الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام8%

الحقائق في تاريخ الاسلام مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 495

الحقائق في تاريخ الاسلام
  • البداية
  • السابق
  • 495 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 193455 / تحميل: 7471
الحجم الحجم الحجم
الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

فقال: إنّ ابن عبّاس وابن الزبير اختلفا في المتعتين فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله (ص) ثمّ نهانا عنهما عمر فلم نعُد لهما.(١)

سنن النسائي: حجّ عليّ وعثمان فلمّا كنا ببعض الطريق نهى عثمان عن التمتع، فقال عليّ: إذا رأيتموه ارتحل فارتحلوا، فلبّى عليّ وأصحابه بالعمرة فلم ينههم عثمان، فقال عليّ: ألم أخبر أنّك تنهي عن التمتع؟ قال: بلى، قال له عليّ: ألم تسمع رسول الله (ص) تمتع؟ قال: بلى.(٢)

مسند أحمد: يروي قريبا منها.(٣)

ويروي أيضاً: أن سعد بن أبي وقّاص والضحّاك بن قيس، عام حجّ معاوية بن أبي سفيان وهما يذكران التمتع بالعمرة إلى الحجّ، فقال الضحّاك: لا يصنع ذلك إلاّ من جهلَ أمر الله تعالى، فقال سعد: بئسما قلت يا ابن أخي، قال الضحّاك: فإنّ عمر بن الخطّاب نهى عن ذلك، قال سعد: قد صنعها رسول الله (ص) وصنعناها معه.

مسند أحمد: يروي نظيرها.(٤)

ويروي أيضاً: عن ابن عبّاس قال سمعت عمر يقول: والله إنّي لأنهاكم عن المتعة وإنّها لفي كتاب الله، ولقد فعلها رسول الله (ص)، يعني العمرة في الحجّ.(٥)

ويروي أيضاً: قال معاوية لابن عبّاس: أعلمتَ أنّي قصّرت من رأس رسول الله (ص) عند المروة؟ قال: لا، يقول ابن عبّاس: هذا معاوية ينهى الناس عن المتعة وقد تمتّع النبيّ (ص).

ويروي أيضاً: قال سراقة: تمتّع رسول الله (ص) وتمتّعنا معه فقلنا: ألنا خاصة أم لأبد؟ قال: بل لأبد.(٦)

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ص ٥٩.

٢ - النسائي، ج ٥، ص ١١٨.

٣ - مسند أحمد، ج ١، ص ٦٠.

٤ - نفس المصدر، ج ١، ص ١٧٤.

٥ - سنن النسائي، ج ٥، ص ١١٩.

٦ - نفس المصدر، ص ١٤٠.

٢٤١

أقول: قال الله تعالى وتبارك:( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) . عقيدة الإمامية: إنّ أفضل أقسام الحجّ التمتّع، وهو حجّة الإسلام والفريضة لكلّ من نأى عن مكّة، ويتركّب من عمرة واجبة وحجّ واجب، يُحلّ بعد التقصير من العمرة لله، فمن تمتع بالعمرة إلى الحجّ فما استيسر من الهدي. وقال مالك: الإفراد أفضل، وقال أبو حنيفة: القِران أفضل، وقالا: إنّ العمرة مستحبّة. ومنشأ هذه الأقوال نهي عمر عن المتعة وعن عمرة التمتّع، وقد صرّح بقوله: متعتانِ كانتا في عهد رسول الله (ص) وأنا أحرّمهما وأعاقب عليهما.

مسند أحمد: عن أبي موسى ؛ أنّ عمر قال: هي سنّة رسول الله (ص) - يعني المتعة - ولكنّي أخشى أن يُعرسوا بهنّ تحت الأراك ثمّ يروحوا بهنّ حُجاجاً.(١)

ويروي: عن عبد الله بن الزبير قال: أنا والله لمع عثمان بن عفّان بالجُحفة ومعه رهط من أهل الشام، فيهم حبيب بن مسلمة الفهري، إذ قال عثمان وذُكر له التمتّع بالعمرة إلى الحج: إنّ أتمّ الحجّ والعمرة أن لا يكونا في أشهُر الحجّ، فلو أخّرتم هذه العمرة حتى تزوروا هذا البيت زورتين كان أفضل ؛ فإنّ الله قد وسّع في الخير، وعليّ بن أبي طالب في بطن الوادي يَعلف بعيراً له، قال، فبلغه الذي قال عثمان، فأقبل حتى وقف على عثمان، فقال: لقد عمدت إلى سنّة سنّها رسول الله (ص) ورخصة رخّص بها الله تعالى للعباد في كتابه تَضيق عليهم فيها وتنهي عنها، وقد كانت لذي الحاجة ولنائي الدار، ثمّ أهلّ بحجّة وعمرة معاً. فأقبل عثمان على الناس فقال: وهل نهيت عنها، إنّي لم أنه عنها، إنّما كان رأياً أشرت به، فمن شاء أخذ به ومن شاء تركه.(٢)

ويروي: عن ابن عبّاس قال: تمتّع النبي (ص). فقال عروة بن الزبير: نهى أبو بكر وعمر عن المتعة. فقال ابن عبّاس: ما يقول عُرّية؟! قال: يقول نهى أبو بكر وعمر عن المتعة. فقال ابن عبّاس: أراهم سيهلكون.

أقول: قال

____________________

١ - مسند أحمد، ج ١، ص ٤٩.

٢ - نفس المصدر، ص ٩٢.

٢٤٢

النبيّ (ص)، ويقول: نهى أبو بكر وعمر!(١)

ويروي عن سالم: كان عبد الله بن عمر يُفتي بالذي أنزل الله - عزّ وجلّ - من الرخصة بالتمتّع وسَنّ رسول الله (ص) فيه، فيقول ناس: كيف تُخالف أباك وقد نهى عن ذلك؟! فقال: ويلكم أفرسول الله أحقّ أن تتبعوا سنّته أم سنّة عمر.(٢)

سنن أبي داود: عن جابر: حتى إذا قدمنا طفنا بالكعبة وبالصفا والمروة، فأمّرنا رسول الله (ص): أن يُحلّ منّا مَن لم يكن معه هَدي. قال: فقلنا حلّ ماذا؟ قال: الحلّ كلّه، فواقعنا النساء وتطيّبنا بالطيب ولبسنا ثيابنا وليس بيننا وبين عرفة إلاّ أربع ليال، ثمّ أهللنا يوم التروية.(٣)

ويروي عنه أيضاً: ثمّ أمَرنا رسول الله (ص) أن نُحلّ، وقال: لولا هديي لحللت، ثمّ قام سراقة بن مالك فقال: يا رسول الله أرأيت متعتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد؟ فقال رسول الله (ص): بل هي للأبد.(٤)

مسند أحمد: يروي مثلهما.(٥)

الموطّأ: أنّ سعد بن أبي وقاص والضحّاك بن قيس عام حجّ معاوية بن أبي سفيان يذكران التمتّع بالعمرة إلى الحجّ، فقال الضحّاك: لا يصنع ذلك إلاّ من جهل أمر الله، فقال سعد: بئسَ ما قلت يا ابن أخي؟ فقال الضحّاك: فإنّ عمر بن الخطّاب قد نهى عن ذلك، فقال سعد: صنعها رسول الله (ص) وصنعناها معه.(٦)

سنن البيهقي: يروي نظيرها وروايات أخر.(٧)

____________________

١ - مسند أحمد، ج ١، ص ٣٣٧.

٢ - نفس المصدر، ج ٢، ص ٩٥.

٣ - سنن أبي داود، ج ١، ص ٢٤٨.

٤ - نفس المصدر، ص ٢٤٩.

٥ - مسند أحمد، ج ٣، ص ٢٩٢.

٦ - الموطأ، ص ٣٥٤.

٧ - سنن البيهقي، ج ٥، ص ١٦.

٢٤٣

أقول: قال الزرقاني في شرح الموطّأ ما خلاصته: وكان من رأي عمر عدم الترفّه للحاجّ بكلّ طريق، وقول سعد: ( صنعها رسول الله (ص) ) إشارة إلى عمرة التمتّع والحجّة وهي مقدّمة على الاجتهاد والرأي، والآية:( وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ ) دلّت على إتمامهما وذلك صادق بأنواع الإحرام الثلاثة، أي وأتمّوا كما أمركم الله. وقال النووي: الظاهر أنّه كان ترغيباً إلى الإفراد ثمّ انعقد الإجماع على جواز التمتّع بلا كراهة، وبقي الخلاف في الأفضل.(١)

تاريخ الطبري: عن عمران بن سوادة قال صلّيت الصبح مع عمر قلت عابت أمّتك منك أربعاً، قال: فوضع رأس درته في ذقنه ووضع أسفلها على فخذه، ثمّ قال: هات! قلت: ذكروا أنّك حرّمت العمرة في أشهُر الحجّ ولم يفعل ذلك رسول الله (ص) ولا أبو بكر وهي حلال، قال: هي حلال لو أنّهم أعقروا في أشهُر الحجّ رأوها مُجزية من حجّهم فكانت قائبة قوب عامها، فقرع حجهم وهو بهاء من بهاء الله.(٢)

أقول: قد صرّح المعترض بأنّه حرّم العمرة في أشهر الحجّ مع أنّها كانت جائزة في عهد رسول الله (ص).

ولا تدّعي: بأنّ عمر بن الخطاب [ ما ] أراد أن يبدّل أحكام الدين ويغيّر ما جاء به رسول الله (ص) بسوء القصد وفساد النية، بل ما كان مقصده إلاّ الإصلاح، وإجراء ما كان فيه صلاح الأمة، وإنما الإشكال في أنّ أحكام الله وما جاء به رسول الله (ص) توقيفيّة لا يتصرّف فيها وتعبّدية لا يجوز التغيير فيها، ولو بقصد الإصلاح، فإن نظر الإنسان قصر وفكره محدود وعقله ضعيف، ( وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ) .

____________________

١ - شرح الموطأ، ج ٢، ص ١٧٨.

٢ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ٣٢.

٢٤٤

( كلماته في آخر عمره )

أنّه كان نادماً على أمور صدرت منه، وكان متحسّراً عليها، ويظهر الأسف الشديد على تلك الأمور، ويقول في آخر أيام من عمره ما يبعد عن ظاهر مقامه.

مستدرك الحاكم، والطبقات: فقال عمر: والله لو أنّ لي ما على الأرض من شيء لافتديت به من هول المطلع.(١)

ويروي في الطبقات أيضاً، ومسند أحمد: أمّا تبشيرك لي بالجنّة: فوالله الذي لا إله إلاّ هو لو أنّ لي الدنيا وما فيها لافتديت به من هول ما أمامي قبل أن أعلم الخبر، وأمّا ما ذكرت في إمرة المؤمنين: فوالله لوددت أنّ ذلك كفاف لا لي ولا عليّ.(٢)

ويروي أيضاً: قال: ثمّ صحبت أبا بكر فسمعت وأطعت، فتُوفّي أبو بكر وأنا سامع مطيع، وما أصبحتُ أخاف على نفسي إلاّ إمارتكم هذه.(٣)

ويروي أيضاً: قال: إنّ مَن غرّه عمره لمغرور، والله لوددت أنّي أخرج منها كما دخلت فيها، والله لو كان لي ما طلعت الخ.

تاريخ الطبري: قال عمر: لا أرب لنا في أموركم، ما حمدتها فأرغب فيها لأحدٍ من أهل بيتي، إن كان خيراً فقد أصبنا منه، وإن كان شراً فشرّ عنّا إلى عمر، بحسب آل عمر أن يحاسب منهم رجلٌ واحد ويُسأل عن أمر أمّة محمّد، أمَا لقد جهدتُ نفسي وحرمتُ أهلي، وإن نجوت كفافاً لا وزر ولا أجر إنّي لسعيد.(٤)

أقول: يستفاد من هذه الروايات أمور:

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ٩٢ والطبقات، ج ٣، ص ٣٥٢.

٢ - الطبقات، ص ٣٥٣ ومسند أحمد، ج ١، ص ٤٦.

٣ - الطبقات، ص ٣٥٥.

٤ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ٣٤.

٢٤٥

١ - اضطرابه الشديد من هول الموت وما بعده.

٢ - خوفه من عوارض الإمارة وآثارها وأوزارها.

٣ - انه يودّ أن له كفافاً لا وزر له ولا أجر.

فدلّت هذه الكلمات على أنّ تولّيه الإمارة لم يكن من باب العمل بالوظيفة الإلهية، ولم يكن مستندا إلى أمر ربّاني وحقيقة روحانية مسلّمة، حتى لا يبقى اضطراب وتزلزل وتردّد في باطنه.

الطبقات: آخر كلمة قالها عمر حتى قضى: ويَلي وويل أمّي إن لم يغفر الله لي، ويل وويل أمّي إن لم يغفر الله لي، ويلي وويل أمّي إن لم يغفر الله لي.(١)

ويروي بإسناد آخر: ما يقرب منها.

ويروي أيضاً: رأيت عمر بن الخطاب أخذ تِبنة من الأرض فقال: ليتني كنت هذه التِبنة، ليتني لم أخلق، ليت أمّي لم تَلدني، ليتني لم أكُ شيئا، ليتني كنت نسياً منسياً.

ويروي بأسناد آخر: ما يقرب منها.

أقول: هذه الكلمات تدلّ على غاية الاضطراب ونهاية التحسّر على ما فرّط في جنب الله، ولا يمكن ظهورها والتكلّم بها إلاّ ممّن لم يرتبط قلبه بالملكوت واللاهوت، ولم ترسخ مقامات العبودية والأنوار الإلهية في باطنه، ولو أنّ لكلّ نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به. ويكفي في اضطراب النفس ما وقع بينه وبين أهل بيت الرسول (ص)، من إحراق بيت فاطمة (ع)، والتهيؤ لمقاتلتهم، وإخراج عليّ (ع) للبيعة، وأخذ حقوقهم. وقد سبق أنّ فاطمة (ع) ماتت وهي غَضبى عليه، وأوصت أن لا يحضر في جنازتها.

الطبقات: سمعت رجلاً من الأنصار يقول: دعوت الله أن يُريني عمر في النوم فرأيته بعد عشر سنين وهو يمسح العرق عن جبينه، فقلت يا أمير المؤمنين ما فعلت؟ فقال: الآن فرغتُ ولولا رحمة ربّي لهلكت.(٢)

____________________

١ - الطبقات ج ٣، ص ٣٦٠.

٢ - نفس المصدر، ص ٣٧٦.

٢٤٦

ويروي أيضاً: عن ابن عبّاس: دعوت الله أن يُريني عمر في النوم فرأيته بعد سنة وهو يسلت العرق عن وجهه وهو يقول: الآن خرجت من الحِناذ أو مثل الحناذ.

ويروي روايات آخر قريبة منها.

أقول: هذه الروايات تدل على ابتلائه الشديد في هذه المدّة، وقد رفعت الشدّة بدرجة. وما هذه الشدّة إلاّ بمخالفته أهل البيت، وانحرافه عن وصيه رسول الله (ص).

العقد الفريد: قال عمر: المغرور والله من غررتموه، أمَا والله لو أنّ لي ما بين المشرق والمغرب لافتديت به من هول المطلع.(١)

ويروي عن قتادة: لما ثقل عمر، قال لولده عبد الله: ضع خدّي على الأرض فكره أن يفعل ذلك. فوضع عمر خده على الأرض وقال: ويل لعمر ولامّ عمر إن لم يعفُ الله عنه.

أقول: قلنا إنّ مبدأ اضطرابه ما وقع بينه وبين أهل بيت رسول الله (ص)، وقد أشار إليه إجمالا في آخر كلماته، حيث قال: لئن سألت رسول الله (ص) عن الخلافة، أحبّ إليّ من حُمر النعم.

مستدرك الحاكم: عن عمر بن الخطاب قال: لأنّ أكون سألت رسول الله (ص) عن ثلاث أحبّ إليّ من حُمر النعم: من الخليفة بعده، وعن قوم قالوا نُقرّ بالزكاة في أموالنا ولا نُؤديها إليك أيحلّ قِتالهم، وعن الكلالة.(٢)

وعن ابن عبّاس قال: كنت آخر الناس عهدا بعمر فسمعته يقول: القول ما قلتُ. قلتُ: وما قلت؟ قال: قلت: الكلالة من لا ولد له.

ويروي عن عمر بن الخطاب قال: ثلاث لأن يكون النبيّ (ص) بيّنهنّ لنا أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها، الخلافة، والكلالة، والرِّبا.(٣)

____________________

١ - العقد الفريد، ج ٤، ص ٢٧٤.

٢ - مستدرك الحاكم، ج ٢، ص ٣٠٣.

٣ - نفس المصدر، ص ٣٠٤.

٢٤٧

سنن البيهقي: ما يقرب منها.(١)

أقول: تدلّ هذه الروايات على أنّه كان في ريب في هذه الموضوعات، وقد اشتدّ اضطرابه من هذه الجهة في الأيام الأخيرة من حياته. وقد كان أبو بكر أيضاً يُظهر الأسف والندامة في موضوع الخلافة، وكان يقول: وددت أنّي سألت رسول الله (ص) لمن هذا الأمر، ووددت أنّي يوم السقيفة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين. وقد قال الله تعالى:( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً ) .

سنن البيهقي: عن الشعبي قال: قال عمر: الكلالة ما عدا الولد. قال أبو بكر: ما عدا الولد والوالد. فلما طُعن عمر قال: إنّي لأستحيي أن أخالف أبا بكر، الكلالة ما عدا الولد والوالد.(٢)

أقول: قال الله تعالى في آخر سورة النساء:( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ ) الآية. وعلى أيّ حال فأحد القولين مخالف للكتاب. راجع كتاب التحقيق.

( عمر والعُلوج )

الطبقات: في كلام لعمر وأوصيكم بالأعراب ؛ فإنّهم أصلكم ومادّتكم.(٣)

ويروي أيضاً: عنه ثمّ قال لابن عبّاس: لقد كنت أنت وأبوك تُحبان أن تكثر العُلوج بالمدينة، فقال ابن عبّاس: إنّ شئت فعلنا، فقال: أبعدَ ما تكلموا بكلامكم، وصلّوا بصلاتكم، ونسكوا نُسككم؟!.(٤)

ويروي أيضاً: وأوصيه بالأعراب ؛ فإنّهم أصل العرب ومادّة الإسلام وأن يؤخذ

____________________

١ - سنن البيهقي، ج ٦، ص ٢٢٥.

٢ - نفس المصدر، ج ٦، ص ٢٤٤.

٣ - الطبقات، ج ٣، ص ٣٣٧.

٤ - نفس المصدر، ص ٣٣٨.

٢٤٨

من حواشي أموالهم فيردّ على فقرائهم.(١)

أقول: قال الله تعالى:( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) ، أي: لا كرامة لأحدٍ ولا فضلَ إلاّ بالتقوى، وليس لعربٍ على عجمٍ فضلٌ، ولا لأهل بلدٍ على أهل بلدٍ آخر كرامة، وليس في الإسلام تعصّب جاهلية، وأنّ أصل الإسلام ومادته هو القرآن المنزّل من الله تعالى، فمن كان ذا نصيب وافر من حقائق الإسلام فهو الكريم:( مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً ) ، وأمّا قوله: أبعد ما تكلّموا بكلامكم وصلّوا بصلاتكم. يدلّ على تعصّبه الشديد مع الاعتراف بإسلامهم وتسليمهم.

____________________

١ - الطبقات، ج ٣، ص ٣٣٩.

٢٤٩

فتنة:

( وصية عمر بن الخطاب )

تاريخ الطبري: قال عمر بن الخطّاب: وأنظر فإنّ استخلفتُ فقد استخلفُ من هو خير منّي، وإن أترك فقد تركَ مَن هو خير منّي، ولن يُضيّع الله دينه. فخرجوا ثمّ راحوا فقالوا يا أمير المؤمنين، لو عهدت عهدا؟! فقال قد كنت أجمعت بعد مقالتي لكم أن أنظر فأُوليّ رجلا أمركم هو أحراكم أن يَحملكم على الحقّ، وأشار إلى عليّ، ورهفتني غشية فرأيت رجلاً دخل جنّة قد غرسها فجعل يَقطف كلّ غضّة ويانعة فَيضّمه إليه ويُصيّره تحته، فعلمت أنّ الله غالب أمره ومُتوفٍّ عمر، فما أريد أن أتحمّلها حياً و ميّتاً، عليكم الرهط الذين قال رسول الله أنهم من أهل الجنّة: سعيد بن زيد، وعمرو بن نفيل، منهم ولستُ مدخله، ولكن الستّة.(١)

أقول: المتّبع هو سنّة الرسول (ص)، فكيف يعارض عمل فرد من الرعية وهو أبو بكر سنّته وعمله، حتى يتخيّر فرد آخر في اختيار أيّهما شاء، فعلى تقدير صحّة القول بترك استخلاف الرسول (ص)، فكيف يجوز مخالفته وترك اتّباعه. ثمّ أنّه إذا كان عليّ (ع) أحرى الأمّة والحامل على الحقّ: فكيف يجوز التعدّي عنه والميل إلى غير الأحرى والأفضل؟! وأمّا رؤية رجل يَقطف كلّ غضّة ويانعة ممّا غرسه: فلعلّها إشارة إلى ما نواه من استخلافه غير عليّ (ع)، فإنّه مرادف لقطف ما عمله من خير وصلاح وخدمة، ولا يمكن أن تكون إشارة إلى نظره في تولية علي (ع)، فإنّ كونه أحرى الأمّة والحامل على الحق يُضاد أن يقطف كلّ غضّة

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ٣٤.

٢٥٠

ويانعة، ثمّ إنّ تعيينه علياً من عداد الستّة ينافي تأويله هذا.

مستدرك الحاكم: عن ثابت قال: بلغني أنّ عمر بن الخطاب قال: لو أدركت أبا عبيدة بن الجراح لاستخلفته وما شاورت، فإن سُئلت عنه قلت: استخلفت أمين الله وأمين رسول الله (ص).(١)

أقول: هذا اشتباه من عمر، فإنّ اللازم من صفات الخليفة أن يكون عالماً بالأحكام، عارفاً بالحقائق الإلهية، مدبّرا لأمور المسلمين، وأمّا صفة الأمانة المنفردة فقط فلا تكفي في هذا المقام.

العقد الفريد وتاريخ الطبري: قال عمر: لو كان أبو عبيدة بن الجراح حياً استخلفته، فإن سألني ربي قلت سمعت نبيّك يقول: أّنّه أمين هذه الأمّة، ولو كان سالم مولى أبي حُذيفة حياً استخلفته، فإن سألني ربّي قلت: سمعت نبيّك يقول: أنّ سالماً شديد الحبّ لله.(٢)

أقول: كأنّه ما سمع الأحاديث المتواترة في فضل عليّ (ع) عن النبيّ (ص)، أو أنّه كان مخالفاً لخلافته.

وقد قال رسول الله (ص): من أطاع عليّا فقد أطاعني، ومن عصى علياً فقد عصاني.

-وقال: أنا مِن عليّ وعليّ منّي.

-وقال: أنت أخي في الدنيا والآخرة.

-وقال: مَن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه.

-وقال: أفلا ترضى يا عليّ أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى.

وغيرها، وقد سبق مِن قوله في عليّ (ع): هو أحراكم أن يحملكم على الحقّ. وفي الاستيعاب: وقوله في عليّ: إن ولّوها الأجلح سلك بهم الطريق المستقيم. الأجلح: يعني علياً.(٣)

البخاري: بإسناده، قيل لعمر ألا تَستخلف؟ قال: إن أستخلف فقد استخلفَ من هو خير منّي، أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير منّي، رسول الله (ص)، فأثنوا عليه، فقال: راغب وراهب، إنّي وددتُ أنّي نجوت منه

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ٢٦٨

٢ - العقد الفريد، ج ٤، ص ٢٧٤. وتاريخ الطبري، ج ٥، ص ٣٤.

٣ - الاستيعاب، ج ٣، ص ١١٥٤.

٢٥١

كفافاً لا ليَ ولا عليّ، لا أتحمّلها حياً وميّتاً.(١)

مسلم: عن ابن عمر قال: حضرت أبي حين أصيب، فأثنوا عليه وقالوا: جزاك الله خيراً، فقال: راغب وراهب، قالوا: استخلف! فقال: أتحمّل أمركم حيّا وميّتاً! لوددت أن حظّي منها الكفاف، لا عليَّ ولا ليَ، فإن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني يعني أبا بكر وأن أترككم فقد ترككم من هو خير منّي رسول الله (ص). (٢)

أقول: يستفاد من هذه الجملات أمور:

الأوّل: أنّه استبصر في آخر ساعة من حياته بأنّ تحمّله للخلافة قد وقع في غير محلّه وعلى خلاف صلاحه، وأنّ الكفاف والنجاة منها كان أصلح وأوقع له.

الثاني: أنّه مع هذا القول - بأنّ عدم التحمّل حيّاً وميّتاً أوقع له، وأنّ رسول الله (ص)، ما استخلف ويلزم اتّباع الرسول - خالف قوله، وخالف سيرة الرسول، واستخلف بطريق الشورى بين ستّة على شرايط ومقررات معلومة أنتجت خلافة عثمان.

ويروي مسلم أيضاً: عن ابن عمر: قال: دخلت على حفصة، فقالت: أعلمت أنّ أباك غير مستخلف؟ قال: قلت ما كان ليفعل، قالت: إنّه فاعل، قال: فحلفتُ إنّي أكلّمه في ذلك، فسكتّ حتى غدوتُ ولم أكلّمه، قال: فكنت كأنّما أحمل بيميني جَبلاً، حتى رجعت فدخلت عليه، فسألني عن حال الناس وأنا أخبره، قال: ثمّ قلت له: إنّي سمعت الناس يقولون مقالة فآليت أن أقولها لك: زعموا أنّك غير مستخلف وأنّه لو كان لك راعي إبل أو راعي غنم ثمّ جاك وتركها رأيت أن قد ضيّع؟ فرعاية الناس أشدّ، قال: فوافقه قولي فوضع رأسه ساعة ثم رفعه إليّ، فقال: إنّ الله عزّ وجلّ يحفظ دينه، وإنّي لئن لا استخلف فإنّ رسول الله (ص) لم يستخلف، وإن استخلف فإنّ أبا بكر قد استخلف. قال: فوالله ما هو إلاّ أن ذكر رسول الله (ص) وأبا بكر، فعلمت

____________________

١ - البخاري، ج ٤، ص ١٥٢.

٢ - مسلم، ج ٦، ص ٤.

٢٥٢

أنّه لم يكن ليعدل برسول الله أحدا وأنّه غير مستخلف.(١)

أقول: قول ابن عمر ( لو كان لك راعي إبل )، كلامٌ فطريّ عقليّ وجدانيّ لا يُنكره من كان له أدنى تدبّر، وعلى هذا ترى أنّ عمر وافقه ولم ينكره، وهذا رأينا في رسول الله (ص) بأنّه قد أوصى واستخلف.

الثاني: أنّ أبا بكر على قولهم خالف عمل الرسول (ص) صريحاً، واعتذاره غير مقبول، ولا سيّما في هذا الأمر المهم.

الثالث: أنّ عمر قد استخلف أيضاً، فإنّ تعيين شخص على نحو التفصيل أو الإجمال لا فرق بينهما من جهة أصل التعيين، مضافا إلى أنّ التعيين الإجمالي يدلّ على تحقّق الضعف والعجز أمّا من ناحية العلم والمعرفة، وإمّا من جانب رعاية التقية وملاحظة الأحوال وعدم التمكّن والاستطاعة من التعيين التفصيلي.

فإذا كان النبيّ (ص) لم يستخلف على اعتقادهم، وجعل الأمة بعد، حيارى وتركهم لا يهتدون سبيلا: فكيف خالفوا هذه الطريقة وحكموا بلزوم تعيين الخليفة.

هل كان رسول الله (ص) لا يدري ما وظيفته؟ أو لم يعمل بما علم وسامح في العمل برسالته؟ أو أن الله تعالى قد أهمل عباده وأظلّهم بعد أن أرسل إليهم رسولا؟

ثمّ إذا كان هذا الإهمال وترك الأمة صلاحاً فكيف لم يعمل به آخرون، ولم يتمكّنوا من اتّباع هذه المصلحة وسلوك هذه الطريقة، حتى أنّ عمر التزم أن يستخلف بهذه الكيفية المخصوصة.

وما هذا إلا لأنّ الاستخلاف أمر طبيعي يحكم به العقل والوجدان، وقد استخلف رسول الله (ص)، وصرّح باستخلافه في موارد كثيرة، وأعلن وصيّتها بألفاظ مختلفة، ويكفي لنا قوله: إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا أبدا.

____________________

١ - مسلم، ج ٦، ص ٥.

٢٥٣

فنحن نتمسّك بالقرآن الحكيم وأهل البيت الطاهرين، ونتّبع الثقلين الذين أوصى بهما رسول الله (ص)، وعلم أنّه ما ينطق عن الهوى( إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) . وهذه حجّتنا فيما بيننا وبين الله تعالى. فأتوا بكتاب من عنده إن كنتم صادقين.

٢٥٤

فتنة:

( أمر الشورى واختلاف الآراء )

الملل والنحل: الخلاف التاسع في أمر الشورى واختلاف الآراء فيها، حتى اتّفقوا كلّهم على بيعة عثمان وانتظم الملك.(١)

البدء والتاريخ: وكان قال لعبد الله بن عبّاس: اذكر لي مَن أعهد إليه؟ فقال: عثمان! فقال: ذاك كلِفٌ بأقاربه، يَحمل بني ابن أبي معيط على رقاب الناس. قال: فعبد الرحمن بن عوف! قال: مسلمٌ ضعيف، وأميرته امرأته! قال: فسعد! قال: ذاك فارس يكون في مقنب من مقانبكم. قال: فالزبير! قال: مؤمن الرضا كافر الغضب. قال: فطلحة! قال: فيه باء وعجب. قال فعليّ! قال: فيه دعابة وأنّه لأخلقهم أن يحملهم على المحجّة. ثمّ جعل الأمر في هؤلاء الستّة باختيارهم، وقال: إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرّها، فمن عاد إلى مثلها من غير مشورة فاقتلوه.(٢)

أقول: إذن اعترف بأنّ علياً (ع) لأخلقهم أن يحملهم على المحجّة، فكيف عدل عنه وجعله في عدادهم، مع إقراره بضعف إسلام عبد الرحمن ومقهريته، وبأنّ عثمان كلِف بأقاربه يحملهم على رقاب الناس، وهكذا الآخرون.

ثمّ أنّ بيعة أبي بكر على ما وقعت، إن كانت صحيحة ومشروعة شرعاً وعقلاً: فكيف يحكم بقتل من عاد إلى مثلها. وإن كانت باطلة: فكيف أعان عليها وحكم بقتل من خالفها، وحضر لإحراق باب أهل البيت، ألم يمكن لهم أن يتذكّروا ويذكروا ما وصى لهم رسول الله (ص) في عليّ بن أبي طالب (ع)

____________________

١ - الملل والنحل، ج ١، ص ١٨.

٢ - البدء والتاريخ، ج ٥، ص ١٩٠.

٢٥٥

البخاري: فقالوا: أوص يا أمير المؤمنين استخلف! قال ( عمر بن الخطاب ): ما أجد أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين تُوفى رسول الله (ص) وهو عنهم راض، فسمّى علياً وعثمان والزبير وطلحة وسعداً وعبد الرحمن، وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيء كثيئة التعزية، فإن أصابت الإمرة سعداً فهو ذاك، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر، فإنّي لم أعزله عن عجز ولا خيانة ...

فلما فُرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط، فقال عبد الرحمن اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم! فقال الزبير: قد جعلت أمري إلى عليّ، فقال طلحة قد جعلت أمري إلى عثمان، وقال سعد قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف، فقال عبد الرحمن أيكما تبرّأ من هذا الأمر فنجعله إليه، والله عليه والإسلام لينظرنَّ أفضلهم في نفسه! فأُسكت الشيخان، فقال عبد الرحمن: أفتجعلونه إليّ، والله عليّ أن لا آلوا عن أفضلكم! قالا: نعم، فأخذ بيد أحدهما فقال لك قرابة من رسول الله (ص) والقِدم في الإسلام ما قد علمت، فالله عليك لئن أمّرتُك لتعدلنّ، ولئن أمّرت عثمان لتسمعنّ ولتُطيعنّ! ثمّ خلا بالآخر ( عثمان ) فقال له مثل ذلك، فلمّا أخذ الميثاق، قال: أرفع يدك يا عثمان فبايعه.(١)

أقول: يستفاد من صريح هذا الكلام أمور:

١ - أنّ عمر بن الخطاب ما قدر أن يَعرف أفضلهم وأولاهم.

٢ - أنّه جعل مَدار الإمرة كون النبيّ (ص) راضياً عنه، ولم يُراع شرائط أخرى، ولم يتوجّه إلى أحوالهم وأعمالهم بعد الإمرة.

٣ - فإذا كان عمر بن الخطاب لم يتكلّم بالوحي وعن الله وبتعيين الله، ولم يقد أن يُميّز الأفضل والأولى: فكيف يوصي بهذه الوصية المخصوصة.

٤ - فإذا ادّعى عبد الرحمن: أن لا يألو عن أفضلهم، فهل كان عثمان أفضل من عليّ علماً وعملاً وسابقةً ومقاماً؟.

ويقول البخاري: إنّ المِسور بن مَخرمة أخبره أنّ الرهط الذين ولاّهم عمر

____________________

١ - البخاري، ج ٢، ص ١٨٤.

٢٥٦

اجتمعوا فتشاوروا، قال لهم عبد الرحمن: لست بالذي أنافسكم على هذا الأمر، ولكنكم إن شئتم اخترت لكم منكم! فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن، فلما ولُّوا عبد الرحمن أمرهم، فمال الناس على عبد الرحمن حتى ما أرى أحداً من الناس يتبع أولئك الرهط ولا يطأ عقبه، ومال الناس على عبد الرحمن يشاورونه تلك الليالي، حتى إذا كانت الليلة التي أصبحنا منها فبايعنا عثمان.

قال المِسور: طَرقني عبد الرحمن بعد هجع من الليل فضرب الباب حتى استيقظت، فقال: أراك نائماً! فوالله ما اكتحلتُ هذه الليلة بكبير نوم، انطلق فادعُ الزبير وسعداً! فدعوتهما له فشاورهما، ثمّ دعاني فقال: ادع ليّ علياً! فدعوته فناجاه حتى إبهار الليل، ثمّ قام عليّ من عنده وهو على طمع، وقد كان عبد الرحمن يخشى من عليّ شيئاً، ثمّ قال: ادع لي عثمان فدعوته، فناجاه حتى فرّق بينهما المؤذّن بالصبح، فلمّا صلّى للناس الصبح واجتمع أولئك الرهط عند المنبر فأرسل إلى من كان حاضراً من المهاجرين والأنصار وأرسل إلى أمراء الأجناد وكانوا وافوا تلك الحجّة مع عمر، فلما اجتمعوا تشهّد عبد الرحمن ثمّ قال: أمّا بعد: يا علي إنّي قد نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان، فلا تجعلن على نفسك سبيلاً، فقال: أبايعك على سنّة الله ورسوله والخليفتين من بعده، فبايعه عبد الرحمن وبايعه الناس، المهاجرون الأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون.(١)

أقول: هذا الكلام ( قد نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان ) في وجه ترجيح عثمان وانتخابه: يخالف كلامه السابق وعهده بأنّ لا يألو عن أفضلهم، فهل يكون تمايل الناس موجبا للأفضلية؟! مع أنّ أكثر الناس لا يعقلون.

نعم، تشكيل الحكومة الظاهرية يعتبر فيها أكثرية الآراء والأفكار، وهذا غير مقام الحقيقة والخلافة المعنوية والمرجعية للأمور الدنيوية والدينية والوصاية عن رسول الله (ص)

____________________

١ - البخاري، ج ٤، ص ١٥١.

٢٥٧

مسلم: بإسناده فإن عجل بي أمر، فالخلافة شورى بين هؤلاء الستة الذين تُوفي رسول الله (ص) وهو عنهم راضٍ، وإنّي قد علمت أنّ أقواما يطعنون في هذا الأمر، أنا ضربتُهم بيدي هذه على الإسلام، فإن فعلوا ذلك فأولئك أعداء الله الكفرة الضُّلال.(١)

أقول: يستفاد من هذا الكلام أمور:

١ - يستفاد من هذا الكلام أنّ جمعاً ممّن أسلموا بعد غلبة الإسلام وفتح مكّة من الذين حملوا السلاح على رسول الله، كانوا يطعنون في الخلافة ويجهدون أن تكون الإمرة فيهم، وقد عبّر عنهم بقوله: فإن فعلوا ذلك فأولئك أعداء الله الكفرة الضلاّل. وهذا الكلام يشمل معاوية بل وينطبق عليه، ولا سيّما بعد خلافة عليّ (ع) ؛ إذ هو من هؤلاء الستة وقد أجمع المهاجرون والأنصار عليه، وقد طعن معاوية في خلافته وحمل السلاح عليه.

٢ - المناط في الإمرة إن كان رضا الرسول (ص) عنه! فأغلب أصحاب الرسول (ص) كانوا بهذه الصفة، وإن كان لهؤلاء الستّة امتياز وخصوصية، فهل كانوا متساوين من جميع الجهات حتى يكون الناس مختارين في اختيار أيّهم شاءوا، أو أنّ لبعض منهم فضيلة وتفوّقا على بعض آخر؟ وعلى كلّ فرض يبقى محذور وإشكال لا يخفى على من له أدنى تدبّر.

الطبقات: عن أبي جعفر قال عمر بن الخطاب لأصحاب الشورى: تشاوروا في أمركم فإن كان اثنان واثنان، فارجعوا في الشورى، وإن كان أربعة واثنان، فخذوا صنف الأكثر.(٢)

ويروي أيضاً: عن ابن عمر قال عمر: وان اجتمع رأي ثلاثة وثلاثة فاتّبعوا صنف عبد الرحمن بن عوف واسمعوا وأطيعوا.

ويروي أيضاً: عن سعيد قال عمر. ليُصل لكم صهيب ثلاثاً وتشاوروا في أمركم، والأمر إلى هؤلاء الستّة، فمن بَعل أمركم فاضربوا عنقه، يعني من خالفكم.

____________________

١ - مسلم، ج ٢، ص ٨١.

٢ - الطبقات، ج ٣، ص ٦١.

٢٥٨

ويروي أيضاً: عن أنس قال: أرسل عمر بن الخطاب إلى أبي طلحة قبل أن يموت بساعة، فقال: يا أبا طلحة كن في خمسين من قومك من الأنصار مع هؤلاء النفر أصحاب الشورى، فلا تتركهم يَمضي اليوم الثالث حتى يُؤمّروا أحدهم.

ويروي أيضاً: عن سماك أنّ عمر بن الخطاب لما حُضر قال: ان أستخلف فسنةٌ وإلاّ أستخلف فسنةٌ، تُوفي رسول الله (ص) ولم يستخلف وتوفي أبو بكر فاستخلف وقال للأنصار أدخلوهم بيتاً ثلاثة أيام فإن استقاموا وإلاّ فادخلوا عليهم فاضربوا أعناقهم.(١)

العقد الفريد وتاريخ الطبري: فقال العبّاس لعلي: لا تدخل معهم! قال: أكره الخلاف، قال: إذا ترى ما تكره. فلمّا أصبح عمر دعا عليّاً وعثمان وسعداً وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن عوام، فقال: إنّي نظرت فوجدتكم رؤساء الناس وقادتهم ولا يكون هذا الأمر إلاّ فيكم، وقد قُبِض رسول الله (ص) وهو عنكم راضٍ، إنّي لا أخاف الناس عليكم أن استقمتم، ولكنّي أخاف عليكم اختلافكم فيما بينكم فيختلف الناس، فانهضوا إلى حجرة عائشة - بإذن منها - فتشاوروا واختاروا رجلاً منكم، ثمّ قال: لا تدخلوا حجرة عائشة ولكن كونوا قريباً، ووضع رأسه وقد نزفه الدم، فدخلوا فتناجوا ثمّ ارتفعت أصواتهم، فقال عبد الله بن عمر: سبحان الله إنّ أمير المؤمنين لم يمت بعد، فأسمعه، فانتبه فقال: ألاَ أعرضوا عن هذا أجمعون ؛ فإذا متُّ فتشاوروا ثلاثة أيام وليُصل بالناس صُهيب، ولا يأتينّ اليوم الرابع إلاّ وعليكم أمير عنكم، ويحضر عبد الله بن عمر مشيراً ولا شيء له من الأمر، وطلحة شريككم في الأمر فإن قدم في الأيام الثلاثة فأحضروه أمركم وإن مضت الأيام الثلاثة قبل قدومه فاقضوا أمركم، ومن لي بطلحة! فقال عمر: أرجوا أن لا يخالف إن شاء الله، وما أظن أن يلي إلاّ أحدٌ هذين الرجلين عليّ أو عثمان، فإن ولي عثمان فرجل فيه لين، وإن ولي عليّ ففيه دعابة وأحرى به أن يحملهم على طريق الحقّ فإن اجتمع خمسة

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ص ٣٤٢.

٢٥٩

ورضوا رجلاً وأبى واحد، فاشدخ رأسه، أو اضرب رأسه بالسيف، وإن اتّفق أربعة فرضوا رجلاً منهم وأبى اثنان فاضرب رؤوسهما، فإن رضي ثلاثة رجلاً منهم وثلاثة رجلاً منه فحكّموا عبد الله بن عمر فأي الفريقين حكم له فليختاروا رجلاً منهم، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف واقتلوا الباقين إن رغبوا عمّا اجتمع عليه الناس وتلقّاه العبّاس فقال: عدلت عنا، فقال: وما علّمك؟ قال: قرن بي عثمان وقال: كونوا مع الأكثر فإن رضي رجلان رجلا، ورجلان رجلاً فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، فسعد لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن، وعبد الرحمن صهر عثمان لا يختلفون، فيولّيها عبد الرحمن عثمان أو يوليها عثمان عبد الرحمن، فول كان الآخران معي لم ينفعاني! بله إنّي لا أرجوا إلاّ أحدهما فقال العبّاس: احفظ عنّي واحدة كلمّا عرض عليك القوم فقل لا، إلاّ أن يُولّوك، واحذر هؤلاء الرهط فإنّهم لا يبرحون يدفعوننا عن هذا الأمر حتى يقوم لنا به غيرنا وأيم الله لا يناله إلاّ بشرّ لا ينفع معه خير، فقال علي: أما لئن بقي عثمان لأذكرنّه ما أتى، ولئن مات ليتداولنّها بينهم ولئن فعلوا ليجدنّي حيث يكرهون.(١)

أقول: في هذا الكلام مواقع للاعتبار:

١ - قال علي (ع) أكره الخلاف: إشارة إلى أهمّية الاتفاق والاتّحاد بين المسلمين والحذر من الخلاف في أيّ مورد كان، وأمّا مقام الولاية والإمامة الحقيقية الثابتة الإلهية فهي غير متوقفة إلى أمر آخر ولا تلازم بينها وبين الحكومة الظاهرية.

٢ - قال عمر: فتشاوروا واختاروا رجلاً. يدلّ على أنّ هذا الأمر مقامٌ اجتماعي ظاهري عرفي متحصّل باختيار الناس، ولا ربط له بالأحكام الإلهية والأصول والفروع الدينية المنزّلة.

٣ - قال عمر: وليُصلّ بالناس صُهيب. يدلّ على أنّ الإمامة في الصلاة

____________________

١ - العقد الفريد، ج ٤، ص ٢٧٧ وتاريخ الطبري، ج ٥، ص ٣.

٢٦٠

لا تُلازم الإمامة والولاية المطلقة العامة، فاستدلال بعضهم بصلاة أبي بكر على خلافته ضعيف ناقص.

٤ - قول عمر: وأحرى بعليٍّ أن يحملهم على طريق الحقّ. هذه الصفة والخصيصة تدلّ على أنّ الدعابة وعدم كونه ليّنا، واقعتان في طريق الحقّ والصدق، فكيف يجوز الإعراض وصرف النظر عنه مع الاعتراف بهذا الاتصاف.

٥ - قول عمر: ( وأبى واحد فاشدخ رأسه بالسيف )، ( فاضرب رؤسهما )، ( واقتلوا الباقين ). هذا الحكم المنجز المقطوع من جانبه إن كان له حقيقة فكيف لم يُجرّ في زمان أبي بكر وزمان عليّ، بل وكيف يقولون: إنّ خلاف أهل الجمل وصفّين مستند إلى اجتهادهم. وأيضاً إنّ الإباء المطلق إذا كان عن فكرٍ صائب ورأي خالصٍ كيف يوجب ضرب الرأس والقتل ولا سيّما إذا خلا عن التحريك والتّشتيت.

٦ - قوله أيضاً: فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن. حقيقة هذا الحكم وسرّه ما أشار إليه عليّ (ع) في آخر الكلام من الطبري. وكما قال العبّاس: فإنّهم لا يبرحون يدفعوننا عن هذا الأمر.

العقد الفريد وتاريخ الطبري: فتنافس القوم في الأمر وكثر بينهم الكلام فقال عبد الرحمن: أيكم يُخرج منها نفسه ويتقلّدها على أن يُوليَها أفضلكم، فلم يُجبه أحد، فقال: أنا أنخلع منها، فقال عثمان: أنا أوّل من رضي فإنّي سمعت رسول الله (ص) يقول: أمين في الأرض أمين في السماء، قال القوم: قد رضينا، وعليّ ساكت، فقال: ما تقول يا أبا الحسن؟ قال: أعطني موثقا لتُؤثرن الحقّ ولا تتّبع الهوى ولا تخصّ ذا رحم ولا تألو الأمّة! فقال: أعطوني مواثيقكم على أن تكونوا معي على من بدلّ وغيّر وأن ترضوا من اخترت لكم، على ميثاق الله أن لا أخصّ ذا رحم لرحمه ولا آلو المسلمين، فأخذ منهم ميثاقاً وأعطاهم مثله. فقال لعليّ: إنّك تقول: إنّي أحقّ من حضر بالأمر ؛ لقرابتك وسابقتك وحسن أثرك في الدين، ولم تُبعد، ولكن أرأيت لو صُرف هذا الأمر عنك فلم تحضر، من

٢٦١

كنت ترى من هؤلاء الرهط أحقّ بالأمر؟ قال: عثمان. وخلا بعثمان فقال:

تقول: شيخ من بني عبد مناف، وصهر رسول الله (ص) وابن عمّه، لي سابقة وفضل، فلم تُبعد، فلمَ تُصرف هذا الأمر عنّي، ولكن لو لم تحضر فأيّ هؤلاء الرهط تراه أحقّ به؟ قال عليّ. ثمّ خلا بالزبير فكلّمه بمثل ما كلّم به علياً وعثمان فقال: عثمان. ثمّ خلا بسعد فكلّمه، فقال: عثمان. فلقى عليّ سعداً فقال:( اتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) ، أسألك برحم ابني هذا من رسول الله (ص)، وبرحم عمّي حمزة منك، أن لا تكون مع عبد الرحمن لعثمان ظهيراً عليّ، فإنّي أدلي بما لا يُدلي به عثمان.

ودار عبد الرحمن لياليه يلقى أصحاب رسول الله (ص) ومن وافى المدينة من أمراء الأجناد وأشراف الناس يُشاورهم ولا يخلو برجل إلا أمره بعثمان، حتى إذا كانت الليلة التي يستكمل في صبيحتها الأجل أتى منزل المسور بن مخرمة بعد ابهيرار من الليل فأيقظه، فقال: ألا أراك نائماً ولم أذق في هذه الليلة كثير غُمض، انطلق فادع الزبير وسعداً فدعاهما، فبدأ بالزبير في مؤخّر المسجد في الصفة التي تلى دار مروان، فقال له: خلّ ابني عبد مناف وهذا الأمر، قال: نصيبي لعليّ. وقال لسعد: أنا وأنت كلالة ( وفي العقد: كالآلة ) فاجعل نصيبك لي فأختار؟ قال: إن اخترت نفسك، فنعم! وان اخترت عثمان فعليّ أحبّ إليّ، أيّها الرجل بايع لنفسك وأرحنا وارفع رؤوسنا! قال: يا أبا إسحاق: إنّي قد خلعت نفسي منها على أن أختار، ولو لم أفعل وجُعل الخيار إليّ لم أردّها قال، قال سعد: فإنّي أخاف أن يكون الضعف قد أدركك فامض لرأيك فقد عرفت عهد عمر! وانصرف الزبير وسعد، وأرسل المسور بن مخرمة إلى عليّ فناجاه طويلاً وهو لا يشكّ أنّه صاحب الأمر، ثمّ نهض، وأرسل المسور إلى عثمان فكان في نجيّهما حتى فرّق بينهما أذان الصبح فلما صلّوا الصبح جمع الرهط فقال عمّار: إن أردت أن لا يختلف المسلمون فبايع علياً، فقال المقداد بن الأسود: صدق عمّار ؛ إن بايعت علياً قلنا: سمعنا وأطعنا. قال ابن أبي سرح: إن أردت أن لا تختلف قريش فبايع عثمان، فقال عبد الله بن أبي ربيعة: صدق، إن بايعت عثمان قلنا: سمعنا وأطعنا. فشتم

٢٦٢

عمّار ابن أبي سرح وقال: متى كنت تنصح المسلمين؟! فتكلّم بنو هاشم وبنو أميّة، فقال عمّار: أيّها الناس إنّ الله - عزّ وجلّ - أكرمنا بنبيّه وأعزّنا بدينه فأنّى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيّكم! فقال رجل من بني مخزوم: لقد عدوت طورك يا ابن سُمية، وما أنت وتأمير قريش لأنفسها، فقال سعد بن أبي وقاص: يا عبد الرحمن افرغ قبل أن يفتتن الناس!.

فقال عبد الرحمن: إنّي قد نظرت وشاورت، فلا تجعلنّ أيّها الرهط على أنفسكم سبيلاً، ودعا علياً، فقال: عليك عهد الله وميثاقه، لتعملنّ بكتاب الله وسنّة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده! قال: أرجو أن أفعل وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي.

ودعا عثمان، فقال له مثل ما قال لعليّ، قال: نعم. فبايعه.

فقال عليّ: حبوته حبو دهر، ليس هذا أوّل يوم تظاهرتم فيه علينا، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون، والله ما ولّيت عثمان إلاّ ليردّ الأمر إليك، والله كلّ يومٍ هو في شأن. فقال عبد الرحمن: يا عليّ لا تجعل على نفسك سبيلاً، فإنّي قد نظرت وشاورت الناس فإذا هم لا يعدلون بعثمان، فخرج عليّ وهو يقول: سيبلغ الكتاب أجله، فقال المقداد: يا عبد الرحمن، أمَا والله لقد تركته من الذين يقضون بالحقّ وبه يعدلون، فقال: يا مقداد، والله لقد اجتهدتُ للمسلمين! قال: إن كنت أردت بذلك الله، فأثابك الله ثواب المحسنين، فقال المقداد: ما رأيت مثل ما أوتي إلى أهل هذا البيت بعد نبيّهم إنّي لأعجب من قريش أنّهم تركوا رجلاً ما أقول أنّ أحدا أعلم ولا أقضى منه بالعدل، أما والله لو أجد عليه أعواناً.(١)

أقول في هذا الكلام موارد للاعتبار:

١ - فتنافس القوم: هذا كما تنافسوا في السقيفة ثمّ وقعت أخذ الآراء بالتزوير الذي لا يخفى على المحقّق المنصف.

٢ - أيّكم يُخرج نفسه: بعد أن رأى عبد الرحمن أن لا نصيب له في هذا الأمر، استمسك بهذا التزوير الدقيق، لحفظ مقامه ولإعمال غرضه في أمر

____________________

١ - العقد الفريد، ج ٤، ص٢٧٧. وتاريخ الطبري، ج ٥، ص ٣٦.

٢٦٣

الخلافة لعثمان.

٣ - أنا أوّل من رضي: هذا القول يدلّ على أنّ الاختيار التام المفوّض لعبد الرحمن إنّما يتمّ لتأييد عثمان، ويدلّ عليه سكوت عليّ (ع).

٤ - أعطني موثقاً: يكشف عن أنّ علياً (ع) ما صحّ عنده الحديث المرويّ ( أمين في الأرض أمين في السماء )، مضافاً إلى أنّ في متن الحديث ضعفاً، حيث أنّ كونه أمينا في السماء لا معنى له، وإن أريد كونه أميناً عند أهل الأرض وأهل السماء ينقضه أنّ من خير أهل الأرض عليّ (ع) وهو يطلب منه موثقاً.

٥ - ولا تتبع الهوى ولا تخصّ ذا رحم: شرط هذه القيود يثبت إتّباع الهوى والعمل بغرض.

٦ - إنّي أحقّ من حضر بالأمر: هذه الدعوى من عليّ (ع) مستمرة من يوم ارتحل النبيّ (ص) إلى آخر عمره الشريف، وقد ثبت أنّه صادق ومع الحقّ ويحبّه الله ورسوله.

٧ - بمبلغ علمي وطاقتي: هذا هو الحقّ الصريح، فإنّ علياً (ع) لا أقل أنّه مجتهد، ولا يجوز له لمجتهد آخر، مع أنّه أعلم الأمّة وأقضاها وأفضلها وأتقاها، بل نعتقد بأنّه خليفة الله ووليّه والمنصوب منه والمعلَّم من لدنه.

٨ - ليس هذا أوّل يوم تظاهرتم: فليعتبر من هذا الكلام كلّ معتبر.

ويروي الطبري: بعد نقل كلمات الأربعة من أهل الشورى وخطبتهم، ثمّ تكلّم عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: الحمد لله الذي بعث محمّداً منّا نبيّاً، وبعثه إلينا رسولاً، فنحن بيت النبوّة ومعدن الحكمة، وأمان أهل الأرض ونجاة لمن طلب، لنا حقّ إن نُعطه نأخذه، وإن نُمنعه نركب أعجاز الأبل ولو طال السُرى، لو عهد إلينا رسول الله (ص) لأنفذنا عهده، ولو قال لنا قولاً، لجادلنا عليه حتى نموت إلخ.(١)

أقول: في هذه الكلمات العالية من عليّ (ع) إثبات لمقامه وعلوّ منزلته

____________________

١ - الطبري، ج ٥، ص ٣٩.

٢٦٤

وحقيقة ولايته وخلافته من رسول الله (ص)، حيث إنّه أظهر في مجلس الشورى بكونه من بيت النبوّة وأنّه معدن الحكمة، وأمان أهل الأرض، ونجاة لمن طلب، ولم ينكر هذه المقامات له أحدٌ من الحاضرين، مع أنّه لا يمكن دعوى هذه المراتب من أحد من سائر الناس.

يروي في العقد الفريد: في كلام لعمر: أمَا والله لولا دُعابة فيه ما شككتُ في ولايته، وإن نزلت على رغم أنف قريش.(١)

الفائق: عليّ رضي الله عنه قال يوم الشورى: لنا حقّ إن نُعطه نأخذه، وإن نُمنَعه نركب أعجاز الإبل وإن طال السُرى.(٢)

قال الزمخشري: هذا مَثَل لركوبه الذلّ والمَشقّة وصبره عليه وان تطاول ذلك، وأراد بركوب أعجاز الإبل كونه ردفاً وتابعاً.

أقول: يقول أنّ الولاية الظاهرية من آثار الولاية الحقيقية، ولمّا كانت حقيقة الولاية لأهل البيت ولأمير المؤمنين عليّ (ع): فتكون الخلافة الظاهرية والولاية والحكومة العرفية أيضاً من حقوقهم وشئونهم.

أمّا الولاية الحقيقية: فهي ثابتة لهم، ومن آثارها النورانية والمعرفة والعلم والإحاطة الملكوتية والارتباط الغيبي، ويشير إليها بقوله: فنحن بيت النبوّة، ومعدن الحكمة، وأمان أهل الأرض، ونجاة لمن طلب.

وأمّا الولاية الظاهرية: فهي متوقّفة على إقبال الرعية وخضوعها وانقيادها، فإن أطاعوا وسلّموا وخضعوا لهم، يَقبلون طاعتهم ويهدونهم إلى مصالحهم ويُرشدونهم إلى سعادتهم ويُجرون قوانين العدل فيما بينهم. ويشير إليها بقوله: إن نعطه نأخذه.

وإذا امتنعوا من الطاعة ولم يخضعوا ولم يستقرّوا تحت لواء ولايتهم فلا يُظهرون من أنفسهم الحرص والميل الشديد إلى حيازتها وتحصيلها وأخذها، بل يجعلون أنفسهم في إثر الحكومة ويعيشون مع الناس ويُفيضون ويُرشدون على

____________________

١ - العقد الفريد، ج٤، ص ٢٨٢

٢ - الفائق، ج ٢، ص ١١٩.

٢٦٥

حسب طلب الناس وإقبالهم واقتضاء أحوالهم.

(من الوقائع في زمانه)

تبعيد أبي ذرّ:

الطبقات: عن زيد بن وهب، قال مررت بالربذة فإذا أنا بأبي ذرّ، فقلت: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية:( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ ) ، وقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب. فقلت: نزلت فينا وفيهم، فكان بيني وبينه في ذلك كلام، فكتب يشكوني إلى عثمان، فكتب إليّ عثمان أن أقدِم المدينة، فقدمت المدينة وكثر الناس عليّ كأنّهم لم يروني قبل ذلك، فذكر ذلك لعثمان، فقال لي: إن شئت تنحّيت فكنت قريباً، فذاك أنزلني هذا المنزل.(١)

البدء والتاريخ: ومنها قوله (ص) لأبي ذر الغفاري وقد تخلّف في بعض مراحل تبوك: تعيش وحدك وتموت وحدك، فكيف بك إذا أخرجت من المدينة لقولك الحقّ. فنُفي في أيام عثمان إلى الربذة ومات بها وحده.(٢)

أقول: نفى أبي ذر من الشام لقوله الحقّ، وعملاً بشكاية معاوية عنه، ونُفي ثانياً من المدينة لصدق لهجته وصراحة بيانه، وقد قال رسول الله (ص) في حقّه:(*)

الاستيعاب: سئل عليّ (رض) عن أبي ذر، فقال: ذلك رجل وعى علماً عجز عنه الناس.

وقال رسول الله (ص): أبو ذرّ في أمّتي شبيه عيسى بن مريم في زهده. وبعضهم يرويه: من سرّه أن ينظر إلى تواضع عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذرّ.(٣)

ابن ماجة: عن عبد الله بن عمر، قال رسول الله (ص): ما أقلّت الغبراء

____________________

١ - الطبقات، ج ٤، ص ٢٢٦.

٢ - البدء والتاريخ، ج ٥، ص ٤٠.

* هكذا في النسخة المطبوعة.

٣ - الاستيعاب، ج ١، ص ٢٥٥.

٢٦٦

ولا أظلت الخَضراء من رجل أصدق لهجة من أبي ذر.(١)

الكنى للبخاري: يروي بعدة إسناد، نظيرها.(٢)

سنن الترمذي: مثلها.(٣)

ويروي أيضاً: قال رسول الله (ص): ما أظلت الخضراءُ ولا أقلّت الغبراء من ذي لهجة أصدق ولا أوفى من أبي ذرّ شبه عيسى بن مريم، فقال عمر بن الخطّاب - كالحاسد - يا رسول الله أفتُعرِّف ذلك له؟ قال: نعم، فاعرفوه. وقد روى بعضهم هذا الحديث فقال:أبو ذر يمشي في الأرض بزهد عيسى بن مريم.

الطبقات: سئل عليّ رضي الله عنه عن أبي ذرّ، فقال: وعى علما عجز فيه وكان شحيحا حريصاً، شحيحاً على دينه، حريصاً على العلم.(٤)

ويروي أيضاً روايات: كما في ابن ماجة والترمذي.(٥)

الكنى للدولابي: كما في ابن ماجة.(٦)

أقول: انظر إلى ما ورد في حقّ هذا الرجل وهو من خواصّ أصحاب رسول الله (ص)، وهو يُنفى من المدينة إلى وادي الرّبذة، ويموت فيها وحده.

(ومن الوقائع في زمانه)

تبرئة عُبيد الله بن عمر بعد ثبوت أنّه قتل نفساً محرمة.

الطبقات: رأيت عبيد الله يومئذٍ وإنّه ليناصي عثمان، وأنّ عثمان ليقول: قاتلك الله! قتلت رجلاً يصلّي وصبية صغيرة وآخر من ذمّة رسول الله (ص)، ما في الحقّ تركُك. قال: فعجبت لعثمان حين وُلّي، كيف تركه؟!(٧)

____________________

١ - ابن ماجة، ج ١، ص ٦٨.

٢ - الكنى للبخاري، ص ٢٣.

٣ - سنن الترمذي، ص ٥٤٣.

٤ - الطبقات، ج ٢، ص ٣٥٤.

٥ - نفس المصدر، ج ٤، ص ٢٢٨.

٦ - الكنى للدولابي، ج ١، ص ١٤٦.

٧ - الطبقات، ج ٥، ص ١٦.

٢٦٧

ويروي أيضاً: قال عليّ لعبيد الله بن عمر: ما ذنبُ بنت أبي لؤلؤة حين قتلتها فكان رأي عليّ حين استشاره عثمان ورأيُ الأكابر من أصحاب رسول الله على قتله، لكن عمرو بن العاص كلّم عثمان حتى تركه.

ويروي عن ابن جريح: أنّ عثمان استشار المسلمين فأجمعوا على ديتهما ولا يُقتل بهما عبيد الله بن عمر، وكانا قد أسلما وفرض لهما عمر، وكان عليّ بن أبي طالب لما بويع له أراد قتل عبيد الله بن عمر، فهرب منه إلى معاوية، فلم يزل معه فقتل بصفين.(١)

الاستيعاب: إنّ عبيد الله قتل الهُرمزان بعد أن أسلم، وعفا عنه عثمان، فلمّا وليّ عليّ خشي على نفسه فهرب إلى معاوية فقتل بصفين.(٢)

أقول: قال الله تعالى:( أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) ، ولا يجوز لحاكم أن يعفو عن قصاص وأن يترك قاتلاً، مع أنّ علياً (ع) حكم بقتله وهو مع الحقّ أين ما دار، وهو أقضى الأمّة.

(ومن الوقائع في زمانه)

صلته لأقربائه وتوانيه في أمورهم وبذل الأموال لهم:

الطبقات: عن الزهري: فلما وليهم عثمان لان لهم ووصلهم، ثمّ توانى في أمرهم واستعمل أقرباءه وأهل بيته في السّت الأواخر، وكتب لمروان بخُمس مصر، وأعطى أقرباءه المال، وتأوّل في ذلك الصلة التي أمر بها، واتّخذ الأموال واستسلف من بيت المال، وقال: إنّ أبا بكر وعمر تركا من ذلك ما هو لهما، وإنّي أخذته فقسّمته في أقربائي، فأنكر الناس عليه ذلك.(٣)

ويروي أيضاً عن المسور: سمعت عثمان يقول: أيّها الناس إنّ أبا بكر وعمر كانا يتأوّلان في هذا المال ظلف أنفسهما وذوي أرحامهما، وإنّي تأولّت فيه صلة رحمي.

____________________

١ - الطبقات، ج ٥، ص ١٧.

٢ - الاستيعاب، ج ٣، ص ١٠١٢.

٣ - الطبقات ج ٣، ص ٦٤.

٢٦٨

أقول: الأموال التي تدّخر في بيت المال يجب أن تصرف في الله وفي فقراء المسلمين وفي حفظ نظامهم، وليس للحاكم أن يصرفها كيف يشاء وفيما يشاء!

مسند أحمد: عن سالم قال: دعا عثمان ناسا من أصحاب رسول الله (ص) فيهم عمّار بن ياسر، فقال: إنّي سائلكم وإنّي أحبّ أن تصدقوني، نشدتكم الله أتعلمون أنّ رسول الله (ص) كان يُؤثر قريشاً على سائر الناس، ويُؤثر بني هاشم على سائر قريش؟ فسكت القوم. فقال عثمان: لو أن بيدي مفاتيح الجنّة لأعطيتها بني أميّة حتى يدخلوا من عند آخرهم.(١)

أقول: إنّ لأقرباء الرسول وذريته أحكام وحقوق خاصة في القرآن ليست لغيرهم، ولا يقاس بهم أحد.

(ومن الوقائع في زمانه)

انصراف المهاجرين والأنصار عنه وطعنهم فيه:

الاستيعاب: كان اجتماع بني مخزوم إلى عثمان حين نال من عمّار غلمان عثمان ما نالوا من الضرب، حتى انفتق له فتق في بطنه، ورغموا وكسروا ضلعاً من أضلاعه، فاجتمعت بنو مخزوم وقالوا: والله لئن مات، لا قتلنا به أحداً غير عثمان.(٢)

البدء والتاريخ: فحنق بنو مخزوم لضربه عمّار، وحنق بنو زهرة لحال عبد الله بن مسعود، وحنق بنو غفّار لمكان أبي ذر الغفاري، وكان أشدّ الناس طلحة والزبير ومحمّد بن أبي بكر وعائشة، وخذلته المهاجرون والأنصار، وتكلّمت عائشة في أمره وأطلعت شعرة من شعر رسول الله (ص) ونعله وثيابه وقالت: ما أسرع ما تركتم سنّة نبيّكم؟ فقال عثمان في آل أبي قحافة ما قال، وغضب حتى ما كاد يدري ما يقول، فقال عمرو بن العاص: سبحان الله! وهو يريد أن يحقّق طعن الناس على عثمان، فقال الناس: سبحان الله!(٣)

____________________

١ - مسند أحمد، ج ١، ص ٦٢.

٢ - الاستيعاب، ج ٣ ص١١٣٦.

٣ - البدء والتاريخ، ج ٥، ص ٢٠٥.

٢٦٩

أقول: ومن العجب قيام طرحة والزبير وعائشة في البصرة، قيام عمرو بن العاص في الشام، يريدون ثار لعثمان من أمير المؤمنين علي (ع). انظر عدّة روايات في قول عمرو بن العاص فيه:

الاستيعاب: فلما ولّى عثمان عبد الله بن سعد مصر وعزل عنها عمرو بن العاص، جعل عمرو يطعن على عثمان أيضاً ويُؤلّب عليه ويسعى في إفساد أمره، فلمّا بلغه قتل عثمان وكان معتزلاً بفلسطين قال: إنّي إذا نكأتُ قرحة أدميتُها.(١)

الطبقات: عن علقمة قال عمرو بن العاص لعثمان وهو على المنبر: يا عثمان! إنّك قد ركبت بهذه الأمّة نهابير من الأمر فتُب وليتوبوا معك، قال فحوّل وجهه إلى القبلة، فرفع يديه فقال: اللّهمّ إنّي أستغفرك وأتوب إليك، ورفع الناس أيديهم.(٢)

ويروي أيضاً عن سعد قريباً منها.

تاريخ الطبري: فخرج عمرو من عند عثمان وهو محتقد عليه يأتي علياً مرّة فيُؤلبه على عثمان، ويأتي الزبير مرّة فيُؤلبه على عثمان، ويأتي طلحة مرة فيُؤلّبه على عثمان، ويعترض الحاجّ فيُخبرهم بما أحدث عثمان، فلمّا كان حُضر عثمان ؛ الأوّل خرج من المدينة حتى انتهى إلى أرض له بفلسطين حتى مرّ به راكب آخر فناداه عمرو: ما فُعل بالرجل؟ يعني عثمان. قال: قُتل. قال: أنا أبو عبد الله، إذا حككتُ قرحة نكأتها إن كنت لأحرض عليه حتى أنّي لأحرّض الراعي في غنمه في رأس الجبل، فقال له سلامة بن روح: يا معشر قريش: إنّه كان بينكم وبين العرب باب وثيق فكسرتموه، فما حَمَلكم على ذلك؟ فقال: أردنا أن نُخرج الحقّ من حافرة الباطل، وأن يكون الناس في الحقّ شُرعاً سواء.(٣)

____________________

١ - الاستيعاب، ج ٣، ص ٩١٩.

٢ - الطبقات، ج ٣، ص ٦٩.

٣ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ١٠٨.

٢٧٠

البدء والتاريخ: وانتقضت الإسكندرية في أيام عثمان فافتتحها عمرو بن العاص وبعث بسبيها إلى المدينة، فردّهم عثمان إلى ذمتهم لأنّهم كانوا صلحاً، ولأنّ الذريّة لم تنقض العهد، فهذا بدو الشر بين عثمان وعمرو، فانتزعه من مصر، وأمّر عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح أخاه لأمّة.(١)

احتقد عليه: أمسك عداوته، يتربّص الفرصة. والتأليب: التجمع والفساد.

( وأما معونة علي (ع) في قتله )

الاستيعاب: عن أبي جعفر الأنصاري قال: دخلت المسجد فإذا رجل جالس في نحو عشرة عليه عمامة سوداء، فقال: ويحك ما وراءك؟ قلت قد والله فُرغ من الرجل ( يريد عثمان )! فقال: تبّاً لكم آخر الدهر! فنظرت فإذا هو عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.(٢)

العقد الفريد: وقال عليّ لابنيه: كيف قُتل أمير المؤمنين وأنتما على الباب؟ ورفع يده فلطم الحسين وضرب صدر الحسن وشتم محمّد بن طلحة، ولعن عبد الله بن الزبير، ثمّ خرج عليّ وهو غضبان يرى أنّ طلحة أعان عليه، فلقيه طلحة فقال: مالك يا أبا الحسن ضربت الحسن والحسين؟ فقال:عليك وعليهما لعنة الله، يُقتل أمير المؤمنين ورجل من أصحاب النبيّ (ص) بدريّ، ولم تُقم بيّنة ولا حجّة؟! فقال طلحة: لو دفع مروان لم يُقتل.(٣)

ويروي: قال عليّ بن أبي طالب على المنبر: واللهّ لئن لم يَدْخل الجنة إلاّ مَن قتل عثمان لا دخلتُها أبدَاً، ولئن لم يَدخل النارَ إلاّ مَن قتل عثمان لا دخلتُها أبداً.(٤)

أقول: راجع في تأييد هذا الفصل الفصول الآتية.

الطبقات: عن عمرو بن الأصم قال: كنت فيمن أرسلوا من جيش ذي

____________________

١ - البدء والتاريخ، ج ٥، ص ١٩٨.

٢ - الاستيعاب، ج ٣، ص ١٠٤٧.

٣ - العقد الفريد، ج ٤، ص ٢٩١.

٤ - العقد الفريد، ج ٤، ص ٣٠٢.

٢٧١

خُشب، قال: فقالوا لنا سلوا أصحاب رسول الله (ص) واجعلوا آخر من تسألون علياً، أنُقدم؟ قال فسألناهم فقالوا: أقدِموا، إلاّ علياً قال: لا آمركم، فإن أبيتم، فبيض فليُفرخ.(١)

ويروي أيضاً: بعث عثمان إلى عليّ يدعوه وهو محصور في الدار، فأراد أن يأتيه فتعلّقوا به ومنعوه، قال: فحلّ عمامة سوداء على رأسه وقال: هذا، أو قال: اللّهم لا أرضى قتله ولا آمر به، والله لا أرضى قتله ولا آمر به.(٢)

مستدرك الحاكم: عن قيس بن عباد قال: شهدت علياً (رض) يوم الجمل وأنكرت نفسي، وأرادوني على البيعة فقلت: والله إنّي لأستحيي من الله أن أبايع قوما قتلوا رجلاً الحديث.(٣)

قال الحاكم: قد ذكرت الأخبار المسانيد في هذا الباب في كتاب مقتل عثمان، فلم أستحسن ذكرها عن آخرها في هذا الموضع ؛ فإنّ في هذا القدر كفاية، فأمّا الذي ادعته المبتدعة من معونة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب على قتله فإنّه كذب وزور، فقد تواترت الأخبار بخلافه.

ويروي: عن ميمون بن مهران: أنّ عليّ بن أبي طالب (رض) قال: ما يسرّني أن أخذت سيفي في قتل عثمان وأنّ لي الدنيا ما فيها.(٤)

أقول: ما يستفاد من هذه الروايات ونظائرها - وهو أنّ علياً لم يكن يرضى بقتل عثمان، بل كان مخالفاً ومانعاً ومنكراً.

( مشاورة عثمان مع عماله )

تاريخ الطبري: فأرسل عثمان إلى معاوية بن أبي سفيان والى عبد الله بن

____________________

١ - الطبقات، ج ٣، ص ٦٥.

٢ - الطبقات، ص ٦٨.

٣ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٠٣.

٤ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٠٥.

٢٧٢

سعد بن أبي سرح وإلى سعيد بن العاص بن وائل السهمي والى عبد الله بن عامر ( ولم يزل والياً لعثمان على البصرة وكان ابن عّمته - الاستيعاب )، فجمعهم ليشاورهم في أمره وما طُلب إليه وما بلغه عنهم، فلمّا اجتمعوا عنده قال لهم: إنّ لكلّ امريء وزراء ونصحاء، وإنّكم وزرائي ونصحائي وأهل ثقتي، وقد صنع الناس ما قد رأيتم، وطلبوا إليّ أن أعزل عمّا لي، وأن أرجع عن جميع ما يكرهون إلى ما يحبّون، فاجتهدوا رأيكم وأشيروا عليّ! فقال له عبد الله بن عامر: رأيي لك يا أمير المؤمنين أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك، وأن تجمرهم في المغازي حتى يذلّوا لك، فلا تكون همّة أحدهم إلاّ نفسه وما هو في من دبرة دابته وقمل فروه.

ثمّ أقبل عثمان على سعيد بن العاص فقال: ما رأيك؟ قال يا أمير المؤمنين إن كنت تريد رأينا فاحسم عنك الداء وأقطع عنك الذي تخاف واعمل برأيي تُصيب، قال: وما هو؟ قال: إنّ لكلّ قوم قادة متى يهلك يتفرّقوا ولا يجتمع لهم أمر، فقال عثمان: إنّ هذا الرأي لولا ما فيه.

ثمّ أقبل على معاوية فقال: ما رأيك؟ قال: أرى لك يا أمير المؤمنين أن تردّ عمّالك على الكفاية لما قِبلهم، وأنا ضامن لك قِبلي. ثمّ أقبل على عبد الله بن سعد فقال: ما رأيك؟ قال: أرى يا أمير المؤمنين أنّ الناس أهل طمع فأعطهم من هذا المال تعطف عليك قلوبهم.

ثمّ أقبل على عمرو بن العاص فقال له: ما رأيك؟ قال: أرى أنّك قد ركبت الناس بما يكرهون فاعتزم أن تعتدل، فإن أبيت فاعتزم أن تعتزل، فأن أبيت فاعتزم عزماً وامض قُدما. فقال عثمان: ما لك قَمُل فروك، أهذا الجد منك؟! فأسكت عنه دهراً حتى إذا تفرّق القوم، قال عمرو: لا والله يا أمير المؤمنين، لأنت أعز عليّ من ذلك، ولكن قد علمت أن سيبلغ الناس قول كلّ رجل منّا، فأردت أن يبلغهم قولي فيثقوا بي فأقود إليك خيراً أو أدفع عنك شراً.(١)

ويروي: قريباً من هذه الأقوال، وفيه فردّ عثمان عمّاله على أعمالهم وأمرهم

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ٩٤.

٢٧٣

بالتضييق على من قِبلهم وأمرهم بتجمير الناس في البعوث وعزم على تحريم أعطياتهم ليطيعوه ويحتاجوا إليه، ورد سعيد بن العاص أميراً على الكوفة، فخرج أهل الكوفة عليه بالسلاح فتلقّوه فردّوه، وقالوا: لا والله لا يلي علينا حكماً ما حملنا سيوفنا.(١) (التجمير = الجمع)

أقول: وفي هذه الكلمات اعتبارات لمن اعتبر.

١ - ينبغي أن يُلفت النظر إلى ولاته وعماله، بل ووزرائه ونصحائه، وأن يُحقّق في سوابقهم ولواحق حالاتهم وأعمالهم.

٢ - إرجاع البصر والنظر إلى هذه الكلمات المتخالفة والأقوال السخيفة والآراء الباطلة المخالفة للحق والبعيدة عن الحقيقة في حق الرعية المسلمين من الصحابة والتابعين.

٣ - اتباع الخليفة من آرائهم الباطلة وأمرهم بالتضييق والتجمير في البعوث وتحريم أعطياتهم حتى يطيعوه ويحتاجوا إليه، فهل ينبغي ممن يدّعي خلافة الرسول (ص) أن يعمل هكذا.

٤ - العجب من هؤلاء النصحاء ووزرائه المسلمين، حيث لم يتكلموا بكلمة تُرضي الله ورسوله، ولم ينصحوا بما هو خير وصلاح له وللمسلمين، ولم يتوجهوا إلى واجب وظيفتهم في مقام النصيحة! ونتعجّب كثيراً من عثمان حيث شاور هؤلاء الخائنين الفسّاق، وترك مشاورة أفاضل الصحابة وأتقيائهم الصالحين المؤتمنين.

الاستصحاب: عبد الله بن سعد بن أبي السرح أسلم قبل الفتح ثم ارتد مشركاً وصار إلى قريش بمكة، فقال لهم: إني كنت أصرف محمداً حيث أريد، فلما كان يوم الفتح أمر رسول الله (ص) بقتله ولو وُجد تحت أستار الكعبة، ففرّ عبد الله إلى عثمان وكان أخاه من الرضاعة، فغيّبه عثمان حتى أتى به رسول الله (ص) بعد ما اطمأنّ أهل مكة فاستأمنه له فصمت رسول الله (ص) طويلاً

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ٩٥.

٢٧٤

ثم قال: نعم. فلما انصرف عثمان قال رسول الله (ص) لمن حوله: ما صمتُّ إلاّ ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه. ثم ولاه عثمان بعد ذلك مصر وعزل عنها عمرو بن العاص. وكان ذلك بدء الشر بين عثمان وعمرو بن العاص انتهى ملخصاً.(١)

____________________

١ - الاستيعاب، ج ٣، ص ٩١٨.

٢٧٥

فتنة:

الأحداث في عهد عثمان

الملل والنحل: أن أقاربه قد ركبوا نهابرَ فركَبَتْه وجاروا فجير عليه. ووقعت اختلافات كثيرة وأخذوا عليه أحداثاً كلها محالة على بني أمية: منها: ردة الحكم بن أمية إلى المدينة بعد أن طرده النبي (عليه السلام) وكان يسمَّى طريد رسول الله وبعد أن تشفّع إلى أبي بكر وعمر أيام خلافتهما فما أجابا إلى ذلك، ونفاه عمر من مقامه باليمن أربعين فرسخاً. ومنها: نفيه أبا ذرّ إلى الربذة. وتزويجه مروان بن الحكم بنته وتسليمه خُمس غنائم إفريقيَّة له وقد بلغت مئتي ألف دينار. ومنها: إيواؤه عبد الله بن سعد بن أبي سرح بعد أن أهدر النبي (عليه السلام) دمه. وتوليته عبد الله بن عامر البصرة حتى أحدث فيها ما أحدث. إلى غير ذلك مما نقموا عليه. وكان أمراء جنوده معاوية بن أبي سفيان عامل الشام، وسعد بن أبي وقاص عامل الكوفة، وبعده الوليد بن عقبة، وعبد الله بن عامر عامل البصرة، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح عامل مصر، وكلهم خذلوه ورفضوه حتى أتى قدره عليه.(١)

الفائق: عثمان أرسلت إليه أم سلمة: يا بُني ما لي أرى رعيتك عنك مزوّرين وعن جنابك نافرين، لا تُعفِّ سبيلاً كان رسول الله (ص) لحَبها، ولا تقدح بزند كان أكباها. توخّ حيث توخّى صاحباك، فإنهما ثكما الأمر ثكماً ولم يظلماه.(٢)

قالالزمخشري : ازورّ عنه: إذا عدل وأعرض. والتعفية: الطمس. ولحَبها: نفى

____________________

١ - الملل والنحل، ج ١، ص ١٨.

٢ - الفائق ج ١، ص ٥٤٩.

٢٧٦

عنها كل لبس وكشف كل عماية. وأكباها: عطلها من القدح بها. ثكمتُ الطريق: لزمته. ولم يظلماه: لم ينقصاه ولا زادا عليه.

ويروي أيضاً: أن سعداً وعماراً أرسلا إلى عثمان أن ائتنا فإنا نريد أن نذاكرك أشياء أحدثتها، فأرسل إليهما: ميعادكم يوم كذا حتى أتشزّن ثم اجتمعوا للميعاد، فقالوا: ننقم عليك ضربك عماراً، فقال: تناوله رسولي من غير أمري، فهذه يدي لعمار فليصطبر، وذكروا بعد ذلك أشياء نقموها، فأجابهم وانصرفوا راضين، فأصابوا كتاباً منه إلى عامله أن خذ فلاناً وفلاناً وفلاناً فضرب أعناقهم، فرجعوا فبدءوا بعلي (عليه السلام) فجاءوا به معهم فقالوا: هذا كتابك؟ فقال عثمان: والله ما كتبت ولا أمرت، قالوا: فمن تضنّ؟ قال أظن كاتبي، وأظن به يا فلان.(١)

قالالزمخشري : التشزن هو الاستعداد. فهذه يدي لعمار: يريد الانقياد. والصبر: القصاص.

تاريخ الطبري: فدخل عليّ بن أبي طالب على عثمان، فقال: الناس ورائي وقد كلموني فيك. والله، ما أدري ما أقول لك وما أعرف شيئاً تجهله ولا أدلك على أمر لا تعرفه. إنك لتعلم ما نعلم، ما سبقناك إلى شيء فنُخبرك عنه وإن شر الناس عند الله إمام جائر ضل وضُل به فأمات سنة معلومة وأحيا بدعة متروكة. وإني سمعت رسول الله (ص) يقول: يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر فيلقى في جهنم فيدور في جهنم كما تدور الرحى ثم يرتطم في غمرة جهنم، وإني أحذّرك الله وأحذّرك سطوته ونقماته فإن عذابه شديد أليم قال علي (ع): سأخبرك أن عمر بن الخطاب كان كل من ولّى فإنما يَطأ على صماخه إن بلغه عنه حرف جلبه ثم بلغ به أقصى الغاية، وأنت لا تفعل ضعفت ورفقت على أقربائك، قال عثمان: هم أقرباؤك أيضاً! فقال عليّ: لعمري أن رحمهم مني لقريبة ولكنّ الفضل في غيرهم. قال عثمان: هل تعلم أن عمر ولى معاوية خلافته كلها فقد وليته! فقال علي: أنشدك الله هل تعلم أنّ

____________________

١ - الفائق، ج ١، ص ٦٥٦.

٢٧٧

معاوية كان أخوف من عمر من يرفا غلام عمر منه؟ قال: نعم. قال عليّ: فإن معاوية يقتطع الأمور دونك وأنت تعلمها فيقول للناس: هذا أمر عثمان! فيبلغك ولا تُغير على معاوية!(١)

أقول: يظهر من هذه الكلمات أن أمر عثمان قد شاع بين الناس، وهم بين ناصح وشاتم ومبارز، ولا يُرى من علي (ع) إلا أنه كان من الناصحين له والمدافعين عنه والناهين عن قتاله، ومع هذا ترى جماعة من الشاتمين والمبارزين والمحركين ينسبون إليه القتل ويتّهمونه به، وأكثر المخالفين في الجمل وصفين من هؤلاء الأفراد.

ويروي الطبري: فقالت عائشة: يا بن عباس، أنشدك الله - فإنك قد أُعطيت لساناً إزعيلاً - أن تخذل عن هذا الرجل، وأن تشكك فيه الناس، فقد بانت لهم بصائرهم وأنهجت، ورفعت لهم المنار، و تحلّبوا من البلدان لأمر قد حم‏.(٢)

البدء والتاريخ: أن الناس نقموا عليه أشياء فمن ذلك كلفه بأقاربه كما قاله عمر، فآوى الحكم بن أبي العاص طريد رسول الله (ص) وكان سيّره إلى بطن وج. ولأنه كان يُفشي سرّ رسول الله ويُطلع الناس عليه. ومنها: أنه أقطع الحارث بن الحكم مهرقته موضع شرقي المدينة، وكان النبي (ص) لما قدم إلى المدينة ووصل إلى ذلك الموضع ضرب برجله وقال: هذا مُصلانا ومُستمطرنا ومخرجنا لأضحانا وفطرنا فلا تنقضوها ولا تأخذوا عليها كِرى، لعن الله من نقض من بعض سوقنا شيئاً. ومنها: أنه أقطع مروان بن الحكم فدك قرية صدقة رسول الله (ص)، وأعطاه خُمس الغنائم من إفريقيّة. ومنها: أنه أعطى عبد الله بن خالد بن أسيد أربعمئة ألف درهم وأعطى الحكم بن أبي العاص مئة ألف درهم. ومنها: أن عبيد الله بن عمر قتل الهرمزان بأبيه عمر وقتل ابنين لأبي لؤلؤة فلم يُقدِه. ومنها: أنه عزل عمال عمر وولى بني أمية وانتزع عمرو بن العاص عن مصر واستعمل عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وانتزع سعد بن أبي وقاص

____________________

١ - تاريخ الطري، ج ٥، ص ٣٣.

٢ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ١٤٠.

٢٧٨

عن الكوفة واستعمل الفاسق الوليد بن العقبة بن أبي معيط، وهو أخوه لأمه، فوقع في الخمر فشربها، ويصلي الصلاة لغير وقتها، فصلى بالناس يوماً الفجر أربعاً، وهو ثَمِل!! فلمَّا انصرف قال: أزيدكم فإني نشيط؟! فشغب الناس وحصبوه، فلما شكاه الناس عزله واستعمل عليهم شراً منه: سعيد بن العاص، فقدم رجل عظيم الكبر شديد العجب، وهو أول من وضع العُشور على الجُسور والقناطر. ومنها: أن ابن أبي سرح قتل سبعمئة رجل بدم رجل واحد فأمر بعزله ولم يُنكر عليه. ومنها: أنه جعل الحروف كلها حرفاً واحداً وأكره الناس على مصحفه. ومنها: أنه سيّر عامر بن عبد قيس من البصرة إلى الشام لتنزهه عن أعماله. وسيّر أبا ذر الغفاري إلى الربذة، وذلك أن معاوية شكاه أنه يطعن عليه، فدعاه واستعتبه ولم يُعتب، فسيره إلى الربذة وبها مات. ومنها: أنه تزوج نائلة بنت الفرافصة الكلبية فأعطاها مئة ألف من بيت المال، وأخذ سفطاً فيه حلي فأعطاه بعض نسائه، واستسلف من بيت المال خمسة آلاف درهم، وكان اشترط عليه عند البيعة أن يعمل بكتاب الله وسنة رسوله وبسيرة الشيخين فسار بها ستّ سنين ثم تغيّر كما ذكر فتكلم الناس في ذلك وأظهروا الطعن، فخطب عثمان وقال: هذا مال الله أعطيه من أشاء وأمنعه من أشاء فأرغم الله أنف من رغم أنفه!! فقام عمار بن ياسر فقال: أنا أول من رغم أنفه من ذلك. فقال له عثمان: لقد اجترأت عليّ يا ابن سمية فوثب بنو أمية على عمار فضربوه حتى غُشي عليه، فقال: ما هذا بأول ما أوذيت في الله. وضرب عبد الله بن مسعود في مخالفته قراءته.(١)

أقول: يكفي واحد من هذه الأحداث في انصراف الناس عنه ومخالفتهم له ونقضهم بيعته، فكيف بهذه الأعمال المختلفة والأحداث الكثيرة، التي يتبرّأ منها كل مسلم حرّ.

فإذا كان أمير المسلمين يعمل بهذه الأعمال الجائرة فإلى أين ينتهي جريان

____________________

١ - البدء والتاريخ، ج٥، ص ١٩٩.

٢٧٩

أمور الملة وكيف تكون عواقب أمورهم؟ ولا يبعد أن يقال: إن الحكومة الأموية والجنايات الواقعة في تلك الدولة، نتيجة هذه الأحداث.

(تجري الناس عليه)

فأول نتيجة أنتجت هذه الأحداث اختلاف الملة الإسلامية ونقضهم بيعة عثمان وقيامهم على خلافه.

العقد الفريد: لما أنكر الناس على عثمان ما أنكروا من تأمير الأحداث من أهل بيته على الجُلة الأكابر من أصحاب محمد (ص) قالوا لعبد الرحمن بن عوف: هذا عملك واختيارك لأمة محمد! قال: لم أظن هذا به. ودخل على عثمان فقال له: إني إنما قدّمتك على أن تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر وقد خالفتها. فقال: عمر كان يقطع قرابته في الله وأنا أصل قرابتي في الله! فقال له: لله عليّ أن لا أكلمك أبداً. فمات عبد الرحمن وهو لا يكلم عثمان.(١)

أقول : هذا أول من وافق خلافة عثمان وحكم بها، وهو يقول: إنما قدمتك لتسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر. وقد سبق في فصل (فتنة أمر الشورى) أن عبد الرحمن قال له: عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده، قال عثمان: نعم. فبايعه. فالتزم عثمان وتعهد في الله أن يعمل بالكتاب والسنة وسيرة الخليفتين، وأنت ترى هذه الأحداث المخالفة التي لا تطابق قرآناً ولا سنة.

والعجب من قوله: (وأنا أصل قرابتي في الله) وهذا الكلام منه في غاية البعد، وإنه نظير من يُنفق من مال مغصوب ويدّعي أنه من المنفقين المحسنين.

العقد الفريد: ثم فك محمد الكتاب بمحضر منهم، فإذا فيه: إذا جاءك محمد وفلان وفلان فاحتل لقتلهم وأبطل كتابهم وقِرّ على عملك حتى يأتيك رأيي،

____________________

١ - العقد الفريد، ج ٤، ص ٣٠٨.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495