الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام12%

الحقائق في تاريخ الاسلام مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 495

الحقائق في تاريخ الاسلام
  • البداية
  • السابق
  • 495 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 193386 / تحميل: 7471
الحجم الحجم الحجم
الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

مشاهد غريبة ورهيبة بين المسلمين ، فقد شوهدت جثث بعض المسلمين بلا رؤوس وهو اقل ما جرىٰ علىٰ المسلمين ، وكانت وجوه بعض المسلمين ، تثقبت مثل الغربال من الجراح والنبال التي اصابتهم ، فكانوا يلقون بأنفسهم من أعلىٰ الحصار والحصن الىٰ اسفله ، فيبقىٰ بعضهم علىٰ جراحه حتىٰ يلقون به في النار فيما ميادين مدينة القدس مليئة ، بأكوام من الرؤوس والايدي والارجل المقطعة ، حيث يعبر المسيحيين من فوقها ، وجميع ذلك جانب صغير من مجازر المسيحيين في القدس ».

ويضيف أحد القساوسة المسيح فيقول :

« قتل عشرة آلاف شخص من المسلمين كانوا قد التجأوا في احد المساجد ، وفي احد المعابد القديمة ، كان الدم بحدّ ، بحيث كانت جثث القتلىٰ المقطعة والموزعة الىٰ ايدي وارجل ورؤوس تسبح في بركة كبيرة ، لا يمكن تشخيص جثة سالمة واحدة منها ، حتىٰ ان الجنود الاوروبيين الجناة الذين قاموا بتلك المجزرة كانوا يهربون من بخار الدم الذي ملأ فضاء المعبد.

يقول الدكتور غوستاف لوبون :

« بعد جميع تلك المجازر التي ارتكبها الصليبيين ، كانوا يقومون بأعمال لمجرد التسلية ، شنيعة وقبيحة بحدّ ، جعل المؤرخين النصارىٰ ورغم دفاعهم عن الصليبيين ، يغضبون وينفرون من تلك الاعمال المخجلة ، فيصفون اتباع دينهم بأوصاف شديدة جداً ، علىٰ سبيل المثال ، يصفهم

٢٤١

برنارد(1) بأنهم مجانين ، ويشبههم بافدين(2) بالحيوانات التي تسبح في بولها وغائطها » وفي وصفه لمجازر المسيحيين ضد المسلمين في الاندلس ( اسبانيا ).

يقول الدكتور لوبون :

« كانت نهاية مما قام به القادة المسيحيين الاوروبيين الذي لم يكن لهم هدف سوىٰ جمع المال والثروة ، بتدمير تلك البلاد ( الاندلس ) بسرعة عجيبة ، بعد ان كانت عامرة في ظل حكم العرب والمسلمين العقلاء.

وقد بلغت قسوة المسيحيين في الاندلس حدّاً انهم كانوا يحرقون المسلمين ، بل وصل الامر الىٰ حدّ اصدر فيه اسقف طليطلة(3) الكبير والذي كان رئيساً للمحكمة المقدسة(4) أيضاً ، حكماً بقتل جميع العرب رجالاً ونساءً واطفالاً ».

أيُّها السادة المحترمون !

كانت تلك نماذج من معاملة المسيحيين الاوروبيين للمسلمين عندما سيطروا علىٰ بلاد المسلمين !

________________

(1) Birnard

(2) Bavdin

(3) من أهم محافظات الاندلس ( اسبانيا ).

(4) محاكم اقامها القساوسة للتحقيق في عقائد الاشخاص ، وكل من يثبت انه مسلم تصدر بحقه اشد العقوبات.

٢٤٢

لقد عاملهم المسلمون برجولة وشهامة عندما فتحوا بلدانهم ، وهو من مفاخر التاريخ العسكري والحربي الانساني ولم يشاهد مثله في اي نقطة من العالم ، لكنه عندما دارت الايام وانتصر الاوروبيون علىٰ المسلمين ، بدأوا بمجازرهم الوحشية التي لا مثيل لها في تاريخ البشرية حسب تعابير مؤرّخيهم.

٢٤٣

اواني الذهب والفضة

الدكتور : سيادة العقيد ، تسمح لنا الآن ، بان نشبع بطوننا الفارغة ، ببعض الاكل ؟

العقيد : مستعد ، ولكن ما الذي سنأكل ؟

الدكتور : جميع الاصدقاء مدعون للغداء معي ، لأن مضيفي البارحة اعدّ لغدائي اليوم قدراً كبيراً من الرز ، ووضع فوق الرز دجاجة كبيرة مشويّة ، وهو كاف لجميعنا.

الطالب الجامعي حسن : دكتور ، اخاف ان يكون الرز والدجاج مثل الحلويات والفاكهة التي اعدها مضيفك لك من قبل ، فضحك الجميع لذلك.

الدكتور ، وبعد ضحكة طويلة ، قال : هذه المرّة اطمئن اصدقائي الىٰ انني سأقدم لهم وجبة اكل جيدة ، ثم نهض الدكتور وفتح حقيبته فأخرج صموناً وملاعقاً ورفع غطاء القدر وبدأ بتقسيم الأكل ، ومن المصادفة كانت بعض اواني الدكتور من الفضة ، فأنتبه الشيخ الىٰ ذلك ، وخاطب الدكتور معترضاً :

سعادة الدكتور ، ارجوا ان لا تستخدم الاواني الفضية ، لأن استعمال الذهب والفضة غير جائز في الاسلام ، كبيعها وشراءها.

الدكتور : ايها الشيخ ، هل لك ان تحدثنا بشكل موجز عن فلسفة ذلك

٢٤٤

التحريم.

الشيخ : اتصوّر ان قليل من التأمّل يوضح فلسفة حرمتها ، لأن الذهب والفضة ثمن وليستا مثمنتان ، اي انها ليست كالاثاث والملابس وسائر ادواة الحياة ، فالذهب والفضة هما محور العجلة الاقتصادية في جميع العالم وعلىٰ امتداد التاريخ ، لذلك لا يسمح الاسلام بأحتكار مثل هذان الشيئان القيمان اللذان تحدد قيمة العديد من الاشياء الاخرىٰ على اساسها ، او ان يوضعا علىٰ رفوف ، فهذه الثروة تعتبر الاسلام في اقتصاد العالم وليس من الصحيح تعطيلها وخزنها في بيت غني مغرور ، في حين انه لو استخدمت بشكل صحيح في المجالات الاقتصادية ، نتاج مجالات عمل لملايين الاشخاص ، وتنجوا الآف العوائل من الفقر والضياع.

سعادة الدكتور ! وكانت في هذا البلد حكومة اسلامية قوية وحقيقية ، وقامت بأخراج تلك الاواني الذهبية والفضية من رفوف الاغنياء علىٰ الرغم منهم ، ووظفتها في السوق الاقتصادية العالمية ، ألا سيكون بأمكانها انشاء عشرات المصانع والمعامل داخل البلاد ، وتسدّ حاجة البلاد الىٰ الكثير من الواردات التي تنهال علينا من الغرب ، وفي نفس الوقت نتاج فرص العمل لآلاف الاشخاص العاطلين وبالنتيجة ستحصل مئات العوائل علىٰ مستوىٰ جيد من الرفاه ؟

أليس من المخجل في بلاد يعيش اكثر من نصفها الفقر والحرمان واغلب قراها لا تحصل علىٰ قدح واحد من ماء الشرب الصحي ، في حين ثروتها من الذهب والفضة مكدسة علىٰ شكل كؤوس واواني في بيوت الاغنياء ، يضعونها للفخر والتباهي وتكون وسيلة للعمالة والتبعية ، فلماذا لا يحرم الذهب

٢٤٥

والفضة ؟ ولماذا يحلل بيعهما وشراءهما فالذهب والفضة اكثر قيمة من الاوراق النقدية ، لأن قيمة الورقة النقدية تحدد علىٰ ضوءهما ، لانهما يوفران الدعم لها. فلو قام أحد الاغنياء بتكديس اوراقه النقدية علىٰ رفوف بيته ليفتخر بها امام ضيوفه وتكون وسيلة لعمالته ، ألا يقال ان هذا الرجل اصيب بجنون مالي ؟! اي انه حيوان مغرور ابعدته الثروة عن كل فضيلة انسانية ، فهل نتوقع من نظام لا يقبل بالتمايز اساساً ان يبقىٰ متفرجاً دون عمل مقابل تلك الاعمال الدنيئة ؟!

الاصدقاء جميعهم : كلامك صحيح ومنطقي تماماً ، ولو اجري هذا القانون الاسلامي ، لكان خطوة اقتصادية كبيرة ولوجدت آلاف الاسر المحرومة ، الحدّ الادنىٰ من متطلبات حياتها ولتخلصت من الفقر والاضطراب ، وعلىٰ اثر ذلك ، اعاد الدكتور الاواني الفضية الىٰ حقيبته ، وجلسوا يأكلون علىٰ مائدة اسلامية وبسيطة كالاخوة ، وبعد قليل من الراحة ، تابعوا حديثهم.

غاليلو يُكفّر

يعتبر غاليلو(1) من كبار علماء ايطاليا ، الذين قالوا بحركة الارض متبعاً بذلك نظرية كربونيك(2) ، لكنه وبعد ان أظهر رأيه ذلك ، صار هدفاً للّعن وشتائهم مختلف الفئات الاوروبية ، خاصة مسؤولي الكنيسة ، فأضطر ومن اجل

________________

(1) Galilee

(2) Copirnec

٢٤٦

الحفاظ علىٰ حياته ، ان يتوب مما قال في مجلس رسمي حضره البابا شخصياً ، ويعترف ان كلامه كان خلافاً للحقيقة !!

نص توبة غاليلو

وكان نص توبة غاليلو ، كالتالي :

« أنا غاليلو وفي السبعين من عمري ، اركع امام حضراتكم مخاطباً البابا والقساوسة ـ وفي حين امثل امام الكتاب المقدس ـ الانجيل ـ وألمسه بيدي ، اتوب وانكر واستنفر دعوتي الباطلة في حركة الارض »(1) .

ساعة المسلمين

في العصر الذي لم يكن في جميع انحاء العالم وجود يذكر للعلم والحضارة ، ظهر اول نتاج صناعي كبير علىٰ يد المسلمين في خلافة هارون الرشيد ، وكان ذلك صناعة الساعة. وقد اهدىٰ هارون الرشيد واحدة منها الىٰ شارلمان(2) ملك فرنسا ، وكما يقول احد كبار المؤرخين الاوروبيين ، عندما وصلت الساعة الىٰ شارلمان لم يكن في فرنسا كلها من يعرف كيف تعمل تلك الساعة.

ويضيف ذلك المؤرخ : عندما نصبوا تلك الساعة التي كان لها جرس

________________

(1) تاريخ العلوم.

(2) Charlrimagne

٢٤٧

أيضاً أعلىٰ القصر الملكي وارتفع صوت جرسها لأول مرة ، رأىٰ افراد البلاد فجأة أن اهالي باريس متّجهون نحو القصر وهم يحملون العصي والفؤوس ، فأرسل الملك مجموعة لمعرفة سبب هجومهم ، فقال لهم الباريسيون : لا نريد ان نتعرض للملك ، بل نريد تحيطم تلك الساعة ، فمنذ زمن طويل والقساوسة يحدثنوننا عن شيطان يغوينا ويدفعنا الىٰ عمل السوء ، والآن علمنا ان ذلك الشيطان موجود في تلك الساعة ، لأنه اذا لم يكن فيها شيطان ، لما خرج منها ذلك الصوت الموحش ( صوت الجرس ) ، لأن الساعة جماد ولا تستطيع بنفسها ان تخرج صوتاً ، لذلك جئنا بعصينا وفؤوسنا لنقتل ذلك الشيطان ونخلص البشرية من وجوده وشروره !!!

ويقول الدكتور غوستاف لوبون في هذا الصدد :

« كان هارون الرشيد قد ارسل هدايا كثيرة لشارلمان ملك فرنسا وامبراطور الغرب بواسطة سفرائه ، ومن اهم تلك الهدايا كانت الساعة التي يدق جرسها رأس كل ساعة ، وما ان شاهدها شارلمان وحاشيته شبه المتوحشة حتىٰ دهشوا واصبحوا في حيرة من أمرهم ، ولم يكن في فرنسا أحد يعرف كيف تعمل الساعة.

المسلمون مؤسسوا حضارة

التفت العقيد الىٰ الشيخ وقال : كلامك حول اواني الذهب والفضة مقنع تماماً ، إلّا انّ ما يبعث علىٰ التعجب ، هو انه رغم التطور العلمي في العالم الاوروبي الذي يجعلهم في مقام ومنزلة معلمي البشرية ، ورغم ان اعمالهم

٢٤٨

تعتبر قطعياً بالنسبة لنا ، الّا ان استخدام اواني الذهب والفضة شائعة هناك ، فهل يمكن انهم لم يلتفوا الىٰ ما اشرتم اليه رغم اهتمامهم بالمسائل الاقتصادية ؟!

الشيخ : سيادة العقيد ، اتصور انه لا معنىٰ لتعجبك واستغرابك ، فهل نزل الاوروبيون من السماء فيما خرجنا نحن من الارض ؟! لماذا نستصغر انفسنا الىٰ هذا الحدّ امامهم ؟ ولماذا لا نرىٰ أية قيمة لأنفسنا وافكارنا امام الاوروبيون ؟!

اصدقائي الاعزاء !

أليس عجيباً ان تستصغر اُمّة عظيمة لها تاريخ عريق وحضارة كبيرة نفسها أمام اُناس كانوا حتىٰ الامس القريب يعدون من المتوحشين الذين يسكنون الجزر ، للحد الذي نعد كل ما يصدر منهم من اعمال وحشية سنداً قاطعاً فيما ندوس علىٰ افكارنا امامهم !

واليكم ما يقوله احد كتابنا الكبار في نقده لروح التقليد من الغرب التي تشاهد في بلادنا :

« نحن لم نخرج الىٰ العالم من تحت الصخور الصماء ونتعلم اللبس من هذا وذاك ، ولم نكن مجاميع مشتتة ليس لها تاريخ(1) نسير اينما اخذتنا الرياح ، ولم تكن لنا فكره القردة(2) حتىٰ نقلد الآخرين دون تفكير ، فجمال العالم يأتي من الذوق السليم والطبيعة اللطيفة ، لرسامينا وفنانينا ومزارعينا وفخارينا

________________

(1) كناية عن الشعب الامريكي.

(2) اشارة الىٰ الشعب الانجليزي ونظرية دارون.

٢٤٩

ونجارينا وحائكينا ومعمارينا ومهندسينا و وهذه متاحف الدنيا من لندن وباريس وبرلين حتىٰ موسكو وفينا وروما وغيرهن من مدن الدنيا مليئة بالقديم والبالي من قطيفة كاشان والاعمال اليدوية من اصفهان والازار والآذربيجاني والجيلاني والخمار اللرَّي و من الاعمال التي يزيد عددها علىٰ عدد الرمال ويعجز عن فهمها الجهّال ، تلك الآثار الخالدة التي عجز العالم المادي الذي سخر اعماق البحار والفضاء علىٰ ان يأتي بمثلها من تناسق الوانها وتناسب اشكالها وجمالها ، وهي من صنع التاريخ الايراني وسائر الشعوب الشرقية ».

اصدقائي الاعزاء !

أقول وأنا متأكد مما ادعيه : ان مصدر العديد من الآثار الحضارية السليمة في اوروبا وامريكا هم المسلمين ، فالحضارة الاسلامية هي التي ادخلت الاوروبيين المتوحشين الى المجتمع المحتضر ، كما ان العلاقة مع المسلمين هي التي عملتهم الادب والاخلاق بعد ان كانوا بعيدين كل البعد عنها ، ففي حين كان الاوروبيون يفخرون بجهلم ويغطون فيه ، كان للمسلمين جامعات ومراكز علمية في بلدانهم ، وعندما لم يكن في اوروبا حتىٰ مكتبة واحدة ، كان المسلمين اصحاب اكبر المراكز العلمية والثقافية في العالم ، وفي تلك الفترة التي كانت اوروبا تتهم علمائها بالجنون وتحاكمهم علىٰ يد قساوستها وتعلقهم على المشانق بتهمة الكفر ، كان المسلمون يمدون البشرية ، بأكبر العلماء والفلاسفة ، ممن يعدون معلمي البشرية حتىٰ يومنا هذا ، البلاط

٢٥٠

شخص يعرف كيف صنعت تلك الساعة »(1) .

ويقول بيير روسو :

« أرسل هارون الرشيد ساعة ذات جرس الىٰ شارلمان وكانت تلك الساعة تعمل اتوماتيكياً ، فكان الاوروبيون يعدونها ثامن اعجوبة في العالم »(2) .

ظلم الامريكيين

أيُّها السادة المحترمون ! انتبهوا بدقة الىٰ هذه القصة ، لكي تطلعوا علىٰ مدىٰ ظلم الشعب الاميركي النجيب ! والشريف ! والمحتضر ! ولتعلموا كيف يستفيد هذا الشعب النبيل من جهل بعض المسلمين وعدم اطلاعهم ، لينسبوا اعمال الآخرين الىٰ انفسهم ، خلاصة القصة ، هو انني كنت في عيادة احد الاطباء قبل فترة في قم ، وكانت في عيادته مجموعة مجلات منها مجلة بأسم اخبار الاسبوع الامريكية والتي تصدر اسبوعياً في طهران عن الجالية الامريكية ، فتناولتها لاقضي الوقت بتصفحها ، وفجأة جلبت انتباهي صورة ساعة كبيرة يقف رجل الىٰ جانبها ، واسفلها هذا الخبر : « اول ساعة في العالم صنعت علىٰ يد راهب فرنسي يدعى جربرت سنة 990 ميلادية ، حيث اصبح ذلك الراهب فيما بعد بابا سيلوستر ، ومع ان تلك الساعة لم تكن دقيقة ، إلّا أنّها كانت افضل من الساعات اللاتي سبقتها ، وكان ذلك تطوراً مهماً في صناعة

________________

(1) حضارة الاسلام والعرب.

(2) تاريخ العلوم.

٢٥١

الساعات في ذلك العصر ».

اصدقائي الاعزاء !

وكما تلاحظون في الخبر الذي نقلته لكم ، لقد نسب الاميركيون النجباء !! صناعة أوّل ساعة في العالم الىٰ راهب فرنسي ، ولكن وكما يقول المثل « الكذاب كثير النسيان » ولكي يتّضح ظلمهم على ايديهم ، نلاحظ في آخر الخبر العبارة التالية « ومع ان تلك الساعة لم تكن دقيقة ، إلّا انها كانت افضل من الساعات اللاتي سبقتها » افلا يوجد من يقول لهؤلاء الامريكيين النجباء ! ايها المخادعون لماذا كل هذا التناقض ، فإذا كانت هناك ساعات صنعت قبل ساعة الراهب الفرنسي ، فماذا يعني ان ساعة الراهب أول ساعة في التاريخ ؟!

علىٰ المسلمين ان ينتبهوا

سيادة العقيد ، لقب « معلمي واساتذه البشرية » يجب ان يعطى للمسلمين ، الذين اخرجوا الاوروبيين المتوحشين من همجيتهم ووضعوهم في صف ابناء البشر ، وعلموهم الاخلاق والفضيلة ، فكل ما لدىٰ اوروبا من علم واخلاق منشأه المجتمع الاسلامي ، واستطيع ان ادعي بملء فمي انك اين ما وجدت قانوناً ذا فائدة في اوروبا أو امريكا في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاجتماعية و ستجد النموذج الاكمل له في الاسلام وسأثبت لكم انهم اخذوه عن المسلمين واقتبسوه منهم.

٢٥٢

ولكي لا يتصور اصدقائي ان كلامي هو بدافع التعصب الديني ، أو هو نوع من الاسترسال والمبالغة ، سأضطر لنقل كلام احد كبار علماء اوروبا فيما يتعلق بفضل المسلمين علىٰ الاوروبيين في مجال التربية ، ومدىٰ تأثير الحضارة الاسلامية في الغرب ، ولكي تتضح حالة الشعوب الاوروبية قبل ارتباطها بالمسلمين وبعده ، والكتب والعلوم التي اخذوها من المسلمين.

فليقرأ المتيّمون بحضارة اوروبا وامريكا

يقول السيد ليبر(1) وهو من أشهر علماء اوروبا ، لو لم يكن للمسلمين وجود في التاريخ ، لتأخرت النهضة العلمية في اوروبا عدة قرون اُخرىٰ.

ويقول الدكتور غوستاف لوبون :

« في القرنين التاسع والعاشر الميلاديين ، أي في الفترة التي كانت الحضارة الاسلامية في اوروبا تعيش عصرها الذهبي ، كانت مراكز اوروبا العلمية ، عبارة عن قلاع رديئة متخلفة يعيش فيها اجراءنا نحن الاوروبيون ورعاياهم بحالة شبه وحشية وكان يفتخرون بجهلهم واميتهم ، وكان اعلم من فيهم الرهبان الجهلة الذين كان كل همّهم يصرف في اختيار كتب اليونان والرومان القديمة من بين كتب المكتبات الموجودة في الكنائس فيمسحون كلماتها ويدونون مكانها كلماتهم واورادهم المهملة والبربرية الاوروبية استمرت اكثر مما يجب دون ان يشعروا ، طبعاً ظهرت مشاعر بين الاوروبيين في القرن الحادي عشر ، والقرن الذي يليه خاصة ، ومنذ ان شعر بعضهم

________________

(1) Libre

٢٥٣

بضرورة فك تلك القيود والخروج من ظلمة الجهل ، اتجهوا نحو المسلمين الذين كانوا يفوقونهم وافضل منهم لأقتباس العلم والمعرفة ».

ثم يضيف الدكتور لوبون :

« وفي سنة 1130 تأسست دار للترجمة في مدينة طليطلة برئاسة الاسقف الكبير رايموند ، وبدأوا بترجمة كتب اشهر العلماء المسلمين من العربية الىٰ اللاتينية ، ونجحت تلك الترجمات في تنوير أفكار الاوروبيين وفتح عيونهم علىٰ عالم جديد ، ولم تقتصر تلك الترجمة علىٰ كتب أمثال محمد بن زكريا الرازي والتباسيس وابن سينا وابن رشد الاندلسي من علماء الاسلام ، بل ترجمة أيضاً مصنفات جالينوس وديمقراطيس وافلاطون وارسطو واقليدس وارخميدس وبطليميوس التي كان المسلمون قد ترجموها من اللاتينية الىٰ العربية من قبل ».

اعتراف غريب للدكتور ليكليرك(1)

بعد ان يذكر الدكتور ليكليرك في كتابه تاريخ الطب اسم اكثر من ثلاثمائة كتاب مشهور ترجم من العربية الىٰ اللاتينية ، يقول :

« المعلومات التي حصلنا عليها من علوم اليونان في فترة القرون الوسطىٰ كانت بواسطة هذه الترجمات العربية ، وببركة هذه الترجمات استطعنا الحصول علىٰ تصانيف اليونان القديمة ، في حين ان رهباننا كانوا لا يعرفون حتىٰ اسم اليونان ، لذلك علىٰ جميع العالم ان يعترف بالجميل الذي قام به

________________

1 ـ Liclerc

٢٥٤

المسلمون في الحفاظ علىٰ هذه الكنوز الثمينة وعلىٰ الخدمة الجليلة التي قدموها للمعرفة.

ويضيف أيضاً الدكتور لوبون بعد شرح مفصل لتأثير الحضارة الاسلامية في الغرب ، فيقول :

« إذا ثبت انه في القرن الميلادي العاشر ، لم يكن في اوروبا علىٰ سعتها سوىٰ الاندلس ( مركز حكومة المسلمين في اوروبا ) مركزاً للعلوم والمعرفة ، وفي ذلك العصر لم تكن هناك دولة ( ماعدا الدول الاسلامية في آسيا وافريقيا ) في القسم الغربي من الكرة الارضية غير الاندلس تدرس فيه العلوم والمعارف ، فحتىٰ القسطنطينية لم يكن فيها ذلك ، وكان رجال اوروبا يتجهون نحو الاندلس لتلقي العلوم عند علماء المسلمين ».

ويتكلم الدكتور غوستاف لوبون أيضاً عن مستوىٰ الانحطاط الفكري عند الاوروبيين آنذاك ، فيقول :

« قام غربرت 11 سنة 999 ميلادية بدراسات ، وحاز على مقام الباباوية باسم سيلوستر الثاني ، لكنه عندما اراد نشر علومه في اوروبا ، كان الامر خلافاً للطبيعة عند الاوروبيين بحيث اُتّهم ذلك المسكين بأن الشيطان حلّ في جسده وانه زاغ عن طريق رب المسيح ».

بعض كبار علماء اوروبا من تلامذة العلماء المسلمين

وفي بحث آخر يقول الدكتور غوستاف لوبون :

« حتىٰ القرن الخامس عشر ، كان علماء اوروبا ينظرون الىٰ الكلام الذي

٢٥٥

لم يأخذ عن مصنفي المسلمين ، بأنه غير موثوق ».

ثم يضيف العالم المذكور :

« ويعتبر روجر بايكون(1) وليونارد دوبيس(2) وارنافد فيلنيف(3) ، ورايموند لول(4) ، والقديس ثوماس(5) ، والبرت الكبير(6) ، والفونس العاشر(7) ، جميعهم اما من تلامذة علماء الاسلام أو ناقلين عنهم ».

ويقول السيد رنيان(8) :

« كل ما كان يعرفه البرت الكبير اخذه وتعلمه من ابو علي ابن سينا العالم الاسلامي المعروف ».

كما ان جميع فلسفة القديس توماس مأخوذة عن العالم المسلم ابن رشد الاندلسي ، وكانت كتب المسلمين هي المصادر الوحيدة التي تدرس في جامعاتنا الىٰ ماقبل خمسمائة أو ستمائة سنة ، وكانت علوم المسلمين علىٰ طول تلك الفترة هي محور دراستنا وعلومنا ، وفي بعض الفروع العلمية : مثل

________________

(1) Roger Bacon

(2) Leonard de Pise

(3) Arnavd de Villineuve

(4) Raymond Lulle

(5) Saint Thomas

(6) Albert قسيس وفيلسوف الماني معروف ، كانت افكاره عاملاً في حدوث تغييرات علىٰ الساحة الاوروبية.

(7) Alphonse

(8) Renan

٢٥٦

الطب لا تزال نظريات الاطباء المسلمين باقية ، ففي فرنسا بقيت مصنفات ابن سينا حتىٰ القرن الماضي ( التاسع عشر ) وكتبت عليها شروح وتعليقات ايضاً ، وكانت هيمنة علوم العرب في اوروبا إلى درجة كانوا يرجعون الىٰ مصنفاتهم حتىٰ في العلوم التي لم يكونوا متبحرين فيها ، ومنذ بداية القرن الثالث عشر اصبحت فلسفة العالم المسلم ابن رشد الاندلسي جزءً من المقرر الدراسي في مدارس اوروبا.

وفي سنة 1473 ميلادية حيث اقر الملك لويس الحادي عشر(1) منهجاً دراسياً ، أمر بتدريس مصنفات ابن رشد في الفلسفة ، وفي جامعات ايطاليا ، خاصة جامعة بادو(2) لم يكن نفوذ وهيمنة العلوم الاسلامية اقل من سائر الانحاء ».

________________

(1) Lovis

(2) Padove

٢٥٧

التأثير الاخلاقي للمسلمين في اوروبا

يقول الدكتور غوستاف لوبون :

« لقد تحدثنا فيما سبق عن اخلاق امراء ونبلاء النصارىٰ والاوروبيين ، وفي المقابل ماكان للمسلمين من صفات مميزة ، واثبتنا ان اسلافنا نحن الاوروبيين تركوا بربريتهم بعد ما عاشروا المسلمين وخالطوهم ، والمسلمون هو الذين علموا الشعوب الاوروبية اعطاء قيمة للأخلاق ووظائفة مثل الشفقة والعطف علىٰ الزوجة والاولاد والوفاء للعهد والالتزام بالقسم وامثالهم ، وقد اثبتت الشعوب الاوروبية في الحروب الصليبية انها مختلفة في الفضائل الانسانية فراسخ عن المسلمين ».

وفي كتابه القرآن ، يقول السيد بارثيلمي القديس هيلر(1) :

« لقد صلحت اخلاق امراءنا واشرافنا نحن الاوروبيون وكذلك عاداتهم الرديئة ، نتيجة لمعاشرتهم للعرب وتقليدهم عن المسلمين في القرون الوسطىٰ ، لقد تعلم الاوروبيون من المسلمين الصفات الحميدة التي تمتلكها الشعوب الحيّة ، وللحضارة الاسلامية تأثير محير للعقول علىٰ جميع العالم ، وبذلك ادخلت الشعوب الاوروبية المتوحشة الىٰ دائرة المدنية ، وكان تأثير ونفوذ المسلمين العقلي في العلوم والفنون والفلسفة واضحاً حيث كان الاوروبيون آنذاك جاهلون بها تماماً ، ولقد بقي المسلمون علىٰ مدىٰ ستمائة

________________

(1) Renaissance

٢٥٨

سنة اساتذة لنا نحن الاوروبيين ».

وفي بحث للدكتور غوستاف لوبون حول ، فيما لو كان المسلمون قد سيطروا علىٰ جميع اوروبا ؟ ويقول :

« من مشاهدة الاندلس يمكن معرفة ما كان سيحدث لو كان المسلمون قد سيطروا علىٰ كل اوروبا ، لأنه عندما نشاهد الاندلس ( مركز حكومة المسلمين في اوروبا ) في ذروة رقيها ، وتحضرها تحت سلطة المسلمين في الوقت الذي كانت فيه اوروبا متوحشة جميعها ، يمكن القول ، لو كان المسلمون قد سيطروا علىٰ كل اوروبا ، لاستفادة الشعوب الاوروبية كثيراً من حكمهم ولم يكن ينلهم اي ضرر أو خسارة من ذلك ، ولعدلت الرحمة والشفقة الموجودة في الاسلام خشونة الشعوب الاوروبية ، ولخلّصتهم من الدماء والمجازر وظلم محاكم التفتيش العقائدي التي ذهبت ضحية احكامها ملايين الاوروبيين ».

ثم يضيف الدكتور المذكور :

« لقد اخرجت الحروب الصليبية هذه اوروبا من خلاقها وعاداتها الرذيلة واطوارها الوحشية ، وهيأت لها الارضية بعد ذلك نقل علوم المسلمين ومعارفهم ومن ثم بسطها في جامعاتها ، وكان ذلك السبب الرئيسي في النهضة الاوروبية »(1) .

وفي آخر كتابه يقول الدكتور لوبون في هذا الصدد :

________________

(1) لمزيد الاطلاع حول نص تلك المعاهدات ، رجع : تاريخ العالم الحديث الاسلام ، تأليف الدكتور لوثروب ستودارد ( الاميركي ).

٢٥٩

« يجب ان نعلم اولاً أنه قلما يوجد قوم في العالم يفوقون اتباع الدين الاسلامي من الزاوية الحضارية ، كما ان التطور الكبير الذي بلغوه في العلوم لم يتسير لغيرهم من الشعوب في مثل تلك الفترة القصيرة ، وقد تمكنوا من ايجاد ديانة كبيرة لا تزال من اكثر ديانات العالم حيوية ، ومن حيث الخصوصيات العقلانية والاخلاقية فيكفي انهم هم الذين ربّوا اوروبا وادخلوها الىٰ دائرة الحضارة ».

اسبانيا في ظل حكم المسلمين

في حديثه عن تأثير الحضارة الاسلامية في اسبانيا وسائر انحاء اوروبا ، يقول الدكتور غوستاف لوبون :

« لقد تقدم العرب كثيراً خاصة في اواخر فتوحاتهم ، وعلىٰ مدىٰ قرن في الاندلس التي كانت مركز حكمهم في اوروبا ، قاموا باحياء الاراضي الموات وشيدوا العمارات واوجدوا شبكة من العلاقات التجارية لهم مع سائر الشعوب والاقوام ، ثم قاموا باشاعة العلم والفنون ، فترجموا الكتب اليونانية واللاتينية واسسوا المراكز العلمية والجامعات التي بقيت يستفيد منها الاوروبيون سنوات ممتدة ، كما ان احد أهم خصوصيات الحضارة الاسلامية ، هو شوقها المفرط للعلوم والفنون ، ولذلك تراهم يؤسسون المراكز العلمية والادبية والمكتبات في اي بقعة يحلّون فيها ، وقد بذلوا جهوداً كبيرة في علوم الهندسة والهيئة والطبيعيات والفيزياء والكيمياء ، وسنشرح فيما بعد التطور والتقدم الذي حصل عليه علماء المسلمين في العلوم والفنون ، وقد نجحوا في القيام باكتشافات مهمة جداً.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

رأي أبي موسى في عبد الله بن عمر، فقال له: عبد الله بن عمر، فقال: إنه لك ما ذكرت، ولكن كيف لي بالوثيقة منك؟ فقال له: يا أبا موسى( أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) ، خذ من العهود والمواثيق حتى ترضى، ثم لم يُبق عمرو بن العاص عهداً ولا موثقاً ولا يميناً مؤكدة حتى حلف بها، حتى بقي الشيخ مبهوتاً، وقال له: قد أجبتُ. فنودي في الناس بالاجتماع إليهما، فاجتمعوا. فقال له عمرو: قم فاخطب الناس يا أبا موسى. فقال: قم أنت أخطبهم. فقال: سبحان الله! أنا أتقدّمك وأنت شيخ أصحاب رسول الله (ص)! والله لا فعلت أبداً، قال: أو عسى في نفسك أمر؟ فزاده أيماناً وتوكيداً، حتى قام الشيخ فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أيها الناس إني قد اجتمعت أنا وصاحبي إلخ.(١)

تاريخ الطبري: والتقى الحكمان، فقال عمرو بن العاص: يا أبا موسى ألست تعلم أن عثمان قتل مظلوماً؟ قال: أشهد. قال ألست تعلم أن معاوية وآل معاوية أولياؤه؟ قال: بلى. قال: فإن الله عَزَّ وجَلَّ قال:( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً ) فما يمنعك من معاوية وليّ عثمان يا أبا موسى وبيته في قريش كما قد علمت، فإن تخوّفت أن يقول الناس وُلّي معاوية وليست له سابقة: فإن لك بذلك التدبير، وهو أخو أم حبيبة زوجة النبي (ص) وقد صحبه فهو أحد الصحابة، ثم عرض له بالسلطان، فقال: أن ولي أكرمك كرامة لم يُكرمها خليفة. فقال أبو موسى: يا عمرو، اتَّقِ الله عَزَّ وجَلَّ فأمَّا ما ذكرت من شرف معاوية: فإن هذا ليس على الشرف يُولاه أهله، ولو كان على الشرف لكان هذا الأمر لآل أبرهة بن الصبّاح، إنما هو لأهل الدين والفضل مع أني لو كنت مُعطيه أفضل قريش شرفاً أعطيته عليّ بن أبي طالب. وأما قولك أن معاوية وليّ دم عثمان فولّه هذا الأمر: فإني لم أكن لأولّيه معاوية وأدَع المهاجرين الأولين. وأما تعريضك لي بالسلطان.

____________________

١ - العقد الفريد، ج ٤، ص ٣٤٧.

٣٦١

فوالله لو خرج لي من سلطانه كله ما وليته، وما كنت لأرتشي في حكم الله عَزَّ وجَلَّ، ولكنك إن شئت أحيينا اسم عمر بن الخطاب.(١)

أقول: طلب الثأر دعوى خصوصيّ لا ارتباط له بالخلافة والبيعة ووحدة الكلمة، ثم إن معاوية من أين جُعِل ولياً لعثمان؟، مع أنه خذله وترك نصرته في حياته.

ويروي أيضاً: عن أبي جناب الكلبي أن عمراً وأبا موسى حيث التقيا بدومة الجندل، أخذ عمرو يُقدّم أبا موسى في الكلام يقول: إنك صاحب رسول الله (ص) وأنت أسنّ مني، فتكلم وأتكلّم، فكان عمرو قد عوّد أبا موسى أن يقدمه في كل شيء ؛ اغتزى بذلك كله أن يقدّمه فيبدأ بخلع عليّ، قال: فنظر في أمرهما وما اجتمعا عليه، فأراده عمرو على معاوية فأبى وأراده على ابنه فأبى، وأراد أبو موسى عمراً على عبد الله بن عُمر فأبى عليه. فقال له عمرو: خبّرني ما رأيك؟ قال: رأيي أن نخلع هذين الرجلين ونجعل الأمر شورى بين المسلمين فيختار المسلمون لأنفسهم من أحبّوا، فقال له عمرو: فإن الرأي ما رأيت فأقبلا إلى الناس وهم مجتمعون، فقال: يا أبا موسى، أعلِمهم بأن رأينا قد اجتمع واتفق. فتكلم أبو موسى فقال: إن رأيي ورأي عمرو قد اتفق على أمر نرجوا أن يصلح الله عَزَّ وجَلَّ به أمر هذه الأمة. فقال عمرو: صدق وبرّ، يا أبا موسى تقدّم، فتقدّم أبو موسى ليتكلم، فقال له ابن عباس: ويحك! والله إني لأظنه قد خدعك إن كنتما قد اتفقتما على أمر فقدّمه فليتكلم بذلك الأمر قبلك، ثم تكلم أنت بعده فإن عمراً رجل غادر ولا آمن أن يكون قد أعطاك الرضا فيما بينك وبينه فإذا قمت في الناس خالفك! وكان أبو موسى مغفّلاً، فقال: إنا قد اتفقنا، فتقدم أبو موسى فحمد الله عَزَّ وجَلَّ وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنا قد نظرنا في أمر هذه الأمة فلم نر أصلح لأمرها ولا ألمّ لشعثها من أمر قد أجمع رأيي ورأي عمرو عليه، وهو أن نخلع علياً ومعاوية وتستقبل هذه الأمة هذا الأمر، فيولوا منهم من أحبوا عليهم،

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٦، ص ٣٨.

٣٦٢

وإني قد خلعت علياً ومعاوية، فاستقبلوا أمركم وولوا عليكم من رأيتموه لهذا الأمر أهلاً، ثم تنحّى. وأقبل عمرو بن العاص فقام مقامه فحمد الله وأثنى عليه وقال: إن هذا قد قال ما سمعتم وخلّع صاحبه، وأنا أخلع صاحبه كما خلعه وأثبت صاحبي معاوية فإنه وليّ عثمان بن عفان والطالب بدمه وأحق الناس بمقامه. فقال أبو موسى: ما لك لا وفّقك الله غدرت وفجرت، إنما مثلك( كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ) ، قال عمرو فقنذعه بالسوط فكان أبو موسى يقول: حذّرني ابن عباس غدرة الفاسق ولكني اطمأننت إليه وظننت أنه لن يؤثر شيئاً على نصيحة الأمة.(١)

أقول: التحكيم كان باطلاً من أصله، حيث إن خلافة عليّ (ع) كانت بالحق وللحق وعلى الحق، وكانت واقعة ومحقَّقة بالنص والإجماع، والعجب من جمود فكر أبي موسى وقصور عقله حيث ساوى بين عليّ (ع) وبين رجال آخرين، ثم انخدع بخدعة عمرو ولم يتنبّه ولم يحتط في مثل هذه المسألة مع تحذير ابن عباس وتنبيه.

ونِعم ما قال ابن عباس كما في(البدء والتاريخ) فقال ابن عباس لأبي موسى: إنك قد رُميت بحجر الأرض وداهية العرب، فمهما نسيت فلا تنس أن علياً بايعه الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان، وليست فيه خلصلة واحدة تباعده من الخلافة، وليس في معاوية خصلة واحدة تُدانيه من الخلافة.(٢)

هذا مضافاً إلى أن نصب عليّ (ع) للخلافة كان من جانب الله ومن جانب الرسول (ص)، فهو خليفة إلهيّ وإمام منصوب ووليّ الله في خلقه وحجته على عباده وأفضل الأمة وأعلمها وأتقاها وأحبّ الناس إلى الله وإلى رسوله. كما قال رسول الله (ص): أنت مني بمنزلة هارون من موسى، ومن والاك فقد والاني ومن عاداك فقد عاداني. وإنه أحب الخلق إلى الله والى رسوله

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٦، ص ٣٩.

٢ - البدء والتاريخ، ج ٥، ص ٢٢٧.

٣٦٣

فكيف يجوز أن يقول فيه كل ضعيف محجوب ما يقول، هذا مثل ما قالوا في رسول الله بعقولهم الضعيفة، وكما قالوا في القرآن الكريم، وداؤهم جهلهم وضعف تفطّنهم وقلة معرفتهم. فانظر إلى هذه الروايات في حق أبي موسى:

العقد الفريد: فكتب أبو موسى إلى معاوية في جواب كتابه: سلام عليك، أما بعد: فإني لم يكن مني في عليّ إلا ما كان من عمرو فيك، غير أني أردت بما صنعت ما عند الله، وأراد به عمرو ما عندك. وقد كان بيني وبينه شروط وشورى عن تراضٍ، فلمّا رجع عمرو رجعت. أما قولك إن الحكمين إذا حكما على رجل لم يكن له الخيار عليهما ؛ فإنما ذلك في الشاة والبعير والدينار والدرهم، فأما أمر هذه الأمة فليس لأحد فيما يكره حكم، ولن يُذهب الحق عجز عاجز ولا خدعة فاجر.(١)

ويروي: فبلغ علياً كتاب معاوية إلى أبي موسى الأشعري فكتب إليه: سلام عليك، أما بعد، فإنك امرؤ ظلمك الهوى واستدرجك الغرور، حقق بك حسن الظن لزومك بيت الله الحرام غير حاجّ ولا قاطن، فاستقل الله يُقلك، فإن الله يغفر ولا يغفل، وأحب عباده إليه التوابون.(٢)

ويروي: فبينما عليّ يوماً على المنبر إذ التفت إلى الحسن ابنه فقال: قم يا حسن فقل في هذين الرجلين (عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص). فقام الحسن فقال: أيها الناس أنكم قد أكثرتم في هذين الرجلين، وإنما بُعثا ليحكما بالكتاب على الهوى، فحكما بالهوى على الكتاب، ومن كان هذا لم يُسمّ حكماً ولكنه محكوم عليه، وقد أخطأ عبد الله بن قيس إذ جعلها لعبد الله بن عمر، فأخطأ في ثلاث خصال: واحدة أنه خالف أباه إذ لم يرضه له ولم يجعله من أهل الشورى، وأخرى أنه لم يستأمره في نفسه، وثالثة أنه لم يجتمع عليه المهاجرون والأنصار الذين يقعدون الإمارة ويحكمون بها على النفس.(٣)

____________________

١ - العقد الفريد، ج ٤، ص ٣٤٨.

٢ - نفس المصدر، ص ٣٤٩.

٣ - العقد الفريد، ج ٤، ص ٣٥٠.

٣٦٤

أقول: يستفاد من روايات هذه الفتنة أمور راجعة إلى أمير المؤمنين عليّ، وإلى معاوية، وإلى عمرو بن العاص، وإلى أبي موسى:

أمَّا ما يرجع إلى عليّ (ع) ، فنذكرها بالترتيب:

١ - قول أهل اليمن له (ع): لا نرد ما دعاك القوم إليه قد أنصفك القوم والله لئن لم تقبل هذا منهم لا وفاء.

٢ - فهمّ عليّ أن يُقدّم أبا الأسود الدؤلي فأبى الناس عليه.

٣ - إن علياً قال: عباد الله امضوا على حقكم وصدقكم قتال عدوكم.

٤ - قول الخوارج له: يا عليّ، أجِب إلى كتاب الله إذ دُعيت إليه وإلا ندفعك برمّتك إلى القوم أو نفعل كما فعلنا بابن عفان.

٥ - قول عليّ إلى الأشتر: ويحك يا يزيد قل له أقبِل إليَّ فإن الفتنة قد وقعت.

٦ - قال عليّ: فإنكم قد عصيتموني في أول الأمر فلا عصوني الآن.

٧ - قال عليّ: قد فعلتم فعلة ضعضعتْ قوة، وأسقطت مُنّة، وأوهنتْ وأورثتْ وهناً وذلة.

٨ - قال رسول الله (ص) لعليّ: أما أن لك مثلها وستأتيها وأنت مضطرّ.

٩ - قال ابن عباس لأبي موسى: فلا تنس أن علياً بايعه الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان.

١٠ - كتب أبو موسى إلى معاوية: لم يكن منّي في عليّ إلا ما كان من عمرو فيك.

وأما ما يرجع إلى معاوية:

١ - حتى انتهوا إلى سرادق معاوية فدعا بالفرس وهمّ بالهزيمة.

٢ - قول أبي الأسود: المهاجرون أولى بهذا الأمر أما الطلقاء؟

٣ - قول عليّ (ع): فإن معاوية وعمراً وابن أبي معيط وحبيباً وابن أبي سرح والضحاك ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن.

٣٦٥

٤ - قال علي: ويحكم إنهم ما رفعوها لكم إلا خديعة ودهناً إنما قاتلتهم ليدينوا بحكم هذا الكتاب.

٥ - قال أبو موسى: أما ما ذكرت من شرف معاوية فإن هذا ليس على الشرف يولاه أهله مع أني لو كنت معطيه أفضل قريش شرفاً أعطيته عليّ بن أبي طالب فإني لم أكن لأولّيه معاوية وأدع المهاجرين الأولين.

٦ - كتب أبو موسى إليه: ولن يُذهب الحق عجز عاجز ولا خدعة فاجر.

وأما ما يرجع إلى عمرو بن العاص:

١ - قال معاوية: وأما نحن فصاحبنا عمرو بن العاص.

٢ - قال عمرو: تأمر بالمصاحف فتُرفع في أطراف الرماح.

٣ - إن معاوية وعمراً ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن.

٤ - قال عليّ: يا ابن النابغة! ومتى لم تكن للفاسقين ولياً وللمسلمين عدواً وهل تشبه إلا أمّك.

٥ - قال أبو موسى: ما أصنع؟ جامَعَني على أمر ثم نزع عنه ثم قال: إنما مثلك( كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث‏ ) .

٦ - ثم أقبل عليه بأنواع من الطعام يُشهّيّه بها ثم لم يُبق عهداً ولا موثقاً ولا يميناً مؤكدة حتى حلف بها.

٧ - فكان عمرو قد عوّد أبا موسى أن يقدّمه في كل شيء.

٨ - يقول أبو موسى: حذّرني ابن عباس غدرة الفاسق.

٩ - كتب أبو موسى: لن يُذهب الحق خدعة فاجر.

١٠ - قال الإمام الحسن (ع): فحكما بالهوى على الكتاب.

وأما ما يرجع إلى أبي موسى:

١ - قال معاوية: إن الناس قد ملوا ولم يرضوا إلا رجلاً له تقيّة.

٢ - ثم اجتمع أصحاب البرانس على أن يُقدِّموا أبا موسى.

٣٦٦

٣ - قال معاوية لعمرو: إنك قد رُميت برجل طويل اللسان قصير الرأي.

٤ - فقال الأشعث وأولئك القوم الذين صاروا خوارج بعد: فإنا قد رضينا بأبي موسى، قال عليّ: فإنكم قد عصيتموني.

٥ - قال عليّ: فإنه ليس لي بثقة قد فارقني وخذلني.

٦ - قال ابن عباس: أنت في خدعة. ألم أقل لك لا تبدأه.

٧ - قال سعد: ويحك يا أبا موسى ما أضعفك عن عمرو.

٨ - قال عمرو له: مثلك مثل الحمار يحمل أسفاراً.

٩ - قال عبد الرحمن: لو مات الأشعري قبل هذا لكان خيراً له.

١٠ - وكان أبو موسى مغفّلاً، فقال: إنا قد اتفقنا.

١١ - فحمل شريح عليه فقنّعه بالسوط.

١٢ - قال أبو موسى: وكان بيني وبين عمرو شروط فلما رجع رجعت.

ويناسب أن نروي روايات فيه:

سير الأعلام: عن شقيق، كنا مع حذيفة جلوساً، فدخل عبد الله وأبو موسى المسجد، فقال: أحدهما منافق، ثم قال: إن أشبه الناس هدياً ودلاً وسمتاً برسول الله (ص) عبد الله ( وهو ابن مسعود ).(١)

ويروي: وكان النبي (ص) قد أسرّ إلى حذيفة أسماء المنافقين.(٢)

وفيالاستيعاب : كان عمر بن الخطاب يسأله عن المنافقين، وهو معروف في الصحابة بصاحب سر رسول الله.(٣)

ويروي الذهبي أيضاً: فجاء ابن عباس إلى عليّ، فقال: علام تُحكّم أبا موسى؟ لقد عرفت رأيه فينا فوالله ما نصرنا، وهو يرجو ما نحن فيه، فتُدخله الآن في معاقد أمرنا مع أنه ليس بصاحب ذلك، فإذا أبيت أن تجعلني مع عمرو فاجعل الأحنف بن قيس فإنه مجرّب من العرب وهو قِرن لعمرو. فقال: نعم.

____________________

١ - سير الأعلام، ج ٢، ص ٢٨٢.

٢ - نفس المصدر، ص ٢٦٢.

٣ - الاستيعاب، ج ١، ص ٣٣٥.

٣٦٧

فأبت اليمانية أيضاً. فلمَّا غُلب جعل أبا موسى.(١)

أقول: قد مرّ في الروايات السابقة جريان تحكيم أبي موسى، وأن علياً أمير المؤمنين (ع) حكّمه إجباراً من الخوارج، فإنهم لم يرضوا إلا به.

____________________

١ - سير الأعلام، ج ٢، ص ٢٨٣.

٣٦٨

(بعض ما ورد في معاوية)

نذكر هنا روايات من مساوئ أعمال معاوية بن أبي سفيان، ولما كانت مرتبطة بالمقام أفردناها بالذكر من بين سائر ما ورد في مظالمه ومطاعنه.

ولا يخفى أن معاوية هو ابن أبي سفيان بن حرب، كان أبوه في رأس المحاربين من مشركي قريش في غزوات رسول الله (ص)، وأمه هند بنت عتبة التي أخرجت كبد حمزة عم رسول الله وجعلت تلوك كبده ثم لفظته وجدعت أنفه وقطعت أذنيه. فبكى رسول الله (ص) وشهق.

(ادعاء زياد)

الفائق: عائشة: قدم معاوية المدينة فدخل عليها، فذكرت له شيئاً، فقال: إن ذلك لا يصلح، فقالت: الذي لا يصلح ادعاؤك زياداً، فقال: شهدت الشهود، فقالت: ما شهدت الشهود ولكن ركبت الصليعاء.(١)

قال الزمخشري: أي السوءة أو الفجرة البارزة، تعني ردّه بذلك الحديث المرفوع الذي أطبقت الأمة على قبوله: الولد للفراش وللعاهر الحجر. وسُمّية لم تكن لأبي سفيان فراشاً.

أقول: إن أبا سفيان زنى بسمية ثم ولد زياداً، فادعى معاوية أنه أخوه، وأن أباه أبو سفيان، مع أن للعاهر الحجر والولد يلحق بالفراش. وابن زياد هو عبيد الله الملعون الذي أسرج وتهيّأ لقتال أبي عبد الله الحسين سيد شباب أهل الجنة وابن بنت رسول الله (ص)

____________________

١ - الفائق، ج ٢، ص ٣٧.

٣٦٩

الاستيعاب: فقال عمرو بن العاص: أما والله لو كان هذا الغلام قرشياً لساق العرب بعصاه، فقال أبو سفيان بن حرب: والله إني لأعرف الذي وضعه في رحم أمه، فقال علي بن أبي طالب: ومن هو يا أبا سفيان؟ قال: أنا ثم ادعاه معاوية في سنة أربع وأربعين ولحق به زياداً أخاً على ما كان من أبي سفيان في ذلك وقال أبو بكرة أخو زياد لأمه: هذا زنى أمه وانتفى من أبيه. ويله ما يصنع بأم حبيبة زوج النبي (ص) أيريد أن يراها، فإن حجبته فضحته، وإن رآها فيالها مصيبة، يهتك من رسول الله (ص) حرمة عظيمة.(١)

تهذيب ابن عساكر: عن سعيد بن المسيب قال: أول قضية ردّت من قضاء رسول الله (ص) علانيّة، قضاء فلان. يعني معاوية في زياد. وقال ابن يحيى: أول حكم رُدّ من أحكام رسول الله (ص) الحُكُم في زياد. وقال ابن بعجة: أول داء دخل على العرب قتل الحسن يعني سمّه، وادعاء زياد.(٢)

قتل حُجْر

وفيالتهذيب : قال معاوية: ما قتلتُ أحداً إلا وأنا أعرف فيم قتلته، ما خلا حجراً، فإني لا أعرف بأيّ ذنب قتلته.(٣)

الاستيعاب: فبلغ ما صنع بهم زياد إلى عائشة أم المؤمنين، فبعثت إلى معاوية عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: الله الله في حُجر وأصحابه ؛ فوجده عبد الرحمن قد قُتل هو وخمسة من أصحابه، فقال لمعاوية: أين عزب عنك حلم أبي سفيان في حجر وأصحابه؟ ألا حبستهم في السجون وعرّضتهم للطاعون؟ قال: حين غاب عنّي مثلك من قومي. قال: والله لا تَعدّ لك العرب حلماً بعدها أبداً ولا رأياً، قتلت قوماً بُعث بهم إليك أسارى من المسلمين. قال: فما أصنع؟ كتب

____________________

١ - الاستيعاب، ج ١، ص ٥٢٥.

٢ - تهذيب ابن عساكر، ج ٥، ص ٤١٢.

٣ - نفس المصدر، ج ٤، ص ٨٦.

٣٧٠

إليَّ فيهم زياد يُشدّد أمرهم ويذكر أنهم سيفتقون عليّ فتقاً لا يُرقع!.(١)

البيان والتعريف: إن معاوية دخل على عائشة فقالت: ما حملك على ما صنعت من قتل أهل عذراء حُجر وأصحابه؟ قال: رأيت قتلهم صلاحاً للأمة وبقاءهم فساداً! فقالت: سمعت رسول الله (ص) يقول: سيُقتل بعذراء أناس يغضب الله لهم وأهل السماء.(٢)

مستدرك الحاكم: عن مروان بن الحكم، قال: دخلت مع معاوية على أم المؤمنين عائشة، فقالت: يا معاوية، قتلت حُجراً وأصحابه وفعلت الذي فعلت، أما تخشى أن أخبأ لك رجلاً فيقتلك! قال: لا، إني في بيت أمان.(٣)

أقول: حُجر بن عديّ وأصحابه المقتولون الشهداء من جانب معاوية بن أبي سفيان: كانوا من الأتقياء الزهاد القائمين بالليل والصائمين بالنهار ومن أهل الحديث والمعرفة ومن محبّي أهل بيت رسول الله (ص)، وهذه المحبة والمعرفة كانت عند بني أمية من الذنوب العظام التي لا تُغفر.

انظر: ما قالت غانمة لمعاوية، وما عمل عمر بسر بن أرطأة:

الاستيعاب: ما خلاصته: وجّه معاوية بسر بن أرطأة لقتل شيعة عليّ، فقتل ابني عبيد الله بن العباس، وفرّ أهل المدينة ودخلوا الحرة، وأغار على همدان وقتل وسبى نساءهم، فكُنّ أول مسلمات سُبين في الإسلام، وقتل أحياء من بني سعد، وفرّ عامل المدينة أبو أيوب الأنصاري ولحق بعلي (ع).(٤)

المحاسن للبيهقي: ثم قالت ( غانمة ): يا معشر قريش، والله ما معاوية بأمير المؤمنين ولا هو كما يزعم، هو والله شانيء رسول الله (ص)، إني آتية معاوية وقائلة له بما يعرق منه جبينه ويكثر منه عويله، فكتب عامل معاوية إليه بذلك، فلما بلغه إنها قد قربت منه أمر بدار ضيافة فنُظّفت وألقي فيها فرش. فلما قربت

____________________

١ - الاستيعاب، ج ١، ص ٣٢٩.

٢ - البيان والتعريف، ج ٢، ص ٧٢.

٣ - مستدرك الحاكم، ج ٤، ص ٣٥٢.

٤ - الاستيعاب، ج ١، ص ١٦٠.

٣٧١

غانمة بنت غانم من الشام استقبلها يزيد في حشمه ومماليكه، فلما دخلت المدينة أتت دار أخيها عمرو بن غانم، فقال لها يزيد: أن أبا عبد الرحمن يأمرك أن تصيري إلى دار ضيافته، وكانت لا تعرفه، فقالت: من أنت كلأك الله؟ قال: يزيد بن معاوية. قالت: فلا رعاك الله يا ناقص لست بزائد.

فتمعّر لَوْنُ يزيد، فأتى أباه فأخبره، فقال: هي أسن قريش وأعظمهم، فلما قال يزيد: كم تعدّ لها يا أمير المؤمنين؟ قال: كانت تعدّ على رسول الله (ص) أربعمئة عام، وهي من بقية الكرام. فلما كان من الغد أتاها معاوية فسلّم عليها.

فقالت: على المؤمنين السلام وعلى الكافرين الهوان. ثم قالت: من منكم ابن العاص وأما أنت يا معاوية فما كنت في خير ولا رُبيّت في خير، فمالك ولبني هاشم؟! أنساء بني أمية كنسائهم أم أُعطي أمية ما أعطي هاشم في الجاهلية والإسلام؟ وكفى فخراً برسول الله (ص).

فقال معاوية: أيتها الكبيرة أنا كافّ عن بني هاشم.

قالت: فإني أكتب عليك عهداً، كان رسول الله (ص) دعا ربه أن يستجيب لي خمس دعوات فأجعل تلك الدعوات كلها فيك، فخاف معاوية وحلف لها أن لا يسبّ بني هاشم أبداً.(١)

بعض ما ورد في عمرو بن العاص:

ويناسب هذه المباحث أن نذكر روايات وردت في عمرو وشأنه، ليكون الناظر على بصيرة:

المحاسن والأضداد: في كلام لعاثمة بنت عاثم.. ثم قالت: أفيكم عمرو بن العاص؟ قال عمرو: ها أنا ذا، قالت: أنت تسبّ قريشاً وبني هاشم! وأنت أهل للسب وفيك السب وإليك يعود السب، يا عمرو، إني والله عارفة بك

____________________

١ - المحاسن للبيهقي، ص ٩٣.

٣٧٢

وبعيوبك وعيوب أمك، وإني أذكر ذلك، وُلدت من أمة سوداء مجنونة حمقاء تبول من قيامها ويعلوها اللئام، وإذا لامسها الفحل فكان نطفتها أنفذ من نطفته، ركبها في يوم واحد أربعون رجلاً. وأما أنت، فقد رأيتك غاوياً غير مرشد ومفسداً غير مصلح، والله لقد رأيت فحل زوجتك على فراشك فما غرتَ ولا أنكرتَ.(١)

الفائق: اللَّهُم إن عمرو بن العاص هجاني وهو يعلم أني لستُ بشاعر فاهجُه اللَّهُم والعنه عدد ما هجاني.(٢)

أقول: تباً ثم تباً ثم تباً للأمة المنكوسة المنحطّة الذين يتّبعون من أمثال هذا الرجل المبغوض عند الله ورسوله ويفتخرون به ويسلكون مسلكه، ثم يتركون ما قال لهم رسول الله (ص)، ويُعرضون عن أهل بيت الطهارة، الذين فيهم نزل الوحي، وهم مختلَف الملائكة وأهل بيت النبوة( وَسَيَعْلَمُ الَّذينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) .

ثم إنه - كما في الاستيعاب -: عمرو بن العاص بن وائل، وأمه النابغة بنت حرملة، وأخوه لأمه عمرو بن أثاثة وعقبة بن نافع، وزينب بنت عفيف، وإسلامه كان سنة ثمان، وكان أحد الدهاة في أمور الدنيا المقدّمين في الرأي والمكر والدهاء.

المحاسن للبيهقي: عن الشعبي: أن عمرو بن العاص دخل على معاوية وعنده ناس، فلما رآه مقبلاً استضحك، فقال: يا أمير المؤمنين، أضحك الله سنك وأدام سرورك وأقر عينك، ما كل ما أرى يوجب الضحك! فقال معاوية: خطر ببالي يوم صفين يوم بارزت أهل العراق فحمل عليك علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فلما غشيك طرحت نفسك عن دابّتك وأبديت عورتك، كيف حضرك ذهنك في تلك الحال؟ وأما والله لقد وافقته هاشمياً منافياً، ولو شاء أن يقتلك لقتلك.

____________________

١ - المحاسن والأضداد، ص١٠٣.

٢ - الفائق، ج ٣، ص١٩٤.

٣٧٣

فقال عمرو: يا معاوية إن كان أضحكك شأني فمن نفسك فاضحك، أما والله لو بدا لك من صفحتك مثل الذي بدا له من صفحتي لأوجع قَذَالك وأيتم عيالك أمَا إني قد رأيتك يوم دعاك إلى البراز فاحوّلت عيناك وأزبد شدقاك وتنشّر مِنخراك وعرق جبينك وبدا من أسفلك ما أكره ذكره. فقال معاوية: حسبك حيث بلغت لم نرد كل هذا.(١)

أقول: هذا ما يعترف كل منهما على عظمة أمير المؤمنين (ع)، ويظهر من كلامهما نهاية ضعف أنفسهما.

الاستيعاب: قال في مرضه: أصلحتُ من دنياي قليلاً وأفسدت من ديني كثيراً، فلو كان الذي أصلحت هو الذي أفسدت والذي أفسدت هو الذي أصلحت لفُزت، ولو كان ينفعني أن أطلب طلبت، ولو كان يُجيني أن أهرب هربت، فصرت كالمنجنيق بين السماء والأرض، لا أرقى بيدين ولا أهبط برجلين.(٢)

الطبقات: فلما نزل به الموت، قال له ابنه عبدالله بن عمرو: يا أبت إنك كنت تقول: عجباً لمن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه، فصف لنا الموت وعقلك معك؟ فقال: يا بنيّ، الموت أجلّ من أن يوصف ولكنّي سأصف لك منه شيئاً، أجدني كأنّ على عنقي جبال رضوى وأجدني كأنّ في جوفي شوك السُلاَّء، وأجدني كأنّ نفسي تخرج من ثَقب إبرة.(٣)

أقول: يناسب هذا المقال ما فيالطبري حدّث شريح بن هاني أن علياً أوصاه بكلمات إلى عمرو بن العاص، قال: قل له إذا أنت لقيته: أن علياً يقول لك: إن أفضل الناس عند الله عَزَّ وجَلَّ من كان العمل بالحق أحب إليه وأن نقصه، وكرثه الباطل وإن حنّ إليه وزاده. يا عمرو، والله إنك لتعلم أين موضع الحق فلِمَ تجاهل؟! إن أوتيت طمعاً يسيراً كنت به لله وأوليائه عدواً، فكان

____________________

١ - المحاسن للبيهقي، ص٥٣.

٢ - الاستيعاب، ج ٣، ص١١٨٩.

٣ - الطبقات، ج ٤، ص٢٦٠.

٣٧٤

والله ما أوتيت قد زال عنك. ويحك ؛ فلا تكن للخائنين خصيماً ولا للظالمين ظهيراً. أما إني أعلم بيومك الذي أنت فيه نادم وهو يوم وفاتك تمنّى أنك لم تُظهر لمسلم عداوة ولم تأخذ على حكم رشوة.(١)

وقد سبق كلام عمرو لمعاوية حيث نُقاتل من تعلم سابقته وفضلهوقرابته، ولكنا إنما أردنا هذه الدنيا.

مستدرك الحاكم: عن عوانة قال: كان عمرو بن العاص يقول: عجباً لمن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه، فلما نزل به الموت قال له ابنه عبد الله وذكّره بقوله، فقال: يا بنيّ، الموت أجلّ من أن يوصف، سأصف لك منه شيئاً: أجدني كأنَّ على عنقي جبل رضوى، وأجدني كأنَّ في جوفي شوك السلاح، وأجدني كأن نفسي تخرج من ثَقب إبرة.(٢)

أقول: هذا أول الابتلاء والعذاب، وإن أخذ الله لشديد، وإنه لشديد العقاب بما عملت أيديهم، والعجب أنه لم يتنبّه بعد، ولم يتوجه إلى مأخذ عذابه ومنشأ ابتلائه ( خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظيمٌ ) . نعم ؛ قد سمعتَ من قول عاثمة مبدأ حياته، ثم سمعت قول رسول الله (ص): (اللَّهُم فاهجُه والعنه)، ثم قد رأيت قوله السيّء في عثمان وتهييج الناس عليه، ثم رأيت توسّله بأيّ مكيدة وحيلة ممكنة لتقوية معاوية وتحكيم حكومته وتضعيف أمير المؤمنين علي (ع) حتى يصل إلى إمرة مصر.

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٦، ص٣٩.

٢ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص٤٥٤.

٣٧٥

ممن استشهد في صِفِّين:

وفي الصف المقابل لصفوف معاوية وأصحابه رجال لا تلهيهم أيّة مشكلة عن ذكر الله تعالى، ولا تشغلهم الآمال عن المسير إلى الحقيقة، أرواحهم معلّقة بالملأ الأعلى، ويبتغون تجارة لن تبور، فمنهم عمار بن ياسر وأويس القرني وخزيمة ذو الشهادتين وغيرهم، ويكفي في إثبات الحقيقة لهذا الصف التوجه إلى أحوالهم وأقوالهم وكيفية بِرازهم ودفاعهم عن حريم إمامهم.

عمَّار من الثلاثة

الكنى للبخاري: قال رسول الله (ص): إن الله أمرني بحب أربعة من أصحابي وأخبرني أنه يحبهم، فقلنا: يا رسول الله من هم؟ فكلنا نُحب أن يكون منهم، فقال: إن علياً منهم، ثم سكت ساعة ثم قال: إن علياً منهم، وسلمان الفارسي وأبا ذر والمقداد بن الأسود الكندي.(١)

سنن الترمذي: مثلها.(٢)

ويروي أيضاً: عن أنس قال رسول الله (ص): إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة: عليّ وعمار وسلمان.(٣)

وفي المستدرك: نظيره.(٤)

أنساب الأشراف: عن أنس قال رسول الله (ص): الجنة تشتاق إلى ثلاثة من

____________________

١ - الكنى للبخاري، ص٣١.

٢ - سنن الترمذي، ص٥٣٤.

٣ - نفس المصدر، ص٥٤٢.

٤ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص١٣٧.

٣٧٦

أصحابي: علي وعمار وبلال.(١)

سير الأعلام: قال رسول الله (ص): عليكم بحب أربعة علي وأبي ذر وسلمان والمقداد.(٢)

أقول: إن علياً (ع) من الأربعة الذين أمر الله بحبهم، وإن الجنة تشتاق إلى ثلاثة منهم علي (ع) وعمار. فإذا أمر الله تعالى بحب علي (ع) فماذا يقول أصحاب معاوية حيث تجهّزوا لقتاله. وإذا اشتاقت الجنة إلى عليّ (ع) وعمار فكيف يُجوّزون خلافهما وقتالهما وطعنهما.

ثم انظر إلى الروايات الواردة بأن من عادى عماراً وأبغضه فقد عاداه اللهُ وأبغضه.

من عادى عمَّاراً

سير الأعلام: عن خالد بن الوليد قال: كان بيني وبين عمار كلام، فأغلظت له، فشكاني إلى رسول الله (ص)، فقال: من عادى عماراً عاداه الله، ومن أبغض عماراً أبغضه الله. فخرجت فما شيء أحب إليّ من رضاء عمار، فلقيته فرضى.(٣)

مستدرك الحاكم: عن خالد، قال: دعاني رسول الله (ص) فقال: يا خالد، لا تسبّ عماراً ؛ فإنه من يسبّ عماراً يسبه الله، ومن يبغض عماراً يبغضه الله، ومن يُسفّه عماراً يُسفّهه الله. قال خالد: استغفر لي يا رسول الله، فوالله ما منعني أن أجيبه إلا تسفيهي إياه، قال خالد: وما من شيء أخوف عندي من تسفيهي عمار بن ياسر يومئذٍ.(٤)

____________________

١ - أنساب الأشراف، ج ١، ص١٦٠.

٢ - سير الأعلام، ج ١، ص٢٨٠.

٣ - سير الأعلام، ج ١، ص٢٩٧.

٤ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص٣٩٠.

٣٧٧

ويروي روايات بأسناد أُخر قريبة منها.

أقول: فارجع نظرك هل ترى من أصحاب معاوية من لم يُبغض عماراً ولم يُسفّهه ولم يُعاده؟ ثم ارجع نظرك هل ترى فيهم من يحبه ويهتدي بهداه ويقتدي به؟ فماذا بعد الحق إلا الضلال.

الاقتداء بعمار:

ثم إنه وردت روايات من رسول الله (ص) يأمر فيها بالاتباع والاقتداء بعمار والاهتداء بهديه، ونذكر هنا عدة روايات منها وما يقرب من هذا المعنى.

الطبقات: قرأت كتاب عمر بن الخطاب إلى أهل الكوفة: أما بعد، فإني بعثت إليكم عماراً أميراً، وعبد الله معلماً ووزيراً، وهما من النجباء من أصحاب رسول الله (ص) فاسمعوا لهما واقتدوا بهما.(١)

أنساب الأشراف: عن حذيفة قال رسول الله (ص): اهتدوا بهدي عمار وتمسكوا بعهد ابن مسعود.(٢)

ويروي أيضاً: عن حارثة قرأ علينا كتاب عمر بالكوفة: أما بعد، فإني بعثت كما فيالطبقات .(٣)

ويروي أيضاً: عن ابن عباس قال: في قوله( أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ) نزلت في عمار بن ياسر.

أقول: الآية في سورة الزُمر:( أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذينَ لا يَعْلَمُونَ ) أي هل يستوي من هو قانت وقائم بالليل ومن هو عاصٍ ومذنب، وهل القانت بالليل كاللاهي، وهل الاقتداء به كالاقتداء بغيره.

الاستيعاب: عن ابن عباس في قول الله عَزَّ وجَلَّ: ( أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ

____________________

١ - الطبقات، ج ٦، ص٧.

٢ - أنساب الأشراف، ج ١، ص١٦٢.

٣ - نفس المصدر، ص١٦٣.

٣٧٨

وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشي بِهِ فِي النَّاسِ ) ، قال: عمار بن ياسر.(١)

العقد الفريد: عن أم سلمة: لما بنى رسول الله (ص) مسجده بالمدينة أمر باللبن يضرب وما يحتاج إليه، ثم قام رسول الله (ص) فوضع رداءه، فلما رأى ذلك المهاجرون والأنصار وضعوا أرديتهم وأكسيتهم يرتجزون ويقولون ويعملون.

لئن قعدنا والنبي يعمل

ذاك إذاً لعمل مُضلل

وكان عثمان رجلاً نظيفاً متنظفاً، فكان يحمل اللبنة ويُجافي بها عن ثوبه، فإذا وضعها نفض كفّيه ونظر إلى ثوبه فإذا أصابه شيء من التراب نفضه، فنظر إليه عليّ (ع) فأنشده:

لا يستوي من يَعمر المساجدا

وقائماً طوراً وطوراً قاعدا

يدأب فيها راكعاً وساجدا

ومن يُرى عن الترات حائدا

فسمعها عمار بن ياسر فجعل يرتجزها وهو لا يدري من يعني، فسمعه عثمان فقال: يا ابن سمية ما أعرفني بمن تُعرّض ومعه جريدة، فقال: لتكفّنّ أو لأعترضنّ بها وجهك! فسمعه النبي (ص) وهو جالس في ظلّ حائط، فقال: عمار جلدة ما بين عيني وأنفي، فمن بلغ ذلك منه فقد بلغ مني فأخذ به وطاف به في المسجد وجعل يمسح وجهه من التراب ويقول: يا ابن سمية، لا يقتلك أصحابي، ولكن تقتلك الفئة الباغية. فلما قتل بصفين وروى هذا الحديث عبد الله بن عمرو بن العاص، قال معاوية: هم قتلوه لأنهم أخرجوه إلى القتل، فلما بلغ ذلك علياً قال: ونحن قتلنا أيضاً حمزة لأنا أخرجناه.(٢)

عمار والحق

ابن ماجة: عن عائشة، قال رسول الله (ص): عمار ما عُرض عليه أمران إلا اختار الأرشد منهما.(٣)

____________________

١ - الاستيعاب، ج ٣، ص١١٣٧.

٢ - العقد الفريد، ج ٤، ص٣٤٢.

٣ - ابن ماجة، ج ١، ص٦٦.

٣٧٩

سنن الترمذي: عن عائشة، قال رسول الله (ص): ما خيّر عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما.(١)

أنساب الأشراف: عن عبد الله كما في ابن ماجة.(٢)

ويروي أيضاً: عن القاسم: أول من بنى مسجداً يُصلى فيه عمار بن ياسر.(٣)

سير الأعلام: يروي مثلها.(٤)

أقول: فإذا قال رسول الله (ص) في حق عمار: (إنه يختار الأرشد من الأمرين)، و(اهتدوا بهدي عمار)، وقال الله تعالى في حقه:( أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ) ، فهل تبقى للناس حجة على الحق، بل والله الحجة التامة عليهم.

وكان رسول الله (ص) يشاهد اختلاف الأمة بعده، فهداهم إلى طريق الحق والسعادة، وبيّن لهم سبيل النجاة والجنة، وحذّرهم عن الضلالة والغواية بكلمات مختلفة وعبارات متفاوتة، ومنها هذه التعبيرات في حق عمار:

سير الأعلام: عن سالم: جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: إن الله قد آمَنَنا من أن يظلمنا ولم يُؤمننا من أن يفتِننا! أرأيت أن أدركتُ فتنة؟ قال: عليك بكتاب الله، قال: أرأيت أن كان كلهم يدعو إلى كتاب الله؟ قال سمعت رسول الله (ص) يقول: إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق.(٥)

المستدرك: عن حذيفة قلنا يا أبا عبد الله حدّثنا ما سمعت من رسول الله (ص) في الفتنة؟ قال حذيفة: قال رسول الله (ص): دوروا مع كتاب الله حيث ما دار، فقلنا: فإذا اختلف الناس فمع مَن نكون؟ فقال: انظروا الفئة التي فيها ابن سمية فالزموها فإنه يدور مع كتاب الله. قال: قلت ومن ابن سمية؟ قال: أو ما تعرفه؟ قلت: بيّنه لي؟ قال: عمار بن ياسر، سمعت رسول الله (ص) يقول

____________________

١ - سنن الترمذي، ص٥٤٢.

٢ - أنساب الأشراف، ج ١، ص١٦٩.

٣ - أنساب الأشراف، ج ١، ص١٦٢.

٤ - سير الأعلام، ج ١، ص٢٩٥.

٥ - نفس المصدر، ص٢٩٨.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495