الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام12%

الحقائق في تاريخ الاسلام مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 495

الحقائق في تاريخ الاسلام
  • البداية
  • السابق
  • 495 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 193494 / تحميل: 7473
الحجم الحجم الحجم
الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

العبّاس: ألم أقل لك يا علي؟.(١)

أقول: يظهر من هذه المكالمة أنّ خلافة علي (ع) كانت مسلّمة قطعية في نظرهم ولا سيّما في نظر عليّ (ع)، وكان لا يحتمل خلاف أحد وإنكاره واستبداده عليه.

ويروي أيضاً: قال سلمان الفارسي حين بويع أبو بكر: كرداد ونا كرداد أي: عملتم وما عملتم، لو بايعوا علياً لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم.(٢)

أقول: يريد أنّكم باستخلاف أبي بكر فعلتم ما فعلتم وحرّفتم وصيّة رسول الله (ص) عن موضعها وظلمتم آله وعترته وغصبتم حقّ عليّ (ع) ولكن ما ظلمتم إلا أنفسكم، وما فعلتم إلا على أنفسكم.

يقول في منتخب كنزل العمّال: إنّ أبا بكر حين استُخلف قعد في بيته حزينا، فدخل عليه عمر فأقبل يلومه، وقال: أنت كلّفتني هذا الأمر وشكى إليه الحكم بين الناس! فقال له عمر: أو ما علمت أنّ رسول الله (ص) قال: إنّ الوالي إذا اجتهد فأصاب الحقّ فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ الحقّ فله أجر واحد.(٣)

ويقول: عن رافع قال: لما استخلف الناس أبا بكر قلت: صاحبي الذي أمرني أن لا أتأمّر على رجلين! فارتحلت فانتهيت إلى المدينة فتعرّضت لأبي بكر، فقلت له: يا أبا بكر أتعرفني؟ قال: نعم: قلت: أتذكر شيئا قلته لي لا أتأمّر على رجلين، وقد وليت أمر الأمة؟! فقال: إنّ رسول الله (ص) قبض والناس حديث عهد بكفرٍ، فخفت عليهم أن يرتدّوا وان يختلفوا، فدخلت فيها وأنا كاره، ولم يزل بي صاحبي يعتذر حتى عذرته.(٤)

أقول: فليستنتج المحقّق الحرّ من هذه الكلمات أيّ نتيجة يدرك بفكره الثاقب ونظره الخالص.

____________________

١ - أنساب الأشراف، ج ١، ص ٥٨٣.

٢ - نفس المصدر، ص ٥٩١.

٣ - منتخب كنز العمّال، ج ٢، ص ١٥٨.

٤ - نفس المصدر، ص ١٦٠.

١٦١

( نتيجة تدبيرات المخالفين )

إنّ المخالفين بذلوا جهدهم واجتهدوا غاية الجهد في تحصيل مقاصدهم والوصول إلى منويّاتهم.

وكان أكبر مانع من إجراء منظورهم: كتابة النبيّ (ص)، وإنفاذ جيش أسامة، وأمر السقيفة.

نعم، هذه الموضوعات الثلاث كانت مانعة عن النيل إلى ما قصدوا، وكنهم رفعوا بجدهم هذه الموضوعات المانعة، وكشفوا بخلافهم الشديد هذه الحصون العائقة، وتيسّر لهم المعسور، واستقيمت لهم الأمور.

منعوا عن أنّ يكتب رسول الله (ص) لهم وصيّته، وامتنعوا عن الحركة في جيش أسامة، وجدّوا واجتهدوا في أن ينتخبوا في السقيفة لأنفسهم.

وقد بدّلوا ما أوصاهم به، وحرّفوا الكلم عن مواضعه، وغيّروا مسير الإسلام، وتركوا بل عادَوا أهل بيت الرسول، ونسوا ما وصّى رسول الله (ص) فيهم.

حتى إذا واروه في قبره ما قال بالأمس وأوصى به وقطّعوا أرحامه بعده وانصرفوا عن دفنه ضيعوا واشتروا الضرّ بما ينفع فسوف يُجزون بما قطّعوا.

كأنّهم ما سمعوا من رسول الله (ص) ما قال في أهل بيته وفي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) وفي بنته فاطمة الزهراء، بل ولعلهم أُمروا بالظلم والعدوان والمعادة.

* * *

١٦٢

( بعض ما ورد في فاطمة (ع) )

رجال أصبهان: عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله مالك إذا قبّلت فاطمة جعلت لسانك في فيها كأنّك تريد أن تلعقها عسلاً؟ فقال رسول الله (ص): يا عائشة إنّها لمّا كانت ليلة أسري بي إلى السماء أدخلني جبريل الجنّة فناولني تفّاحة فأكلتها فصارت نطفة في صلبي ففاطمة من تلك النطفة فهي حوراءٌ إنسية كلّما اشتقت إلى الجنّة قبّلتها.(١)

مستدرك الحاكم: عن سعد بن مالك، قال رسول الله (ص): أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام بسفرجلة من الجنّة فأكلتها ليلة أُسري بي، فَعلقت خديجة بفاطمة، فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنّة شممت رقبة فاطمة.(٢)

ويروي: عن ميناء قال: خذوا عنّي قبل أن تُشابّ الأحاديث بالأباطيل، سمعت رسول الله (ص) يقول: أنا الشجرة، وفاطمة فرعها، وعليّ لقاحها، والحسن والحسين ثمرتها، وشيعتنا ورقها، وأصل الشجرة في جنّة عدن.(٣)

أقول: قد ذكرنا في فصول أهل البيت ما يتعلّق بها، وقد صرّحت الروايات النبوية بأنّ المراد من أهل بيت الرسول هم: عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، ولا يشاركهم في هذا العنوان غيرهم، كما أنّه لا يشرك في فضائلها ومقاماتها الواردة غيرها من سائر بنات رسول الله (ص).

____________________

١ - رجال أصبهان، ج ١، ص ٧٨.

٢ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٥٦.

٣ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٦٠.

١٦٣

( فاطمة بضعة من رسول الله (ص) )

البخاري: بإسناده، أنّ رسول الله (ص) قال: فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني.(١)

البيان والتعريف: إنّما فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها فقد أغضبني. أخرجه الشيخان والنسائي وأبو داود والإمام أحمد وغيرهم عن المسور بن مخرمة.(٢)

سير الأعلام: عن المسور قال رسول الله (ص): إنّما فاطمة شِجنة منّي، يبسطني ما يبسطها ويقبضني ما يقبضها.(٣)

مسند أحمد: ما يقرب منها.(٤)

مستدرك الحاكم: عن عليّ (رض) قال: قال رسول الله (ص) لفاطمة: إنّ الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك.(٥)

أقول: فمن أغضب فاطمة فقد أغضب الله ورسوله، فإنّها بضعة من الرسول بدناً وروحاً، ولا أدري أنّ من أغضبها كيف يعتذر من الله عند رسوله، وكيف يلقى الله ورسوله.

ويروي في ذخائر العقبى: عن عليّ (رض) قال: قال رسول الله (ص): اشتدّ غضب الله وغضب رسوله وغضب ملائكته على من هراق دم نبيّ وآذاه في عترته.(٦)

البخاري: بإسناده قال النبيّ (ص): إنّما هي بضعة منّي يُريبني ما أرابها

____________________

١ - البخاري، ج ٢، ص ١٨٥ وص ١٨٩.

٢ - البيان والتصريف، ج ١، ص ٢٧٠.

٣ - سير الأعلام، ج ٢، ص ٩٦.

٤ - مسند أحمد، ج ٤، ص ٣٣٢.

٥ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٥٤.

٦ - ذخائر العقبى، ص ٣٩.

١٦٤

ويؤذيني ما آذاها.(١)

مسلم: بإسناده عن المِسور قال: سمعت رسول الله (ص) على المنبر وهو يقول:إن بني هاشم بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم عليّ بن أبي طالب، فلا آذن لهم، ثمّ لا آذن لهم، ثمّ لا آذن لهم، إلاّ أن يحبّ ابن أبي طالب أن يُطلّق ابنتي ويُنكح ابنتهم، فإنّما ابنتي بضعة مني يُريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها.(٢)

ويروي أيضاً: بسند آخر عنه قال رسول الله (ص): إنّما فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها.

ويروي أيضاً: قال النبيّ (ص): إنّما فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها ويُنصبني ما أنصبها.

مسند أحمد: ما يقرب منها.(٣)

خصائص النسائي: كما في مسلم، وفيها: ومن آذى رسول الله (ص) فقد حبط عمله.(٤)

ويروي أيضاً عن المسور: قال النبي (ص): إنّ فاطمة بضعة منّي من أغضبها أغضبني.

ويروي أيضاً عنه: قال النبي (ص): إنّ فاطمة لمُضغة أو بضعة منّي.

أقول: هذه الروايات الشريفة تدلّ على كمال اختصاصها بالنبيّ (ص) ونهاية محبّة رسول الله (ص) لها كأنّها مثل نفسه

( تزويجها من عليّ بن أبي طالب (ع) )

خصائص النسائي: عن عبد الله بن يزيد عن أبيه قال: خطب أبو بكر وعمر

____________________

١ - البخاري، ج ٣، ص ١٦٤.

٢ - مسلم، ج ٧، ص ١٤١، وابن ماجة، ج ١، ص ٦١٦ وسنن الترمذي، ص ٥٤٩.

٣ - مسند أحمد، ج٤، ص ٥.

٤ - خصائص النسائي، ص ٢٥.

١٦٥

فاطمة، فقال رسول الله (ص) إنّها صغيرة. فخطبها عليّ رضي الله عنه فزوّجها منه.(١)

الطبقات: إنّ أبا بكر خطب فاطمة إلى النبيّ (ص)! فقال: يا أبا بكر انتظر بها القضاء، فذكر ذلك أبو بكر لعمر، فقال له عمر: ردّك يا أبا بكر، ثمّ أنّ أبا بكر قال لعمر: اخطب فاطمة إلى النبيّ (ص)، فخطبها فقال له مثل ما قال لأبي بكر: أنتظر بها القضاء، فجاء عمر إلى أبي بكر فأخبره، فقال له: ردّك يا عمر. ثمّ إنّ أهل عليّ قالوا لعليّ: اخطب فاطمة إلى رسول الله (ص)، فقال: بعد أبي بكر وعمر! فذكروا له قرابته من النبيّ (ص) فخطبها، فزوّجه النبيّ (ص).(٢)

ويروي أيضاً: خطب أبو بكر وعمر فاطمةَ إلى رسول الله (ص)، فقال النبيّ (ص): هي لك يا علي!.

أنساب الأشراف: كان أبو بكر خطب فاطمة فقال له رسول الله (ص): أنا أنتظر بها القضاء. ثمّ خطبها عمر، فقال له مثل ذلك. فقيل لعلي: لو خطبت فاطمة! فقال: منعها أبا بكر وعمر ولا آمن أن يمنعنيها، فحمل على خطبتها، فخطبها الى رسول الله (ص)، فزوّجه إياها.(٣)

البيان والتعريف: إن الله أمرني أن أُزوّج فاطمة من عليّ. أخرجه الخطيب وابن عساكر عن أنس بن مالك. سببه: كما في الجامع الكبير عن أنس، قال: كنت قاعداً عند النبيّ (ص) فغشيه الوحي فلمّا سرى عنه قال لي: يا أنس أتدري ما جاء به جبريل من عند صاحب العرش؟ قلت: بأبي أنت وأمّي، وما جاء به جبريل من عند صاحب العرش؟ قال: إنّ الله أمرني إلخ.(٤)

أقول: تدلّ هذه الروايات الشريفة على أنّ تزويج فاطمة (ع) من عليّ بن أبي طالب (ع) كان بأمر الله عزّ وجلّ، فاختار لها كفواً يحبّه الله ورسوله وهو

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ص ٢٢.

٢ - الطبقات، ج ٨، ص ١٩.

٣ - أنساب الأشراف، ج ١، ص ٤٠٢.

٤ - البيان والتعريف، ج ١، ص ١٧٤.

١٦٦

ابن عمّ رسول الله (ص)، وقد مرّ الحديث عن رسول الله (ص): أنّ الله اطلع إلى أهل الأرض فاختار رجلين أحدهما أبوك والآخر بعلك.

( فاطمة سيدة نساء الجنّة )

الاستيعاب: عن ابن عبّاس، قال رسول الله (ص): أفضل نساء أهل الجنّة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمّد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم.(١)

البخاري: قال النبيّ (ص): فاطمة (ع) سيدة نساء أهل الجنّة.(٢)

سنن الترمذي: عن حذيفة قال: أتيت النبيّ (ص) فصلّيت معه قال: هذا ملك لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه أن يُسلم عليّ ويبشرني بأنّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنّة وأنّ الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة.(٣) .

خصائص النسائي: عن أبي هريرة أبطأ علينا رسول الله (ص) يوماً صبور النهار، فلمّا كان العشي، قال له قائلنا: يا رسول الله قد شقّ علينا لم نرك اليوم! قال: إنّ ملكا لم يكن زارني فاستأذن الله في زيارتي، فأخبرني بأنّ كما في الترمذي.(٤)

مستدرك الحاكم: عن عائشة، أنّ النبيّ (ص) قال في مرضه الذي توفّي فيه: يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين وسيدة نساء هذه الأمّة وسيدة نساء المؤمنين.(٥)

قال: هذا إسناد صحيح ولم يخرجاه هكذا.

أقول: تدلّ هذه الروايات الشريفة على أنّ فاطمة (ع) أفضل نساء هذه الأمّة، بل وأفضل نساء أهل الجنّة من السابقين واللاحقين، كما أنّ ابنيها سيدا شباب أهل الجنّة. فالويل ثمّ الويل لمن آذاهم وأغضبهم.

____________________

١ - الاستيعاب، ج ٤، ص ١٨٩٥.

٢ - البخاري، ج ٢، ص ١٨٥ و، ص ١٨٩.

٣ - سنن الترمذي، ص ٥٤٠.

٤ - خصائص النسائي، ص ٢٤.

٥ - مستدرك الحاكم ج٣، ص ١٥٦.

١٦٧

( إنّها كانت أوّل من يدخل عليه النبيُّ (ص) )

سنن أبى داود: كان رسول الله (ص) إذا سافر كان آخر عهده بإنسان من أهله فاطمة، وأوّل من يدخل عليه إذا قدم فاطمة.(١)

مسند أحمد: يروي مثلها.(٢)

مستدرك الحاكم: عن أبى ثعلبة، قال: كان رسول الله (ص) إذا رجع من غزاة أو سفر أتى المسجد فصلّى فيه ركعتين، ثمّ ثنّى بفاطمة رضي الله عنها، ثمّ يأتي أزواجه.(٣)

ويروي أيضاً: نظير ما في السنن.(٤)

وروى بإسناد آخر نظيره، وفيه: فقال لها رسول الله (ص) فداك أبي وأمّي.

أقول: تدلّ هذه الروايات الشريفة على شدّة حبّ رسول الله (ص) لها، بحيث يقول لها: بأبي وأمّي فداك.(٥)

( أنّها أحبّ الناس إلى رسول الله (ص) )

وقد مرّ في فصول أهل البيت وفي فصول ما ورد في عليّ (ع) ما يتعلّق بالمقام فراجعها.

سنن الترمذي: عن بُريدة: كان أحبّ النساء إلى رسول الله (ص) فاطمة ومن الرجال عليّ.(٦)

ويروي أيضاً: عن جُميع بن عُمير التيمي، قال: دخلت مع عمّتي على عائشة

____________________

١ - سنن أبي داود، ج ٢، ص ٢٢٣.

٢ - مسند أحمد، ج ٥، ص ٢٧٥.

٣ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٥٥.

٤ - الاستيعاب، ج ٣، ص ١٨٣٥.

٥ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٥٦.

٦ - سنن الترمذي، ص ٥٤٩.

١٦٨

فسألت أيّ الناس كان أحبّ إلى رسول الله (ص)؟ قالت فاطمة، فقيل مِن الرجال؟ قالت: زوجها أنّ كان ما عملت صوّاماً قواماً.(١)

خصائص النسائي: عن جُميع وهو ابن عُمير قال دخلت مع أمّي على عائشة وأنا غلام فذكرت لها علياً رضي الله عنه؟ فقالت: ما رأيت رجلاً أحبّ إلى رسول الله (ص) منه ولا امرأة أحبّ إلى رسول الله (ص) من امرأته.(٢)

الاستيعاب: ويروي مثلها.(٣)

ويروي أيضاً: عن جُميع: قال دخلت مع أبي على عائشة يسألها من وراء الحجاب عن عليّ رضي الله عنه؟ فقالت: تسألني عن رجلٌ ما أعلم أحداً كان أحبّ إلى رسول الله (ص) الحديث.

ويروي الحاكم في المستدرك: نظيره.(٤)

ويروي أيضاً: عن بريدة نظير ما في الترمذي.(٥)

ويروي أيضاً: يقول عليّ، على منبر الكوفة: خطبت إلى رسول الله (ص) فاطمة عليها السلام! فزوّجني، فقلت: يا رسول الله أنا أحبّ إليك أم هي؟ قال: هي أحبّ إليّ منك وأنت أعزّ عليّ منها.(٦)

البيان والتعريف: فاطمة أحبّ إليّ منك وأنت أعزّ عليّ منها.(٧)

أخرجه الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة، قال الهيثميّ: رجاله رجال الصحيح.

مستدرك الحاكم: عن عمر ؛ أنّه دخل على فاطمة بنت رسول الله (ص) فقال: يا فاطمة والله ما رأيت أحداً أحبّ إلى رسول الله (ص) منك، والله ما كان أحد

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ص ٥٥٠.

٢ - خصائص النسائي، ص ٢٠.

٣ - الاستيعاب، ج٤، ص ١٨٩٧.

٤ - مستدرك الحاكم، ج٣، ص ١٥٤.

٥ - خصائص النسائي، ص ٢١.

٦ - نفس المصدر، ص ٢٦.

٧ - البيان والتعريف، ج٢، ص ١١٨.

١٦٩

من الناس بعد أبيك (ص) أحبّ إليَّ منك.(١)

قال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يُخرجاه.

أقول: هذه الأحاديث مصرّحة بأنّ أحبّ الناس إلى رسول الله (ص) من النساء، بل ومن عموم الناس، فاطمة (ع)، ولا ريب أنّ حبّ رسول الله (ص) ينبعث من منشأ روحاني ومن جهة معنوية إلهية، لا ربط لها بالأمور المادية.

( ومن فضائلها (ع) )

الاستيعاب: عن عمران، أنّ النبيّ (ص) عاد فاطمة وهي مريضة، فقال لها: كيف تجدينك يا بنية؟قالت: إنّي لوجعة، وإنّه ليزيدني أنّي ما لي طعام آكله.قال: يا بنية أمّا ترضين أنّك سيدة نساء العالمين؟قالت: يا أبت فأين مريم بنت عمران؟قال: تلك سيدة نساء عالمها، وأنت سيدة نساء عالمك، أَمَا والله لقد زوّجتك سيداً في الدنيا والآخرة.(٢)

دلائل النبوّة: عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: إذا كان يوم القيامة نادى مناد من وراء الحُجب يا أيّها الناس غضّوا أبصاركم ونكسوا ؛ فإنّ فاطمة بنت محمّد (ص) تجوز الصراط إلى الجنة.(٣)

سنن أبي داود: قال عليّ لابن أعبد: ألا أحدّثك عنّي وعن فاطمة بنت رسول الله (ص) وكانت أحبّ أهله إليه وكانت عندي، فجرّت بالرحى حتى أثّرت بيدها واستقت بالقربة حتى أثّرت في نحرها، وقمّت البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت القدر حتى دكنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضُر، فسمعنا أنّ رقيقا أُتي بهم النبي (ص)، فقلت: لو أتيت أباك فسألتيه خادماً يكفيك، فأتته فوجدت عنده حدّاثاً، فاستحيت فرجعت إلخ.(٤)

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج٣، ص ١٥٥.

٢ - الاستيعاب، ج٤، ص ١٨٩٥.

٣ - دلائل النبوة، ج٣، ص ٢١٩.

٤ - سنن أبي داود، ج٢، ص ٣٣٤.

١٧٠

سير الأعلام: عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة إلاّ أن يكون الذي ولدها.(١)

مستدرك الحاكم: عن عائشة، أنها كانت إذا ذكرت فاطمة بنت رسول الله (ص) قالت الرواية.(٢)

الاستيعاب: يروي مثلها.(٣)

أقول: إنّها أصدق لهجة، ولكنّ المخالفين حكموا بكذبها وكذّبوها في دعواها فدكاً، وأنّ رسول الله (ص) قد وهبها لها.

مستدرك الحاكم: عن أنس، قال رسول الله (ص): حسبك من نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد.(٤)

ويروي: بسند آخر نظيره.

ويروي: عن عائشة، قالت لفاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله (ص): ألا أُبشرك أنّي سمعت رسول الله (ص) يقول: سيدات نساء أهل الجنّة أربع: مريم بنت عمران، وفاطمة بنت رسول الله (ص)، وخديجة بنت خويلد، وآسية.(٥)

الاستيعاب: يروي مثلهما.(٦)

أقول: هذه الأخبار لا تنافي ما سبق من أنّ سيدة نساء أهل الجنّة فاطمة (ع)، فإنّهن سيدات النساء، وفاطمة (ع) سيدة قاطبة النساء كلّها.

مستدرك الحاكم: عن عليّ (ع) قال: سمعت النبيّ (ص) يقول: إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من وراء الحجاب: يا أهل الجمع غُضوا أبصاركم عن

____________________

١ - سير الأعلام، ج٢، ص ٩٥.

٢ - مستدرك الحاكم، ج٣، ص ١٦٠.

٣ - الاستيعاب، ج٤، ص ١٨٩٦.

٤ - مستدرك الحاكم، ج٣، ص ١٥٧.

٥ - مستدرك الحاكم، ج٣، ص ١٨٥.

٦ - الاستيعاب، ج٤، ص ١٨٩٦.

١٧١

فاطمة بنت محمد (ص) حتى تمرّ.(١)

( رسول الله (ص) وفاطمة (ع) )

الاستيعاب: عن عائشة أنّها قالت: ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله (ص) من فاطمة، وكانت إذاً دخلت عليه قام إليها فقبّلها ورحّب بها، كما كانت تصنع هي به (ص).(٢)

سنن ابي داود: عن عائشة: ما رأيت أحداً كان أشبه سمتاً ودلاًّ وهدياً برسول الله (ص) من فاطمة كرم الله وجهها، كانت إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها فيقبّلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبّلته وأجلسته في مجلسها.(٣)

ويروي: عن الحسن: مثلها، وفيها - أشبه حديثا وكلاماً.

سنن الترمذي: قريب منها، وفيها: فلمّا مرض النبيّ (ص) دخلت فاطمة فأكّبت عليه فقبّلته ثمّ رفعت رأسها فبكت، ثمّ اكبّت عليه، ثمّ رفعت رأسها فضحكت، فقلت: إن كنتُ لأظنّ أنّ هذه من أعقل نسائنا، فإذا هي من النساء، فلمّا توفّي النبيّ (ص) قلت لها: أرأيت حين أكببت على النبيّ (ص) فرفعت رأسك الرواية.(٤)

مستدرك الحاكم: عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً من فاطمة برسول الله (ص) كانت إذا دخلت عليه رحّب بها وقام إليها فأخذ بيدها فقبّلها وأجلسها في مجلسه.(٥)

قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج٣، ص ١٥٣.

٢ - الاستيعاب، ج٤، ص ١٨٩٦.

٣ - سنن أبي داود، ج٢، ص ٣٥٤.

٤ - سنن الترمذي، ص ٥٥٠.

٥ - مستدرك الحاكم، ج٣، ص ١٥٤.

١٧٢

الاستيعاب ومسند أحمد: عن عائشة قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأنّ مشيتها مِشية رسول الله (ص)، فقال: مرحباً بابنتي ثمّ أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثمّ أسرّ إليها حديثا فبكت، فقلت لها استخصّك رسول الله (ص) حديثه ثمّ تبكين، ثمّ أنّه أسرّ إليها حديثاً فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن فبكيتُ لذلك، ثم قال: ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة أو نساء المؤمنين قالت فضحكتُ لذلك.(١)

البخاري: قالت عائشة: أقبلت فاطمة تمشي كأنّ مشيتها مشيُ النبيّ (ص)، فقال النبيّ (ص): مرحباً يا ابنتي. ثمّ أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثمّ أسر إليها حديثاً فبكت، فقلت لها: لم تبكين؟! ثمّ أسرّ اليها حديثا فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن، فسألتها عمّا قال؟ فقالت: ما كنت لاُ فشي سرّ رسول الله (ص)، حتى قبض النبيّ (ص) فسألتها، فقالت: أسرّ إليّ أن جبريل كان يعارضني القرآن كلّ سنة مرّة، وأنّه عارضني العام مرّتين، ولا أراه إلا حضر أجلي وأنّكِ أوّل أهل بيتي لحاقا بي فبكيت، فقال: أَمَا ترضيين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنّة أو نساء المؤمنين؟ فضحكت لذلك.(٢)

ثمّ: روى بإسناد آخر قريباً منها.

ويروي أيضاً: قريباً منها، وفيها: ولا أرى الأجل إلاّ قد اقترب فاتّقي الله واصبري فإنّي نعم السلف أنا لكِ، قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت، فلمّا رأى جزعي سارّني الثانية، قال: يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمّة.(٣)

ويروي مسلم: بإسناده حديثين كما في البخاري (ج ٢، ص ١٧٤) وفيها: فقلت

____________________

١ - الاستيعاب، ج٤، ص ١٨٩٤ ومسند أحمد، ج٦، ص ٢٨٢.

٢ - البخاري، ج٢ ص١٧٤.

٣ - البخاري، ج٤، ص ٦٠.

١٧٣

لها حين بكت: أخصّكِ رسول الله (ص) بحديثه دوننا ثمّ تبكين.(١)

وفي زاد المسلم: وقد روى البزّاز عن عائشة: أنّه عليه الصلاة والسلام قال: فاطمة خير بناتي إنّها أصيبت بي فحقّ لمن كانت هذه حالتها أن تسود نساء أهل الجنّة، وقد سُئل أبو بكر بن داود: مَن أفضل خديجة أم فاطمة؟ فقال: إنّ رسول الله (ص) قال: إنّ فاطمة بضعة منّي. فلا أعدل ببضعة من رسول الله (ص) أحداً. وحسّن هذا القول السهيلي واستشهد لصحته أنّ أبا لبابه حين ربط نفسه وحلف أن لا يحلّه إلاّ رسول الله (ص) جاءت فاطمة لتحلّه فأبى من أجل قسمه، فقال رسول الله (ص): إنّما فاطمة بضعة منّي. فحلّته.(٢)

ابن ماجة: قالت عائشة: اجتمعت نساء النبيّ (ص) فلم تغادر منهنّ امرأة، فجاءت فاطمة كأنّ مشيتها مشية رسول الله (ص) فقال: مرحباً بابنتي. ثمّ أجلسها عن شمالها.(٣) .. كما في مسلم، ج٧، ص ١٤٢.

ويروي أيضاً: حديثا آخر قريباً ممّا في البخاري ( ج ٢)

الطبقات: يروي قريبا ممّا في البخاري.(٤)

يروي أيضاً: ما رأيت فاطمة عليها السلام ضاحكة بعد رسول الله (ص) إلا أنّه قد تمودي بطرف فيها.(٥)

أقول: يستفاد من هذه الأحاديث أمور:

الأوّل: كان سلوكها ومِشيتها في الوقار كمِشية رسول الله (ص)

الثاني: أنّها كانت موضع سرّ رسول الله (ص) والمخصوصة بحديثه.

الثالث: أنّها بضعة رسول الله (ص) فلا يعدل بضعته أحد.

الرابع: أنّها سيدة نساء أهل الجنّة.

____________________

١ - مسلم، ج٧، ص ١٤٢ و١٤٣.

٢ - زاد المسلم، ج٢، ص ٣٩٩.

٣ - ابن ماجة، ج١، ص ٤٩٤.

٤ - الطبقات، ج٢، ص ٢٤٧.

٥ - نفس المصدر، ص ٢٤٨.

١٧٤

الخامس: أنّها سيدة نساء الأمّة والمؤمنين.

السادس: قام رسول الله فأخذ بيدها وكان يقبّلها.

السابع: كانت أشبه سمتاً ودلاًّ وهدياً برسول الله.

١٧٥

فتنة:

( إحراق بيت فاطمة (ع) )

تاريخ الطبري: عن زياد بن كليب قال: أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين، فقال: والله لأحرقنّ عليكم أو لتخرُجُنّ إلى البيعة، فخرج عليه الزبير مُصلّتا بالسيف، فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه.(١)

العقد الفريد: الذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر، عليّ والعبّاس والزبير وسعد بن عبادة. فأمّا عليّ والعبّاس والزبير، فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة، وقال له: إن أبوا فقاتلهم! فأقبل بقبس من نار على أن يُضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة، فقالت يا ابن الخطّاب أجئت لتُحرق دارنا؟ قال: نعم، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمّة.(٢)

أقول: هذه أوّل فتنة في الإسلام ظهرت على أهل بيت رسول الله (ص)، وأوّل عدوان من الأمّة عليهم، ولا ينقضي عجبي من قول أبي بكر حيث يقول: فإن أبوا فقاتلهم! أَوَلا يذكر قول رسول الله (ص):

- أذكِّركم في أهل بيتي.

- إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي.

- اللّهمّ اذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

- أنا حربٌ لمن حاربكم وسلمٌ لمن سالمكم.

- اللّهمّ هؤلاء أهلي.

ثمّ أتعجب كثيراً من عمل عمر ومن قوله، حيث أقبل بقبس من نارٍ على أن يُضرم عليهم الدار. كأنّه ما سمع من رسول الله (ص): فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها. ولعله كان قد أمر بإيذائهم ومقاتلتهم وإحراق دارهم. وقد ظلموا أهل

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج٣، ص ١٩٨.

٢ - العقد الفريد، ج٤، ص ٢٥٩.

١٧٦

البيت وما راعوا حقوقهم، وما حفظوا وصيّة رسول الله (ص) فيهم، ونسوا ما ذكّروا به، وآذوا عليّاً وفاطمة والحسن والحسين وهم أهل بيت الطهارة، وكان إيذاؤهم ومحاربتهم إيذاءً ومحاربة لله ولرسوله.

ثمّ أنّ بنتَ رسول الله وبضعته فاطمة الزهراء قد انزجرت وتضجّرت تضجراً شديداً، وسأمت منهم سأمة، حتى مرضت واشتدّ مرضها، ولم تُجز آحاد منهم لعيادتها ولا الحضور لجنازتها ولا للصلاة عليها.

الاستيعاب: فقالت أسماء: يا بنتَ رسول الله ألا أُريك شيئاً رأيته بأرض الحبشة: فدعت بجرائد رطبة فحنّتها ثمّ طرحت عليها ثوباً، فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله: تُعرف به المرأة والرجال، فإذا أنا متّ فاغسليني أنت وعليّ، ولا تُدخلي عليّ أحداً. فلما تُوفيت جاءت عائشة تدخل، فقالت أسماء: لا تدخلي. فشكت إلى أبي بكر، فقالت: هذه الخثعمية تحول بيننا وبين بنت رسول الله (ص)، وقد جعلت لها مثل الهودج، فجاء أبو بكر فوقف على الباب فقال: يا أسماء ما حملك على أن منعت أزواج النبيّ (ص) أن يدخلن على بنتِ رسول الله (ص) فقالت: أمرتني أن لا يدخل عليها أحد قال أبو بكر: فاصنعي ما أمرتك، ثمّ انصرف، فغسّلها عليّ وأسماء.(١)

الطبقات: دُفنت فاطمة بنت رسول الله (ص) ليلاً، ودفنها عليّ.(٢)

وروى بإسناد مختلفة ستّة أحاديث بهذا المضمون.

ويروي أيضاً: سألت ابن عبّاس متى دفنتم فاطمة؟ فقال: دفنّاها بليل بعد هدأةٍ، قال قلت: فمن صلّى عليها؟ قال: علي.(٣)

أقول: يظهر من الروايات أنّ ابن عبّاس ممّن حضر تشييع بنت رسول الله (ص) ودفنها والصلاة عليها. ويعلم من دفنها ليلاً أنّ الدفن قد وقع في سرٍّ وخفاءٍ من الناس، وهذا من جهة انزجار بنت رسول الله (ص) ووصيّتها

____________________

١ - الاستيعاب، ج٤، ص ١٨٩٧.

٢ - الطبقات، ج٨، ص ٢٩.

٣ - نفس المصدر، ص ٣٠.

١٧٧

وعدم رضايتها بحضورهم في جنازتها وصلاتها ودفنها.

وهذا جريان تشييع حبيبة رسول الله وبضعته، وهذه كيفية الصلاة عليها ودفنها، فليقض فيها المحقّق الحرّ بما شاء.

ويروي أيضاً: عن عبد الله بن الحسن، قال: وجدت المغيرة بن عبد الرحمن واقفا ينتظرني بالبقيع نصف النهار في حرّ شديد، فقلت: ما يوقفك يا أبا هاشم ها هنا؟ قال: انتظرتك، بلغني أنّ فاطمة دُفنت في هذا البيت في دار عقيل ممّا يلي دار الجحشيّين فأحبّ أن تبتاعه لي بما بلغ، أدفن فيها؟ فقال عبد الله: والله لأفعلنّ، فجهد بالعقيليين فأبوا، قال عبد الله بن جعفر: وما رأيت أحدا يشكّ أنّ قبرها في ذلك الموضع.

ويروي أيضاً: رواية أخرى قريبة منها.

انساب الأشراف: عن عروة أنّ علياً دفن فاطمة عليها السلام ليلاً، وغسّلها عليّ وأسماء، وبذلك أوصت، ولم يُعلم أبو بكر وعمر بموتها.(١)

مستدرك الحاكم: عن عائشة قالت: دُفنت فاطمة بنت رسول الله (ص) ليلاً دفنها عليّ، ولم يُشعر بها أبو بكر حتى دُفنت وصلّى عليها عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.(٢)

تاريخ الطبري: قال: فهجرت فاطمة أبا بكر فلم تُكلّمه في ذلك حتى ماتت، فدفنها عليّ ليلاً ولم يُؤذن بها أبا بكر.(٣)

أقول: لا ينقضي تأثّري وحزني ما دمت وما دامت السموات والأرض على موت حبيبة رسول الله (ص) وبضعته، وابنته الفريدة المصابة بأبيها، المظلومة من الأمّة، الغريبة بين المسلمين، المدفونة ليلاً، المضطهدة المقهورة.

الله أكبر! ما هذا الحادث الجلل

لقد تزلزل سهل الأرض والجبل

وهذه مصيبة ما أعظمها وفتنة بين المسلمين ما أكبرها؟ جعلت رؤوس

____________________

١ - أنساب الأشراف، ج١، ص ٤٠٥.

٢ - مستدرك الحاكم، ج٣، ص ١٦٢.

٣ - تاريخ الطبري، ج٣، ص ٢٠٢.

١٧٨

المسلمين منخفضة عند الله ورسوله، بل وعند الأجانب والكفّار، فإنّهم لم يحفظوا حرمة رسول الله بعد رحلته، ولم يُراعوا حقوق أهل بيته، فتعساً لهم ثمّ تُعساً.

١٧٩

فتنة:

( أخذ فدك )

الملل والنحل: الخلاف السادس في أمر فدك والتوارث عن النبيّ (ص) ودعوى فاطمة عليه السلام وراثة تارة وتمليكاً أخرى، حتى دُفنت عن ذلك بالرواية المشهورة عن النبيّ عليه السلام:نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه صدقة. (١)

تاريخ الطبري: فلما نزل أهل خيبر على ذلك سألوا رسول الله (ص) أن يُعاملهم بالأموال على النصف، وقالوا: نحن أعلم بها منكم وأعمر لها؟ فصالحهم رسول الله الله (ص) على النصف على أنّا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم. وصالحه أهل فدك على مثل ذلك، فكانت خيبر فيئاً للمسلمين، وكانت فدك خالصة لرسول الله (ص) لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب.(٢)

أقول: قال الله تعالى في سورة الحشر:( وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) . أي الأموال التي أعادها الله وأرجعها وأعطاها رسول الله (ص) من الكفار وأنتم ما أجريتم على تحصيله من خيل ولا ركاب، أي لم تحصّلوه بالقتال والغلبة، بل سلّط الله رسوله عليهم وعلى ما في أيديهم، فالأمر فيه مفوّض إليه يضعه حيث يشاء، ولا يقسّم قسمة الغنائم التي قوتل عليها وأخذت عنوة وقهرا وبالحَرب.

السيرة النبوية: فلمّا فرغ رسول الله (ص) من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك حين بلغهم ما أوقع الله تعالى بأهل خيبر، فبعثوا إلى رسول الله (ص)

____________________

١ - الملل والنحل، ج١، ص ١٧.

٢ - تاريخ الطبري، ج٣، ص ٩٥.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

هذا.. ولسوف نرى أن أحمد أمين المصري يأخذ برأي ابن القفطي هذا. لكنه ينظر فيه إلى خصوص أئمة أهل البيتعليه‌السلام ، كما سيأتي بيانه، وبيان مدى خلطه وفساده في الفصل التالي.

وفيه دلالة على أن الفضل كان مخدوعاً، وعلى أن المأمون لم يكن مخلصاً فيما أقدم عليه..

د ـ : إنه لا بد لنا من الإشارة هنا إلى أن أكثر ثورات العلويين، التي قامت ضد المأمون ـ قبل البيعة للرضاعليه‌السلام طبعاً ـ كانت من بني الحسن، وبالتحديد من أولئك الذين يتخذون نحلة الزيدية، فأراد المأمون أن يقف في وجههم، ويقضي عليهم، وعلى نحلتهم تلك نهائياً، وإلى الأبد، فأقدم على ما أقدم عليه من البيعة للرضاعليه‌السلام بولاية العهد.

هذا.. وقد كانت نحلة الزيدية هذه ـ شائعة في تلك الفترة، وكانت تزداد قوة يوماً عن يوم، وكان للقائمين بها نفوذ واسع، وكلمة مسموعة، حتى إن المهدي قد استوزر يعقوب بن داوود، وهو زيدي، وآخاه، وفوضه جمع أمور الخلافة(١) .

وعلى حد تعبير الشبراوي: (.. فولاه الوزارة، وصارت الأوامر كلها بيديه، واستقل يعقوب حتى حسده جميع أقرانه..)(٢) .

____________

(١) البداية والنهاية ج ١٠ / ١٤٧، وغيره من كتب التاريخ، فراجع فصل: مصدر الخطر على العباسيين.

(٢) الإتحاف بحب الأشراف ص ١١٢.

٢٠١

بل كان: (لا ينفذ للمهدي كتاب إلى عامل، فيجوز، حتى يكتب يعقوب إلى أمينه وثقته بإنفاذه.)(١) .

وقد بلغ من نفوذ يعقوب هذا.. أن قال فيه بشار بن برد أبياته المشهورة، التي قدمناها، والتي يقول فيها: (إن الخليفة يعقوب ابن داوود).

وقد سعي بيعقوب هذا إلى المهدي: وقيل له: (.. إن الشرق والغرب في يد يعقوب، وأصحابه، وإنما يكفيه أن يكتب إليهم ؛ فيثوروا، في يوم واحد، فيأخذوا الدنيا)(٢) .

وذلك لأنه قد: (أرسل يعقوب هذا إلى الزيدية، وأتى بهم من كل أوب، وولاهم من أمور الخلافة في المشرق والمغرب كل جليل، وعمل نفيس، والدنيا كلها في يديه..)(٣) .

وإذا ما عرفنا أن معاوني يعقوب إنما كانوا هم: متفقهة الكوفة، والبصرة، وأهل الشام(٤) .. فإننا نعرف أن الاتجاه الزيدي سوف يؤثر كثيراً، وكثيراً جداً على الثقافة العامة، والاتجاهات الفكرية في ذلك العصر ـ كما حدث ذلك فعلاً.. حتى لقد صرح ابن النديم بأن:

(أكثر علماء المحدثين إلا قليلاً منهم، وكذلك قوم من الفقهاء، مثل: سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة كانوا من الشيعة الزيدية.)(٥) وقد صرح المؤرخون أيضاً: بأن أصحاب الحديث جميعهم، قد

____________

(١) الطبري ج ١٠ / ٤٨٦، والكامل لابن الأثير ج ٥ / ٦٠، ومرآة الجنان ج ١ / ٤١٨.

(٢) الكامل لابن الأثير ج ٥ / ٦٦، ٦٧.

(٣) الطبري ج ١٠ / ٥٠٨، طبع ليدن، والوزراء والكتاب للجهشياري ص ١٥٨، والكامل لابن الأثير ج ٥ / ٦٦.

(٤) الطبري، طبع ليدن ج ١٠ / ٤٨٦.

(٥) الفهرست لابن النديم ص ٢٥٣.

٢٠٢

خرجوا مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، أو أفتوا بالخروج معه(١) .

وعلى كل حال.. فإن ما يهمنا بيانه هنا: هو أن المأمون كان يريد

____________

(١) مقاتل الطالبيين ص ٣٧٧، وغيرها من الصفحات، وغيرها من الكتب. ويرى بعض أهل التحقيق: أن المقصود هو جميع أصحاب الحديث في الكوفة. ولكن الظاهر أن المراد: الجميع مطلقاً، كما يظهر من مراجعة مقاتل الطالبيين وغيره.

والأمر الذي تجدر الإشارة إليه هنا: هو أن فرقة من الزيدية، وفرقة من أصحاب الحديث، قد قالوا بالإمامة على النحو الذي يقول به الشيعة الإمامية، عندما جعل المأمون (الرضا)عليه‌السلام ولياً لعهده. لكنهم بعد وفاة الرضاعليه‌السلام رجعوا عن ذلك: قال النوبختي في فرق الشيعة ص ٨٦:

(.. وفرقة منهم تسمى (المحدثة) كانوا من أهل الإرجاء، وأصحاب الحديث، فدخلوا في القول بإمامة موسى بن جعفر، وبعده بإمامة علي بن موسى، وصاروا شيعة، رغبة في الدنيا وتصنعاً. فلما توفي علي بن موسىعليه‌السلام رجعوا إلى ما كانوا عليه.

وفرقة كانت من الزيدية الأقوياء، والبصراء، فدخلوا في إمامة علي بن موسىعليه‌السلام ، عندما أظهر المأمون فضله، وعقد بيعته، تصنعاً للدنيا، واستكانوا الناس بذلك دهراً. فلما توفي علي بن موسىعليه‌السلام رجعوا إلى قومهم من الزيدية.) وقد تقدم قول الشيبي: إنه قد التف حول الرضاعليه‌السلام (المرجئة، وأهل الحديث، والزيدية، ثم عادوا إلى مذاهبهم بعد موته..) وغير ذلك. والذي نريد أن نقوله هنا هو: أن (الإرجاء دين الملوك) على حد تعبير المأمون (على ما نقله عنه في ضحى الإسلام ج ٣ / ٣٢٦)، نقلاً عن طيفور في تاريخ بغداد.

وفي البداية والنهاية ج ١٠ / ٢٧٦: أن المأمون قال للنضر بن شميل: ما الإرجاء؟. قال: (دين يوافق الملوك، يصيبون به من دنياهم، وينقصون به من دينهم) قال: صدقت الخ. وليراجع كتاب بغداد ص ٥١، وعمدة القول بالإرجاء (القديم) هو: المغالاة في الشيخين، والتوقف في الصهرين، فالإرجاء والتشيع، وخصوصاً القول بإمامة موسى بن جعفر، وولده علي الرضا على طرفي نقيض ومن هنا كانت المساجلة الشعرية بين المأمون المظهر لحب علي وولده، وابن شكلة المرجي، يقول المأمون معرضا بابن شكلة:

إذا المرجي سرك أن تراه

يموت لحينه من قبل موته

فـجدد عـنده ذكرى علي

وصل على النبي وآل بيته

أما ابن شكلة فيقول معرضاً بالمأمون:

إذا الشيعي جمجم في مقال

فسرك أن يبوح بذات نفسه

فصل على النبي وصاحبيه

وزيـريه وجاريه برمسه

٢٠٣

= راجع: مروج الذهب ج ٣ / ٤١٧، والكنى والألقاب ج ١ / ٣٣١، وبعد هذا. فإنه لمن غرائب الأمور حقاً، الانتقال دفعة واحدة من القول بالإرجاء إلى التشيع، بل إلى الرفض (وهو الغلو في التشيع حسب مصطلحهم، والذي يتمثل بالقول بإمامة الأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام ) وأغرب من ذلك العودة إلى الإرجاء بعد موت علي الرضاعليه‌السلام .

وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على مدى تأثير السياسة والمال في هؤلاء الذين أخذوا على عاتقهم ـ بادعائهم ـ مسؤولية الحفاظ على الدين والذود عن العقيدة، فإنهم كانوا في غاية الانحطاط الديني، يتلونون ـ طمعاً بالمال والشهرة ـ ألواناً، حتى إن ذلك يحملهم على القول بعقيدة، ثم القول بضدها، ثم الرجوع إلى المقالة الأولى، إذا رأوا أن الحاكم يرغب في ذلك، ويميل إليه، ولهذا أسموا بـ‍ (الحشوية) يعني: أتباع وحشو الملوك، وأذناب كل من غلب، ويقال لهم أيضاً (وهم في الحقيقة أهل الحديث): (الحشوية، والنابتة، والغثاء، والغثر) على ما في كتاب: تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص ٨٠.

وراجع أيضاً فرق الشيعة، ورسالة الجاحظ في بني أمية، وغير ذلك.

بل لقد أطلق عليهم المأمون نفسه لفظ (الحشوية) في مناقشته المشهورة للفقهاء والعلماء المذكور في العقد الفريد والبحار، وعيون أخبار الرضا وغير ذلك. وقال عنهم الزمخشري في مقام استعراضه للمذاهب والنحل، ومعتنقيها:

وإن قلت من أهل الحديث وحزبه

يـقولون تيس ليس يدري ويفهم

ويقابل كلمة (الحشوية) كلمة (الرافضة) التي شاع إطلاقها على الشيعة الإمامية.

ومعناها في الأصل: جند تركوا قائدهم. فحيث إن الشيعة لم يكونوا قائلين بإمامة أولئك المتغلبين، سموهم ب‍ـ (الرافضة) ولذا جاء في تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٦١: أن معاوية كتب إلى عمرو بن العاص:

 (أما بعد. فإنه قد كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك، فقد سقط إلينا مروان في رافضة أهل البصرة الخ..). ومثل ذلك ما في وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص ٣٤، فالمراد بكلمة رافضة هنا هو ذلك المعنى اللغوي الذي أشرنا إليه، فسمي الشيعة بالرافضة، لأنهم ـ كما قلنا ـ رفضوا الانقياد لأولئك الحكام المتغلبين.

٢٠٤

= يقول السيد الحميري على ما جاء في ديوانه وغيره ـ يهجو البعض:

أبـوك ابن سارق عنز النبي

وأمـك بـنت أبـي جحدر

ونحن على رغمك الرافضون

لأهـل الـضلالة والـمنكر

ولكن قد جاء في الطبري، مطبعة الاستقامة ج ٦ ص ٤٩٨، والبداية والنهاية ج ٩ ص ٣٣٠، ومقدمة ابن خلدون ص ١٩٨، ومقالات الإسلاميين ج ١ ص ١٣٠، وغاية الاختصار ص ١٣٤: أن سبب تسمية الشيعة بـ‍ (الرافضة) هو أنهم عندما تركوا نصرة زيد بن علي في سنة ١٢٢ ه‍. قال لهم زيد: رفضتموني، رفضكم الله، وهذا كذب راج على بعض الشيعة أيضاً حيث ذكروا وذكر الطبري في نفس الصفحة المشار إليها آنفاً: أن التسمية كانت من المغيرة بن سعيد، لما رفضته الشيعة.. وكانت قضيته سنة ١١٩ ه‍.

ولكن الحقيقة هي أن التسمية بالرافضة كانت قبل سنتي ١٢٢ ه‍ و ١١٩ ه‍. فقد جاء في المحاسن للبرقي ص ١١٩ طبع النجف، باب الرافضة: أن الشيعة كانوا يشكون إلى الباقر المتوفى سنة ١١٤ أن الولاة قد استحلوا دماءهم وأموالهم باسم: (الرافضة) الخ.

وجاء في ميزان الاعتدال طبع سنة ١٩٦٣ م. ج ٢ ص ٥٨٤ بعد ذكره لإسناد طويل أن الشعبي المتوفى سنة ١٠٤ ه‍. قال لأحدهم: (ائتني بشيعي صغير، أخرج لك منه رافضياً كبيراً).

وفي كتاب: روض الأخبار المنتخب من ربيع الأبرار ص ٤٠، أن الشعبي قال: (أحبب آل محمد ولا تكن رافضياً، وأثبت وعيد الله، ولا تكن مرجئياً.). بل لدينا ما يدل على أن تسمية الشيعة بـ‍ (الرافضة) كان قبل سنة المئة، فقد جاء في المحاسن والمساوي للبيهقي ص ٢١٢، طبع دار صادر وأمالي السيد المرتضى ج ١ ص ٦٨ هامش: أن لما أنشد الفرزدق أبياته المشهورة في الإمام زين العابدين، المتوفى سنة ٩٥ ه‍ قال عبد الملك بن مروان المتوفى سنة ٨٦ ه‍ للفرزدق: (أرافضي أنت يا فرزدق؟!). وعلى كل حال: فإن ذلك كله قد كان قبل قضيتي زيد والمغيرة ابن سعيد بزمان بعيد.

٢٠٥

أن يقضي على الزيدية، ويكسر شوكتهم بالبيعة للإمام الرضاعليه‌السلام بولاية العهد، ولهذا نرى أنه قد طبق اللقب، الذي طالما دعا إليه الزيدية، واعترف به العباسيون، بل ودعوا إليه في بدء دعوتهم ودولتهم، ألا وهو لقب: (الرضا من آل محمد)، طبقه على علي ابن موسىعليه‌السلام ، فسماه: (الرضا من آل محمد)(١) . فأصبحت بذلك حجته قوية على الزيدية، بل لم يعد لهم حجة أصلاً. وأصبح يستطيع أن ينام قرير العين، إذ قد أصبح (الرضا من آل محمد) موجوداً، فالدعوة إلى غيره ستكون لا معنى لها البتة. ولسوف تكون مرفوضة من الناس جملة وتفصيلا. وكان ذلك بطبيعة الحال السبب الرئيسي في إضعاف الزيدية، وكسر شوكتهم، وشل حركتهم.

والذي ساهم إلى حد كبير في إضعافهم، وشل حركتهم، هو اختياره الإمامعليه‌السلام بالذات، حيث إنه الرجل الذي لا يمكن لأحد كائناً من كان أن ينكر فضله، وعلمه، وتقواه، وسائر صفاته ومزاياه، التي لم تكن لأحد في زمانه على الإطلاق، فليس لهم بعد طريق للاعتراض عليه: بأن الذي اختاره لولاية عهده، والخلافة من بعده، ليس أهلاً لما أهله له. ولو أنهم ادعوا ذلك لما صدقهم أحد، ولكانت الدائرة حينئذ في ذلك عليهم، والخسران لهم دون غيرهم.

____________

(١) راجع: الفخري في الآداب السلطانية، ص ٢١٧، وضحى الإسلام ج ٣ ص ٢٩٤، والبداية والنهاية ج ١٠ ص ٢٤٧، والطبري، وابن الأثير، والقلقشندي وأبو الفرج. والمفيد وكل من تعرض من المؤرخين لولاية العهد. بل لقد صرح نفس المأمون بذلك في وثيقة ولاية العهد، وهذا يكفي في المقام.. ولقد قال دعبل:

أيا عجباً منهم يسمونك الرضا

ويـلقاك منهم كلحة وغضون

وهناك نصوص أخرى مفادها: أنه سمي الرضا، لرضا أعدائه، وأوليائه به، وعزى الشيبي في كتابه: الصلة بين التصوف والتشيع ص ١٣٨: عزا رضا أعدائه به إلى قوة شخصيتهعليه‌السلام .. أما نحن فنقول: إنه ليس من اليسير أبداً، أن تنال شخصية رضا كل أحد، حتى أعدائها. اللهم إلا إذا كان هناك سر إلهي، اختصت به تلك الشخصية، دون غيرها من سائر بني الإنسان..

٢٠٦

فذلكة لا بد منها:

هذا.. ولا يسعنا هنا إلا أن نشير إلى أن المأمون، لم يخترع أسلوباً جديداً للتصدي للزيدية، والحد من نفوذهم، وكسر شوكتهم، ببيعته للرضاعليه‌السلام ، إذ أنه كان قد استوحى هذه الفكرة من سلفة المهدي، الذي كان قد استوزر يعقوب بن داوود الزيدي، ليحد من نشاط الزيدية، ويكسر شوكتهم. وكان قد نجح في ذلك إلى حد ما: إذ لا يحدثنا التاريخ عن تحركات زيدية خطيرة ضد المهدي، بعد استيزاره ليعقوب، وتقريبه للزيدية، كتلك الأحداث التي حدثت ضد المنصور، وخصوصاً ثورة محمد وإبراهيم ابني عبد الله. كما يلاحظ أن تقريب العباسيين للزيدية في عصر المهدي، وتسليطهم على شؤون الدولة وإداراتها، لم يؤثر في الوضع العام أثراً يخشاه العباسيون، وذلك بلا شك مما يشجع المأمون على الإقدام على ما كان قد عقد العزم عليه، بجنان ثابت وإرادة راسخة.

يضاف إلى ذلك: أن سهولة إبعاد العباسيين لهم عن مراكز القوة، ومناصب الحكم على يد المهدي نفسه، الذي نكب يعقوب بن داوود، الوزير الزيدي، حيث لم تصاحبه ردة فعل، ولا نتج عنه أية حادثة تذكر ضد العباسيين، لا حقيرة، ولا خطيرة.. هو الذي شجع المأمون على أن يستوحي نفس الفكرة، ويلعب نفس اللعبة، ويتبع نفس طريقة المهدي. في مواجهتهم، وكسر شوكتهم، بالبيعة للرضاعليه‌السلام بولاية العهد بعده. وعلى كل حال، فإن هذا أسلوب قديم اتبعه العباسيون في دعوتهم الأولى أيضاً، حيث بايعوا للعلويين، وأظهروا أن الدعوة لهم وباسمهم..

ثم كانت النتيجة هي ما يعلمه كل أحد، حيث انقلبوا عليهم يوسعونهم قتلاً وعسفاً، وتشريداً عندما خافوهم. فلم يعودوا بحاجة إليهم.

ه‍ ـ : أضف إلى ذلك ما تقدم أن المأمون كان يعلم قبل أي شخص آخر بطبيعة العلاقات التي كانت قائمة بين الأئمةعليهم‌السلام ، وبين الزيدية، حيث إنها كانت على درجة من السوء والتدهور. وكان عدم التفاهم، والانسجام فيما بينهم واضحاً للعيان..

٢٠٧

حتى لقد شكى الأئمةعليهم‌السلام منهم، وصرحوا: بأن الناس قد نصبوا العداوة لشيعتهم، أما الزيدية فقد نصبوا العداوة لهم أنفسهم(١) ، وفي الكافي رواية مفادها: إنه عليه‌السلام قال إنهم قبل أن يصلوا إلى الحكم كانوا لا يطيعونهم فكيف تكون حالهم معهم لو أنهم وصلوا إلى الحكم وتبوءوا كرسي الرئاسة.

وقد رأينا: أن عبد الله بن الحسن، عندما جاء يعرض على الإمام الصادقعليه‌السلام كتاب أبي سلمة، الذي يدعوه فيه للقدوم إلى الكوفة، لتكون الدعوة له، وباسمه، فنهاه الإمامعليه‌السلام عن ذلك ـ رأيناه ـ ينازع الإمام الصادق الكلام، حتى قال له:

____________

(١) راجع: الوافي للفيض ج ١ ص ١٤٣، باب: الناصب ومجالسته.

هذا. ولا يمنع ذلك ما ورد عنهم عليهم‌السلام من أن خروج الزيدية وغيرهم على الحكام يدرؤا به عنهم، وعن شيعتهم: فقد جاء في السرائر قسم المستطرفات ص ٤٧٦ أنه: (ذكر بين يدي أبي عبد الله من خرج من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال عليه‌السلام : ((لا أزال أنا وشيعتي بخير ما خرج الخارجي من آل محمد ..)) إلخ وذلك لأن اصطدامهم مع الحكام كان يصرف أنظار الحكام إليهم، ويفسح المجال أمام أهل البيت وشيعتهم إلى حد ما. ولم يكن هناك مجال لاتهام الأئمة وشيعتهم بالتواطؤ معهم، مع ما كان يراه الحكام من عدم الانسجام الظاهر بين الأئمة وبين الزيدية، وغيرهم من الثائرين وسلبية كل فريق منهما تجاه الآخر..

وأخيراً.. فلا بد لنا هنا من الإشارة إلى أن ثورات العلويين، سواء على الحكم الأموي، أو الحكم العباسي، قد ساهمت في أن يبقى حق العلويين في الحكم متحفظاً بقوته وحيويته في ضمير الأمة، ووجدانها. ولم تؤثر عليه حملات القمع والتضليل، التي كان الحكم القائم آنذاك يمارسها ضدهم، وضد هذا الحق الثابت لأهل البيتعليهم‌السلام بالنص.

٢٠٨

(والله، ما يمنعك من ذلك إلا الحسد) إلخ وقد انصرف عبد الله آخر الأمر مغضباً(١) .

ورأينا أيضاً أنه في موقف آخر له مع الإمام الصادقعليه‌السلام يتهمه بنفس هذه التهمة، ويصمه بعين هذه الوصمة، وذلك عندما أرادوا البيعة لولده محمد، وأبدى الإمامعليه‌السلام رأيه في ذلك. ذلك الرأي الذي كشفت الأيام عن صحته وسداده(٢) .

بل لقد كان عيسى بن زيد يقول لمحمد بن عبد الله: (.. من خالفك من آل أبي طالب، فأمكني أضرب عنقه.)(٣) وقد تجرأ عيسى هذا أيضاً على الإمام الصادق بكلام لا نحب ذكره.

وأما موقف محمد بن عبد الله نفسه مع الإمام الصادقعليه‌السلام ، فأشهر من أن يذكر، حيث إنه سجن الإمامعليه‌السلام ، واستصفى أمواله، وأسمعه كلاماً قاسياً، لا يليق بمقام الإمام وسنه(٤) .

إلى آخر ما هنالك مما يدل على كرههم، وحقدهم على الأئمةعليهم‌السلام . أو بالأحرى حسدهم لهم..

____________

(١) راجع: مروج الذهب ج ٣ ص ٣٥٤، ٣٥٥، وغيره من المصادر.

(٢) الصواعق المحرقة ص ١٢١، وينابيع المودة للحنفي ص ٣٣٢، ٣٦١، ومقاتل الطالبيين ص ٢٥٥، ٢٥٦، ٢٧٠، وغير ذلك.. وفي هذا الأخير: أن عبد الله ابن الحسن لم يرض باستدعاء الإمام، ولا وافق عليه، عندما أرادوا البيعة لولده محمد، وبعد أن أقنعوه، وحضر الإمام، جرى بينهما ما جرى.

(٣) قاموس الرجال ج ٧ ص ٢٧٠.

(٤) قاموس الرجال ج ٧ ص ٢٧٠، و ج ٨ ص ٢٤٢، ٢٤٣ والبحار ج ٤٧ ص ٢٨٤، ٢٥٨.

٢٠٩

والمأمون.. كان يعلم بذلك كله، ويدركه كل الإدراك، ولهذا فإننا لا نستبعد أنه ـ وهو الداهية الدهياء ـ قد أراد أيضاً في جملة ما أراد: أن يوقع الفتنة بين آل علي أنفسهم. أي: بين الأئمة، والمتشيعين لهم، وبين الزيدية، ويقف هو في موقف المتفرج المتربص حتى إذا أضعف كل واحد من الفريقين الفريق الآخر، ولم يعد فيهما بقية.. انقض هو عليهما، وقضى عليهما بأهون سبيل.

بل إن بعض الباحثين يرى: أنه أراد من لعبته هذه: (.. ضرباً للثائرين العلويين من إخوة علي بن موسى بأخيهم.)(١) .

ولو أننا استبعدنا كل ذلك، فلا أقل ـ كما قلنا ـ من أن حجته أصبحت قوية على الزيدية، وعلى كل من يدعو إلى (الرضا من آل محمد)، ولم يعد يخشى أحداً منهم، بعد أن أصبح (الرضا من آل محمد) موجوداً.

الهدف التاسع:

كما أنه ببيعته للإمام الرضاعليه‌السلام بولاية العهد، وقبول الإمامعليه‌السلام بذلك.. يكون قد حصل على اعتراف من العلويين، على أعلى مستوى بشرعية الخلافة العباسية، ولقد صرح المأمون بأن ذلك، كان من جملة أهدافه، حيث قال: (.. فأردنا أن نجعله ولي عهدنا، ليكون دعاؤه لنا، وليعترف بالملك والخلافة لنا..) وسنتكلم حول تصريحات المأمون هذه بنوع من التفصيل في فصل: مع بعض خطط المأمون، وغيره إن شاء الله تعالى.

نعود إلى القول: إن تصريح المأمون هذا يعطينا: أن قبول الإمام بأن يكون ولي عهد المأمون، إنما يعني بالنسبة للمأمون: أن الإمام يكون قد أقر بأن الخلافة ليست له دون غيره، ولا في العلويين دون غيرهم، وأنه كما يمكن أن يكون هو جديراً بها، وأهلا لها، وكذلك غيره يمكن أن يكون كذلك. وليتمكن المأمون بذلك من محاربة العلويين بنفس السلاح الذي بأيديهم، وليصير ـ من ثم ـ من الصعب استجابة الناس لهم، إذا دعوا لأية ثورة ضد حكم اعترفوا هم بشرعيته، وأيدوه، وتعاونوا معه من قبل، وعلى أعلى مستوى ومن أعظم شخصية فيهم.

____________

(١) هو الدكتور كامل مصطفى الشيبي في كتابه: الصلاة بين التصوف والتشيع ص ٢١٩.

٢١٠

بل لقد كان يريد أن يحصل من العلويين على اعتراف بأن الحكم حق للعباسيين فقط. أما هم، فليس لهم فيه أدنى نصيب، وما فعله المأمون من إسناد ولاية العهد لواحد منهم، ما كان إلا تفضلاً وكرماً، ومن أجل أن يجمع شمل البيتين العلوي والعباسي، وتصفو القلوب ويمحو ما كان من أمر الرشيد وغيره من أسلافه مع العلويين.

ولقد حاول المأمون أن ينتزع من الإمام اعترافا بأن الخلافة حق للعباسيين، شفاهاً أيضاً فكانت النتيجة عكس ما أراد المأمون، وذلك عندما عرض بالمن على الإمام بأن جعله ولي عهده، فأجابه الإمامعليه‌السلام : بأن هذا الأمر لم يزده في النعمة شيئاً، وأنه وهو في المدينة كانت كتبه تنفذ في المشرق والمغرب.

كما أن المأمون قد قال لحميد بن مهران، وجمع من العباسيين: (.. وليعتقد فيه المفتونون به، بأنه ليس مما ادعى في قليل، ولا كثير، وأن هذا الأمر لنا دونه.) ولسوف يأتي الكلام عن هذه التصريحات إن شاء الله كما قلنا.

وبعد.. فإنه لا يكون من المبالغة في شيء لو قلنا: إن حصول المأمون على اعتراف من العلويين، ومن الإمام الرضاعليه‌السلام خاصة، بشرعية خلافته، وخلافة، بني أبيه أخطر على العلويين من الأسلوب الذي انتهجه أسلافه من أمويين وعباسيين ضدهم،: من قتلهم، وتشريدهم، وسلب أموالهم، إلى غير ذلك مما هو معروف ومشهور.

الهدف العاشر:

يضاف إلى ذلك، أنه يكون قد حصل على اعتراف ضمني من الإمام بشرعية تصرفاته، طيلة فترة ولاية العهد، وليعطي الناس ـ من ثم ـ الصورة التي يريدها عن الحكم والحاكم، وليؤكد للملأ أجمع: أن الحاكم هذا هو سلوكه، وهذه هي تصرفاته: من كان، ومهما كان، وإذن فليس لهم بعد حق في أن يتطلعوا إلى حكومة أحد على أن بها شيئاً جديداً، ولا أن ينظروا إلى جهة على أنها يمكن أن يكون بها المنقذ لهم، والمخرج من الظلمات إلى النور، حتى ولو كانت تلك الجهة هي آل بيت نبيهم، فإنه من الطبيعي أن يتبع السياسيون أساليب، ويتكلموا بأشياء كثيرة، ينسبونها بمجرد وصولهم إلى الحكم، وتسلمهم لازمة السلطة، فإن تلك لا تعدو كونها تكتيكات، ووعودا انتخابية، يحتاجون إليها في ظروف معينة، ثم يستغنون عنها.. كما كانت الحال في وعود المأمون، التي أشرنا إليها فيما تقدم.

٢١١

وهكذا.. فيكون سكوت الإمام في فترة ولاية العهد، عن تصرفات الهيئة الحاكمة، دالا على رضاه بها، ويعتبر إمضاء لها.. وبعد هذا.

فلا يجب أن يكون من العسير على الناس أن يتصوروا طبيعة وماهية حكم الإمام، وكل من يقدر له أن يصل الحكم والسلطان، سواء من العلويين، أو من غيرهم.

وإذا كانت الصورة واحدة، والجوهر واحد، والاختلاف إنما هو فقط في الاسم والعنوان، فليس لهم بعد حق، أو على الأقل ما الداعي لهم، لأن يطلبوا حكماً أفضل، أو حكاماً أعدل، فإنه طلب لغير موجود، وسعي وراء مفقود.

الهدف الحادي عشر:

هذا.. وبعد أن يكون المأمون قد حصل على كل ما قدمناه، وحقن دماء العباسيين، واستوثقت له الممالك، ولم يعد هناك ما يعكر صفو حياته(١) ، وقوي مركزه، وارتفع بالخلافة من الحضيض المهين، الذي أوصلها إليه أسلافه إلى أوج العظمة، والتمكن والمجد. وأعطاها من القوة والمنعة، ووهبها من الحياة في ضمير الأمة ووجدانها ما هي بأمس الحاجة إليه.. ولتتمكن من ثم من الصمود في وجه أية عاصفة، وإخماد أية ثورة، ومقاومة كل الأنواء، وذلك هو حلمه الكبير، الذي طالما جهد في تحقيقه إنه بعد أن يكون قد حصل على كل ذلك وسواه مما قدمناه:

____________

(١) لقد صرح الذهبي في الجزء الأول من كتابه (العبر) بأنه في سنة ٢٠٠ ه‍. استوثقت الممالك للمأمون. وهذه هي نفس السنة التي أتي فيها بالإمامعليه‌السلام من المدينة إلى مرو.. ولكن اليافعي في مرآة الجنان ج ٢ ص ٨: قد جعل ذلك في سنة ٢٠٣: أي في السنة التي تخلص فيها المأمون من الإمام الرضاعليه‌السلام بواسطة السم الذي دسه إليه.. وفي اليعقوبي ج ٢ ص ٤٥٢ طبع صادر: أنه في السنة التي غادر فيها المأمون خراسان: (لم تبق ناحية من نواحي خراسان يخاف خلافها).

٢١٢

يكون قد أفسح لنظام حكمه المجال ـ تلقائيا ـ لتصفية حساباته مع خصومه، أياً كانوا. وبأي وسيلة كانت، وبهدوء، وراحة فكر واطمئنان إن اقتضى الأمر ذلك.

كما أنه يكون قد مهد الطريق لتنفيذ الجزء الثاني ـ ولعله الأهم ـ من خطته الجهنمية، بعيداً عن الشبهات، ودون أن يتعرض لتهمة أحد، أو شك من أحد..

ألا وهو: القضاء على العلويين بالقضاء على أعظم شخصية فيهم. وليكون بذلك قد قضى نهائياً، وإلى الأبد، على أكبر مصدر للخطر، يمكن أن يتهدده، ويتهدد خلافته ومركزه.

إنه يريد زعزعة ثقة الناس بهم، واستئصال تعاطفهم معهم، وليحوله ـ إن استطاع ـ إلى كره ومقت، بالطرق التي لا تمس العواطف والمشاعر، ولا تثير الكثير من الشكوك والشبهات.

يظهر ذلك في محاولاته إسقاط الإمام إجتماعياً، والوضع منه قليلاً قليلاً، حتى يصوره أمام الرعية بصورة من لا يستحق لهذا الأمر، وليدبر فيه في نهاية الأمر بما يحسم عنه مواد بلائه.. كما صرح لحميد بن مهران، وجمع من العباسيين، وسنتكلم بنوع من التفصيل عن محاولات المأمون هذه، التي باءت كلها بالفشل الذريع، وعادت عليه بالخسران، لأن الإمامعليه‌السلام كان قد أحبطها عليه، بل لقد كان لها من النتائج العكسية بالنسبة إليه ما جعله يتعجل بتصفية الإمام جسديا، بعد أن أشرف هو منهعليه‌السلام على الهلاك.. بالطريقة التي حسب أنها سوف لا تثير الكثير من الشكوك والشبهات.

ملاحظة لا بد منها:

ومن الأمور الجديرة بالملاحظة هنا: أن المأمون كان يقدر أن مجرد جعل ولاية العهد للإمام، سوف يكون كافيا لتحطيمه إجتماعياً، وإسقاطه نهائياً من أعين الناس، حيث يظهر لهم بالعمل ـ لا بالقول: أن الإمام رجل دنيا فقط، وأن تظاهره بالزهد والتقوى ما هو إلا طلاء زائف، لا واقع له، ولا حقيقة وراءه. ولسوف تكون النتيجة هي تشويه سمعة الإمامعليه‌السلام ، وزعزعة ثقة الناس به، وذلك بسبب الفارق الكبير بالسن، بين الخليفة الفعلي، وبين ولي عهده، إذ إن ولي العهد لا يكبر الخليفة الفعلي بسنتين، أو ثلاثة، أو خمسة، لا.. بل أكثر من ذلك بكثير، إنه يكبره بـ‍(٢٢) سنة،

٢١٣

وإنه لمن الأمور غير الطبيعية أبداً: أن يقبل ولاية العهد، وهو يكبر الخليفة الفعلي بهذا المقدار الكبير من السنين، ولسوف يكون قبوله لها ـ مع هذا الفارق بينهما ـ موجبا لجعله عرضة لشكوك الناس، وظنونهم، ولسوف يتسبب بوضع علامات استفهام كبيرة حوله.. كما كان الحال، بالنسبة لسؤال محمد بن عرفة، وكلام الريان المتقدم.. ولسوف يفسر(١) ذلك من أولئك الذين لا يدركون حقيقة ما يجري، وما يحدث، ـ وما أكثرهم ـ بتفسيرات تنسجم مع رغائب المأمون، وأهدافه. لأنهم سوف يرون أن زهدهعليه‌السلام بالدنيا، ليس إلا ستاراً تختفي وراءه مطامعه فيها، وحبه المستميت لها، حتى إنه ليطمع أن يعيش إلى ما بعد الخليفة الفعلي، الذي هو أصغر من ولده، ويصل إلى الحكم.. وباختصار نقول:

إنه يريد أن: (.. يعتقد فيه المفتونون به بأنه: ليس ما ادعى في قليل ولا كثير.) حسبما صرح به هو نفسه.. وعلى حد قول الإمام نفسه، الذي كان يدرك خطة المأمون هذه: (.. أن يقول الناس: إن علي بن موسى، لم يزهد في الدنيا، بل زهدت الدنيا فيه، ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعا بالخلافة؟!.). كما سيأتي.

____________

(١) ولكنا، مع ذلك نجد: أن قسما من أصحاب الرضاعليه‌السلام ، ممن كانوا يراقبون الأحداث بوعي ودراية، كانوا يدركون نوايا المأمون وأهدافه هذه ففي البحار ج ٤٩ ص ٢٩٠، وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٣٩: أنه قد سئل أبو الصلت: (كيف طابت نفس المأمون بقتل الرضا مع إكرامه ومحبته له، وما جعل له من ولاية العهد بعده؟! فقال: إن المأمون كان يكرمه ويحبه لمعرفته بفضله، وجعل له ولاية العهد من بعده، ليري الناس أنه راغب في الدنيا، فلما لم يظهر منه إلا ما ازداد به فضلاً عندهم، ومحلاً في نفوسهم، جلب عليه إلخ.).

٢١٤

وعن الريان قال: دخلت على الرضا، فقلت: يا ابن رسول الله، إن الناس يقولون: إنك قبلت ولاية العهد، مع إظهارك الزهد في الدنيا؟!، فقالعليه‌السلام :((قد علم الله كراهتي..)) (١) وقد أشرنا إلى سؤال محمد بن عرفة، وكلام الريان فيما تقدم.

وعلى أي شيء يبكي المأمون، ومن أجل أي شيء يشقى ويتعب، ويسهر الليالي، ويتحمل المشاق.. إلا على هذا.. إن هذا هو أجل أمنياته وأغلاها.

سؤال وجوابه:

قد يدور بخلد القارئ أن ما ذكرناه هنا: فيما يتعلق بالفارق الكبير بالسن، ينافي ما تقدم من أن المأمون كان يريد الحصول على قاعدة شعبية، والارتفاع بالخلافة من الحضيض الخ.

ولكن الحقيقة هي:

أنه لا منافاة هناك.. ويمكن للمأمون أن يقصد كل ذلك من البيعة، لأن مقدار التفاوت بالسن بين الإمامعليه‌السلام والمأمون، لم يكن مما يعرفه الكثيرون، ولا مما يلتفت إليه عوام الناس في بادئ الأمر، لأنهم يأخذون الأمور على ظواهرها، ولا يتنبهون إلى مثل ذلك، إلا بعد تنبيه وتذكير، فللوهلة الأولى تجوز عليهم الخدعة، ويقدرون خطوة المأمون هذه، وتنتعش الآمال في نفوسهم بالحياة الهنيئة السعيدة، تحت ظلم حكم بدا أنه يتخذ العدل ديدنا، والإنصاف طريقة..

____________

(١) علل الشرايع ص ٢٣٨، والبحار ج ٤٩ ص ١٣٠، وأمالي الصدوق ص ٤٤، ٤٥.

٢١٥

ثم.. وبعد أن يجند المأمون أجهزة إعلامه، من أجل تسميم الأفكار، يجد أن نفوس الناس مهيأة ومستعدة لتقبل ما يلقى إليها. ويكون لديه ـ باعتقاده ـ من الحجج ما يكفي لإسقاط الإمام، وزعزعة ثقة الناس به. ولا يؤثر ذلك بعد ذلك على الحكم، فإن الحكم يكون قد استنفذ أغراضه من البيعة. وحصل على ما يريد الحصول عليه منها.. هذا ولا بد لنا هنا من ملاحظة أن المأمون وأجهزة إعلامه كانوا في مقابل وصم الإمام بالرغبة بالدنيا والتفاني في سبيلها.. يشيعون بين الناس عن المأمون عكس ذلك تمام، فيطلب المأمون من وزيره أن يشيع عنه الزهد، والورع والتقوى(١) .. وأنه لا يريد مما أقدم عليه الأخير الأمة ومصلحتها، حيث قد اختار لولاية عهده أفضل رجل قدر عليه، رغم أن ذلك الرجل هو من ذلك البيت الذي لا يجهل أحد موقفه من حكم العباسيين، وموقف العباسيين منه كما يتضح ذلك من وثيقة ولاية العهد، وغيرها.

رأي الناس فيمن يتصدى للحكم:

لعل من الواضح أن كثيراً من الناس كانوا يرون ـ في تلك الفترة من الزمن ـ لقصر نظرهم، وقلة معرفتهم: أن هناك منافاة بين الزهد والورع، والتقوى، وبين المنصب، وأنهما لا يتفقان، ولا يجتمعان.

____________

(١) تاريخ التمدن الإسلامي ج ٤ ص ٢٦١.

٢١٦

وقد رأينا الكثيرين يمتنعون على تولي المناصب للحكام، لما يرونه من المنافاة المشار إليها.

ولعل سر فهمهم هذا: هو أنهم كانوا قد اعتادوا من الحكام التجاوز على الحقوق، والدماء، والأموال، وعلى أحكام الدين، والنواميس الإنسانية، بشكل عام. والزهد والورع لا يتلائم مع ذلك كله، ولا ينسجم معه.

ولكن الحقيقة هي: أن لا منافاة بينهما أبداً، فإن الحكم إذا كان وسيلة لإيصال الخير إلى الآخرين، ورفع الظلم عنهم، وإشاعة العدل، إقامة شريعة الله تعالى، فيجب السعي إليه، والعمل من أجله، وفي سبيله.. بل إذا لزم من ترك السعي إليه، تضييع الحقوق، وانهيار صرح العدل، والخروج على أحكام الدين، فإن ترك السعي هذا، يكون هو المنافي للزهد والورع والتقوى..

ولقد قاد النبيعليه‌السلام الأمة، وقبله قادها سليمان بن داوود، وغيره، وبعده الإمام علي بن أبي طالب، وولده الحسن، ثم الحسين، وهكذا..

وحال هؤلاء في الزهد والورع، لا يحتاج إلى مزيد بيان، وإقامة برهان، بل لم يكن على ظهرها أزهد، ولا أتقى، ولا أفضل، ولا أورع منهم، عدوهم يعرف منهم ذلك تماماً كما يعرفه منهم صديقهم. فعدا عن الأنبياء الذين كانوا القمة في الورع والزهد والتقوى، نرى الإمام عليعليه‌السلام قمة في ذلك أيضاً، وقد رقع مدرعته حتى استحيا من راقعها، وكان راقعها هو ولده (الإمام الحسنعليه‌السلام )(١) . وكان يصلي في بيت المال ركعتين شكراً لله، بعد فراغ المال منه. وكان يقول:((إليك عني يا دنيا غري غيري، أبي تعرضت؟!..)) الخ وهو الذي قال فيه عدوه معاوية: (لو كان له بيتان: بيت من تبر، وآخر من تبن، لأنفق تبره قبل تبنه.). إلى غير ذلك مما لا مجال لنا لتتبعه واستقصائه..

____________

(١) راجع: الدرة النجفية ص ٣٠٣، طبعة حجرية.

٢١٧

العلويون يدركون نوايا المأمون:

إن نوايا المأمون تجاه العلويين، ومحاولاته لإسقاطهم إجتماعياً، وابتزازهم سياسياً.. حتى إذا أخفق في ذلك راح يختلهم واحداً فواحداً، كلما واتاه الظرف، وسنحت له الفرصة.. لم يكن العلويون يجهلونها، بل كانوا يدركونها كل الإدراك، ولم تكن تخدعهم تلك الشعارات والأساليب المبهرجة. وحسبنا هنا أن نذكر في مقام التدليل على هذا: أن المأمون كتب لعبد الله بن موسى، بعد وفاة الرضا، يعده بأنه يجعله ولي عهده، ويقول له: (ما ظننت أن أحداً من آل أبي طالب يخافني بعد ما عملته بالرضا).

فأجابه عبد الله يقول: (وصل إلي كتابك، وفهمته، تختلني فيه عن نفسي مثل القانص، وتحتال علي حيلة المغتال، القاصد لسفك دمي. وعجبت من بذلك العهد، ولايته لي بعدك، كأنك تظن: أنه لم يبلغني ما فعلته بالرضا؟! ففي أي شيء ظننت أني أرغب من ذلك؟ أفي الملك الذي غرتك حلاوته؟!.

إلى أن يقول: أم في العنب المسموم الذي قتلت به الرضا؟!).

ويقول له أيضاً ـ والظاهر أنه نص آخر للرسالة ـ: (هبني لا ثأر لي عندك، وعند آبائك المستحلين لدمائنا الآخذين حقنا، الذين جاهروا في أمرنا، فحذرناهم. وكنت ألطف حيلة منهم، بما استعملته من الرضا بنا، والتستر لمحننا، تختل واحداً،

____________

(١) ترجمة الإمام عليعليه‌السلام من تاريخ ابن عساكر بتحقيق المحمودي ج ٣ ص ٥٨ ـ ٦٠.

٢١٨

فواحداً منا الخ..)(١) .

ولا بد من ملاحظة: منافاة وعده هذا لعبد الله بن موسى بأن يجعل له ولاية العهد.. للرسالة التي أرسلها إلى العباسيين في بغداد، فور وفاة الرضاعليه‌السلام ، ويعدهم فيها بأن يجعل ولاية العهد فيهم، وسنشير إلى رسالته لهم في فصل: مع بعض خطط المأمون إن شاء الله وعلى كل حال.. فإننا نستطيع أن نفهم من هذه الرسالة التي لعبد الله بن موسى أموراً، نشير إلى بعضها:

أولاً: إن المأمون كان قد جعل ولاية العهد وسيلة لختل الشخصيات التي كان يخشاها، والغدر بها، إذ إن من المقبول والطبيعي ـ كما يرى البعض ـ أن يكون ولي العهد هو الذي يتآمر، ويدبر للتخلص من الخليفة الفعلي، ليختصر المسافة، ويصل إلى الحكم، الذي ينتظر الوصول إليه، والحصول عليه بفارغ الصبر. وليس من الطبيعي، ولا من المقبول أن يتآمر الخليفة على ولي عهده، إلا إذا كان يريد أن يجعل الخلافة لمن هو أعز عليه منه، وهذا ما نفاه المأمون عن نفسه في أكثر من مناسبة.

وهكذا.. فإن النتيجة تكون: أن الخليفة الفعلي يكون آخر من يتهم في ولي العهد، إذا ما راح ضحية التآمر والاغتيال، وعرف الناس ذلك. وهذا بلا شك من جملة ما كان يريده المأمون، ويسعى إليه.

ثانياً: إن المأمون رغم الصعوبات التي واجهها في فترة تولية الرضاعليه‌السلام العهد.. يبدو أنه كان يعتبر نفسه منتصراً وناجحاً في لعبته تلك، ولذلك نرى أنه قد حاول تكرار نفس اللعبة مع عبد الله بن موسى. ولكن يقظة هذا الأخير، الذي كانت ظروفه تختلف عن ظروف الإمامعليه‌السلام قد فوتت عليه الفرصة، وأعادته. بخفي حنين.

____________

(١) مقاتل الطالبيين للأصفهاني ص ٦٢٨، إلى ص ٦٣١، وسنورد الرسالة في أواخر هذا الكتاب إن شاء الله.

٢١٩

كما أننا لا نستبعد أن المأمون قد أراد بالإضافة إلى ذلك التستر على غدره بالرضاعليه‌السلام ، بعد أن كان قد افتضح واشتهر، رغم محاولاته الجادة للتستر والكتمان.

ثالثاً: ما تقدمت الإشارة إليه من أن إكرامه للعلويين، والرضا بهم، والتستر لمحنهم، ما كان منه إلا ضمن خطة مرسومة، وإلا سياسة منه ودهاء، من أجل أن يأمن العلويون جانبه، ويطمئنوا إليه، كما يدل عليه قوله لعبد الله بن موسى: (ما ظننت أحداً من آل أبي طالب يخافني بعد ما عملته بالرضا) وقد قدمنا أنه أشار إلى ذلك أيضاً في كتابه للعباسيين، فلا نعيد..

رابعاً: أنه لم يستطع أن يخفي عن العلويين ـ كما لم يستطع أن يخفي عن غيرهم ـ غدره بالإمام الرضاعليه‌السلام ، وسمه له بالعنب، وكذلك غدره بغيره من العلويين. وسر ذلك واضح، فإن جميع الدلائل والشواهد كانت متوفرة على ذلك، كما سيأتي بيان جانب من ذلك في فصول هذا الكتاب بنوع من التفصيل.

موقف الإمام في مواجهة مؤامرات المأمون:

لقد رأينا كيف أن المأمون أراد من لعبته تلك، التغلب على المشاكل التي كان يواجهها، والاستفادة في تقوية دعائم خلافته، وخلافة العباسيين بشكل عام.. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما هو موقف الإمامعليه‌السلام نفسه من لعبة المأمون تلك، وخططه، وأهدافه؟، وهل أفسح المجال للمأمون ليحقق كل ما يريد تحقيقه، ويصل إلى ما

كان يريد الوصول إليه؟.. وهل كانت لديه خطط من نوع معين، وأهداف معينة كان يسعى من أجل الوصول إليها، والحصول عليها؟!.

الحقيقة هي: أن الإمامعليه‌السلام قد استطاع، بما اتبعه من خطة حكيمة، وسلوك مثالي: أن يضيع على المأمون كافة الفرص، ويجعله يبوء بالخيبة والخسران، ويمنى بالفشل الذريع، حتى لقد أشرف المأمون منه على الهلاك، وبدا الارتباك واضحاً في كل تصرفاته، وأقواله، وأفعاله..

وسيأتي في الفصول الآتية في القسمين: الثالث، والرابع بيان بعض ما يتعلق بذلك إن شاء الله.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495