الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام0%

الحقائق في تاريخ الاسلام مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 495

الحقائق في تاريخ الاسلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة المصطفوي
تصنيف: الصفحات: 495
المشاهدات: 186778
تحميل: 6856

توضيحات:

الحقائق في تاريخ الاسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 495 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 186778 / تحميل: 6856
الحجم الحجم الحجم
الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

لا تُلازم الإمامة والولاية المطلقة العامة، فاستدلال بعضهم بصلاة أبي بكر على خلافته ضعيف ناقص.

٤ - قول عمر: وأحرى بعليٍّ أن يحملهم على طريق الحقّ. هذه الصفة والخصيصة تدلّ على أنّ الدعابة وعدم كونه ليّنا، واقعتان في طريق الحقّ والصدق، فكيف يجوز الإعراض وصرف النظر عنه مع الاعتراف بهذا الاتصاف.

٥ - قول عمر: ( وأبى واحد فاشدخ رأسه بالسيف )، ( فاضرب رؤسهما )، ( واقتلوا الباقين ). هذا الحكم المنجز المقطوع من جانبه إن كان له حقيقة فكيف لم يُجرّ في زمان أبي بكر وزمان عليّ، بل وكيف يقولون: إنّ خلاف أهل الجمل وصفّين مستند إلى اجتهادهم. وأيضاً إنّ الإباء المطلق إذا كان عن فكرٍ صائب ورأي خالصٍ كيف يوجب ضرب الرأس والقتل ولا سيّما إذا خلا عن التحريك والتّشتيت.

٦ - قوله أيضاً: فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن. حقيقة هذا الحكم وسرّه ما أشار إليه عليّ (ع) في آخر الكلام من الطبري. وكما قال العبّاس: فإنّهم لا يبرحون يدفعوننا عن هذا الأمر.

العقد الفريد وتاريخ الطبري: فتنافس القوم في الأمر وكثر بينهم الكلام فقال عبد الرحمن: أيكم يُخرج منها نفسه ويتقلّدها على أن يُوليَها أفضلكم، فلم يُجبه أحد، فقال: أنا أنخلع منها، فقال عثمان: أنا أوّل من رضي فإنّي سمعت رسول الله (ص) يقول: أمين في الأرض أمين في السماء، قال القوم: قد رضينا، وعليّ ساكت، فقال: ما تقول يا أبا الحسن؟ قال: أعطني موثقا لتُؤثرن الحقّ ولا تتّبع الهوى ولا تخصّ ذا رحم ولا تألو الأمّة! فقال: أعطوني مواثيقكم على أن تكونوا معي على من بدلّ وغيّر وأن ترضوا من اخترت لكم، على ميثاق الله أن لا أخصّ ذا رحم لرحمه ولا آلو المسلمين، فأخذ منهم ميثاقاً وأعطاهم مثله. فقال لعليّ: إنّك تقول: إنّي أحقّ من حضر بالأمر ؛ لقرابتك وسابقتك وحسن أثرك في الدين، ولم تُبعد، ولكن أرأيت لو صُرف هذا الأمر عنك فلم تحضر، من

٢٦١

كنت ترى من هؤلاء الرهط أحقّ بالأمر؟ قال: عثمان. وخلا بعثمان فقال:

تقول: شيخ من بني عبد مناف، وصهر رسول الله (ص) وابن عمّه، لي سابقة وفضل، فلم تُبعد، فلمَ تُصرف هذا الأمر عنّي، ولكن لو لم تحضر فأيّ هؤلاء الرهط تراه أحقّ به؟ قال عليّ. ثمّ خلا بالزبير فكلّمه بمثل ما كلّم به علياً وعثمان فقال: عثمان. ثمّ خلا بسعد فكلّمه، فقال: عثمان. فلقى عليّ سعداً فقال:( اتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) ، أسألك برحم ابني هذا من رسول الله (ص)، وبرحم عمّي حمزة منك، أن لا تكون مع عبد الرحمن لعثمان ظهيراً عليّ، فإنّي أدلي بما لا يُدلي به عثمان.

ودار عبد الرحمن لياليه يلقى أصحاب رسول الله (ص) ومن وافى المدينة من أمراء الأجناد وأشراف الناس يُشاورهم ولا يخلو برجل إلا أمره بعثمان، حتى إذا كانت الليلة التي يستكمل في صبيحتها الأجل أتى منزل المسور بن مخرمة بعد ابهيرار من الليل فأيقظه، فقال: ألا أراك نائماً ولم أذق في هذه الليلة كثير غُمض، انطلق فادع الزبير وسعداً فدعاهما، فبدأ بالزبير في مؤخّر المسجد في الصفة التي تلى دار مروان، فقال له: خلّ ابني عبد مناف وهذا الأمر، قال: نصيبي لعليّ. وقال لسعد: أنا وأنت كلالة ( وفي العقد: كالآلة ) فاجعل نصيبك لي فأختار؟ قال: إن اخترت نفسك، فنعم! وان اخترت عثمان فعليّ أحبّ إليّ، أيّها الرجل بايع لنفسك وأرحنا وارفع رؤوسنا! قال: يا أبا إسحاق: إنّي قد خلعت نفسي منها على أن أختار، ولو لم أفعل وجُعل الخيار إليّ لم أردّها قال، قال سعد: فإنّي أخاف أن يكون الضعف قد أدركك فامض لرأيك فقد عرفت عهد عمر! وانصرف الزبير وسعد، وأرسل المسور بن مخرمة إلى عليّ فناجاه طويلاً وهو لا يشكّ أنّه صاحب الأمر، ثمّ نهض، وأرسل المسور إلى عثمان فكان في نجيّهما حتى فرّق بينهما أذان الصبح فلما صلّوا الصبح جمع الرهط فقال عمّار: إن أردت أن لا يختلف المسلمون فبايع علياً، فقال المقداد بن الأسود: صدق عمّار ؛ إن بايعت علياً قلنا: سمعنا وأطعنا. قال ابن أبي سرح: إن أردت أن لا تختلف قريش فبايع عثمان، فقال عبد الله بن أبي ربيعة: صدق، إن بايعت عثمان قلنا: سمعنا وأطعنا. فشتم

٢٦٢

عمّار ابن أبي سرح وقال: متى كنت تنصح المسلمين؟! فتكلّم بنو هاشم وبنو أميّة، فقال عمّار: أيّها الناس إنّ الله - عزّ وجلّ - أكرمنا بنبيّه وأعزّنا بدينه فأنّى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيّكم! فقال رجل من بني مخزوم: لقد عدوت طورك يا ابن سُمية، وما أنت وتأمير قريش لأنفسها، فقال سعد بن أبي وقاص: يا عبد الرحمن افرغ قبل أن يفتتن الناس!.

فقال عبد الرحمن: إنّي قد نظرت وشاورت، فلا تجعلنّ أيّها الرهط على أنفسكم سبيلاً، ودعا علياً، فقال: عليك عهد الله وميثاقه، لتعملنّ بكتاب الله وسنّة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده! قال: أرجو أن أفعل وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي.

ودعا عثمان، فقال له مثل ما قال لعليّ، قال: نعم. فبايعه.

فقال عليّ: حبوته حبو دهر، ليس هذا أوّل يوم تظاهرتم فيه علينا، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون، والله ما ولّيت عثمان إلاّ ليردّ الأمر إليك، والله كلّ يومٍ هو في شأن. فقال عبد الرحمن: يا عليّ لا تجعل على نفسك سبيلاً، فإنّي قد نظرت وشاورت الناس فإذا هم لا يعدلون بعثمان، فخرج عليّ وهو يقول: سيبلغ الكتاب أجله، فقال المقداد: يا عبد الرحمن، أمَا والله لقد تركته من الذين يقضون بالحقّ وبه يعدلون، فقال: يا مقداد، والله لقد اجتهدتُ للمسلمين! قال: إن كنت أردت بذلك الله، فأثابك الله ثواب المحسنين، فقال المقداد: ما رأيت مثل ما أوتي إلى أهل هذا البيت بعد نبيّهم إنّي لأعجب من قريش أنّهم تركوا رجلاً ما أقول أنّ أحدا أعلم ولا أقضى منه بالعدل، أما والله لو أجد عليه أعواناً.(١)

أقول في هذا الكلام موارد للاعتبار:

١ - فتنافس القوم: هذا كما تنافسوا في السقيفة ثمّ وقعت أخذ الآراء بالتزوير الذي لا يخفى على المحقّق المنصف.

٢ - أيّكم يُخرج نفسه: بعد أن رأى عبد الرحمن أن لا نصيب له في هذا الأمر، استمسك بهذا التزوير الدقيق، لحفظ مقامه ولإعمال غرضه في أمر

____________________

١ - العقد الفريد، ج ٤، ص٢٧٧. وتاريخ الطبري، ج ٥، ص ٣٦.

٢٦٣

الخلافة لعثمان.

٣ - أنا أوّل من رضي: هذا القول يدلّ على أنّ الاختيار التام المفوّض لعبد الرحمن إنّما يتمّ لتأييد عثمان، ويدلّ عليه سكوت عليّ (ع).

٤ - أعطني موثقاً: يكشف عن أنّ علياً (ع) ما صحّ عنده الحديث المرويّ ( أمين في الأرض أمين في السماء )، مضافاً إلى أنّ في متن الحديث ضعفاً، حيث أنّ كونه أمينا في السماء لا معنى له، وإن أريد كونه أميناً عند أهل الأرض وأهل السماء ينقضه أنّ من خير أهل الأرض عليّ (ع) وهو يطلب منه موثقاً.

٥ - ولا تتبع الهوى ولا تخصّ ذا رحم: شرط هذه القيود يثبت إتّباع الهوى والعمل بغرض.

٦ - إنّي أحقّ من حضر بالأمر: هذه الدعوى من عليّ (ع) مستمرة من يوم ارتحل النبيّ (ص) إلى آخر عمره الشريف، وقد ثبت أنّه صادق ومع الحقّ ويحبّه الله ورسوله.

٧ - بمبلغ علمي وطاقتي: هذا هو الحقّ الصريح، فإنّ علياً (ع) لا أقل أنّه مجتهد، ولا يجوز له لمجتهد آخر، مع أنّه أعلم الأمّة وأقضاها وأفضلها وأتقاها، بل نعتقد بأنّه خليفة الله ووليّه والمنصوب منه والمعلَّم من لدنه.

٨ - ليس هذا أوّل يوم تظاهرتم: فليعتبر من هذا الكلام كلّ معتبر.

ويروي الطبري: بعد نقل كلمات الأربعة من أهل الشورى وخطبتهم، ثمّ تكلّم عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: الحمد لله الذي بعث محمّداً منّا نبيّاً، وبعثه إلينا رسولاً، فنحن بيت النبوّة ومعدن الحكمة، وأمان أهل الأرض ونجاة لمن طلب، لنا حقّ إن نُعطه نأخذه، وإن نُمنعه نركب أعجاز الأبل ولو طال السُرى، لو عهد إلينا رسول الله (ص) لأنفذنا عهده، ولو قال لنا قولاً، لجادلنا عليه حتى نموت إلخ.(١)

أقول: في هذه الكلمات العالية من عليّ (ع) إثبات لمقامه وعلوّ منزلته

____________________

١ - الطبري، ج ٥، ص ٣٩.

٢٦٤

وحقيقة ولايته وخلافته من رسول الله (ص)، حيث إنّه أظهر في مجلس الشورى بكونه من بيت النبوّة وأنّه معدن الحكمة، وأمان أهل الأرض، ونجاة لمن طلب، ولم ينكر هذه المقامات له أحدٌ من الحاضرين، مع أنّه لا يمكن دعوى هذه المراتب من أحد من سائر الناس.

يروي في العقد الفريد: في كلام لعمر: أمَا والله لولا دُعابة فيه ما شككتُ في ولايته، وإن نزلت على رغم أنف قريش.(١)

الفائق: عليّ رضي الله عنه قال يوم الشورى: لنا حقّ إن نُعطه نأخذه، وإن نُمنَعه نركب أعجاز الإبل وإن طال السُرى.(٢)

قال الزمخشري: هذا مَثَل لركوبه الذلّ والمَشقّة وصبره عليه وان تطاول ذلك، وأراد بركوب أعجاز الإبل كونه ردفاً وتابعاً.

أقول: يقول أنّ الولاية الظاهرية من آثار الولاية الحقيقية، ولمّا كانت حقيقة الولاية لأهل البيت ولأمير المؤمنين عليّ (ع): فتكون الخلافة الظاهرية والولاية والحكومة العرفية أيضاً من حقوقهم وشئونهم.

أمّا الولاية الحقيقية: فهي ثابتة لهم، ومن آثارها النورانية والمعرفة والعلم والإحاطة الملكوتية والارتباط الغيبي، ويشير إليها بقوله: فنحن بيت النبوّة، ومعدن الحكمة، وأمان أهل الأرض، ونجاة لمن طلب.

وأمّا الولاية الظاهرية: فهي متوقّفة على إقبال الرعية وخضوعها وانقيادها، فإن أطاعوا وسلّموا وخضعوا لهم، يَقبلون طاعتهم ويهدونهم إلى مصالحهم ويُرشدونهم إلى سعادتهم ويُجرون قوانين العدل فيما بينهم. ويشير إليها بقوله: إن نعطه نأخذه.

وإذا امتنعوا من الطاعة ولم يخضعوا ولم يستقرّوا تحت لواء ولايتهم فلا يُظهرون من أنفسهم الحرص والميل الشديد إلى حيازتها وتحصيلها وأخذها، بل يجعلون أنفسهم في إثر الحكومة ويعيشون مع الناس ويُفيضون ويُرشدون على

____________________

١ - العقد الفريد، ج٤، ص ٢٨٢

٢ - الفائق، ج ٢، ص ١١٩.

٢٦٥

حسب طلب الناس وإقبالهم واقتضاء أحوالهم.

(من الوقائع في زمانه)

تبعيد أبي ذرّ:

الطبقات: عن زيد بن وهب، قال مررت بالربذة فإذا أنا بأبي ذرّ، فقلت: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية:( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ ) ، وقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب. فقلت: نزلت فينا وفيهم، فكان بيني وبينه في ذلك كلام، فكتب يشكوني إلى عثمان، فكتب إليّ عثمان أن أقدِم المدينة، فقدمت المدينة وكثر الناس عليّ كأنّهم لم يروني قبل ذلك، فذكر ذلك لعثمان، فقال لي: إن شئت تنحّيت فكنت قريباً، فذاك أنزلني هذا المنزل.(١)

البدء والتاريخ: ومنها قوله (ص) لأبي ذر الغفاري وقد تخلّف في بعض مراحل تبوك: تعيش وحدك وتموت وحدك، فكيف بك إذا أخرجت من المدينة لقولك الحقّ. فنُفي في أيام عثمان إلى الربذة ومات بها وحده.(٢)

أقول: نفى أبي ذر من الشام لقوله الحقّ، وعملاً بشكاية معاوية عنه، ونُفي ثانياً من المدينة لصدق لهجته وصراحة بيانه، وقد قال رسول الله (ص) في حقّه:(*)

الاستيعاب: سئل عليّ (رض) عن أبي ذر، فقال: ذلك رجل وعى علماً عجز عنه الناس.

وقال رسول الله (ص): أبو ذرّ في أمّتي شبيه عيسى بن مريم في زهده. وبعضهم يرويه: من سرّه أن ينظر إلى تواضع عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذرّ.(٣)

ابن ماجة: عن عبد الله بن عمر، قال رسول الله (ص): ما أقلّت الغبراء

____________________

١ - الطبقات، ج ٤، ص ٢٢٦.

٢ - البدء والتاريخ، ج ٥، ص ٤٠.

* هكذا في النسخة المطبوعة.

٣ - الاستيعاب، ج ١، ص ٢٥٥.

٢٦٦

ولا أظلت الخَضراء من رجل أصدق لهجة من أبي ذر.(١)

الكنى للبخاري: يروي بعدة إسناد، نظيرها.(٢)

سنن الترمذي: مثلها.(٣)

ويروي أيضاً: قال رسول الله (ص): ما أظلت الخضراءُ ولا أقلّت الغبراء من ذي لهجة أصدق ولا أوفى من أبي ذرّ شبه عيسى بن مريم، فقال عمر بن الخطّاب - كالحاسد - يا رسول الله أفتُعرِّف ذلك له؟ قال: نعم، فاعرفوه. وقد روى بعضهم هذا الحديث فقال:أبو ذر يمشي في الأرض بزهد عيسى بن مريم.

الطبقات: سئل عليّ رضي الله عنه عن أبي ذرّ، فقال: وعى علما عجز فيه وكان شحيحا حريصاً، شحيحاً على دينه، حريصاً على العلم.(٤)

ويروي أيضاً روايات: كما في ابن ماجة والترمذي.(٥)

الكنى للدولابي: كما في ابن ماجة.(٦)

أقول: انظر إلى ما ورد في حقّ هذا الرجل وهو من خواصّ أصحاب رسول الله (ص)، وهو يُنفى من المدينة إلى وادي الرّبذة، ويموت فيها وحده.

(ومن الوقائع في زمانه)

تبرئة عُبيد الله بن عمر بعد ثبوت أنّه قتل نفساً محرمة.

الطبقات: رأيت عبيد الله يومئذٍ وإنّه ليناصي عثمان، وأنّ عثمان ليقول: قاتلك الله! قتلت رجلاً يصلّي وصبية صغيرة وآخر من ذمّة رسول الله (ص)، ما في الحقّ تركُك. قال: فعجبت لعثمان حين وُلّي، كيف تركه؟!(٧)

____________________

١ - ابن ماجة، ج ١، ص ٦٨.

٢ - الكنى للبخاري، ص ٢٣.

٣ - سنن الترمذي، ص ٥٤٣.

٤ - الطبقات، ج ٢، ص ٣٥٤.

٥ - نفس المصدر، ج ٤، ص ٢٢٨.

٦ - الكنى للدولابي، ج ١، ص ١٤٦.

٧ - الطبقات، ج ٥، ص ١٦.

٢٦٧

ويروي أيضاً: قال عليّ لعبيد الله بن عمر: ما ذنبُ بنت أبي لؤلؤة حين قتلتها فكان رأي عليّ حين استشاره عثمان ورأيُ الأكابر من أصحاب رسول الله على قتله، لكن عمرو بن العاص كلّم عثمان حتى تركه.

ويروي عن ابن جريح: أنّ عثمان استشار المسلمين فأجمعوا على ديتهما ولا يُقتل بهما عبيد الله بن عمر، وكانا قد أسلما وفرض لهما عمر، وكان عليّ بن أبي طالب لما بويع له أراد قتل عبيد الله بن عمر، فهرب منه إلى معاوية، فلم يزل معه فقتل بصفين.(١)

الاستيعاب: إنّ عبيد الله قتل الهُرمزان بعد أن أسلم، وعفا عنه عثمان، فلمّا وليّ عليّ خشي على نفسه فهرب إلى معاوية فقتل بصفين.(٢)

أقول: قال الله تعالى:( أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) ، ولا يجوز لحاكم أن يعفو عن قصاص وأن يترك قاتلاً، مع أنّ علياً (ع) حكم بقتله وهو مع الحقّ أين ما دار، وهو أقضى الأمّة.

(ومن الوقائع في زمانه)

صلته لأقربائه وتوانيه في أمورهم وبذل الأموال لهم:

الطبقات: عن الزهري: فلما وليهم عثمان لان لهم ووصلهم، ثمّ توانى في أمرهم واستعمل أقرباءه وأهل بيته في السّت الأواخر، وكتب لمروان بخُمس مصر، وأعطى أقرباءه المال، وتأوّل في ذلك الصلة التي أمر بها، واتّخذ الأموال واستسلف من بيت المال، وقال: إنّ أبا بكر وعمر تركا من ذلك ما هو لهما، وإنّي أخذته فقسّمته في أقربائي، فأنكر الناس عليه ذلك.(٣)

ويروي أيضاً عن المسور: سمعت عثمان يقول: أيّها الناس إنّ أبا بكر وعمر كانا يتأوّلان في هذا المال ظلف أنفسهما وذوي أرحامهما، وإنّي تأولّت فيه صلة رحمي.

____________________

١ - الطبقات، ج ٥، ص ١٧.

٢ - الاستيعاب، ج ٣، ص ١٠١٢.

٣ - الطبقات ج ٣، ص ٦٤.

٢٦٨

أقول: الأموال التي تدّخر في بيت المال يجب أن تصرف في الله وفي فقراء المسلمين وفي حفظ نظامهم، وليس للحاكم أن يصرفها كيف يشاء وفيما يشاء!

مسند أحمد: عن سالم قال: دعا عثمان ناسا من أصحاب رسول الله (ص) فيهم عمّار بن ياسر، فقال: إنّي سائلكم وإنّي أحبّ أن تصدقوني، نشدتكم الله أتعلمون أنّ رسول الله (ص) كان يُؤثر قريشاً على سائر الناس، ويُؤثر بني هاشم على سائر قريش؟ فسكت القوم. فقال عثمان: لو أن بيدي مفاتيح الجنّة لأعطيتها بني أميّة حتى يدخلوا من عند آخرهم.(١)

أقول: إنّ لأقرباء الرسول وذريته أحكام وحقوق خاصة في القرآن ليست لغيرهم، ولا يقاس بهم أحد.

(ومن الوقائع في زمانه)

انصراف المهاجرين والأنصار عنه وطعنهم فيه:

الاستيعاب: كان اجتماع بني مخزوم إلى عثمان حين نال من عمّار غلمان عثمان ما نالوا من الضرب، حتى انفتق له فتق في بطنه، ورغموا وكسروا ضلعاً من أضلاعه، فاجتمعت بنو مخزوم وقالوا: والله لئن مات، لا قتلنا به أحداً غير عثمان.(٢)

البدء والتاريخ: فحنق بنو مخزوم لضربه عمّار، وحنق بنو زهرة لحال عبد الله بن مسعود، وحنق بنو غفّار لمكان أبي ذر الغفاري، وكان أشدّ الناس طلحة والزبير ومحمّد بن أبي بكر وعائشة، وخذلته المهاجرون والأنصار، وتكلّمت عائشة في أمره وأطلعت شعرة من شعر رسول الله (ص) ونعله وثيابه وقالت: ما أسرع ما تركتم سنّة نبيّكم؟ فقال عثمان في آل أبي قحافة ما قال، وغضب حتى ما كاد يدري ما يقول، فقال عمرو بن العاص: سبحان الله! وهو يريد أن يحقّق طعن الناس على عثمان، فقال الناس: سبحان الله!(٣)

____________________

١ - مسند أحمد، ج ١، ص ٦٢.

٢ - الاستيعاب، ج ٣ ص١١٣٦.

٣ - البدء والتاريخ، ج ٥، ص ٢٠٥.

٢٦٩

أقول: ومن العجب قيام طرحة والزبير وعائشة في البصرة، قيام عمرو بن العاص في الشام، يريدون ثار لعثمان من أمير المؤمنين علي (ع). انظر عدّة روايات في قول عمرو بن العاص فيه:

الاستيعاب: فلما ولّى عثمان عبد الله بن سعد مصر وعزل عنها عمرو بن العاص، جعل عمرو يطعن على عثمان أيضاً ويُؤلّب عليه ويسعى في إفساد أمره، فلمّا بلغه قتل عثمان وكان معتزلاً بفلسطين قال: إنّي إذا نكأتُ قرحة أدميتُها.(١)

الطبقات: عن علقمة قال عمرو بن العاص لعثمان وهو على المنبر: يا عثمان! إنّك قد ركبت بهذه الأمّة نهابير من الأمر فتُب وليتوبوا معك، قال فحوّل وجهه إلى القبلة، فرفع يديه فقال: اللّهمّ إنّي أستغفرك وأتوب إليك، ورفع الناس أيديهم.(٢)

ويروي أيضاً عن سعد قريباً منها.

تاريخ الطبري: فخرج عمرو من عند عثمان وهو محتقد عليه يأتي علياً مرّة فيُؤلبه على عثمان، ويأتي الزبير مرّة فيُؤلبه على عثمان، ويأتي طلحة مرة فيُؤلّبه على عثمان، ويعترض الحاجّ فيُخبرهم بما أحدث عثمان، فلمّا كان حُضر عثمان ؛ الأوّل خرج من المدينة حتى انتهى إلى أرض له بفلسطين حتى مرّ به راكب آخر فناداه عمرو: ما فُعل بالرجل؟ يعني عثمان. قال: قُتل. قال: أنا أبو عبد الله، إذا حككتُ قرحة نكأتها إن كنت لأحرض عليه حتى أنّي لأحرّض الراعي في غنمه في رأس الجبل، فقال له سلامة بن روح: يا معشر قريش: إنّه كان بينكم وبين العرب باب وثيق فكسرتموه، فما حَمَلكم على ذلك؟ فقال: أردنا أن نُخرج الحقّ من حافرة الباطل، وأن يكون الناس في الحقّ شُرعاً سواء.(٣)

____________________

١ - الاستيعاب، ج ٣، ص ٩١٩.

٢ - الطبقات، ج ٣، ص ٦٩.

٣ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ١٠٨.

٢٧٠

البدء والتاريخ: وانتقضت الإسكندرية في أيام عثمان فافتتحها عمرو بن العاص وبعث بسبيها إلى المدينة، فردّهم عثمان إلى ذمتهم لأنّهم كانوا صلحاً، ولأنّ الذريّة لم تنقض العهد، فهذا بدو الشر بين عثمان وعمرو، فانتزعه من مصر، وأمّر عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح أخاه لأمّة.(١)

احتقد عليه: أمسك عداوته، يتربّص الفرصة. والتأليب: التجمع والفساد.

( وأما معونة علي (ع) في قتله )

الاستيعاب: عن أبي جعفر الأنصاري قال: دخلت المسجد فإذا رجل جالس في نحو عشرة عليه عمامة سوداء، فقال: ويحك ما وراءك؟ قلت قد والله فُرغ من الرجل ( يريد عثمان )! فقال: تبّاً لكم آخر الدهر! فنظرت فإذا هو عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.(٢)

العقد الفريد: وقال عليّ لابنيه: كيف قُتل أمير المؤمنين وأنتما على الباب؟ ورفع يده فلطم الحسين وضرب صدر الحسن وشتم محمّد بن طلحة، ولعن عبد الله بن الزبير، ثمّ خرج عليّ وهو غضبان يرى أنّ طلحة أعان عليه، فلقيه طلحة فقال: مالك يا أبا الحسن ضربت الحسن والحسين؟ فقال:عليك وعليهما لعنة الله، يُقتل أمير المؤمنين ورجل من أصحاب النبيّ (ص) بدريّ، ولم تُقم بيّنة ولا حجّة؟! فقال طلحة: لو دفع مروان لم يُقتل.(٣)

ويروي: قال عليّ بن أبي طالب على المنبر: واللهّ لئن لم يَدْخل الجنة إلاّ مَن قتل عثمان لا دخلتُها أبدَاً، ولئن لم يَدخل النارَ إلاّ مَن قتل عثمان لا دخلتُها أبداً.(٤)

أقول: راجع في تأييد هذا الفصل الفصول الآتية.

الطبقات: عن عمرو بن الأصم قال: كنت فيمن أرسلوا من جيش ذي

____________________

١ - البدء والتاريخ، ج ٥، ص ١٩٨.

٢ - الاستيعاب، ج ٣، ص ١٠٤٧.

٣ - العقد الفريد، ج ٤، ص ٢٩١.

٤ - العقد الفريد، ج ٤، ص ٣٠٢.

٢٧١

خُشب، قال: فقالوا لنا سلوا أصحاب رسول الله (ص) واجعلوا آخر من تسألون علياً، أنُقدم؟ قال فسألناهم فقالوا: أقدِموا، إلاّ علياً قال: لا آمركم، فإن أبيتم، فبيض فليُفرخ.(١)

ويروي أيضاً: بعث عثمان إلى عليّ يدعوه وهو محصور في الدار، فأراد أن يأتيه فتعلّقوا به ومنعوه، قال: فحلّ عمامة سوداء على رأسه وقال: هذا، أو قال: اللّهم لا أرضى قتله ولا آمر به، والله لا أرضى قتله ولا آمر به.(٢)

مستدرك الحاكم: عن قيس بن عباد قال: شهدت علياً (رض) يوم الجمل وأنكرت نفسي، وأرادوني على البيعة فقلت: والله إنّي لأستحيي من الله أن أبايع قوما قتلوا رجلاً الحديث.(٣)

قال الحاكم: قد ذكرت الأخبار المسانيد في هذا الباب في كتاب مقتل عثمان، فلم أستحسن ذكرها عن آخرها في هذا الموضع ؛ فإنّ في هذا القدر كفاية، فأمّا الذي ادعته المبتدعة من معونة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب على قتله فإنّه كذب وزور، فقد تواترت الأخبار بخلافه.

ويروي: عن ميمون بن مهران: أنّ عليّ بن أبي طالب (رض) قال: ما يسرّني أن أخذت سيفي في قتل عثمان وأنّ لي الدنيا ما فيها.(٤)

أقول: ما يستفاد من هذه الروايات ونظائرها - وهو أنّ علياً لم يكن يرضى بقتل عثمان، بل كان مخالفاً ومانعاً ومنكراً.

( مشاورة عثمان مع عماله )

تاريخ الطبري: فأرسل عثمان إلى معاوية بن أبي سفيان والى عبد الله بن

____________________

١ - الطبقات، ج ٣، ص ٦٥.

٢ - الطبقات، ص ٦٨.

٣ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٠٣.

٤ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٠٥.

٢٧٢

سعد بن أبي سرح وإلى سعيد بن العاص بن وائل السهمي والى عبد الله بن عامر ( ولم يزل والياً لعثمان على البصرة وكان ابن عّمته - الاستيعاب )، فجمعهم ليشاورهم في أمره وما طُلب إليه وما بلغه عنهم، فلمّا اجتمعوا عنده قال لهم: إنّ لكلّ امريء وزراء ونصحاء، وإنّكم وزرائي ونصحائي وأهل ثقتي، وقد صنع الناس ما قد رأيتم، وطلبوا إليّ أن أعزل عمّا لي، وأن أرجع عن جميع ما يكرهون إلى ما يحبّون، فاجتهدوا رأيكم وأشيروا عليّ! فقال له عبد الله بن عامر: رأيي لك يا أمير المؤمنين أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك، وأن تجمرهم في المغازي حتى يذلّوا لك، فلا تكون همّة أحدهم إلاّ نفسه وما هو في من دبرة دابته وقمل فروه.

ثمّ أقبل عثمان على سعيد بن العاص فقال: ما رأيك؟ قال يا أمير المؤمنين إن كنت تريد رأينا فاحسم عنك الداء وأقطع عنك الذي تخاف واعمل برأيي تُصيب، قال: وما هو؟ قال: إنّ لكلّ قوم قادة متى يهلك يتفرّقوا ولا يجتمع لهم أمر، فقال عثمان: إنّ هذا الرأي لولا ما فيه.

ثمّ أقبل على معاوية فقال: ما رأيك؟ قال: أرى لك يا أمير المؤمنين أن تردّ عمّالك على الكفاية لما قِبلهم، وأنا ضامن لك قِبلي. ثمّ أقبل على عبد الله بن سعد فقال: ما رأيك؟ قال: أرى يا أمير المؤمنين أنّ الناس أهل طمع فأعطهم من هذا المال تعطف عليك قلوبهم.

ثمّ أقبل على عمرو بن العاص فقال له: ما رأيك؟ قال: أرى أنّك قد ركبت الناس بما يكرهون فاعتزم أن تعتدل، فإن أبيت فاعتزم أن تعتزل، فأن أبيت فاعتزم عزماً وامض قُدما. فقال عثمان: ما لك قَمُل فروك، أهذا الجد منك؟! فأسكت عنه دهراً حتى إذا تفرّق القوم، قال عمرو: لا والله يا أمير المؤمنين، لأنت أعز عليّ من ذلك، ولكن قد علمت أن سيبلغ الناس قول كلّ رجل منّا، فأردت أن يبلغهم قولي فيثقوا بي فأقود إليك خيراً أو أدفع عنك شراً.(١)

ويروي: قريباً من هذه الأقوال، وفيه فردّ عثمان عمّاله على أعمالهم وأمرهم

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ٩٤.

٢٧٣

بالتضييق على من قِبلهم وأمرهم بتجمير الناس في البعوث وعزم على تحريم أعطياتهم ليطيعوه ويحتاجوا إليه، ورد سعيد بن العاص أميراً على الكوفة، فخرج أهل الكوفة عليه بالسلاح فتلقّوه فردّوه، وقالوا: لا والله لا يلي علينا حكماً ما حملنا سيوفنا.(١) (التجمير = الجمع)

أقول: وفي هذه الكلمات اعتبارات لمن اعتبر.

١ - ينبغي أن يُلفت النظر إلى ولاته وعماله، بل ووزرائه ونصحائه، وأن يُحقّق في سوابقهم ولواحق حالاتهم وأعمالهم.

٢ - إرجاع البصر والنظر إلى هذه الكلمات المتخالفة والأقوال السخيفة والآراء الباطلة المخالفة للحق والبعيدة عن الحقيقة في حق الرعية المسلمين من الصحابة والتابعين.

٣ - اتباع الخليفة من آرائهم الباطلة وأمرهم بالتضييق والتجمير في البعوث وتحريم أعطياتهم حتى يطيعوه ويحتاجوا إليه، فهل ينبغي ممن يدّعي خلافة الرسول (ص) أن يعمل هكذا.

٤ - العجب من هؤلاء النصحاء ووزرائه المسلمين، حيث لم يتكلموا بكلمة تُرضي الله ورسوله، ولم ينصحوا بما هو خير وصلاح له وللمسلمين، ولم يتوجهوا إلى واجب وظيفتهم في مقام النصيحة! ونتعجّب كثيراً من عثمان حيث شاور هؤلاء الخائنين الفسّاق، وترك مشاورة أفاضل الصحابة وأتقيائهم الصالحين المؤتمنين.

الاستصحاب: عبد الله بن سعد بن أبي السرح أسلم قبل الفتح ثم ارتد مشركاً وصار إلى قريش بمكة، فقال لهم: إني كنت أصرف محمداً حيث أريد، فلما كان يوم الفتح أمر رسول الله (ص) بقتله ولو وُجد تحت أستار الكعبة، ففرّ عبد الله إلى عثمان وكان أخاه من الرضاعة، فغيّبه عثمان حتى أتى به رسول الله (ص) بعد ما اطمأنّ أهل مكة فاستأمنه له فصمت رسول الله (ص) طويلاً

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ٩٥.

٢٧٤

ثم قال: نعم. فلما انصرف عثمان قال رسول الله (ص) لمن حوله: ما صمتُّ إلاّ ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه. ثم ولاه عثمان بعد ذلك مصر وعزل عنها عمرو بن العاص. وكان ذلك بدء الشر بين عثمان وعمرو بن العاص انتهى ملخصاً.(١)

____________________

١ - الاستيعاب، ج ٣، ص ٩١٨.

٢٧٥

فتنة:

الأحداث في عهد عثمان

الملل والنحل: أن أقاربه قد ركبوا نهابرَ فركَبَتْه وجاروا فجير عليه. ووقعت اختلافات كثيرة وأخذوا عليه أحداثاً كلها محالة على بني أمية: منها: ردة الحكم بن أمية إلى المدينة بعد أن طرده النبي (عليه السلام) وكان يسمَّى طريد رسول الله وبعد أن تشفّع إلى أبي بكر وعمر أيام خلافتهما فما أجابا إلى ذلك، ونفاه عمر من مقامه باليمن أربعين فرسخاً. ومنها: نفيه أبا ذرّ إلى الربذة. وتزويجه مروان بن الحكم بنته وتسليمه خُمس غنائم إفريقيَّة له وقد بلغت مئتي ألف دينار. ومنها: إيواؤه عبد الله بن سعد بن أبي سرح بعد أن أهدر النبي (عليه السلام) دمه. وتوليته عبد الله بن عامر البصرة حتى أحدث فيها ما أحدث. إلى غير ذلك مما نقموا عليه. وكان أمراء جنوده معاوية بن أبي سفيان عامل الشام، وسعد بن أبي وقاص عامل الكوفة، وبعده الوليد بن عقبة، وعبد الله بن عامر عامل البصرة، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح عامل مصر، وكلهم خذلوه ورفضوه حتى أتى قدره عليه.(١)

الفائق: عثمان أرسلت إليه أم سلمة: يا بُني ما لي أرى رعيتك عنك مزوّرين وعن جنابك نافرين، لا تُعفِّ سبيلاً كان رسول الله (ص) لحَبها، ولا تقدح بزند كان أكباها. توخّ حيث توخّى صاحباك، فإنهما ثكما الأمر ثكماً ولم يظلماه.(٢)

قالالزمخشري : ازورّ عنه: إذا عدل وأعرض. والتعفية: الطمس. ولحَبها: نفى

____________________

١ - الملل والنحل، ج ١، ص ١٨.

٢ - الفائق ج ١، ص ٥٤٩.

٢٧٦

عنها كل لبس وكشف كل عماية. وأكباها: عطلها من القدح بها. ثكمتُ الطريق: لزمته. ولم يظلماه: لم ينقصاه ولا زادا عليه.

ويروي أيضاً: أن سعداً وعماراً أرسلا إلى عثمان أن ائتنا فإنا نريد أن نذاكرك أشياء أحدثتها، فأرسل إليهما: ميعادكم يوم كذا حتى أتشزّن ثم اجتمعوا للميعاد، فقالوا: ننقم عليك ضربك عماراً، فقال: تناوله رسولي من غير أمري، فهذه يدي لعمار فليصطبر، وذكروا بعد ذلك أشياء نقموها، فأجابهم وانصرفوا راضين، فأصابوا كتاباً منه إلى عامله أن خذ فلاناً وفلاناً وفلاناً فضرب أعناقهم، فرجعوا فبدءوا بعلي (عليه السلام) فجاءوا به معهم فقالوا: هذا كتابك؟ فقال عثمان: والله ما كتبت ولا أمرت، قالوا: فمن تضنّ؟ قال أظن كاتبي، وأظن به يا فلان.(١)

قالالزمخشري : التشزن هو الاستعداد. فهذه يدي لعمار: يريد الانقياد. والصبر: القصاص.

تاريخ الطبري: فدخل عليّ بن أبي طالب على عثمان، فقال: الناس ورائي وقد كلموني فيك. والله، ما أدري ما أقول لك وما أعرف شيئاً تجهله ولا أدلك على أمر لا تعرفه. إنك لتعلم ما نعلم، ما سبقناك إلى شيء فنُخبرك عنه وإن شر الناس عند الله إمام جائر ضل وضُل به فأمات سنة معلومة وأحيا بدعة متروكة. وإني سمعت رسول الله (ص) يقول: يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر فيلقى في جهنم فيدور في جهنم كما تدور الرحى ثم يرتطم في غمرة جهنم، وإني أحذّرك الله وأحذّرك سطوته ونقماته فإن عذابه شديد أليم قال علي (ع): سأخبرك أن عمر بن الخطاب كان كل من ولّى فإنما يَطأ على صماخه إن بلغه عنه حرف جلبه ثم بلغ به أقصى الغاية، وأنت لا تفعل ضعفت ورفقت على أقربائك، قال عثمان: هم أقرباؤك أيضاً! فقال عليّ: لعمري أن رحمهم مني لقريبة ولكنّ الفضل في غيرهم. قال عثمان: هل تعلم أن عمر ولى معاوية خلافته كلها فقد وليته! فقال علي: أنشدك الله هل تعلم أنّ

____________________

١ - الفائق، ج ١، ص ٦٥٦.

٢٧٧

معاوية كان أخوف من عمر من يرفا غلام عمر منه؟ قال: نعم. قال عليّ: فإن معاوية يقتطع الأمور دونك وأنت تعلمها فيقول للناس: هذا أمر عثمان! فيبلغك ولا تُغير على معاوية!(١)

أقول: يظهر من هذه الكلمات أن أمر عثمان قد شاع بين الناس، وهم بين ناصح وشاتم ومبارز، ولا يُرى من علي (ع) إلا أنه كان من الناصحين له والمدافعين عنه والناهين عن قتاله، ومع هذا ترى جماعة من الشاتمين والمبارزين والمحركين ينسبون إليه القتل ويتّهمونه به، وأكثر المخالفين في الجمل وصفين من هؤلاء الأفراد.

ويروي الطبري: فقالت عائشة: يا بن عباس، أنشدك الله - فإنك قد أُعطيت لساناً إزعيلاً - أن تخذل عن هذا الرجل، وأن تشكك فيه الناس، فقد بانت لهم بصائرهم وأنهجت، ورفعت لهم المنار، و تحلّبوا من البلدان لأمر قد حم‏.(٢)

البدء والتاريخ: أن الناس نقموا عليه أشياء فمن ذلك كلفه بأقاربه كما قاله عمر، فآوى الحكم بن أبي العاص طريد رسول الله (ص) وكان سيّره إلى بطن وج. ولأنه كان يُفشي سرّ رسول الله ويُطلع الناس عليه. ومنها: أنه أقطع الحارث بن الحكم مهرقته موضع شرقي المدينة، وكان النبي (ص) لما قدم إلى المدينة ووصل إلى ذلك الموضع ضرب برجله وقال: هذا مُصلانا ومُستمطرنا ومخرجنا لأضحانا وفطرنا فلا تنقضوها ولا تأخذوا عليها كِرى، لعن الله من نقض من بعض سوقنا شيئاً. ومنها: أنه أقطع مروان بن الحكم فدك قرية صدقة رسول الله (ص)، وأعطاه خُمس الغنائم من إفريقيّة. ومنها: أنه أعطى عبد الله بن خالد بن أسيد أربعمئة ألف درهم وأعطى الحكم بن أبي العاص مئة ألف درهم. ومنها: أن عبيد الله بن عمر قتل الهرمزان بأبيه عمر وقتل ابنين لأبي لؤلؤة فلم يُقدِه. ومنها: أنه عزل عمال عمر وولى بني أمية وانتزع عمرو بن العاص عن مصر واستعمل عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وانتزع سعد بن أبي وقاص

____________________

١ - تاريخ الطري، ج ٥، ص ٣٣.

٢ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ١٤٠.

٢٧٨

عن الكوفة واستعمل الفاسق الوليد بن العقبة بن أبي معيط، وهو أخوه لأمه، فوقع في الخمر فشربها، ويصلي الصلاة لغير وقتها، فصلى بالناس يوماً الفجر أربعاً، وهو ثَمِل!! فلمَّا انصرف قال: أزيدكم فإني نشيط؟! فشغب الناس وحصبوه، فلما شكاه الناس عزله واستعمل عليهم شراً منه: سعيد بن العاص، فقدم رجل عظيم الكبر شديد العجب، وهو أول من وضع العُشور على الجُسور والقناطر. ومنها: أن ابن أبي سرح قتل سبعمئة رجل بدم رجل واحد فأمر بعزله ولم يُنكر عليه. ومنها: أنه جعل الحروف كلها حرفاً واحداً وأكره الناس على مصحفه. ومنها: أنه سيّر عامر بن عبد قيس من البصرة إلى الشام لتنزهه عن أعماله. وسيّر أبا ذر الغفاري إلى الربذة، وذلك أن معاوية شكاه أنه يطعن عليه، فدعاه واستعتبه ولم يُعتب، فسيره إلى الربذة وبها مات. ومنها: أنه تزوج نائلة بنت الفرافصة الكلبية فأعطاها مئة ألف من بيت المال، وأخذ سفطاً فيه حلي فأعطاه بعض نسائه، واستسلف من بيت المال خمسة آلاف درهم، وكان اشترط عليه عند البيعة أن يعمل بكتاب الله وسنة رسوله وبسيرة الشيخين فسار بها ستّ سنين ثم تغيّر كما ذكر فتكلم الناس في ذلك وأظهروا الطعن، فخطب عثمان وقال: هذا مال الله أعطيه من أشاء وأمنعه من أشاء فأرغم الله أنف من رغم أنفه!! فقام عمار بن ياسر فقال: أنا أول من رغم أنفه من ذلك. فقال له عثمان: لقد اجترأت عليّ يا ابن سمية فوثب بنو أمية على عمار فضربوه حتى غُشي عليه، فقال: ما هذا بأول ما أوذيت في الله. وضرب عبد الله بن مسعود في مخالفته قراءته.(١)

أقول: يكفي واحد من هذه الأحداث في انصراف الناس عنه ومخالفتهم له ونقضهم بيعته، فكيف بهذه الأعمال المختلفة والأحداث الكثيرة، التي يتبرّأ منها كل مسلم حرّ.

فإذا كان أمير المسلمين يعمل بهذه الأعمال الجائرة فإلى أين ينتهي جريان

____________________

١ - البدء والتاريخ، ج٥، ص ١٩٩.

٢٧٩

أمور الملة وكيف تكون عواقب أمورهم؟ ولا يبعد أن يقال: إن الحكومة الأموية والجنايات الواقعة في تلك الدولة، نتيجة هذه الأحداث.

(تجري الناس عليه)

فأول نتيجة أنتجت هذه الأحداث اختلاف الملة الإسلامية ونقضهم بيعة عثمان وقيامهم على خلافه.

العقد الفريد: لما أنكر الناس على عثمان ما أنكروا من تأمير الأحداث من أهل بيته على الجُلة الأكابر من أصحاب محمد (ص) قالوا لعبد الرحمن بن عوف: هذا عملك واختيارك لأمة محمد! قال: لم أظن هذا به. ودخل على عثمان فقال له: إني إنما قدّمتك على أن تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر وقد خالفتها. فقال: عمر كان يقطع قرابته في الله وأنا أصل قرابتي في الله! فقال له: لله عليّ أن لا أكلمك أبداً. فمات عبد الرحمن وهو لا يكلم عثمان.(١)

أقول : هذا أول من وافق خلافة عثمان وحكم بها، وهو يقول: إنما قدمتك لتسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر. وقد سبق في فصل (فتنة أمر الشورى) أن عبد الرحمن قال له: عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده، قال عثمان: نعم. فبايعه. فالتزم عثمان وتعهد في الله أن يعمل بالكتاب والسنة وسيرة الخليفتين، وأنت ترى هذه الأحداث المخالفة التي لا تطابق قرآناً ولا سنة.

والعجب من قوله: (وأنا أصل قرابتي في الله) وهذا الكلام منه في غاية البعد، وإنه نظير من يُنفق من مال مغصوب ويدّعي أنه من المنفقين المحسنين.

العقد الفريد: ثم فك محمد الكتاب بمحضر منهم، فإذا فيه: إذا جاءك محمد وفلان وفلان فاحتل لقتلهم وأبطل كتابهم وقِرّ على عملك حتى يأتيك رأيي،

____________________

١ - العقد الفريد، ج ٤، ص ٣٠٨.

٢٨٠