الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام16%

الحقائق في تاريخ الاسلام مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 495

الحقائق في تاريخ الاسلام
  • البداية
  • السابق
  • 495 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 193408 / تحميل: 7471
الحجم الحجم الحجم
الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

كما أن من الطبيعي أن يثير دهشتهم، ويذهلهم.. بعد أن لم يكن بينهم رجالات كفاة، يدركون ألاعيب السياسة، ودهاء ومكر الرجال. وقد عبر عن دهشتهم هذه نفس الخليفة الذي اختاروه، واستعاضوا به عن المأمون. فلقد قال ابن شكلة معاتبا العباسيين:

فـلا جزيت بنو العباس خيراً

على رغمي ولا اغتبطت بري

أتـوني مـهطعين، وقد أتاهم

بـوار الـدهر بالخبر الجلي

وقد ذهل الحواضن عن بنيها

وصـد الثدي عن فمه الصبي

وحـل عصائب الأملاك منها

فـشدت فـي رقاب بني علي

فضجت أن تشد على رؤوس

تـطالبها بـميراث النبي(١)

ب ـ ولكن دهشتهم وغضبهم لا قيمة لهما، في جانب ذهاب الخلافة عنهم بالكلية، وسفك دمائهم.. وقد أوضح لهم ذلك في رسالة منه إليهم، حيث قال: (.. وأما ما كنت أردته من البيعة لعلي بن موسى، بعد استحقاق منه لها في نفسه، فما كان ذلك مني إلا أن أكون الحاقن لدمائكم، والذائد عنكم، باستدامة المودة بيننا وبينهم.). والرسالة مذكورة في أواخر هذا الكتاب.

وقريب من ذلك ما جاء في وثيقة العهد، مخاطباً (أهل بيت أمير المؤمنين) حيث قال لهم: (.. راجين عائدته في ذلك (أي في البيعة للرضاعليه‌السلام ) في جمع ألفتكم، وحقن دمائكم، ولم شعثكم، وسد ثغوركم.) فليغضبوا إذن قليلاً، فإنهم سوف يفرحون في نهاية الأمر كثيراً، وذلك عندما يعرفون الأهداف الحقيقية، التي كانت تكمن وراء تلك اللعبة، وأنها لم تكن إلا من أجل الإبقاء عليهم، واستمرار وجودهم في الحكم، والقضاء على أخطر خصومهم، الذين لن يكون الصدام المسلح معهم في صالحهم، إنهم دون شك عندما تؤتي تلك اللعبة ثمارها سوف يشكرونه، ويعترفون له بالجميل، ويعتبرون أنفسهم مدينين له مدى الحياة، ولسوف يذكرون دائما قوله لهم في رسالته المشار إلها آنفاً: (.. فإن تزعموا أني أردت أن يؤول إليهم (يعني للعلويين) عاقبة ومنفعة، فإني في تدبيركم، والنظر لكم، ولعقبكم، ولأبنائكم من بعدكم.).

____________

(١) التنبيه والإشراف ص ٣٠٣، والولاة والقضاة للكندي ص ١٦٨.

١٨١

ومضمون هذه العبارة بعينه ـ تقريباً ـ قد جاء في وثيقة العهد، حيث قال فيها، موجها كلامه للعباسيين، رجاء أن يلتفتوا لما يرمي إليه من لعبته تلك.. فبعد أن طلب منهم بيعة منشرحة لها صدورهم ـ قال ـ: (.. عالمين بما أراد أمير المؤمنين بها، وآثر طاعة الله، والنظر لنفسه، ولكم فيها، شاكرين الله على ما ألهم أمير المؤمنين، من قضاء حقه في رعايتكم، وحرصه على رشدكم، وصلاحكم، راجين عائدته في ذلك في جمع ألفتكم، وحقن دمائكم إلخ. ما قومناه..).

لا شك أنه إذا غضب عليه العباسيون، فإنه يقدر على إرضائهم في المستقبل، (وقد حدث ذلك بالفعل) عندما يطلعهم على حقيقة نواياه، ومخططاته، وأهدافه، ولكنه إذا خسر مركزه، وخلافته، فإنه لا يستطيع ـ فيما بعد ـ أن يستعيدها بسهولة، أو أن يعتاض عنها بشيء ذي بال.

ج ـ: إن من الإنصاف هنا أن نقول: إن اختيار المأمون للرضاعليه‌السلام ولياً للعهد، كان اختياراً موفقاً للغاية، كما سيتضح، وإنه لخير دليل على حنكته ودهائه، وإدراكه للأسباب الحقيقية للمشاكل التي كان يواجهها المأمون، ويعاني منها ما يعاني.

د ـ: إن من الأمور الجديرة بالملاحظة هنا هو أن اختيار المأمون لولي عهده، الذي لم يقبل إلا بعد التهديد بالقتل.. كان ينطوي في بادئ الرأي على مغامرة لا تنسجم مع ما هو معروف عن المأمون من الدهاء والسياسة، إذا ما أخذت مكانة الإمامعليه‌السلام ، ونفوذه بنظر الاعتبار، سيما مع ملاحظة: أنه هو الذي كان يشكل أكبر مصدر للخطر على المأمون، ونظام حكمه، حيث إنه كان يحظى بالاحترام والتقدير، والتأييد الواسع في مختلف الفئات والطبقات في الأمة الإسلامية.

ولكننا إذا دققنا الملاحظة نجد أن المأمون لم يقدم على اختيار الإمام وليا للعهد، إلا وهو على ثقة من استمرار الخلافة في بني أبيه، حيث كان الإمامعليه‌السلام يكبره بـ (٢٢) سنة، وعليه فجعل ولاية العهد لرجل بينه، وبين الخليفة الفعلي هذا الفارق الكبير بالسن، لم يكن يشكل خطراً على الخلافة، إذ لم يكن من المعروف، ولا المألوف أن يعيش ولي العهد ـ وهو بهذه السن المتقدمة ـ لو فرض سلامته من الدسائس والمؤامرات!.. إلى ما بعد الخليفة الفعلي، فإن ذلك من الأمور التي يبعد احتمالها جداً.

١٨٢

ه‍ ـ: ولهذا.. ولأن ما أقدم عليه لم يكن منتظراً من مثله، وهو الذي قتل أخاه من أجل الخلافة والملك، ولأنه من تلك السلالة المعادية لأهل البيتعليهم‌السلام .. احتاج المأمون إلى أن يثبت صدقه، وإخلاصه فيما أقدم عليه، وأن يقنع الناس بصفاء نيته، وسلامة طويته.. فأقدم لذلك. على عدة أعمال:

فأولاً: أقدم على نزع السواد شعار العباسيين، ولبس الخضرة شعار العلويين وكان يقول: إنه لباس أهل الجنة(١) . حتى إذا ما انتهى دور هذه الظاهرة بوفاة الإمام الرضاعليه‌السلام وتمكنه هو من دخول بغداد عاد إلى لبس السواد شعار العباسيين، بعد ثمانية أيام فقط من وصوله، على حد قول أكثر المؤرخين، وقيل: بل بقي ثلاثة أشهر. نزع الخضرة رغم أن العباسيين، تابعوه، وأطاعوه في لبسها، وجعلوا يحرقون كل ملبوس يرونه من السواد، على ما صرح به في مآثر الإنافة، والبداية والنهاية، وغير ذلك.

____________

(١) الإمام الرضا ولي عهد المأمون ص ٦٢ عن ابن الأثير.

١٨٣

وثانياً: ولنفس السبب(١) أيضاً نراه قد ضرب النقود باسم الإمام الرضاعليه‌السلام .

وثالثاً: أقدم للسبب نفسه على تزويج الإمام الرضاعليه‌السلام ابنته، رغم أنها كانت بمثابة حفيدة له، حيث كان يكبرها الإمامعليه‌السلام بحوالي أربعين سنة. كما أنه زوج ابنته الأخرى للإمام الجوادعليه‌السلام الذي كان لا يزال صغيراً، أي ابن سبع سنين(٢) .

ومن يدري: فلعله كان يهدف من تزويجهما أيضاً إلى أن يجعل عليهما رقابة داخلية. وأن يمهد السبيل، لكي تكون الأداة الفعالة، التي

____________

(١) التربية الدينية ص ١٠٠.

(٢) راجع مروج الذهب ج ٣ / ٤٤١، وغيره من كتب التاريخ. وفي الطبري ج ١١ / ١١٠٣، طبع ليدن، والبداية والنهاية ج ١٠ / ٢٦٩: أنهعليه‌السلام لم يدخل بها إلا في سنة ٢١٥ للهجرة، ولكن يظهر من اليعقوبي ج ٢ / ٤٥٤ ط صادر: أنه زوج الجواد ابنته بعد وصوله إلى بغداد، وأمر له بألفي ألف درهم، وقال: إني أحببت أن أكون جداً لامرئ ولده رسول الله، وعلي بن أبي طالب، فلم تلد منه انتهى. وهذا يدل على أنه قد بادر إلى تزويج الجواد بعد قتل أبيه الرضاعليه‌السلام ليبرئ نفسه من الاتهام بقتل الرضاعليه‌السلام ، حيث إن الناس كانوا مقتنعين تقريباً بذلك ومطمئنين إليه، وسيأتي في أواخر الكتاب البحث عن ظروف وملابسات وفاتهعليه‌السلام ويلاحظ: أن كلمة المأمون هذه تشبه إلى حد بعيد كلمة عمر بن الخطاب حينما أراد أن يبرر إصراره غير الطبيعي على الزواج بأم كلثوم بنت عليعليه‌السلام حتى لقد استعمل أسلوباً غير مألوف في التهديد والوعيد من أجل الوصول إلى ما يريد.

١٨٤

يستعملها في القضاء على الإمامعليه‌السلام ، كما كان الحال بالنسبة لولده الإمام الجواد، الذي قتل بالسم الذي دسته إليه ابنة المأمون، بأمر من عمها المعتصم(١) ، فيكون بذلك قد أصاب عدة عصافير بحجر واحد. كما يقولون..

ويجب أن نتذكر هنا: أن المأمون كان قد حاول أن يلعب نفس هذه اللعبة مع وزيره الفضل بن سهل، فألح عليه أن يزوجه ابنته فرفض، وكان الرأي العام معه، فلم يستطع المأمون أن يفعل شيئاً، كما سنشير إليه.. لكن الإمامعليه‌السلام لم يكن له إلى الرفض سبيل، ولم يكن يستطيع أن يصرح بمجبوريته على مثل هكذا زواج. لأن الرأي العام لا يقبل ذلك منه بسهولة.. بل ربما كان ذلك الرفض سبباً في تقليل ثقة الناس بالإمام، حيث يرون حينئذٍ أنه لا مبرر لشكوكه تلك، التي تجاوزت ـ بنظرهم حينئذٍ ـ كل الحدود المألوفة والمعروفة..

وعلى كل حال: فإن كل الشواهد والدلائل تشير إلى أن زواج الإمام من ابنة المأمون كان سياسياً، مفروضاً إلى حد ما.. كما أننا لا نستبعد أن يكون زواج المأمون من بوران بنت الحسن بن سهل سياسياً أيضاً، حيث أراد بذلك أن يوثق علاقاته مع الإيرانيين، ويجعلهم يطمئنون إليه، خصوصاً بعد عودته إلى بغداد، وتركه مروا، وليبرئ نفسه من دم الفضل بن سهل، ويكتسب ثقة أخيه الحسن بن سهل، المعرف بثرائه ونفوذه.

ورابعاً: وللسبب نفسه أيضاً كان يظهر الاحترام والتبجيل للإمامعليه‌السلام ـ وإن كان يضيق عليه في الباطن(٢) ـ وكذلك كانت الحال بالنسبة لإكرامه للعلويين، حيث قد صرح هو نفسه بأن إكرامه لهم ما كان إلا سياسة منه ودهاء، ومن أجل الوصول إلى أهداف سياسية معينة، فقد قال في رسالته للعباسيين، المذكورة في أواخر هذا الكتاب: (.. وأما ما كنت أردته من البيعة لعلي بن موسى.. فما كان ذلك مني، إلا أن أكون الحاقن لدمائكم، والذائد عنكم، باستدامة المودة بيننا وبينهم. وهي الطريق أسلكها في إكرام آل أبي طالب، ومواساتهم في الفيء، بيسير ما يصيبهم منه.).

____________

(١) ولعله قد استفاد ذلك من سلفه معاوية، وما جرى له مع الإمام الحسن السبطعليه‌السلام .

(٢) وقد سبقه إلى مثل ذلك سليمان عم الرشيد، عندما أرسل غلمانه، فأخذوا جنازة الكاظمعليه‌السلام من غلمان الرشيد، وطردوهم. ثم نادوا عليه بذلك النداء المعروف، اللائق بشأنه، فمدحه الرشيد، واعتذر إليه، ولام نفسه، حيث لم يأخذ في اعتباره ما يترتب على ما أقدم عليه من ردة فعل لدى الشيعة، ومحبي أهل البيتعليهم‌السلام ، والذين قد لا يكون للرشيد القدرة على مواجهتهم. وتبعه أيضاً المتوكل، حيث جاء بالإمام الهاديعليه‌السلام إلى سامراء، فكان يكرمه في ظاهر الحال، ويبغي له الغوائل في باطن الأمر، فلم يقدره الله عليه.. على ما صرح به ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة ص ٢٢٦، والمجلسي في البحار ج ٥٠ / ٢٠٣، والمفيد في الإرشاد ص ٣١٤.

١٨٥

ويذكرني قول المأمون: (ومواساتهم في الفيء إلخ..) بقول إبراهيم بن العباس الصولي ـ وهو كاتب القوم وعاملهم ـ في الرضا عندما قربه المأمون:

يـمن عـليكم بأموالكم

وتعطون من مئة واحدا

و ـ: إن المأمون ـ ولا شك ـ كان يعلم: أن ذلك كله ـ حتى البيعة للإمام ـ لا يضره ما دام مصمما على التخلص من ولي عهده هذا بأساليبه الخاصة. بعد أن ينفذ ما تبقى من خطته الطويلة الأجل، للحط من الإمام قليلاً قليلاً، حتى يصوره للرعية بصورة من لا يستحق لهذا الأمر ـ كما صرح هو نفسه(١) ، وكما صرح بذلك أيضاً عبد الله بن موسى في رسالته إلى المأمون، والتي سوف نوردها في أواخر هذا الكتاب إن شاء الله، حيث يقول له فيها: (.. وكنت ألطف حيلة منهم. بما استعملته من الرضا بنا، والتستر لمحننا، تختل واحداً فواحداً منا إلخ.)(٢) .

إلى غير ذلك من الشواهد والدلائل، التي لا تكاد تخفى على أي باحث، أو متتبع..

أهداف المأمون من البيعة:

هذا.. وبعد كل الذي قدمناه، فإننا نستطيع في نهاية المطاف: أن نجمل أهداف المأمون، وما كان يتوخاه من أخذ البيعة للرضاعليه‌السلام بولاية العهد بعده.. على النحو التالي:

الهدف الأول:

أن يأمن الخطر الذي كان يتهدده من قبل تلك الشخصية الفذة، شخصية الإمام الرضاعليه‌السلام الذي كانت كتبه تنفذ في المشرق والمغرب، وكان الأرضى في الخاصة والعامة ـ باعتراف نفس المأمون ـ، حيث لا يعود باستطاعة الإمامعليه‌السلام أن يدعو الناس إلى الثورة ولا أن يأتي بأية حركة ضد الحكم، بعد أن أصبح هو ولي العهد فيه. ولسوف لا ينظر الناس إلى أية بادرة عدائية منه لنظام الحكم القائم إلا على أنها نكران للجميل، لا مبرر لها، ولا منطق يدعمها.

____________

(١) سنتكلم في القسم الرابع من هذا الكتاب، حول تصريحات المأمون، وخططه بنوع من التفصيل إن شاء الله تعالى.

(٢) مقاتل الطالبيين ص ٦٢٩.

١٨٦

وقد أشار المأمون إلى ذلك، عندما صرح بأنه: خشي إن ترك الإمام على حاله: أن ينفتق عليه منه ما لا يسده، ويأتي منه عليه ما لا يطيقه فأراد أن يجعله ولي عهده ليكون دعاؤه له. كما سيأتي بيانه في فصل: مع بعض خطط المأمون إن شاء الله تعالى.

الهدف الثاني:

أن يجعل هذه الشخصية تحت المراقبة الدقيقة، والواعية من قرب، من الداخل والخارج، وليمهد الطريق من ثم إلى القضاء عليها بأساليبه الخاصة. وقد أشرنا فيما سبق، إلى أننا لا نستبعد أن يكون من جملة ما كان يهدف إليه من وراء تزويجه الإمام بابنته، هو: أن يجعل عليه رقيبا داخليا موثوقا عنده هو، ويطمئن إليه الإمام نفسه.

وإذا ما لاحظنا أيضاً، أن: (المأمون كان يدس الوصائف هدية ليطلعنه على أخبار من شاء..)(١) ، وأنه كان: للمأمون على كل واحد صاحب خبر(٢) . (.. فإننا نعرف السر في إرساله بعض جواريه إلى الإمام الرضاعليه‌السلام بعنوان: هدية.. وقد أرجعها الإمامعليه‌السلام إليه مع عدة أبيات من الشعر، عندما رآها اشمأزت من شيبه)(٣) .

ولم يكتف بذلك، بل وضع على الإمامعليه‌السلام عيوناً آخرين، يخبرونه بكل حركة من حركاته، وكل تصرف من تصرفاته.

فقد كان: (هشام بن إبراهيم الراشدي من أخص الناس عند الرضاعليه‌السلام ، وكانت أمور الرضا تجري من عنده، وعلى يده، ولكنه لما حمل إلى مرو اتصل هشام بن إبراهيم بذي الرئاستين، والمأمون،

____________

(١) تاريخ التمدن الإسلامي ج ٥ جلد ٢ ص ٥٤٩، نقلاً عن: العقد الفريد ج ١ / ١٤٨.

(٢) تاريخ التمدن الإسلامي ج ٤ جلد ٢ ص ٤٤١، نقلاً عن: المسعودي ج ٢ / ٢٢٥، وطبقات الأطباء ج ١ / ١٧١، (٣) البحار ج ٤٩ / ١٦٤، وعيون أخبار الرضا ج ٢ / ١٧٨.

١٨٧

فحظي بذلك عندهما. وكان لا يخفي عليهما شيئاً من أخباره، فولاه المأمون حجابة الرضا. وكان لا يصل إلى الرضا إلا من أحب، وضيق على الرضا، فكان من يقصده من مواليه، لا يصل إليه. وكان لا يتكلم الرضا في داره بشيء إلا أورده هشام على المأمون، وذي الرئاستين..)(١) وعن أبي الصلت: أن الرضا (كان يناظر العلماء، فيغلبهم، فكان الناس يقولون: والله، إنه أولى بالخلافة من المأمون، فكان أهل الأخبار يرفعون ذلك إليه..)(٢) وأخيراً.. فإننا نلاحظ: أن جعفر بن محمد بن الأشعث، يطلب من الإمامعليه‌السلام : أن يحرق كتبه إذا قرأها، مخافة أن تقع في يد غيره، ويقول الإمامعليه‌السلام مطمئناً له: «إني إذا قرأت كتبه إلي أحرقتها.)(٣) إلى غير ذلك من الدلائل والشواهد الكثيرة، التي لا نرى أننا بحاجة إلى تتبعها واستقصائها.

الهدف الثالث:

أن يجعل الإمامعليه‌السلام قريباً منه، ليتمكن من عزله عن الحياة الاجتماعية، وإبعاده عن الناس، وإبعاد الناس عنه، حتى لا يؤثر عليهم بما يمتلكه من قوة الشخصية، وبما منحه الله إياه من العلم، والعقل، والحكمة. ويريد أن يحد من ذلك النفوذ له، الذي كان يتزايد باستمرار، سواء في خراسان، أو في غيرها.

وأيضاً.. أن لا يمارس الإمام أي نشاط لا يكون له هو دور رئيس فيه، وخصوصاً بالنسبة لرجال الدولة، إذ قد يتمكن الإمامعليه‌السلام من قلوبهم، ومن ثم من تدبير شيء ضد النظام القائم. دون أن يشعر أحد.

____________

(١) البحار ج ٤٩ / ١٣٩، ومسند الإمام الرضا ج ١ / ٧٧، ٧٨، وعيون أخبار الرضا ج ٢ / ١٥٣.

(٢) شرح ميمية أبي فراس ص ٢٠٤، والبحار ج ٤٩ / ٢٩٠، وعيون أخبار الرضا ج ٢ / ٢٣٩.

(٣) كشف الغمة ج ٣ / ٩٢، ومسند الإمام الرضا ج ١ / ١٨٧، وعيون أخبار الرضا ج ٢ / ٢١٩.

١٨٨

والأهم من ذلك كله:

أنه كان يريد عزل الإمامعليه‌السلام عن شيعته، ومواليه، وقطع صلاتهم به، وليقطع بذلك آمالهم، ويشتت شملهم، ويمنع الإمام من أن يصدر إليهم من أوامره، ما قد يكون له أثر كبير على مستقبل المأمون، وخلافته.

وبذلك يكون أيضاً قد مهد الطريق للقضاء على الإمامعليه‌السلام نهائياً، والتخلص منه بالطريقة المناسبة، وفي الوقت المناسب.

وقد قال المأمون إنه: (يحتاج لأن يضع من الإمام قليلاً قليلا، حتى يصوره أمام الرعية بصورة من لا يستحق لهذا الأمر. ثم يدبر فيه بما يحسم عنه مواد بلائه.) كما سيأتي.

وقد قرأنا آنفاً أنه: (كان لا يصل إلى الرضا إلا من أحب ـ أي هشام بن إبراهيم ـ وضيق على الرضا، فكان من يقصده من مواليه، لا يصل إليه).

كما أن الرضا نفسه قد كتب في رسالته منه إلى أحمد بن محمد البيزنطي، يقول:((وأما ما طلبت من الإذن علي، فإن الدخول إلي صعب، وهؤلاء قد ضيقوا علي في ذلك الآن، فلست تقدر الآن، وسيكون إن شاء الله...)) (١) .

____________

(١) رجال المامقاني ج ١ / ٧٩، وعيون أخبار الرضا ج ٢ / ٢١٢.

١٨٩

كما أننا نرى أنه عندما وصل إلى القادسية، وهو في طريقه إلى مرو، يقول لأحمد بن محمد بن أبي نصر: (إكتر لي حجرة لها بابان: باب إلى الخان، وباب إلى خارج، فإنه أستر عليك..)(١) .

ولعل ذلك هو السبب في طلبه من الإمامعليه‌السلام ، ومن رجاء بن أبي الضحاك: أن يمرا عن طريق البصرة، فالأهواز إلخ.. ما سيأتي: ولا نستبعد أيضاً أن يكون عزل الإمام عن الناس، هو أحد أسباب إرجاع الإمام الرضا عن صلاة العيد مرتين(٢) . وللسبب نفسه أيضاً فرق عنه تلامذته، عندما أخبر أنه يقوم بمهمة التدريس، وحتى لا يظهر علم الإمام، وفضله.. إلى آخر ما هنالك من صفحات تاريخ المأمون السوداء.

الهدف الرابع:

إن المأمون في نفس الوقت الذي يريد فيه أن يتخذ من الإمام مجناً يتقي به سخط الناس على بني العباس، ويحوط نفسه من نقمة الجمهور. يريد أيضاً، أن يستغل عاطفة الناس ومحبتهم لأهل البيت ـ والتي زادت ونمت بعد الحالة التي خلفتها الحرب بينه وبين أخيه ـ ويوظف ذلك في صالحه هو، وصالح الحكم العباسي بشكل عام.

أي أنه كان يهدف من وراء لعبته تلك، والتي كان يحسب أنها سوف تكون رابحة جداً ـ إلى أن يحصل على قاعدة شعبية، واسعة، وقوية. حيث كان يعتقد ويقدر: أن نظام حكمه سوف ينال من التأييد، والقوة، والنفوذ، بمقدار ما كان لتلك الشخصية من التأييد، والنفوذ والقوة.. وإذا ما استطاع في نهاية الأمر أن يقضي عليها، فإنه يكون قد أمن خطراً عظيماً، كان يتهدده من قبلها، بمقدار ما كان لها من العظمة والخطر.

____________

(١) بصائر الدرجات ص ٢٤٦، ومسند الإمام الرضا ج ١ / ١٥٥.

(٢) هذه القضية معروفة ومشهورة، فراجع: الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص ٢٤٦، ٢٤٧، ومطالب السؤول، لمحمد بن طلحة الشافعي، طبعة حجرية ص ٨٥، وإثبات الوصية للمسعودي ص ٢٠٥، ومعادن الحكمة ص، ١٨٠، ١٨١، ونور الأبصار ص ١٤٣، وشرح ميمية أبي فراس ص ١٦٥، وإعلام الورى ص ٣٢٢، ٣٢٣، وروضة الواعظين ج ١ / ٢٧١، ٢٧٢، وأصول الكافي ج ١ / ٤٨٩، ٤٩٠، والبحار ج ٤٩ / ١٣٥، ١٣٦، ١٧١، ١٧٢، وعيون أخبار الرضا، وإرشاد المفيد، وأعيان الشيعة، وكشف الغمة، وغير ذلك.

ولسوف يأتي فصل: خطة الإمام، وغيره من الفصول، ما يتعلق بذلك إن شاء الله تعالى.

١٩٠

إن المأمون قد اختار لولاية عهده رجلاً يحظى بالاحترام والتقدير من جميع الفئات والطبقات، وله من النفوذ، والكلمة المسموعة، ما لم يكن لكل أحد سواه في ذلك الحين. بل لقد كان الكثيرون يرون: أن الخلافة حق له، وينظرون إلى الهيئة الحاكمة على أنها ظالمة له وغاصبة لذلك الحق:

يقول الدكتور الشيبي، وهو يتحدث عن الرضاعليه‌السلام : (إن المأمون جعله ولي عهده، لمحاولة تألف قلوب الناس ضد قومه العباسيين، الذين حاربوه، ونصروا أخاه..)(١) .

ويقول:. (.. وقد كان الرضا من قوة الشخصية، وسمو المكانة: أن التف حوله المرجئة، وأهل الحديث، والزيدية، ثم عادوا إلى مذاهبهم بعد موته.)(٢) .

وكذلك هو يقول ـ وهو مهم فيما نحن بصدده ـ: (.. إن الرضا لم يكن بعد توليته العهد إمام الشيعة وحدهم، وإنما مر بنا:

____________

(١) الصلة بين التصوف والتشيع ص ٢٢٣، ٢٢٤.. ونحن لا نوافق الدكتور الشيبي على أنه كان يريد التقوي بذلك على العباسيين، كما اتضح، وسيتضح إن شاء الله.

(٢) المصدر السابق ص ٢١٤.

١٩١

أن الناس، حتى أهل السنة، والزيدية، وسائر الطوائف الشيعية المتناحرة.. قد اجتمعت على إمامته، وإتباعه، والالتفاف حوله.)(١) .

وهذا كما ترى تصريح واضح منه بهدف المأمون، الذي نحن بصدد بيانه.

ويقول محمد بن طلحة الشافعي مشيراً إلى ذلك، في معرض حديثه عن الإمام الرضاعليه‌السلام : (.. نما إيمانه، وعلا شأنه، وارتفع مكانه، وكثر أعوانه، وظهر برهانه، حتى أدخله الخليفة المأمون محل مهجته، وأشركه في مملكته.)(٢) .

وتقدم أنهعليه‌السلام كان ـ باعتراف المأمون ـ (الأرضى في الخاصة والعامة) وأن كتبه كانت تنفذ في المشرق والمغرب، حتى إن البيعة له بولاية العهد، لم تزده في النعمة شيئاً.. وأنه كان له من قوة الشخصية ما دفع أحد أعدائه لأن يقول في حقه للمأمون: (هذا الذي بجنبك والله صنم يعبد دون الله) إلى آخر ما هنالك، مما قدمنا (غيضاً من فيض منه).

كما وتقدم أيضاً قول المأمون في رسالته للعباسيين: (.. وإن تزعموا: أني أردت أن يؤول إليهم عاقبة ومنفعة ـ يعني للعلويين ـ، فإني في تدبيركم، والنظر لكم. ولعقبكم، وأبنائكم من بعدكم..)، وأيضاً عبارته التي كتبها المأمون بخط يده في وثيقة العهد، فلا نعيد.

وهكذا.. فما على العباسيين إلا أن ينعموا بالاً، ويقروا عيناً، فإن المأمون كان يدبر الأمر لصالحهم ومن أجلهم.. وليس كما يقوله الدكتور الشيبي، وغيره من أنه أراد أن يحصل على التأييد الواسع، ليقابل العباسيين، ويقف في وجههم.

____________

(١) المصدر السابق ص ٢٥٦.

(٢) مطالب السؤول ص ٨٤، ٨٥. وقريب منه ما في: الإتحاف بحب الأشراف ص ٥٨.

١٩٢

إشارة هامة لا بد منها:

هذا.. ويحسن بنا أن نشير هنا: إلى ما قاله ابن المعتز في الروافض. وإلقاء نظرة فاحصة على السبب الذي جعلهم مستحقين لهذه الحملة الشعواء منه.. فهو يقول:

لـقد قـال الروافض في علي

مـقالاً جـامعاً كـفراً وموقا

زنـادقة أرادت كـسب مـال

مـن الـجهال فـاتخذته سوقا

وأشـهـد أنـه مـنهم بـريّ

وكـان بـأن يـقتلهم خـليقا

كـما كـذبوا عـليه وهو حي

فـأطعم نـاره مـنهم فـريقا

وكـانوا بالرضا شغفوا زماناً

وقـد نفخوا به في الناس بوقا

وقـالـوا: إنـه رب قـديرا

فكم لصق السواد به لصوقا(١)

وهذه الأبيات تعبر عن مدى صدمة ابن المعتز، وخيبة أمله في الروافض، الذين ضايقه جداً امتداد دعوتهم في طول البلاد الإسلامية، وعرضها. وخصوصاً في زمن الرضا. والذي لم يجد شيئاً يستطيع أن ينتقص به إمامهم الرضاعليه‌السلام سوى أنه كان أسود اللون، وأن الروافض قالوا: إنه رب قدير.. وسر حنقه هذا على الروافض ليس هو إلا عقيدتهم في عليعليه‌السلام ـ التي كان يراها خطراً حقيقياً على القضية العباسية ـ والتي تتلخص بأنهعليه‌السلام : يستحق الخلافة بالنص. وهذه العقيدة والمقالة هي التي جعلتهم يستحقون من ابن المعتز أن يجمع لهم بين وصفي الكفر والزندقة، واتهامه لهم، بأنهم يقصدون بذلك كسب المال من الجهال. ثم يتهمهم بأنهم قد قالوا بنفس هذه المقالة في علي الرضاعليه‌السلام ، فقالوا: إنه الإمام الثابت إمامته بالنص، وشهروا بذلك، حتى علم به عامة الناس، ونفخوا به في الناس بوقاً.. وحتى لقد التف حوله أهل الحديث، والزيدية. بل والمرجئة، وأهل السنة، على حد تعبير الشيبي، وقالوا: بإمامة أبيه، ثم بإمامته.

____________

(١) ديوان ابن المعتز ص ٣٠٠، ٣٠١، والأدب في ظل التشيع ص ٢٠٦.

١٩٣

وبديهي.. أن لا يرتاح ابن المعتز، الذي كان في صميم الأسرة العباسية لهذا الامتداد للتشيع، ولمقالة الروافض، حيث إن ذلك يعني أن الأئمة الذين هم بين الرضا، وعلي أمير المؤمنينعليهما‌السلام ، كلهم تثبت إمامتهم بالنص.

ولقد بلغ من حنقه عليهم، بسبب ذلك الامتداد الواسع لعقيدتهم ـ وخصوصاً في زمان الرضا ـ أن دفعه إلى أن يخلط عن عمد، أو عن غير عمد بين عقيدة الروافض هذه، وبين عقيدة الغلاة، حيث أضاف إلى مقالة الروافض تلك مقالة أخرى، هي: القول بإلوهية عليعليه‌السلام .

وإذا كنا واثقين من أن الفرق الشاسع بين عقيدة الروافض، وعقيدة الغلاة، لم يكن ليخفى على مثل ابن المعتز، بل على من هو أقل منه بمراتب، فإننا سوف ندرك بما لا مجال معه للشك: أن يقصد بهذا الخلط المتعمد: التشنيع على الروافض، وتهجين عقيدتهم، إذ أنه يقصد ب‍ـ (الروافض)، ـ حسبما هو صريح كلامه ـ خصوص القائلين بإمامة الرضا، وإمامة علي أمير المؤمنين، ومن بينهما. وهو يعلم وكل أحد يعلم: أنه ليس فيهم من يقول بإلوهية أحدهما، أو إلوهيتهما، أو إلوهية غيرهما من أئمة أهل البيتعليهم‌السلام .

وأخيراً.. فإن قول واعتراف ابن المعتز هذا ـ وهو من نعلم ـ لخير دليل على مدى تحرر الشيعة في زمن الرضا، واتساع نفوذهم، وعلى أن شخصية الرضاعليه‌السلام ، كانت قد استقطبت قطاعاً واسعاً، إن لم نقل: أنه القطاع الأكبر من الأمة الإسلامية، في طول البلاد وعرضها، في تلك الفترة من الزمن، وقد تقدم بعض ما يدل على ذلك، فلا نعيد.

الهدف الخامس:

هذا.. ونستطيع أن نقول أيضاً: إنه كان يريد أن يقوي من دعائم حكمه، حيث قد أصبح الحكم يمتلك شخصية تعنو لها الجباه بالرضا والتسليم، ولقد كان الحكم بأمس الحاجة إلى شخصية من هذا القبيل. في مقابل أولئك المتزلفين القاصرين، الذين كانوا يتجمعون حول الحكم العباسي، طلبا للشهرة، وطمعا بالمال، والذين لم يعد يخفى على أحد حالهم ومآلهم.. وعلى الأخص بعد أن رأى فشلهم في صد حملات علماء الملل الأخرى، والذين كانوا قد ضاعفوا نشاطاتهم، عندما رأوا ضعف الدولة، وتمزقها، وتفرقها إلى جماعات وأحزاب.

نعم.. لقد كان الحكم يحتاج إلى العلماء الأكفاء، والأحرار في تفكيرهم، وفي نظرتهم الواعية للإنسان والحياة، ولم يعد بحاجة إلى المتزلفين، والجامدين، والانهزاميين، ولهذا نراه يستبعد أصحاب الحديث الجامدين، الذين كان أكثرهم في الجهة المناوئة له، يشدون من أزرها، ويقيمون أودها..

١٩٤

ويقرب المعتزلة: كبشر المريسي، وأبي الهذيل العلاف وأضرابهما. ولكن الشخصية العلمية، التي لا يشك أحد في تفوقها على جميع أهل الأرض علماً وزهدا، وورعاً وفضلاً الخ. كانت منحصرة في الإمام الرضاعليه‌السلام ، باعتراف من نفس المأمون، كما قدمنا، ولهذا فقد كان الحكم يحتاج إليها أكثر من احتياجه لأية شخصية أخرى، مهما بلغت.

الهدف السادس:

ولعل من الأهمية بمكان بالنسبة إليه، أنه يكون في تلك الفترة المليئة بالقلاقل والثورات، قد أتى الأمة بمفاجئة مثيرة، من شأنها أن تصرف أنظار الناس عن حقيقة ما يجري، وما يحدث، وعن واقع المشاكل التي كان يعاني الحكم والأمة منها، وما أكثرها.

وقد عبر إبراهيم بن المهدي، عن دهشة بني العباس في أبياته المتقدمة. حتى لقد ذهل ـ على حد قوله ـ الحواضن عن بنيها! وصد الثدي عن فمه الصبي!

وبعد هذا. فلسنا بحاجة إلى كبير عناء، لإدراك مدى دهشة غيرهم: ممن رأوا وسمعوا بمعاملة العباسيين لأبناء عمهم. ولسوف ندرك مدى عظمة دهشتهم تلك إذا ما لاحظنا: أنهم كانوا سياسياً أقل وعيا وتجربة من مثل إبراهيم بن المهدي، الذي عاش في أحضان الخلافة. وكان بمرأى ومسمع من ألاعيب السياسة، ومكر الرجال.

الهدف السابع:

طبيعي بعد هذا: أنه قد أصبح يستطيع أن يدعي، بل لقد ادعى بالفعل ـ على ما في وثيقة العهد ـ: أن جميع تصرفاته، وأعماله، لم يكن يهدف من ورائها، إلا الخير للأمة، ومصلحة المسلمين، وحتى قتله أخاه، لم يكن من أجل الحكم، والرياسة، بقدر ما كان من أجل خير المسلمين، والمصلحة العامة، يدل على ذلك: أنه عندما رأى أن خير الأمة، إنما هو في إخراج الخلافة من بني العباس كلية، وهم الذين ضحوا الكثير في سبيلها، وقدموا من أجلها ما يعلمه كل أحد ـ عندما رأى ذلك ـ وأن ذلك لا يكون إلا بإخراجها إلى ألد أعدائهم، سارع إلى ذلك، بكل رضى نفس، وطيبة خاطر.. وليكون بذلك قد كفر عن جريمته النكراء، والتي كانت أحد أسباب زعزعة ثقة الناس به، ألا وهي: قتله أخاه الأمين، العزيز على العباسيين والعرب. وليكون بذلك، قد ربط الأمة بالخلافة، وكسب ثقتها فيها، وشد قلوب الناس، وأنظارهم إليها، حيث أصبح باستطاعتهم أن ينتظروا منها أن تقيم العدل، وترفع الظلم، وأن تكون معهم، وفي خدمتهم، وتعيش قضاياهم. وليكون لها من ثم من المكانة والتقدير، وما يجعلها في منأى ومأمن من كل من يتحينون بها الفرص، ويبغون لها الغوائل.

١٩٥

ويدل على ذلك ـ عدا عما ورد في وثيقة العهد ـ ما ورد من أن المأمون كتب إلى عبد الجبار بن سعد المساحقي، عامله على المدينة: أن اخطب الناس، وادعهم إلى بيعة الرضا، فقام خطيبا، فقال:

(يا أيها الناس، هذا الأمر الذي كنتم فيه ترغبون، والعدل الذي كنتم تنتظرون، والخير الذي كنتم ترجون، هذا علي بن موسى، بن جعفر، بن محمد، بن علي، بن الحسين، بن علي بن أبي طالب:

ســتـة آبــاؤهـم مــا هــم

من أفضل من يشرب صوب الغمام(١)

وقد أكد ذلك بحسن اختياره، إذ قد اختار هذه الشخصية، التي تمثل ـ في الحقيقة ـ أمل الأمة، ورجاءها، في حاضرها، ومستقبلها، وتكون النتيجة ـ بعد ذلك ـ أنه يكون قد حصل على حماية لكل تصرف يقدم عليه في المستقبل، وكل عمل يقوم به.. مهما كان غريباً، ومهما كان غير معقول، فإن على الأمة أن تعتبره صحيحاً وسليماً، لا بد منه، ولا غنى عنه، وإن لم تعرف ظروفه، ودوافعه الحقيقية. بل وحتى مع علمها بها، فإن عليها أن تؤول ما يقبل التأويل، وإلا. فإن عليها أن تدفن رأسها في التراب، وتتناسى ما تعلم. أو أن تعتبر نفسها قاصرة عن إدراك المصالح الحقيقية الكامنة في تلك التصرفات الغريبة، وأن ما أدركته ـ ولو كان حقاً ـ لا واقع له، ولا حقيقة وراءه. ويدل على ذلك بشكل واضح أبيات ابن المعتز الآتية ص ٣٠٥/٣٠٦ يقول ابن المعتز:

وأعـطاكم الـمأمون حـق خلافة

لـنا حـقها لـكنه جـاد بـالدنيا

لـيعلمكم أن الـتي قـد حرصتموا

عليها وغودرتم على أثرها صرعى

يـسير عـليه فـقدها غـير مكثر

كـما ينبغي للصالحين ذوي التقوى

____________

(١) العقد الفريد ج ٣ / ٣٩٢، طبع مصطفى محمد بمصر سنة ١٩٣٥ و (ما) في البيت زائدة.. ولا يخفى ما في البيت، وقد أثبتناه، كما وجدناه.

١٩٦

وعلى كل حال، فإنه يتفرع على ما ذكرناه:

أولاً: إنه بعد أن أقدم على ما أقدم عليه، فليس من المنطقي بعد للعرب أن يسخطوا عليه، بسبب معاملة أبيه، أو أخيه، وسائر أسلافه لهم، فإن المرء بما كسب هو، لا بما كسب أهله، ولا تزر وازرة وزر أخرى.

وكيف يجوز لهم أن يغضبوا بعد، وهو قد أرجع الخلافة إليهم، بل وإلى أعرق بيت فيهم. وعرفهم عملا: أنه لا يريد لهم، ولغيرهم، إلا الصلاح والخير..

وليس لهم بعد حق في أن ينقموا عليه معاملته القاسية لهم، ولا قتله أخاه، ولا أن يزعجهم، ويخيفهم تقريبه للإيرانيين، ولا جعله مقر حكمه مروا إلى آخر ما هنالك.. ما دام أن الخلافة قد عادت إليهم، على حسب ما يشتهون، وعلى وفق ما يريدون.

ومن هنا.. فلا يجب أن نعجب كثيراً، حين نراهم: قد تلقوا بيعة الرضا بنفوس طيبة، وقلوب رضية. حتى أهل بغداد نرى أنهم قد تقبلوها إلى حد كبير، فقد نص المؤرخون ـ ومنهم الطبري، وابن مسكويه ـ على أن بعضهم وافق، والبعض الآخر ـ وهم أنصار بني العباس ـ رفض. وهذا يدل دلالة واضحة: على أن بغداد، معقل العباسيين الأول، كانت تتعاطف مع العلويين إلى درجة كبيرة..

١٩٧

بل ونص المؤرخون، على أن: إبراهيم بن المهدي، المعروف بابن شكلة، الذي بويع له في بغداد غضبا من تولية الرضا للعهد: لم يستطع أن يسيطر إلا على بغداد، والكوفة والسواد(١) ، بل وحتى الكوفة قد استمرت الحرب قائمة فيها على ساق وقدم أشهراً عديدة بين أنصار المأمون، وعليهم الخضرة، وأنصار العباسيين وعليهم السواد(٢) .

وثانياً: وأما الإيرانيون عامة، والخراسانيون خاصة، والمعروفون بتشيعهم للعلويين، فقد ضمن المأمون استمرار تأييدهم له، وثقتهم به، بعد أن حقق لهم غاية أمانيهم. وأغلى أحلامهم، وأثبت لهم عملاً، حبه لمن يحبون، ووده لمن يودون.. وأن لا ميزة عنده لعباسي على غيره، ولا لعربي على غيره، وأن الذي يسعى إليه، هو ـ فقط خير الأمة، ومصلحتها، بجميع فئاتها، ومختلف طبقاتها، وأجناسها.

ملاحظة هامة:

إن من الجدير بالملاحظة هنا: أن الرضاعليه‌السلام كان قد قدم إلى إيران قبل ذلك. والظاهر أنه قدمها في حدود سنة ١٩٣ ه‍. أي في الوقت المناسب لوفاة الرشيد، فقد ذكر الرضي المعاصر للمجلسي في كتابه: ضيافة الإخوان: أن علياً الرضاعليه‌السلام كان مستخفياً في قزوين في دار داوود بن سليمان الغازي أبي عبد الله، ولداوود نسخة يرويها عن الرضاعليه‌السلام ، وأهل قزوين يروونها عن داوود، كإسحاق بن محمد، وعلي بن مهرويه(٣) .

وقال الرافعي في التدوين: (وقد اشتهر اجتياز علي بن موسى الرضا بقزوين. ويقال: إنه كان مستخفيا في دار داوود بن سليمان الغازي، روى عنه النسخة المعروفة، وروى عنه إسحاق بن محمد، وعلي بن مهرويه، وغيرهما.

____________

(١) راجع البداية والنهاية ج ١٠ / ٢٤٨، وغيره من كتب التاريخ. وزاد أحمد شلبي في كتابه: التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية ج ٣ / ١٠٥ ـ زاد على ذلك: المدائن أيضاً.

(٢) راجع: الكامل لابن الأثير ج ٥ / ١٩٠، والبداية والنهاية ج ١٠ / ٢٤٨، وغير ذلك.

(٣) راجع كتاب: ضيافة الإخوان مخطوط في مكتبة المدرسة الفيضية في قم، في ترجمة أبي عبد الله القزويني، وعلي بن مهرويه القزويني.

١٩٨

قال الخليل: وابنه المدفون في مقبرة قزوين، يقال: إنه كان ابن سنتين، أو أصغر)(١) انتهى كلام الرافعي.

والمراد بالخليل في كلامه، هو الخليل بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم الخليلي، القزويني، وهو الحافظ المشهور، مصنف كتاب الإرشاد، وكتاب تاريخ قزوين، الذي فرغ من تأليفه حوالي سنة أربعمائة هجرية، وكانت وفاته سنة ٤٤٦ ه‍.

الهدف الثامن:

لقد كان من نتائج اختياره الإمام، والبيعة له بولاية العهد ـ التي كان يتوقعها ـ: أن أخمد ثورات العلويين في جميع الولايات والأمصار.

ولعله لم تقم أية ثورة علوية ضد المأمون ـ بعد البيعة للرضا، سوى ثورة عبد الرحمان بن أحمد في اليمن. وكان سببها ـ باتفاق المؤرخين ـ هو فقط: ظلم الولاة وجورهم، وقد رجع إلى الطاعة بمجرد الوعد بتلبية مطالبه.

بل لا بد لنا أن نضيف إلى ذلك:

أ ـ : إنه ليس فقط أخمد ثوراتهم. بل لقد حصل على ثقة الكثيرين منهم، ومن والاهم، وشايعهم. والخراسانيون منهم، ويشير المأمون إلى هذا المعنى في رسالته، التي أرسلها إلى عبد الله بن موسى، حيث يقول:

(.. ما ظننت أحداً من آل أبي طالب يخافني، بعد ما عملته بالرضا) والرسالة مذكورة في أواخر هذا الكتاب.. كما أنه كتب للعباسيين في بغداد في رسالته، التي أشرنا إليها غير مرة، يقول لهم: إنه يريد بذلك أن يحقن دماءهم، ويذود عنهم، باستدامة المودة بنيهم، وبين العلويين.

ب: بل ونزيد هنا على ما تقدم: أنه قد بايعه منهم ومن أشياعهم من لم يكن بعد قد بايعه، وهم قسم كبير جداً، بل لقد بايعه أكثر المسلمين، ودانوا له بالطاعة، بعد أن كانوا مخالفين له ممتنعين عن بيعته، حسبما قدمناه.

وهذه دون شك هي إحدى أمنيات المأمون، بل هي أجل أمنياته وأغلاها.

ج: قال ابن القفطي في معرض حديثه عن عبد الله بن سهل ابن نوبخت:

(.. هذا منجم مأموني، كبير القدر في صناعته، يعلم المأمون قدره في ذلك. وكان لا يقدم إلا عالما مشهودا له، بعد الاختيار..

____________

(١) التدوين قسم ٢ ورقة ٢٣٥ مخطوط في مكتبة دار التبليغ الإسلامي في قم، ترجمة علي الرضا..

١٩٩

وكان المأمون قد رأى آل أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب متخشين، متخفين، من خوف المنصور، ومن جاء بعده من بني العباس. ورأى العوام قد خفيت عنهم أمورهم بالاختفاء، فظنوا ما يظنونه بالأنبياء، ويتفوهون بما يخرجهم عن الشريعة، من التغالي.

فأراد معاقبة العامة على هذا الفعل.

ثم فكر: أنه إذا فعل هذا بالعوام زادهم إغراء به، فنظر نظراً دقيقاً، وقال: لو ظهروا للناس، ورأوا فسق الفاسق منهم، وظلم الظالم، لسقطوا من أعينهم، ولانقلب شكرهم لهم ذماً.

ثم قال: إذا أمرناهم بالظهور خافوا، واستتروا، وظنوا بنا سوءاً، وإنما الرأي: أن نقدم أحدهم، ويظهر لهم إماماً، فإذا رأوا هذا أنسوا، وظهروا، وأظهروا ما عندهم من الحركات الموجودة في الآدميين، فيحقق للعوام حالهم، وما هم عليه، مما خفي بالاختفاء، فإذا تحقق ذلك أزلت من أقمته، ورددت الأمر إلى حالته الأولى. وقوي هذا الرأي عنده، وكتم باطنه عن خواصه.. وأظهر للفضل ابن سهل: أنه يريد أن يقيم إماماً من آل أمير المؤمنين علي (صلوات الله عليه).

وفكر هو وهو: فيمن يصلح، فوقع إجماعهما على الرضا، فأخذ الفضل بن سهل في تقرير ذلك. وترتيبه وهو لا يعلم باطن الأمر. وأخذ في اختيار وقت لبيعة الرضا، فاختار طالع السرطان، وفيه المشتري الخ)(١) .

ثم ذكر أن عبد الله بن سهل أراد اختبار المأمون، فأخبره أن البيعة لا تتم إذا وقعت في ذلك الوقت، فهدده المأمون بالقتل إن لم تقع البيعة في ذلك الوقت بالذات، لأنه سوف يعتبر أنه هو الذي أفسد عليه ما كان دبره الخ..

وابن القفطي هنا، لا يبدو أنه يعتبر الإمام الرضاعليه‌السلام من أولئك الذين يريد المأمون إظهار تفاهاتهم للناس، ولكنه يوجه نظره إلى بقية العلويين في ذلك.. ونحن إن كنا لا نستبعد من المأمون ما ذكره ابن القفطي هنا لكننا لا نستطيع أن نعتبر أن هذا كان من الأسباب الرئيسية لدى المأمون، إذ لا نعتقد أن المأمون كان من السذاجة بحيث يجهل أن بقية العلويين لم يكونوا ـ إجمالاً ـ على الحال التي كان يريد أن يظهرهم عليها للناس، وأنهم كانوا أكثر تديناً والتزاماً من أي فئة أخرى على الإطلاق..

____________

(١) تاريخ الحكماء ص ٢٢١، ٢٢٢.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

( عمر وعلمه )

مستدرك الحاكم: عن علي بن رباح قال: إنّ عمر بن الخطّاب خطب الناس فقال: مَن أراد أن يسأل عن القرآن فليأت معاذ بن جبل، ومن أراد أن يسأل عن المال، فليأتني فإنّ الله تعالى جعلني خازناً.(١)

أقول: يعترف بأنّه يمتاز بكونه خازناً، وأمّا العلم والمعرفة فيصرح بأنّ الأعلم والأفضل هو أُبي ومعاذ بن جبل.

ويروي أيضاً: عنه مثله، وفيه: ومَن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت.(٢)

ويروي: عن سعيد بن المسيب: أنّ عمر بن الخطاب أتى على هذه الآية( الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ ) فأتى أُبيّ بن كعب فسأله: أيّنا لم يظلم؟ فقال له: يا أمير المؤمنين: إنّما ذاك الشرك، أما سمعت قول لقمان لابنه:( يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) .(٣)

أقول: فهو يراجع في أصل الآية وفي تفسيرها إلى أُبي بن كعب.

ويروي أيضاً: عن أبي سلمة: مرَّ عمر بن الخطاب برجل وهو يقول:( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ) الآية. فوقف عليه عمر فقال: انصرف، فلمّا انصرف قال له عمر: من أقرأك هذه الآية؟ قال: أقرأنيها أُبيّ بن كعب، فقال: انطلقوا بنا إليه! فانطلقوا إليه فإذا هو متّكئ على وسادة يرجلُ رأسه، فسلّم عليه فردّ السلام، فقال: يا أبا المنذر! قال: لبيك، قال: أخبرني هذا أنّك أقرأته هذه الآية؟ قال: صدق، تلقّيتها من رسول الله (ص)، قال عمر: أنت تلقّيتها من رسول الله (ص)؟ ثلاث

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ٢٧١.

٢ - نفس المصدر، ص ٢٧٢.

٣ - نفس المصدر، ص ٣٠٥.

٢٢١

مرات، كل ذلك يقوله، وفي الثالثة وهو غضبان: نعم والله، لقد أنزلها الله على جبريل وأنزلها جبريل على محمّد، فلم يستأمر فيها الخطّاب ولا ابنه، فخرج عمر وهو رافع يديه وهو يقول الله أكبر الله أكبر.

ويروي أيضاً: عن ابن عبّاس، قال عمر: عليّ أقضانا، وأبيّ أقرأنا، وإنا لندع بعض ما يقول أُبي، وأُبي يقول: أخذت عن رسول الله (ص) ولا أدَعُه، وقد قال الله تبارك وتعالى: ( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا ) .

أقول: يظهر من هذه الروايات أنّه كان آبيا عن قبول بعض الآيات الكريمة لقصور الوصول إلى حقيقتها، مستدلاً بقوله تعالى:( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا ) ، مع أنّ هذا تمسك بالعام في مورد الشبهة المصداقية، وأنّ النسخ لا يوجب محو الآية من الكتاب الكريم.

الفائق: ومنه قول عمر بن الخطاب أعوذ بالله من كلّ مُعضلة ليس لها أبو حسن.(١)

أقول: تكشف هذه الروايات وأمثالها عن أنّ عمر لم يكن قادراً على حلّ معضلات المسائل، ولم يكن مسلّطا على الوصول إلى حقائق آيات القرآن الكريم، فكيف يرضى الله ورسوله أن يكون إماما يقتدي به المسلمون ويستفيد منه المتعلّمون.

مستدرك: عن أبي عبّاس: مُرّ على عليّ بمجنونة بني فلان قد زنت وأمر عمر بن الخطاب برجمها، فردّها علي بن أبي طالب، وقال لعمر: يا أمير المؤمنين أمرت برجم هذه؟ قال: نعم. قال: أما تذكر أنّ رسول الله (ص) قال: رُفع القلم عن ثلاثة عن المجنون المغلوب على عقله، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم. قال: صدقت، فخلّى عنها.(٢)

أقول: من شرائط توجّه التكليف: العقل والبلوغ والاختيار، وإذا فقده

____________________

١ - الفائق، ج ٢، ص ١٦٣.

٢ - مستدرك الحاكم، ج ٢، ص ٥٩.

٢٢٢

الإنسان لم يتوجّه التكليف إليه حتى يُعاقب أو يُثاب. ورفعُ القلم كناية عن رفع التكليف.

ومن العجيب ما ورد من أحاديثهم في علم عمر: قال في الاستيعاب قال حذيفة: كان علم الناس كلّهم قد درس في علم عمر. وقال ابن مسعود: لو وضع علم أحياء العرب في كفّة ميزان ووضع علم عمر في كفّة لرجح علم عمر. وقد كانوا يرون أنّه ذهب بتسعة أعشار العلم.(١)

( بعض آرائه وحالاته )

ليس غرضنا الطعن على رجل مضى قبل قرون، فضلا عن صحابيّ من أصحاب رسول الله (ص)، وإنّما نريد بيان حقائق تاريخية، حتى تنكشف متن الإسلام وما جاء به رسول الله (ص)، عن أحداث حادثة وعن فتن نازلة. وحتى تتبيّن حقيقة وصية رسول الله (ص) حيث قال: إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي ما أن تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبدا.

( عمر وأُسامة )

تاريخ الطبري: فقال أبو بكر: لو خطفتني الكلاب والذئاب لم أردّ قضاءً قضى به رسول الله (ص). قال: فإنّ الأنصار أمروني أن أُبلّغك وأنّهم يطلبون إليك أن تُولّي أمرهم رجلاً أقدم سنّا من أسامة! فوثب أبو بكر وكان جالساً فأخذ بلحية عمر فقال ثكلتك أمّك وعدمتك يا ابن الخطّاب استعمله رسول الله (ص) وتأمرني أن أنزعه.(٢)

أقول: قد مرّ أنّ رسول الله (ص) قد أمّر أسامة على المهاجرين والأنصار ومنهم أبو بكر وأبو عبيدة وعمر، ولعن مَن تخلّف عنه، وكان يؤكّد تجهيزه، ولكنّ أكثر

____________________

١ - الاستيعاب، ج ٣، ص ١١٤٩.

٢ - تاريخ الطبري، ج ٣، ص ٢١٢.

٢٢٣

الناس قد طعنوا في إمارته وتخلّفوا عنه، ولم يبالوا بما قال رسول الله (ص).

وقد اعترف عمر بفضله وقربه من النبيّ (ص) وكونه أحبّ إلى رسول الله (ص) من عبد الله بن عمر، وأنّ أباه كان أحبّ إلى رسول الله من عمر، في جواب اعتراض ابنه، في الحديث الآتي:

الطبقات: قال عبد الله بن عمر: وكلّمتُه ( أي عمر ) فقلت: يا أمير المؤمنين فضّلت عليّ مَن ليس هو بأقدم منّي سنّاً ولا أفضل منّي هجرةً ولا شهد من المَشاهد ما لم أشهد! قال: ومَن هو؟ قلت: أسامة بن زيد، قال: صدقت لعمر الله فعلت ذلك لأنّ زيد بن حارثة كان أحبّ إلى رسول الله (ص) من عمر، وأسامة بن زيد كان أحبّ إلى رسول الله (ص) من عبد الله بن عمر، فلذلك فعلت.(١)

ويروي أيضاً: فقلت: لم فرضت لأسامة أكثر ممّا فرضت لي ولم يشهد مشهداً إلاّ وقد شهدته؟ فقال: إنّه كان أحبّ إلى رسول الله (ص) منك وكان أبوه أحبّ إلى رسول الله (ص) من أبيك.

فتوح البلدان: ما يقرب من الروايتين.(٢)

أقول: يعترف عمر بأنّ مناط القرب والفضيلة هو المحبوبية عند الله تعالى وعند رسوله، والأعمال الآخر مقدمات لحصول هذه النتيجة، فمن كان أحبّ إلى الله والى رسوله فله الفضيلة والتفوّق والفخر والكمال، وإن كان في حداثة السنّ.

وبعبارة أخرى: إنّ الأهم في العبادات والطاعات هو الكيفية ودرجة الإيمان وشدّة اليقين وطمأنينة النفس، لا الكمية وكثرة العمل. قال الله تعالى:( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) ، يريد الإخلاص. وهذا هو الموجب لحصول القرب والمحبوبية عند الله تعالى ورسوله الأكرم.

(عمر والسَحَرة)

سير الأعلام: عن بَجالة: كنت كاتباً لجزء بن معاوية عمّ الأحنف بن قيس،

____________________

١ - الطبقات، ج ٤، ص ٧٠.

٢ - فتوح البلدان، ص ٤٤٣.

٢٢٤

فأتانا كتاب عمر قبل موته بسنة: أن اقتلوا كلّ ساحر وساحرة، وفرّقوا بين كلّ ذي محرم من المجوس، وانهوهم عن الزمزمة.

فقتلنا ثلاث سواحر، وجعلنا نفرّق بين الرجل وحريمته في كتاب الله، وصنع لهم طعاماً كثيرا ودعا المجوس، وعرض السيف على فخذه وألقى وقر بغل أو بغلين من وَرِق، وأكلوا بغير زمزمة.(١)

أقول: الحكم بقتل كلّ ساحر وساحرة وإن لم يستعملا السحر أو استعملا ولم يوجبا قتلا أو جناية: باطل، فإنّ من السحر ما يكون في أمور عادية كتحريك حجر أو شجر أو إراءة شيء على خلاف ما هو عليه. نعم إذا أفسدا في الأرض ولم يتوبا من عملهما وسعيا في الإفساد بين المسلمين: يحكم عليهما بالقتل بشرائط مخصوصة لا مطلقا.

(عمر والخلاف)

مستدرك الحاكم: عن جابر: أنّ النبيّ (ص) دفع الراية يوم خيبر إلى عمر فانطلق فرجع يُجبن أصحابه ويُجبنونه.(٢)

أقول: قال الله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ ) . وقال تعالى:( الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ) .

السيرة النبوية: ثمّ دعا عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له، فقال: يا رسول الله إني أخاف قريشاً على نفسي، وليس بمكّة من بني عديّ بن كعب أحد يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها، ولكنّي أدلك على رجل أعزّ بها منّي.(٣)

أقول: يدلّ على أنّ عمر بن الخطاب لم يكن ممّن يَشري نفسه ابتغاء مرضاة

____________________

١ - سير الأعلام، ج ١، ص ٤٧.

٢ - مستدرك الحاكم، ج٣، ص ٣٨.

٣ - السيرة النبوية، ج ٣، ص ٣٢٩.

٢٢٥

الله ومرضاة الرسول، وكان محبّاً لنفسه، غير مجاهد في الغزوات.

ويروي أيضاً: فلمّا التأم الأمر ولم يبقَ إلاّ الكتاب، وثب عمر بن الخطاب فأتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر أليس برسول الله؟ قال: بلى، قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى، قال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فعلام نُعطي الدنية في ديننا؟ قال أبو بكر: يا عمر ألزم غرزة فإنّي أشهد أنّه رسول الله، قال عمر: وأنا أشهد أنّه رسول الله. ثمّ أتى رسول الله (ص) فقال: يا رسول الله ألست برسول الله؟! قال: بلى، قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى، قال: أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولن يُضيّعني، قال: فكان عمر يقول: ما زلت أتصدّق وأصوم وأصلّي واعتق من الذي صنعت يومئذٍ مخافة كلامي الذي تكلّمت به.(١)

أقول: يدل على أنّ إيمانه لم يكن بدرجة التسليم ولم يكن له معرفة تامّة بمقام الرسالة ولم يكن له علم بمصالح الأمور.

مستدرك: عن جابر قال: بعنا أمّهات الأولاد على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر، فلما كان عمر نهانا فانتهينا. وهذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.(٢)

وله شاهد صحيح - عن أبي سعيد الخدري قال: كنا نبيع أمّهات الأولاد على عهد رسول الله (ص).

تاريخ الطبري: عن عمران بن سوادة قال: صلّيت الصبح مع عمر قلت عابت أمتك منك أربعاً قال: قلت وأعتقت الأمة إن وضعت ذا بطنها بغير عتاقة سيدها، قال: ألحقت حرمة بحرمة وما أردت إلاّ الخير واستغفر الله.(٣)

أقول: يظهر من هذه الرواية أنّ المراد من الحديثين السابقين هو الإعتاق بمجرد الوضع، وهذا خلاف القواعد الفقهية، وخلاف ما كان في عهد رسول الله (ص).

وسيجيء تتمّة الحديث في متعة النساء ومتعة الحج.

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ص ٣٣١.

مستدرك الحكم، ج ٢، ص ١٨.

٣ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ٣٢.

٢٢٦

مسند أحمد: عن الحسن، أنّ عمر أراد أن ينهي عن مُتعة الحجّ، فقال له أبيّ: ليس ذلك لك قد تمتّعنا مع رسول الله (ص) ولم ينهنا عن ذلك، فأضرب عن ذلك عمر. وأراد أن ينهي عن حلل الحبرة لأنّها تُصبغ بالبول، فقال له أُبي: ليس ذلك لك قد لبسهن النبي (ص) ولبسنا في عهده.(١)

عمر والجاهلية

السيرة النبوية: فقال عمر: اللهمّ غفرً كنا في الجاهلية شرّ من هذا نعبد الأصنام ونعتنق الأوثان حتى أكرمنا الله.(٢)

وقال: أنّه كان يقول: كنت للإسلام مباعداً، وكنت صاحب خمر في الجاهلية أحبّها وأُسرّ بها.(٣)

وقال: ومرّ أبو بكر بجارية بني مؤمل - حيّ من بني عديّ بن كعب -، وكانت مسلمة وعمر بن الخطاب يُعذّبها لتترك الإسلام، وهو يومئذٍ مشرك وهو يضربها حتى إذا ملّ، قال: إنّي أعتذر إليك، أنّي لم أتركك إلاّ ملالة، فتقول: كذلك فعل الله بك! فابتاعها أبو بكر فاعتقها.(٤)

مسند أحمد ومستدرك الحاكم: لما نزلت تحريم الخمر، قال عمر: اللهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت:( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ) الذي في سورة البقرة، فدُعي عمر فقُرئت عليه، فقال: اللهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافيا، فنزلت التي في المائدة، فدُعيَ عمر فقُرئت عليه، فلما بلغ:( فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ) ، قال عمر قد انتهينا.(٥)

أقول: يستفاد من هذه الروايات أنّ عمر كان عابد الوثن ومديم شرب الخمر، قبل إسلامه.

____________________

١ - مسند أحمد، ج ٥، ص ١٤٣.

٢ - السيرة النبوية، ج ١، ص ٢٢٣.

٣ - نفس المصدر، ص ٣٧١.

٤ - نفس المصدر، ص ٣٣٩.

٥ - مسند أحمد، ج ١، ص ٥٣. ومستدرك الحاكم، ج ٢، ص ٢٧٨.

٢٢٧

مسند أحمد: عن ابن عمر، أنّ رسول الله (ص) قال: اللّهمّ أعِز الإسلام بأحبّ هذين الرجلين إليك، بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب، فكان أحبّهما إلى الله عمر بن الخطاب.(١)

أقول: يستفاد من هذه الرواية أنّ عمر كان قبل الإسلام مخالفاً ومعاندا لرسول الله (ص) اشد عناد كأبي جهل.

عمر والنّبيذ

الطبقات: أنّ عمر بن الخطاب لما طُعن، قال له الناس يا أمير المؤمنين لو شربت شربة؟ فقال أسقوني نبيذاً وكان من أحبّ الشرب إليه، قال فخرج النبيذ من جرحه.(٢)

أقول: قد صرّح بأنّه طلب النبيذ بعنوان الشربة لا بعنوان الدواء، وبأنّ النبيذ كان من أحبّ الشراب إليه.

مستدرك الحاكم: عن أبي وائل قال: غزوت مع عمر الشام فنزلنا منزلاً، فجاء دهقان يستدل على أمير المؤمنين حتى أتاه فلما رأى الدهقان عمر سجد ثمّ قال عمر لغلامه: هل في إدواتك شيءٌ من ذلك النبيذ؟ قال: نعم، قال: فابعث لنا، فأتاه فصبّه في إناء ثمّ شمّه فوجده منكر الريح، فصبّ عليه ماءً ثمّ شمّه فوجده منكر الريح، فصبّ عليه الماء ثلاث مرات ثمّ شربه، ثمّ قال: إذا رابكم من شرابكم فافعلوا به هكذا.(٣)

مستدرك الحاكم: فلمّا انصرف توجه الناس إلى عمر بن الخطّاب قال: فدعا بشراب لينظر ما مدى جرحه، فأتي بنبيذ فشربه قال: فخرج فلم يدر أدمٌ هو أم نبيذ، فدعا بلبن فأُتي به فشربه فخرج من جرحه، فقالوا: لا بأس عليك يا أمير المؤمنين.(٤)

____________________

١ - مسند أحمد، ج ٢، ص ٩٥.

٢ - الطبقات، ج ٣، ص ٢٥٤.

٣ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ٨٢.

٤ - نفس المصدر، ص ٩١.

٢٢٨

أقول: الظاهر من إطلاق النبيذ هو النبيذ المطبوخ المسكر، ويدلّ عليه قوله: ثمّ شمّه فوجده منكر الريح، فصبّ عليه ماءً، ويظهر من الميزان للشعراني أنّ أبا حنيفة يقول بنجاسة النبيذ وحرمته إذا أسكر لا مطلقاً.

٢٢٩

فتنة:

( متعة النساء )

مستدرك الحاكم: عن أبي نضرة قال: قرأت على ابن عبّاس:( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) ، قال ابن عبّاس: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمّى، قال أبو نضرة: فقلت ما نَقرأها كذلك، فقال ابن عبّاس: والله لأنزلها الله كذلك.(١)

الفائق: أذن في المتعة عام الفتح. قال سبرة الجهيني: فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة شابة كأنّها بكرة عَيطاء. وروي: أذن لنا رسول الله (ص) في المتعة عام الفتح، فخرجت أنا وابن عمّ لي ومعي بُرد قد بُسّ منه، فلقينا فتاة مثل البكرة العَنَطنَطَة، فجعل ابن عمي يقول لها: بردي أجود من برده، قالت: برد هذا غير مفنوخ، ثمّ قال: برد كبرد.(٢)

وقال الزمخشري: العَيطاء والعنطنطة الطويلة العنق. وبُسّ منه: نيل منه ونهك بالبلى. المفنوخ: المنهوك، وفنخه إذا ذلّله.

تاريخ الطبري: عن عمران بن سوادة قال: صلّيت الصبح مع عمر قلت: نصيحة، فقال: مرحباً بالناصح غدوّا وعشيّاً، قلت: عابت أمتك منك أربعا! قال: فوضع رأس درّته في ذقنه ووضع أسفلها على فخذه ثمّ قال: هات، قلت: ذكروا أنّك حرّمت العمرة في أشهر الحجّ وذكروا أنّك حرّمت متعة النساء وقد كانت رخصة من الله نستمتع بقُبضة ونفارق عن ثلاث، قال: إنّ رسول الله (ص) أحلّها في زمان ضرورة ثمّ رجع الناس إلى السعة، ثمّ لم أعلم

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج ٢، ص ٣٠٥.

٢ - الفائق، ج ٢، ص ٢٠٢.

٢٣٠

أحداً من المسلمين عمل بها ولا عاد إليها، فالآن من شاء نكح بقُبضة وفارق عن ثلاث بطلاق.(١)

أقول: قراءة ابن عبّاس في الآية( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) وإحلافه بنزولها كذلك صريحة في نكاح المتعة، ولا خلاف بين المسلمين في أنّها كانت مباحة في زمان رسول الله (ص)، ومن يدّعي نسخها فعليه أن يُثبت، وما ورد من الروايات في تحريمها فهي أخبار آحاد. وأمّا نهي عمر: فإن كان مراده نهياً في زمان معيّن أو في مكان أو بقيد مخصوص يلاحظ فيها صلاح المسلمين - فذلك لا يبعد إصلاحه وتصحيحه، وأمّا إذا كان المراد التحريم والنهي في مقابل تجويز الشرع فلا إشكال في كونه بدعة وأحدوثة في الدين وخلافا للكتاب والسنّة الثابتة، فلا يعتنى بها بوجه. قال رسول الله (ص) كما في ابن ماجة: وسترون من بعدي اختلافاً شديداً، فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهدّيين، وعضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم والأمور المحدثات فإن كلّ بدعة ضلالة.(٢)

وليعلم أنّ المراد من الخلفاء الراشدين خلفاؤه في العلم والعمل الذين أوصى بهم وجعلهم أئمّة وهم أهل بيت الرسالة ومختلف الملائكة وخزّان العلم، وأنهم يتّبعون الكتاب وسنة رسول الله (ص) ولا يخالفون ما جاء به بأيّ وجه.

مسند أحمد: عن أبي نضرة، قلت لجابر بن عبد الله: إنّ ابن الزبير ينهى عن المتعة، وأنّ ابن عبّاس يأمر بها، قال: فقال لي: على يديّ جرى الحديث، تمتّعنا مع رسول الله (ص) ومع أبي بكر، فلمّا ولي عمر خطب الناس فقال: إنّ القرآن هو القرآن، وإنّ رسول الله (ص) هو الرسول، وإنّهما كانتا متعتان على عهد رسول الله (ص) أحداهما متعة الحجّ والأخرى متعة النساء.(٣)

وفي سنن البيهقي: نظيرها، وفيها: وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما، أحداهما متعة

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ٣٢.

٢ - ابن ماجة، ج ١، ص ٢٠.

٣ - مسند أحمد، ج ١، ص ٥٢.

٢٣١

النساء ولا أقدر على رجل تزوّج امرأة إلى أجل إلاّ غيّبته بالحجارة، والأخرى متعة الحجّ، افصلوا حجّكم من عمرتكم فإنّه أتمّ لحجّكم وأتمّ لعمرتكم.(١)

ويروي: عن أبي سعيد الخدري قال: كنا نتمتّع على عهد رسول الله (ص) بالثوب.(٢)

ويروي: عن جابر قال: تمتعّنا متعتين على عهد النبيّ (ص) الحجّ والنساء، فنهانا عمر عنهما فانتهينا.(٣)

سنن البيهقي: يقول البيهقي بعد نقل روايات مختلفة كما في مسلم وغيره: قال الشيخ - ونحن لا نشك في كونها على عهد رسول الله (ص)، لكنّا وجدناه نهى عن نكاح المتعة عام الفتح بعد الإذن فيه، ثمّ لم نجده إذن فيه بعد النهي حتى مضى لسبيله (ص) فكان نهي عمر بن الخطاب عن نكاح المتعة موافقاً لسنة رسول الله (ص)، فأخذنا به ولم نجده (ص) نهى عن متعة الحجّ في رواية صحيحة عنه، ووجدنا في قول عمر ما دلّ على أنّه أحبّ أن يفصل بين الحجّ والعمرة ليكون أتمّ لهما، فحملنا نهيه عن متعة الحجّ على التنزيه وعلى اختيار الإفراد على غيره لا على التحريم.(٤)

أقول: ينبغي التنبيه على أمور:

١ - أنّ المتعة هي النكاح المنقطع التي أحلّها الله في كتابه المجيد، وأحلّها رسوله (ص) وعمل بها الأصحاب إلى زمان عمر.

٢ - المتعة هي عقد على شرائط لازمة في النكاح الدائم في الزوج والزوجة والمهر وانتفاء الموانع ولزوم العدّة، ويفارق الدائم في تعيين الأجل.

٣ - قد صرّح عمر في كلماته ( كانتا في عهد رسول الله وأنا أحّرمهما ) بأنّ المتعتين كانتا في عهد رسول الله (ص) جائزتين وواقعتين، فكيف يدّعي الشيخ بأنّ رسول الله (ص) لم يأذن فيها بعد.

____________________

١ - سنن البيهقي، ج ٧، ص ٢٠٦.

٢ - مسند أحمد، ج ٣، ص ٢٢.

٣ - نفس المصدر، ص ٣٥٦.

٤ - سنن البيهقي، ج ٣، ص ٢٢.

٢٣٢

٤ - أنّ حكم الجواز والنهي في المتعتين على السواء ( متعتان كانتا في عهد رسول الله (ص) وأنا أحرّمهما ) فيكف يجوز للشيخ أن يفصل بينهما بالتحريم في الأوّل والتنزيه في الثاني.

٥ - إذا قال عمر في خطبته: بأنّ القرآن هو القرآن والرسول هو الرسول، لم يتغيّروا، فكيف يصحّ منه القول بالتحريم والنهي.

مسلم: بإسناده عن جابر بن عبد الله، وسلمة بن الأكوع، قالا: خرج علينا منادي رسول الله (ص) فقال: إنّ رسول الله (ص) قد أذن لكم أن تستمتعوا. يعني متعة النساء.(١)

وبإسناد آخر عنهما: أنّ رسول الله (ص) أتانا فأذن لنا في المتعة.

ويروي: قال عطاء: قدم جابر بن عبد الله معتمراً فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء ثمّ ذكروا المتعة؟ فقال: نعم استمتعنا على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر وعمر.(٢)

ويروي أيضاً: عن جابر: كنا نستمتع القبضة من التمر والدقيق الأيامَ. على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر، حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث.

ويروي أيضاً: عن أبي نضرة: كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال: ابن عبّاس وابن الزبير اختلفا في المتعتين! فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله (ص) ثمّ نهانا عنهما عمر فلم نُعدلهما.

ويروي أيضاً: عن سبرة، قال: أذن لنا رسول الله (ص) بالمتعة، فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة من بني عامر فمكثت معها ثلاثاً، ثمّ إنّ رسول الله (ص) قال: مَن كان عنده شيء من هذه النساء التي يتمتع، فليخل سبيلها.

ويروي أيضاً: عن سبرة، قال: أذن لنا رسول الله (ص) عام أوطاس في المتعة ثلاثاً ثمّ نهى عنها.

أقول: في حاشية الكتاب - عام أوطاس هو عام الفتح وهو وادٍ بديار هوازن،

____________________

١ - مسلم، ج ٤، ص ١٣٠.

٢ - نفس المصدر، ص ١٣١.

٢٣٣

وقوله ثلاثاً، أي: ثلاث ليالٍ. انتهى.

فالمراد من النهي عنها بقرينة لحن هذه الرواية وبصراحة روايات أخرى هو النهي عن جهة الزمان وعدم اقتضاء أيام الحرب الترخيص أكثر من ثلاث ليالٍ، فلا دلالة فيها على النهي المطلق وتحريم أصل العمل، كما لا يخفى.

ويروي أيضاً: بإسناده عن قيس، قال: سمعت عبد الله ( هو ابن مسعود ) يقول: كنّا نغزو مع رسول الله (ص) ليس لنا نساء، فقلنا ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثمّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثمّ قرأ عبد الله:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) .(١)

سنن البيهقي: يروي روايات قريبة منها.(٢)

ويروي أن عبد الله بن الزبير قام بمكّة فقال: إنّ أناسا أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يُفتون بالمتعة، يُعرّض برجل، فناداه فقال إنّك لجلف جاف ؛ فلعمري لقد كانت المتعة تُفعل على عهد إمام المتقين ( يريد رسول الله (ص) ) فقال له ابن الزبير: فجرّب بنفسك، فوالله لئن فعلتها لأرجمنّك بأحجارك.(٣)

قال ابن شهاب فأخبرني خالد بن المهاجر بن سيف الله أنّه بينا هو جالس عند رجل، جاءه رجل فاستفتاه في المتعة؟ فأمره بها، فقال له ابن أبي عمرة الأنصاري: مهلا! قال: ما هي والله لقد فعلت في عهد إمام المتّقين، قال ابن أبي عمرة: إنّها كانت رخصة في أوّل الإسلام لمن اضطرّ إليها، كالميتة والدم ولحم الخنزير، ثمّ أحكم الله الدين ونهى عنها.

أقول: لا يخفى على الخبير أنّ الترخيص إنّ كان متوقّفا على الاضطرار فلا يقيّد بزمان ولا معنى لتخصيصه بأوّل الإسلام.

وأيضاً لا معنى للتحريم والنهي عن العمل الاضطراريّ فإنّه يرتفع التكليف في

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ص ١٣٠.

٢ - سنن البيهقي، ج ٧، ص ٢٠٠.

٣ - مسلم ج ٤، ص ١٣٣.

٢٣٤

حال الاضطرار، ويثبت إذا انتفى الموضوع.

ثمّ إنّه يلزم على هذا الفرض أن يثبت الحكم التحريميّ للموضوع أوّلا وبالذات كما في الميتة والدم، ثمّ يستثنى منه مورد الاضطرار لا بالعكس.

ورابعاً: قد ثبت الجواز في زمان النبيّ (ص) فالتقييد بحال الاضطرار أو التحريم بعده يحتاج إلى دليل قطعيّ، ولم يثبت.

ويروي: بإسناد عن علي بن أبي طالب: أنّ رسول الله (ص) نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحُمر الإنسية.(١)

ويروي: بمثلها بأسانيد أخرى.

أقول: هذا النهي من جهة خصوصية زمان معيّن لا من جهة أصل الموضوع، وقد ثبت التجويز في عام الفتح بعد عام خيبر.

ابن ماجة: عن ابن عمر: قال: لمّا ولي عمر بن الخطّاب خطب الناس فقال: إنّ رسول الله (ص) أذن لنا في المتعة ثلاثاً ثمّ حرّمها، والله لا أعلم أحداً يتمتع وهو مُحصن إلاّ رجمته بالحجارة إلاّ أن يأتيني بأربعة يشهدون أنّ رسول الله (ص) أحلّها بعد إذ حرّمها.(٢)

أقول: يعترف الخطيب بأنّ رسول الله (ص) أحلّها وحكم بحلّيتها ثلاثَ مرّات أو ثلاث ليالٍ، فتثبت الحلّية. وأمّا نفيها والتحريم بعد، فيحتاج إلى الإثبات. ثمّ إنّ غاية ما يمكن أن نقول هنا: إنّ حلّية المتعة تتوقّف على شرائط، وإذا فقدت الشرائط المأخوذة فتلحقها الحرمة والممنوعية، وإلاّ فلا معنى للتحليل ثمّ التحريم مرّة بعد مرّة.

والحاصل من هذه الروايات الشريفة: أنّ المتعة كانت واقعة في زمان رسول الله (ص)، بل إلى زمان عمر، وتدلّ عليه الآية الشريفة:( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) ولا سيّما على قراءة ابن عبّاس.

ولمّا كانت الأحكام الشرعية تعبّدية وتوقيفيّة صرفة لا يجوز لنا أن ننصرف

____________________

١ - مسلم، ج ٤، ص ١٣٤.

٢ - ابن ماجة، ج ١، ص ٦٠٥.

٢٣٥

عنها ونبدلها بوجه من الوجوه، وليس لأحدٍ أن يغيّر حكم الله ويحرّف كلمات الله عن مواضعها بعقله الضعيف وإدراكه المحدود وفهمه الناقص:( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ) .

ويلزم أن يتوجّه المسلم الغيور المتعبّد بأنّ تحليل المتعة ليس بمعنى التجويز على الإطلاق، بل له شرائط وآداب لازمة أزيد من شرائط النكاح الدائم، من رعاية حقوق المرأة وحفظ حرمتها والتوجّه إلى حياتها الاجتماعية، وعدم إيجاب هذا الأمر مضيقة لها في معاشها وابتلاء في أمورها المستقبلة والتدبير في ما يرتبط بحمل المرأة ووضع الولد وتربيته، وهذا ابتلاء ما أعظمه، فإذا لم تراع هذه الشرائط: تكون حراما بالعنوان الثانويّ.

٢٣٦

فتنة:

( تحريم المتعة في الحجّ )

الفائق: قال عمر بن الخطّاب في متعة الحجّ: علمت أنّ رسول الله (ص) فعلها وأصحابه، ولكنّي كرهت أن يظلّوا بهنّ مُعرسين تحت الأراك، ثم يُلبّون بالحج تقطر رؤوسهم.(١)

سنن الدارمي: عن مروان بن الحكم أنّه شهد علياً وعثمان بين مكّة والمدينة، وعثمان ينهي عن المتعة، فلمّا رأى ذلك عليّ، أهلّ بهما جميعاً، فقال: لبيك بحجّة وعمرة معاً، فقال: تراني أنهى عنه وتفعله! فقال لم أكن لأدع سنّة رسول الله (ص) بقول أحدٍ من الناس.(٢)

ويروي: عن أنس أنه سمع النبي (ص)، يقول: لبيك بعمرة وحج.(٣)

ويروي أيضاً: عن أنس: أنّ رسول الله (ص) أهلّ بهما جميعاً، فلقيت ابن عمر فأخبرته بقول أنس، فقال إنّما أهلّ بالحجّ، فرجعت إلى أنس فأخبرته بقول ابن عمر، فقال: ما يَعدّونا إلاّ صبياناً.

أقول: يستفاد من هذه الروايات أمور:

١ - اعترف عمر بأنّ رسول الله (ص) فعل متعة الحجّ وكذا أصحابه.

٢ - صرّح بأنّ علّة تحريم كراهته أن يظلّوا بهنّ مُعرسين ثمّ يُلبون بالحجّ، غفلةً منه بأنّ الإعراس كالأكل والشرب، وقد يجب، واستحبابه مسلّم، وهو من الطاعات، بل من الأمور الضرورية لطبيعة البشر، يصان به عن إفراط الشهوة ويعتدل به المزاج والفكر.

____________________

١ - الفائق، ج ٢، ص ١٣٦.

٢ - سنن الدارمي، ج ٣، ص ٦٩.

٣ - نفس المصدر، ص ٧٠.

٢٣٧

مسلم: بإسناده عن جابر: قدم النبيّ (ص) صبح رابعة مضت من ذي الحجّة فأمرنا أن نحلّ، قال: حِلّوا وأصيبوا النساء. قال عطاء: ولم يعزم عليهم ولكن أحلّهنّ لهم، فقلنا لما لم يكن بيننا وبين عرفة إلاّ خمس أمرنا أن نفضي إلى نسائنا فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا المنيّ الحديث.(١)

ويروي مسند أحمد: نظيره.(٢)

ويروي أيضاً: بإسناده: أهللنا مع رسول الله (ص) بالحجّ فلمّا قدمنا مكّة أمرنا أن نحلّ ونجعلها عمرة، فكبُر ذلك علينا وضاقت به صدورنا، فبلغ ذلك النبيّ (ص) فما ندري أشيء بلغه من السماء أم شيء من قبل الناس؟ فقال: أيّها الناس أحلّوا، فلولا الهدي الذي معي فعلت كما فعلتم.قال فأحللنا حتى وطأنا النساء ... الحديث.

ويروي أيضاً: بإسناده: كان ابن عبّاس يأمر بالمتعة، وكان ابن الزبير ينهي عنها، قال: فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله، فقال: على يديّ دار الحديث، تمتّعنا مع رسول الله (ص)، فلمّا قام عمر قال: إنّ الله كان يُحلّ لرسوله ما شاء بما شاء، وأنّ القرآن قد نزل منازله، فأتمّوا الحجّ والعمرة لله كما أمركم الله، وأبتّوا نكاح هذه النساء ؛ فلن أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلاّ رجمته بالحجارة.(٣)

ويروي أيضاً: عن أبي موسى، إنّه كان يفتي بالمتعة، فقال له رجل: رويدك ببعض فُتياك ؛ فإنّك لا تدري ما أحد أمير المؤمنين في النسك بعد، حتى لقيه بعد، فسأله، فقال عمر: قد علمت أنّ النبي (ص) قد فعله وأصحابه، ولكن كرهت أن يظلّوا مُعرسين بهنّ في الأراك ثمّ يروحون في الحجّ تقطر رؤوسهم.(٤)

وفي النسائي: نظيرها. وكذا في أحمد.(٥)

ويروي أيضاً: بإسناده: كان عثمان ينهي عن المتعة، وكان عليّ يأمر بها،

____________________

١ - مسلم، ج ٤، ص ٣٧.

٢ - مسند أحمد، ج ٣، ص ٣١٧.

٣ - مسلم، ج ٤، ص ٣٨.

٤ - نفس المصدر، ص ٤٥.

٥ - النسائي، ج ٥، ص ١١٩ ومسند أحمد، ج ١، ص ٥٠.

٢٣٨

فقال عثمان لعليّ كلمة، ثمّ قال عليّ: لقد علمت إنّا قد تمتّعنا مع رسول الله (ص)؟ فقال: أجل ولكنّا كنّا خائفين.(١)

ويروي أيضاً: اجتمع عليّ وعثمان رضيَ الله عنهما بعُسفان، فكان عثمان ينهى عن المتعة أو العمرة، فقال علي: ما تريد إلى أمر فعله رسول الله (ص) تنهي عنه؟! فقال عثمان: دعنا منك، فقال: إنّي لا أستطيع أن أدعك. فلمّا أن رأى عليّ ذلك أهل بهما جميعاً.

ويروي أيضاً: بإسناده عن أبي ذرّ قال: كانت لنا رخصة يعني المتعة في الحجّ.

أقول: ثبت من هذه الروايات أنّ متعة الحجّ كانت مسلّمة في عهد رسول الله (ص) وقد عملت الصحابة بها وكانوا مرخّصين فيها.

ويروي أيضاً: بإسناده عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذرّ (رض) قال: كانت المتعة في الحجّ لأصحاب محمّد (ص) خاصة.

ويروي أيضاً: لا تصلح المتعتان إلاّ لنا خاصة.

أقول: إنّ كانت المتعة مخصوصة بأصحاب الرسول الله (ص): فكيف كان عمر وعثمان ينهيان الصحابة عنها؟! وإن كانت مخصوصة بهم مقيّدة بزمان الرسول وحياته (ص): فكيف كان عمر وابن عبّاس وعليّ وغيرهم جاهلين بهذا القيد؟! وهل كان التحريم في زمان عمر فرع ثبوت الحليّة في هذا الزمان مع ما في خلاصة التهذيب: أنّ إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي العابد يُرسل ويُدلّس.

ويروي أيضاً: بإسناده، سألت سعد بن أبي وقّاص (رض) عن المتعة؟ فقال: فَعَلْنَاهَا وَهَذَا يَوْمَئِذٍ ( أي: أنّ معاوية في ذلك اليوم ) كَافِرٌ بِالْعُرُشِ. يَعْنِى بُيُوتَ مَكَّةَ.(٢)

ويروي أيضاً: بإسناده عن عمران بن حصين قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله ( يعني متعة الحجّ ) وأمرنا بها رسول الله (ص) ثمّ لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحجّ ولم ينه عنها رسول الله (ص) حتى مات، قال رجل برأيه بعد ما شاء.(٣)

____________________

١ - مسلم، ج ٤، ص ٤٦.

٢ - مسلم، ج ٤، ص ٤٧.

٣ - نفس المصدر، ص ٤٩.

٢٣٩

وفي النسائي: قريب منها.(١)

وروى روايات أخر قبلها قريباً منها، وصرّح فيها بأنّ المراد من الرجل هو عمر بن الخطّاب، وهو الذي ارتأى برأيه، وقال بالتحريم.

ويروي أيضاً: بإسناده، عن مسلم القُريّ قال: سألت ابن عبّاس (رض) عن متعة الحجّ فرخّص فيها، وكان ابن الزبير ينهى عنها، فقال: هذه أمّ ابن الزبير تُحدّث أنّ رسول الله (ص) رخّص فيها، فادخلوا عليها فاسألوها؟ قال: فدخلنا عليها فإذا امرأة ضخمة عمياء، فقالت: قد رخّص رسول الله (ص) فيها.(٢)

ويروي أيضاً: بإسناده عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله (ص): هذه عمرة استمتعنا بها فمن لم يكن عنده الهدي فليُحلّ الحلّ كلّه، فإن العمرة قد دخلت في الحجّ إلى يوم القيامة.(٣)

ويروي أيضاً: عن أبي حمزة الضبعي، قال: تمتّعت فنهاني ناسٌ عن ذلك، فأتيت ابن عبّاس فسألته عن ذلك فأمرني بها، قال: ثمّ انطلقت إلى البيت فنمت فأتاني آت في منامي فقال: عمرة متقبّلة وحجّ مبرور، قال: فأتيت ابن عبّاس فأخبرته بالذي رأيت، فقال: الله أكبر! الله أكبر! سنّة أبي القاسم (ص).

ويروي: بإسناده قال عطاء: كان ابن عبّاس يقول: لا يطوف بالبيت حاجّ ولا غير حاجّ إلاّ حِلّ، قلت لعطاء: من أين يقول ذلك؟ قال: من قول الله تعالى:( ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) ، قال: قلت فإن ذلك بعد المعرف، فقال: كان ابن عبّاس يقول: هو بعد المعرّف وقبله، وكان يأخذ ذلك من أمر النبيّ (ص) حين أمرهم أن يُحلّوا في حجّة الوداع.(٤)

أقول: أي بعد الوقوف بعرفة وقبله، والمعرّف موضع التعريف.

ويروي: بإسناده عن أبي نضرة، قال: كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت

____________________

١ - النسائي، ج ٥، ص ١٢٠.

٢ - مسلم، ج ٤، ص ٥٥.

٣ - نفس المصدر، ص ٥٧.

٤ - نفس المصدر، ص ٥٨.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495