الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام0%

الحقائق في تاريخ الاسلام مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 495

الحقائق في تاريخ الاسلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة المصطفوي
تصنيف: الصفحات: 495
المشاهدات: 186605
تحميل: 6849

توضيحات:

الحقائق في تاريخ الاسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 495 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 186605 / تحميل: 6849
الحجم الحجم الحجم
الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أقول: يستفاد من هذه الأحاديث أن مقاتلة رسول الله (ص) ومجاهدته كانت على تنزيل الكتاب وتثبيت أحكام القرآن وتحقيق آياته، وأما مقاتلة أمير المؤمنين علي (ع) فتكون على تأويل الكتاب وتبيين آياته وفي مقام العمل بالأحكام وفي إجرائها وفي مصاديق تلك الأحكام. فالتنزيل مرحلة أولية للإسلام، والمبعوث به هو الرسول. والتأويل مرحلة ثانوية له، والمباشر به هو الإمام المنصوب من جانب الله ومن جانب رسوله. وهذا التعبير إبلغ بيان في مقام تعيين الخليفة الإلهي.

مستدرك الحاكم: عن طارق قال: رأيت علياً (رض) على رحل رث بالربذة وهو يقول للحسن والحسين: ما لكما تحنّان حنين الجارية، والله لقد ضربت هذا الأمر ظهراً لبطن فما وجدت بدّاً من قتال القوم، أو الكفر بما أنزل على محمد (ص).(١)

ويروي: عن عمرة قالت: لما سار علي إلى البصرة دخل على أم سلمة زوج النبي (ص) يودعها، فقالت: سر في حفظ الله وفي كنفه، فوالله إنك لعلى الحق والحق معك، ولولا أني أكره أن أعصي الله ورسوله: فإنه أمّرنا صلّى الله عليه وآله وسلم أن نقرّ في بيوتنا ؛ لسرت معك ؛ ولكن والله لأرسلن معك من هو أفضل عندي وأعز عليّ من نفسي. ابني عمر.(٢)

الفائق: عليّ رضي الله عنه أقبل يريد العراق فأشار عليه الحسن بن علي أن يرجع، فقال: والله لا أكون مثل الضبع تسمع اللدم حتى تخج فتُضاد.(٣)

قالالزمخشري : هو الضرب بحجر ونحوه، يعني لا أخدع كما يُخدع الضبع بأن يُلدم باب جحرها فتحسبه شيئاً تصيده فتخرج فتصاد.

تاريخ الطبري: فخرج يعترض لهما ليردّهما، فبلغه أنهما قد فاتاه، فهو يريد أن يخرج في إثرهما، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، آتي علياً فأقاتل معه هذين

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١١٥.

٢ - نفس المصدر، ص ١١٩.

٣ - الفائق، ج ٢، ص ٤٥٩.

٣٠١

الرجلين وأم المؤمنين أو أخالفه؟ إن هذا لشديد، فخرجت فأتيته فأقيمت الصلاة بغلس فتقدم فصلى، فلما انصرف أتاه ابنه الحسن فجلس فقال:قد أمرتك فعصيتني فتقتل غداً بمصعبة لا ناصر لك ، فقال علي (ع):إنك لا تزال تحنّ حنين الجارية وما الذي أمرتني فعصيتك؟ قال:أمرتك يوم أحيط بعثمان أن تخرج من المدينة فُيقتل ولست بها، ثم أمرتك يوم قُتل ألا تُبايع حتى يأتيك وفود أهل الأمصار والعرب وبيعة كلّ مصر، ثم أمرتك حين فعل هذان الرجلان ما فعلا أن تجلس في بيتك حتى يصطلحوا فإن كان الفساد كان على يدي غيرك، فعصيتني في ذلك كله. قال:أي بنيّ، أما قولك: لو خرجت من المدينة حين أحيط بعثمان: فوالله لقد أحيط بنا كما أحيط به. وأما قولك: لا تبايع حتى تأتي بيعة الأمصار، فإن الأمر أمر أهل المدينة كرهنا أن يضيع هذا الأمر. وأما قولك حين خرج طلحة والزبير، فإن ذلك كان وهناً على أهل الإسلام ووالله ما زلت مقهوراً مذ وليتُ منقوصاً لا أصل إلى شيء مما ينبغي. وأما قولك: اجلس في بيتك، فكيف لي بما قد لزمني أو من تريدني!؟ أتريد أن أكون مثل الضبع التي يحاط بها ويقال دباب دبات ليست هاهنا حتى يُحل عرقوباها حتى تخرج، وإذا لم أنظر فيما لزمني من هذا الأمر ويعنيني فمن ينظر فيه، فكف عنك أي بنيّ .(١)

أقول: (أحيط بنا) أي من الطرفين ؛ لردّ الفتنة ورفع المشكل وحل الخلاف والبغضاء، فكيف يمكن لنا الخروج في هذا المقام.

وقوله: (فإن الأمر أمر أهل المدينة) أي في عرف الناس ؛ فإن فيها الأكابر من المهاجرين والأنصار، وهي مدينة رسول الله (ص)، وفيها وقع الحل والعقد، وعلى هذا جرت سيرة الخلفاء الماضين، وكانت البلاد تابعة لها. ومع تحقق هذه الشرائط، هل يجوز التواني والتعلل في أخذ الحق لصاحبه.

وقوله: (كان هنا) أي الجلوس في البيت وترك أمور المسلمين فيبقوا حيارى

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ١٧٠.

٣٠٢

ويضلوا عن الحق ولو في أيام قليلة، فيجب إجراء الحق وهداية الناس وطرد الباطل مهما أمكن وكيف يمكن.

وأما اعتراض ابنه الإمام الحسن (ع): فإما من جهة أن يتوجه إليه آخرون من المسلمين، وترتفع شبهاتهم. وأما من جهة العلوم والسياسات العرفية الظاهرية، ولا ريب أن الامام يعلم ما لا يعلم غيره، وللإمام تكاليف خاصة يتوجه إليها بقلبه ويعرفها بنور إلهي.

وقد سبق قوله (ع) كما فيالعقد الفريد : ألا وإنا أهل البيت من علم الله علْمُنا وبحُكم الله حكْمُنا ومن قول صادق سمعنا، فإن تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا، معنا راية الحق من يتبعها لحق ومن تأخر عنها غرق.(١)

وفيالاستيعاب: ومن كلام لعلي (ع): وما تبعةُ دم عثمان إلاَّّّّّّ عليهم، وإنهم لهم الفئة الباغية، بايعوني ونكثوا بيعتي، وما استأنوا بي حتى يعرفوا جوري من عدلي، وإني لراضٍ بحجة الله عليهم وعلمه فيهم، وإني مع هذا لداعيهم ومعذر فيهم، فإن قبلوا فالتوبة مقبولة والحق أولى مما أفضوا إليه، وإن أبوا أعطيتُهم حد السيف، وكفى به شافياً من باطل وناصراً.(٢)

____________________

١ - العقد الفريد، ج ٦، ص ٦٧.

٢ - الاستيعاب، ج ٢، ص ٤٩٩.

٣٠٣

فتنة:

طلحة والزبير

تاريخ الطبري: دعا عليّ طلحة والزبير فقال: إن الذي كنت أحذركم قد وقع يا قوم، وإن الأمر الذي وقع لا يدرك إلا بإماتته، وإنها فتنة كالنار كلما سُعرت ازدادت واستنارت، فقالا له: فأذن لنا أن نخرج من المدينة فإما أن نكابر وإما أن تدعنا، فقال: سأمسُكُ الأمر ما استمسك فإذا لم أجد بدّاً فآخر الدواء الكيّ.(١)

ويروي: من كلام علي (ع): ألا وإنّ طلحة والزبير وأم المؤمنين قد تمالئوا على سخط إمارتي ودعوا الناس إلى الإصلاح، وسأصبر ما لم أخف على جماعتكم، وأكف إن كفّوا، واقتصر على ما بلغني عنهم، ثم أتاه أنهم يريدون البصرة لمشاهدة الناس والإصلاح، فتعبّأ للخروج إليهم وقال: إن فعلوا هذا فقد انقطع نظام المسلمين وما كان عليهم في المقام فينا مئونة ولا إكرام.(٢)

ويروي أيضاً: أن عبد خير الخيواني قام إلى أبي موسى، فقال: يا أبا موسى، هل كان هذان الرجلان - يعني طلحة والزبير - ممن بايع علياً؟ قال: نعم، قال: هل أحدث حدثاً يحل به نقض بيعته؟ قال: لا أدري. قال: لا دريت! فإنا تاركوك حتى تدري.(٣)

ويروي: فلما تراءى‏ الجمعان خرج الزبير على فرس عليه سلاح، فقيل لعلي: هذا الزبير، قال: أمَا إنه أحرى الرجلين إن ذُكّر بالله أن يذكر، وخرج طلحة، فخرج إليهما عليّ فدنا منهما حتى اختلف أعناق دوابّهم، فقال عليّ: لعمري

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ١٦٢.

٢ - نفس المصدر، ص ١٦٤.

٣ - نفس المصدر، ص ١٨٩.

٣٠٤

لقد أعددتما سلاحاً وخيلاً ورجالاً، إن كنتما أعددتما عند الله عذراً فاتقيا الله سبحانه( وَلا تَكُونُوا كَالَّتي‏ نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً ) ، ألم أكن أخاكما في دينكما تُحرمان دمي وأحرم دمائكما فهل من حدث أحلّ لكما دمي؟ قال طلحة: ألّبت الناس على عثمان، قال عليّ: ( يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبينُ ) ، يا طلحة، تطلب بدم عثمان! فلعن الله قتلة عثمان! يا زبير أتذكر يوم مررت مع رسول الله (ص) في بني غنم فنظر إليّ فضحك وضحكتُ إليه فقلتَ: لا يدع ابن أبي طالب زَهوه، فقال لك رسول الله (ص): إنه ليس به زهو، ولتُقاتلنّه وأنت له ظالم! فقال: اللَّهُم نعم، ولو ذُكِّرتُ ما سرتُ مسيري هذا، والله لا أقاتلك أبداً، فانصرف عليّ إلي أصحابه، فقال: أما الزبير فقد أعطى الله عهداً ألا يقاتلكم، ورجع الزبير إلى عائشة فقال لها: ما كنت في موطن منذ عقلت إلا وإنا أعرف فيه أمري غير موطني هذا، قالت: فما تريد أن تصنع؟ قال: أريد أن أدعهم وأذهب، فقال له ابنه عبد الله: جمعت بين هذين الغارين حتى إذا حدّد بعضهم لبعض أردت أن تتركهم وتذهب، أحسست رايات ابن أبي طالب وعلمت أنها تحملها فتية أنجاد، قال: إني قد حلفت ألا أقاتله واحفظه ما قال له، فقال: كفّر عن يمينك وقاتله، فدعا بغلام له يقال له مكحول فأعتقه.(١)

أقول: الإعتاق كفارة عن يمينه، فتبقى الإشكالات الماضية في كلام علي (ع) على حالها.

البدء والتاريخ: وسأل طلحة والزبير أن يوليهما البصرة! فأبى وقال: تكونان عندي أتحمّل بكما فإني استوحش لفراقكما، واستأذناه في العمرة! فأذن لهما فقدما على عائشة وعظّما من أمر عثمان، وقالا: ما كنا نرى في التألب عليه أن يُقتل، فأما أن قُتل فلا توبة لنا إلا الطلب بدمه، ونقضا البيعة وأقاما بمكة.(٢)

أقول: تدلّ هذه الرواية على أن طلحة والزبير يريدان ولاية البصرة، ولمّا

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ١٩٩.

٢ - البدء والتاريخ، ج ٥، ص ٢١٠.

٣٠٥

يئسا منها وأيقنا أن علياً (ع) لا يولِّيهما البصرة استأذنا العمرة! حتى يخرجا من المدينة وينقضا البيعة.

سنن البيهقي: عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال: هذه غدرة فلان، وإن من أعظم الغدر بعد الإشراك بالله أن يبايع رجل رجلاً على بيع الله ورسوله ثم ينكث بيعته.(١)

مسند أحمد: عن مطرف قال: قلنا للزبير: يا أبا عبد الله، ما جاء بكم؟ ضيّعتم الخليفة حتى قتل! ثم جئتم تطلبون بدمه! قال الزبير: إنا قرأناها على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر وعمر وعثمان: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) لم نكن نحسب إنا أهلها حتى وقعت منا حيث وقعت.(٢)

مستدرك الحاكم: عن علقمة بن وقاص، قلت لطلحة: يا أبا محمد، إني أراك وأحب المجالس إليك أخلاها وأنت ضارب بلحيتك على زورك، إن كنت تكره هذا الأمر فدعه فليس يُكرهك عليه أحد، قال: يا علقمة بن وقّاص، لا تلمني! كنا أمس يداً واحدة على من سوانا فأصبحنا اليوم جبلين من حديد يزحف أحدنا إلى صاحبه.(٣)

أقول: يعترف طلحة بظهور الاختلاف بين المسلمين، الموجب لضعفهم وتفرّقهم واستيلاء الأجانب عليهم. ويظهر أن طلحة كان كارهاً للخلاف ومتردداً ومتزلزلاً في أمر هو متحيراً في نقض بيعته.

ثم أن طلحة والزبير وعائشة علّلوا خلافهم وخروجهم بأنهم يطلبون بدم عثمان من أمير المؤمنين علي (ع)، مع أن هؤلاء كانوا من أشد المخالفين لعثمان، وأن علياً (ع) كان ممن أعانه ودافع عنه.

الإمامة والسياسة: وذكروا أن الزبير دخل على عائشة، فقال: يا أماه! ما شهدتُ موطناً قطّ في الشرك ولا في الإسلام إلا ولي فيه رأي وبصيرة غير هذا الموطن

____________________

١ - سنن البيهقي، ج ٨، ص ١٥٩.

٢ - مسند أحمد، ج ١، ص ١٦٥.

٣ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١١٨.

٣٠٦

فإنه لا رأي لي فيه ولا بصيرة، وإني لعلى باطل. قالت عائشة: يا أبا عبد الله، خفت سيوف بني عبد المطلب. فقال: أما والله أن سيوف بني عبد المطلب طوال حداد يحملها فتية أنجاد. ثم قال لابنه: عليك بحربك، أما أنا فراجع.(١)

مستدرك الحاكم: عن إسرائيل قال: سمعت الحسن يقول: جاء طلحة والزبير إلى البصرة، فقال لهم الناس: ما جاء بكم؟ قالوا: نطلب دم عثمان، قال الحسن: أيا سبحان الله! أفما كان للقوم عقول فيقولون والله ما قتل عثمان غيركم؟

أقول: في هذا الحديث موارد للنظر:

١ - أن عثمان كانت له عائلة وأولاد، وهم أولياء دمه، وإذا فقدوا كان الإمام ولياً له.

٢ - إن طلب الدم لازم أن يكون بالمراجعة إلى الإمام أو القاضي المنصوب من قبله، فهذا بعد ثبوت الإمام وبعد البيعة له.

٣ - نقض البيعة بعد البيعة باطل، وطلب الدم يتوقف على البيعة لا على نقضها.

٤ - إن كان غرضهم طلب الدم من أمير المؤمنين علي (ع) بعنوان أنه من قتلة عثمان! فهو باطل، لأنه كان ممن أعانه ودفع عنه. وإن كان قصدهم طلب أفراد اشتركوا في إثارة الفتنة وتهييج الناس، فهؤلاء الطالبون كانوا من أشدّ المُثيرين وفي رأس المخالفين.

إتمام الحجة عليهم:

كان الأمر واضحاً، والحق بيّناً( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى ) . ومع هذا أراد الإمام أن يُتمم الحجة، لئلا يكون للناس على الله حجة.

____________________

١ - الإمامة والسياسة، ج ١، ص ٦٤.

٢ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١١٨.

٣٠٧

تاريخ الطبري: فقال علي لأصحابه: أيكم يُعرض عليهم هذا المصحف وما فيه، فإن قطعت يده أخذه بيده الأخرى، وإن قطعت أخذه بأسنانه؟ قال فتى شاب: أنا، فطاف عليّ على أصحابه يُعرض ذلك عليهم، فلم يقبله إلا ذلك الفتى، فقال له عليّ: أعرض عليهم هذا وقل هو بيننا وبينكم من أوله إلى آخره والله في دمائنا ودمائكم! فحُمل على الفتى وفي يده المصحف فقطعت يداه فأخذه بأسنانه حتى قتل، فقال عليّ: قد طاب لكم الضراب فقاتلوهم! فقتل يومئذٍ سبعون رجلاً كلهم يأخذ بخطام الجمل.(١)

أقول: هذا تمام الحجة، وفيه ينقطع الكلام ويتم الاعتذار، فإن كلام الله فوق كلمات المخلوقين، وفيه يرتفع الخلاف، وهو الحق من ربكم، لا ريب فيه هدى للمتقين. فانظر إلى جوابهم وإلى ما عملوا في قبال هذه الدعوة الحقة، فقتلوا داعيها وأظهروا الخلاف والعدوان، وخالفوا كلام الله الحق، وأعرضوا عن الحقيقة، وضلوا وأضلوا كثيراً من الناس.

ينهى أصحابه عن العدوان:

ثم بعد أن تمّت الحجة البالغة عليهم، وأصرّوا واستكبروا استكباراً، فأقبل عليّ أمير المؤمنين (ع) على أصحابه، يوصيهم ويأمرهم بالتقوى، وينهاهم عن العدوان.

مستدرك الحاكم: لما كان يوم الجمل نادى عليّ في الناس: لا ترموا أحداً بسهم ولا تطعنوا برمح ولا تضربوا بسيف ولا تطلبوا القوم، فإن هذا مقام من أفلح فيه أفلح يوم القيامة، قال: فتوافقنا ثم إن القوم قالوا بأجمع: يا ثارات عثمان! قال: وابن الحنفية أمامنا بربوة معه اللواء، قال: فناداه علي قال: فأقبل علينا يعرض وجهه، فقال: يا أمير المؤمنين، يقولون: يا ثارات عثمان! فمدّ عليّ

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ٢٠٤.

٣٠٨

يديه وقال: اللهم أكبّ قتلة عثمان اليوم بوجوههم! ثم إن الزبير قال للأساورة كانوا معه قال: ارموهم برشق، وكأنه أراد أن ينشب القتال، فلما نظر أصحابه إلى الانتشاب لم ينتظروا وحملوا فهزمهم الله، ورمى مروان بن الحكم طلحة بن عبيد الله بسهم فشك ساقه بجنب فرسه فقبض به الفرس حتى لحقه فذبحه، فالتفت مروان إلى أبان بن عثمان وهو معه فقال: لقد كفيتك أحد قتلة أبيك.(١)

العقد الفريد: ومن حديث ابن أبي شيبه قال: كان عليّ يخرج مناديه يوم الجمل يقول: لا يُسلبن قتيل ولا يُتبع مدبر ولا يُجهز على جريح.(٢)

أقول: يستفاد من هذه الرواية أمور:

١ - أنّ علياً (ع) نهى عن الابتداء بالحرب.

٢ - أنّه دعا على قتلة عثمان.

٣ - أنّ الزبير أمر قومه بالرمي وابتدءوا بالحرب.

٤ - أنّ مروان رمى طلحة بسهم فشك ساقه.

٥ - أنّه اعترف بأن طلحة أحد قتلة عثمان.

(مذاكرة علي (ع) معهما)

الكنى للبخاري: عن أبي جروة سمعت علياً والزبير، قال عليّ حين توافقا: هل سمعت النبي (ص) يقول: أنت تقاتلني ظالماً؟ قال: نعم.(٣)

الكنى للدولابي: عن الأسود بن قيس قال: حدثني من رأى الزبير يقعص الخيل قعصاً بالرمح، فناداه عليّ: يا أبا عبد الله، فأقبل حتى التفت أعناق دوابّهما، فقال: أنشدك بالله أتذكر يوم كنت أناجيك فأتانا رسول الله (ص) فقال: تُناجيه فوالله ليُقاتلنّك يوماً وهو لك ظالم، قال: فلم يعد أن يسمع

____________________

١ - مستدرك الحاكم ج ٣، ص ٢٧١.

٢ - العقد الفريد ج ٤، ص ٣٢٤.

٣ - الكنى للدولابي، ص ٢١.

٣٠٩

الحديث فضرب وجه دابته وذهب.(١)

سير الأعلام: يروي نظيراً من الروايتين.(٢)

ويروى أيضاً: عن أبن أبي ليلى: انصرف الزبير يوم الجمل عن عليّ فلقيه ابنه عبد الله، فقال: جُبناً جبناً ؛ قال: قد علم الناس إني لست بجبان، ولكن ذكّرني عليّ شيئاً سمعته من رسول الله (ص) فحلفتُ أن لا أُقاتله، ثم قال:

تركُ الأمور التي أخشى عواقبها

في الله أحسن في الدنيا وفي الدين(٣)

مستدرك الحاكم: عن أبي حرب قال: شهدت علياً والزبير لما رجع الزبير على دابته يشق الصفوف، فعرض له ابنه عبد الله فقال: ما لك؟ فقال: ذكر لي عليّ حديثاً سمعته من رسول الله (ص) يقول: لتقاتلنّه وأنت ظالم له، فلا أقاتله، قال: وللقتال جئت؟ إنما جئت لتصلح بين الناس ويُصلح الله هذا الأمر بك، قال: وقد حلفت أن لا أقاتل، قال: فأعتق غلامك جرجس وقف حتى تُصلح بين الناس، قال: فأعتق غلامه جرجس ووقف، فاختلف أمر الناس فذهب على فرسه.(٤)

قال الحاكم: وقد روي إقرار الزبير لعليّ بذلك من غير هذه الوجوه والروايات. ثم يروي روايات دالة عليه.

أقول: يستفاد من هذه الأحاديث أمور:

١ - الحديث الوارد الثابت المسلم، وهو قوله (ص): يقاتل الزبير وهو ظالم لعليّ - فلا يبقى ريب في أن عليّاً مظلوم وهو مع الحق، وأن مخالفيه ظالمون له.

٢ - ومن أعجب العجائب قول عبد الله بن الزبير: إنما جئت لتصلح بين الناس - فلا ندري من المراد من الناس؟ هل كان أحد غيره وغير طلحة وعائشة

____________________

١ - الكنى للدولابي، ج ١، ص ٩.

٢ - سير الأعلام، ج ١، ص ٣٧.

٣ - نفس المصدر، ص ٣٨.

٤ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ٣٦٦.

٣١٠

مُثيراً لهذه الفتنة؟ وهل يصح أن نقول: إن الخلاف للخليفة ونقض بيعته والقيام عليه هو الإصلاح بين الناس.

الإمامة والسياسة: قال عليّ لطلحة: إنما كان لكما أن لا ترضيا قبل الرضى وقبل البيعة، وأما الآن فليس لكما غيرُ ما رضيتما به إلا أن تخرجا مما بويعت عليه بحدث، فإن كنتُ أحدثت حدثاً فسموه لي، وأخرجتم أمكم عائشة وتركتم نساءكم فهذا أعظم الحدث منكم. أرضي هذا لرسول الله أن تهتكوا ستراً ضربه عليها وتُخرجوها منه.(١)

مستدرك الحاكم: عن الضبي: كنا مع علي يوم الجمل فبعث إلى طلحة بن عبيد الله، فأتاه طلحة، فقال: نشدتك الله هل سمعت رسول الله (ص) يقول: من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللَّهُم وال من والاه وعاد من عاداه! قال: نعم، قال: فلِمَ تُقاتلني؟ قال: لم أذكر، قال: فانصرف طلحة.(٢)

ويروى أيضاً: عن ثور بن مجزأة قال: مررت بطلحة بن عبيد الله يوم الجمل وهو صريع في آخر رمق، فوقفت عليه فرفع رأسه فقال: أني لأرى وجه رجل كأنه القمر ممن أنت؟ فقلت من أصحاب أمير المؤمنين علي، فقال: أبسط يد أبايعك! فبسطت يدي وبايعني ففاضت نفسه، فأتيت علياً فأخبرته بقول طلحة، فقال:الله أكبر الله أكبر! صدق رسول الله (ص): أبى الله أن يدخل طلحة الجنة إلا وبيعتي في عنقه .(٣)

أقول: فالروايتان تدلان على رجوع طلحة وتوبته.

نعم، لا يمكن تأويل قول رسول الله (ص): وعاد من عاداه، بوجه من الوجوه، ولا يمكن الاعتراف والتصديق بقوله: من كنت مولاه فعليّ مولاه، إلا بأن يولّي علياً على نفسه ويصير مطيعاً وموالياً ومبايعاً له، والحق في هذه المراحل في منتهى البداهة والوضوح.

____________________

١ - الإمامة والسياسة، ج ١، ص ٦٦.

٢ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ٣٧١.

٣ - نفس المصدر، ص ٣٧٣.

٣١١

مروان وطلحة

ولما تسامح طلحة في إظهار التوبة، وقصّر وكف عن تبيين الحق، فسلّط الله عزَّ وجلَّ عليه واحداً من أصحابه وأصدقائه،، فرماه بسهم وقتله به، وهذا أحد معاني قوله (ص): وعاد من عاداه.

الطبقات: فلما رأى مروان انكشاف الناس نظر إلى طلحة بن عبيد الله واقفاً، فقال: والله إن دم عثمان إلا عند هذا، وهو كان أشد الناس عليه وما أطلب أثرا بعد عين ففوّق له بسهم فرماه به فقتله.(١)

سير الأعلام: عن قيس: رأيت مروان بن الحكم حين رمى طلحة يومئذٍ بسهم فوقع في ركبته، فما زال ينسحّ حتى مات.(٢)

ويروى أيضاً: عن عليّ أنه قال:بشّروا قاتل طلحة بالنار .

ويروى أيضاً: أن مروان رمى طلحة بسهم قتله، ثم التفت إلى أبان فقال: قد كفيناك بعض قتلة أبيك.

مستدرك الحاكم: عن عكراش قال: كنا نقاتل علياً مع طلحة ومعنا مروان، قال: فانهزمنا. قال: فقال مروان: لا أُدرك بثأري بعد اليوم من طلحة، قال: فرماه بسهم فقتله.(٣)

العقد الفريد: قال طلحة يوم الجمل:

ندمت ندامة الكُسعيّ لما

طلبت رضا بني حزم بزعمي

اللَّهُم خُذ مني لعثمان حتى يرضى.

ومن حديث أبي بكر بن أبي شيبة لما رأى مروان بن الحكم يوم الجمل طلحة بن عبيد الله قال: لا أنتظر بعد اليوم بثأري في عثمان، فانتزع له سهم

____________________

١ - الطبقات، ج ٥، ص ٣٨.

٢ - سير الأعلام، ج ١، ص ٢٣.

٣ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ٣٧٠.

٣١٢

فقتله.(١)

الاستيعاب: يروي ما يقرب منها.(٢)

أقول: هذا إجمال ما وصل إلينا من جريان أمر طلحة والزبير، في زمان خلافة أمير المؤمنين علي (ع) ومن أعجب العجب ما تركاه من الأموال الكثيرة ومن العقار والأصول والعروض.

ما تركاه من الأموال

سير الأعلام: قُتل طلحة وفي يد خازنه ألف ألف درهم ومئتا إلف درهم، وقّومت أصوله وعقاره ثلاثين ألف درهم. (تعادل ١٢٣٠٠٠٠ - درهم).(٣)

وأعجب ما مرّ بي قول ابن الجوزي في كلام له على حديث قال: وقد خلّف طلحة ثلاثمئة حمل من الذهب.

ويروى: عن هشام عن أبيه: أن الزبير ترك من العروض بخمسين ألف ألف درهم ومن العين خمسين ألف ألف درهم (= ١٠٠٠٠٠٠٠٠ درهم).(٤)

ويروى أيضاً: اقتسم مال الزبير على أربعين ألف ألف.(٥)

أقول: وسيجيء فيفتنة عائشة ، وفيفتنة الجمل، ما يتعلّق بهما وما يرتبط بأمرهما.

العقد الفريد: قال عبد الله بن الزبير: فقتل الزبير ونظرت في دينه فإذا هو ألف ألف ومئة ألف (= ١١٠٠٠٠٠ ) قال: فبعت ضيعة له بالغابة بألف ألف وستمئة ألف (= ١٦٠٠٠٠٠)، ثم ناديت من كان له قِبل الزبير شيء فليأتنا

____________________

١ - العقد الفريد، ج ٤ ص٣٢١.

٢ - الاستيعاب، ج ٢، ص ٧٦٨.

٣ - سير الإعلام، ج ١، ص ٢٥.

٤ - نفس المصدر، ص ٤٢.

٥ - نفس المصدر، ص ٤٣.

٣١٣

نقضه! فلما قضيت دينه أخذت الثلث لولدي، ثم قسّمت الباقي، فصار لكل امرأة من نسائه - وكان له أربع نسوة - في ربع الثمن ألف ألف ومئة ألف (= ١١٠٠٠٠٠) فجميع ما ترك مئة ألف ألف وسبعمئة ألف ( ١٠٠٧٠٠٠٠٠ ).(١)

____________________

١ - العقد الفريد، ج ٤، ص ٣٢٤.

٣١٤

فتنة:

خروج عائشة

الفائق: أم سلمة (رضي الله تعالى عنها) أتت عائشة لما أرادت الخروج إلى البصرة، فقالت لها: إنك سدّة بين رسول الله (ص) وأمته، وحجابك مضروب على حرمته، وقد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه، وسكّن عُقيراك فلا تصحريها، الله من وراء هذه الأمة، لو أراد رسول الله (ص) أن يعهد إليك عهد، عُلتِ عُلتِ، بل قد نهاك رسول الله (ص) عن الفُرطة في البلاد. إن عمود الإسلام لا يثاب بالنساء إن مال، ولا يُرأب بهن إن صُدع، حُماديات النساء غضّ الإطراف وخَفَر الأعراض وقِصَر الوَهازة، ما كنتِ قائلة لو أن رسول الله (ص) عارضك ببعض الفلوات ناصة قلوصاً من منهل إلى آخر، إنّ بعين الله مهواك، وعلى رسوله تردين، قد وجّهت سِدافته، وتركت عُهيّداه، لو سرتُ مسيرك هذا ثم قيل ادخلي الفردوس لاستحييت أن ألقى محمداً هاتكة حجاباً قد ضربه عليّ. اجعلي حصنك بيتك ووقاعة الستر قبرك، حتى تلقينه وأنت على تلك أطوع ما تكونين لله ما لزمته.(١)

قالالزمخشري - السُدة: الباب. ندح الشيء: فتحه ووسعه. عقر: إذا بقي في مكانه وكأنها تصغير العقرى. أصحر: خرج إلى الصحراء. والعول: الميل. والفُرطة: التقدم. وأثابه: إذا قوّمه. وحُماداك: قُصاراك وغاية أمرك. والخَفر: الأمن والاستيجار. الوهازة: الخطوة. ونص الناقة: دفعها في السير. وتوجيه السدافة: هتك الستارة. والعُهيّدي: من العهد. وقاعة السِتر: ساحته وموضعه. والضمير في لزمته للستر. انتهى ملخصاً.

____________________

١ - الفائق، ج ١، ص ٥٨٤.

٣١٥

وقريب منها فيالعقد الفريد .(١)

تاريخ الطبري: خرجت عائشة نحو المدينة من مكة بعد مقتل عثمان واجتمع الناس على عليّ والأمر أمر الغوغاء. فقالت: ما أظن ذلك تاماً! رُدوني. فانصرف راجعة إلى مكة حتى إذا دخلتها أتاها عبد الله بن عامر الحضرميّ وكان أمير عثمان عليها، فقال: ما ردك يا أم المؤمنين؟ قالت: ردّني أن عثمان قتل مظلوماً وأن الأمر لا يستقيم ولهذه الغوغاء أمر، فاطلبوا بدم عثمان تُعزّوا الإسلام!! فكان أول من أجابها عبد الله بن عامر الحضرمي، وذلك أول ما تكلمت بنو أمية بالحجاز ورفعوا رؤوسهم، وقام معهم سعيد بن العاص والوليد بن عقبة وسائر بني أمية، وقد قدم عليهم عبد الله بن عامر من البصرة ويعلي بن أمية من اليمن وطلحة والزبير من المدينة، واجتمع ملأهم بعد نظر طويل في أمرهم على البصرة، وقالت: أيها الناس، إن هذا حدث عظيم وأمر منكر، فانهضوا فيه إلى إخوانكم من أهل البصرة فأنكروه، فقد كفاكم أهل الشام ما عندهم لعل الله عَزَّ وجَلَّ يدرك لعثمان وللمسلمين بثأرهم.(٢)

أقول: قد مرّ أن عائشة كانت ممن يطعن في عثمان ويأمر الناس بطرده وإنكاره وخلافه ونقض بيعته.

ويروى أيضاً: وقد كان أزواج النبي (ص) معها على قصد المدينة فلما تحول رأيها إلى البصرة تركن ذلك وانطلق القوم بعدها إلى حفصة، فقالت: رأيي تبع لرأي عائشة حتى إذا لم يبق إلا الخروج. قالوا: كيف نستقل وليس معنا مال نجهّز به الناس، فقال يعلى بن أمية معي ستمئة ألف وستمئة بعير فاركبوها، وقال ابن عامر، معي كذا وكذا، فتجهزوا به، فنادى المنادي: أن أم المؤمنين وطلحة والزبير شاخصون إلى البصرة فمن كان يريد إعزاز الإسلام وقتال المحلين والطلب بثأر عثمان! ولم يكن عنده مركب ولم يكن له جهاز فهذا جهاز وهذه نفقة، فحملوا ستمئة رجل على ستمئة ناقة سوى من كان له مركب، وكانوا

____________________

١ - العقد الفريد، ج ٤، ص ٣١٦.

٢ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ١٦٦.

٣١٦

جميعا ألفاً وتجهّزوا بالمال ونادوا بالرحيل واستقلوا ذاهبين، وأرادت حفصة الخروج فأتاها عبد الله بن عمر فطلب إليها أن تقعد فقعدت.(١)

أقول: من أعجب العجب نداء المنادي بتلك الكلمات:

١ - قوله: (من كان يريد إعزاز الإسلام) لا أدري بخروجهم على الخليفة الحق يُعز الإسلام أو بإثارة الفتنة؟!

٢ - قوله: (قتال المُحلين) إن كان نظرهم إلى قتال المحلين، فهؤلاء الثلاثة ( طلحة، الزبير، عائشة ) في رأس المحلين والمخالفين.

٣ - قوله: (والطلب بثأر عثمان) هذا الكلام في غاية الضعف، فإن طالب الثأر يلزم أن يكون: وليّ الدم، وإماماً، أو قاضياً منصوباً.

الطبقات: فلما خرج طلحة والزبير وعائشة من مكة يريدون البصرة خرج معهم سعيد بن العاص ومروان بن الحكم وعبد الرحمن بن عتّاب والمغيرة بن شعبة. فلما نزلوا، مر الظهران، ويقال: ذات عرق، قام سعيد بن العاص فحمد الله ...: وقد زعمتم - أيها الناس - أنكم إنما تخرجون تطلبون بدم عثمان، فإن كنتم ذلك تريدون فإن قتلة عثمان على صدور هذه المطيّ وأعجازها فميلوا عليها بأسيافكم وإلا فانصرفوا إلى منازلكم ولا تقتلوا في رضي المخلوقين أنفسكم، فقال مروان: لا بل نضرب بعضهم ببعض فمن قتل كان الظفر فيه ويبقى الباقي فنطلبه وهو واهن، وقام المغيرة وقال: إن الرأي ما رأى سعيد، من كان من هوازن فأحب أن يتّبعني فليفعل! فتبعه منهم أناس وخرج حتى نزل الطائف، ورجع سعيد بن العاص بمن اتبعه حتى نزل مكة فلم يزل بها حتى مضى الجمل وصفّين.(٢)

تاريخ الطبري: لقى سعيد بن العاص مروان بن الحكم وأصحابه بذات عِرق فقال: أين تذهبون وثأركم على أعجاز الإبل! اقتلوهم ثم ارجعوا إلى منازلكم! لا تقتلوا أنفسكم، قالوا: بل نسير فلعلنا نقتل قتلة عثمان جميعاً، فخلا سعيد بطلحة والزبير فقال: إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر؟ أصدقاني! قالا: لأحدنا أيّن

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ١٦٧.

٢ - الطبقات، ج ٥، ص ٣٤.

٣١٧

اختاره الناس. قال: بل اجعلوا لولد عثمان فإنكم خرجتم تطلبون بدمه. قالا: ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأبنائهم!.(١)

أقول: في هذه الكلمات موارد للاعتبار:

١ - قد مر في فصل قتل عثمان: أن أول من نصح عثمان وأعانه وذبّ عنه أمير المؤمنين (ع)، وممن خالفه وعانده وأثار الناس عليه الذين يطلبون بدمه، كما قال سعيد: وثأركم على أعجاز الإبل.

٢ - يستكشف أن مخالفة هؤلاء وخروجهم على أمير المؤمنين (ع) إنما كان لطلب الرئاسة وتحصيل الدنيا ولأغراض شخصية.

٣ - جعلُ الإمارة والسلطنة الدينية باختيار الناس في الزبير أو في طلحة ؛ مخالف لأي قول، فإنهم مجمعون بأن الخلافة إما بالنص والوصية من السابق، أو بإجماع الصحابة والمسلمين على اختيار من هو أصلح وأفضل، وأما اختيار جمع من الناس فغير مستقيم وإلا فيختار الناس في كل بلد إماماً.

ويروى أيضاً: وأقبل غلام من جهينة على محمد بن طلحة، وكان محمد رجلاً عابداً، فقال: أخبرني عن قتلة عثمان؟ فقال: نعم ؛ دم عثمان ثلاثة أثلاث، ثُلث على صاحبة الهودج، يعني عائشة، وثُلث على صاحب الجمل الأحمر، يعني طلحة، وثُلث على علي بن أبي طالب، وضحك الغلام وقال: ألا أراني على ضلال؟! ولحق بعلي وقال في ذلك شعراً:

سألت ابنَ طلحة عن هالك

بجوف المدينة لم يُقبَر

فقال ثلاثة رَهط هم

أماتوا ابن عفان واستعبر

فثُلث على تلك في خِدرها

وثُلث على راكب الأحمر

وثلث على علي ابن أبي طالب

ونحن بَدوِيّة قَرقَر

فقلت صدقت على الأوَّلين

وأخطأت في الثالث الأزهر(٢)

أقول: فإذا اعترف ابن طلحة بأن الثلثين من دم عثمان على طلحة وعائشة،

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ١٦٨.

٢ - تاريخ الطبري، ج ٥ ص١٧٦.

٣١٨

فاعترافه عليهما نافذ ومعتبر، فإنه اعتراف على نفسه. وأما نسبة ثُلث الدم إلى أمير المؤمنين (ع)، فهي محتاجة إلى الإثبات ولا دليل لها، بل الظاهر من كتب التاريخ والحديث خلافها، وقد مرّ ما يدل على أنه كان ممن أعان عثمان ودفع عنه ونصح له.

نباح الكلاب عليها

ومن الحوادث التي أخبر عنها رسول الله (ص) مرور عائشة في مسيرها بالحوأب ونباح كلابها عليها.

مسند أحمد: عن قيس، أن عائشة قالت لما أتت على الحوأب سمعت نباح الكلاب، فقال: ما أظنني إلا راجعة، إن رسول الله (ص) قال: أيّتكنّ تنبح عليها كلاب الحوأب. فقال لها الزبير: ترجعين عسى الله أن يُصلح بكِ بين الناس.(١)

الإمامة والسياسة: فلما انتهوا إلى ماء الحوأب في بعض الطريق ومعهم عائشة نبحها كلاب الحوأب، فقالت لمحمد بن طلحة: أي ماء هذا؟ قال: هذا ماء الحوأب. فقالت: ما أراني إلا راجعة. قال: ولِمَ؟ قالت: سمعت رسول الله (ص) يقول لنسائه: كأني بإحداكنّ قد نبحها كلاب الحوأب وإياك أن تكوني أنت يا حميراء. فقال لها محمد بن طلحة: تقدمي رحمك الله ودعي هذا القول.(٢)

مستدرك الحاكم والمحاسن للبيهقي: عن سالم ذكر النبي (ص) بعض أمهات المؤمنين، فضحكت عائشة، فقال: انظري يا حميراء أن لا تكوني أنت هي! ثم التفت إلى عليّ (رضوان الله عليه)، فقال: انظر يا أبا الحسن إن وليت من أمرها شيئاً فارفق بها.(٣)

____________________

١ - مسند أحمد، ج ٦، ص ٩٧.

٢ - الإمامة والسياسة، ج ١، ص ٥٥.

٣ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١١٩ والمحاسن للبيهقي، ص ٤٩.

٣١٩

وفيالمحاسن: قال الزهري: لما سارت عائشة ومعها طلحة والزبير في سبعمئة من قريش كانت تنزل كل منزل فتسأل عنه، حتى نبحتها كلاب الحوأب، فقالت: رُدوني لا حاجة لي في مسيري هذا، فقد كان رسول الله (ص) نهاني فقال: كيف أنت يا حميراء لو قد نبحت عليك كلاب الحوأب (أو أهل الحوأب)، في مسيرك تطلبين أمراً أنت عنه بمعزل؟!

فقال عبد الله بن الزبير: ليس هذا بذلك المكان الذي ذكره رسول الله (ص)، ودار على تلك المياه حتى جمع خمسين شيخا قسامة فشهدوا أنه ليس بالماء الذي تزعمه أنه نُهيت عنه.

فلما شهدوا قبلت وسارت حتى وافت البصرة، فلما كان حرب الجمل أقبلت في هودج من حديد، وهي تنظر من منظر قد صُيّر لها في هودجها، فقالت لرجل من ضبّة وهو آخذ بخطام جملها أو بعيرها: أين ترى علي بن أبي طالب رضي الله عنه؟ قال: هو ذا واقف رافع يده إلى السماء، فنظرت فقالت: ما أشبهه بأخيه!

قال الضبيّ: ومن أخوه؟ قالت: رسول الله (ص)، قال: فلا أراني أقاتل رجلاً هو أخو رسول الله (ص)، فنبذ خطام راحلتها من يده ومال إليه.

وفيالمستدرك: عن قيس قال: لما بلغت عائشة بعض ديار بني عامر نبحت عليها الكلاب، فقالت: أي ماء هذا؟ قالوا: الحوأب، قالت: ما أضنني إلا راجعة، فقال الزبير: لا بعدُ! تقدمي ويراك الناس ويُصلح الله ذات بينهم، قالت: ما أظنني إلا راجعة، سمعت رسول الله (ص) يقول: كيف بإحداكن إذا نبحتها كلاب الحوأب.(١)

تاريخ الطبري: حدثني العُرني صاحب الجمل قال: بينما أنا أسير على جمل إذ عرض لي راكب فقال: يا صاحب الجمل، تبيع الجمل؟ قلت: نعم. قال: بكم؟ قالت: بألف درهم. قال: مجنون أنت، جمل يُباع بألف درهم! قال، قلت: نعم

____________________

١ - مستدرك الحكم، ج ٣، ص ١٢٠.

٣٢٠