الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام0%

الحقائق في تاريخ الاسلام مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 495

الحقائق في تاريخ الاسلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة المصطفوي
تصنيف: الصفحات: 495
المشاهدات: 186630
تحميل: 6849

توضيحات:

الحقائق في تاريخ الاسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 495 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 186630 / تحميل: 6849
الحجم الحجم الحجم
الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

رأي أبي موسى في عبد الله بن عمر، فقال له: عبد الله بن عمر، فقال: إنه لك ما ذكرت، ولكن كيف لي بالوثيقة منك؟ فقال له: يا أبا موسى( أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) ، خذ من العهود والمواثيق حتى ترضى، ثم لم يُبق عمرو بن العاص عهداً ولا موثقاً ولا يميناً مؤكدة حتى حلف بها، حتى بقي الشيخ مبهوتاً، وقال له: قد أجبتُ. فنودي في الناس بالاجتماع إليهما، فاجتمعوا. فقال له عمرو: قم فاخطب الناس يا أبا موسى. فقال: قم أنت أخطبهم. فقال: سبحان الله! أنا أتقدّمك وأنت شيخ أصحاب رسول الله (ص)! والله لا فعلت أبداً، قال: أو عسى في نفسك أمر؟ فزاده أيماناً وتوكيداً، حتى قام الشيخ فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أيها الناس إني قد اجتمعت أنا وصاحبي إلخ.(١)

تاريخ الطبري: والتقى الحكمان، فقال عمرو بن العاص: يا أبا موسى ألست تعلم أن عثمان قتل مظلوماً؟ قال: أشهد. قال ألست تعلم أن معاوية وآل معاوية أولياؤه؟ قال: بلى. قال: فإن الله عَزَّ وجَلَّ قال:( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً ) فما يمنعك من معاوية وليّ عثمان يا أبا موسى وبيته في قريش كما قد علمت، فإن تخوّفت أن يقول الناس وُلّي معاوية وليست له سابقة: فإن لك بذلك التدبير، وهو أخو أم حبيبة زوجة النبي (ص) وقد صحبه فهو أحد الصحابة، ثم عرض له بالسلطان، فقال: أن ولي أكرمك كرامة لم يُكرمها خليفة. فقال أبو موسى: يا عمرو، اتَّقِ الله عَزَّ وجَلَّ فأمَّا ما ذكرت من شرف معاوية: فإن هذا ليس على الشرف يُولاه أهله، ولو كان على الشرف لكان هذا الأمر لآل أبرهة بن الصبّاح، إنما هو لأهل الدين والفضل مع أني لو كنت مُعطيه أفضل قريش شرفاً أعطيته عليّ بن أبي طالب. وأما قولك أن معاوية وليّ دم عثمان فولّه هذا الأمر: فإني لم أكن لأولّيه معاوية وأدَع المهاجرين الأولين. وأما تعريضك لي بالسلطان.

____________________

١ - العقد الفريد، ج ٤، ص ٣٤٧.

٣٦١

فوالله لو خرج لي من سلطانه كله ما وليته، وما كنت لأرتشي في حكم الله عَزَّ وجَلَّ، ولكنك إن شئت أحيينا اسم عمر بن الخطاب.(١)

أقول: طلب الثأر دعوى خصوصيّ لا ارتباط له بالخلافة والبيعة ووحدة الكلمة، ثم إن معاوية من أين جُعِل ولياً لعثمان؟، مع أنه خذله وترك نصرته في حياته.

ويروي أيضاً: عن أبي جناب الكلبي أن عمراً وأبا موسى حيث التقيا بدومة الجندل، أخذ عمرو يُقدّم أبا موسى في الكلام يقول: إنك صاحب رسول الله (ص) وأنت أسنّ مني، فتكلم وأتكلّم، فكان عمرو قد عوّد أبا موسى أن يقدمه في كل شيء ؛ اغتزى بذلك كله أن يقدّمه فيبدأ بخلع عليّ، قال: فنظر في أمرهما وما اجتمعا عليه، فأراده عمرو على معاوية فأبى وأراده على ابنه فأبى، وأراد أبو موسى عمراً على عبد الله بن عُمر فأبى عليه. فقال له عمرو: خبّرني ما رأيك؟ قال: رأيي أن نخلع هذين الرجلين ونجعل الأمر شورى بين المسلمين فيختار المسلمون لأنفسهم من أحبّوا، فقال له عمرو: فإن الرأي ما رأيت فأقبلا إلى الناس وهم مجتمعون، فقال: يا أبا موسى، أعلِمهم بأن رأينا قد اجتمع واتفق. فتكلم أبو موسى فقال: إن رأيي ورأي عمرو قد اتفق على أمر نرجوا أن يصلح الله عَزَّ وجَلَّ به أمر هذه الأمة. فقال عمرو: صدق وبرّ، يا أبا موسى تقدّم، فتقدّم أبو موسى ليتكلم، فقال له ابن عباس: ويحك! والله إني لأظنه قد خدعك إن كنتما قد اتفقتما على أمر فقدّمه فليتكلم بذلك الأمر قبلك، ثم تكلم أنت بعده فإن عمراً رجل غادر ولا آمن أن يكون قد أعطاك الرضا فيما بينك وبينه فإذا قمت في الناس خالفك! وكان أبو موسى مغفّلاً، فقال: إنا قد اتفقنا، فتقدم أبو موسى فحمد الله عَزَّ وجَلَّ وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنا قد نظرنا في أمر هذه الأمة فلم نر أصلح لأمرها ولا ألمّ لشعثها من أمر قد أجمع رأيي ورأي عمرو عليه، وهو أن نخلع علياً ومعاوية وتستقبل هذه الأمة هذا الأمر، فيولوا منهم من أحبوا عليهم،

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٦، ص ٣٨.

٣٦٢

وإني قد خلعت علياً ومعاوية، فاستقبلوا أمركم وولوا عليكم من رأيتموه لهذا الأمر أهلاً، ثم تنحّى. وأقبل عمرو بن العاص فقام مقامه فحمد الله وأثنى عليه وقال: إن هذا قد قال ما سمعتم وخلّع صاحبه، وأنا أخلع صاحبه كما خلعه وأثبت صاحبي معاوية فإنه وليّ عثمان بن عفان والطالب بدمه وأحق الناس بمقامه. فقال أبو موسى: ما لك لا وفّقك الله غدرت وفجرت، إنما مثلك( كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ) ، قال عمرو فقنذعه بالسوط فكان أبو موسى يقول: حذّرني ابن عباس غدرة الفاسق ولكني اطمأننت إليه وظننت أنه لن يؤثر شيئاً على نصيحة الأمة.(١)

أقول: التحكيم كان باطلاً من أصله، حيث إن خلافة عليّ (ع) كانت بالحق وللحق وعلى الحق، وكانت واقعة ومحقَّقة بالنص والإجماع، والعجب من جمود فكر أبي موسى وقصور عقله حيث ساوى بين عليّ (ع) وبين رجال آخرين، ثم انخدع بخدعة عمرو ولم يتنبّه ولم يحتط في مثل هذه المسألة مع تحذير ابن عباس وتنبيه.

ونِعم ما قال ابن عباس كما في(البدء والتاريخ) فقال ابن عباس لأبي موسى: إنك قد رُميت بحجر الأرض وداهية العرب، فمهما نسيت فلا تنس أن علياً بايعه الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان، وليست فيه خلصلة واحدة تباعده من الخلافة، وليس في معاوية خصلة واحدة تُدانيه من الخلافة.(٢)

هذا مضافاً إلى أن نصب عليّ (ع) للخلافة كان من جانب الله ومن جانب الرسول (ص)، فهو خليفة إلهيّ وإمام منصوب ووليّ الله في خلقه وحجته على عباده وأفضل الأمة وأعلمها وأتقاها وأحبّ الناس إلى الله وإلى رسوله. كما قال رسول الله (ص): أنت مني بمنزلة هارون من موسى، ومن والاك فقد والاني ومن عاداك فقد عاداني. وإنه أحب الخلق إلى الله والى رسوله

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٦، ص ٣٩.

٢ - البدء والتاريخ، ج ٥، ص ٢٢٧.

٣٦٣

فكيف يجوز أن يقول فيه كل ضعيف محجوب ما يقول، هذا مثل ما قالوا في رسول الله بعقولهم الضعيفة، وكما قالوا في القرآن الكريم، وداؤهم جهلهم وضعف تفطّنهم وقلة معرفتهم. فانظر إلى هذه الروايات في حق أبي موسى:

العقد الفريد: فكتب أبو موسى إلى معاوية في جواب كتابه: سلام عليك، أما بعد: فإني لم يكن مني في عليّ إلا ما كان من عمرو فيك، غير أني أردت بما صنعت ما عند الله، وأراد به عمرو ما عندك. وقد كان بيني وبينه شروط وشورى عن تراضٍ، فلمّا رجع عمرو رجعت. أما قولك إن الحكمين إذا حكما على رجل لم يكن له الخيار عليهما ؛ فإنما ذلك في الشاة والبعير والدينار والدرهم، فأما أمر هذه الأمة فليس لأحد فيما يكره حكم، ولن يُذهب الحق عجز عاجز ولا خدعة فاجر.(١)

ويروي: فبلغ علياً كتاب معاوية إلى أبي موسى الأشعري فكتب إليه: سلام عليك، أما بعد، فإنك امرؤ ظلمك الهوى واستدرجك الغرور، حقق بك حسن الظن لزومك بيت الله الحرام غير حاجّ ولا قاطن، فاستقل الله يُقلك، فإن الله يغفر ولا يغفل، وأحب عباده إليه التوابون.(٢)

ويروي: فبينما عليّ يوماً على المنبر إذ التفت إلى الحسن ابنه فقال: قم يا حسن فقل في هذين الرجلين (عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص). فقام الحسن فقال: أيها الناس أنكم قد أكثرتم في هذين الرجلين، وإنما بُعثا ليحكما بالكتاب على الهوى، فحكما بالهوى على الكتاب، ومن كان هذا لم يُسمّ حكماً ولكنه محكوم عليه، وقد أخطأ عبد الله بن قيس إذ جعلها لعبد الله بن عمر، فأخطأ في ثلاث خصال: واحدة أنه خالف أباه إذ لم يرضه له ولم يجعله من أهل الشورى، وأخرى أنه لم يستأمره في نفسه، وثالثة أنه لم يجتمع عليه المهاجرون والأنصار الذين يقعدون الإمارة ويحكمون بها على النفس.(٣)

____________________

١ - العقد الفريد، ج ٤، ص ٣٤٨.

٢ - نفس المصدر، ص ٣٤٩.

٣ - العقد الفريد، ج ٤، ص ٣٥٠.

٣٦٤

أقول: يستفاد من روايات هذه الفتنة أمور راجعة إلى أمير المؤمنين عليّ، وإلى معاوية، وإلى عمرو بن العاص، وإلى أبي موسى:

أمَّا ما يرجع إلى عليّ (ع) ، فنذكرها بالترتيب:

١ - قول أهل اليمن له (ع): لا نرد ما دعاك القوم إليه قد أنصفك القوم والله لئن لم تقبل هذا منهم لا وفاء.

٢ - فهمّ عليّ أن يُقدّم أبا الأسود الدؤلي فأبى الناس عليه.

٣ - إن علياً قال: عباد الله امضوا على حقكم وصدقكم قتال عدوكم.

٤ - قول الخوارج له: يا عليّ، أجِب إلى كتاب الله إذ دُعيت إليه وإلا ندفعك برمّتك إلى القوم أو نفعل كما فعلنا بابن عفان.

٥ - قول عليّ إلى الأشتر: ويحك يا يزيد قل له أقبِل إليَّ فإن الفتنة قد وقعت.

٦ - قال عليّ: فإنكم قد عصيتموني في أول الأمر فلا عصوني الآن.

٧ - قال عليّ: قد فعلتم فعلة ضعضعتْ قوة، وأسقطت مُنّة، وأوهنتْ وأورثتْ وهناً وذلة.

٨ - قال رسول الله (ص) لعليّ: أما أن لك مثلها وستأتيها وأنت مضطرّ.

٩ - قال ابن عباس لأبي موسى: فلا تنس أن علياً بايعه الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان.

١٠ - كتب أبو موسى إلى معاوية: لم يكن منّي في عليّ إلا ما كان من عمرو فيك.

وأما ما يرجع إلى معاوية:

١ - حتى انتهوا إلى سرادق معاوية فدعا بالفرس وهمّ بالهزيمة.

٢ - قول أبي الأسود: المهاجرون أولى بهذا الأمر أما الطلقاء؟

٣ - قول عليّ (ع): فإن معاوية وعمراً وابن أبي معيط وحبيباً وابن أبي سرح والضحاك ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن.

٣٦٥

٤ - قال علي: ويحكم إنهم ما رفعوها لكم إلا خديعة ودهناً إنما قاتلتهم ليدينوا بحكم هذا الكتاب.

٥ - قال أبو موسى: أما ما ذكرت من شرف معاوية فإن هذا ليس على الشرف يولاه أهله مع أني لو كنت معطيه أفضل قريش شرفاً أعطيته عليّ بن أبي طالب فإني لم أكن لأولّيه معاوية وأدع المهاجرين الأولين.

٦ - كتب أبو موسى إليه: ولن يُذهب الحق عجز عاجز ولا خدعة فاجر.

وأما ما يرجع إلى عمرو بن العاص:

١ - قال معاوية: وأما نحن فصاحبنا عمرو بن العاص.

٢ - قال عمرو: تأمر بالمصاحف فتُرفع في أطراف الرماح.

٣ - إن معاوية وعمراً ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن.

٤ - قال عليّ: يا ابن النابغة! ومتى لم تكن للفاسقين ولياً وللمسلمين عدواً وهل تشبه إلا أمّك.

٥ - قال أبو موسى: ما أصنع؟ جامَعَني على أمر ثم نزع عنه ثم قال: إنما مثلك( كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث‏ ) .

٦ - ثم أقبل عليه بأنواع من الطعام يُشهّيّه بها ثم لم يُبق عهداً ولا موثقاً ولا يميناً مؤكدة حتى حلف بها.

٧ - فكان عمرو قد عوّد أبا موسى أن يقدّمه في كل شيء.

٨ - يقول أبو موسى: حذّرني ابن عباس غدرة الفاسق.

٩ - كتب أبو موسى: لن يُذهب الحق خدعة فاجر.

١٠ - قال الإمام الحسن (ع): فحكما بالهوى على الكتاب.

وأما ما يرجع إلى أبي موسى:

١ - قال معاوية: إن الناس قد ملوا ولم يرضوا إلا رجلاً له تقيّة.

٢ - ثم اجتمع أصحاب البرانس على أن يُقدِّموا أبا موسى.

٣٦٦

٣ - قال معاوية لعمرو: إنك قد رُميت برجل طويل اللسان قصير الرأي.

٤ - فقال الأشعث وأولئك القوم الذين صاروا خوارج بعد: فإنا قد رضينا بأبي موسى، قال عليّ: فإنكم قد عصيتموني.

٥ - قال عليّ: فإنه ليس لي بثقة قد فارقني وخذلني.

٦ - قال ابن عباس: أنت في خدعة. ألم أقل لك لا تبدأه.

٧ - قال سعد: ويحك يا أبا موسى ما أضعفك عن عمرو.

٨ - قال عمرو له: مثلك مثل الحمار يحمل أسفاراً.

٩ - قال عبد الرحمن: لو مات الأشعري قبل هذا لكان خيراً له.

١٠ - وكان أبو موسى مغفّلاً، فقال: إنا قد اتفقنا.

١١ - فحمل شريح عليه فقنّعه بالسوط.

١٢ - قال أبو موسى: وكان بيني وبين عمرو شروط فلما رجع رجعت.

ويناسب أن نروي روايات فيه:

سير الأعلام: عن شقيق، كنا مع حذيفة جلوساً، فدخل عبد الله وأبو موسى المسجد، فقال: أحدهما منافق، ثم قال: إن أشبه الناس هدياً ودلاً وسمتاً برسول الله (ص) عبد الله ( وهو ابن مسعود ).(١)

ويروي: وكان النبي (ص) قد أسرّ إلى حذيفة أسماء المنافقين.(٢)

وفيالاستيعاب : كان عمر بن الخطاب يسأله عن المنافقين، وهو معروف في الصحابة بصاحب سر رسول الله.(٣)

ويروي الذهبي أيضاً: فجاء ابن عباس إلى عليّ، فقال: علام تُحكّم أبا موسى؟ لقد عرفت رأيه فينا فوالله ما نصرنا، وهو يرجو ما نحن فيه، فتُدخله الآن في معاقد أمرنا مع أنه ليس بصاحب ذلك، فإذا أبيت أن تجعلني مع عمرو فاجعل الأحنف بن قيس فإنه مجرّب من العرب وهو قِرن لعمرو. فقال: نعم.

____________________

١ - سير الأعلام، ج ٢، ص ٢٨٢.

٢ - نفس المصدر، ص ٢٦٢.

٣ - الاستيعاب، ج ١، ص ٣٣٥.

٣٦٧

فأبت اليمانية أيضاً. فلمَّا غُلب جعل أبا موسى.(١)

أقول: قد مرّ في الروايات السابقة جريان تحكيم أبي موسى، وأن علياً أمير المؤمنين (ع) حكّمه إجباراً من الخوارج، فإنهم لم يرضوا إلا به.

____________________

١ - سير الأعلام، ج ٢، ص ٢٨٣.

٣٦٨

(بعض ما ورد في معاوية)

نذكر هنا روايات من مساوئ أعمال معاوية بن أبي سفيان، ولما كانت مرتبطة بالمقام أفردناها بالذكر من بين سائر ما ورد في مظالمه ومطاعنه.

ولا يخفى أن معاوية هو ابن أبي سفيان بن حرب، كان أبوه في رأس المحاربين من مشركي قريش في غزوات رسول الله (ص)، وأمه هند بنت عتبة التي أخرجت كبد حمزة عم رسول الله وجعلت تلوك كبده ثم لفظته وجدعت أنفه وقطعت أذنيه. فبكى رسول الله (ص) وشهق.

(ادعاء زياد)

الفائق: عائشة: قدم معاوية المدينة فدخل عليها، فذكرت له شيئاً، فقال: إن ذلك لا يصلح، فقالت: الذي لا يصلح ادعاؤك زياداً، فقال: شهدت الشهود، فقالت: ما شهدت الشهود ولكن ركبت الصليعاء.(١)

قال الزمخشري: أي السوءة أو الفجرة البارزة، تعني ردّه بذلك الحديث المرفوع الذي أطبقت الأمة على قبوله: الولد للفراش وللعاهر الحجر. وسُمّية لم تكن لأبي سفيان فراشاً.

أقول: إن أبا سفيان زنى بسمية ثم ولد زياداً، فادعى معاوية أنه أخوه، وأن أباه أبو سفيان، مع أن للعاهر الحجر والولد يلحق بالفراش. وابن زياد هو عبيد الله الملعون الذي أسرج وتهيّأ لقتال أبي عبد الله الحسين سيد شباب أهل الجنة وابن بنت رسول الله (ص)

____________________

١ - الفائق، ج ٢، ص ٣٧.

٣٦٩

الاستيعاب: فقال عمرو بن العاص: أما والله لو كان هذا الغلام قرشياً لساق العرب بعصاه، فقال أبو سفيان بن حرب: والله إني لأعرف الذي وضعه في رحم أمه، فقال علي بن أبي طالب: ومن هو يا أبا سفيان؟ قال: أنا ثم ادعاه معاوية في سنة أربع وأربعين ولحق به زياداً أخاً على ما كان من أبي سفيان في ذلك وقال أبو بكرة أخو زياد لأمه: هذا زنى أمه وانتفى من أبيه. ويله ما يصنع بأم حبيبة زوج النبي (ص) أيريد أن يراها، فإن حجبته فضحته، وإن رآها فيالها مصيبة، يهتك من رسول الله (ص) حرمة عظيمة.(١)

تهذيب ابن عساكر: عن سعيد بن المسيب قال: أول قضية ردّت من قضاء رسول الله (ص) علانيّة، قضاء فلان. يعني معاوية في زياد. وقال ابن يحيى: أول حكم رُدّ من أحكام رسول الله (ص) الحُكُم في زياد. وقال ابن بعجة: أول داء دخل على العرب قتل الحسن يعني سمّه، وادعاء زياد.(٢)

قتل حُجْر

وفيالتهذيب : قال معاوية: ما قتلتُ أحداً إلا وأنا أعرف فيم قتلته، ما خلا حجراً، فإني لا أعرف بأيّ ذنب قتلته.(٣)

الاستيعاب: فبلغ ما صنع بهم زياد إلى عائشة أم المؤمنين، فبعثت إلى معاوية عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: الله الله في حُجر وأصحابه ؛ فوجده عبد الرحمن قد قُتل هو وخمسة من أصحابه، فقال لمعاوية: أين عزب عنك حلم أبي سفيان في حجر وأصحابه؟ ألا حبستهم في السجون وعرّضتهم للطاعون؟ قال: حين غاب عنّي مثلك من قومي. قال: والله لا تَعدّ لك العرب حلماً بعدها أبداً ولا رأياً، قتلت قوماً بُعث بهم إليك أسارى من المسلمين. قال: فما أصنع؟ كتب

____________________

١ - الاستيعاب، ج ١، ص ٥٢٥.

٢ - تهذيب ابن عساكر، ج ٥، ص ٤١٢.

٣ - نفس المصدر، ج ٤، ص ٨٦.

٣٧٠

إليَّ فيهم زياد يُشدّد أمرهم ويذكر أنهم سيفتقون عليّ فتقاً لا يُرقع!.(١)

البيان والتعريف: إن معاوية دخل على عائشة فقالت: ما حملك على ما صنعت من قتل أهل عذراء حُجر وأصحابه؟ قال: رأيت قتلهم صلاحاً للأمة وبقاءهم فساداً! فقالت: سمعت رسول الله (ص) يقول: سيُقتل بعذراء أناس يغضب الله لهم وأهل السماء.(٢)

مستدرك الحاكم: عن مروان بن الحكم، قال: دخلت مع معاوية على أم المؤمنين عائشة، فقالت: يا معاوية، قتلت حُجراً وأصحابه وفعلت الذي فعلت، أما تخشى أن أخبأ لك رجلاً فيقتلك! قال: لا، إني في بيت أمان.(٣)

أقول: حُجر بن عديّ وأصحابه المقتولون الشهداء من جانب معاوية بن أبي سفيان: كانوا من الأتقياء الزهاد القائمين بالليل والصائمين بالنهار ومن أهل الحديث والمعرفة ومن محبّي أهل بيت رسول الله (ص)، وهذه المحبة والمعرفة كانت عند بني أمية من الذنوب العظام التي لا تُغفر.

انظر: ما قالت غانمة لمعاوية، وما عمل عمر بسر بن أرطأة:

الاستيعاب: ما خلاصته: وجّه معاوية بسر بن أرطأة لقتل شيعة عليّ، فقتل ابني عبيد الله بن العباس، وفرّ أهل المدينة ودخلوا الحرة، وأغار على همدان وقتل وسبى نساءهم، فكُنّ أول مسلمات سُبين في الإسلام، وقتل أحياء من بني سعد، وفرّ عامل المدينة أبو أيوب الأنصاري ولحق بعلي (ع).(٤)

المحاسن للبيهقي: ثم قالت ( غانمة ): يا معشر قريش، والله ما معاوية بأمير المؤمنين ولا هو كما يزعم، هو والله شانيء رسول الله (ص)، إني آتية معاوية وقائلة له بما يعرق منه جبينه ويكثر منه عويله، فكتب عامل معاوية إليه بذلك، فلما بلغه إنها قد قربت منه أمر بدار ضيافة فنُظّفت وألقي فيها فرش. فلما قربت

____________________

١ - الاستيعاب، ج ١، ص ٣٢٩.

٢ - البيان والتعريف، ج ٢، ص ٧٢.

٣ - مستدرك الحاكم، ج ٤، ص ٣٥٢.

٤ - الاستيعاب، ج ١، ص ١٦٠.

٣٧١

غانمة بنت غانم من الشام استقبلها يزيد في حشمه ومماليكه، فلما دخلت المدينة أتت دار أخيها عمرو بن غانم، فقال لها يزيد: أن أبا عبد الرحمن يأمرك أن تصيري إلى دار ضيافته، وكانت لا تعرفه، فقالت: من أنت كلأك الله؟ قال: يزيد بن معاوية. قالت: فلا رعاك الله يا ناقص لست بزائد.

فتمعّر لَوْنُ يزيد، فأتى أباه فأخبره، فقال: هي أسن قريش وأعظمهم، فلما قال يزيد: كم تعدّ لها يا أمير المؤمنين؟ قال: كانت تعدّ على رسول الله (ص) أربعمئة عام، وهي من بقية الكرام. فلما كان من الغد أتاها معاوية فسلّم عليها.

فقالت: على المؤمنين السلام وعلى الكافرين الهوان. ثم قالت: من منكم ابن العاص وأما أنت يا معاوية فما كنت في خير ولا رُبيّت في خير، فمالك ولبني هاشم؟! أنساء بني أمية كنسائهم أم أُعطي أمية ما أعطي هاشم في الجاهلية والإسلام؟ وكفى فخراً برسول الله (ص).

فقال معاوية: أيتها الكبيرة أنا كافّ عن بني هاشم.

قالت: فإني أكتب عليك عهداً، كان رسول الله (ص) دعا ربه أن يستجيب لي خمس دعوات فأجعل تلك الدعوات كلها فيك، فخاف معاوية وحلف لها أن لا يسبّ بني هاشم أبداً.(١)

بعض ما ورد في عمرو بن العاص:

ويناسب هذه المباحث أن نذكر روايات وردت في عمرو وشأنه، ليكون الناظر على بصيرة:

المحاسن والأضداد: في كلام لعاثمة بنت عاثم.. ثم قالت: أفيكم عمرو بن العاص؟ قال عمرو: ها أنا ذا، قالت: أنت تسبّ قريشاً وبني هاشم! وأنت أهل للسب وفيك السب وإليك يعود السب، يا عمرو، إني والله عارفة بك

____________________

١ - المحاسن للبيهقي، ص ٩٣.

٣٧٢

وبعيوبك وعيوب أمك، وإني أذكر ذلك، وُلدت من أمة سوداء مجنونة حمقاء تبول من قيامها ويعلوها اللئام، وإذا لامسها الفحل فكان نطفتها أنفذ من نطفته، ركبها في يوم واحد أربعون رجلاً. وأما أنت، فقد رأيتك غاوياً غير مرشد ومفسداً غير مصلح، والله لقد رأيت فحل زوجتك على فراشك فما غرتَ ولا أنكرتَ.(١)

الفائق: اللَّهُم إن عمرو بن العاص هجاني وهو يعلم أني لستُ بشاعر فاهجُه اللَّهُم والعنه عدد ما هجاني.(٢)

أقول: تباً ثم تباً ثم تباً للأمة المنكوسة المنحطّة الذين يتّبعون من أمثال هذا الرجل المبغوض عند الله ورسوله ويفتخرون به ويسلكون مسلكه، ثم يتركون ما قال لهم رسول الله (ص)، ويُعرضون عن أهل بيت الطهارة، الذين فيهم نزل الوحي، وهم مختلَف الملائكة وأهل بيت النبوة( وَسَيَعْلَمُ الَّذينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) .

ثم إنه - كما في الاستيعاب -: عمرو بن العاص بن وائل، وأمه النابغة بنت حرملة، وأخوه لأمه عمرو بن أثاثة وعقبة بن نافع، وزينب بنت عفيف، وإسلامه كان سنة ثمان، وكان أحد الدهاة في أمور الدنيا المقدّمين في الرأي والمكر والدهاء.

المحاسن للبيهقي: عن الشعبي: أن عمرو بن العاص دخل على معاوية وعنده ناس، فلما رآه مقبلاً استضحك، فقال: يا أمير المؤمنين، أضحك الله سنك وأدام سرورك وأقر عينك، ما كل ما أرى يوجب الضحك! فقال معاوية: خطر ببالي يوم صفين يوم بارزت أهل العراق فحمل عليك علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فلما غشيك طرحت نفسك عن دابّتك وأبديت عورتك، كيف حضرك ذهنك في تلك الحال؟ وأما والله لقد وافقته هاشمياً منافياً، ولو شاء أن يقتلك لقتلك.

____________________

١ - المحاسن والأضداد، ص١٠٣.

٢ - الفائق، ج ٣، ص١٩٤.

٣٧٣

فقال عمرو: يا معاوية إن كان أضحكك شأني فمن نفسك فاضحك، أما والله لو بدا لك من صفحتك مثل الذي بدا له من صفحتي لأوجع قَذَالك وأيتم عيالك أمَا إني قد رأيتك يوم دعاك إلى البراز فاحوّلت عيناك وأزبد شدقاك وتنشّر مِنخراك وعرق جبينك وبدا من أسفلك ما أكره ذكره. فقال معاوية: حسبك حيث بلغت لم نرد كل هذا.(١)

أقول: هذا ما يعترف كل منهما على عظمة أمير المؤمنين (ع)، ويظهر من كلامهما نهاية ضعف أنفسهما.

الاستيعاب: قال في مرضه: أصلحتُ من دنياي قليلاً وأفسدت من ديني كثيراً، فلو كان الذي أصلحت هو الذي أفسدت والذي أفسدت هو الذي أصلحت لفُزت، ولو كان ينفعني أن أطلب طلبت، ولو كان يُجيني أن أهرب هربت، فصرت كالمنجنيق بين السماء والأرض، لا أرقى بيدين ولا أهبط برجلين.(٢)

الطبقات: فلما نزل به الموت، قال له ابنه عبدالله بن عمرو: يا أبت إنك كنت تقول: عجباً لمن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه، فصف لنا الموت وعقلك معك؟ فقال: يا بنيّ، الموت أجلّ من أن يوصف ولكنّي سأصف لك منه شيئاً، أجدني كأنّ على عنقي جبال رضوى وأجدني كأنّ في جوفي شوك السُلاَّء، وأجدني كأنّ نفسي تخرج من ثَقب إبرة.(٣)

أقول: يناسب هذا المقال ما فيالطبري حدّث شريح بن هاني أن علياً أوصاه بكلمات إلى عمرو بن العاص، قال: قل له إذا أنت لقيته: أن علياً يقول لك: إن أفضل الناس عند الله عَزَّ وجَلَّ من كان العمل بالحق أحب إليه وأن نقصه، وكرثه الباطل وإن حنّ إليه وزاده. يا عمرو، والله إنك لتعلم أين موضع الحق فلِمَ تجاهل؟! إن أوتيت طمعاً يسيراً كنت به لله وأوليائه عدواً، فكان

____________________

١ - المحاسن للبيهقي، ص٥٣.

٢ - الاستيعاب، ج ٣، ص١١٨٩.

٣ - الطبقات، ج ٤، ص٢٦٠.

٣٧٤

والله ما أوتيت قد زال عنك. ويحك ؛ فلا تكن للخائنين خصيماً ولا للظالمين ظهيراً. أما إني أعلم بيومك الذي أنت فيه نادم وهو يوم وفاتك تمنّى أنك لم تُظهر لمسلم عداوة ولم تأخذ على حكم رشوة.(١)

وقد سبق كلام عمرو لمعاوية حيث نُقاتل من تعلم سابقته وفضلهوقرابته، ولكنا إنما أردنا هذه الدنيا.

مستدرك الحاكم: عن عوانة قال: كان عمرو بن العاص يقول: عجباً لمن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه، فلما نزل به الموت قال له ابنه عبد الله وذكّره بقوله، فقال: يا بنيّ، الموت أجلّ من أن يوصف، سأصف لك منه شيئاً: أجدني كأنَّ على عنقي جبل رضوى، وأجدني كأنَّ في جوفي شوك السلاح، وأجدني كأن نفسي تخرج من ثَقب إبرة.(٢)

أقول: هذا أول الابتلاء والعذاب، وإن أخذ الله لشديد، وإنه لشديد العقاب بما عملت أيديهم، والعجب أنه لم يتنبّه بعد، ولم يتوجه إلى مأخذ عذابه ومنشأ ابتلائه ( خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظيمٌ ) . نعم ؛ قد سمعتَ من قول عاثمة مبدأ حياته، ثم سمعت قول رسول الله (ص): (اللَّهُم فاهجُه والعنه)، ثم قد رأيت قوله السيّء في عثمان وتهييج الناس عليه، ثم رأيت توسّله بأيّ مكيدة وحيلة ممكنة لتقوية معاوية وتحكيم حكومته وتضعيف أمير المؤمنين علي (ع) حتى يصل إلى إمرة مصر.

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٦، ص٣٩.

٢ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص٤٥٤.

٣٧٥

ممن استشهد في صِفِّين:

وفي الصف المقابل لصفوف معاوية وأصحابه رجال لا تلهيهم أيّة مشكلة عن ذكر الله تعالى، ولا تشغلهم الآمال عن المسير إلى الحقيقة، أرواحهم معلّقة بالملأ الأعلى، ويبتغون تجارة لن تبور، فمنهم عمار بن ياسر وأويس القرني وخزيمة ذو الشهادتين وغيرهم، ويكفي في إثبات الحقيقة لهذا الصف التوجه إلى أحوالهم وأقوالهم وكيفية بِرازهم ودفاعهم عن حريم إمامهم.

عمَّار من الثلاثة

الكنى للبخاري: قال رسول الله (ص): إن الله أمرني بحب أربعة من أصحابي وأخبرني أنه يحبهم، فقلنا: يا رسول الله من هم؟ فكلنا نُحب أن يكون منهم، فقال: إن علياً منهم، ثم سكت ساعة ثم قال: إن علياً منهم، وسلمان الفارسي وأبا ذر والمقداد بن الأسود الكندي.(١)

سنن الترمذي: مثلها.(٢)

ويروي أيضاً: عن أنس قال رسول الله (ص): إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة: عليّ وعمار وسلمان.(٣)

وفي المستدرك: نظيره.(٤)

أنساب الأشراف: عن أنس قال رسول الله (ص): الجنة تشتاق إلى ثلاثة من

____________________

١ - الكنى للبخاري، ص٣١.

٢ - سنن الترمذي، ص٥٣٤.

٣ - نفس المصدر، ص٥٤٢.

٤ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص١٣٧.

٣٧٦

أصحابي: علي وعمار وبلال.(١)

سير الأعلام: قال رسول الله (ص): عليكم بحب أربعة علي وأبي ذر وسلمان والمقداد.(٢)

أقول: إن علياً (ع) من الأربعة الذين أمر الله بحبهم، وإن الجنة تشتاق إلى ثلاثة منهم علي (ع) وعمار. فإذا أمر الله تعالى بحب علي (ع) فماذا يقول أصحاب معاوية حيث تجهّزوا لقتاله. وإذا اشتاقت الجنة إلى عليّ (ع) وعمار فكيف يُجوّزون خلافهما وقتالهما وطعنهما.

ثم انظر إلى الروايات الواردة بأن من عادى عماراً وأبغضه فقد عاداه اللهُ وأبغضه.

من عادى عمَّاراً

سير الأعلام: عن خالد بن الوليد قال: كان بيني وبين عمار كلام، فأغلظت له، فشكاني إلى رسول الله (ص)، فقال: من عادى عماراً عاداه الله، ومن أبغض عماراً أبغضه الله. فخرجت فما شيء أحب إليّ من رضاء عمار، فلقيته فرضى.(٣)

مستدرك الحاكم: عن خالد، قال: دعاني رسول الله (ص) فقال: يا خالد، لا تسبّ عماراً ؛ فإنه من يسبّ عماراً يسبه الله، ومن يبغض عماراً يبغضه الله، ومن يُسفّه عماراً يُسفّهه الله. قال خالد: استغفر لي يا رسول الله، فوالله ما منعني أن أجيبه إلا تسفيهي إياه، قال خالد: وما من شيء أخوف عندي من تسفيهي عمار بن ياسر يومئذٍ.(٤)

____________________

١ - أنساب الأشراف، ج ١، ص١٦٠.

٢ - سير الأعلام، ج ١، ص٢٨٠.

٣ - سير الأعلام، ج ١، ص٢٩٧.

٤ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص٣٩٠.

٣٧٧

ويروي روايات بأسناد أُخر قريبة منها.

أقول: فارجع نظرك هل ترى من أصحاب معاوية من لم يُبغض عماراً ولم يُسفّهه ولم يُعاده؟ ثم ارجع نظرك هل ترى فيهم من يحبه ويهتدي بهداه ويقتدي به؟ فماذا بعد الحق إلا الضلال.

الاقتداء بعمار:

ثم إنه وردت روايات من رسول الله (ص) يأمر فيها بالاتباع والاقتداء بعمار والاهتداء بهديه، ونذكر هنا عدة روايات منها وما يقرب من هذا المعنى.

الطبقات: قرأت كتاب عمر بن الخطاب إلى أهل الكوفة: أما بعد، فإني بعثت إليكم عماراً أميراً، وعبد الله معلماً ووزيراً، وهما من النجباء من أصحاب رسول الله (ص) فاسمعوا لهما واقتدوا بهما.(١)

أنساب الأشراف: عن حذيفة قال رسول الله (ص): اهتدوا بهدي عمار وتمسكوا بعهد ابن مسعود.(٢)

ويروي أيضاً: عن حارثة قرأ علينا كتاب عمر بالكوفة: أما بعد، فإني بعثت كما فيالطبقات .(٣)

ويروي أيضاً: عن ابن عباس قال: في قوله( أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ) نزلت في عمار بن ياسر.

أقول: الآية في سورة الزُمر:( أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذينَ لا يَعْلَمُونَ ) أي هل يستوي من هو قانت وقائم بالليل ومن هو عاصٍ ومذنب، وهل القانت بالليل كاللاهي، وهل الاقتداء به كالاقتداء بغيره.

الاستيعاب: عن ابن عباس في قول الله عَزَّ وجَلَّ: ( أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ

____________________

١ - الطبقات، ج ٦، ص٧.

٢ - أنساب الأشراف، ج ١، ص١٦٢.

٣ - نفس المصدر، ص١٦٣.

٣٧٨

وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشي بِهِ فِي النَّاسِ ) ، قال: عمار بن ياسر.(١)

العقد الفريد: عن أم سلمة: لما بنى رسول الله (ص) مسجده بالمدينة أمر باللبن يضرب وما يحتاج إليه، ثم قام رسول الله (ص) فوضع رداءه، فلما رأى ذلك المهاجرون والأنصار وضعوا أرديتهم وأكسيتهم يرتجزون ويقولون ويعملون.

لئن قعدنا والنبي يعمل

ذاك إذاً لعمل مُضلل

وكان عثمان رجلاً نظيفاً متنظفاً، فكان يحمل اللبنة ويُجافي بها عن ثوبه، فإذا وضعها نفض كفّيه ونظر إلى ثوبه فإذا أصابه شيء من التراب نفضه، فنظر إليه عليّ (ع) فأنشده:

لا يستوي من يَعمر المساجدا

وقائماً طوراً وطوراً قاعدا

يدأب فيها راكعاً وساجدا

ومن يُرى عن الترات حائدا

فسمعها عمار بن ياسر فجعل يرتجزها وهو لا يدري من يعني، فسمعه عثمان فقال: يا ابن سمية ما أعرفني بمن تُعرّض ومعه جريدة، فقال: لتكفّنّ أو لأعترضنّ بها وجهك! فسمعه النبي (ص) وهو جالس في ظلّ حائط، فقال: عمار جلدة ما بين عيني وأنفي، فمن بلغ ذلك منه فقد بلغ مني فأخذ به وطاف به في المسجد وجعل يمسح وجهه من التراب ويقول: يا ابن سمية، لا يقتلك أصحابي، ولكن تقتلك الفئة الباغية. فلما قتل بصفين وروى هذا الحديث عبد الله بن عمرو بن العاص، قال معاوية: هم قتلوه لأنهم أخرجوه إلى القتل، فلما بلغ ذلك علياً قال: ونحن قتلنا أيضاً حمزة لأنا أخرجناه.(٢)

عمار والحق

ابن ماجة: عن عائشة، قال رسول الله (ص): عمار ما عُرض عليه أمران إلا اختار الأرشد منهما.(٣)

____________________

١ - الاستيعاب، ج ٣، ص١١٣٧.

٢ - العقد الفريد، ج ٤، ص٣٤٢.

٣ - ابن ماجة، ج ١، ص٦٦.

٣٧٩

سنن الترمذي: عن عائشة، قال رسول الله (ص): ما خيّر عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما.(١)

أنساب الأشراف: عن عبد الله كما في ابن ماجة.(٢)

ويروي أيضاً: عن القاسم: أول من بنى مسجداً يُصلى فيه عمار بن ياسر.(٣)

سير الأعلام: يروي مثلها.(٤)

أقول: فإذا قال رسول الله (ص) في حق عمار: (إنه يختار الأرشد من الأمرين)، و(اهتدوا بهدي عمار)، وقال الله تعالى في حقه:( أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ) ، فهل تبقى للناس حجة على الحق، بل والله الحجة التامة عليهم.

وكان رسول الله (ص) يشاهد اختلاف الأمة بعده، فهداهم إلى طريق الحق والسعادة، وبيّن لهم سبيل النجاة والجنة، وحذّرهم عن الضلالة والغواية بكلمات مختلفة وعبارات متفاوتة، ومنها هذه التعبيرات في حق عمار:

سير الأعلام: عن سالم: جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: إن الله قد آمَنَنا من أن يظلمنا ولم يُؤمننا من أن يفتِننا! أرأيت أن أدركتُ فتنة؟ قال: عليك بكتاب الله، قال: أرأيت أن كان كلهم يدعو إلى كتاب الله؟ قال سمعت رسول الله (ص) يقول: إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق.(٥)

المستدرك: عن حذيفة قلنا يا أبا عبد الله حدّثنا ما سمعت من رسول الله (ص) في الفتنة؟ قال حذيفة: قال رسول الله (ص): دوروا مع كتاب الله حيث ما دار، فقلنا: فإذا اختلف الناس فمع مَن نكون؟ فقال: انظروا الفئة التي فيها ابن سمية فالزموها فإنه يدور مع كتاب الله. قال: قلت ومن ابن سمية؟ قال: أو ما تعرفه؟ قلت: بيّنه لي؟ قال: عمار بن ياسر، سمعت رسول الله (ص) يقول

____________________

١ - سنن الترمذي، ص٥٤٢.

٢ - أنساب الأشراف، ج ١، ص١٦٩.

٣ - أنساب الأشراف، ج ١، ص١٦٢.

٤ - سير الأعلام، ج ١، ص٢٩٥.

٥ - نفس المصدر، ص٢٩٨.

٣٨٠