الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام0%

الحقائق في تاريخ الاسلام مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 495

الحقائق في تاريخ الاسلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة المصطفوي
تصنيف: الصفحات: 495
المشاهدات: 186540
تحميل: 6849

توضيحات:

الحقائق في تاريخ الاسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 495 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 186540 / تحميل: 6849
الحجم الحجم الحجم
الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الاستيعاب: عن ابن عبّاس، قال رسول الله (ص): إنّكم محشورون إلى الله عزّ وجلّ عُراة غُرلاً، فأقول يا ربّ أصحابي، فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنّ هؤلاء لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم.(١)

( الغُرل: الذين لم يختنوا )

أقول: يستفاد من هذه الأحاديث أمور:

١ - أنّ عدّة من الأصحاب قد وردت في فضائلهم ومقاماتهم أحاديث متواترة، كسلمان وأبي ذرّ والمقداد وعمّار.

٢ - وقد وردت روايات في بعضهم بأنّهم يصيرون مرتدّين ويُحدّثون أحداثا بعد نبيّهم، فسُحقاً لهم ثمّ سُحقاً.

٣ - يستفاد من جملة: ( أن الله يُحبّ من أصحابي أربعة )، أنّ هؤلاء الأربعة هم المنتخبين من الأصحاب والمجتبين المحبوبين عند الله ورسوله، بل وقد أمر الله تعالى بحبّهم وأتباعهم.

٤ - يستفاد من حالات هؤلاء الأربعة: أنّهم كانوا على شريعة أهل البيت وممّن امتنعوا عن بيعة أبي بكر وخالفوها، وقد سبق قول سلمان: ( كريد ونكرديد )، ولو بايعتم علياً لأكلتم إلخ.

____________________

١ - الاستيعاب، ج١، ص١٦٤.

٢٠١

فتنة:

( خلافة أبي بكر )

الفائق: خطب عمر بن الخطاب الناس فقال: إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرّها! إنّه لا بيعة إلاّ عن مشورة، وأيّما رجلٌ بايع من غير مشورة فإنّه لا يُؤمّر واحد منها، تغرَّة أن يُقتلا.(١)

قال الزمخشري: الفلتة: أي الفجأة. وقيل هي آخر ليلة من الأشهر الحرم وفيها كانوا يختلفون فيقول قوم: هي من الحلّ، وقوم: من الحرم، فيسارع الموتور إلى درك الثأر غير متلوّم، فيكثر الفساد وتُسفك الدماء. وفي الحديث ؛ قال عمر: كانت إمارة أبي بكر فلتة وقى الله شرّها، قلت: وما الفلتة؟ قال: كان أهل الجاهلية يتحاجزون في الحُرُم فإذا كانت الليلة التي يشكّ فيها أدغلوا فأغاروا. ويجوز أن يريد بالفلتة الخِلسة، يعني: أنّ الإمارة يوم السقيفة مالت إلى تولِّها كل نفس ونيط بها كلّ طمع، ولذلك كثر فيها التشاجر والتجارب، وقاموا فيها بالخُطب ووثب غير واحد يَستصوبها لرجل من عشيرته ويبدي ويعيد، فما قُلّدها أبو بكر إلاّ انتزاعا من الأيدي واختلاسا من المخالب، ومثل هذه البيعة جديرة بأن تكون مهيّجة للشرّ والفتنة، فعصم الله من ذلك ووقى. والتغرّة مصدر غرّر به، أيّ خوف التغرّة في أن يُقتلا وخوف إخطار بهما في القتل.

أقول: فعلى أيّ معنى وتقدير، يعلم أنّ خلافته وقعت من غير سابقة وانتظار، والوثوب والمسارعة في السقيفة، حين اشتغال أهل البيت في تجهيز رسول الله (ص) ثمّ اجتمعوا في المسجد وأخذوا البيعة العامة.

____________________

١ - الفائق، ج٢، ص٢٩٦.

٢٠٢

البخاري: بإسناده عن أنس: أنّه سمع خطبة عمر الآخرة حين جلس على المنبر وذلك الغد من يوم تُوفّي النبيّ (ص) فتشهد وأبو بكر صامت لا يتكلّم، قال: كنت أرجو أن يعيش رسول الله (ص) حتى يُدبِرَنا - يريد بذلك أن يكون آخرهم - فإن يكُ محمّد (ص) قد مات فإنّ الله قد جعل بين أظهركم نوراً تهتدون به هدى الله به محمداً (ص)، وأنّ أبا بكر صاحب رسول الله (ص) ثاني اثنين، فإنّه أولى المسلمين بأموركم، قوموا فبايعوه! وكان طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة، وكانت بيعة العامة على المنبر، قال أنس: سمعت عمر يقول لأبي بكر يومئذٍ اصعد المنبر، فلم يزل به حتى صعد المنبر فبايعه الناس عامّة.(١)

أقول: يستنبط من هذا الكلام أمور:

١ - أنّ الباعث والمحرّك والسبب الفرد لإمرة أبي بكر يوم السقيفة وفي هذا اليوم هو عمر بن الخطّاب.

٢ - فإن كان النور الذي هدى الله به محمّداً وهو القرآن كافياً ووافياً للمسلمين، فلا يكون لهم احتياج إلى نصب خليفة. وإن كانت الحاجة إليه من جهة الحكومة الظاهرية فكيف يجعل هذا الأمر ركنا من أركان الدين، حتى يعدّ منكره من المخالفين بل ومن الكافرين.

٣ - يظهر من هذا الكلام: أنّ الدليل المنحصر والمستند الفرد لإمرة أبي بكر، هو كونه صاحباً لرسول الله (ص) وكونه ثاني اثنين في سفر الهجرة ؛ وغير خفيّ أنّ أصحاب النبي (ص) كانوا ألوفاً، ومنهم من كان أعلم وأتقى وأشجع وأفضل وأحبّ إلى الله والى رسوله من أبي بكر، وأمّا المصاحبة في سفر مخصوص فلا يدلّ على فضيلة خاصة بوجه من الوجوه.

ويقول أيضاً: سمع أنس عمر بن الخطاب حين بايع المسلمون أبا بكر واستوى على منبر رسول الله (ص)، تشهّد قبل أبي بكر، فقال: أمّا بعد، فاختار الله

____________________

١ - البخاري، ج٤، ص١٥٣.

٢٠٣

لرسوله (ص) الذي عنده على الذي عندكم، وهذا الكتاب الذي هدى الله به رسولكم، فخذوا به تهتدوا وإنّما هدى الله به رسوله.(١)

أقول: نحن نعتقد بأن كتاب الله بعد أن توفّي رسول الله (ص) كان محتاجاً إلى مبيّن، فإنّ فيه عاماً ومطلقاً ومتشابهاً ومنسوخاً، ولا بدّ من وجود إمام مؤيّد من الله ومتعيّن من جانب رسوله وهو أفضل الأمّة، معصوم من الآثام والخطأ، عالم بالأحكام، ولا نرى هذه المراتب إلاّ في شخص عليّ بن أبي طالب (ع)، وإمّا انتخاب الناس وآرائهم فلا اعتبار لها إلاّ في الحكومات الظاهرية.

السيرة النبوية: لما بويع أبو بكر في السقيفة وكان الغد، جلس أبو بكر على المنبر، فقام عمر فتكلّم قبل أبي بكر، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثمّ قال: أيّها الناس إنّي كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت ممّا وجدتها في كتاب الله ولا كانت عهداً عهده إليّ رسول الله (ص) ولكنّي قد كنت آلي أنّ رسول الله (ص) سيدبر أمرنا - يقول: يكون آخرنا، - وإنّ الله قد أبقى فيكم كتابه الذي به هدى الله رسوله (ص)، فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه له، وإن الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله (ص) ثاني اثنين إذ هما في الغار، فقوموا فبايعوه، فبايع الناس أبا بكر بيعة العامة بعد بيعة السقيفة.(٢)

أقول: أما كون أبي بكر خير الأصحاب: فهو مخالف النصوص الواردة والبرهان. وأمّا الاعتصام بالكتاب: فلا بد من الرجوع في الموارد المشكلة والمتشابهة إلى من هو محيط وعالم بتفسير الكتاب وتأويله كما هو حقّه. وأمّا قول عمر بن الخطاب: فلا حجية فيه بوجه بعدما ثبت الخطأ في قوله في الموارد الكثيرة، ومنها في هذا المورد حيث صرّح بأنّه قال مقالة ما وجدها في الكتاب ولا هي معهودة من الرسول (ص).

ثمّ أنّ عمر اعتذر من قوله بما هو أسوأ، حيث يقول لابن عبّاس:

أنساب الأشراف: قال لي عمر في خلافته: أتدري يا ابن عبّاس ما حملني على

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ص١٥٧.

٢ - السيرة النبوية، ج٤، ص٣١١.

٢٠٤

ما قلت حين توفّي رسول الله (ص)؟ كنت اقرأ الآية( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ( وكنت أظن أن رسول الله (ص) سيبقى في أمّته حتى يشهد عليها بآخر أعمالها، فذلك حملني على ما قلت.(١)

أقول: فإنّ شهادة الرسول لا يراد بها شهادته على جميع أفراد الأمّة في الخارج بمعنى الحضور الظاهري، كما أنّ شهادة الأمّة على الناس ليست بذلك المعنى.

والعجب من أنّ أبا بكر خطب بعد هذه المقالة، وصرّح في كلامه بأنّه ليس بخير الأصحاب، كما في:

العقد الفريد: ثمّ قال: أيّها الناس إنّي قد وُلّيت عليكم ولست بخيركم! فإن رأيتموني على حقٍّ فأعينوني وإن رأيتموني على باطل فسددوني، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم.(٢)

السيرة النبوية: فتكلّم أبو بكر إنّي قد وُلّيت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوّموني أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم(٣)

أقول: صرّح في كلامه بأنّه ليس بخيرهم، وأنّ الإساءة والعصيان ممكنة في حقّه عادة.

عيون ابن قتيبة: لمّا بويع أبو بكر الصديق صعد المنبر فنزل مرقاة من مقعد النبيّ (ص) فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال إنّي وَليت أمركم ولست بخيركم ولكنّه نزل القرآن وسنّ رسول الله (ص).. إنّما أنا متّبعٍ ولست بمبتدع، فإن أحسنت فأعينوني وإن زِغت فقوّموني.(٤)

الطبقات: كما في العيون.(٥)

____________________

١ - أنساب الأشراف، ج١، ص٥٦٨.

٢ - العقد الفريد، ج٢، ص٥٩.

٣ - السيرة النبوية، ج٤، ص٣١١.

٤ - عيون ابن قتيبة، ج٢، ص٢٣٤.

٥ - الطبقات، ج٣، ص١٨٣.

٢٠٥

ويروي أيضاً عن الحسن: ثمّ قال أبو بكر: فإنّي وليت هذا الأمر وأنا له كاره، والله لوددت أنّ بعضكم كفانيه، ألا وإنّكم إن كلّفتموني أن أعمل فيكم بمثل عمل رسول الله (ص) لم أقم به، كان رسول الله (ص) عبداً أكرمه الله بالوحي وعصمه به، ألا وإنّما أنا بشر ولست بخير من أحد منكم، فراعوني، فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني وإن رأيتموني زغت فقوّموني، واعلموا أنّ لي شيطاناً يعتريني، فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني لا أؤثر في أشعاركم وأبشاركم.(١)

أقول: لا إشكال ولا اختلاف بين المسلمين قاطبة في أنّ الحكومة الظاهرية والإمارة الصورية في المسلمين بعد النبيّ (ص) إنّما هي متحقّقة لأبي بكر بن أبي قحافة، وبايعه الناس على التدريج طوعاً وكرهاً. وإنّما الاختلاف من جهة الخلافة الحقيقية والإمارة المعنوية من جانب الله تعالى ومن جانب الرسول (ص)، فقالت الشيعة الإمامية: إنّها متعيّنة ومنصوصة من الله ورسوله في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وهو المنصوص بالمرجعية الروحانية والمرجع في العلم والقضاء والأعلم بالكتاب والسنة من بين جمع الصحابة.

وقد صرّح أبو بكر نفسه في هذه الخطبة بأنّه ليس حائزاً بهذه المرتبة:

١ - أشار بقوله ( وُلّيت، ولّيت عليكم، وَليت أمركم وأنا له كاره ) إنّ هذه الولاية والحكومة من جانب الناس وبتعيينهم.

٢ - أشار بقوله ( لست بخيركم، لست بخير من أحدٍ منكم ) أنّ مقامه المعنوي كمقامات سائر الناس وانّه كأحد من الصحابة.

٣ - أشار بقوله ( فإن أسأت، فإذا عصيت الله ورسوله، وإن زِغت، أنّ لي شيطاناً، غضبت ) أنّه غير مصون من الخطأ والزلل، ولا يجوز اتّباعه في جميع أفعاله وأموره وأقواله.

٤ - قد صرّح في كلامه ( فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، فإذا غضبت فاجتنبوني، فإذا زِغت فقوّموني) بأنّه لا يجوز اتّباعه في هذه الموارد، بل

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ص٢١٢.

٢٠٦

ويلزم مخالفته.

وقالت الإمامية: أنّ أبا بكر قد عصى رسوله وغضب وزاغ في موارد لا يجوز لنا اتّباعه فيها، وسنذكر تلك الموارد إجمالاً في الفصول الآتية.

أنساب الأشراف: عن الزهري، خطب أبو بكر حين بويع واستُخلف، فقال ألا وإنّي قد وُليتكم ولست بخيركم، ألا وقد كانت بيعتي فلتة وذلك إنّي خشيت فتنة، ولقد قُلدت أمراً عظيماً ما لي به طاقة ولا بدّ أن ....، ولوددت أنّ أقوى الناس عليها مكاني، وإن أحسنت فأعينوني وإن زِغت فقوّموني، أيّها الناس أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم.(١)

سنن البيهقي: يروي قريباً منها.(٢)

تاريخ الطبري: وقام أبو بكر في الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال: يا أيّها الناس إنّما أنا مثلكم وإنّي لا أدري لعلكم ستكلّفوني ما كان رسول الله (ص) يُطيق، إنّ الله اصطفى محمّداً على العالمين وعصمه من الآفات، وإنّما أنا متّبع ولست بمبتدع فإن استقمت فتابعوني وإن زِغت فقوّموني ألا وإنّ لي شيطاناً يعتريني فإذا أتاني فاجتنبوني.(٣)

أقول: أنّ الخليفة بعد رسول الله (ص) لازم أن يكون أعلم الأمة حتى لا يجهل أمراً يحتاج يصحّ اتّباعه، ويكون قوله وعمله حجّة في الله، وأن يكون منصوصاً ومعيّنا من الله ومن جانب رسوله حتى يُطمأن له ويُعتمد عليه ويُؤتمّ به.

فليس بجائز عند العقل أن نتخذ إماماً يعترف بأنّه ليس بخير الأمة، وكانت بيعته فلتة، ولا طاقة له بما قُلده، ويود أنّ مكانه أقوى الناس عليها، ويجوز في حقّه الزيغ والإساءة.

____________________

١ - أنساب الأشراف، ج١، ص٥٩٠.

٢ - سنن البيهقي، ج٨، ص١٥٢.

٣ - تاريخ الطبري، ج٣، ص٢١١.

٢٠٧

( ممّن خالف بيعته )

وقد خالف بعض بيعته، وصبر على أذاهم، ولم يخضع لحكومتهم، فمنهم بنو هاشم وغيرهم.

مستدرك الحاكم: أنّ عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر بن الخطاب وأنّ محمّد بن مسلمة كسر سيف الزبير، ثمّ قام أبو بكر فخطب الناس واعتذر إليهم، وقال: والله ما كنت حريصاً على الإمارة يوماً ولا ليلة قطّ ولا كنت فيها راغباً ولا سألتها الله عزّ وجلّ في سرٍّ وعلانية ولكنّي أشفقت من الفتنة، وما لي في الإمارة من راحة ولكن قُلدت أمراً عظيما ما لي به طاقة، ولا يد إلا بتقوية الله عزّ وجلّ ولوددت أنّ أقوى الناس عليها مكاني اليوم، فقبل المهاجرون منه ما قال واعتذر به، قال علي (رض) والزبير: ما غضبنا إلاّ لأنّا قد أُخرنا عن المشاورة.. الرواية.(١)

أقول:

١ - قد صرح في هذه الخطبة بموضوع الإمارة وهي الإمارة العرفية والحكومة الظاهرية في المسلمين، وهي التي تقبل الحرص والرغبة والسؤال.

٢ - يعلم من قوله (وكني أشفقت الفتنة): أنّها وقعت فلتة ومن غير سابقة، وتدلّ عليه جملة - ما غضبنا إلاّ لأنّا قد أُخرنا عن المشاورة.

تاريخ الطبري: فقال رجل للزهري: أفلم يبايعه عليّ ستّة أشهر؟ قال: لا، ولا أحدٌ من بني هاشم حتى بايعه عليّ، فلما رأى عليّ انصراف وجوه الناس عنه ضرع إلى مصالحة أبي بكر، فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا يأتنا معك أحد، وكره أن يأتيه عمر لما علم من شدّة عمر، فقال عمر: لا تأتهم وحدك، قال أبو بكر: والله لآتينهم وحدي وما عسى أن يصنعوا بي، قال، فانطلق أبو بكر فدخل على عليّ وقد جمع بني هاشم عنده، فقام عليّ فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثمّ قال: أما بعد. فإنّه لم يمنعنا من أن نبايعك يا أبا بكر إنكارٌ لفضيلتك،

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج٣، ص٦٦.

٢٠٨

ولا نفاسة عليك بخير ساقه الله إليك، ولكنّا كنا نرى أنّ لنا في هذا الأمر حقّاً، فاستبددتم به علينا. ثمّ ذكر قرابته من رسول الله (ص) وحقّهم، فلم يزل عليّ يقول ذلك حتى بكى أبو بكر.(١)

أقول: يستكشف من هذه الرواية أمور:

١ - أنّ بني هاشم قاطبة كانوا قد امتنعوا عن البيعة.

٢ - أنّ علياً (ع) كان أشدّ انزجاراً من عمر ومن لقائه.

٣ - لما يئس عليّ من إقبال الناس إليه وعلم أنّهم انصرفوا عنه وتجمّعوا على حكومة أبي بكر، رأى صلاح الأمّة في أن يعاشرهم حتى يستفيضوا منه ويهتدوا به.

٤ - صرّح علي (ع) في مقابل أبي بكر بأنّ لهم حقّاً في الخلافة، وقد ظُلموا، وغُصب حقّهم، ولم يُراع ما لهم.

٥ - أنّ أبا بكر بكى ممّا صنعوا وظلموا في حقّ أهل البيت.

وفي تاريخ أبي الفداء: فبايع عمر أبا بكر وانثال الناس عليه يبايعونه، خلا جماعة من بني هاشم والزبير وعتبة بن أبي لهب وخالد بن سعيد بن العاص والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي وأبي ذرّ وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبيّ بن كعب، ومالوا مع عليّ بن أبي طالب. وقال في ذلك عتبة:

ما كنت أحسب أنّ الأمر منصرف عن أوّل الناس إيماناً وسابقة عن هاشم ثمّ منهم عن أبي حسن، وأعلم الناس بالقرآن والسنن

وكذلك تخلّف عن بيعة أبي بكر أبو سفيان من بني أمية.(٢)

أنساب الأشراف: أن أبا بكر أرسل إلى عليّ يريد البيعة، فلم يبايع، فجاء عمر ومعه فتيلة فتلقّته فاطمة على الباب، فقالت فاطمة: يا ابن الخطاب أتُراك محرّقا عليّ بابي؟ قال: نعم، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك، وجاء عليّ فبايع.(٣)

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج٣، ص٢٠٢.

٢ - تاريخ أبي الفداء، ج١، ص١٥٦.

٣ - أنساب الأشراف، ج١، ص٥٨٦.

٢٠٩

أقول: يظهر من هذا أمور:

الأوّل: أنّ تحقّق بيعة أبي بكر كان بتهيئة المقدّمات وتحصيل الوسائل والأسباب والتوسل إلى الجبر والإرهاب.

الثاني: أنّ الإجبار والإرهاب كان في درجة شديدة بحيث تقتضي إرهاب بنت رسول الله (ص) بل التهيّؤ لإحراق بيتها.

الثالث: أنّ عمر لم يتوجّه إلى الروايات الواردة في شأن أهل البيت ولا سيّما في شأن فاطمة (ع).

الرابع: أنّ قوله - وجاء عليّ فبايع - مخالف للروايات الأخرى، كما قال في الكتاب بعد عدّة أسطر: لم يبايع عليّ أبا بكر حتى ماتت فاطمة بعد ستة أشهر.

ويقول في تاريخ أبي الفداء: ثمّ أنّ أبا بكر بعث عمر بن الخطاب إلى عليّ ومن معه ليخرجهم من بيت فاطمة (رض) وقال: إنّ أبَوَا عليك فقاتلهم، فأقبل عمر بشيء من نار على أن يُضرم الدار، فلقيته فاطمة (رض) وقالت: إلى أين يا ابن الخطّاب، أجئت لتحرّق دارنا؟ قال: نعم أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمّة. فخرج عليّ حتى أتى أبا بكر فبايعه، كذا نقله القاضي جمال الدين بن واصل. وروى الزهري عن عائشة قالت: لم يبايع عليّ أبا بكر حتى ماتت فاطمة وذلك بعد ستة أشهر لموت أبيها (ص).(١)

أنساب الأشراف: عن عائشة لم يباع عليّ أبا بكر حتى ماتت فاطمة بعد ستّة أشهر، فلمّا ماتت ضرع إلى صلح أبي بكر، فأرسل إليه أن يأتيه، فقال له عمر: لا تأته وحدك، فقال: وما يصنعون بي؟ فأتاه أبو بكر فقال عليّ: والله ما نفسنا عليك ما ساق الله إليك من فضل وخير، ولكنّا نرى أنّ لنا في الأمر نصيباً استُبدّ به علينا، فقال أبو بكر: والله لَقرابة رسول الله أحبّ إليَّ من قرابتي، فلم يزل عليّ يذكر حقّه وقرابته حتى بكى أبو بكر.(٢)

____________________

١ - تاريخ أبي الفداء، ج١، ص١٥٦.

٢ - أنساب الأشراف، ج١، ص٥٨٦.

٢١٠

ويروي أيضاً: عن ابن عبّاس بعث أبو بكر عمر بن الخطاب إلى عليّ رضي الله عنهم حين قعد عن بيعته، وقال: ائتني به بأعنف العنف، فلما أتاه جرى بينهما كلام، فقال: احلب حلباً لك شطره، والله ما حرصك على إمارته اليوم إلاّ ليؤثرك غداً، وما ننفس على أبي بكر هذا الأمر ولكنّا أنكرنا ترككم مشاورتنا، وقلنا إنّ لنا حقّاً لا يجهلونه، ثمّ أتاه فبايعه.(١)

البدء والتاريخ: ولم يبايع عليّ أبا بكر ما لم يدفن فاطمة، وذكر ابن دأب أنّها ماتت عاتبة على أبي بكر وعمر.(٢)

أقول: هذا جريان أمر أهل البيت بعد رحلة رسول الله (ص)، وقد صنعوا بهم ما صنعوا، وما أكثر الاختلاف بين حالاتهم هذه من مظلوميّتهم ومنع حقوقهم وكونهم مغلوبين مقهورين، وبين ما أوصى لهم رسول الله (ص) وذكر فيهم.

فراجع الفصول السابقة في أهل البيت (ع)

أنساب الأشراف: لم يبايع خالد بن سعيد أبا بكر إلاّ بعد ستة أشهر.(٣)

ويروي أيضاً: أنّ سعد بن عبادة لم يبايع أبا بكر، وخرج إلى الشام فبعث عمر رجلاً وقال ادعُه إلى البيعة واختل له، وان أبى فاستعن بالله عليه. فقدم الرجل الشام فوجد سعداً في حائط بحوارين، فدعاه إلى البيعة، فقال: لا أبايع قرشياً أبداً، قال: فإني أقاتلك، قال: وان قاتلتني، قال: أفخارج أنت ممّا دخلت فيه الأمّة قال: أمّا من البيعة فإنّي خارج، فرماه بسهم فقتله.(٤)

____________________

١ - نفس المصدر، ص ٥٨٧.

٢ - البدء والتاريخ، ج ٥، ص ٢٠.

٣ - انساب الأشراف ج ١، ص ٥٨٨.

٤ - نفس المصدر، ص ٥٨٩.

٢١١

(أحاديث في أبي بكر)

ليس نظرنا في هذا الكتاب الطعن على مسلم، ولا نريد إيجاد تفرقة بين المسلمين، ولا تجديد خلاف ونفاق، ولا تحريك عاطفة أو بَغضاء.

وإنّما غرضنا الأصيل بيان حقائق الإسلام، وتذكير ما أراده رسول الله (ص) والكشف عن الصراط المستقيم، ورفع الأستار عن الفتن الحادثة.

وقد نورد بعض الأحاديث استطراداً، ولا نريد إلاّ أن يهدينا الله عزّ وجلّ إلى ما يحبّ ويرضى.

البخاري: بإسناده، كاد الخيران أن يهلكا: أبو بكر وعمر، لما قدم وَفد بني تميم أشار أحدهما بالأقرع بن حابس التميمي الحنظلي أخي بني مجاشع، وأشار الآخر بغيره، فقال أبو بكر لعمر: إنّما أردت خلافي، فقال عمر: ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما عند النبيّ (ص)، فنزلت: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ) ، إلى قوله:( عَظِيمٌ ) .(١)

مستدرك الحاكم: عن أبي ليلى عن علي أنّه قال: يا أبا ليلى، أمّا كنت معنا بخيبر؟ قال بلى والله، كنت معكم، قال: فإنّ رسول الله (ص) بعث أبا بكر إلى خيبر فسار بالناس واهزم حتى رجع.(٢)

أقول: هذا صريح في أنّ أبا بكر قد قصّر في العمل بمأموريّته، وخالف التكليف المعيّن له من جانب النبيّ (ص)، وانهزم من الأعداء ولم يستقم في الجهاد.

تهذيب ابن عساكر: كان رسول الله (ص) يصلّي من الليل في ليلة باردة لم نر

____________________

١ - البخاري ج ٤، ص ١٦٠.

٢ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ٣٧.

٢١٢

قبلها ولا بعدها برداً كان أشدّ منه، فقال رسول الله (ص): ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة؟ فسكتنا فلم يُجبه منّا أحد، ثمّ قال: فسكتنا، فقال: قم. وفي رواية ابن شاهين ثمّ قال: قم يا أبا بكر. فقال: استغفر الله ورسوله! ثمّ قال: إنّ شئت ذهبت، فقال: يا عمر. فقال استغفر الله ورسوله! ثمّ قال: يا حذيفة! فلم أجد بدّاً إذ دعاني باسمي أن أقوم، فقال: اذهب وائتنا بخبر القوم.. الخ.(١)

أقول: وفي صدر الرواية - لقد رأيتنا مع رسول الله ليلة الأحزاب وأخذتنا ريح شديدة وقُرّ.

مسند أحمد: عن قيس، خطب أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أيّها الناس ولوددت أنّ هذا كفانيه غيري ولئن اخذتموني سنة نبيكم (ص) ما أطيقها إن كان لمعصوماً من الشيطان، وإن كان لينزل عليه الوحي من السماء.(٢)

أقول: ليت أبا بكر يتذكّر قول رسول الله (ص): وإن تولّوا علياً تجدوه هادياً مهدياً يسلك بكم الطريق. وقال سلمان: ولو بايعتم عليا لأكلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم.

تاريخ الطبري: قال أبو بكر: إنّي لا آسى على شيء من الدنيا إلاّ على ثلاث فعلتهنّ وددت أنّي تركتهنَّ، وثلاث تركتهنّ وددت أنّي فعلتهنَّ، وثلاث وددت أنّي سألت عنهن رسول الله (ص)، فأمّا الثلاث اللائي وددت أنّي تركتهنَّ: وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة عن شيء وإن كانوا قد غلّقوه على الحرب، ووددت أنّي لم أكن حرّقت الفجاءة السُلمى وأنّي كنت قتلته سريحاً أو خلّيته نجيحاً، وودت أنّي يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين - يريد عمر وأبا عبيدة - فكان أحدهما أميراً وكنت وزيراً، وأمّا اللاتي وددت أنّي سألت رسول الله (ص) ووددت أنّي سألت رسول الله (ص) لمن هذا

____________________

١ - تهذيب ابن عساكر، ج ٤، ص ٩٨.

٢ - مسند أحمد، ج ١، ص ١٤.

٢١٣

الأمر! فلا ينازعه أحد؟ ووددت أنّي سألته هل للأنصار في هذا الأمر نصيب؟ وودت أنّي كنت سألته عن ميراث ابنة الأخ والعمّة، فإنّ في نفسي منهما شيئاً.(١)

أقول: هذا الكلام يناسب أن يكون ممّن لم يصاحب رسول الله (ص)، ولم يسمع منه روايات في حقّ أهل بيته وفي عليّ (ع)، ولم ير منه شدّة محبّته وتجليله لهم، ولم يحضر غزوة خيبر ولا تبوك ولا في غدير خمٍّ، ولم يعرف عليّ بن أبي طالب، وفضله وشجاعته ومجاهدته وعمله وتقواه وقربه من النبيّ (ص).

وأمّا ما يستفاد من هذا الكلام: هو الشكّ والتردد والاضطراب من جهة الجهل بمن له هذا الأمر.

وسيأتي نظير هذا التردد عن عمر أيضاً.

وراجع روايات السقيفة واستخلاف أبي بكر.

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٤، ص ٥٢.

٢١٤

فتنة:

(تنصيص أبي بكر على عمر)

الملل والنحل الخلاف الثامن في تنصيص أبي بكر على عمر بالخلافة وقت الوفاة، فمن الناس من قال: قد وليت علينا فظّاً غليظاً، وارتفع الخلاف بقول أبي بكر: لو سألني ربّي يوم القيامة لقلت ولّيت عليهم خير أهلهم.(١)

البدء والتاريخ: ولما مرض أبو بكر شاور الناس في الأمر، وكانوا لا يشكّون أنّ عمر هو الذي يلي الخلافة بعده، إلاّ أنّ منهم من كان يكره وذلك لشدّته وعُنفه، فدعاه أبو بكر وعهد إليه واستخلفه على الناس، فلمّا خرج من عنده قال: اللّهمّ إنّي ولّيته بغير أمرٍ من نبيّك، ولم أُرد بذلك إلاّ صلاحهم، قال له بعض القوم: فماذا تقول لله عزّ وجلّ إذا لقيته، وقد ولّيت أمر المسلمين فظّاً غليظاً؟ قال: أقول اللّهمّ لم آلهم خيراً.(٢)

أقول: قد صرّح بأن توليته كان بغير أمر من النبيّ (ص).

وأمّا قوله: لم أرد بذلك إلاّ صلاحهم - فكيف يُريد صلاحهم وأنّه ولّى فظّاً غليظاً، ويقول الله تعالى:( وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ) ؟! وكيف يريد بخير وهو يعترف أنّ توليته بغير أمر من النبيّ (ص)؟! وكيف يأتي بخير وهو يعرف أهل بيت الرسول (ص) ويعرف عليّ بن أبي طالب وقد سمع أحاديث النبوية في حقّه. وقد قال رسول الله (ص): من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله.

وآلا في الأمر: قصّر وأبطأ

____________________

١ - الملل والنحل، ج ١، ص ٢٨.

٢ - البدء والتاريخ، ج ٥، ص ١٦٧.

٢١٥

الطبقات: إنّ أبا بكر الصديق لما استُعز به دعا عبد الرحمن بن عوف، فقال: أخبرني عن عمر بن الخطاب؟ فقال عبد الرحمن: هو والله أفضل مَن رأيك فيه. ثمّ دعا عثمان بن عفّان فقال: أخبرني عن عمر؟ فقال: أنت أخبرُنا به، فقال: على ذلك يا أبا عبد الله، فقال عثمان اللّهمّ علمي به أنّ سريرته خير من علانيته وأنّه ليس فينا مثله، فقال أبو بكر: يرحمك الله، والله لو تركته ما عدوتُك، وشاور معهما سعيد بن زيد أبا الأعور وأُسيد بن الخضير وغيرهما من المهاجرين والأنصار، فقال أسيد: اللّهمّ أعلمه الخيرة بعدك، يرضى للرضا ويسخط للسخط، الذي يُسرّ خير من الذي يُعلن، ولم يلِ هذا الأمر أحد أقوى عليه منه.

وسمع بعض أصحاب النبيّ (ص) بدخول عبد الرحمن وعثمان على أبي بكر وخلوتهما به، فدخلوا على أبي بكر، فقال له قائل منهم: ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر؟ لَعمر علينا وقد ترى غليظته! فقال أبو بكر: أجلسوني، أبالله تخوّفوني؟ خاب من تزود من أمركم بظلم، أقول: اللّهمّ استخلفت عليهم خير أهلك، أبلغ عنّي ما قلت لك من وراءك. ثمّ اضطجع ودعا عثمان بن عفّان، فقال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها وعند أوّل عهده بالآخرة داخلاً فيها حيث يؤمن الكافر ويوقن الفاجر ويصدق الكاذب، أنّي استخلفتُ عليكم بعدي عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا، وإنّي لم آلُ الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيراً، فإن عدل فذلك ظنّي به وعلمي فيه، وإن بدّل فلكلّ امرئ ما اكتسب من الإثم، والخير أردت ولا أعلم الغيب. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ثمّ أمر بالكتاب فختمه. ثمّ قال بعضهم: لمّا أملى أبو بكر صدر هذا الكتاب: بقي ذكر عمر، فذُهب به قبل أن يسمّي أحدا، فكتب عثمان: إنّي قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب، ثمّ أفاق أبو بكر، فقال اقرأ عليَّ

٢١٦

ما كتبت! فقرأ عليه ذكر عمر، فكبّر أبو بكر وقال: أراك خفت أن أقبلت نفسي في غشيتي تلك يختلف الناس، فجزاك الله عن الإسلام وأهله خيراً، والله إن كنت لها لأهلاً.

ثمّ أمره فخرج بالكتاب مختوما ومعه عمر بن الخطاب وأسيد بن سعيد القرظي فقال عثمان للناس: أتبايعون لمن في هذا الكتاب؟ فقالوا: نعم.(١)

تاريخ الطبري: دعا أبو بكر عثمان خالياً، فقال له: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة إلى المسلمين، أمّا بعد: قال، ثمّ أُغمي عليه فذهب عنه، فكتب عثمان أمّا بعد فإنّي قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ولم آلكم خيراً، ثمّ أفاق أبو بكر كما في الطبقات.(٢)

أقول: إنّ عمر اجتهد في استخلاف أبي بكر في السقيفة نهاية اجتهاده، وقد أثمر عمله وأنتج سعيه، فاستخلفه أبو بكر من غير أمر من النبيّ (ص)، إيفاءً لحقّ الخدمة والصحبة. ثمّ إنّ عثمان أيضاً أظهر في هذه الوصية كمال محبّته وعمل غاية ما يمكن له أن يعمل في خدمة عمر، وسيجيء أنّ عمر أحسن جزاءه، واستخلفه بصورة مشوّهة.

وهذه كلّها تكشف عن تعاهدهم وتوافقهم على خلاف أهل بيت الرسول (ص) ومنعهم عن مقاماتهم وحقوقهم.

عيون ابن قتيبة: روى أنّ أبا بكر الصديق (رض) لمّا حضرته الوفاة كتب عهداً فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر خليفة رسول الله عند آخر عهده بالدنيا وأول عهده بالآخرة، في الحال التي يؤمن فيها الكافر ويتّقي فيها الفاجر، أنّي استعملت عمر بن الخطاب فإنّ برّ وعدل، فذلك علمي به. وإن جار وبدّل، فلا علم لي بالغيب، والخيرُ أردت، ولكلّ امرئ ما أكتسب، وسيعلم الذين ظلموا

____________________

١ - الطبقات، ج ٣، ص ١٩٩.

٢ - تاريخ الطبري، ج ٤، ص ٥٣.

٢١٧

أيّ منقلبٍ ينقلبون.(١)

أقول: إن أريد من الاستعمال الاستخلاف فذلك مخالف لطريق رسول الله (ص) وسنّته حيث أنّه لم يستخلف ولم يعيّن لمّا بعده خليفة، على ما رأوا. وإن أريد منه العاملية في الأمر الشخصية فقط فلا يكون فيها دلالة على كون عمر بن الخطّاب خليفة.

ثمّ: أنّه يظهر من قوله (فإنّ بر وعدل، وإن جار وبدّل) أنّ استناده في ذلك الاستخلاف إلى علمه الظاهري وتشخيصه ورأيه الصوري، وليس مستنداً إلى الوحي والغيب والتعيين الإلهي، فكيف لهم أن يُثبتوا بأنّ عمر بن الخطاب خليفة إلهيّ ومن خالفه وأنكره فقد أنكر أصلاً من أصول الدين؟! وهل في ذلك فرق بينه وبين سائر الأمراء والسلاطين المستخلفة المستعملة؟!

ونحن لا ننكر بأنّه حاز الرياسة وولي أمور المسلمين في الظاهر، إلاّ أنّه ليس بوليهم من جانب الله ومن الرسول، فإنّ رسول الله قال: من كنت وليّه فهذا عليّ وليّه اللّهم والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه.

الفائق: أبو بكر الصديق: دخل عليه عبد الرحمن بن عوف في علّته التي مات فيها، فقال: أراك بارئا يا خليفة رسول الله؟ فقال: أما إنّي على ذلك لشديد الوجع، لما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشدّ عليّ من وجعي، وليت خيركم في نفسي، فكلّكم ورم أنفه أن يكون له الأمر من دونه، والله لتتخذنّ نضائد الديباج وستور الحرير ولتألمن النوم على الصوف الأذربيّ كما يألم أحدكم النوم على حسك السعدان، والذي نفسي بيده لأن يُقدم أحدكم فتُضرب عنقه في غير حدٍّ خير له من أن يخوض غمرات الدنيا، يا هادي الطريق جرت إنّما هو الفجر أو البجر.

قال له عبد الرحمن: خفض عليك يا خليفة رسول الله ؛ فإنّ هذا يَثيضك إلى مآبك.

ودخل عليه بعض المهاجرين وهو يشتكي في مرضه، فقال له: أتستخلف

____________________

١ - عيون ابن قتيبة، ج ١، ص ١٤.

٢١٨

علينا عمر، وقد عتا علينا ولا سلطان له؟ض ولو ملكنا كان أعتى وأعتى فيكف تقول لله إذا لقيته؟! فقال أبو بكر: أجلسوني فأجلسوه، فقال: أبا لله تُفرقني؟! فإنّي أقول له إذا لقيته: استعملت عليهم خير أهلك.(١)

ثمّ قال الزمخشري: برئ من المرض: بعد وزال مرضه. وورم الأنف: كناية عن إفراط الغيظ. والنضائد: الوسائد والفرش. والأذربي: منسوب إلى آذربيجان. والبجر: الأمر العظيم. وخفّض عليك هون الخطب عليها. والهَيض: كسر العظم.

أقول: في هذا الكلام موارد للنظر والتحقيق:

الأوّل: قوله ولكلكم وَرِم أنفه، وكان أعتى وأعتى: يدلّ عل أنّ أكثر الناس مخالفو هذا التخليف والتأمير.

الثاني: قوله وليت خيركم في نفسي: يدلّ على أنّ التولية والتعيين من جانب أبي بكر، وأنّ كونه خيراً، في عقيدته لا في عقائد الناس، مع أنّ اللازم رعاية نظر الاجتماع، في الأمر الاجتماعي الظاهري.

الثالث: قوله تتخذنّ نضائد الديباج: يشير إلى الآثار المادّية والنتائج الدنيوية من غير تعرّض إلى الجهات المعنوية والإلهية.

الرابع: قوله: استعملت عليهم خير أهلك. يدلّ على أنّ القائل لم يطّلع على قول رسول الله (ص): هذا أمير البررة منصور من نصره مخذول من خذله.

- عليّ سيد العرب.

- أنت يا عليّ سيد في الدنيا وسيد في الآخرة.

- أنّه: سيد المسلمين وإمام المتّقين

- اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك.

- هذا وليّ من أنا مولاه.

- مَن كنت وليّه فهذا وليّه.

- أنت أخي في الدنيا والآخرة.

العقد الفريد وتاريخ الطبري: عن عبد الرحمن بن عوف، أنّه دخل على أبي بكر الصدّيق في مرضه كما في الفائق.(٢)

____________________

١ - الفائق، ج١، ص ٨١.

٢ - العقد الفريد، ج ٤، ص ٢٦٧. وتاريخ الطبري، ج ٤، ص ٥٢.

٢١٩

( أن عمر خليفة أو مَلِك )

الخليفة بمعناه الحقيقي: من يتعيّن ويُنتخب من جانب الله ومن جانب رسوله. والملك هو السلطان الحاكم النافذ في بلد أو بلاد، يملك بالقهر والغلبة أو ينتخبه الناس أو يُعينه سلطان سابق. والخليفة يجب طاعته شرعاً وعقلاً وعرفاً. وأمّا السلطان فلا يجب طاعته إلاّ بالعرف.

الطبقات: عن سلمان: أنّ عمر قال له: أملك أنا أم خليفة؟ فقال له سلمان: إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهماً أو أقل أو أكثر ثمّ وضعته في غير حقّه، فأنت ملك غير خليفة. فاستعبر عمر.(١)

ويروي أيضاً: عن سفيان: قال عمر بن الخطّاب: والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك؟ فإن كنت مَلكاً فهذا أمر عظيم، قال قائل: يا أمير المؤمنين إنّ بينهما فرقا. قال ما هو؟ قال: الخليفة لا يأخذ إلاّ حقّا ولا يضعه إلاّ في حقّ، فأنت بحمد الله كذلك، والملك يعسف الناس فيأخذ من هذا ويعطي هذا، فسكت عمر.

تاريخ الطبري: عن سلمان: أنّ عمر كما في الطبقات.(٢)

أقول: هذه المعاني المذكورة للملك أو الخليفة لوازم معانيهما الحقيقية، فإن من لم يتعيّن من جانب الله لا يكون قوله حجّة، ويجوز في حقّه الخطأ والعصيان، ولا يؤمن من التعدّي والظلم والعمل بخلاف الحقّ.

ثمّ إنّ الإنسان على نفسه لبصيرة ولو ألقى معاذيره، وكلّ شخص أعلم الناس بنفسه، وهو يعلم أنّه مرتبط بأيّ شيء، بالرحمن أو بالشيطان، بالوحي أو بالنفس، أنّه مبعوث ومتعيّن من جانب الله أو من جانب الناس، أنّه منصوص ومنصوب من جانب رسول الله (ص) أو بالقهر والتسلط والانتخاب والسياسة.

____________________

١ - الطبقات، ج ٣، ص ٣٠٦.

٢ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ٢٤.

٢٢٠