الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام8%

الحقائق في تاريخ الاسلام مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 495

الحقائق في تاريخ الاسلام
  • البداية
  • السابق
  • 495 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 193466 / تحميل: 7471
الحجم الحجم الحجم
الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

لا تُلازم الإمامة والولاية المطلقة العامة، فاستدلال بعضهم بصلاة أبي بكر على خلافته ضعيف ناقص.

٤ - قول عمر: وأحرى بعليٍّ أن يحملهم على طريق الحقّ. هذه الصفة والخصيصة تدلّ على أنّ الدعابة وعدم كونه ليّنا، واقعتان في طريق الحقّ والصدق، فكيف يجوز الإعراض وصرف النظر عنه مع الاعتراف بهذا الاتصاف.

٥ - قول عمر: ( وأبى واحد فاشدخ رأسه بالسيف )، ( فاضرب رؤسهما )، ( واقتلوا الباقين ). هذا الحكم المنجز المقطوع من جانبه إن كان له حقيقة فكيف لم يُجرّ في زمان أبي بكر وزمان عليّ، بل وكيف يقولون: إنّ خلاف أهل الجمل وصفّين مستند إلى اجتهادهم. وأيضاً إنّ الإباء المطلق إذا كان عن فكرٍ صائب ورأي خالصٍ كيف يوجب ضرب الرأس والقتل ولا سيّما إذا خلا عن التحريك والتّشتيت.

٦ - قوله أيضاً: فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن. حقيقة هذا الحكم وسرّه ما أشار إليه عليّ (ع) في آخر الكلام من الطبري. وكما قال العبّاس: فإنّهم لا يبرحون يدفعوننا عن هذا الأمر.

العقد الفريد وتاريخ الطبري: فتنافس القوم في الأمر وكثر بينهم الكلام فقال عبد الرحمن: أيكم يُخرج منها نفسه ويتقلّدها على أن يُوليَها أفضلكم، فلم يُجبه أحد، فقال: أنا أنخلع منها، فقال عثمان: أنا أوّل من رضي فإنّي سمعت رسول الله (ص) يقول: أمين في الأرض أمين في السماء، قال القوم: قد رضينا، وعليّ ساكت، فقال: ما تقول يا أبا الحسن؟ قال: أعطني موثقا لتُؤثرن الحقّ ولا تتّبع الهوى ولا تخصّ ذا رحم ولا تألو الأمّة! فقال: أعطوني مواثيقكم على أن تكونوا معي على من بدلّ وغيّر وأن ترضوا من اخترت لكم، على ميثاق الله أن لا أخصّ ذا رحم لرحمه ولا آلو المسلمين، فأخذ منهم ميثاقاً وأعطاهم مثله. فقال لعليّ: إنّك تقول: إنّي أحقّ من حضر بالأمر ؛ لقرابتك وسابقتك وحسن أثرك في الدين، ولم تُبعد، ولكن أرأيت لو صُرف هذا الأمر عنك فلم تحضر، من

٢٦١

كنت ترى من هؤلاء الرهط أحقّ بالأمر؟ قال: عثمان. وخلا بعثمان فقال:

تقول: شيخ من بني عبد مناف، وصهر رسول الله (ص) وابن عمّه، لي سابقة وفضل، فلم تُبعد، فلمَ تُصرف هذا الأمر عنّي، ولكن لو لم تحضر فأيّ هؤلاء الرهط تراه أحقّ به؟ قال عليّ. ثمّ خلا بالزبير فكلّمه بمثل ما كلّم به علياً وعثمان فقال: عثمان. ثمّ خلا بسعد فكلّمه، فقال: عثمان. فلقى عليّ سعداً فقال:( اتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) ، أسألك برحم ابني هذا من رسول الله (ص)، وبرحم عمّي حمزة منك، أن لا تكون مع عبد الرحمن لعثمان ظهيراً عليّ، فإنّي أدلي بما لا يُدلي به عثمان.

ودار عبد الرحمن لياليه يلقى أصحاب رسول الله (ص) ومن وافى المدينة من أمراء الأجناد وأشراف الناس يُشاورهم ولا يخلو برجل إلا أمره بعثمان، حتى إذا كانت الليلة التي يستكمل في صبيحتها الأجل أتى منزل المسور بن مخرمة بعد ابهيرار من الليل فأيقظه، فقال: ألا أراك نائماً ولم أذق في هذه الليلة كثير غُمض، انطلق فادع الزبير وسعداً فدعاهما، فبدأ بالزبير في مؤخّر المسجد في الصفة التي تلى دار مروان، فقال له: خلّ ابني عبد مناف وهذا الأمر، قال: نصيبي لعليّ. وقال لسعد: أنا وأنت كلالة ( وفي العقد: كالآلة ) فاجعل نصيبك لي فأختار؟ قال: إن اخترت نفسك، فنعم! وان اخترت عثمان فعليّ أحبّ إليّ، أيّها الرجل بايع لنفسك وأرحنا وارفع رؤوسنا! قال: يا أبا إسحاق: إنّي قد خلعت نفسي منها على أن أختار، ولو لم أفعل وجُعل الخيار إليّ لم أردّها قال، قال سعد: فإنّي أخاف أن يكون الضعف قد أدركك فامض لرأيك فقد عرفت عهد عمر! وانصرف الزبير وسعد، وأرسل المسور بن مخرمة إلى عليّ فناجاه طويلاً وهو لا يشكّ أنّه صاحب الأمر، ثمّ نهض، وأرسل المسور إلى عثمان فكان في نجيّهما حتى فرّق بينهما أذان الصبح فلما صلّوا الصبح جمع الرهط فقال عمّار: إن أردت أن لا يختلف المسلمون فبايع علياً، فقال المقداد بن الأسود: صدق عمّار ؛ إن بايعت علياً قلنا: سمعنا وأطعنا. قال ابن أبي سرح: إن أردت أن لا تختلف قريش فبايع عثمان، فقال عبد الله بن أبي ربيعة: صدق، إن بايعت عثمان قلنا: سمعنا وأطعنا. فشتم

٢٦٢

عمّار ابن أبي سرح وقال: متى كنت تنصح المسلمين؟! فتكلّم بنو هاشم وبنو أميّة، فقال عمّار: أيّها الناس إنّ الله - عزّ وجلّ - أكرمنا بنبيّه وأعزّنا بدينه فأنّى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيّكم! فقال رجل من بني مخزوم: لقد عدوت طورك يا ابن سُمية، وما أنت وتأمير قريش لأنفسها، فقال سعد بن أبي وقاص: يا عبد الرحمن افرغ قبل أن يفتتن الناس!.

فقال عبد الرحمن: إنّي قد نظرت وشاورت، فلا تجعلنّ أيّها الرهط على أنفسكم سبيلاً، ودعا علياً، فقال: عليك عهد الله وميثاقه، لتعملنّ بكتاب الله وسنّة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده! قال: أرجو أن أفعل وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي.

ودعا عثمان، فقال له مثل ما قال لعليّ، قال: نعم. فبايعه.

فقال عليّ: حبوته حبو دهر، ليس هذا أوّل يوم تظاهرتم فيه علينا، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون، والله ما ولّيت عثمان إلاّ ليردّ الأمر إليك، والله كلّ يومٍ هو في شأن. فقال عبد الرحمن: يا عليّ لا تجعل على نفسك سبيلاً، فإنّي قد نظرت وشاورت الناس فإذا هم لا يعدلون بعثمان، فخرج عليّ وهو يقول: سيبلغ الكتاب أجله، فقال المقداد: يا عبد الرحمن، أمَا والله لقد تركته من الذين يقضون بالحقّ وبه يعدلون، فقال: يا مقداد، والله لقد اجتهدتُ للمسلمين! قال: إن كنت أردت بذلك الله، فأثابك الله ثواب المحسنين، فقال المقداد: ما رأيت مثل ما أوتي إلى أهل هذا البيت بعد نبيّهم إنّي لأعجب من قريش أنّهم تركوا رجلاً ما أقول أنّ أحدا أعلم ولا أقضى منه بالعدل، أما والله لو أجد عليه أعواناً.(١)

أقول في هذا الكلام موارد للاعتبار:

١ - فتنافس القوم: هذا كما تنافسوا في السقيفة ثمّ وقعت أخذ الآراء بالتزوير الذي لا يخفى على المحقّق المنصف.

٢ - أيّكم يُخرج نفسه: بعد أن رأى عبد الرحمن أن لا نصيب له في هذا الأمر، استمسك بهذا التزوير الدقيق، لحفظ مقامه ولإعمال غرضه في أمر

____________________

١ - العقد الفريد، ج ٤، ص٢٧٧. وتاريخ الطبري، ج ٥، ص ٣٦.

٢٦٣

الخلافة لعثمان.

٣ - أنا أوّل من رضي: هذا القول يدلّ على أنّ الاختيار التام المفوّض لعبد الرحمن إنّما يتمّ لتأييد عثمان، ويدلّ عليه سكوت عليّ (ع).

٤ - أعطني موثقاً: يكشف عن أنّ علياً (ع) ما صحّ عنده الحديث المرويّ ( أمين في الأرض أمين في السماء )، مضافاً إلى أنّ في متن الحديث ضعفاً، حيث أنّ كونه أمينا في السماء لا معنى له، وإن أريد كونه أميناً عند أهل الأرض وأهل السماء ينقضه أنّ من خير أهل الأرض عليّ (ع) وهو يطلب منه موثقاً.

٥ - ولا تتبع الهوى ولا تخصّ ذا رحم: شرط هذه القيود يثبت إتّباع الهوى والعمل بغرض.

٦ - إنّي أحقّ من حضر بالأمر: هذه الدعوى من عليّ (ع) مستمرة من يوم ارتحل النبيّ (ص) إلى آخر عمره الشريف، وقد ثبت أنّه صادق ومع الحقّ ويحبّه الله ورسوله.

٧ - بمبلغ علمي وطاقتي: هذا هو الحقّ الصريح، فإنّ علياً (ع) لا أقل أنّه مجتهد، ولا يجوز له لمجتهد آخر، مع أنّه أعلم الأمّة وأقضاها وأفضلها وأتقاها، بل نعتقد بأنّه خليفة الله ووليّه والمنصوب منه والمعلَّم من لدنه.

٨ - ليس هذا أوّل يوم تظاهرتم: فليعتبر من هذا الكلام كلّ معتبر.

ويروي الطبري: بعد نقل كلمات الأربعة من أهل الشورى وخطبتهم، ثمّ تكلّم عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: الحمد لله الذي بعث محمّداً منّا نبيّاً، وبعثه إلينا رسولاً، فنحن بيت النبوّة ومعدن الحكمة، وأمان أهل الأرض ونجاة لمن طلب، لنا حقّ إن نُعطه نأخذه، وإن نُمنعه نركب أعجاز الأبل ولو طال السُرى، لو عهد إلينا رسول الله (ص) لأنفذنا عهده، ولو قال لنا قولاً، لجادلنا عليه حتى نموت إلخ.(١)

أقول: في هذه الكلمات العالية من عليّ (ع) إثبات لمقامه وعلوّ منزلته

____________________

١ - الطبري، ج ٥، ص ٣٩.

٢٦٤

وحقيقة ولايته وخلافته من رسول الله (ص)، حيث إنّه أظهر في مجلس الشورى بكونه من بيت النبوّة وأنّه معدن الحكمة، وأمان أهل الأرض، ونجاة لمن طلب، ولم ينكر هذه المقامات له أحدٌ من الحاضرين، مع أنّه لا يمكن دعوى هذه المراتب من أحد من سائر الناس.

يروي في العقد الفريد: في كلام لعمر: أمَا والله لولا دُعابة فيه ما شككتُ في ولايته، وإن نزلت على رغم أنف قريش.(١)

الفائق: عليّ رضي الله عنه قال يوم الشورى: لنا حقّ إن نُعطه نأخذه، وإن نُمنَعه نركب أعجاز الإبل وإن طال السُرى.(٢)

قال الزمخشري: هذا مَثَل لركوبه الذلّ والمَشقّة وصبره عليه وان تطاول ذلك، وأراد بركوب أعجاز الإبل كونه ردفاً وتابعاً.

أقول: يقول أنّ الولاية الظاهرية من آثار الولاية الحقيقية، ولمّا كانت حقيقة الولاية لأهل البيت ولأمير المؤمنين عليّ (ع): فتكون الخلافة الظاهرية والولاية والحكومة العرفية أيضاً من حقوقهم وشئونهم.

أمّا الولاية الحقيقية: فهي ثابتة لهم، ومن آثارها النورانية والمعرفة والعلم والإحاطة الملكوتية والارتباط الغيبي، ويشير إليها بقوله: فنحن بيت النبوّة، ومعدن الحكمة، وأمان أهل الأرض، ونجاة لمن طلب.

وأمّا الولاية الظاهرية: فهي متوقّفة على إقبال الرعية وخضوعها وانقيادها، فإن أطاعوا وسلّموا وخضعوا لهم، يَقبلون طاعتهم ويهدونهم إلى مصالحهم ويُرشدونهم إلى سعادتهم ويُجرون قوانين العدل فيما بينهم. ويشير إليها بقوله: إن نعطه نأخذه.

وإذا امتنعوا من الطاعة ولم يخضعوا ولم يستقرّوا تحت لواء ولايتهم فلا يُظهرون من أنفسهم الحرص والميل الشديد إلى حيازتها وتحصيلها وأخذها، بل يجعلون أنفسهم في إثر الحكومة ويعيشون مع الناس ويُفيضون ويُرشدون على

____________________

١ - العقد الفريد، ج٤، ص ٢٨٢

٢ - الفائق، ج ٢، ص ١١٩.

٢٦٥

حسب طلب الناس وإقبالهم واقتضاء أحوالهم.

(من الوقائع في زمانه)

تبعيد أبي ذرّ:

الطبقات: عن زيد بن وهب، قال مررت بالربذة فإذا أنا بأبي ذرّ، فقلت: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية:( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ ) ، وقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب. فقلت: نزلت فينا وفيهم، فكان بيني وبينه في ذلك كلام، فكتب يشكوني إلى عثمان، فكتب إليّ عثمان أن أقدِم المدينة، فقدمت المدينة وكثر الناس عليّ كأنّهم لم يروني قبل ذلك، فذكر ذلك لعثمان، فقال لي: إن شئت تنحّيت فكنت قريباً، فذاك أنزلني هذا المنزل.(١)

البدء والتاريخ: ومنها قوله (ص) لأبي ذر الغفاري وقد تخلّف في بعض مراحل تبوك: تعيش وحدك وتموت وحدك، فكيف بك إذا أخرجت من المدينة لقولك الحقّ. فنُفي في أيام عثمان إلى الربذة ومات بها وحده.(٢)

أقول: نفى أبي ذر من الشام لقوله الحقّ، وعملاً بشكاية معاوية عنه، ونُفي ثانياً من المدينة لصدق لهجته وصراحة بيانه، وقد قال رسول الله (ص) في حقّه:(*)

الاستيعاب: سئل عليّ (رض) عن أبي ذر، فقال: ذلك رجل وعى علماً عجز عنه الناس.

وقال رسول الله (ص): أبو ذرّ في أمّتي شبيه عيسى بن مريم في زهده. وبعضهم يرويه: من سرّه أن ينظر إلى تواضع عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذرّ.(٣)

ابن ماجة: عن عبد الله بن عمر، قال رسول الله (ص): ما أقلّت الغبراء

____________________

١ - الطبقات، ج ٤، ص ٢٢٦.

٢ - البدء والتاريخ، ج ٥، ص ٤٠.

* هكذا في النسخة المطبوعة.

٣ - الاستيعاب، ج ١، ص ٢٥٥.

٢٦٦

ولا أظلت الخَضراء من رجل أصدق لهجة من أبي ذر.(١)

الكنى للبخاري: يروي بعدة إسناد، نظيرها.(٢)

سنن الترمذي: مثلها.(٣)

ويروي أيضاً: قال رسول الله (ص): ما أظلت الخضراءُ ولا أقلّت الغبراء من ذي لهجة أصدق ولا أوفى من أبي ذرّ شبه عيسى بن مريم، فقال عمر بن الخطّاب - كالحاسد - يا رسول الله أفتُعرِّف ذلك له؟ قال: نعم، فاعرفوه. وقد روى بعضهم هذا الحديث فقال:أبو ذر يمشي في الأرض بزهد عيسى بن مريم.

الطبقات: سئل عليّ رضي الله عنه عن أبي ذرّ، فقال: وعى علما عجز فيه وكان شحيحا حريصاً، شحيحاً على دينه، حريصاً على العلم.(٤)

ويروي أيضاً روايات: كما في ابن ماجة والترمذي.(٥)

الكنى للدولابي: كما في ابن ماجة.(٦)

أقول: انظر إلى ما ورد في حقّ هذا الرجل وهو من خواصّ أصحاب رسول الله (ص)، وهو يُنفى من المدينة إلى وادي الرّبذة، ويموت فيها وحده.

(ومن الوقائع في زمانه)

تبرئة عُبيد الله بن عمر بعد ثبوت أنّه قتل نفساً محرمة.

الطبقات: رأيت عبيد الله يومئذٍ وإنّه ليناصي عثمان، وأنّ عثمان ليقول: قاتلك الله! قتلت رجلاً يصلّي وصبية صغيرة وآخر من ذمّة رسول الله (ص)، ما في الحقّ تركُك. قال: فعجبت لعثمان حين وُلّي، كيف تركه؟!(٧)

____________________

١ - ابن ماجة، ج ١، ص ٦٨.

٢ - الكنى للبخاري، ص ٢٣.

٣ - سنن الترمذي، ص ٥٤٣.

٤ - الطبقات، ج ٢، ص ٣٥٤.

٥ - نفس المصدر، ج ٤، ص ٢٢٨.

٦ - الكنى للدولابي، ج ١، ص ١٤٦.

٧ - الطبقات، ج ٥، ص ١٦.

٢٦٧

ويروي أيضاً: قال عليّ لعبيد الله بن عمر: ما ذنبُ بنت أبي لؤلؤة حين قتلتها فكان رأي عليّ حين استشاره عثمان ورأيُ الأكابر من أصحاب رسول الله على قتله، لكن عمرو بن العاص كلّم عثمان حتى تركه.

ويروي عن ابن جريح: أنّ عثمان استشار المسلمين فأجمعوا على ديتهما ولا يُقتل بهما عبيد الله بن عمر، وكانا قد أسلما وفرض لهما عمر، وكان عليّ بن أبي طالب لما بويع له أراد قتل عبيد الله بن عمر، فهرب منه إلى معاوية، فلم يزل معه فقتل بصفين.(١)

الاستيعاب: إنّ عبيد الله قتل الهُرمزان بعد أن أسلم، وعفا عنه عثمان، فلمّا وليّ عليّ خشي على نفسه فهرب إلى معاوية فقتل بصفين.(٢)

أقول: قال الله تعالى:( أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) ، ولا يجوز لحاكم أن يعفو عن قصاص وأن يترك قاتلاً، مع أنّ علياً (ع) حكم بقتله وهو مع الحقّ أين ما دار، وهو أقضى الأمّة.

(ومن الوقائع في زمانه)

صلته لأقربائه وتوانيه في أمورهم وبذل الأموال لهم:

الطبقات: عن الزهري: فلما وليهم عثمان لان لهم ووصلهم، ثمّ توانى في أمرهم واستعمل أقرباءه وأهل بيته في السّت الأواخر، وكتب لمروان بخُمس مصر، وأعطى أقرباءه المال، وتأوّل في ذلك الصلة التي أمر بها، واتّخذ الأموال واستسلف من بيت المال، وقال: إنّ أبا بكر وعمر تركا من ذلك ما هو لهما، وإنّي أخذته فقسّمته في أقربائي، فأنكر الناس عليه ذلك.(٣)

ويروي أيضاً عن المسور: سمعت عثمان يقول: أيّها الناس إنّ أبا بكر وعمر كانا يتأوّلان في هذا المال ظلف أنفسهما وذوي أرحامهما، وإنّي تأولّت فيه صلة رحمي.

____________________

١ - الطبقات، ج ٥، ص ١٧.

٢ - الاستيعاب، ج ٣، ص ١٠١٢.

٣ - الطبقات ج ٣، ص ٦٤.

٢٦٨

أقول: الأموال التي تدّخر في بيت المال يجب أن تصرف في الله وفي فقراء المسلمين وفي حفظ نظامهم، وليس للحاكم أن يصرفها كيف يشاء وفيما يشاء!

مسند أحمد: عن سالم قال: دعا عثمان ناسا من أصحاب رسول الله (ص) فيهم عمّار بن ياسر، فقال: إنّي سائلكم وإنّي أحبّ أن تصدقوني، نشدتكم الله أتعلمون أنّ رسول الله (ص) كان يُؤثر قريشاً على سائر الناس، ويُؤثر بني هاشم على سائر قريش؟ فسكت القوم. فقال عثمان: لو أن بيدي مفاتيح الجنّة لأعطيتها بني أميّة حتى يدخلوا من عند آخرهم.(١)

أقول: إنّ لأقرباء الرسول وذريته أحكام وحقوق خاصة في القرآن ليست لغيرهم، ولا يقاس بهم أحد.

(ومن الوقائع في زمانه)

انصراف المهاجرين والأنصار عنه وطعنهم فيه:

الاستيعاب: كان اجتماع بني مخزوم إلى عثمان حين نال من عمّار غلمان عثمان ما نالوا من الضرب، حتى انفتق له فتق في بطنه، ورغموا وكسروا ضلعاً من أضلاعه، فاجتمعت بنو مخزوم وقالوا: والله لئن مات، لا قتلنا به أحداً غير عثمان.(٢)

البدء والتاريخ: فحنق بنو مخزوم لضربه عمّار، وحنق بنو زهرة لحال عبد الله بن مسعود، وحنق بنو غفّار لمكان أبي ذر الغفاري، وكان أشدّ الناس طلحة والزبير ومحمّد بن أبي بكر وعائشة، وخذلته المهاجرون والأنصار، وتكلّمت عائشة في أمره وأطلعت شعرة من شعر رسول الله (ص) ونعله وثيابه وقالت: ما أسرع ما تركتم سنّة نبيّكم؟ فقال عثمان في آل أبي قحافة ما قال، وغضب حتى ما كاد يدري ما يقول، فقال عمرو بن العاص: سبحان الله! وهو يريد أن يحقّق طعن الناس على عثمان، فقال الناس: سبحان الله!(٣)

____________________

١ - مسند أحمد، ج ١، ص ٦٢.

٢ - الاستيعاب، ج ٣ ص١١٣٦.

٣ - البدء والتاريخ، ج ٥، ص ٢٠٥.

٢٦٩

أقول: ومن العجب قيام طرحة والزبير وعائشة في البصرة، قيام عمرو بن العاص في الشام، يريدون ثار لعثمان من أمير المؤمنين علي (ع). انظر عدّة روايات في قول عمرو بن العاص فيه:

الاستيعاب: فلما ولّى عثمان عبد الله بن سعد مصر وعزل عنها عمرو بن العاص، جعل عمرو يطعن على عثمان أيضاً ويُؤلّب عليه ويسعى في إفساد أمره، فلمّا بلغه قتل عثمان وكان معتزلاً بفلسطين قال: إنّي إذا نكأتُ قرحة أدميتُها.(١)

الطبقات: عن علقمة قال عمرو بن العاص لعثمان وهو على المنبر: يا عثمان! إنّك قد ركبت بهذه الأمّة نهابير من الأمر فتُب وليتوبوا معك، قال فحوّل وجهه إلى القبلة، فرفع يديه فقال: اللّهمّ إنّي أستغفرك وأتوب إليك، ورفع الناس أيديهم.(٢)

ويروي أيضاً عن سعد قريباً منها.

تاريخ الطبري: فخرج عمرو من عند عثمان وهو محتقد عليه يأتي علياً مرّة فيُؤلبه على عثمان، ويأتي الزبير مرّة فيُؤلبه على عثمان، ويأتي طلحة مرة فيُؤلّبه على عثمان، ويعترض الحاجّ فيُخبرهم بما أحدث عثمان، فلمّا كان حُضر عثمان ؛ الأوّل خرج من المدينة حتى انتهى إلى أرض له بفلسطين حتى مرّ به راكب آخر فناداه عمرو: ما فُعل بالرجل؟ يعني عثمان. قال: قُتل. قال: أنا أبو عبد الله، إذا حككتُ قرحة نكأتها إن كنت لأحرض عليه حتى أنّي لأحرّض الراعي في غنمه في رأس الجبل، فقال له سلامة بن روح: يا معشر قريش: إنّه كان بينكم وبين العرب باب وثيق فكسرتموه، فما حَمَلكم على ذلك؟ فقال: أردنا أن نُخرج الحقّ من حافرة الباطل، وأن يكون الناس في الحقّ شُرعاً سواء.(٣)

____________________

١ - الاستيعاب، ج ٣، ص ٩١٩.

٢ - الطبقات، ج ٣، ص ٦٩.

٣ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ١٠٨.

٢٧٠

البدء والتاريخ: وانتقضت الإسكندرية في أيام عثمان فافتتحها عمرو بن العاص وبعث بسبيها إلى المدينة، فردّهم عثمان إلى ذمتهم لأنّهم كانوا صلحاً، ولأنّ الذريّة لم تنقض العهد، فهذا بدو الشر بين عثمان وعمرو، فانتزعه من مصر، وأمّر عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح أخاه لأمّة.(١)

احتقد عليه: أمسك عداوته، يتربّص الفرصة. والتأليب: التجمع والفساد.

( وأما معونة علي (ع) في قتله )

الاستيعاب: عن أبي جعفر الأنصاري قال: دخلت المسجد فإذا رجل جالس في نحو عشرة عليه عمامة سوداء، فقال: ويحك ما وراءك؟ قلت قد والله فُرغ من الرجل ( يريد عثمان )! فقال: تبّاً لكم آخر الدهر! فنظرت فإذا هو عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.(٢)

العقد الفريد: وقال عليّ لابنيه: كيف قُتل أمير المؤمنين وأنتما على الباب؟ ورفع يده فلطم الحسين وضرب صدر الحسن وشتم محمّد بن طلحة، ولعن عبد الله بن الزبير، ثمّ خرج عليّ وهو غضبان يرى أنّ طلحة أعان عليه، فلقيه طلحة فقال: مالك يا أبا الحسن ضربت الحسن والحسين؟ فقال:عليك وعليهما لعنة الله، يُقتل أمير المؤمنين ورجل من أصحاب النبيّ (ص) بدريّ، ولم تُقم بيّنة ولا حجّة؟! فقال طلحة: لو دفع مروان لم يُقتل.(٣)

ويروي: قال عليّ بن أبي طالب على المنبر: واللهّ لئن لم يَدْخل الجنة إلاّ مَن قتل عثمان لا دخلتُها أبدَاً، ولئن لم يَدخل النارَ إلاّ مَن قتل عثمان لا دخلتُها أبداً.(٤)

أقول: راجع في تأييد هذا الفصل الفصول الآتية.

الطبقات: عن عمرو بن الأصم قال: كنت فيمن أرسلوا من جيش ذي

____________________

١ - البدء والتاريخ، ج ٥، ص ١٩٨.

٢ - الاستيعاب، ج ٣، ص ١٠٤٧.

٣ - العقد الفريد، ج ٤، ص ٢٩١.

٤ - العقد الفريد، ج ٤، ص ٣٠٢.

٢٧١

خُشب، قال: فقالوا لنا سلوا أصحاب رسول الله (ص) واجعلوا آخر من تسألون علياً، أنُقدم؟ قال فسألناهم فقالوا: أقدِموا، إلاّ علياً قال: لا آمركم، فإن أبيتم، فبيض فليُفرخ.(١)

ويروي أيضاً: بعث عثمان إلى عليّ يدعوه وهو محصور في الدار، فأراد أن يأتيه فتعلّقوا به ومنعوه، قال: فحلّ عمامة سوداء على رأسه وقال: هذا، أو قال: اللّهم لا أرضى قتله ولا آمر به، والله لا أرضى قتله ولا آمر به.(٢)

مستدرك الحاكم: عن قيس بن عباد قال: شهدت علياً (رض) يوم الجمل وأنكرت نفسي، وأرادوني على البيعة فقلت: والله إنّي لأستحيي من الله أن أبايع قوما قتلوا رجلاً الحديث.(٣)

قال الحاكم: قد ذكرت الأخبار المسانيد في هذا الباب في كتاب مقتل عثمان، فلم أستحسن ذكرها عن آخرها في هذا الموضع ؛ فإنّ في هذا القدر كفاية، فأمّا الذي ادعته المبتدعة من معونة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب على قتله فإنّه كذب وزور، فقد تواترت الأخبار بخلافه.

ويروي: عن ميمون بن مهران: أنّ عليّ بن أبي طالب (رض) قال: ما يسرّني أن أخذت سيفي في قتل عثمان وأنّ لي الدنيا ما فيها.(٤)

أقول: ما يستفاد من هذه الروايات ونظائرها - وهو أنّ علياً لم يكن يرضى بقتل عثمان، بل كان مخالفاً ومانعاً ومنكراً.

( مشاورة عثمان مع عماله )

تاريخ الطبري: فأرسل عثمان إلى معاوية بن أبي سفيان والى عبد الله بن

____________________

١ - الطبقات، ج ٣، ص ٦٥.

٢ - الطبقات، ص ٦٨.

٣ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٠٣.

٤ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٠٥.

٢٧٢

سعد بن أبي سرح وإلى سعيد بن العاص بن وائل السهمي والى عبد الله بن عامر ( ولم يزل والياً لعثمان على البصرة وكان ابن عّمته - الاستيعاب )، فجمعهم ليشاورهم في أمره وما طُلب إليه وما بلغه عنهم، فلمّا اجتمعوا عنده قال لهم: إنّ لكلّ امريء وزراء ونصحاء، وإنّكم وزرائي ونصحائي وأهل ثقتي، وقد صنع الناس ما قد رأيتم، وطلبوا إليّ أن أعزل عمّا لي، وأن أرجع عن جميع ما يكرهون إلى ما يحبّون، فاجتهدوا رأيكم وأشيروا عليّ! فقال له عبد الله بن عامر: رأيي لك يا أمير المؤمنين أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك، وأن تجمرهم في المغازي حتى يذلّوا لك، فلا تكون همّة أحدهم إلاّ نفسه وما هو في من دبرة دابته وقمل فروه.

ثمّ أقبل عثمان على سعيد بن العاص فقال: ما رأيك؟ قال يا أمير المؤمنين إن كنت تريد رأينا فاحسم عنك الداء وأقطع عنك الذي تخاف واعمل برأيي تُصيب، قال: وما هو؟ قال: إنّ لكلّ قوم قادة متى يهلك يتفرّقوا ولا يجتمع لهم أمر، فقال عثمان: إنّ هذا الرأي لولا ما فيه.

ثمّ أقبل على معاوية فقال: ما رأيك؟ قال: أرى لك يا أمير المؤمنين أن تردّ عمّالك على الكفاية لما قِبلهم، وأنا ضامن لك قِبلي. ثمّ أقبل على عبد الله بن سعد فقال: ما رأيك؟ قال: أرى يا أمير المؤمنين أنّ الناس أهل طمع فأعطهم من هذا المال تعطف عليك قلوبهم.

ثمّ أقبل على عمرو بن العاص فقال له: ما رأيك؟ قال: أرى أنّك قد ركبت الناس بما يكرهون فاعتزم أن تعتدل، فإن أبيت فاعتزم أن تعتزل، فأن أبيت فاعتزم عزماً وامض قُدما. فقال عثمان: ما لك قَمُل فروك، أهذا الجد منك؟! فأسكت عنه دهراً حتى إذا تفرّق القوم، قال عمرو: لا والله يا أمير المؤمنين، لأنت أعز عليّ من ذلك، ولكن قد علمت أن سيبلغ الناس قول كلّ رجل منّا، فأردت أن يبلغهم قولي فيثقوا بي فأقود إليك خيراً أو أدفع عنك شراً.(١)

ويروي: قريباً من هذه الأقوال، وفيه فردّ عثمان عمّاله على أعمالهم وأمرهم

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ٩٤.

٢٧٣

بالتضييق على من قِبلهم وأمرهم بتجمير الناس في البعوث وعزم على تحريم أعطياتهم ليطيعوه ويحتاجوا إليه، ورد سعيد بن العاص أميراً على الكوفة، فخرج أهل الكوفة عليه بالسلاح فتلقّوه فردّوه، وقالوا: لا والله لا يلي علينا حكماً ما حملنا سيوفنا.(١) (التجمير = الجمع)

أقول: وفي هذه الكلمات اعتبارات لمن اعتبر.

١ - ينبغي أن يُلفت النظر إلى ولاته وعماله، بل ووزرائه ونصحائه، وأن يُحقّق في سوابقهم ولواحق حالاتهم وأعمالهم.

٢ - إرجاع البصر والنظر إلى هذه الكلمات المتخالفة والأقوال السخيفة والآراء الباطلة المخالفة للحق والبعيدة عن الحقيقة في حق الرعية المسلمين من الصحابة والتابعين.

٣ - اتباع الخليفة من آرائهم الباطلة وأمرهم بالتضييق والتجمير في البعوث وتحريم أعطياتهم حتى يطيعوه ويحتاجوا إليه، فهل ينبغي ممن يدّعي خلافة الرسول (ص) أن يعمل هكذا.

٤ - العجب من هؤلاء النصحاء ووزرائه المسلمين، حيث لم يتكلموا بكلمة تُرضي الله ورسوله، ولم ينصحوا بما هو خير وصلاح له وللمسلمين، ولم يتوجهوا إلى واجب وظيفتهم في مقام النصيحة! ونتعجّب كثيراً من عثمان حيث شاور هؤلاء الخائنين الفسّاق، وترك مشاورة أفاضل الصحابة وأتقيائهم الصالحين المؤتمنين.

الاستصحاب: عبد الله بن سعد بن أبي السرح أسلم قبل الفتح ثم ارتد مشركاً وصار إلى قريش بمكة، فقال لهم: إني كنت أصرف محمداً حيث أريد، فلما كان يوم الفتح أمر رسول الله (ص) بقتله ولو وُجد تحت أستار الكعبة، ففرّ عبد الله إلى عثمان وكان أخاه من الرضاعة، فغيّبه عثمان حتى أتى به رسول الله (ص) بعد ما اطمأنّ أهل مكة فاستأمنه له فصمت رسول الله (ص) طويلاً

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ٩٥.

٢٧٤

ثم قال: نعم. فلما انصرف عثمان قال رسول الله (ص) لمن حوله: ما صمتُّ إلاّ ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه. ثم ولاه عثمان بعد ذلك مصر وعزل عنها عمرو بن العاص. وكان ذلك بدء الشر بين عثمان وعمرو بن العاص انتهى ملخصاً.(١)

____________________

١ - الاستيعاب، ج ٣، ص ٩١٨.

٢٧٥

فتنة:

الأحداث في عهد عثمان

الملل والنحل: أن أقاربه قد ركبوا نهابرَ فركَبَتْه وجاروا فجير عليه. ووقعت اختلافات كثيرة وأخذوا عليه أحداثاً كلها محالة على بني أمية: منها: ردة الحكم بن أمية إلى المدينة بعد أن طرده النبي (عليه السلام) وكان يسمَّى طريد رسول الله وبعد أن تشفّع إلى أبي بكر وعمر أيام خلافتهما فما أجابا إلى ذلك، ونفاه عمر من مقامه باليمن أربعين فرسخاً. ومنها: نفيه أبا ذرّ إلى الربذة. وتزويجه مروان بن الحكم بنته وتسليمه خُمس غنائم إفريقيَّة له وقد بلغت مئتي ألف دينار. ومنها: إيواؤه عبد الله بن سعد بن أبي سرح بعد أن أهدر النبي (عليه السلام) دمه. وتوليته عبد الله بن عامر البصرة حتى أحدث فيها ما أحدث. إلى غير ذلك مما نقموا عليه. وكان أمراء جنوده معاوية بن أبي سفيان عامل الشام، وسعد بن أبي وقاص عامل الكوفة، وبعده الوليد بن عقبة، وعبد الله بن عامر عامل البصرة، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح عامل مصر، وكلهم خذلوه ورفضوه حتى أتى قدره عليه.(١)

الفائق: عثمان أرسلت إليه أم سلمة: يا بُني ما لي أرى رعيتك عنك مزوّرين وعن جنابك نافرين، لا تُعفِّ سبيلاً كان رسول الله (ص) لحَبها، ولا تقدح بزند كان أكباها. توخّ حيث توخّى صاحباك، فإنهما ثكما الأمر ثكماً ولم يظلماه.(٢)

قالالزمخشري : ازورّ عنه: إذا عدل وأعرض. والتعفية: الطمس. ولحَبها: نفى

____________________

١ - الملل والنحل، ج ١، ص ١٨.

٢ - الفائق ج ١، ص ٥٤٩.

٢٧٦

عنها كل لبس وكشف كل عماية. وأكباها: عطلها من القدح بها. ثكمتُ الطريق: لزمته. ولم يظلماه: لم ينقصاه ولا زادا عليه.

ويروي أيضاً: أن سعداً وعماراً أرسلا إلى عثمان أن ائتنا فإنا نريد أن نذاكرك أشياء أحدثتها، فأرسل إليهما: ميعادكم يوم كذا حتى أتشزّن ثم اجتمعوا للميعاد، فقالوا: ننقم عليك ضربك عماراً، فقال: تناوله رسولي من غير أمري، فهذه يدي لعمار فليصطبر، وذكروا بعد ذلك أشياء نقموها، فأجابهم وانصرفوا راضين، فأصابوا كتاباً منه إلى عامله أن خذ فلاناً وفلاناً وفلاناً فضرب أعناقهم، فرجعوا فبدءوا بعلي (عليه السلام) فجاءوا به معهم فقالوا: هذا كتابك؟ فقال عثمان: والله ما كتبت ولا أمرت، قالوا: فمن تضنّ؟ قال أظن كاتبي، وأظن به يا فلان.(١)

قالالزمخشري : التشزن هو الاستعداد. فهذه يدي لعمار: يريد الانقياد. والصبر: القصاص.

تاريخ الطبري: فدخل عليّ بن أبي طالب على عثمان، فقال: الناس ورائي وقد كلموني فيك. والله، ما أدري ما أقول لك وما أعرف شيئاً تجهله ولا أدلك على أمر لا تعرفه. إنك لتعلم ما نعلم، ما سبقناك إلى شيء فنُخبرك عنه وإن شر الناس عند الله إمام جائر ضل وضُل به فأمات سنة معلومة وأحيا بدعة متروكة. وإني سمعت رسول الله (ص) يقول: يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر فيلقى في جهنم فيدور في جهنم كما تدور الرحى ثم يرتطم في غمرة جهنم، وإني أحذّرك الله وأحذّرك سطوته ونقماته فإن عذابه شديد أليم قال علي (ع): سأخبرك أن عمر بن الخطاب كان كل من ولّى فإنما يَطأ على صماخه إن بلغه عنه حرف جلبه ثم بلغ به أقصى الغاية، وأنت لا تفعل ضعفت ورفقت على أقربائك، قال عثمان: هم أقرباؤك أيضاً! فقال عليّ: لعمري أن رحمهم مني لقريبة ولكنّ الفضل في غيرهم. قال عثمان: هل تعلم أن عمر ولى معاوية خلافته كلها فقد وليته! فقال علي: أنشدك الله هل تعلم أنّ

____________________

١ - الفائق، ج ١، ص ٦٥٦.

٢٧٧

معاوية كان أخوف من عمر من يرفا غلام عمر منه؟ قال: نعم. قال عليّ: فإن معاوية يقتطع الأمور دونك وأنت تعلمها فيقول للناس: هذا أمر عثمان! فيبلغك ولا تُغير على معاوية!(١)

أقول: يظهر من هذه الكلمات أن أمر عثمان قد شاع بين الناس، وهم بين ناصح وشاتم ومبارز، ولا يُرى من علي (ع) إلا أنه كان من الناصحين له والمدافعين عنه والناهين عن قتاله، ومع هذا ترى جماعة من الشاتمين والمبارزين والمحركين ينسبون إليه القتل ويتّهمونه به، وأكثر المخالفين في الجمل وصفين من هؤلاء الأفراد.

ويروي الطبري: فقالت عائشة: يا بن عباس، أنشدك الله - فإنك قد أُعطيت لساناً إزعيلاً - أن تخذل عن هذا الرجل، وأن تشكك فيه الناس، فقد بانت لهم بصائرهم وأنهجت، ورفعت لهم المنار، و تحلّبوا من البلدان لأمر قد حم‏.(٢)

البدء والتاريخ: أن الناس نقموا عليه أشياء فمن ذلك كلفه بأقاربه كما قاله عمر، فآوى الحكم بن أبي العاص طريد رسول الله (ص) وكان سيّره إلى بطن وج. ولأنه كان يُفشي سرّ رسول الله ويُطلع الناس عليه. ومنها: أنه أقطع الحارث بن الحكم مهرقته موضع شرقي المدينة، وكان النبي (ص) لما قدم إلى المدينة ووصل إلى ذلك الموضع ضرب برجله وقال: هذا مُصلانا ومُستمطرنا ومخرجنا لأضحانا وفطرنا فلا تنقضوها ولا تأخذوا عليها كِرى، لعن الله من نقض من بعض سوقنا شيئاً. ومنها: أنه أقطع مروان بن الحكم فدك قرية صدقة رسول الله (ص)، وأعطاه خُمس الغنائم من إفريقيّة. ومنها: أنه أعطى عبد الله بن خالد بن أسيد أربعمئة ألف درهم وأعطى الحكم بن أبي العاص مئة ألف درهم. ومنها: أن عبيد الله بن عمر قتل الهرمزان بأبيه عمر وقتل ابنين لأبي لؤلؤة فلم يُقدِه. ومنها: أنه عزل عمال عمر وولى بني أمية وانتزع عمرو بن العاص عن مصر واستعمل عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وانتزع سعد بن أبي وقاص

____________________

١ - تاريخ الطري، ج ٥، ص ٣٣.

٢ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ١٤٠.

٢٧٨

عن الكوفة واستعمل الفاسق الوليد بن العقبة بن أبي معيط، وهو أخوه لأمه، فوقع في الخمر فشربها، ويصلي الصلاة لغير وقتها، فصلى بالناس يوماً الفجر أربعاً، وهو ثَمِل!! فلمَّا انصرف قال: أزيدكم فإني نشيط؟! فشغب الناس وحصبوه، فلما شكاه الناس عزله واستعمل عليهم شراً منه: سعيد بن العاص، فقدم رجل عظيم الكبر شديد العجب، وهو أول من وضع العُشور على الجُسور والقناطر. ومنها: أن ابن أبي سرح قتل سبعمئة رجل بدم رجل واحد فأمر بعزله ولم يُنكر عليه. ومنها: أنه جعل الحروف كلها حرفاً واحداً وأكره الناس على مصحفه. ومنها: أنه سيّر عامر بن عبد قيس من البصرة إلى الشام لتنزهه عن أعماله. وسيّر أبا ذر الغفاري إلى الربذة، وذلك أن معاوية شكاه أنه يطعن عليه، فدعاه واستعتبه ولم يُعتب، فسيره إلى الربذة وبها مات. ومنها: أنه تزوج نائلة بنت الفرافصة الكلبية فأعطاها مئة ألف من بيت المال، وأخذ سفطاً فيه حلي فأعطاه بعض نسائه، واستسلف من بيت المال خمسة آلاف درهم، وكان اشترط عليه عند البيعة أن يعمل بكتاب الله وسنة رسوله وبسيرة الشيخين فسار بها ستّ سنين ثم تغيّر كما ذكر فتكلم الناس في ذلك وأظهروا الطعن، فخطب عثمان وقال: هذا مال الله أعطيه من أشاء وأمنعه من أشاء فأرغم الله أنف من رغم أنفه!! فقام عمار بن ياسر فقال: أنا أول من رغم أنفه من ذلك. فقال له عثمان: لقد اجترأت عليّ يا ابن سمية فوثب بنو أمية على عمار فضربوه حتى غُشي عليه، فقال: ما هذا بأول ما أوذيت في الله. وضرب عبد الله بن مسعود في مخالفته قراءته.(١)

أقول: يكفي واحد من هذه الأحداث في انصراف الناس عنه ومخالفتهم له ونقضهم بيعته، فكيف بهذه الأعمال المختلفة والأحداث الكثيرة، التي يتبرّأ منها كل مسلم حرّ.

فإذا كان أمير المسلمين يعمل بهذه الأعمال الجائرة فإلى أين ينتهي جريان

____________________

١ - البدء والتاريخ، ج٥، ص ١٩٩.

٢٧٩

أمور الملة وكيف تكون عواقب أمورهم؟ ولا يبعد أن يقال: إن الحكومة الأموية والجنايات الواقعة في تلك الدولة، نتيجة هذه الأحداث.

(تجري الناس عليه)

فأول نتيجة أنتجت هذه الأحداث اختلاف الملة الإسلامية ونقضهم بيعة عثمان وقيامهم على خلافه.

العقد الفريد: لما أنكر الناس على عثمان ما أنكروا من تأمير الأحداث من أهل بيته على الجُلة الأكابر من أصحاب محمد (ص) قالوا لعبد الرحمن بن عوف: هذا عملك واختيارك لأمة محمد! قال: لم أظن هذا به. ودخل على عثمان فقال له: إني إنما قدّمتك على أن تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر وقد خالفتها. فقال: عمر كان يقطع قرابته في الله وأنا أصل قرابتي في الله! فقال له: لله عليّ أن لا أكلمك أبداً. فمات عبد الرحمن وهو لا يكلم عثمان.(١)

أقول : هذا أول من وافق خلافة عثمان وحكم بها، وهو يقول: إنما قدمتك لتسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر. وقد سبق في فصل (فتنة أمر الشورى) أن عبد الرحمن قال له: عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده، قال عثمان: نعم. فبايعه. فالتزم عثمان وتعهد في الله أن يعمل بالكتاب والسنة وسيرة الخليفتين، وأنت ترى هذه الأحداث المخالفة التي لا تطابق قرآناً ولا سنة.

والعجب من قوله: (وأنا أصل قرابتي في الله) وهذا الكلام منه في غاية البعد، وإنه نظير من يُنفق من مال مغصوب ويدّعي أنه من المنفقين المحسنين.

العقد الفريد: ثم فك محمد الكتاب بمحضر منهم، فإذا فيه: إذا جاءك محمد وفلان وفلان فاحتل لقتلهم وأبطل كتابهم وقِرّ على عملك حتى يأتيك رأيي،

____________________

١ - العقد الفريد، ج ٤، ص ٣٠٨.

٢٨٠

واحتبس من جاء يتظلم منك ليأتيك في ذلك رأيي إن شاء الله. فلما قرءوا الكتاب بخواتيم القوم الذين أرسلوا معه ودفعوا الكتاب إلى رجل منهم، وقدموا المدينة فجمعوا علياً وطلحة والزبير وسعداً ومن كان من أصحاب رسول الله (ص)، ثم فكّوا الكتاب بمحضر منهم وأخبروهم بقصة الغلام، وأقرءوهم الكتاب، فلم يبق أحد في المدينة إلا حنق على عثمان، وازداد من كان منهم غاضباً لابن مسعود وأبي ذر وعمار بن ياسر غضباً وحنقاً، وقام أصحاب النبي (ص) فلحقوا منازلهم، ما منهم أحد إلا وهو مغتم بما قرءوا في الكتاب. وحاصر الناس عثمان، وأجلب عليه محمد بن أبي بكر بني تيم وغيرهم، وأعانه طلحة بن عبيد الله على ذلك وكانت عائشة تُقرّضه كثيراً، فلما رأى ذلك عليّ بعث إلى طلحة والزبير وسعد وعمار ونفر من أصحاب رسول الله (ص) كلهم بدريّ، ثم دخل على عثمان ومعه الكتاب والغلام والبعير وسألوه أن يدفع إليهم مروان، فأبى، وكان مروان عنده في الدار، فخرج أصحاب محمد (ص) من عنده غِضَاباً، وشكوا في أمر عثمان إلخ.(١)

الطبقات: عن جابر أن المصريين لما أقبلوا من مصر يريدون عثمان ونزلوا بذي خُشب، دعا عثمان محمد بن مسلمة فقال: اذهب إليهم فارددهم عني وأعطهم الرضى وأخبرهم إني فاعل بالأمور التي طلبوا ونازع عن كذا بالأمور التي تكلموا فيها فأتاهم محمد بن مسلمة فقال: إن أمير المؤمنين يقول: كذا، ويقول: كذا، وأخبرهم بقوله. فلم يزل بهم حتى رجعوا، فلما كانوا بالبويب رأوا جملاً عليه ميسم الصدقة فأخذوه، فإذا غلام لعثمان فأخذوا متاعه ففتشوه فوجدوا فيه قصبة من رصاص فيها كتاب في جوف الإدارة في الماء إلى عبد الله بن سعد أن افعل بفلان كذا وبفلان كذا من القوم الذين شرعوا في عثمان، فرجع القوم ثانية حتى نزلوا بذي خُشب، فأرسل عثمان إلى محمد بن مسلمة: اخرج فارددهم عنّي، فقال: لا أفعل، قال: فقدموا فحصروا عثمان.(٢)

____________________

١ - العقد الفريد، ج ٤، ص ٢٨٩.

٢ - الطبقات، ج ٣، ص ٦٥.

٢٨١

ويروي أيضاً: عن سفيان، قال: أنكر عثمان أن يكون كَتَبَ الكتاب أو أرسل ذلك الرسول، وقال فعل ذلك دوني.

تاريخ الطبري: ثم رجع الوفد (المصريون) راضين، فبينا هم في الطريق إذا هم براكب يتعرض لهم ثم يفارقهم ثم يرجع إليهم ثم يفارقهم ويتبينهم، قال: قالوا له: ما لك إن لك لأمراً ما شأنك؟ قال: فقال: أنا رسول أمير المؤمنين إلى عامله بمصر ففتّشوه فإذا هم بالكتاب على لسان عثمان عليه خاتمه إلى عامله أن يصلّبهم أو يقتّلهم أو يَقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف! قال: فأقبلوا حتى قدموا المدينة، قال: فأتوا علياً فقالوا: ألم تر إلى عدو الله! إنه كتب فينا بكذا وكذا، وإن الله قد أحل دمه، قم معنا إليه، قال: والله لا أقوم معكم.(١)

ويروي: ثم إن علياً جاء عثمان بعد انصراف المصريين فقال له: تكلم كلاماّ يسمعه الناس ويشهدون عليه ويشهد الله على ما في قلبك من النزوع والإنابة، فإن البلاد قد تمخّضت عليك فلا آمن ركباً آخرين يقدمون من الكوفة فتقول: يا عليّ اركب إليهم! ولا أقدر أن أركب إليهم ولا أسمع عذراً، ويقدم ركب آخرون من البصرة فتقول: يا عليّ اركب إليهم، فإنْ لم أفعل رأيتني قد قطعت رحمك واستخففت بحقك! قال: فخرج عثمان فخطب الخطبة التي نزع فيها وأعطى الناس من نفسه التوبة، فقام فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، أيها الناس فوالله ما عاب من عاب منكم شيئاً أجهله وما جئت شيئاً إلا وأنا أعرفه، ولكني منّتني نفسي وكذبتني وضل عني رشدي، ولقد سمعت رسول الله (ص) يقول: من زلّ فليتب ومن أخطأ فليتب ولا يتمادى في الهلكة. إنَّ من تمادى في الجور كان أبعد من الطريق، فأنا أول من اتّعظ. استغفر الله مما فعلت وأتوب إليه، فمثلي نزع وتاب، فإذا نزلت فليأتني أشرافكم وليُروني رأيهم، فوالله لئن ردني الحق عبداً لأستننّ لسنة العبد فلما نزل عثمان وجد في منزله مروان وسعيداً ونفراً من بني أمية ولم يكونوا شهدوا الخطبة،

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ١٠٧.

٢٨٢

فلما جلس قال مروان: يا أمير المؤمنين، أتكلم أم أصمت؟ فقالت نائلة ابنة الفرافصة امرأة عثمان الكلبية: لا بل أصمت! فإنهم والله قاتلوه ومؤتّموه، إنه قد قال مقالة لا ينبغي له أن ينزع عنها. فأقبل عليها مروان فقال: ما أنت وذاك! فوالله لقد مات أبوك وما يحسن يتوضأ، فقالت له: مهلاً يا مروان عن ذكر الآباء تخبر عن أبي وهو غائب تكذب عليه وإن أباك لا يستطيع أن يدفع عنه، أما والله لولا أنه عمه وأنه يناله غمّه أخبرتك عنه ما لن أكذب عليه، قال: فأعرض عنها مروان.

ثم قال: يا أمير المؤمنين، أتكلم أم أصمت؟ قال: بل تكلم! فقال مروان: بأبي أنت وأمي، والله لوددت أن مقالتك هذه كانت وأنت ممتنع منيع فكنت أول من رضي بها وأعان عليها، ولكنك قلت ما قلت والله لإقامة على خطيئة تستغفر الله منها أجمل من توبة تخوف عليها، وإنك إن شئت تقرّبت بالتوبة ولم تقرر بالخطيئة، وقد اجتمع إليك على الباب مثل الجبال من الناس، فقال عثمان: فاخرج إليهم فكلمهم فإني استحيي أن أكلمهم، قال: فخرج مروان إلى الباب والناس يركب بعضهم بعضاً، فقال: ما شأنكم قد اجتمعتم كأنكم قد جئتم لنهب، شاهت الوجوه! كل إنسان آخذ بأذن صاحبه إلا من أريد، جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا! اخرجوا عنا، أما والله لئن رمتمونا ليمرن عليكم منا أمر لا يسركم ولا تُحمدوا غِبّ رأيكم، ارجعوا إلى منازلكم فإنا والله ما نحن مغلوبين على ما في أيدينا، قال: فرجع الناس وخرج بعضهم حتى أتى علياً فأخبره الخبر، فجاء علي (عليه السلام) مغضباً حتى دخل على عثمان فقال: أما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بتحرّفك عن دينك وعن عقلك مثل جمل الظعينة يُقاد حيث يُسار به، والله ما مروان بذي رأي في دينه ولا نفسه، وايم الله إني لأراه سيوردك ثم لا يُصدرك، وما أنا بعائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك، أذهبت شرفك وغُلبت على أمرك! فلما خرج عليّ دخلت عليه نائلة ابنة الفرافصة امرأته قالت: أتكلم أو أسكت؟ فقال: تكلمي. فقالت: قد سمعت قول عليّ لك وأنه ليس يعاودك، وقد أطعت مروان يقودك حيث شاء. قال:

٢٨٣

فما أصنع؟ قالت: تتقي الله وحده لا شريك له وتتبع سنّة صاحبيك من قبلك، فإنك متى أطعت مروان قتلك، ومروان ليس له عند الناس قدر ولا هيبة ولا محبة، وإنما تركت الناس لمكان مروان، فأرسِل إلى عليّ فاستصلحه فإن له قرابة منك وهو لا يعصى. قال: فأرسل عثمان إلى عليّ فأبى أن يأتيه، وقال: قد أعلمته إني لست بعائد. قال: فبلغ مروان مقالة نائلة فيه، قال: فجاء إلى عثمان فجلس بين يديه فقال: أتكلم أو أسكت؟ فقال: تكلم، فقال: إين بنت الفرافصة؟ فقال عثمان: لا تذكرنّها بحرف فأسوا لك وجهك، فهي والله أنصح لي منك، قال: فكفّ مروان.(١)

ويروي: سمعت عبد الرحمن بن الأسود يذكر مروان بن الحكم قال: قبّح الله مروان، خرج عثمان إلى الناس فأعطاهم الرضا وبكى على المنبر وبكى الناس حتى نظرت إلى لحية عثمان مخضلّة من الدموع وهو يقول: اللَّهُم إني أتوب إليك ودخل بيته ودخل عليه مروان فلم يزل يفتله في الذروة والغارب حتى فتله عن رأيه وأزاله عما كان يريد، فلقد مكث عثمان ثلاثة أيام ما خرج استحياءً من الناس، وخرج مروان إلى الناس فقال: شاهت الوجوه إلا من أريد قال: فأقبل عليٌّ فقال: أحضرت خطبة عثمان؟ قلت: نعم. قال: أفحضرت مقالة مروان للناس؟ قلت: نعم. قال عليّ: عياذ الله، يا للمسلمين! إني إنْ قعدت في بيتي قال لي: تركتني وقرابتي وحقي، وإني إن تكلمت فجاء ما يريد يلعب به مروان فصار سيقة له يسوقه حيث شاء بعد كبر السن وصحبة رسول الله (ص).(٢)

أقول: في هذه الكلمات المنقولة من الطبري موارد للنظر:

١ - (إذا هُم براكب) (فإذا هم بالكتاب) هذا الراكب وهذا الكتاب: إما أن يكونا بأمر الخليفة، أو بدون اطلاع منه، والثاني أشد محذوراً وأكثر إشكالاً، فكيف يليق بالإمارة من كان اختياره في أيدي آخرين، يأمرون وينهون

____________________

! - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ١١١.

٢ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ١١٢.

٢٨٤

ويصلبون ويقتلون ويكتبون ويفعلون ما يشاءون.

٢ - (ويشهد الله على ما في قلبك من النزوع والإنابة) (أستغفر الله مما فعلت وأتوب إليه): قد أمره علي (ع) بالإنابة والاستغفار من أعماله، وهو أظهر على المنبر التوبة والاستغفار، فيعترف بمعاصيه ويُثبت أنه كان مذنباً خاطئاً.

٣ - (فلا آمن ركباً آخرين يَقدمون من الكوفة) (ركب آخرون من البصرة): يظهر أن المسلمين الساكنين في مصر والكوفة والبصرة وحواليها، وهي من أعظم البلاد الإسلامية يومئذٍ، كانوا غير راضين عن الحكومة وأعمالها وعمّالها.

٤ - (والله ما مروان بذي رأي في دينه ولا نفسه) (وقد أطعت مروان يقودك حيث شاء) (قبّح الله مروان) (يلعب به مروان): هذه الجملات دالة على غاية ضعف مقام مروان عند الناس، ومع ذلك فله تأثير عميق في أفكار عثمان وأعماله، يلعب به ويسوقه حيث يشاء بعد كبر السن وصحبة رسول الله (ص).

٥ - يستكشف من هذه الجملات المنقولة أن عثمان غير مأمون ولا معصوم من الخطأ والزلل والذنب والعصيان، بل هو معترف بها حيث يقول: بل منّتني نفسي وكذبتني وضلّ عني رشدي فأنا أول من اتّعظ. ومع ذلك فهو مغلوب على أمره من مروان وأقرانه، يلعب به مروان وأمثاله من بني أمية، فكيف يصلح من شأنه كذلك أن يكون خليفة لله ولرسوله في دينه، وكيف يجب بل كيف يجوز للمسلمين أن يتبعوه ويسلكو طريقه.

الطبقات: فلم يزل مروان مع ابن عمه عثمان، وكان كاتباً له وأمر له عثمان بأموال وكان يتأوّل في ذلك صلة قرابته، وكان الناس ينقمون على عثمان تقريبه مروان وطاعته له، ويرون أن كثيراً مما ينسب إلى عثمان لم يأمر به وأن ذلك عن رأي مروان دون عثمان.(١)

البدء والتاريخ: ولما أعطى عثمان القوم ما أرادوا، قال مروان بن الحكم لحمران بن أبان كاتب عثمان - فكان خاتم عثمان مع مروان بن الحكم -: إن هذا

____________________

١ - الطبقات، ج ٥، ص ٣٦.

٢٨٥

الشيخ قد وهن وخرف، وقم فاكتب إلى ابن أبي سرح أن يضرب أعناق من ألبّ على عثمان، ففعلا وبعث الكتاب مع غلام لعثمان يقال له مدس على ناقة من نوقه، فمر بالقوم.(١)

أقول: يستفاد من الروايتين أمور:

١ - أن مروان كان كاتبه، وكان خاتمه عنده.

٢ - أمر له بأموال وكان يتأول في ذلك صلة قرابته.

٣ - كان الناس ينقمون على عثمان تقريبه مروان وطاعته له.

٤ - كان مروان يقول في غيابه: إنه قد وهن وخرف.

٥ - كان لمروان اختيار تام في التصرف في أمور الحكم في المملكة والنصب والعزل وغيرها.

____________________

١ - البدء والتاريخ، ج ٥، ص ٢٠٤.

٢٨٦

فتنة:

قتل عثمان

الفائق: عليّ (رضي الله تعالى عنه): أن قوماً أتوه فاستأمروه في قتل عثمان، فنهاهم وقال: إن تفعلوا فبيضاً فلَتفرخنّه.

قالالزمخشري : أراد أن تقتلوه تُهيّجوا فتنة يتولد منها شر كثير. كما قال بعضهم:

أرى فتنة هاجت وباضت وفرّخت

ولو تُركتْ طارت إليك فراخها

ويروي أيضاً: ومنه حديث عليّ (رضي الله تعالى عنه): لوددت أن بني أمية رضوا ونفّلناهم خمسين رجلاً من بني هاشم يحلفون ما قتلنا عثمان ولا نعلم له قاتلاً.(٢)

قالالزمخشري : نفّلته: أي حلفته. يريد نفّلنا لهم.

تاريخ الطبري: كان أول من اجترأ على عثمان بالمنطق السيّء جبلة بن عمرو الساعدي مر به عثمان وهو جالس في نديّ قومه، وفي يد جبلة بن عمرو جامعة، فلما مر عثمان سلّم، فرد القوم، فقال جبلة: لِمَ تردون على رجل فعل كذا وكذا، قال: ثم أقبل على عثمان فقال: والله لأطرحن هذه الجامعة في عنقك أو لتتركن بطانتك هذه! قال عثمان: أيّ بطانة! فوالله إني لأتخير الناس، فقال: مروان تخيّرته ومعاوية تخيّرته وعبد الله بن عامر تخيرته وعبد الله بن سعد تخيرته؟! منهم من نزل القرآن بذمّه وأباح رسول الله (ص) دمه، قال: فانصرف عثمان فما زال الناس مجترئين عليه إلى هذا اليوم.(٣)

____________________

١ - الفائق، ج ٢، ص ٢٦٩.

٢ - نفس المصدر، ج ٣، ص ١١٦.

٣ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ١١٤.

٢٨٧

ويروي: لما رأى الناس ما صنع عثمان كتب من بالمدينة من أصحاب النبي (ص) إلى من بالآفاق منهم، وكانوا قد تفرّقوا في الثغور: إنكم خرجتم أن تجاهدوا في سبيل الله عَزَّ وجَلَّ تطلبون دين محمد (ص) فإن دين محمد قد أُفسد من خلفكم وتُرك، فهلمّوا فأقيموا دين محمد (ص)! فأقبلوا من كل أفق حتى قتلوه.(١)

أقول: الشاهد يرى ما لا يراه الغائب، وهؤلاء أصحاب رسول الله (ص) المقيمون بالمدينة يكتبون إلى من بالآفاق: (فهلموا فأقيموا دين محمد (ص) فإنه قد أفسد وترك) وكفى في هذه القضية نفوذ مروان بن الحكم وسلطانه على عثمان، وقد قال رسول الله (ص) فيه: إنه الملعون ابن الملعون، وقال أيضاً: ويل لأمتي من هذا وولد هذا.

ويروي أيضاً: إنما رد أهل مصر إلى عثمان بعد انصرافهم عنه أنه أدركهم غلام لعثمان على جمل له بصحيفة إلى أمير مصر أن يقتل بعضهم وأن يصلّب بعضهم، فلما أتوا عثمان قالوا: هذا غلامك؟ قال: غلامي انطلق بغير علمي. قالوا: جملك؟ قال: أخذه من الدار بغير أمري. قالوا: خاتمك؟ قال: نقش عليه فلما رأى عثمان ما قد نزل وما قد انبعث عليه من الناس، كتب إلى معاوية بن أبي سفيان وهو بالشام: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فإن أهل المدينة قد كفروا وأخلفوا الطاعة ونكثوا البيعة فابعث إلي من قبلك من مُقاتلة أهل الشام على كل صعب وذلول. فلما جاء معاوية الكتاب: تربص به وكره إظهار مخالفة أصحاب رسول الله (ص) وقد علم اجتماعهم. فلما أبطأ أمره على عثمان: كتب إلى يزيد بن أسد بن كرز - والي أهل الشام - يستنفرهم ويعظم حقه عليهم، ويذكر الخلفاء وما أمر الله عَزَّ وجَلَّ به من طاعتهم ومناصحتهم ووعدهم أن يُنجدهم جندٌ أو بطانة دون الناس، وذكّرهم بلاءه عندهم وصنيعه إليهم فإن كان عندكم غياث فالعجل العجل فإن القوم مُعاجليَّ.

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ص ١١٥.

٢٨٨

أقول: في هذه العبارات المنقولة موارد للنظر:

١ - من أعجب الأمور نهي علي (ع) ومنعه عن قتل عثمان، بل وبعثه الحسنين لنصرته وحفظه، ورده لوفد المصريين، ومع هذا فقد أظهر وأشاع معاوية في الخارج أن علياً هو قاتل عثمان! وبهذا العنوان تخلّف عن بيعته وادّعى أنه طالب لدم عثمان، وقد رأيت الطبري يروي أن معاوية تربص به وكره إظهار مخالفة الأصحاب! وأبطأ في بعث مقاتلي أهل الشام لنصرة عثمان، حتى كتب عثمان إلى يزيد بن أسد والي الشام يستنصره.

٢ - ومن عجائب أمر عثمان أنّ غلامه على جمله بصحيفة مختومة بخاتمه! ويبعث إلى مصر أن يُقتل بعض، ويُصلّب بعض آخر من المخالفين! وهو يدّعي أن غلامه سار وانطلق بغير علمه، وأخذ جمله من داره بغير أمره، ونُقش خاتمه بغير اطلاعه. ومع هذا يكتب إلى معاوية أن أهل المدينة قد كفروا وأخلفوا الطاعة.

٣ - فهل حكومة عثمان كانت أصلاً من أصول الديانة الإسلامية حتى يكون المتخلف كافراً! ومستوجباً للقتل والصلب!؟ وهل كان عثمان منصوباً من جانب الله ورسوله، حتى يجب اتباعه وطاعته!؟ وهل كانت أعماله وأوامره بإلهام الله وبنظر الحق! فكيف يتخير من نزل القرآن بذمة وأباح رسول الله (ص) دمه!؟

ويروي الطبري: أن المصريين بعد أن لم يُغيِّر عثمان شيئاً مما كرهوا، ولم يعزل عاملاً ولم يعمل بما أعطاهم عهد الله وميثاقه عليه ؛ قالوا: فإنا لا نُعجّل عليك وإن كنا قد اتّهمناك. أعزل عنا عُمالك الفسّاق واستعمل علينا من لا يُتهم على دمائنا وأموالنا وأردد علينا مظالمنا! قال عثمان: ما أراني إذاً في شيء إن كنت أستعمل من هويتم وأعزل من كرهتم، الأمر إذاً أمركم.(١)

أقول: فليقض في هذا الجواب الاستبدادي والكلام الموهون كل قارئ

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ١١٧.

٢٨٩

كريم، ويا ليت! أن لو كان هذا الاستبداد والنظر الموهون منبعثاً من إرادة الخليفة نفسه، لا من تدبير مروان وغيره.

كما يرويالطبري: فقال مروان: يا أمير المؤمنين، مقاربتُهم حتى تقوى أمثل من مكاثرتهم على القرب! فأعطهم ما سألوك وطاولهم ما طاولوك فإن هم بغوا عليك فلا عهد لهم.(١)

ولنعم ما قال بعض المصريين لعثمان كما فيالطبري قالوا: فالكتاب كتاب كاتبك؟ قال: أجل ولكنه كتبه بغير أمري. قالوا: فإن الرسول الذي وجدنا معه الكتاب غلام؟ قال: أجل ولكنه خرج بغير أذني. قالوا: فالجمل جملك؟ قال: أجل ولكنه أخذ بغير علمي. قالوا: ما أنت إلا صادق أو كاذب، فإن كنت كاذباً فقد استحققت الخلع لما أمرت به من سفك دمائنا بغير حقها، وإن كنت صادقاً فقد استحققت أن تُخلع لضعفك وغفلتك وخبث بطانتك ؛ لأنه لا ينبغي لنا أن نترك على رقابنا من يُقتطع مثل الأمر دونه لضعفه وغفلته. وقالوا له: إنك ضربت رجالاً من أصحاب النبي (ص) وغيرهم حين يعظونك ويأمرونك بمراجعة الحق عند ما يستنكرون من أعمالك، فأقد من نفسك من ضربته وأنت ظالم له. فقال: الإمام يخطئ ويُصيب فلا أقيد من نفسي ؛ لأني لو أقدت كل من أصبتُه بخطإ آتي على نفسي، قالوا: إنك قد أحدثت أحداثاً عظاماً فاستحققت بها الخلع فإذا كلّمت فيها أعطيت التوبة ثم عُدت إليها وإلى مثلها، ثم قدمنا عليك فأعطيتنا التوبة والرجوع إلى الحق، ولامنا فيك محمد بن مسلمة وضمن لنا ما حدث من أمر، فأخفرته فتبرأ منك وقال: لا أدخل في أمره، فرجعنا أول مرة لنقطع حجتك ونبلغ أقصى الأعذار إليك نستظهر بالله عَزَّ وجَلَّ عليك، فلحقنا كتاب منك إلى عاملك علينا تأمره فينا بالقتل والقطع والصلب، وزعمت أنه كُتب بغير علمك وهو مع غلامك وعلى جملك وبخطّ كاتبك وعليه خاتمك، فقد وقعت عليك بذلك التهمة القبيحة مع ما بلونا منك

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ١١٦.

٢٩٠

قبل ذلك من الجور في الحكم والأَثَرة في القسم والعقوبة للأمر بالتبسط من الناس والإظهار للتوبة فقال عثمان: أما قولك تخلع نفسك: فلا أنزع قميصاً قمَّصنيه الله عَزَّ وجَلَّ وأكرمني به وخصّني به على غيري، ولكني أتوب وأنزع ولا أعود بشيء عابه المسلمون فأني والله الفقير إلى الله قالوا: إن هذا لو كان أول حدث أحدثته ثم تبت منه ولم تُقم عليه لكان علينا أن نقبل منك وأن ننصرف عنك.(١)

أقول: وفي هذه المكالمة دقائق تاريخية للمعتبر.

١ - (الإمام يخطئ ويصيب): عقيدتنا أن الإمام إذا كان منصوباً من الله ورسوله فهو خليفة الله وخليفة رسوله ولا يخطئ، فإن قول الإمام وفعله حجتان للناس، وللناس أن يُطيعوا الإمام ويتبعوه، وإذا جاز له الخطأ والعمل بخلاف ما جاء به الرسول فكيف يكون حجة بين الله وبين الناس!؟

٢ - (فلا أقيد من نفسي): فإذا كان عثمان مُخطأ فهو كأحد من الناس، مضافاً إلى أن أحكام الديات والقصاص كسائر الأحكام الدينية غير مخصوصة بجماعة دون آخرين، حتى إن رسول الله (ص) قال في آخر أيامه: من كان له عليّ حق أو قصاص فليأخذه.

٣ - (فلا أنزع قميصاً قمَّصنيه الله): هذه دعوى يدّعيها كل من له مقام أو عنوان دنيوي، فهل يصح هذا القول ممن يُنتخب من جانب الرعية لمقام من أنواع الرئاسات والحكومات؟ أو يُنتخب من جانب هيئة الوكلاء أو الوزراء؟ فهل كان حيازة عثمان لهذا المقام من طريق آخر سماوّي؟!

٤ - (ولكنِّي أتوب وأنزع ولا أعود): هذا ينافي ما ادعاه من أن مقامه قميص قمّصه الله، فكيف يجوز التوبة من آثار ذلك القميص والأعمال اللاحقة به والمنتزعة منه!؟

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ص ١٢٠.

٢٩١

ما قيل في عثمان:

مسند أحمد: لقي عبد الرحمن بن عوف الوليدَ بن عقبة، فقال له الوليد: ما لي أراك قد جفوت أمير المؤمنين عثمان؟ فقال له عبد الرحمن: أبلغه أني لم أفرّ يوم أحد ولم أتخلف يوم بدر ولم أترك سنة عمر! قال: فخبر ذلك عثمان قال، فقال: أما قوله: إني لم أفر يوم أحد، فكيف يُعيّرني بذنب وقد عفا الله عنه فقال: ( إِنَّ الَّذينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُم‏ ) . وأما قوله: إني تخلّفت يوم بدر، فإني كنت أمرض رقيّة بنت رسول الله (ص) حين ماتت وقد ضرب لي رسول الله (ص) بسهمي، ومن ضرب له رسول الله (ص) بسهمه فقد شهد. وأما قوله: إني لم أترك سنة عمر، فإني لا أطيقها ولا هو. فحدِّثه.(١)

الاستيعاب: عبد الرحمن بن حنبل أخو كلدة، وهو القائل في عثمان لما أعطى مروان خمسمئة ألف من خُمس إفريقيّة:

وأحلف بالله جهد اليمين

ما ترك الله امرأ سُدى

ولكن جُعلت لنا فتنة

لكي نبتلى بك أو تُبتلى

دعوت الطريد فأدنيته

خلافاً لما سنَّه المصطفى

وولّيت قرباك أمر العباد

خلافاً لسنة من قد مضى

وأعطيت مروان خمس الغنيمة

آثرته وحميت الحمى

ومالاً أتاك به الأشعري

من الفيء أعطيته من دنى(٢)

العقد الفريد: وفي خطبة لعبد الملك بن مروان: إني والله ما أنا بالخليفة

____________________

١ - مسند أحمد، ج ١، ص ٦٨.

٢ - الاستيعاب، ج ٢، ص ٨٢٨.

٢٩٢

المستضعف (يعني عثمان) ولا بالخليفة المُداهن (يعني معاوية) ولا بالخليفة المأفون (يعني يزيد).(١)

ويروي: ومما نقم الناس على عثمان أنه آوى طريد رسول الله (ص) الحكم بن العاص ولم يؤوه أبو بكر ولا عمر وأعطاه مئة ألف، وسيّر أبا ذر إلى الربذة وسيّر عامر بن عبد قيس من البصرة إلى الشام، وطلب منه عبيد الله بن خالد بن أسيد صلة فأعطاه أربعمئة ألف، وتصدّق رسول الله (ص) بمهزور (موضع سوق المدينة) على المسلمين فأقطعها الحارث بن الحكم أخا مروان، وأقطع فدك مروان وهي صدقة رسول الله (ص)، وافتتح إفريقية وأخذ خُمسه فوهبه لمروان، فقال عبد الرحمن بن حنبل الجمحي:

فإني الأمينين قد بيّنا

مناراً لحق عليه الهدى

فما أخذا درهماً غيلة

وما تركا درهماً في هوى

وأعطيت مروان خُمس العبا

د هيهات شأوكَ ممَّنْ شَأَىَ(٢)

ويروي: واستعمل عبد الملك بن مروان نافع بن علقمة على مكة فخطب ذات يوم وأبان بن عثمان قاعد عن أصل المنبر، فنال من طلحة والزبير، فلما نزل قال لأبان أرضيتُك من المدهنين في أمير المؤمنين؟ قال: لا، ولكنك سُؤتني، حسبي أن يكونا برئين من أمره. وعلى هذا المعنى قال اسحاق بن عيسى: أعيد عليا بالله أن يكون قتل عثمان، وأعيذ عثمان أن يكون قتله عليّ.(٣)

العقد الفريد: فجاء أهل مصر يشكون من ابن أبي سرح، فكتب إليه عثمان كتاباً يهدّده، فأبى ابن أبي سرح أن يقبل، وضرب رجلاً ممن أتى عثمان فقتله، فخرج أهل مصر في سبعمئة رجل إلى المدينة فنزلوا المسجد، وشكوا إلى أصحاب رسول الله (ص) في مواقيت الصلاة ما صنع ابن أبي سرح، فقام طلحة بن عبيد الله فكلّم عثمان بكلام شديد. وأرسلت إليه عائشة: قد تقدّم إليك

____________________

١ - العقد الفريد، ج ٤، ص ٩٠.

٢ - العقد الفريد، ج ٤، ص ٢٨٣.

٣ - نفس المصدر، ص ٣٠٤.

٢٩٣

أصحاب رسول الله (ص) وسألوك عزل هذا الرجل فأبيت أن تعزله، فهذا قد قتل منهم رجلاً فأنصفهم من عاملك. ودخل عليه عليّ وكان متكلم القوم فقال: إنما سألوك رجلاً مكان رجل، وقد ادّعوا قبله دماً فاعزله عنهم واقض بينهم.(١)

نهج البلاغة ( الخطبة الشقشقية ): فيالله وللشورى!! متى اعترض الريب فيّ مع الأول منهم حتى صرتُ أقرن إلى هذه النظائر! لكني أَسْفَفْتُ إِذْ أَسَفُّوا وطرت إذا طاروا، فصغا رجل منهم لِضِغْنِهِ ومال الآخر لصهره، مع هَنٍ وهَنٍ، إلى أن قام ثالث القوم نَافِجاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَثِيلِهِ ومُعْتَلَفِهِ، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خِضْمَة الإبل نبتة الربيع، إلى أن انْتَكَثَ فَتْلُهُ، وأجهز عليه عملُه، وكبَت به بِطْنَتُهُ.

سنن الترمذي : إن رجلاً من أهل مصر حج البيت فرأى قوماً جلوساً فقال: من هؤلاء؟ قالوا: قريش. قال: فمن هذا الشيخ؟ قالوا: ابن عمر. فأتاه فقال: إني سائلك عن شيء فحدثني! أنشدك بحرمة هذا البيت أتعلم أن عثمان فرّ يوم أحد؟ قال: نعم، قال: أتعلم أنه تغيّب عن بيعة الرضوان فلم يشهدها؟ قال: نعم، قال: أتعلم أنه تغيّب يوم بدر فلم يشهده؟ قال: نعم، فقال: الله أكبر. فقال له ابن عمر: تعال حتى أبين لك ما سألت عنه! أما فراره يوم أحد: فأشهد الله قد عفا عنه وغفر له، وأما تغيّبه يوم بدر: فإنه كانت عنده أو تحته ابنة رسول الله (ص) فقال له رسول الله (ص):لك أجر رجل شهد بدراً وسهمه . أما تغيّبه عن بيعة الرضوان: فلو كان أحد أعزّ ببطن مكة من عثمان لبعثه رسول الله (ص).. إلخ.(٢)

وفي حاشية الكتاب: قوله قد عفا عنه يعني بقوله تعالى:( إِنَّ الَّذينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَليم‏ ) .

خصائص النسائي عن عرار: قال: سألت عبد الله بن عمر قلت: ألا تحدثني

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ص ٢٨٨.

٢ - سنن الترمذي، ص ٥٣٢.

٢٩٤

عن عليّ وعثمان؟ قال: أما علي فهذا بيته من بيت رسول الله (ص) ولا أحدثك عنه بغيره، وأما عثمان فإنه أذنب يوم أحد ذنباً عظيماً عفى الله عنه، وأذنب فيكم ذنباً صغيراً فقتلتموه.(١)

ويروي روايات قريبة منها.

____________________

١ - خصائص النسائي، ص ٢٠.

٢٩٥

جريان إمرة أمير المؤمنين:

يراد إمارته وخلافته الظاهرية الحقة، وأما الإمارة الحقيقية والإمامة والخلافة الإلهية المنصوصة فهي ثابتة له (ع) من أول يوم ارتحل النبي (ص) سواء أقبْلَ الناس إليه أم أدبروا.

المحاسن للبيهقي: عن عبد الله بن معاوية: كان إياس بن معاوية لي صديقاً، فدخلنا على عبد الرحمن بن القاسم بن أبي بكر الصديق، وعنده جماعة من قريش يتذاكرون السلف، ففضّل قوم أبا بكر وقوم عمر وآخرون علياً، فقال إياس: إن علياً (رحمه الله) كان يرى أنه أحق الناس بالأمر! فلما بايع الناس أبا بكر ورأى أنهم قد اجتمعوا عليه وأن ذلك قد أصلح العامة اشترى صلاح العامة بنقض رأي الخاصة، يعني بني هاشم. ثم وُلّي عمر، ففعل مثل ذلك به وبعثمان، فلما قتل عثمان واختلف الناس وفسدت الخاصة والعامة: وجد أعواناً فقام بالحق ودعا إليه.(١)

نهج البلاغة: فنظرتُ فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي، فضننت بهم عن الموت، وأغضيت عن القذى، وشربت على الشجى، وصبرت على أخذ الكظم وعلى أمرّ من طعم العلقم.(٢)

ويقول فيالخطبة الشقشقية: فما راعني إلا والناس كعُرف الضبع إليَّ، ينثالون عليّ من كل جانب، حتى لقد وُطئ الحسنان، وشُقّ عِطفاي، مجتمعين حولي كربيضة الغنم، فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة، ومرقت أخلى، وقسط آخرون.

____________________

١ - المحاسن للبيهقي، ص ٤٨.

٢ - نهج البلاغة، خطبة ٢٥.

٢٩٦

وفيتاريخ الطبري: فخرج قيس بن سعد في سبعة نفر من أصحابه حتى دخل مصر، فصعد المنبر فجلس عليه وأمر بكتاب معه من أمير المؤمنين فقرئ على أهل مصر: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عليّ أمير المؤمنين إلى من بلغه فلما قضى من ذلك ما عليه قبضه الله عَزَّ وجَلَّ صلوات الله عليه ورحمته وبركاته، ثم إن المسلمين استخلفوا به أميرين صالحين عملا بالكتاب والسنة وأحسنا السيرة ولم يعدوا السنة ثم توفَّاهما الله عَزَّ وجَلَّ رضي الله عنهما، ثم ولى بعدهما والٍ فأحدث أحداثاً فوجدت الأمة عليه مقالاً فقالوا، ثم نقموا عليه فغيّروا، ثم جاءوني فبايعوني، فأستهدي الله عَزَّ وجَلَّ بالهدى وأستعينه على التقوى، ألا وإن لكم علينا العمل بكتاب الله وسنة رسوله (ص) والقيام عليكم بحقه والتنفيذ لسنته.(١)

أقول: إشارة إلى الحكومة الظاهرية والخلافة الدنيوية التي لا تتحصّل إلا بانتخاب الناس وانقيادهم وإطاعتهم، ثم أشار إلى أن الحاكمين الأولين كانا مقيّدين بالعمل بكتاب الله وسنة رسوله (ص) بخلاف الثالث فإنه أحدث أحداثاً، ثم صرّح بأن اللازم للإمام والرعية العمل بالكتاب وسنة رسول الله (ص)، خلافاً لما قال أبو عبيدة في الشورى بأن اللازم العمل بهما وبسنة الخلفاء، فإن الخليفة إذا لم يكن منتخباً من جانب الله تعالى لا يجب العمل بسنته.

العقد الفريد: وفي خطبته بالكوفة: ثم ولي عثمان فنال منكم ونِلتم منه، حتى إذا كان من أمره ما كان، أتيتموه فقتلتموه، ثم أتيتموني فقلتم لي: بايعنا، فقلت لكم: لا أفعل، وقبضتُ يدي فبسطتموها، ونازعتم كفّي فجذبتموها، وقلتم: لا نرضى إلا بك، ولا نجتمع إلا عليك، وتداككتم عليّ تداكّ الإبل الهيم على حياضها يوم وردها، حتى ظننت أنكم قاتليَّ وأن بعضكم قاتل بعض، فبايعتموني وبايعني طلحة والزبير، ثم ما لبثا أن استأذناني للعمرة، فسارا إلى البصرة.(٢)

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ٢٢٧.

٢ - العقد الفريد، ج ٤، ص ٧٢.

٢٩٧

الإمامة والسياسة: ثم قام الزبير فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، إن الله قد رضي لكم الشورى فأذهب بها الهوى، وقد تشاورنا فرضينا علياً فبايعوه! وأما قتل عثمان فإنا نقول فيه: إن أمره إلى الله وقد أحدث أحداثاً والله وليه فيما كان. فقام الناس فأتوا علياً في داره فقالوا: نبايعك فمُدّ يدك، لابد من أمير فأنت أحقّ بها. فقال: ليس ذلك إليكم إنما هو لأهل الشورى وأهل بدر فمن رضي به أهل الشورى وأهل بدر فهو الخليفة، فنجتمع وننظر في هذا الأمر، فأبى أن يبايعهم، فانصرفوا عنه وكلّم بعضهم بعضاً، فقالوا: يمضي قتل عثمان في الآفاق والبلاد فيسمعون بقتله ولا يسمعون أنه بويع لأحد بعده، فيثور كل رجل منهم في ناحية فلا نأمن أن يكون في ذلك إفساد، فارجعوا إلى عليّ فلا تتركوه حتى يبايع.(١)

أقول: فظهر أن مبايعة أمير المؤمنين (ع) كانت أقوى من مبايعة أبي بكر وعمر وعثمان، فإنها وقعت من اتفاق أهل المدينة ومن مشاورة أهل الشورى وأهل بدر ومن دون أن يظهر خلاف منهم، فكيف يجوز القيام عليه؟

____________________

١ - الإمامة والسياسة، ج ١، ص ٤١.

٢٩٨

القعود والخروج والقتال:

الشريعة: عن أبي هريرة، قال رسول الله (ص): تكون فتنة القاعد فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي، من يستشرف لها تستشرف له، ومن وجد منها ملجأ أو معاذً فَلَيُعذبه.(١)

أقول: القعود لازم في الأمور المشتبهة وموارد الفتن، لا في مقام يجب الطاعة والتسليم، كالطاعة لمن ولِيَ المسلمين، فالتحذير في الحديث يتوجه إلى الماشين والساعين إلى قتال أمير المؤمنين علي (ع) في حرب الجمل وصفين والخوارج، الذين نقضوا عهدهم ونكثوا بيعتهم وخرجوا عليه. وقد صرّح في الحديث بأن هذا الحكم مخصوص بمورد الفتنة وفي وجاهها، أي في مورد يشتبه التكليف وأن تكون الوظيفة الدينية من جهة القعود أو القتال مجهولة. فالتكليف الدينيّ الإلهي للخليفة الحق هو القيام والقتال في مقابل المخالفين ودفع شرهم ورفع فتنتهم، ويجب للمسلمين أن يكونوا مع الإمام وينصروه ويجاهدوا معه على أعدائه. وأما إذا لم يكونوا مع إمام إلهيّ واشتبه الأمر ولم يُعرف الحق فالتكليف يومئذٍ هو القعود والاحتياط.

فالقاعد في زمان الإمام الإلهي كالقاعد في زمان رسول الله (ص) قال تعالى: ( إِنَّكُمْ رَضيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفين‏ ) ( وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدينَ عَلَى الْقاعِدينَ أَجْراً عَظيماً ) .

مستدرك الحاكم: عن أبي أيوب قال: سمعت النبي (ص) يقول لعليّ بن أبي

____________________

١ - الشريعة، ص ٤٢.

٢٩٩

طالب: تُقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بالطرقات والنهروانات والشعفات، قال أبو أيوب: قلت يا رسول الله: مع من نُقاتل هؤلاء الأقوام؟ قال: مع علي بن أبي طالب.(١)

أقول: ففي هذه الرواية الشريفة قد صرح رسول الله (ص) بأن تكليف الإمام الحق هو القتال والمجاهدة في مقابل الناكثين والقاسطين والمارقين، وبأن تكليف الرعية والمسلمين أيضاً هو إطاعته واتّباعه والقتال معه للمخالفين.

فتبيّن أن قعود بعض المتنسّكين والمتورّعين عن نصرة أمير المؤمنين علي (ع) ليس إلا على الباطل، ومن هؤلاء المتنسكين القاعدين أبو موسى الأشعري وأتباعه وأشباهه، الجاهلون بوظائفهم، والقاصرون عن معرفة إمامهم. والمقصّرون في العمل بما يجب عليهم.

وقد يُصرّح رسول الله (ص) أيضاً بهذه الوظائف ويُبيّنها ويوضحها حتى يرتفع الإشكال ويتبيّن الحق.

مسند أحمد: عن أبي سعيد، قال رسول الله (ص): إن منكم من يقاتل على تأويله كما قاتلت على تنزيله، قال: فقام أبو بكر وعمر، فقال: لا، ولكن خاصف النعل، وعليّ يخصف النعل.(٢)

ويروي عنه ، قال: كنا جلوساً ننتظر رسول الله (ص) فخرج علينا من بعض بيوت نسائه، قال: فقمنا معه فانقطعت نعله فتخلف عليها عليّ يخصفها، فمضى رسول الله (ص) ومضينا معه، ثم قام ينتظره وقمنا معه، فقال: إن منكم من يقاتل على تأويل هذا القرآن كما قتلت على تنيله، فاستشرفنا وفينا أبو بكر وعمر، فقال: لا ولكنه خاصف النعل، قال: فجئنا نُبشره، قال: وكأنه قد سمعه.(٣)

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٤٠.

٢ - مسند أحمد، ج ٣، ص ٣٣.

٣ - نفس المصدر، ص ٨٢.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495