٤ - سير الأعلام، ج١، ص ٩٧.

١٩٩

النجباء.(١)

مسند أحمد: عن بريدة، قال رسول (ص): إن الله يحبّ من أصحابي أربعة، أخبرني إنّه يحبّهم وأمرني أن أحبّهم. قالوا من هم يا رسول الله؟ قال: إنّ علياً منهم، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، والمقداد بن الأسود الكندي.(٢)

مسند أحمد: عن أنس، أنّ رسول الله (ص) شاور الناس يوم بدر، فتكلّم أبو بكر فأعرض عنه، ثمّ تكلّم عمر فأعرض عنه، فقالت الأنصار: يا رسول الله إيانا تريد؟ فقال المقداد ابن الأسود: يا رسول الله والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نُخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغِماد فعلنا، فشأنك يا رسول الله.(٣)

( الإخاضة: الإيراد. وبرك الغِماد: موضعٌ باليمن )

ويروي أيضاً: عن الخدري، أنّ النبي (ص) قال: فأقول أصحابي أصحابي. فقيل: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، قال: فأقول بُعداً بعداً، سحقاً سحقاً، لمن بدّل بعدي.(٤)

ويروي: عن أبي قتادة يقول: سمعت رسول الله (ص) يقول على المنبر للأنصار: ألا إنّ الناس دثاري والأنصار شعاري، لو سلك الناس وادياً وسلكت الأنصار وادياً لاتبعت شعبة الأنصار، ولولا الهجرة لكنت رجلاً من الأنصار، فمن ولي من الأنصار فليُحسن إلى محسنهم وليتجاوز عن مسيئهم، ومن أفزعهم فقد أفزع هذا الذي بين هاتين. وأشار إلى نفسه (ص).(٥)

ويروي: عن عمّار، لكن حذيفة أخبرني عن النبيّ (ص) قال: في أصحابي اثنا عشر منافقاً، منهم ثمانية لا يدخلون الجنّة حتى يلج الجمل في سمّ الخياط.(٦)

____________________

١ - أخبار أصبهان، ج١، ص ٤٨.

٢ - مسند أحمد، ج٥، ص ٣٥١.

٣ - نفس المصدر، ج٣، ص ٢١٩.

٤ - نفس المصدر، ص ٢٨.

٥ - نفس المصدر، ج٥، ص ٣٠٧.

٦ - نفس المصدر، ص ٣٩٠.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495