الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام0%

الحقائق في تاريخ الاسلام مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 495

الحقائق في تاريخ الاسلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة المصطفوي
تصنيف: الصفحات: 495
المشاهدات: 186616
تحميل: 6849

توضيحات:

الحقائق في تاريخ الاسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 495 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 186616 / تحميل: 6849
الحجم الحجم الحجم
الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فاعترف عملاً بقول عمرو وصدّقه ولم يكذّبه.

٣ - حديث عبادة عن رسول الله (ص) فإنهما لا يجتمعان على خير أبداً. فأخبر رسول الله (ص) عن حالهما وعن اتفاقهما على الشر.

٤ - قول ابن عباس: إن معاوية وأصحابه أهل دنيا. وقد سبق مختصر من أحوال أصحابه وعمّاله، وسيجيء إجمال أحوالهم.

٥ - قول علي (ع): لا والله لا أستعمل معاوية يومين أبداً. يدل على أن علياً (ع) لم يطمئن بحكومته وعمله ولو في يومين.

٦ - قول قيس: وأبعدهم من الله ورسوله وله ضالين مضلين طاغوت من طواغيت إبليس. يدل عليه خلاف معاوية علياً (ع) وهو أحب الناس إلى الله ورسوله، وهو الحق ويهدي إلى الحق.

٧ - قول عمار: إن تنظروا إلى من عادى الله ورسوله وجاهدهما وبغى على المسلمين وظاهر المشركين. يدل عليه خلافه رسول الله (ص) أولاً وعلياً ثانياً وهو ابن عمه وخليفته.

٨ - قول أبو الطفيل: وفي حياة عثمان ما زوّدته زاداً. وقد سبق ما يدل عليه في فصول عثمان.

٩ - قول علي (ع): إنك من الطُلقاء ولا تحل لهم الخلافة.

١٠ - قول سعد: فإن عمر لم يُدخل في الشورى إلا من تحل له الخلافة.

١١ - قول عبد الرحمن بن غنم: إنه وأباه من رءوس الأحزاب.

١٢ - قول علي (ع): إنْ أقررتُ معاوية كنتُ متخذاً المضلين عضداً.

٣٤١

فتنة:

(حرب صفين)

الملل والنحل: والخلاف بينه وبين معاوية وحرب صفين، ومخالفة الخوارج وحمله على التحكيم ومغادرة عمرو بن العاص أبا موسى الأشعري.(١)

تاريخ الطبري: فدخل عمرو على معاوية فقال: والله لعجب لك أني أرفدك بما أرفدك وأنت مُعرض عني! أما والله إن قاتلنا معك نطلب بدم الخليفة إن في النفس من ذلك ما فيها، حيث نقاتل من تعلم سابقته وفضله وقرابته، ولكنا إنما أردنا هذه الدنيا، فصالحه معاوية وعطف عليه.(٢)

ويروي: عن جندب الأزدي أن علياً كان يأمرنا في كل موطن لقينا فيه معه عدواً فيقول: لا تقاتلوا القوم حتى يبدؤوكم ؛ فأنتم بحمد الله عَزَّ وجَلَّ على حجة، وترككم إياهم حتى يبدؤوكم حجة أخرى لكم. فإذا قاتلتموهم فهزمتموهم، فلا تقتلوا مدبراً، ولا تجهزوا على جرح، ولا تكشفوا عورة، ولا تمثِّلوا بقتيل. فإذا وصلتم إلى رجال القوم، فلا تهتكوا سراً ولا تدخلوا داراً إلا بإذن، ولا تأخذوا شيئاً من أموالهم إلا ما وجدتم في عسكرهم، ولا تهيجوا امرأة بأذى وإن شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم وصلحاءكم، فإنهن ضعاف القوى والأنفس.(٣)

أقول: المتحصل من هذا الكلام أن اللازم في هذه الفتنة هو الدفاع والصد عن قتالهم وإشاعة أمرهم وحكمهم وتوسعة حكومتهم ونفوذ قدرتهم المادية الدنيوية.

ويروي أيضاً: عن زيد بن وهب الجهني: أن عمار بن ياسر (رحمه الله) قال

____________________

١ - الملل والنحل، ج ١، ص ٢٢.

٢ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ٢٣٤.

٣ - نفس المصدر، ج ٦، ص ٦.

٣٤٢

يومئذٍ: أين من يبتغي رضوان الله عليه ولا يؤوب إلى مال ولا ولد. فأتته عصابة من الناس، فقال: أيها الناس، اقصدوا بنا نحو هؤلاء الذين يبغون دم ابن عفان ويزعمون أنه قتل مظلوماً، والله ما طلبتهم بدمه ولكنَّ القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها واستمرؤوها، وعلموا أن الحق إذا لزمهم حال بينهم وبين ما يتمرّغون فيه من دنياهم، ولم يكن للقوم سابقة في الإسلام يستحقون بها طاعة الناس والولاية عليهم، فخدعوا أتباعهم أن قالوا: إمامنا قتل مظلوماً! ليكونوا بذلك جبابرة ملوكاً، وتلك مكيدة بلغوا بها ما ترون، ولولا هي ما تبعهم من الناس رجلان. اللَّهُم إن تنصرنا فطالما نصرت، ولا تجعل لهم الأمر، فادّخر لهم بما أحدثوا في عبادك العذاب الأليم.(١)

ويروي أيضاً: أن علياً مرَّ على جماعة من أهل الشام فيها الوليد بن عقبة وهم يشتمونه فخبّر بذلك، فوقف فيمن يليهم من أصحابه فقال: انهدُّوا إليهم، عليكم السكينة والوقار وقار الإسلام وسيما الصالحين، فوالله لأقرب قوم من الجهل قائدهم ومؤذنهم معاوية وابن النابغة وأبو الأعور السلمي وابن أبي معيط شارب الخمر المجلود حداً في الإسلام!! وهم أولى من يقومون فينقصونني ويجذبونني، وقبل اليوم قاتلوني، وأنا إذ ذاك أدعوهم إلى الإسلام وهم يدعونني إلى عبادة الأصنام. الحمد لله، قديماً عاداني الفاسقون فعبد هم الله، ألم يُفتَحوا إن هذا لهو الخطب الجليل أن فسَّاقاً كانوا غير مرضيين وعلى الإسلام وأهله متخوِّفين، خدعوا شطر هذه الأمة، وأشربوا قلوبهم حب الفتنة واستمالوا أهواءهم بالآفات والبهتان، قد نصبوا لنا الحرب في إطفاء نور الله عَزَّ وجَلَّ، اللَّهُم فافضض خدمتهم وشتت كلمتهم وأبسلهم بخطاياهم.(٢)

أقول: أبو الأعور هو عمرو بن سفيان السلمي، عليه مدار حروب معاوية في صفين، أدرك الجاهلية وليست له صحبة. ومن العجب ما يروي مرسلاً عن النبي (ص) كما فيالاستيعاب : إنما أخاف على أمتي شحاً مطاعاً وهوى متبعاً،

____________________

١ - نفس المصدر، ج ٦، ص ٢١.

٢ - تاريخ الطبري، ج ٦، ص ٢٥.

٣٤٣

إماماً ضالاً. وهذا الحديث حجة تامة عليه، وقد ختم الله على قلبه وعلى بصره غشاوة.(١)

العقد الفريد: اجتمعت قريش ( الشام والحجاز ) عند معاوية وفيهم عبد الله بن عباس، وكان جريئاً على معاوية حقَّاراً له، فبلغه عنه بعض ما غمّه، فقال معاوية وذنوبكم إلينا أكثر من ذنوبنا إليكم: خذلتم عثمان بالمدينة، وقتلتم أنصاره يوم الجمل، وحاربتموني بصفين، ولعمري لبنو تيم وعديّ أعظم ذنوباً منا إليكم، إذ صرفوا عنكم هذا الأمر وسنّوا فيكم هذه السنة فتكلّم ابن عباس وأما استعمال عليّ إيانا فلنفسه دون هواه، وقد استعملت أنت رجالاً لهواك لا لنفسك، منهم ابن الحضرمي على البصرة فقتل، وابن بشر أرطاة على اليمن فخان، وحبيب بن مُرة على الحجاز فرُدّ، والضحاك بن قيس الفهري على الكوفة فحُصب، ولو طلبت ما عندنا وقينا أعراضنا. وليس الذي يبلغك عنا بأعظم من الذي يبلغنا عنك، ولو وضع أصغر ذنوبكم إلينا على مئة حسنة لمحقها، ولو وضع أدنى عذرنا إليكم على مئة سيئة لحسنها. وأما خَذْلُنا عثمان: فلو لزمنا نصره لنصرناه، وأما قتلنا انصراه يوم الجمل: فعلى خروجهم مما دخلوا فيه، وأما حربنا إيّاك بصفين: فعلى تركك الحق وادعائك الباطل، وأما إغراؤك إيَّانا بتيم وعديّ: فلو أدرناها ما غلبونا عليها.(٢)

الإمامة والسياسة: لما انتهى كتاب عمرو إلى ابن عباس، أتى به إلى عليّ فأقرأه إيَّاه، فقال عليّ: قاتل الله ابن العاص! أجبه! فكتب إليه: أما بعد، فإنني لا أعلم رجلاً أقلُّ حياءً منك في العرب، إنك مَالَ بك الهوى إلى معاوية، وبعته دينك بالثمن الأوكس، ثم خطبت الناس في عشواء طمعاً في هذا الملك، فلمّا تراميناه أعظمت الحرب والرماء إعظام أهل الدين، وأظهرت فيها كراهية أهل الورع، لا تريد بذلك إلا تمهيد الحرب وكسر أهل الدين. فإن كنت تريد الله فدع مصر وارجع إلى بيتك، فإن هذه حرب ليس فيها معاوية

____________________

١ - الاستيعاب، ج ٣، ص ١١٧٩.

٢ - العقد الفريد، ج ٤، ص ٧.

٣٤٤

كعلي، بدأها عليّ بالحق وانتهى فيها بالعذر، وبدأها معاوية بالبغي وانتهى فيها إلى السرف، وليس أهل الشام فيها كأهل العراق: بايع أهل العراق علياً وهو خير منهم، وبايع أهل الشام معاوية وهم خير منه، ولست أنا وأنت فيها سواء، أردتُ الله وأردتَ مصر.(١)

مستدرك الحاكم: عن الحكم قال: شهد مع علي صفين ثمانون بدرياً وخمسون ومئتان ممن بايع تحت الشجرة.(٢)

الاستيعاب: قال عبد الرحمن بن أبزى: شهدنا مع عليّ (رضي الله عنه) صفين في ثمنمائة ممن بايع بيعة الرضوان، قتل منهم ثلاثة وستون، منهم عمار بن ياسر.(٣)

ويروي أيضاً: عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: شهدنا مع علي (رضي الله عنه) صفين، فرأيت عمار بن ياسر لا يأخذ في ناحية ولا واد من أودية صفين إلا رأيت أصحاب محمد (ص) يتبعونه، كأنه علم لهم، وسمعت عماراً يقول يومئذٍ لهاشم بن عقبة: تقدم! الجنة تحت الأبارقة، اليوم ألقى الأحبة محمداً وحزبه، والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هَجَر لعلمنا أنَّا على الحق وأنهم على الباطل.

أقول: في مقدمةالاستيعاب يروي:( السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ) الذين بايعوا بيعة الرضوان، قال الله تعالى:( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ) والشجرة في الحديبية، وعدّتهم أربع عشرة مئة، وكان عدة أهل بدر ثلاثمئة وثلاث عشرة. ويروي عن رسول الله (ص):لن يلج النار أحد شهد بدراً أو الحديبية.

الإمامة والسياسة: إن عبد الله بن أبي محجن الثقفي قدم على معاوية فقال: يا أمير المؤمنين، إني أتيتك من عند الغبي الجبان البخيل ابن أبي طالب! فقال معاوية: لله أنت! تدري ما قلت، أما قولك الغبيّ: فوالله لو أن ألسُن الناسِ

____________________

١ - الإمامة والسياسة، ج ١، ص ٩٥.

٢ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٠٤.

٣ - الاستيعاب، ج ٣، ص ١١٣٨.

٣٤٥

جُمعت فجعلت لساناً واحداً لكفاها لسان عليّ. وأما قولك إنه جبان: فثكلتك أمك هل رأيت أحداً بارزه إلا قتله. وأما قولك إنه بخيل: فوالله لو كان بيتان أحدهما من تبر والآخرة من تبن لأنفد تبره قبل تبنه. فقال الثقفي: فعلى مَ تُقاتله إذاً؟! ثم لحق بعليّ.(١)

تاريخ الطبري: فأرسل عليّ إلى الأشتر فقال: يا مالك فإذا قدمت عليهم فأنت عليهم، وإياك أن تبدأ القوم بقتال إلا أن يَبدؤوك حتى تلقاهم فتدعوهم وتُسمع، ولا يجرمنّك شنأنهم على قتالهم قبل دعائهم والإعذار إليهم مرة بعد مرة، واجعل على ميمنتك زياداً.(٢)

ويروي: فدعا عليّ صعصعة بن صوحان فقال له: ائت معاوية وقل له: إنا سرنا مسيرنا هذا إليكم ونحن نكره قتالكم قبل الإعذار إليكم، وإنك قدّمت إلينا خيلك ورجالك فقاتلتنا قبل أن نقاتلك وبدأتنا بالقتال، ونحن من رأينا الكف عنك حتى ندعوك ونحتج عليك، وهذه أخرى قد فعلتموها قد حُلتم بين الناس ومبين الماء، والناس غير منتهين أو يشربوا، فابعث إلى أصحابك فليُخلوا بين الناس وبين الماء، ويكفّوا حتى ننظر فيما بيننا وبينكم وفيما قدمنا وقدمتم له.(٣)

ويروي: ثم إن علياً دعا بشير بن عمرو بن محصن وسعيد بن قيس الهمداني وشبث بن ربعي التميمي، فقال: ائتوا هذا الرجل فادعوه إلى الله والى الطاعة والجماعة فحمد الله، وأثنى عليه أبو عمرة بشير بن عمرو وقال: يا معاوية، إن الدنيا عنك زائلة وإنك راجع إلى الآخرة، وإن الله عَزَّ وجَلَّ مُحاسبك بعملك وجازيك بما قدّمت يداك، وإني أنشدك الله عَزَّ وجَلَّ أن تُفرّق جماعة هذه الأمة وأن تسفك دماءهم بينها! فقطع عليه الكلام وقال: هلا أوصيت بذلك صاحبك؟ فقال أبو عمرة: إن صاحبي ليس مثلك! إن صاحبي أحق البرية كلها

____________________

١ - الإمامة والسياسة، ج ١، ص ١٧.

٢ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ٢٣٨.

٣ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ٢٤١.

٣٤٦

بهذا الأمر في الفضل والدين والسابقة في الإسلام والقرابة من الرسول (ص)، قال: فيقول ماذا؟ قال: يأمرك بتقوى الله عَزَّ وجَلَّ وإجابة ابن عمك إلى ما يدعوك إليه من الحق، فإنه أسلمُ لك في دنياك وخير لك في عاقبة أمرك، قال معاوية: ونطّل دم عثمان! لا والله لا أفعل ذلك أبداً. فذهب سعيد بن قيس يتكلم فبادره شبث بن ربعي فتكلم، فحمد الله وأثنى عليه وقال: يا معاوية، إني قد فهمت ما رددت على ابن محصن، إنه والله لا يخفى علينا ما تغزو وما تطلب، إنك لم تجد شيئاً تستغوي به الناس وتستميل به أهواءهم وتستخلص به طاعتهم إلا قولك: قُتل إمامكم مظلوماً فنحن نطلب بدمه، فاستجاب له سفهاء طغام، وقد علمنا أن قد أبطأت عنه بالنصرة وأحببت له القتل، لهذه المنزلة التي أصبحت تطلب.(١)

ويروي: فبعث عليٌّ عديّ بن حاتم ويزيد بن قيس الأرحبي وشبث بن ربعي وزياد بن حفصة إلى معاوية، فلما دخلوا حمد الله عديُّ بن حاتم ثم قال: أما بعد، فإنا أتيناك ندعوك إلى أمر يجمع الله عَزَّ وجَلَّ به كلمتنا وأمتنا، ويحقن به الدماء ويأمن به السبل ويصلح به ذات البين. إن ابن عمك سيد المسلمين، أفضلها سابقة، وأحسنها في الإسلام أثراً، وقد استجمع له الناس، وقد أرشدهم الله عَزَّ وجَلَّ بالذي رأوا، فلم يبق أحد غيرك وغير من معك، فانته يا معاوية لا يصبك الله وأصحابك بيوم مثل يوم الجمل! فقال معاوية: كأنك إنما جئت متهدداً لم تأت مصلحاً، هيهات يا عديّ، كلا والله إني لابن حرب ما يقعقع لي بالشنان، أما والله إنك لمن المجلبين على ابن عفان وإنك لمن قتلته، وإني لأرجو أن تكون ممن يقتل الله عَزَّ وجَلَّ به.(٢)

أقول: يظهر من هذه الخطابات والكلمات أمور:

١ - أن أمير المؤمنين علياً يدعو إلى الحق ولا يقصد إلا إجراء الحق والعمل بالكتاب والسنة والإصلاح بين المسلمين وجمع كلمتهم. وأما معاوية، فهو لا يريد إلا الرئاسة والحكومة والدنيا، وليس إلى طلبها سبيل إلا الحرب، وليس للحرب

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ٢٤٢.

٢ - نفس المصدر، ج ٦، ص ٢.

٣٤٧

مستمسك إلا طلب الدم. وما أحسن ما قال شبث بن ربعي: والله لا يخفى علينا ما تغزو وما تطلب، إنك لم تجد شيئاً تستغوي به الناس وتستميل به أهواءهم وتستخلص به طاعتهم إلا قولك قتل إمامكم مظلوماً فنحن نطلب بدمه.

٢ - إن أمير المؤمنين علياً هو أول من أسلم، وهو أحب الناس إلى الله عَزَّ وجَلَّ وإلى رسوله، وهو أعلم الأمة وأتقاهم وأحسنهم جهاداً وأثراً في سبيل الله، ومن قال له رسول الله (ص): اللَّهُم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله. وأنت مني بمنزلة هارون من موسى، وأنت أخي في الدنيا والآخرة. وغير ذلك. وأما معاوية، فهو ليس من المهاجرين والأنصار، وليست له سابقة فضل ومعرفة وجهاد في سبيل الله، وكان من المخالفين وفي صفوف الأعداء، ومن رؤساء المشركين إلى أن فُتحت مكة، فدخل هو وأبوه في الإسلام فيمن دخل، فهو في زمان رسول الله (ص) كان مخالفاً للإسلام وللمسلمين، ثم أسلم ووافق ظواهر الإسلام واستقرّ تحت لوائه، ولم يدخل نور حقيقة الإيمان وحقائق الإسلام في قلبه، ولم يخرج حبّ الدنيا والرئاسة من باطنه، فهو الآن في رأس صفوف المنافقين الذين قالوا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، ويحاربون المسلمين على حقائق الإسلام! فانظر إلى كلام أمير المؤمنين (ع) في حقه يرويه الطبري وتدبّر فيه حتى يظهر لك حقيقة حاله وحقيقة المقام.

يروي: أن معاوية بعث إلى عليٍّ حبيبَ بن مسلمة الفهري وشرحبيل بن السمط ومعن بن يزيد بن الأخنس، فدخلوا عليه وأنا عنده، فحمد الله حبيب وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإن عثمان بن عفان كان خليفة مهدياً يعمل بكتاب الله عَزَّ وجَلَّ وينيب إلى أمر الله تعالى، فاستثقلتم حياته واستبطأتم وفاته فعدوتم عليه فقتلتموه، فادفع إلينا قتلة عثمان إن زعمت أنك لم تقتله نقتلهم به، ثم اعتزل أمر الناس فيكون أمرهم شورى بينهم يُولّى الناس أمرهم من أجمع عليه رأيهم. فقال له علي بن أبي طالب: وما أنت لا أم لك! والعزل وهذا الأمر، اسكت، فإنك لست هناك ولا بأهل له. فقام وقال له: والله لترينّي بحيث تكره! فقال عليّ: وما أنت ؛ ولو أجلبت بخيلك ورجلك، لا أبقى الله عليك إن

٣٤٨

أبقيت عليّ، أحُقرة وسوءاً، اذهب فصوّب وصعّد ما بدالك! وقال شرحبيل بن السمط: إن كلمّتك فلعمري ما كلامي إلا مثل كلام صاحبي قبل، فهل عندك جواب غير الذي أجبته به؟ فقال عليّ: نعم، لك ولصاحبك جواب غير الذي أجبته به، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإن الله جَلَّ ثناؤه بعث محمداً (ص) بالحق فأنقذ به من الضلالة، وانتاش به من الهلكة، وجمع به من الفرقة. ثم قبضه الله إليه وقد أدّى ما عليه (صلَّى الله عليه وسلَّم)، ثم استخلف الناس أبا بكر، واستخلف أبو بكر عمر، فأحسنا السيرة وعدلا في الأمة. وقد وجدنا عليهما أن تولّيا علينا ونحن آل رسول الله (ص)، فغفرنا ذلك لهما. ووُلّي عثمان فعمل أشياء عابها الناس عليه، فساروا إليه فقتلوه. ثم أتاني الناس وأنا معتزل أمورهم فقالوا لي: بايع. فأبيت عليهم، فقالوا لي: بايع فإن الأمة لا ترضى إلا بك، وإنا نخاف أن لم تفعل أن يفترق الناس. فبايعتهم. فلم يرُعني إلا شقاق رجلين قد بايعاني، وخلاف معاوية الذي لم يجعل الله عَزَّ وجَلَّ له سابقة في الدين ولا سلف صدق في الإسلام، طليق ابن طليق، حزب من هذه الأحزاب، لم يزل لله عَزَّ وجَلَّ ولرسوله (ص) وللمسلمين عدواً هو وأبوه، حتى دخلا في الإسلام كارهين، فلا غَرو إلاّ خلافكم معه وانقيادكم له، وتدعون آل نبيكم (ص) الذين لا ينبغي لكم شقاقهم ولا خلافهم ولا أن تعدلوا بهم من الناس أحداً. ألا إني أدعوكم إلى كتاب الله عَزَّ وجَلَّ وسنة نبيه (ص) وإماتة الباطل وإحياء معالم الدين، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولكل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة. فقال: أشهدْ أن عثمان قُتل مظلوماً. فقال لهما: لا أقول إنه قتل مظلوماً ولا إنه قتل ظالماً. قالوا: فمن لم يزعم أن عثمان قتل مظلوماً فنحن منه برآء. ثم قاما فانصرفا. فقال عليّ: ( إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ ) .(١)

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٦، ص ٤.

٣٤٩

أقول: في هذه الكلمات موارد للنظر نُشير إلى بعضها:

أولاً - قول حبيب فقلتموه فادفع إلينا قتلته: قد مرّ أن أمير المؤمنين علياً كان من الناصحين المدافعين الناصرين لعثمان. وأما معاوية، فكان ممن تسامح في نصرته والدفاع عنه وإجابة دعوته.

ثانياً - بيعة الإمام وإطاعته واجبة على كل فرد مسلم، والإمام على عقيدتهم من يتعيّن من جانب المهاجرين والأنصار في مدينة رسول الله (ص) ولا يتوقف هذا على حكم آخر، بمعنى أن المبايعة واجبة، وطلب الثأر حكم آخر فرعيّ لابد فيه من المراجعة إلى الحاكم والقاضي، حتى يحكم بعد التحقيق عن القاتل وكيفية القتل والقصد فيه وثبوت الجناية بالطريق الشرعي، بحكم خاص.

ثالثاً - أن معاوية فرد من أفراد المسلمين، وليس بولي عثمان ولا بولي المسلمين، حتى يدّعي أنه يطلب ثأر عثمان أو يطلب قتلته من خليفة المسلمين، وأعجب منه قوله: واعتزل أمر الناس حتى يكون شورى، فراجع ثم راجع كلام علي (ع) في جوابه حتى تعلم حقيقة الأمر.

ويروي أيضاً: أن عمار بن ياسر خرج إلى الناس فقال: اللَّهُم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلته، اللَّهُم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أضع ظبّة سيفي في صدري ثم انحني عليها حتى تخرج من ظهري لفعلت، وإني لا أعلم اليوم عملاً هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين، ولو أعلم أن عملاً من الأعمال هو أرضى لك منه لفعلته.(١)

أقول: هذا ما يعتقد به عمار بن ياسر وهو من خواصّ أصحاب رسول الله (ص)، وقد قال (ص) في حقه: تقتله الفئة الباغية. وقلنا إن معاوية قد حارب المسلمين في زمن رسول الله (ص) خلافاً لله ولرسوله وللإسلام، وفي هذا اليوم يُحارب المسلمين أيضاً طلباً للرئاسة والدنيا وخلافاً لحقائق الإسلام. ونِعم ما قال عمار بن ياسر وهو يقول لعمرو بن العاص بصفِّين: لقد قاتلتُ

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ص ٢١.

٣٥٠

صاحب هذه الراية ثلاثة مع رسول الله (ص) وهذه الرابعة ما هي بأبرّ ولا أتقى.(١)

وليس ببعيد أن نقول: إن خلاف معاوية اليوم أشد ضرراً للإسلام وللمسلمين وأكثر تأثيراً في قلوب المؤمنين من محاربته رسول الله (ص) زمان كفره. ومن هنا ترى علياً (ع) إذا صلَّى الغداة يقنت ويقول: اللَّهُم العن معاوية وعمراً وأبا لأعور السلمي وحبيباً وعبد الرحمن بن خالد والضحاك بن قيس والوليد كما في الطبري(٢) فراجعه.

وقال عبد الله بن عمر وصحّ عنه من وجوه الاستيعاب: ما آسى على شيء كما آسى أني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي (ع).(٣)

ويروي روايات بإسناده قريبة منها.(٤)

ويروي: أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يقول: ما لي ولقتال المسلمين ولصفين، لوددت أني متّ قبله بعشر سنين. أما والله ما ضربت فيها بسيف ولا طعنت برمح ولا رميت بسهم، ولوددتُ أني لم أحضر شيئاً منها، واستغفر الله من ذلك وأتوب إليه.(٥)

أقول: يستفاد من روايات هذا الفصل أمور:

١ - قول عمرو: حيث نقاتل من تعلم سابقته وفضله وقرابته، ولكنَّا إنما أردنا هذه الدنيا، فصالحه معاوية.

٢ - قول عليّ (ع): فأنتم على حجة وتركُكم إياهم حتى يبدءوكم حجة أخرى لكم فلا تقتلوا مدبراً ولا تأخذوا شيئاً من أموالهم.

٣ - قول عمار: والله ما طلبتم بدمه ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها واستمرءوها وعلموا أن الحق إذا لزمهم حال بينهم.

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٦، ص ٢٢.

٢ - نفس المصدر، ص ٤٠.

٣ - الاستيعاب، ج ١، ص ٧٧.

٤ - نفس المصدر، ج ٣، ص ٩٥٣.

٥ - نفس المصدر، ج ٣، ص ٩٥٨.

٣٥١

٤ - قول علي (ع): فوالله لأقرب قوم من الجهل قائدهم ومؤذنهم معاوية وابن النابغة وأبو الأعور السلمي وابن أبي معيط شارب الخمر المجلود في الإسلام وهم أولى من يقومون فينقصونني!!

٥ - قول ابن عباس: وأمَّا قتلنا أنصاره يوم الجمل فعلى خروجهم مما دخلوا فيه، وأما حربنا إيَّاك بصفين فعلى تركك الحق وادعائك الباطل.

٦ - قول ابن عباس وكتابه إلى عمرو: فإني لا أعلم رجلاً أقل حياءً منك في العرب ؛ إنك مال بك الهوى إلى معاوية وبعته دينك بالثمن الأوكس، ثم خطبت الناس في عشواء!.

٧ - قول الحكم: شهد مع علي في صفين ثمانون بدرياً وخمسون ومئتان ممن بايع تحت الشجرة منهم عمار بن ياسر.

٨ - قول عمار: تقدَّم الجنة تحت الأبارقة، والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنَّا على الحق وأنهم على الباطل.

٩ - قول معاوية: فوالله لو كان لعليّ بيتان أحدهما من تِبر والآخر من تِبن لأنفذ تِبره قبل تبنه.

١٠ - قول علي (ع) لمالك: ولا يجرمنك شنآنهم على قتالهم قبل دعائهم والإعذار إليهم مرة بعد مرة.

١١ - قول علي (ع) لمعاوية: إنك قدّمت إلينا خيلك ورجالك فقاتلتنا قبل أن نُقاتلك وبدأتنا بالقتال، ونحن من رأينا الكف عنك حتى ندعوك ونحتج عليك.

١٢ - قول أبو عمرة بشير بن عمرو لمعاوية: أن علياً يأمرك بتقوى الله عَزَّ وجَلَّ، وإجابة ابن عمك إلى ما يدعوك إليه من الحق فإنه أسلم لك في دنياك وخير لك في عاقبة أمرك.

١٣ - قول عديّ بن حاتم: إنا أتيناك ندعوك إلى أمر يَجمع الله عَزَّ وجَلَّ به كلمتنا وأمتنا ويَحقن به الدماء، ويأمن به السُبل ويُصلح به ذات البين، إن ابن عمك سيد المسلمين أفضلها سابقة.

٣٥٢

١٤ - قول عليّ (ع) في جواب حبيب بن مسلمة: ثم أتاني الناس وأنا معتزل أمورهم، فقالوا لي: بايع فلم يرعني إلا شقاق رجلين قد بايعاني وخلاف معاوية الذي لم يجعل الله عَزَّ وجَلَّ له سابقة في الدين ولا سلف صدق في الإسلام، طليق ابن طليق.

١٥ - قول عمار: اللَّهُم إني لا أعلم اليوم عملاً هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين.

١٦ - قول عبد الله بن عمرو بن العاص: مالي ولقتال المسلمين وصفين، لوددت أني متُّ قبله بعشر سنين.

١٧ - قول عبد الله بن عمر بن الخطاب: ما آسى على شيء كما آسى أني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي.

١٨ - قول عمار: لقد قاتلت معاوية ثلاثاً مع رسول الله (ص) وهذه الرابعة ما هي بأبرّ ولا أتقى.

٣٥٣

فتنة:

(التحكيم)

الإمامة والسياسة: فأقبل الأشعث بن قيس في أناس كثير من أهل اليمن فقالوا لعلي: لا نرد ما دعاك القوم إليه ؛ قد أنصفك القوم، والله لئن لم تقبل هذا منهم لا وفاء معك ولا نرمي معك بسهم ولا حجر ولا نقف معك موقفاً.(١)

ويروي: أن معاوية قال لأصحابه حين استقامت المدة ولم يُسم الحكمين: من ترون علياً يختار؟ فأما نحن فصاحبنا عمرو بن العاص. قال عتبة بن أبي سفيان: أنت أعلم بعلي منا. فقال معاوية: أن لعليّ خمسة رجال من ثقاته منهم عدي بن حاتم وعبد الله بن عباس وسعد بن قيس وشريح بن هاني والأحنف بن قيس ومع هذا أن الناس قد ملوا هذه الحرب ولم يرضوا إلا رجلاً له تقية، وكل هؤلاء له تقية لهم، ولكن انظروا أين أنتم من رجل من أصحاب رسول الله (ص) تأمنه أهل الشام وترضى به أهل العراق؟ فقال عتبة: ذلك أبو موسى الأشعري.(٢)

العقد الفريد: لما كان يوم الهرير - وهو أعظم يوم بصفين - زحف أهل العراق على أهل الشام فأزالوهم عن مراكزهم حتى انتهوا إلى سرادق معاوية، فدعا بالفرس وهمّ بالهزيمة، ثم التفت إلى عمرو بن العاص وقال له: ما عندك؟ قال: تأمر بالمصاحف فتُرفع في أطراف الرماح ثم اجمع رأيهم على التحكيم، فهم علي على أن يُقدم أبا الأسود الدّؤلي، فأبى الناس عليه ثم اجتمع أصحاب البرانس وهم وجوه أصحاب عليّ، على أن يُقدموا ابا موسى الأشعري وكان مبرنساً، وقالوا: لا نرضى بغيره. فقدّمه عليّ، وقدّم معاوية عمرو بن العاص. فقال

____________________

١ - الإمامة والسياسة، ج ١، ص ١٠٨.

٢ - نفس المصدر، ص ١٠٩.

٣٥٤

معاوية لعمرو: إنك قد رُميت برجل طويل اللسان قصير الرأي فلا ترمه بعقلك كله.(١)

ويروي: لما قدم أبو الأسود الدؤلي على معاوية عام الجماعة، قال له معاوية: بلغني ياأبا الأسود أن علي بن أبي طالب أراد أن يجعلك أحد الحكمين، فما كنت تحكم به؟ قال: لو جعلني أحدهما لجمعت ألفاً من المهاجرين وأبناء المهاجرين وألفاً من الأنصار وأبناء الأنصار ثم ناشدتهم الله: المهاجرون وأبناء المهاجرين أولى بهذا الأمر أما الطلقاء؟ قال له معاوية: لله أبوك أيّ حكم كنت تكون لو حُكّمت.(٢)

تاريخ الطبري: فلما رأى عمرو بن العاص أن أمر أهل العراق قد اشتد وخاف في ذلك الهلاك، قال لمعاوية: هل لك في أمر أعرضه عليك لا يزيدنا إلا اجتماعاً ولا يزيدهم إلا فرقة؟ قال: نعم. قال: نرفع المصاحف ثم نقول ما فيها حكمٌ بيننا وبينكم، فإن أبى بعضهم أن يتقبّلها وجدت فيهم من يقول: بلى ينبغي أن نقبل، فتكون فرقة تقع بينهم، وأن قالوا: بلى نقبل ما فيها، رفعنا هذا القتال عنا، وهذه الحرب إلى أجل أو إلى حين، فرفعوا المصاحف بالرماح إن علياً قال: عباد الله امضوا على حقكم وصدقكم: قتال عدوكم! فإن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط وحبيب بن مسلمة وابن أبي سرح والضحاك بن قيس ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، أنا أعرف بهم منكم: قد صحبتهم أطفالاً وصحبتهم رجالاً فكانوا شر أطفال وشر رجال، ويحكم إنهم ما رفعوها ثم لا يرفعونها ولا يعلمون بما فيها وما رفعوها لكم إلا خديعة ودهنا ومكيدة. فقالوا له: ما يسعنا أن نُدعى إلى كتاب الله عَزَّ وجَلَّ فنأبى أن نقبله. فقال لهم: فإني إنما قاتلتهم ليدينوا بحكم هذا الكتاب، فإنهم قد عصوا الله عَزَّ وجَلَّ فيما أمرهم ونسوا عهده ونبذوا كتابه. فقال له مسعر بن فدّكي التميميّ وزيد بن حصين الطائي ثم السنبسي في عصابة معهما من القراء الذين صاروا

____________________

١ - العقد الفريد، ج ٤، ص ٣٤٦.

٢ - نفس المصدر، ص ٣٤٩.

٣٥٥

خوارج بعد ذلك: يا عليّ، أجب إلى كتاب الله عَزَّ وجَلَّ إذا دُعيت إليه وإلا ندفعك برمّتك إلى القوم أو نفعل كما فعلنا بابن عفان. إنه غلبنا أن يعمل بكتاب الله فقتلناه‏. والله لتفعلنها أو لنفعلنها بك؟ قال: فاحفظوا عني نهيي إياكم واحفظوا مقالتكم فيّ، أما أنا فإن تطيعوني تقاتلوا وإن تعصوني فاصنعوا ما بدا لكم. قالوا له: فأبعث إلى الأشتر فليأتك فقال الأشتر: ليس هذه الساعة التي ينبغي لك أن تُزيلني عن موقفي ؛ إني قد رجوت أن يُفتح لي فلا تُعجلني. فرجع يزيد بن هاني إلى عليّ فأخبره فما هو إلا أن انتهى إلينا، فارتفع الرهج وعلت الأصوات من قبل الأشتر، فقال له القوم: والله ما نراك إلا أمرته أن يُقاتل، قال: من أين ينبغي أن تُروا ذلك! رأيتموني ساررته؟! أليس إنما كلّمته على رؤوسكم علانية وأنتم تسمعوني، قالوا: فابعث إليه فليأتك وإلا والله اعتزلناك. قال له: ويحك يا يزيد! قل له أقبل إليَّ فإن الفتنة قد وقعت.(١)

أقول: بايع المهاجرون والأنصار علياً (ع) على أن يعمل بالكتاب وسنة رسول الله (ص)، وهو أعلم الأمة وأتقاها وأقضاها، وأحب الناس إلى الله وإلى رسوله، وهو مع الحق والحق يدور معه كيفما دار، وهو وليّ كل مؤمن ومؤمنة وأخو رسول الله (ص) وابن عمه وزوج البتول، وأول من أسلم وجاهد في سبيل الله عَزَّ وجَلَّ.

فمن أراد أن يعمل بالكتاب والسنة فلا بد أن يبايع علياً (ع) ويستقر تحت رايته ويهتدي بهداه ويتبع سبيله. ومن خالفه فهو مخالف للكتاب والسنة، والدعوة إلى علي (ع) هي الدعوة إلى كتاب الله، والتابع له على يقين من أمره ودينه، فلا معنى في دعوة معاوية وعمرو العاص له إلى العمل بالكتاب وأن يكون الكتاب حكماً بينهما، وهذا نهاية تنزيل مقام أمير المؤمنين (ع)، ويدل على نهاية جهل أصحابه وقصور معرفتهم وضعف دينهم حيث قالوا: يا علي، أجِب إلى

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٦، ص ٢٦.

٣٥٦

كتاب الله إذا دُعيت إليه وإلا ندفعك برمّتك إلى القوم، أو نفعل كما فعلنا بابن عفان.

وليعلم أن هذه الفتنة أشد من فتنة حرب صفين: فإن نتيجة هذه الفتنة هي تنزيل مقام أمير المؤمنين والتسليم لحكم معاوية والانخداع بخدعته وترك حكومة الحق والخلاف لعلي (ع)، ومن هذا الخلاف نشأت حرب الخوارج.

تاريخ الطبري: فقال أهل الشام: فإنا قد اخترنا عمرو بن العاص. فقال الأشعث وأولئك القوم الذين صاروا خوارج بعدُ: فإنا قد رضينا بأبي موسى الأشعري. قال عليّ: فإنكم قد عصيتموني في أول الأمر فلا تعصوني الآن، إني لا أرى أن أولّي أبا موسى. فقال الأشعث وزيد بن حصين الطائي ومسعر بن فدكي: لا نرى إلا به، فإنه ما كان يُحذّرنا وقعنا فيه.

قال عليّ: فإنه ليس لي بثقة ؛ قد فارقني وخذل الناس عني ثم هرب مني حتى آمنته بعد أشهر، ولكن هذا ابن عباس نُوليه ذلك. قالوا: ما نُبالي أنت كنت أم ابن عباس، لا نريد إلا رجلاً هو منك ومن معاوية سواء، ليس أي واحد منكما بأدنى منه إلى الآخر. فقال عليّ: فإني أجعل الأشتر. قال الأشعث: وهل سعّر الأرض غيرُ الأشتر قال علي: فقد أبيتم إلا أبا موسى؟ قالوا: نعم. قال: فاصنعوا ما أردتم. فبعثوا إليه، وقد اعتزل القتال وهو بُعرض.(١)

أقول: يظهر من جملات: ( فإنه ما كان يُحذّرنا وقعنا فيه) و(خذل الناس عني) (هو منك ومن معاوية سواء) و(هل سعّر الأرضَ) و(قد اعتزل القتال) أنهم ندموا ورجعوا عن الحرب، وقد اختاروا رجلاً معتزلاً عنه، حتى يختار الاعتزال، ويحذّرهم من الحرب وإن كان خلاف رأي عليّ (ع).

تاريخ الطبري: إن علياً قال للناس يوم صفين: لقد فعلتم فعلة ضعضعت قوة وأسقطت مُنّة وأوهنت وأورثت وهناً وذلة. ولما كنتم الأعلين وخاف عدوكم الاجتياح واستحرّ بهم القتل ووجدوا ألم الجراح رفعوا المصاحف ودعوكم إلى

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٦، ص ٢٨.

٣٥٧

ما فيها ليفثؤكم عنهم ويقطعوا الحرب فيما بينكم وبينهم ويتربّصون ريب المنون خديعة ومكيدة، فأعطيتموهم ما سألوا وأبيتم إلا أن تدهنوا وتجوّزوا. وأيم الله، ما أظنكم بعدها توافقون رشداً ولا تصيبوا باب حزم.(١)

أقول: ضعضع: أي وضع. المُنّة: كالقوة لفظاً ومعناً. اجتاح: استأصل وأهلك. فثأ الحر والغضب: سكن غليانها.

جريان أمر الحكمين

خصائص النسائي: عن علقمة قال: قلت لعلي (رضي الله عنه) تجعل بينك وبين ابن آكلة الأكباد؟ قال: إني كنت كاتب رسول الله (ص) يوم الحُديبية فكتب: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله، قالوا: لو نعلم أنه رسول الله ما قاتلناه، أمحها. قلت: هو والله رسول الله (ص) وإن رغم أنفك ولا والله لا أمحوها، فقال لي رسول الله (ص): أرنيه؟ فأريته فمحاها، وقال: أما أن لك مثلها وستأتيها وأنت مضطرّ.(٢)

تاريخ الطبري: فكتبوا هذا ما تقاضى عليه عليّ أمير المؤمنين. فقال عمرو أكتب اسمه واسم أبيه، هو أميركم، وأما أميرنا فلا. وقال الأحنف: لا تمح اسم إمارة المؤمنين فإني أتخوّف إن محوتها ألا ترجع إليك أبداً، لا تمحها وإن قتل الناس بعضهم بعضاً. فأبى ذلك عليّ ملياً من النهار، ثم إن الأشعث بن قيس قال امحُ هذا الاسم برّحه الله فمحى. وقال عليّ: الله أكبر سنة بسنّة ومثل بمثل، والله إني لكاتب بين يدي رسول الله (ص) يوم الحديبية إذ قالوا: لست رسول الله ولا نشهد لك به ولكن أكتب اسمك واسم أبيك. فقال عمرو بن العاص: سبحان الله! ومثل هذا أن نشبّه بالكفار ونحن مؤمنون. فقال عليّ: يا ابن النابغة ومتى لم تكن للفاسقين ولياً وللمسلمين عدواً، وهل تشبه إلا

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ص ٣١.

٢ - خصائص النسائي، ص ٣٦.

٣٥٨

أمك التي وضعت بك.(١)

الطبقات: فاجتمعا على أمرهما فأداره عمرو على معاوية فأبى، وقال أبو موسى عبد الله بن عمر، فقال عمرو: أخبرني عن رأيك؟ فقال أبو موسى: أرى أن نخلع هذين الرجلين ونجعل هذا الأمر شورى بين المسلمين فيختارون لأنفسهم من أحبوا، فقال عمرو: الرأي ما رأيت! فأقبلا على الناس وهم مجتمعون، فقال له عمرو: يا أبا موسى أعلمهم بأن رأينا قد اجتمع، فتكلم أبو موسى فقال: إن رأينا قد اتفق على أمر نرجو أن يصلح به أمر هذه الأمة. فقال عمرو صدق وبر ونعم الناظر للإسلام وأهله، فتكلم يا أبا موسى! فأتاه ابن عباس فخلا به فقال: أنت في خدعة ألم أقل لك لا تبدأه وتعقّبه فإني أخشى أن يكون أعطاك أمراً خالياً ثم ينزعنه على ملأ من الناس واجتماعهم. فقال الأشعري: لا تخش ذلك قد اجتمعنا واصطلحنا، فقام أبو موسى فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، قد نظرنا في أمر هذه الأمة فلم نر شيئاً هو أصلح لأمرها ولا ألمّ لشعثها من أن تبتزّ أمورها ولا نعصبها حتى يكون ذلك عن رضى منها وتشاور، وقد اجتمعت أنا وصاحبي على أمر واحد، على خلع عليّ ومعاوية وتستقبل هذه الأمة هذا الأمر فيكون شورى بينهم يولون منهم من أحبوا عليهم، وأني قد خلعت علياً ومعاوية فولوا أمركم من رأيتم! ثم تنحّى. فأقبل عمرو بن العاص فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن هذا قد قال ما قد سمعتم وخلع صاحبه وأن أخلع صاحبه كما خلعه وأُثبت صاحبي معاوية فإنه وليّ ابن عفان والطالب بدمه وأحق الناس بمقامه. فقال سعد بن أبي وقاص: ويحك يا أبا موسى ما أضعفك عن عمرو ومكائده! فقال أبو موسى: فما أصنع؟ جامعني على أمر ثم نزع عنه، فقال ابن عباس: لا ذنب لك يا أبا موسى الذنب لغيرك. للذي قدّمك في هذا المقام! فقال أبو موسى رحمك الله غدرني فما أصنع؟ وقال أبو موسى لعمرو: إنما مثلك كالكلب( إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ) ، فقال له عمرو: إنما مثلك مثل( الْحِمارِ

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٦، ص ٢٩.

٣٥٩

يَحْمِلُ أَسْفاراً ) . فقال ابن عمر: إلى مَ صيرت هذه الأمة؟ إلى رجل لا يبالي ما صنع وآخر ضعيف. وقال عبد الرحمن بن أبي بكر: لو مات الأشعري من قبل هذا كان خيراً له.(١)

أقول: يظهر من هذه الكلمات مقام أبي موسى علماً ومعرفة:

١ - وقال أبو موسى: (عبد الله بن عمر هذا خلاف ما رأى أبوه عمر وقال في حقه، ولم يجعله من أفراد الشورى) والعجب أن أبا موسى فضّله على أمير المؤمنين (ع) ورأى خلعه ونصب عبد الله.

٢ - (أرى أن نخلع هذين الرجلين): إن رسول الله (ص) نصب علياً علماً وهادياً وأميراً وخليفة وولياً ومولى لقاطبة المسلمين، فقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه. ويريد أبو موسى أن يَخلعه كما يريد أن يخلع معاوية.

٣ - (غَدَرني فما أصنع؟) من كان نظره وعرفانه بهذه الدرجة من الضعف والانحطاط والتزلزل فهو محجوب عن الحق وواقع في معرض الغدر والحيلة.

٤ - (مثل الحمار يحمل أسفاراً): أشار عمرو إلى ضعف معرفته وتدبره وسياسته. راجع وتدبر في مكالمته عمراً في ما يرويه الطبري والعقد الفريد:

العقد الفريد: فأُخلي لهما مكان يجتمعان فيه، فأمهله عمرو بن العاص ثلاثة أيام، ثم أقبل إليه بأنواع من الطعام يُشهّيّه بها، حتى إذا استبطن أبو موسى. ناجاه عمرو فقال له: يا أبا موسى، إنك شيخ أصحاب محمد (ص)، وذو فضلها وذو سابقتها، وقد ترى ما وقعت فيه هذه الأمة من الفتنة العمياء التي لا بقاء معها، فهل لك أن تكون ميمون هذه الأمة فيحقن الله بك دماءها، فإنه يقول في نفس واحدة:( وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَميعاً ) فكيف بمن أحيا أنفس هذا الخلق كله؟ قال له: وكيف ذلك؟ قال: تخلع أنت عليّ بن أبي طالب وأخلع أنا معاوية بن أبي سفيان، ونختار لهذه الأمة رجلاً لم يحضر في شيء من الفتنة ولم يغمّس يده فيها. قال له: ومن يكون ذلك؟ وكان عمرو بن العاص قد فهم

____________________

١ - الطبقات، ج ٤، ص ٢٥٦.

٣٦٠