الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام12%

الحقائق في تاريخ الاسلام مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 495

الحقائق في تاريخ الاسلام
  • البداية
  • السابق
  • 495 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 193475 / تحميل: 7472
الحجم الحجم الحجم
الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

( عمر وعلمه )

مستدرك الحاكم: عن علي بن رباح قال: إنّ عمر بن الخطّاب خطب الناس فقال: مَن أراد أن يسأل عن القرآن فليأت معاذ بن جبل، ومن أراد أن يسأل عن المال، فليأتني فإنّ الله تعالى جعلني خازناً.(١)

أقول: يعترف بأنّه يمتاز بكونه خازناً، وأمّا العلم والمعرفة فيصرح بأنّ الأعلم والأفضل هو أُبي ومعاذ بن جبل.

ويروي أيضاً: عنه مثله، وفيه: ومَن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت.(٢)

ويروي: عن سعيد بن المسيب: أنّ عمر بن الخطاب أتى على هذه الآية( الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ ) فأتى أُبيّ بن كعب فسأله: أيّنا لم يظلم؟ فقال له: يا أمير المؤمنين: إنّما ذاك الشرك، أما سمعت قول لقمان لابنه:( يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) .(٣)

أقول: فهو يراجع في أصل الآية وفي تفسيرها إلى أُبي بن كعب.

ويروي أيضاً: عن أبي سلمة: مرَّ عمر بن الخطاب برجل وهو يقول:( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ) الآية. فوقف عليه عمر فقال: انصرف، فلمّا انصرف قال له عمر: من أقرأك هذه الآية؟ قال: أقرأنيها أُبيّ بن كعب، فقال: انطلقوا بنا إليه! فانطلقوا إليه فإذا هو متّكئ على وسادة يرجلُ رأسه، فسلّم عليه فردّ السلام، فقال: يا أبا المنذر! قال: لبيك، قال: أخبرني هذا أنّك أقرأته هذه الآية؟ قال: صدق، تلقّيتها من رسول الله (ص)، قال عمر: أنت تلقّيتها من رسول الله (ص)؟ ثلاث

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ٢٧١.

٢ - نفس المصدر، ص ٢٧٢.

٣ - نفس المصدر، ص ٣٠٥.

٢٢١

مرات، كل ذلك يقوله، وفي الثالثة وهو غضبان: نعم والله، لقد أنزلها الله على جبريل وأنزلها جبريل على محمّد، فلم يستأمر فيها الخطّاب ولا ابنه، فخرج عمر وهو رافع يديه وهو يقول الله أكبر الله أكبر.

ويروي أيضاً: عن ابن عبّاس، قال عمر: عليّ أقضانا، وأبيّ أقرأنا، وإنا لندع بعض ما يقول أُبي، وأُبي يقول: أخذت عن رسول الله (ص) ولا أدَعُه، وقد قال الله تبارك وتعالى: ( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا ) .

أقول: يظهر من هذه الروايات أنّه كان آبيا عن قبول بعض الآيات الكريمة لقصور الوصول إلى حقيقتها، مستدلاً بقوله تعالى:( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا ) ، مع أنّ هذا تمسك بالعام في مورد الشبهة المصداقية، وأنّ النسخ لا يوجب محو الآية من الكتاب الكريم.

الفائق: ومنه قول عمر بن الخطاب أعوذ بالله من كلّ مُعضلة ليس لها أبو حسن.(١)

أقول: تكشف هذه الروايات وأمثالها عن أنّ عمر لم يكن قادراً على حلّ معضلات المسائل، ولم يكن مسلّطا على الوصول إلى حقائق آيات القرآن الكريم، فكيف يرضى الله ورسوله أن يكون إماما يقتدي به المسلمون ويستفيد منه المتعلّمون.

مستدرك: عن أبي عبّاس: مُرّ على عليّ بمجنونة بني فلان قد زنت وأمر عمر بن الخطاب برجمها، فردّها علي بن أبي طالب، وقال لعمر: يا أمير المؤمنين أمرت برجم هذه؟ قال: نعم. قال: أما تذكر أنّ رسول الله (ص) قال: رُفع القلم عن ثلاثة عن المجنون المغلوب على عقله، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم. قال: صدقت، فخلّى عنها.(٢)

أقول: من شرائط توجّه التكليف: العقل والبلوغ والاختيار، وإذا فقده

____________________

١ - الفائق، ج ٢، ص ١٦٣.

٢ - مستدرك الحاكم، ج ٢، ص ٥٩.

٢٢٢

الإنسان لم يتوجّه التكليف إليه حتى يُعاقب أو يُثاب. ورفعُ القلم كناية عن رفع التكليف.

ومن العجيب ما ورد من أحاديثهم في علم عمر: قال في الاستيعاب قال حذيفة: كان علم الناس كلّهم قد درس في علم عمر. وقال ابن مسعود: لو وضع علم أحياء العرب في كفّة ميزان ووضع علم عمر في كفّة لرجح علم عمر. وقد كانوا يرون أنّه ذهب بتسعة أعشار العلم.(١)

( بعض آرائه وحالاته )

ليس غرضنا الطعن على رجل مضى قبل قرون، فضلا عن صحابيّ من أصحاب رسول الله (ص)، وإنّما نريد بيان حقائق تاريخية، حتى تنكشف متن الإسلام وما جاء به رسول الله (ص)، عن أحداث حادثة وعن فتن نازلة. وحتى تتبيّن حقيقة وصية رسول الله (ص) حيث قال: إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي ما أن تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبدا.

( عمر وأُسامة )

تاريخ الطبري: فقال أبو بكر: لو خطفتني الكلاب والذئاب لم أردّ قضاءً قضى به رسول الله (ص). قال: فإنّ الأنصار أمروني أن أُبلّغك وأنّهم يطلبون إليك أن تُولّي أمرهم رجلاً أقدم سنّا من أسامة! فوثب أبو بكر وكان جالساً فأخذ بلحية عمر فقال ثكلتك أمّك وعدمتك يا ابن الخطّاب استعمله رسول الله (ص) وتأمرني أن أنزعه.(٢)

أقول: قد مرّ أنّ رسول الله (ص) قد أمّر أسامة على المهاجرين والأنصار ومنهم أبو بكر وأبو عبيدة وعمر، ولعن مَن تخلّف عنه، وكان يؤكّد تجهيزه، ولكنّ أكثر

____________________

١ - الاستيعاب، ج ٣، ص ١١٤٩.

٢ - تاريخ الطبري، ج ٣، ص ٢١٢.

٢٢٣

الناس قد طعنوا في إمارته وتخلّفوا عنه، ولم يبالوا بما قال رسول الله (ص).

وقد اعترف عمر بفضله وقربه من النبيّ (ص) وكونه أحبّ إلى رسول الله (ص) من عبد الله بن عمر، وأنّ أباه كان أحبّ إلى رسول الله من عمر، في جواب اعتراض ابنه، في الحديث الآتي:

الطبقات: قال عبد الله بن عمر: وكلّمتُه ( أي عمر ) فقلت: يا أمير المؤمنين فضّلت عليّ مَن ليس هو بأقدم منّي سنّاً ولا أفضل منّي هجرةً ولا شهد من المَشاهد ما لم أشهد! قال: ومَن هو؟ قلت: أسامة بن زيد، قال: صدقت لعمر الله فعلت ذلك لأنّ زيد بن حارثة كان أحبّ إلى رسول الله (ص) من عمر، وأسامة بن زيد كان أحبّ إلى رسول الله (ص) من عبد الله بن عمر، فلذلك فعلت.(١)

ويروي أيضاً: فقلت: لم فرضت لأسامة أكثر ممّا فرضت لي ولم يشهد مشهداً إلاّ وقد شهدته؟ فقال: إنّه كان أحبّ إلى رسول الله (ص) منك وكان أبوه أحبّ إلى رسول الله (ص) من أبيك.

فتوح البلدان: ما يقرب من الروايتين.(٢)

أقول: يعترف عمر بأنّ مناط القرب والفضيلة هو المحبوبية عند الله تعالى وعند رسوله، والأعمال الآخر مقدمات لحصول هذه النتيجة، فمن كان أحبّ إلى الله والى رسوله فله الفضيلة والتفوّق والفخر والكمال، وإن كان في حداثة السنّ.

وبعبارة أخرى: إنّ الأهم في العبادات والطاعات هو الكيفية ودرجة الإيمان وشدّة اليقين وطمأنينة النفس، لا الكمية وكثرة العمل. قال الله تعالى:( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) ، يريد الإخلاص. وهذا هو الموجب لحصول القرب والمحبوبية عند الله تعالى ورسوله الأكرم.

(عمر والسَحَرة)

سير الأعلام: عن بَجالة: كنت كاتباً لجزء بن معاوية عمّ الأحنف بن قيس،

____________________

١ - الطبقات، ج ٤، ص ٧٠.

٢ - فتوح البلدان، ص ٤٤٣.

٢٢٤

فأتانا كتاب عمر قبل موته بسنة: أن اقتلوا كلّ ساحر وساحرة، وفرّقوا بين كلّ ذي محرم من المجوس، وانهوهم عن الزمزمة.

فقتلنا ثلاث سواحر، وجعلنا نفرّق بين الرجل وحريمته في كتاب الله، وصنع لهم طعاماً كثيرا ودعا المجوس، وعرض السيف على فخذه وألقى وقر بغل أو بغلين من وَرِق، وأكلوا بغير زمزمة.(١)

أقول: الحكم بقتل كلّ ساحر وساحرة وإن لم يستعملا السحر أو استعملا ولم يوجبا قتلا أو جناية: باطل، فإنّ من السحر ما يكون في أمور عادية كتحريك حجر أو شجر أو إراءة شيء على خلاف ما هو عليه. نعم إذا أفسدا في الأرض ولم يتوبا من عملهما وسعيا في الإفساد بين المسلمين: يحكم عليهما بالقتل بشرائط مخصوصة لا مطلقا.

(عمر والخلاف)

مستدرك الحاكم: عن جابر: أنّ النبيّ (ص) دفع الراية يوم خيبر إلى عمر فانطلق فرجع يُجبن أصحابه ويُجبنونه.(٢)

أقول: قال الله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ ) . وقال تعالى:( الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ) .

السيرة النبوية: ثمّ دعا عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له، فقال: يا رسول الله إني أخاف قريشاً على نفسي، وليس بمكّة من بني عديّ بن كعب أحد يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها، ولكنّي أدلك على رجل أعزّ بها منّي.(٣)

أقول: يدلّ على أنّ عمر بن الخطاب لم يكن ممّن يَشري نفسه ابتغاء مرضاة

____________________

١ - سير الأعلام، ج ١، ص ٤٧.

٢ - مستدرك الحاكم، ج٣، ص ٣٨.

٣ - السيرة النبوية، ج ٣، ص ٣٢٩.

٢٢٥

الله ومرضاة الرسول، وكان محبّاً لنفسه، غير مجاهد في الغزوات.

ويروي أيضاً: فلمّا التأم الأمر ولم يبقَ إلاّ الكتاب، وثب عمر بن الخطاب فأتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر أليس برسول الله؟ قال: بلى، قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى، قال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فعلام نُعطي الدنية في ديننا؟ قال أبو بكر: يا عمر ألزم غرزة فإنّي أشهد أنّه رسول الله، قال عمر: وأنا أشهد أنّه رسول الله. ثمّ أتى رسول الله (ص) فقال: يا رسول الله ألست برسول الله؟! قال: بلى، قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى، قال: أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولن يُضيّعني، قال: فكان عمر يقول: ما زلت أتصدّق وأصوم وأصلّي واعتق من الذي صنعت يومئذٍ مخافة كلامي الذي تكلّمت به.(١)

أقول: يدل على أنّ إيمانه لم يكن بدرجة التسليم ولم يكن له معرفة تامّة بمقام الرسالة ولم يكن له علم بمصالح الأمور.

مستدرك: عن جابر قال: بعنا أمّهات الأولاد على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر، فلما كان عمر نهانا فانتهينا. وهذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.(٢)

وله شاهد صحيح - عن أبي سعيد الخدري قال: كنا نبيع أمّهات الأولاد على عهد رسول الله (ص).

تاريخ الطبري: عن عمران بن سوادة قال: صلّيت الصبح مع عمر قلت عابت أمتك منك أربعاً قال: قلت وأعتقت الأمة إن وضعت ذا بطنها بغير عتاقة سيدها، قال: ألحقت حرمة بحرمة وما أردت إلاّ الخير واستغفر الله.(٣)

أقول: يظهر من هذه الرواية أنّ المراد من الحديثين السابقين هو الإعتاق بمجرد الوضع، وهذا خلاف القواعد الفقهية، وخلاف ما كان في عهد رسول الله (ص).

وسيجيء تتمّة الحديث في متعة النساء ومتعة الحج.

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ص ٣٣١.

مستدرك الحكم، ج ٢، ص ١٨.

٣ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ٣٢.

٢٢٦

مسند أحمد: عن الحسن، أنّ عمر أراد أن ينهي عن مُتعة الحجّ، فقال له أبيّ: ليس ذلك لك قد تمتّعنا مع رسول الله (ص) ولم ينهنا عن ذلك، فأضرب عن ذلك عمر. وأراد أن ينهي عن حلل الحبرة لأنّها تُصبغ بالبول، فقال له أُبي: ليس ذلك لك قد لبسهن النبي (ص) ولبسنا في عهده.(١)

عمر والجاهلية

السيرة النبوية: فقال عمر: اللهمّ غفرً كنا في الجاهلية شرّ من هذا نعبد الأصنام ونعتنق الأوثان حتى أكرمنا الله.(٢)

وقال: أنّه كان يقول: كنت للإسلام مباعداً، وكنت صاحب خمر في الجاهلية أحبّها وأُسرّ بها.(٣)

وقال: ومرّ أبو بكر بجارية بني مؤمل - حيّ من بني عديّ بن كعب -، وكانت مسلمة وعمر بن الخطاب يُعذّبها لتترك الإسلام، وهو يومئذٍ مشرك وهو يضربها حتى إذا ملّ، قال: إنّي أعتذر إليك، أنّي لم أتركك إلاّ ملالة، فتقول: كذلك فعل الله بك! فابتاعها أبو بكر فاعتقها.(٤)

مسند أحمد ومستدرك الحاكم: لما نزلت تحريم الخمر، قال عمر: اللهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت:( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ) الذي في سورة البقرة، فدُعي عمر فقُرئت عليه، فقال: اللهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافيا، فنزلت التي في المائدة، فدُعيَ عمر فقُرئت عليه، فلما بلغ:( فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ) ، قال عمر قد انتهينا.(٥)

أقول: يستفاد من هذه الروايات أنّ عمر كان عابد الوثن ومديم شرب الخمر، قبل إسلامه.

____________________

١ - مسند أحمد، ج ٥، ص ١٤٣.

٢ - السيرة النبوية، ج ١، ص ٢٢٣.

٣ - نفس المصدر، ص ٣٧١.

٤ - نفس المصدر، ص ٣٣٩.

٥ - مسند أحمد، ج ١، ص ٥٣. ومستدرك الحاكم، ج ٢، ص ٢٧٨.

٢٢٧

مسند أحمد: عن ابن عمر، أنّ رسول الله (ص) قال: اللّهمّ أعِز الإسلام بأحبّ هذين الرجلين إليك، بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب، فكان أحبّهما إلى الله عمر بن الخطاب.(١)

أقول: يستفاد من هذه الرواية أنّ عمر كان قبل الإسلام مخالفاً ومعاندا لرسول الله (ص) اشد عناد كأبي جهل.

عمر والنّبيذ

الطبقات: أنّ عمر بن الخطاب لما طُعن، قال له الناس يا أمير المؤمنين لو شربت شربة؟ فقال أسقوني نبيذاً وكان من أحبّ الشرب إليه، قال فخرج النبيذ من جرحه.(٢)

أقول: قد صرّح بأنّه طلب النبيذ بعنوان الشربة لا بعنوان الدواء، وبأنّ النبيذ كان من أحبّ الشراب إليه.

مستدرك الحاكم: عن أبي وائل قال: غزوت مع عمر الشام فنزلنا منزلاً، فجاء دهقان يستدل على أمير المؤمنين حتى أتاه فلما رأى الدهقان عمر سجد ثمّ قال عمر لغلامه: هل في إدواتك شيءٌ من ذلك النبيذ؟ قال: نعم، قال: فابعث لنا، فأتاه فصبّه في إناء ثمّ شمّه فوجده منكر الريح، فصبّ عليه ماءً ثمّ شمّه فوجده منكر الريح، فصبّ عليه الماء ثلاث مرات ثمّ شربه، ثمّ قال: إذا رابكم من شرابكم فافعلوا به هكذا.(٣)

مستدرك الحاكم: فلمّا انصرف توجه الناس إلى عمر بن الخطّاب قال: فدعا بشراب لينظر ما مدى جرحه، فأتي بنبيذ فشربه قال: فخرج فلم يدر أدمٌ هو أم نبيذ، فدعا بلبن فأُتي به فشربه فخرج من جرحه، فقالوا: لا بأس عليك يا أمير المؤمنين.(٤)

____________________

١ - مسند أحمد، ج ٢، ص ٩٥.

٢ - الطبقات، ج ٣، ص ٢٥٤.

٣ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ٨٢.

٤ - نفس المصدر، ص ٩١.

٢٢٨

أقول: الظاهر من إطلاق النبيذ هو النبيذ المطبوخ المسكر، ويدلّ عليه قوله: ثمّ شمّه فوجده منكر الريح، فصبّ عليه ماءً، ويظهر من الميزان للشعراني أنّ أبا حنيفة يقول بنجاسة النبيذ وحرمته إذا أسكر لا مطلقاً.

٢٢٩

فتنة:

( متعة النساء )

مستدرك الحاكم: عن أبي نضرة قال: قرأت على ابن عبّاس:( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) ، قال ابن عبّاس: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمّى، قال أبو نضرة: فقلت ما نَقرأها كذلك، فقال ابن عبّاس: والله لأنزلها الله كذلك.(١)

الفائق: أذن في المتعة عام الفتح. قال سبرة الجهيني: فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة شابة كأنّها بكرة عَيطاء. وروي: أذن لنا رسول الله (ص) في المتعة عام الفتح، فخرجت أنا وابن عمّ لي ومعي بُرد قد بُسّ منه، فلقينا فتاة مثل البكرة العَنَطنَطَة، فجعل ابن عمي يقول لها: بردي أجود من برده، قالت: برد هذا غير مفنوخ، ثمّ قال: برد كبرد.(٢)

وقال الزمخشري: العَيطاء والعنطنطة الطويلة العنق. وبُسّ منه: نيل منه ونهك بالبلى. المفنوخ: المنهوك، وفنخه إذا ذلّله.

تاريخ الطبري: عن عمران بن سوادة قال: صلّيت الصبح مع عمر قلت: نصيحة، فقال: مرحباً بالناصح غدوّا وعشيّاً، قلت: عابت أمتك منك أربعا! قال: فوضع رأس درّته في ذقنه ووضع أسفلها على فخذه ثمّ قال: هات، قلت: ذكروا أنّك حرّمت العمرة في أشهر الحجّ وذكروا أنّك حرّمت متعة النساء وقد كانت رخصة من الله نستمتع بقُبضة ونفارق عن ثلاث، قال: إنّ رسول الله (ص) أحلّها في زمان ضرورة ثمّ رجع الناس إلى السعة، ثمّ لم أعلم

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج ٢، ص ٣٠٥.

٢ - الفائق، ج ٢، ص ٢٠٢.

٢٣٠

أحداً من المسلمين عمل بها ولا عاد إليها، فالآن من شاء نكح بقُبضة وفارق عن ثلاث بطلاق.(١)

أقول: قراءة ابن عبّاس في الآية( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) وإحلافه بنزولها كذلك صريحة في نكاح المتعة، ولا خلاف بين المسلمين في أنّها كانت مباحة في زمان رسول الله (ص)، ومن يدّعي نسخها فعليه أن يُثبت، وما ورد من الروايات في تحريمها فهي أخبار آحاد. وأمّا نهي عمر: فإن كان مراده نهياً في زمان معيّن أو في مكان أو بقيد مخصوص يلاحظ فيها صلاح المسلمين - فذلك لا يبعد إصلاحه وتصحيحه، وأمّا إذا كان المراد التحريم والنهي في مقابل تجويز الشرع فلا إشكال في كونه بدعة وأحدوثة في الدين وخلافا للكتاب والسنّة الثابتة، فلا يعتنى بها بوجه. قال رسول الله (ص) كما في ابن ماجة: وسترون من بعدي اختلافاً شديداً، فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهدّيين، وعضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم والأمور المحدثات فإن كلّ بدعة ضلالة.(٢)

وليعلم أنّ المراد من الخلفاء الراشدين خلفاؤه في العلم والعمل الذين أوصى بهم وجعلهم أئمّة وهم أهل بيت الرسالة ومختلف الملائكة وخزّان العلم، وأنهم يتّبعون الكتاب وسنة رسول الله (ص) ولا يخالفون ما جاء به بأيّ وجه.

مسند أحمد: عن أبي نضرة، قلت لجابر بن عبد الله: إنّ ابن الزبير ينهى عن المتعة، وأنّ ابن عبّاس يأمر بها، قال: فقال لي: على يديّ جرى الحديث، تمتّعنا مع رسول الله (ص) ومع أبي بكر، فلمّا ولي عمر خطب الناس فقال: إنّ القرآن هو القرآن، وإنّ رسول الله (ص) هو الرسول، وإنّهما كانتا متعتان على عهد رسول الله (ص) أحداهما متعة الحجّ والأخرى متعة النساء.(٣)

وفي سنن البيهقي: نظيرها، وفيها: وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما، أحداهما متعة

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ٣٢.

٢ - ابن ماجة، ج ١، ص ٢٠.

٣ - مسند أحمد، ج ١، ص ٥٢.

٢٣١

النساء ولا أقدر على رجل تزوّج امرأة إلى أجل إلاّ غيّبته بالحجارة، والأخرى متعة الحجّ، افصلوا حجّكم من عمرتكم فإنّه أتمّ لحجّكم وأتمّ لعمرتكم.(١)

ويروي: عن أبي سعيد الخدري قال: كنا نتمتّع على عهد رسول الله (ص) بالثوب.(٢)

ويروي: عن جابر قال: تمتعّنا متعتين على عهد النبيّ (ص) الحجّ والنساء، فنهانا عمر عنهما فانتهينا.(٣)

سنن البيهقي: يقول البيهقي بعد نقل روايات مختلفة كما في مسلم وغيره: قال الشيخ - ونحن لا نشك في كونها على عهد رسول الله (ص)، لكنّا وجدناه نهى عن نكاح المتعة عام الفتح بعد الإذن فيه، ثمّ لم نجده إذن فيه بعد النهي حتى مضى لسبيله (ص) فكان نهي عمر بن الخطاب عن نكاح المتعة موافقاً لسنة رسول الله (ص)، فأخذنا به ولم نجده (ص) نهى عن متعة الحجّ في رواية صحيحة عنه، ووجدنا في قول عمر ما دلّ على أنّه أحبّ أن يفصل بين الحجّ والعمرة ليكون أتمّ لهما، فحملنا نهيه عن متعة الحجّ على التنزيه وعلى اختيار الإفراد على غيره لا على التحريم.(٤)

أقول: ينبغي التنبيه على أمور:

١ - أنّ المتعة هي النكاح المنقطع التي أحلّها الله في كتابه المجيد، وأحلّها رسوله (ص) وعمل بها الأصحاب إلى زمان عمر.

٢ - المتعة هي عقد على شرائط لازمة في النكاح الدائم في الزوج والزوجة والمهر وانتفاء الموانع ولزوم العدّة، ويفارق الدائم في تعيين الأجل.

٣ - قد صرّح عمر في كلماته ( كانتا في عهد رسول الله وأنا أحّرمهما ) بأنّ المتعتين كانتا في عهد رسول الله (ص) جائزتين وواقعتين، فكيف يدّعي الشيخ بأنّ رسول الله (ص) لم يأذن فيها بعد.

____________________

١ - سنن البيهقي، ج ٧، ص ٢٠٦.

٢ - مسند أحمد، ج ٣، ص ٢٢.

٣ - نفس المصدر، ص ٣٥٦.

٤ - سنن البيهقي، ج ٣، ص ٢٢.

٢٣٢

٤ - أنّ حكم الجواز والنهي في المتعتين على السواء ( متعتان كانتا في عهد رسول الله (ص) وأنا أحرّمهما ) فيكف يجوز للشيخ أن يفصل بينهما بالتحريم في الأوّل والتنزيه في الثاني.

٥ - إذا قال عمر في خطبته: بأنّ القرآن هو القرآن والرسول هو الرسول، لم يتغيّروا، فكيف يصحّ منه القول بالتحريم والنهي.

مسلم: بإسناده عن جابر بن عبد الله، وسلمة بن الأكوع، قالا: خرج علينا منادي رسول الله (ص) فقال: إنّ رسول الله (ص) قد أذن لكم أن تستمتعوا. يعني متعة النساء.(١)

وبإسناد آخر عنهما: أنّ رسول الله (ص) أتانا فأذن لنا في المتعة.

ويروي: قال عطاء: قدم جابر بن عبد الله معتمراً فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء ثمّ ذكروا المتعة؟ فقال: نعم استمتعنا على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر وعمر.(٢)

ويروي أيضاً: عن جابر: كنا نستمتع القبضة من التمر والدقيق الأيامَ. على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر، حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث.

ويروي أيضاً: عن أبي نضرة: كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال: ابن عبّاس وابن الزبير اختلفا في المتعتين! فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله (ص) ثمّ نهانا عنهما عمر فلم نُعدلهما.

ويروي أيضاً: عن سبرة، قال: أذن لنا رسول الله (ص) بالمتعة، فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة من بني عامر فمكثت معها ثلاثاً، ثمّ إنّ رسول الله (ص) قال: مَن كان عنده شيء من هذه النساء التي يتمتع، فليخل سبيلها.

ويروي أيضاً: عن سبرة، قال: أذن لنا رسول الله (ص) عام أوطاس في المتعة ثلاثاً ثمّ نهى عنها.

أقول: في حاشية الكتاب - عام أوطاس هو عام الفتح وهو وادٍ بديار هوازن،

____________________

١ - مسلم، ج ٤، ص ١٣٠.

٢ - نفس المصدر، ص ١٣١.

٢٣٣

وقوله ثلاثاً، أي: ثلاث ليالٍ. انتهى.

فالمراد من النهي عنها بقرينة لحن هذه الرواية وبصراحة روايات أخرى هو النهي عن جهة الزمان وعدم اقتضاء أيام الحرب الترخيص أكثر من ثلاث ليالٍ، فلا دلالة فيها على النهي المطلق وتحريم أصل العمل، كما لا يخفى.

ويروي أيضاً: بإسناده عن قيس، قال: سمعت عبد الله ( هو ابن مسعود ) يقول: كنّا نغزو مع رسول الله (ص) ليس لنا نساء، فقلنا ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثمّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثمّ قرأ عبد الله:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) .(١)

سنن البيهقي: يروي روايات قريبة منها.(٢)

ويروي أن عبد الله بن الزبير قام بمكّة فقال: إنّ أناسا أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يُفتون بالمتعة، يُعرّض برجل، فناداه فقال إنّك لجلف جاف ؛ فلعمري لقد كانت المتعة تُفعل على عهد إمام المتقين ( يريد رسول الله (ص) ) فقال له ابن الزبير: فجرّب بنفسك، فوالله لئن فعلتها لأرجمنّك بأحجارك.(٣)

قال ابن شهاب فأخبرني خالد بن المهاجر بن سيف الله أنّه بينا هو جالس عند رجل، جاءه رجل فاستفتاه في المتعة؟ فأمره بها، فقال له ابن أبي عمرة الأنصاري: مهلا! قال: ما هي والله لقد فعلت في عهد إمام المتّقين، قال ابن أبي عمرة: إنّها كانت رخصة في أوّل الإسلام لمن اضطرّ إليها، كالميتة والدم ولحم الخنزير، ثمّ أحكم الله الدين ونهى عنها.

أقول: لا يخفى على الخبير أنّ الترخيص إنّ كان متوقّفا على الاضطرار فلا يقيّد بزمان ولا معنى لتخصيصه بأوّل الإسلام.

وأيضاً لا معنى للتحريم والنهي عن العمل الاضطراريّ فإنّه يرتفع التكليف في

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ص ١٣٠.

٢ - سنن البيهقي، ج ٧، ص ٢٠٠.

٣ - مسلم ج ٤، ص ١٣٣.

٢٣٤

حال الاضطرار، ويثبت إذا انتفى الموضوع.

ثمّ إنّه يلزم على هذا الفرض أن يثبت الحكم التحريميّ للموضوع أوّلا وبالذات كما في الميتة والدم، ثمّ يستثنى منه مورد الاضطرار لا بالعكس.

ورابعاً: قد ثبت الجواز في زمان النبيّ (ص) فالتقييد بحال الاضطرار أو التحريم بعده يحتاج إلى دليل قطعيّ، ولم يثبت.

ويروي: بإسناد عن علي بن أبي طالب: أنّ رسول الله (ص) نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحُمر الإنسية.(١)

ويروي: بمثلها بأسانيد أخرى.

أقول: هذا النهي من جهة خصوصية زمان معيّن لا من جهة أصل الموضوع، وقد ثبت التجويز في عام الفتح بعد عام خيبر.

ابن ماجة: عن ابن عمر: قال: لمّا ولي عمر بن الخطّاب خطب الناس فقال: إنّ رسول الله (ص) أذن لنا في المتعة ثلاثاً ثمّ حرّمها، والله لا أعلم أحداً يتمتع وهو مُحصن إلاّ رجمته بالحجارة إلاّ أن يأتيني بأربعة يشهدون أنّ رسول الله (ص) أحلّها بعد إذ حرّمها.(٢)

أقول: يعترف الخطيب بأنّ رسول الله (ص) أحلّها وحكم بحلّيتها ثلاثَ مرّات أو ثلاث ليالٍ، فتثبت الحلّية. وأمّا نفيها والتحريم بعد، فيحتاج إلى الإثبات. ثمّ إنّ غاية ما يمكن أن نقول هنا: إنّ حلّية المتعة تتوقّف على شرائط، وإذا فقدت الشرائط المأخوذة فتلحقها الحرمة والممنوعية، وإلاّ فلا معنى للتحليل ثمّ التحريم مرّة بعد مرّة.

والحاصل من هذه الروايات الشريفة: أنّ المتعة كانت واقعة في زمان رسول الله (ص)، بل إلى زمان عمر، وتدلّ عليه الآية الشريفة:( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) ولا سيّما على قراءة ابن عبّاس.

ولمّا كانت الأحكام الشرعية تعبّدية وتوقيفيّة صرفة لا يجوز لنا أن ننصرف

____________________

١ - مسلم، ج ٤، ص ١٣٤.

٢ - ابن ماجة، ج ١، ص ٦٠٥.

٢٣٥

عنها ونبدلها بوجه من الوجوه، وليس لأحدٍ أن يغيّر حكم الله ويحرّف كلمات الله عن مواضعها بعقله الضعيف وإدراكه المحدود وفهمه الناقص:( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ) .

ويلزم أن يتوجّه المسلم الغيور المتعبّد بأنّ تحليل المتعة ليس بمعنى التجويز على الإطلاق، بل له شرائط وآداب لازمة أزيد من شرائط النكاح الدائم، من رعاية حقوق المرأة وحفظ حرمتها والتوجّه إلى حياتها الاجتماعية، وعدم إيجاب هذا الأمر مضيقة لها في معاشها وابتلاء في أمورها المستقبلة والتدبير في ما يرتبط بحمل المرأة ووضع الولد وتربيته، وهذا ابتلاء ما أعظمه، فإذا لم تراع هذه الشرائط: تكون حراما بالعنوان الثانويّ.

٢٣٦

فتنة:

( تحريم المتعة في الحجّ )

الفائق: قال عمر بن الخطّاب في متعة الحجّ: علمت أنّ رسول الله (ص) فعلها وأصحابه، ولكنّي كرهت أن يظلّوا بهنّ مُعرسين تحت الأراك، ثم يُلبّون بالحج تقطر رؤوسهم.(١)

سنن الدارمي: عن مروان بن الحكم أنّه شهد علياً وعثمان بين مكّة والمدينة، وعثمان ينهي عن المتعة، فلمّا رأى ذلك عليّ، أهلّ بهما جميعاً، فقال: لبيك بحجّة وعمرة معاً، فقال: تراني أنهى عنه وتفعله! فقال لم أكن لأدع سنّة رسول الله (ص) بقول أحدٍ من الناس.(٢)

ويروي: عن أنس أنه سمع النبي (ص)، يقول: لبيك بعمرة وحج.(٣)

ويروي أيضاً: عن أنس: أنّ رسول الله (ص) أهلّ بهما جميعاً، فلقيت ابن عمر فأخبرته بقول أنس، فقال إنّما أهلّ بالحجّ، فرجعت إلى أنس فأخبرته بقول ابن عمر، فقال: ما يَعدّونا إلاّ صبياناً.

أقول: يستفاد من هذه الروايات أمور:

١ - اعترف عمر بأنّ رسول الله (ص) فعل متعة الحجّ وكذا أصحابه.

٢ - صرّح بأنّ علّة تحريم كراهته أن يظلّوا بهنّ مُعرسين ثمّ يُلبون بالحجّ، غفلةً منه بأنّ الإعراس كالأكل والشرب، وقد يجب، واستحبابه مسلّم، وهو من الطاعات، بل من الأمور الضرورية لطبيعة البشر، يصان به عن إفراط الشهوة ويعتدل به المزاج والفكر.

____________________

١ - الفائق، ج ٢، ص ١٣٦.

٢ - سنن الدارمي، ج ٣، ص ٦٩.

٣ - نفس المصدر، ص ٧٠.

٢٣٧

مسلم: بإسناده عن جابر: قدم النبيّ (ص) صبح رابعة مضت من ذي الحجّة فأمرنا أن نحلّ، قال: حِلّوا وأصيبوا النساء. قال عطاء: ولم يعزم عليهم ولكن أحلّهنّ لهم، فقلنا لما لم يكن بيننا وبين عرفة إلاّ خمس أمرنا أن نفضي إلى نسائنا فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا المنيّ الحديث.(١)

ويروي مسند أحمد: نظيره.(٢)

ويروي أيضاً: بإسناده: أهللنا مع رسول الله (ص) بالحجّ فلمّا قدمنا مكّة أمرنا أن نحلّ ونجعلها عمرة، فكبُر ذلك علينا وضاقت به صدورنا، فبلغ ذلك النبيّ (ص) فما ندري أشيء بلغه من السماء أم شيء من قبل الناس؟ فقال: أيّها الناس أحلّوا، فلولا الهدي الذي معي فعلت كما فعلتم.قال فأحللنا حتى وطأنا النساء ... الحديث.

ويروي أيضاً: بإسناده: كان ابن عبّاس يأمر بالمتعة، وكان ابن الزبير ينهي عنها، قال: فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله، فقال: على يديّ دار الحديث، تمتّعنا مع رسول الله (ص)، فلمّا قام عمر قال: إنّ الله كان يُحلّ لرسوله ما شاء بما شاء، وأنّ القرآن قد نزل منازله، فأتمّوا الحجّ والعمرة لله كما أمركم الله، وأبتّوا نكاح هذه النساء ؛ فلن أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلاّ رجمته بالحجارة.(٣)

ويروي أيضاً: عن أبي موسى، إنّه كان يفتي بالمتعة، فقال له رجل: رويدك ببعض فُتياك ؛ فإنّك لا تدري ما أحد أمير المؤمنين في النسك بعد، حتى لقيه بعد، فسأله، فقال عمر: قد علمت أنّ النبي (ص) قد فعله وأصحابه، ولكن كرهت أن يظلّوا مُعرسين بهنّ في الأراك ثمّ يروحون في الحجّ تقطر رؤوسهم.(٤)

وفي النسائي: نظيرها. وكذا في أحمد.(٥)

ويروي أيضاً: بإسناده: كان عثمان ينهي عن المتعة، وكان عليّ يأمر بها،

____________________

١ - مسلم، ج ٤، ص ٣٧.

٢ - مسند أحمد، ج ٣، ص ٣١٧.

٣ - مسلم، ج ٤، ص ٣٨.

٤ - نفس المصدر، ص ٤٥.

٥ - النسائي، ج ٥، ص ١١٩ ومسند أحمد، ج ١، ص ٥٠.

٢٣٨

فقال عثمان لعليّ كلمة، ثمّ قال عليّ: لقد علمت إنّا قد تمتّعنا مع رسول الله (ص)؟ فقال: أجل ولكنّا كنّا خائفين.(١)

ويروي أيضاً: اجتمع عليّ وعثمان رضيَ الله عنهما بعُسفان، فكان عثمان ينهى عن المتعة أو العمرة، فقال علي: ما تريد إلى أمر فعله رسول الله (ص) تنهي عنه؟! فقال عثمان: دعنا منك، فقال: إنّي لا أستطيع أن أدعك. فلمّا أن رأى عليّ ذلك أهل بهما جميعاً.

ويروي أيضاً: بإسناده عن أبي ذرّ قال: كانت لنا رخصة يعني المتعة في الحجّ.

أقول: ثبت من هذه الروايات أنّ متعة الحجّ كانت مسلّمة في عهد رسول الله (ص) وقد عملت الصحابة بها وكانوا مرخّصين فيها.

ويروي أيضاً: بإسناده عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذرّ (رض) قال: كانت المتعة في الحجّ لأصحاب محمّد (ص) خاصة.

ويروي أيضاً: لا تصلح المتعتان إلاّ لنا خاصة.

أقول: إنّ كانت المتعة مخصوصة بأصحاب الرسول الله (ص): فكيف كان عمر وعثمان ينهيان الصحابة عنها؟! وإن كانت مخصوصة بهم مقيّدة بزمان الرسول وحياته (ص): فكيف كان عمر وابن عبّاس وعليّ وغيرهم جاهلين بهذا القيد؟! وهل كان التحريم في زمان عمر فرع ثبوت الحليّة في هذا الزمان مع ما في خلاصة التهذيب: أنّ إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي العابد يُرسل ويُدلّس.

ويروي أيضاً: بإسناده، سألت سعد بن أبي وقّاص (رض) عن المتعة؟ فقال: فَعَلْنَاهَا وَهَذَا يَوْمَئِذٍ ( أي: أنّ معاوية في ذلك اليوم ) كَافِرٌ بِالْعُرُشِ. يَعْنِى بُيُوتَ مَكَّةَ.(٢)

ويروي أيضاً: بإسناده عن عمران بن حصين قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله ( يعني متعة الحجّ ) وأمرنا بها رسول الله (ص) ثمّ لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحجّ ولم ينه عنها رسول الله (ص) حتى مات، قال رجل برأيه بعد ما شاء.(٣)

____________________

١ - مسلم، ج ٤، ص ٤٦.

٢ - مسلم، ج ٤، ص ٤٧.

٣ - نفس المصدر، ص ٤٩.

٢٣٩

وفي النسائي: قريب منها.(١)

وروى روايات أخر قبلها قريباً منها، وصرّح فيها بأنّ المراد من الرجل هو عمر بن الخطّاب، وهو الذي ارتأى برأيه، وقال بالتحريم.

ويروي أيضاً: بإسناده، عن مسلم القُريّ قال: سألت ابن عبّاس (رض) عن متعة الحجّ فرخّص فيها، وكان ابن الزبير ينهى عنها، فقال: هذه أمّ ابن الزبير تُحدّث أنّ رسول الله (ص) رخّص فيها، فادخلوا عليها فاسألوها؟ قال: فدخلنا عليها فإذا امرأة ضخمة عمياء، فقالت: قد رخّص رسول الله (ص) فيها.(٢)

ويروي أيضاً: بإسناده عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله (ص): هذه عمرة استمتعنا بها فمن لم يكن عنده الهدي فليُحلّ الحلّ كلّه، فإن العمرة قد دخلت في الحجّ إلى يوم القيامة.(٣)

ويروي أيضاً: عن أبي حمزة الضبعي، قال: تمتّعت فنهاني ناسٌ عن ذلك، فأتيت ابن عبّاس فسألته عن ذلك فأمرني بها، قال: ثمّ انطلقت إلى البيت فنمت فأتاني آت في منامي فقال: عمرة متقبّلة وحجّ مبرور، قال: فأتيت ابن عبّاس فأخبرته بالذي رأيت، فقال: الله أكبر! الله أكبر! سنّة أبي القاسم (ص).

ويروي: بإسناده قال عطاء: كان ابن عبّاس يقول: لا يطوف بالبيت حاجّ ولا غير حاجّ إلاّ حِلّ، قلت لعطاء: من أين يقول ذلك؟ قال: من قول الله تعالى:( ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) ، قال: قلت فإن ذلك بعد المعرف، فقال: كان ابن عبّاس يقول: هو بعد المعرّف وقبله، وكان يأخذ ذلك من أمر النبيّ (ص) حين أمرهم أن يُحلّوا في حجّة الوداع.(٤)

أقول: أي بعد الوقوف بعرفة وقبله، والمعرّف موضع التعريف.

ويروي: بإسناده عن أبي نضرة، قال: كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت

____________________

١ - النسائي، ج ٥، ص ١٢٠.

٢ - مسلم، ج ٤، ص ٥٥.

٣ - نفس المصدر، ص ٥٧.

٤ - نفس المصدر، ص ٥٨.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

الآيات

( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (٤) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (٥) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ (٦) )

التّفسير

يجب الحزم في ساحة الحرب :

كما قلنا سائقا ، فإنّ الآيات السابقة كانت مقدمة لتهيئة المسلمين من أجل إصدار أمر حربي مهم ذكر في الآيات مورد البحث ، فتقول الآية :( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ ) (١) .

__________________

(١) «ضرب» مصدر مفعول مطلق لفعل مقدر ، والتقدير : اضربوا ضرب الرقاب ، كما صرّحت الآية (١٢) من سورة الأنفال بذلك إذ قالت :( فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ ) .

٣٢١

من البديهي أن «ضرب الرقاب» كناية عن القتل ، وعلى هذا فلا ضرورة لأن يبذل المقاتلون قصارى جهدهم لأداء هذا الأمر بالخصوص ، فإنّ الهدف هو دحر العدو والقضاء عليه ، ولما كان ضرب الرقاب أوضح مصداق له ، فقد أكّدت الآية عليه.

وعلى أية حال ، فإنّ هذا الحكم مرتبط بساحة القتال ، لأنّ «لقيتم» ـ من مادة اللقاء ـ تعني الحرب والقتال في مثل هذه الموارد ، وفي نفس هذه الآية قرائن عديدة تشهد لهذا المعنى كمسألة أسر الأسرى ، ولفظة الحرب ، والشهادة في سبيل الله ، والتي وردت في ذيل الآية.

وخلاصة القول : إنّ اللقاء يستعمل ـ أحيانا ـ بمعنى اللقاء بأي شكل كان ، وأحيانا بمعنى المواجهة والمجابهة في ميدان الحرب ، واستعمل في القرآن المجيد بكلا المعنيين ، والآية مورد البحث ناظرة إلى المعنى الثّاني.

ومن هنا يتّضح أنّ أولئك الذين حوّروا هذه الآية وفسّروها بأنّ الإسلام يقول : حيثما وجدتم كافرا فاقتلوه ، لم يريدوا إلّا الإساءة إلى الإسلام ، واتخاذ الآية بمعناها المحرّف حربة ضد الدين الحنيف ، محاولة منهم لتشويه صورة الإسلام الناصعة ، وإلّا فإنّ الآية صريحة في اللقاء في ساحة الحرب وميدان القتال.

من البديهي أنّ الإنسان إذا واجه عدوا شرسا في ميدان القتال ، ولم يقابله بحزم ولم يكل له الضربات القاصمة ولم يذقه حرّ سيفه ليهلكه ، فإنّه هو الذي سيهلك ، وهذا القانون منطقي تماما.

ثمّ تضيف الآية :( حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ ) .

«أثخنتموهم» من مادة ثخن ، بمعنى الغلظة والصلابة ، ولهذا تطلق على النصر والغلبة الواضحة ، والسيطرة الكاملة على العدو.

وبالرغم من أنّ أغلب المفسّرين فسّروا هذه الجملة بكثرة القتل في العدو وشدّته ، إلّا أنّ هذا المعنى لا يوجد في أصلها اللغوي ، كما قلنا ، ولكن لمّا كان دفع

٣٢٢

خطر العدو غير ممكن أحيانا إلّا بكثرة القتل فيه ، فيمكن أن تكون مسألة القتل أحد مصاديق هذه الجملة في مثل هذه الظروف ، لا أنّها معناها الأصلي(١) .

وعلى كلّ حال ، فإنّ الآية المذكورة تبيّن تعليما عسكريا دقيقا ، وهو أنّه يجب أن لا يقدم على أسر الأسرى قبل تحطيم صفوف العدو والقضاء على آخر حصن لمقاومته ، لأنّ الإقدام على الأسر قد يكون سببا في تزلزل وضع المسلمين في الحرب ، وسيعوق المسلمين الاهتمام بأمر الأسرى ونقلهم إلى خلف الجبهات عن أداء واجبهم الأساسي.

وعبارة( فَشُدُّوا الْوَثاقَ ) وبملاحظة أنّ الوثاق هو الحبل ، أو كلّ ما يربط به ، يشير الى إتقان العمل في شدّ وثاق الأسرى ، لئلا يستغل الأسير فرصة يفر فيها ، ثمّ يوجّه ضربة إلى الإسلام والمسلمين.

وتبيّن الجملة التالية حكم أسرى الحرب الذي يجب أن يقام بحقّهم بعد انتهاء الحرب ، فتقول :( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ) وعلى هذا لا يمكن قتل الأسير الحربي بعد انتهاء الحرب ، بل إنّ ولي أمر المسلمين ـ طبقا للمصلحة التي يراها ـ يطلق سراحهم مقابل عوض أحيانا ، وبلا عوض أحيانا أخرى ، وهذا العوض ـ في الحقيقة ـ نوع من الغرامة الحربية التي يجب أن يدفعها العدو.

طبعا يوجد حكم ثالث في الإسلام فيما يتعلق بهذا الموضوع ، وهو استعباد الأسرى ، إلّا أنّه ليس أمرا واجبا ، بل هو راجع إلى ولي أمر المسلمين ينفّذه عند ما يراه ضرورة في ظروف خاصة ، ولعلّه لم يرد في القرآن بصراحة لهذا السبب ، بل بيّنته الرّوايات الإسلامية فقط.

يقول فقيهنا المعروف «الفاضل المقداد» في «كنز العرفان» : إنّ ما روي عن مذهب أهل البيتعليهم‌السلام أنّ الأسير لو أسر بعد انتهاء الحرب فإنّ إمام المسلمين مخيّر بين ثلاث : إمّا إطلاقه دون شرط ، أو تحريره مقابل أخذ الفدية ، أو جعله

__________________

(١) ينقل صاحب لسان العرب عن ابن الأعرابي أنّ : أثخن : إذا غلب وقهر.

٣٢٣

عبدا ، ولا يجوز قتله بأي وجه.

ويقول في موضع آخر من كلامه : إنّ مسألة الرق استفيدت من الروايات ، لا من متن الآية(١) .

وقد وردت هذه المسألة في سائر الكتب الفقهية أيضا(٢) .

وسنشير إلى هذا المطلب في بحث الرق الذي سيأتي في ذيل هذه الآيات.

ثمّ تضيف الآية بعد ذلك :( حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ) (٣) فلا تكفوا عن القتال حتى تحطّموا قوى العدو ويصبح عاجزا عن مواجهتكم ، وعندها سيخمد لهيب الحرب.

«الأوزار» جمع وزر ، وهو الحمل الثقيل ، ويطلق أحيانا على المعاصي ، لأنّها تثقل كاهل صاحبها.

والطريف أنّ هذه الأوزار نسبت إلى الحرب في الآية ، إذ تقول :( حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ) وهذه الأحمال الثقيلة كناية عن أنواع الأسلحة والمشاكل الملقاة على عاتق المقاتلين ، والتي يواجهونها ، وهي بعهدتهم ما كانت الحرب قائمة.

لكن متى تنتهي الحرب بين الإسلام والكفر؟

سؤال أجاب عنه المفسّرون إجابات مختلفة :

فالبعض ـ كابن عباس ـ قال : حتى لا تبقى وثنية على وجه البسيطة ، وحتى يقتلع دين الشرك وتجتث جذوره.

وقال البعض الآخر : إنّ الحرب بين الإسلام والكفر قائمة حتى ينتصر المسلمون على الدجال ، وهذا القول يستند إلى حديث روي عن الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «والجهاد ماض مذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمّتي

__________________

(١) كنز العرفان ، المجلد ١ ، صفحة ٣٦٥.

(٢) الشرائع ، كتاب الجهاد. شرح اللمعة ، أحكام الغنيمة.

(٣) «حتى» غاية لـ (فضرب الرقاب). واحتملت احتمالات أخرى لا تستحق الاهتمام.

٣٢٤

الدجال»(١) .

البحث حول «الدجّال» بحث واسع ، لكن القدر المعلوم أنّ الدجّال رجل خدّاع ، أو رجال خدّاعون ينشطون في آخر الزمان من أجل إضلال الناس عن أصل التوحيد والحق والعدالة ، وسيقضي عليهم المهدي (عج) بقدرته العظيمة ، وعلى هذا فإنّ الحرب قائمة بين الحق والباطل ما عاش الدجّالون على وجه الأرض.

إنّ للإسلام نوعين من المحاربة مع الكفر : أحدهما الحروب المرحلية كالغزوات التي غزاها النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث كانت السيوف تغمد بعد انتهاء كل غزوة. والآخر هو الحرب المستمرة ضد الشرك والكفر ، والظلم والفساد ، وهذا النوع مستمر حتى زمن اتساع حكومة العدل العالمية ، وظهورها على الأرض جميعا على يد المهدي (عج).

ثمّ تضيف الآية :( ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ ) (٢) بالصواعق السماوية ، والزلازل ، والعواصف ، والابتلاءات الأخرى ، لكن باب الاختبار وميدانه سيغلق في هذه الصورة :( وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ) .

هذه المسألة هي فلسفة الحرب ، والنكتة الأساسية في صراع الحق والباطل ، ففي هذه الحروب ستتميز صفوف المؤمنين الحقيقيين والعاملين من أجل دينهم عن المتكلمين في المجالس المتخاذلين في ساعة العسرة ، وبذلك ستتفتح براعم الاستعدادات ، وتحيا قوّة الاستقامة والرجولة ، ويتحقق الهدف الأصلي للحياة الدنيا ، وهو الابتلاء وتنمية قوّة الإيمان والقيم الإنسانية الأخرى.

إذا كان المؤمنون يتوقعون على ذواتهم وينشغلون بالحياة اليومية الرتيبة ، وفي كل مرة تطغى فيها جماعة من المشركين والظالمين يدحضهم الله سبحانه بالقوى الغيبية ، ويدمّرهم بالطرق الإعجازية ، فإنّ المجتمع سيكون خاملا ضعيفا

__________________

(١) مجمع البيان ، المجلد ٩ ، صفحة ٩٨.

(٢) «ذلك» خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : الأمر كذلك.

٣٢٥

عاجزا ، ليس له من الإسلام والإيمان إلّا اسمه.

وخلاصة القول : إنّ الله سبحانه غني عن سعينا وجهادنا من أجل تثبيت دعائم دينه ، بل نحن الذين نتربّى في ميدان جهاد الأعداء ، ونحن الذين نحتاج إلى هذا الجهاد المقدّس.

وقد ذكر هذا المعنى في آيات القرآن الأخرى بصيغ أخرى ، فنقرأ في الآية (١٤٢) من سورة آل عمران :( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ) .

وجاء في الآية التي سبقتها :( وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ ) .

وتحدّثت آخر جملة من الآية مورد البحث عن الشهداء الذين قدّموا أرواحهم هدية لدينهم في هذه الحروب ، ولهم فضل كبير على المجتمع الإسلامي ، فقالت :( وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ ) .

فلن تذهب جهودهم وآلامهم وتضحياتهم سدى ، بل كلها محفوظة عند الله سبحانه ، فستبقى آثار تضحياتهم في هذه الدنيا ، وكلّ نداء (لا إله إلّا الله) يطرق سمع البشر يمثل ثمرة جهود أولئك الشهداء ، وكلّ سجدة يسجدها مسلم بين يدي الله هي من بركات تضحياتهم ، فبمساعيهم تحطّمت قيود المذلّة والعبودية ، وعزّة المسلمين ورفعتهم رهينة ما بذلوه من الأرواح والتضحيات.

هذه هي أحدى مواهب الله في شأن الشهداء.

وهناك ثلاث مواهب أخرى أضيفت في الآيات التالية :

تقول الآية أوّلا :( سَيَهْدِيهِمْ ) إلى المقامات السامية ، والفوز العظيم ، ورضوان الله تعالى.

والأخرى :( يُصْلِحُ بالَهُمْ ) فيهبهم هدوء الروح ، واطمئنان الخاطر ، والنشاط المعنوي والروحي ، والانسجام مع صفاء ملائكة الله ومعنوياتهم ، حيث يجعلهم جلساءهم وندماءهم في مجالس أنسهم ولذّتهم ، ويدعوهم إلى ضيافته في جوار

٣٢٦

رحمته.

والموهبة الأخيرة هي :( وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ ) .

قال بعض المفسّرين : إنّه تعالى لم يبيّن لهم الصفات الكلية للجنّات العلى وروضة الرضوان وحسب ، بل عرف لهم صفات قصورهم في الجنّة وعلاماتها ، بحيث أنّهم عند ما يردون الجنّة يتوجّهون إلى قصورهم مباشرة(١) .

وفسر البعض (عرّفها) بأنّها من مادة «عرف» ـ على زنة فكر ـ وهو العطر الطيب الرائحة ، أي إنّ الله سبحانه سيدخلهم الجنّة التي عطّرها جميعا استقبالا لضيوفه.

إلّا أنّ التّفسير الأوّل يبدو هو الأنسب.

وقال البعض : إذا ضممنا هذه الآيات إلى آية :( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً ) (٢) ، سيتّضح أنّ المراد من إصلاح البال إحياؤهم حياة يصلحون بها للحضور عند ربّهم بانكشاف الغطاء(٣) .

* * *

بحوث

١ ـ مقام الشهداء السامي

تمرّ في تأريخ الشعوب أيام تحدق الأخطار فيها بتلك الأمم والشعوب ، ولا يمكن دفع هذه الأخطار والحفاظ على الأهداف المقدّسة العظيمة إلّا بالتضحية والفداء وتقديم القرابين الكثيرة ، وهنا يجب أن يتوجّه المؤمنون المضحّون إلى ساحات القتال ، ليحفظوا دين الحق بسفك دمائهم ، ويسمى هؤلاء الأفراد في

__________________

(١) مجمع البيان ، المجلد ٩ ، صفحة ٩٨.

(٢) آل عمران ، الآية ١٦٩.

(٣) الميزان ، المجلد ١٨ ، صفحة ٢٤٤.

٣٢٧

منطق الإسلام بـ «الشهداء».

إنّ إطلاق كلمة الشهيد ـ من مادة الشهود ـ على هؤلاء ، إمّا لحضورهم في ميدان الجهاد ضد أعداء الحق ، أو لأنّهم يشاهدون ملائكة الرحمة لحظة شهادتهم ، أو لمشاهدتهم النعم العظيمة التي أعدّت لهم ، أو لحضورهم عند الله ، كما جاء في الآية الشريفة :( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (١) .

وقلّ من يصل إلى درجة الشهيد في الإسلام أولئك الشهداء الذين يذهبون ساحة الحرب بين الحق والباطل عن وعي وخلوص نيّة ، ويقدّمون آخر قطرة من دمائهم الزكية في هذا السبيل.

وتلاحظ في المصادر الإسلامية روايات عجيبة حول مقام الشهداء ، تحكي عظمة عمل الشهداء ، وقيمته الفذّة.

فتقرأ في حديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ فوق كلّ بر برا حتى يقتل الرجل شهيدا في سبيل الله»(٢) .

وجاء في حديث آخر روي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «المجاهدون في الله قوّاد أهل الجنّة»(٣) .

ونطالع في حديث آخر عن الإمام الباقرعليه‌السلام : «ما من قطرة أحبّ إلى الله من قطرة دم في سبيل الله ، أو قطرة من دموع عين في سواد الليل من خشية الله ، وما من قدم أحبّ إلى الله من خطوة إلى ذي رحم ، أو خطوة يتمّ بها زحفا في سبيل الله»(٤) .

وإذا قلبنا أوراق تأريخ الإسلام ، فسنرى الشهداء قد سجّلوا القسم الأعظم من الافتخارات ، وهم الذين قدّموا القسط الأوفر من الخدمة.

__________________

(١) آل عمران ، الآية ١٦٩.

(٢) بحار الأنوار ، المجلد ١٠٠ ، صفحة ١٥.

(٣) المصدر السابق.

(٤) بحار الأنوار ، المجلد ١٠٠ ، صفحة ١٤.

٣٢٨

وليس هذا في الأمس فقط ، فإنّ ثقافة الشهادة المصيرية اليوم ترعب العدو أيضا ، وتمزّق صفوفه ، وتمنعه من النفوذ إلى حصون الإسلام ، وتزرع اليأس في نفسه من إمكان تخطّيها ، فما أكثر بركة ثقافة الشهادة للمسلمين ، وما أشدّها على أعداء الدين.

لكن ، لا شكّ أنّ الشهادة ليست هدفا ، بل الهدف هو الإنتصار على العدو ، وحراسة دين الله والحفاظ عليه ، إلّا أنّ هؤلاء الحراس على دينهم يجب أن يكونوا على أهبّة الاستعداد ، بحيث إذا احتاج الحال بذل النفوس والدماء فإنّهم لا يتأخّرون عن بذلها ، بل يبادرون إلى البذل والتضحية والإيثار ، وهذا هو معنى كون الأمّة منجبة للشهداء ، لا أنّهم يطلبون الشهادة كهدف نهائي.

لهذا نقرأ في نهاية حديث مفصل روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شأن مقام الشهداء أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقسم وقال : «والذي نفسي بيده ، لو كان الأنبياء في طريقهم لترجلوا لهم لمّا يرون من بهائهم ، ويشفع الرجل منهم في سبعين ألفا من أهل بيته وجيرته»(١) .

وهناك نكتة تستحق الاهتمام ، وهي أنّ للشهادة في ثقافة الإسلام معنيين مختلفين : معنى «خاص» ، وآخر «عام» واسع.

أمّا الخاص فهو القتل في سبيل الله في معركة الجهاد ، وله أحكامه الخاصة في الفقه الإسلامي ، ومن جملتها أنّ الشهيد لا يغسل ولا يكفن ، بل يدفن بثيابه ودمائه إذا توفي في ميدان المعركة!!

أمّا المعنى العام الواسع للشهادة ، فهو أن يقتل الإنسان في طريق تأدية الواجب الإلهي ، فإنّ كلّ من يرحل عن الدنيا وهو في حالة أداء هذا الواجب يعد شهيدا ، ولذلك ورد في الروايات الإسلامية أنّ عدة فئات يغادرون الدنيا وهم شهداء :

١ ـ روي عن نبي الإسلام الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا جاء الموت طالب العلم وهو على

٣٢٩

هذا الحال مات شهيدا»(١) .

٢ ـ يقول أمير المؤمنين عليعليه‌السلام : «من مات على فراشه وهو على معرفة حق ربّه ، وحق رسوله وأهل بيته ، مات شهيدا»(٢) .

٣ ـ نقرأ في حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «من قتل دون ماله فهو شهيد»(٣) .

وكذلك آخرون يقتلون في طريق الحق ، أو يموتون فيه ، ومن هنا تتّضح عظمة ثقافة الإسلام هذه ، ومدى سعتها.

وننهي هذا البحث بحديث عن الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام ، عن آبائه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أوّل من يدخل الجنّة الشهيد»(٤) .

٢ ـ أهداف القتال في الإسلام

إنّ القتال لا يعتبر في الإسلام قيمة من القيم ، بل يعتبر ضد القيم من جهة كونه باعثا على الخراب والتدمير ، وإزهاق الأنفس ، وإهدار القوى والإمكانيات التي يمكن أن تسخّر لخدمة الإنسان وسعادته ورفاهه ، ولذلك جعل في بعض الآيات القرآنية في مصاف العقوبات الإلهية ، فنرى الآية (٦٥) من سورة الأنعام تقول :( قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ) .

فقد اعتبر القتال هنا بمثابة الصاعقة والزلزلة والابتلاءات الأرضية والسماوية ، ولذلك فإنّ الإسلام يمتنع عن القتال والحرب ما استطاع إلى ذلك سبيلا.

أمّا إذا تعرّض وجود الأمّة للخطر ، أو أنّ أهدافه المقدّسة السامية أصبحت

__________________

(١) سفينة البحار ، المجلد الأول ، مادة شهد.

(٢) نهج البلاغة ، الخطبة ١٩٠ ، آخر الخطبة.

(٣) سفينة البحار ، المجلد الأول ، مادة شهد.

(٤) بحار الأنوار ، المجلد ٧١ ، صفحة ٢٧٢.

٣٣٠

مهددة بالسقوط ، فإنّ القتال هنا يعتبر قيمة سامية ، ويكتسب عنوان الجهاد في سبيل الله ، ولذلك توجد في الإسلام أنواع من الجهاد : الجهاد الابتدائي ، المحرر للأمم ، والجهاد الدفاعي ، والجهاد من أجل إخماد نار الفتنة والشرك والوثنية ، وقد أوردنا تفصيلها في موضع آخر(١) .

بناء على هذا فإنّ الجهاد الإسلامي على خلاف ما يدّعيه أعداء الإسلام من أنّه يعني فرض العقيدة على الآخرين ، بل إنّ العقيدة المفروضة لا قيمة لها في الإسلام ، لكن الجهاد يتعلق بالموارد التي يشن فيها العدو الحرب ضد الأمّة الإسلامية ، أو عند ما يسلبها الحريات التي منحها الله إيّاها ، أو أنّه يريد أن يهدر حقوقها ويصادرها ، أو أنّ ظالما قد أخذ بأنفاس مظلوم فيجب على المسلمين حينئذ أن يهبوا لنصرة المظلوم ، حتى وإن أدّى الأمر إلى قتال القوم الظالمين.

وقد عكست الآيات السابقة هذا المعنى في عبارة لطيفة وجيزة ، حينما تقول :( ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ ) وعلى هذا فإنّ الحرب هي حرب بين الحق والباطل ، لا أنّها وسيلة لتكوين الدولة ، ومحاولة توسيع رقعتها ، والإغارة على أموال الآخرين ، والتسلّط وإعمال القوة والإرهاب.

ولهذا السبب ـ أيضا ـ قرأنا في الرواية التي أوردناها في تفسير هذه الآيات أنّ نار الحرب لن تخمد في المجتمع الإنساني إلّا بعد القضاء على الدجّالين ، وتطهير الأرض من دنسهم.

وهنا نكتة تستحق الانتباه ، وهي أنّ الإسلام قد أكّد على مسألة التعايش السلمي مع أتباع الأديان السماوية الأخرى ، وقد وردت في الآيات والرّوايات والفقه الإسلامي بحوث مفصلة في هذا الباب تحت عنوان (أحكام أهل الذمّة) فإذا كان الإسلام يؤيّد فرض العقيدة والإكراه عليها ، ويتوسّل بالقوة والسيف من أجل

__________________

(١) التّفسير الأمثل ، ذيل الآية ١٩٣ من سورة البقرة.

٣٣١

تحقيق أهدافه ، فأي معنى إذن لقانون أهل الذمّة والتعايش السلمي؟

٣ ـ أحكام أسرى الحرب

قلنا : يجب على المسلمين أن لا يفكروا في أسر أفراد العدو إلّا بعد هزيمة العدو الكاملة واندحاره التام ، لأنّ هذا التفكير والانشغال بالأسرى قد يتضمّن أخطارا جسيمة.

غير أنّ أسلوب الآيات ـ مورد البحث ـ يدل على وجوب الإقدام على أسر أفراد العدو بعد هزيمته ، فالآية تقول :( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ ) ثمّ تضيف :( حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ ) وعلى هذا يجب أسرهم بدل قتلهم بعد الإنتصار عليهم ، وهو أمر لا بدّ منه ، لأنّ العدو إذا ترك وشأنه فمن الممكن أن ينظم قواه مرّة أخرى ليهجم على المسلمين من جديد.

إلّا أنّ الحال يختلف بعد الأسر ، إذ يكون الأسير أمانة إلهية بيد المسلمين رغم كلّ الجرائم التي ارتكبها ، ويجب أن تراعى فيه حقوق كثيرة.

إنّ القرآن يمجد أولئك الذين آثروا الأسير على أنفسهم ، وقدّموا له طعامهم ، فيقول :( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ) وهذه الآية ـ طبقا لرواية معروفة ـ نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، إذ كانوا صائمين وأعطوا إفطارهم لمسكين مرّة وليتيم أخرى ، لأسير ثالثة.

وحتى الأسرى الذين يقتلون بعد الحرب استثناء ، إمّا لكونهم خطرين ، أو لارتكابهم جرائم خاصّة ، فإنّ الإسلام أمر أن يحسن إليهم قبل تنفيذ الحكم بحقّهم ، كما نرى ذلك في حديث عن عليعليه‌السلام : «إطعام الأسير والإحسان إليه حق واجب ، وإنّ قتلته من الغد»(١) .

__________________

(١) وسائل الشيعة ، المجلد ١١ ، صفحة ٦٩.

٣٣٢

والأحاديث في هذا الباب كثيرة(١) ، حتى أنّه ورد في حديث عن الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام أنّه قال : «إذا أخذت أسيرا فعجز عن المشي وليس معك محمل فأرسله ولا تقتله ، فإنّك لا تدري ما حكم الإمام فيه»(٢) .

بل ورد في التأريخ في أحوال أئمة أهل البيتعليهم‌السلام أنّهم كانوا يطعمون الأسرى من نفس الطعام الذي كانوا يتناولونه.

إلّا أنّ حكم الأسير ـ وكما قلنا في تفسير الآيات ـ بعد انتهاء الحرب أحد ثلاثة : إمّا إطلاق سراحه من دون قيد أو شرط ، أو إطلاق سراحه مقابل دفع غرامة مالية هي الفدية ، أو استرقاقه ، واختيار أحد هذه الأمور الثلاثة منوط بنظر إمام المسلمين ، فهو الذي يختار ما يراه الأصلح بعد الأخذ بنظر الإعتبار ظروف الأسرى ، ومصالح الإسلام والمسلمين من الناحية الداخلية والخارجية ، وبعد ذلك يأمر بتنفيذ ما اختاره.

بناء على هذا ، فليس لأخذ الفدية أو الاسترقاق صفة الإلزام والوجوب ، بل هما تابعان للمصالح التي يراها إمام المسلمين ، فإذا لم تكن مصلحة فيهما فله أن يغض النظر عنهما ، ويطلق سراح الأسرى دون طلب الفدية.

وقد بحثنا حول فلسفة أخذ الفدية بصورة مفصلة لدى تفسير الآية ٧٠ من سورة الأنفال.

٤ ـ الرق في الإسلام

بالرغم من أنّ مسألة «استرقاق أسرى الحرب» لم ترد في القرآن المجيد كحكم حتمي ، لكن لا يمكن إنكار ورود أحكام في القرآن فيما يتعلق بالعبيد ، وهي تثبت وجود أصل الرقية حتى في زمان النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصدر الإسلام ، كالأحكام المتعلقة

__________________

(١) يراجع فروع الكافي ، المجلد ٥ ، صفحة ٣٥ ، باب الرفق بالأسير وإطعامه.

(٢) المصدر السابق.

٣٣٣

بالزواج من العبيد ، أو كونهم محرما ، أو مسألة المكاتبة (وهي اتفاق يتحرر بموجبه العبد بعد أدائه مبلغا من المال يتفق عليه) وقد وردت هذه الأحكام في آيات عديدة من القرآن في سورة النساء ، النحل ، المؤمنون ، النور ، الروم ، والأحزاب.

وهنا يعترض البعض على الإسلام بأنّه : لماذا لم يلغ هذا الدين الإلهي مسألة الرق تماما مع ما يحتويه من القيم الإنسانية السامية ، ولم يعلن تحرير كلّ العبيد من خلال إصدار حكم قطعي؟!

صحيح أنّ الإسلام أوصى كثيرا بالرقيق ، إلّا أنّ المهم هو تحريرهم بدون قيد شرط ، فلما ذا يكون الإنسان مملوكا لإنسان آخر مثله ، ويفقد الحرية التي هي أعظم عطايا الله سبحانه؟!

الجواب :

يجب القول في جملة موجزة : إنّ للإسلام برنامجا دقيقا مدروسا لتحرير العبيد ، تؤدي نهايته إلى تحرير جميع العبيد تدريجيا ، دون أن يكون لهذه الحرية ردّ فعل سلبي في المجتمع.

وقبل أن نتناول توضيح هذه الخطة الإسلامية الدقيقة ، نرى لزاما ذكر عدة نقاط كمقدمة :

١ ـ الإسلام لم يكن المبتدع للرق مطلقا ، بل إنّه لمّا ظهر كانت مسألة العبودية والرقيق قد عمّت أرجاء العالم ، وكانت معجونة بظلام المجتمعات البشرية وبوجودها ، بل استمرت مسألة الرقيق في كلّ المجتمعات حتى بعد الإسلام أيضا ، وبقيت مستمرة حتى قبل مائة عام حيث بدأت ثورة تحرير الرقيق ، حيث لم تعد مسألة الرقيق مقبولة بشكلها القديم نتيجة اختلاف نظام حياة البشر ، وتغيره عمّا كان عليه.

إنّ إلغاء العبودية بدأ من أوربا ، ثمّ اتسع في سائر الدول ومن جملتها أمريكا

٣٣٤

وآسيا.

لقد استمر الرق في إنجلترا حتى سنة ١٨٤٠ ، وفي فرنسا حتى سنة ١٨٤٨ ، وفي هولندا إلى سنة ١٨٦٣ ، وفي أمريكا إلى سنة ١٨٦٥ ، ثمّ عقد مؤتمر بروكسل فأصدر قرارا بإلغاء الرق في أنحاء العالم ، وكان ذلك سنة ١٨٩٠ ، أي قبل أقل من مائة عام.

٢ ـ تغيير شكل الرق في دنيا اليوم : صحيح أنّ الغربيين كانوا قد سبقوا إلى إلغاء الرق ، إلّا أنّنا عند ما نحقق في المسألة بدقة ، نرى أنّ الرق لم تقتلع جذوره ، بل إنّه تحور من حالة إلى أخرى أخطر وأكثر رعبا ، أي إنّه اتخذ شكل استعمار الشعوب ، واسترقاق المستعمرات ، بحيث كلما ضعف الرق الفردي قوي الاسترقاق الجماعي والاستعمار ، فإنّ الإمبراطورية البريطانية التي كانت سبّاقة إلى إلغاء الرق ، تعتبر السبّاقة أيضا في استعمار الشعوب.

إنّ الجرائم التي ارتكبها المستعمرون الغربيون طوال مدة استعمارهم لم تكن أقل من جرائم مرحلة العبودية ، بل كانت أوسع وأشدّ إجراما.

وحتى بعد تحرر المستعمرات ، فإنّ استعباد الأمم قد استمر ، لأنّ هذه الحرية كانت حرية سياسية ، أمّا الاستعمار الاقتصادي والثقافي فلا يزال حاكما في كثير من المستعمرات التي نالت حريتها ، وغيرها.

وأمّا الدول الشيوعية التي نادت قبل الجميع بإلغاء العبودية ، واتخذتها ذريعة في ثورتها ، فإنّها بالذات مبتلاة بنوع من الاسترقاق العام الذي يندى له الجبين ، فإنّ الشعوب التي تعيش في ظل هذه الدول تكون كالعبيد تماما لا يملكون من أمرهم شيئا ، ويعيّن أعضاء الحزب الشيوعي كلّ مقدراتهم وما يتعلق بشؤون حياتهم ، وإذا ما أبدى أحد وجهة نظر مخالفة فإمّا أن يرسل إلى المخيّمات الإجبارية ، أو يلقى في دهاليز السجون ، وإذا كان من العلماء فإنّه يبعث إلى دار المجانين باعتباره مختل العقل ومصابا بمرض نفسي وعصبي.

٣٣٥

والخلاصة : إنّ الرق لا يتبع الاسم ، فإنّ القبيح والمرفوض هو محتوى الرق ، ونحن نعلم أنّ مفهوم الرق قائم في الدول الاستعمارية والدول الشيوعية بأسوأ أشكاله.

والنتيجة : إنّ إلغاء الرق في العالم كان صوريا ، ولم يكن في الحقيقة إلّا تبديل للصورة والشكل الظاهري.

٣ ـ مصير الرقيق المؤلم في الماضي

لقد كان للرقيق على مرّ التاريخ مصير مؤلم جدّا ، ولنأخذ على سبيل المثال عبيد الرومان ـ باعتبارهم قوما متمدنين ـ كنموذج ، فإنّهم ـ على حدّ قول كاتب «روح القوانين» ـ كانوا تعساء بحيث لم يكونوا عبيدا لفرد ، وإنّما كانوا يعتبرون عبيدا لكل المجتمع ، وكان باستطاعة كلّ شخص أن يعذّب عبده ويؤذيه كما يحلو له دون خوف من القانون. لقد كانت حياة أولئك أسوأ من حياة الحيوانات في الواقع.

لقد كان الكثير من الرقيق يموتون في الفترة بين اصطيادهم من المستعمرات الأفريقية وحتى عرضهم في الأسواق للبيع ، وما تبقى منهم كان يتخذ وسيلة للاستغلال في العمل. وكان تجار العبيد الطامعون لا يعطونهم من الغذاء إلّا ما يبقيهم أحيآء وقادرين على العمل ، أمّا عند كبرهم وعجزهم وابتلائهم بأمراض يصعب علاجها ، فإنّهم كانوا يتركونهم وشأنهم ليسلموا الروح بشكل أليم. ولذلك كان اسم الرق يقترن بسيل من الجرائم المرعبة على مرّ التاريخ.

وباتضاح هذه النكات نعود إلى خطة الإسلام في تحريره العبيد تدريجيا ، ونتناولها بصورة مختصرة.

٤ ـ خطة الإسلام لتحرير العبيد

إنّ ما يغفل عنه غالبا هو أنّ ظاهرة سلبية إذا توغّلت في مفاصل المجتمع ،

٣٣٦

فهناك حاجة إلى فترة زمنية لاقتلاع جذورها ، ولكلّ حركة غير مدروسة ردّ فعل سلبي ، تماما كما إذا ابتلي إنسان بمرض خطير ، وقد استفحل هذا المرض في بدنه ، أو من اعتاد على تناول المخدرات لعشرات السنين حتى تطبع على هذه الطبيعة المستهجنة ، ففي هذه الموارد يجب الاعتماد على برامج زمنية لعلاجه قد تطول وقد تقصر.

ونقول بأسلوب أكثر صراحة : لو أنّ الإسلام كان قد أصدر أمرا عاما بتحرير كل العبيد ، فربّما كان الضرر أكثر ، وقد يهلك منهم عدد أكثر ، لأنّ الرقيق كانوا يشكلون نصف المجتمع أحيانا ، وليس لهم عمل مستقل يتكسبون به ، ولا دار أو ملجأ ، أو وسيلة ما لإدامة الحياة.

إنّ هؤلاء لو تحرّروا في ساعة معينة من يوم معين فستظهر على الساحة فجأة جماعة عظيمة عاطلة عن العمل ، وعندها ستكون حياتهم مهددة وربّما أدّى إلى إرباك نظام المجتمع ، وعند ما يلح عليه الحرمان فسيجد نفسه مضطرا إلى الهجوم على ممتلكات الآخرين ، فتنشب الصراعات والاشتباكات ونزف الدماء.

هنا ندرك الغاية من التحرير التدريجي ، وذلك ليستوعبهم المجتمع ولا يشمئز منهم ، وحينئذ سوف لا تتعرض أرواحهم للخطر ، كما لا يتهدد أمن المجتمع ، وقد اتبع الإسلام هذا البرنامج الدقيق تماما.

إنّ تطبيق وترجمة هذا البرنامج الإنساني على أرض الواقع العملي له قواعد كثيرة نذكر هنا رؤوس نقاطها بصورة موجزة وكفهرس ، أمّا تفصيلها فيحتاج إلى كتاب مستقل :

المادة الأولى : غلق مصادر الرق

لقد كان للرق على طول التاريخ أسباب كثيرة ، فلم يقتصر الاستبعاد على أسرى الحرب ، والمدينين الذين يعجزون عن أداء ديونهم ، حيث كانت القوّة

٣٣٧

والغلبة تبيح الاسترقاق والاستعباد ، بل إنّ الدولة القوية كانت ترسل فرق من جيوشها وهم مدجّجون بأنواع الأسلحة إلى الدول الأفريقية المتخلفة وأمثالها ، ليأسروا شعوب تلك الدول جماعات جماعات ، ثمّ يرسلونهم بواسطة السفن إلى أسواق بلدان آسيا وأوربا.

لقد منع الإسلام كلّ هذه المسائل ، ووقف حائلا دونها ، ولم يبح الاسترقاق إلّا في مورد واحد ، وهو أسرى الحرب ، وحتى هذا لم يكن يتصف بالوجوب والإلزام ، بل إنّ الإسلام قد أجاز ـ وكما قلنا في تفسير الآيات المذكورة ـ إطلاق سراح الأسرى مقابل فدية يؤدّونها تبعا لمصلحة الإسلام والمسلمين.

ولم تكن في تلك الأيام سجون يسجن فيها أسرى الحرب حتى يتبيّن وضعهم وماذا يجب فعله معهم ، بل كان الطريق الوحيد هو تقسيمهم بين العوائل ، والاحتفاظ بهم كرقيق.

من البديهي أنّ هذه الظروف إذا تغيّرت فلا دليل على أنّ إمام المسلمين ملزم بأن يرضى برق الأسرى ، بل هو قادر على تحريرهم إمّا منّا أو فداء ، لأنّ الإسلام خيّر الإمام المسلمين في هذا الأمر ، كي يقدم على اختيار الأصلح من خلال مراعاة المصلحة ، وبهذا فإنّ مصادر الرق الجديدة قد أغلقت في الإسلام.

المادة الثانية : فتح نافذة الحرية

لقد وضع الإسلام برنامجا واسعا لتحرير العبيد ، بحيث أنّ المسلمين لو عملوا بموجبه فإنّ كلّ العبيد كانوا سيتحررون في مدة وجيزة وبصورة تدريجية ، وكان المجتمع سيستوعبهم ويؤمّن لهم ما يحتاجونه من اللوازم الحياتية ، من عمل ومسكن وغير ذلك.

وإليك رؤوس نقاط هذا البرنامج :

٣٣٨

أ ـ إنّ أحد الموارد الثمانية لصرف الزكاة في الإسلام شراء العبيد وعتقهم(١) ، وبهذا فقد خصصت ميزانية دائمية في بيت المال لتنفيذ هذا الأمر ، وهي مستمرة حتى إعتاق العبيد جميعا.

ب ـ ولتكميل هذا المطلب وضع الإسلام أحكاما يستطيع العبيد من خلالها أن يعقدوا اتفاقيات مع مالكيهم ، على أن يؤدّوا إليهم مبلغا من المال يتفق عليه مقابل الحصول على حريتهم. وقد جاء في الفقه الإسلامي فصل في هذا الباب تحت عنوان المكاتبة(٢) .

ج ـ إنّ عتق العبيد يعتبر أحد أهم العبادات والأعمال الصالحة في الإسلام ، وقد كان أئمة أهل البيتعليهم‌السلام من السابقين في هذا المضمار ، حتى كتبوا في أحوال عليعليه‌السلام أنّه أعتق ألف مملوك من كد يده(٣) .

د ـ لقد كان أئمة أهل البيتعليهم‌السلام يعتقون العبيد لأدنى عذر ليكونوا قدوة للآخرين ، حتى أنّ أحد غلمان الإمام الباقرعليه‌السلام عمل عملا صالحا ، فقال له الإمام : «اذهب فأنت حر ، فإنّي أكره أن أستخدم رجلا من أهل الجنّة»(٤) .

وجاء في أحوال الإمام السجاد علي بن الحسينعليه‌السلام ، أنّ جارية كانت تسكب عليه الماء ، فسقط الإبريق من يدها فشجّه ، فرفع رأسه إليها ، فقالت :( وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ ) ، قال : «قد كظمت غيظي» قالت :( وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ ) ، قال : «عفا الله عنك» ، قالت :( وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) قال : «فاذهبي فأنت حرّة لوجه الله»(٥) .

ه ـ ورد في بعض الرّوايات الإسلامية أنّ العبيد يتحرّرون تلقائيا بعد مرور سبع سنين ، ففي رواية عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «من كان مؤمنا فقد عتق بعد سبع سنين ،

__________________

(١) التوبة ، الآية ٦٠.

(٢) كان لنا بحث مفصل حول المكاتبة وأحكامها الرائعة في ذيل الآية (٣٤) من سورة النور.

(٣) بحار الأنوار ، المجلد ٤١ ، صفحة ٤٣.

(٤) الوسائل ، المجلد ١٦ ، صفحة ٣٢.

(٥) نور الثقلين ، المجلد ١ ، ص ٣٩٠.

٣٣٩

أعتقه صاحبه أم لم يعتقه ، ولا يحل خدمة من كان مؤمنا بعد سبع سنين»(١) .

وروي في هذا الباب حديث من النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال : «ما زال جبرئيل يوصيني بالمملوك حتى ظننت أنّه سيضرب له أجلا يعتق فيه»(٢) .

و ـ إذا كان العبد مشتركا بين اثنين ، وأعتق أحدهما نصيبه ، وجب عليه شراء نصيب شريكه وأعتقا العبد(٣) .

وإذا أعتق مالك العبد بعضه سرت الحرية إلى باقيه فيعتق جميعه(٤) .

ز ـ إذا ملك إنسان أباه ، أو أمّه ، أو أجداده ، أو أبناءه ، أو عمّه ، أو عمّته ، أو خاله ، أو خالته ، أو أخاه ، أو أخته ، أو ابن أخيه ، أو ابن أخته ، فإنّهم يعتقون فورا.

ح ـ إذا استولد المالك جاريته فلا يجوز بيعها ، وتعتق من سهم ولدها من الميراث. وقد كان هذا الأمر سببا في عتق الكثير من العبيد ، لأنّ الجواري كن بمنزلة زوجات مالكيهن ، وكان لهن أولاد منهم.

ط ـ لقد جعل عتق العبيد كفارة لكثير من الذنوب من الإسلام ، ككفارة القتل الخطأ ، وكفارة ترك الصوم عمدا ، وكفارة اليمين ، وغيرها.

ي ـ إذا عاقب المالك عبده ببعض العقوبات الشديدة ، فإنّ العبد ينعتق تلقائيا(٥) .

المادة الثالثة : إحياء شخصية الرقيق

عند ما كان العبيد يطوون مسيرهم نحو الحرية طبقا لبرنامج الإسلام الدقيق ، أقدم الإسلام على خطوات واسعة لإحياء حقوقهم وشخصيتهم الإنسانية ، حتى أنّه

__________________

(١) وسائل الشيعة ، المجلد ١٦ ، صفحة ٣٦.

(٢) المصدر السابق ، صفحة ٣٧.

(٣) الشرائع ، كتاب العتق ، وسائل الشيعة ، المجلد ١٦ ، صفحة ٢١.

(٤) الشرائع ، كتاب العتق.

(٥) وسائل الشيعة ، المجلد ١٦ ، صفحة ٢٦.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495