الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام0%

الحقائق في تاريخ الاسلام مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 495

الحقائق في تاريخ الاسلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة المصطفوي
تصنيف: الصفحات: 495
المشاهدات: 186784
تحميل: 6856

توضيحات:

الحقائق في تاريخ الاسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 495 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 186784 / تحميل: 6856
الحجم الحجم الحجم
الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وان كان لمن أحبّ الناس إليّ.

إنّ الناس لم يتمكّنوا من الطعن في عليّ ( ع ) زمان حياة رسول الله ( ص ) ؛ لشدّة قربه منه ولعظمة مقامه عنده، وكونه أحبّ الناس إليه، وأنّه أخوه وابن عمّه وصهره، بل وكنفسه، كما في الآية الكريمة:( فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ) ، وقوله ( ص ): إنّ علياً منّي وأنا منه، وأنا وأنت من شجرة واحدة، ما دعوت لنفسي بشيء إلاّ دعوت لك بمثله. وقال ( ص ): لا تشكوا عليً ؛ فإنّه لأخشن في ذات الله من أن يُشكى، ومن عصى علياً فقد عصاني، ومن آذى علياً فقد آذاني. وما يقرب منها.

ثّم إذا ارتحل رسول الله ( ص ) فعلوا ما فعلوا وقالوا ما قالوا وطعنوا ما طعنوا، آذوا عِترة رسول الله، وخالفوا أهل البيت، بل عادوهم وأبغضوهم وفارقوهم، ودعوهم إلى البيعة والطاعة والخضوع، وأخذوا ما في أيديهم، وأمالوا الناس عنهم، حتى قال بعضهم: والله لأحرقنَّ عليكم أو لتخرجنّ إلى البيعة. وقال سلمان: كرداد ونا كرداد، أي: عملتم وما عملتم. لو بايعوا علياً لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم.

في مسند أحمد: قال رسول الله ( ص ): لَيردنَّ عليّ الحوض أقوام فإذا رأيتهم اختلجوا دوني، فأقول: أي ربِّ! أصحابي، أصحابي! فيقال إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك.(١)

والعجب من هؤلاء الرجال كيف نسوا في مدّة قليلة ما قال رسول الله ( ص ):

إنّما فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني.

وأنّ الله يغضب لغضب فاطمة.

ويؤذيني ما آذاها. ومن آذى رسول الله فقد حبط عمله.

وإذا دخلت عليه قام إليها واخذ بيدها وقبّلها، وأجلسها في مجلسه.

أنا الشجرة وفاطمة فرعها، وروايات آخر.

فهؤلاء أحدثوا، وأبدعوا ما أبدعوا، وظهرت الفتن، واستترت

____________________

١ - مسند أحمد، ج ٥، ص ٤٠٠، وقريباً منها: ص ٣٩٣.

٢١

الحقائق، وانكسفت شموس المعرفة، وشاعت الآراء والأهواء المختلفة، إلى أن قال عليّ ( ع ): أما والله لقد تقمّصها فلان وأنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى ينحدر عني السيل ولا يرقى إليّ الطير، فسدلت دونها ثوباً وطويت عنها كشحاً، وطفقت ارتئي بين أن أصول بيد جذّاء أو أصبر على طخيّة عمياء.(١)

اللّهمّ إنّا خرجنا نشكوا إليك فقد نبيّنا، وتظاهر الزمان علينا، وكثرة توارد الفتن علينا، وشدّة المحن المستصعبة.

( الولاية تكوينية لا تشريعية )

ومن عقائدهم الواهية السخيفة أنّ النبي والإمام ليسا بممتازين عن سائر الناس، ولا فرق بينهما وبين أفراد أخر إلاّ بتعلّق تكليفٍ به من الله ينصّبه علماً لرسالته وتبليغ أحكامه، أو بتصويب الناس واختيارهم وانتخابهم من يشاءون ولو لم يكن أعلم الأمّة وأفضلها واتقاها، وهم في هذا القول شركاء الكفّار، حيث قالوا:( فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلاّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لأَنزَلَ مَلائِكَةً ) .

نعم لهم أعين لا يُبصرون بها الحقائق والآيات الإلهية، ولهم آذان لا يسمعون بها الأصوات الغيبية والدعوات الربانية، ولا يرون إلاّ ظواهر هذا العالم، ولا يقبلون كرامة ولا فضيلة ومقاما إلاّ بما يشاهدون بنظرهم المادّي المحدود، ثمّ يسوّون بين أفراد الناس، ولا يختارون من اصطفاه الله واختاره.

أخبار أصبهان: عن أبي هريرة، قال: سمعت النبيّ (ص) يقول: إذا خلق الله خلقا للخلافة مسح بيمينه على ناصيته.(٢)

أقول: الناصية عنوان الوجه، وفيها يظهر أثر النور والظلمة والتوجّه إلى الله تعالى. ومن مسحت ناصيته بيد الله تعالى فهو على نور من ربّه. وهذا في مقابل

____________________

١ - نهج البلاغة، خطبة ٤.

٢ - أخبار أصبهان، ج ١، ص ١٣٠.

٢٢

من أخذت ناصيته، كما قال تعالى:( يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ ) .

وقد قال الله تعالى:( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً ) .

وقال تعالى:( إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ) .

وقال تعالى: ( يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ ) .

وقال تعالى:( إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ ) .

وإنهم لم يفهموا أنّ التكليف والتشريع تابع للتكوين، ولا يكلّف الله نفساً إلاّ وسعها، ولا يُكلف الله نفسا إلا ما آتاها، ولا تُكلف نفس إلاّ وسعها. فكما أنّ الحيوان ليس له وسع التكاليف الإنسانية ؛ فالإنسان العادي ليس له وسع الوحي والإلهام والتكليم، ولا يمكن تعلّق التكليف والتشريع إلاّ بعد أن آتى الله ما به يتحقّق الاستعداد والتحمّل والوسع، وكما أنّ الاستعداد من جهة الصفات النفسانية والأخلاق باطنية مختلفة شدّة وضعفاً، كذلك مراتب النفوس ودرجاتها متفاوتة. بل الصفات والأخلاق النفسانية والقوى الباطنية كلّها من أطوار النفس، والنفس في وحدتها كلّ القوى.

وهذا أمر ثابت في الفلسفة الإلهية، بل أمر مسلّم محسوس مقطوع لمن تدبّر ونظر، ثمّ نظر وتدبّر! ولا ينكره إلاّ من حُرم من البصيرة، وأبعده الله عن الحقيقة، وليس له من الروحانية نصيب، وفي أبصارهم غشاوة.

( الإمام مَن هو؟ )

إنّ النبيّ: هو المبعوث من الله تعالى بالوحي والإلهام ؛ لأداء الأحكام وتشريع الدين وبيان الحقائق وتنظيم القوانين والآداب في الشؤون المختلفة. والإمام: هو المحيط بتلك الأحكام، العالم بتلك الحقائق والعارف بتلك الآداب والقوانين علماً من لدن حكيم خبير، لا بالعلم التحصيلي وبالطرق المتداولة المعمولة بين الناس. فالنبيّ هو المؤسّس والشارع، والإمام هو وارثه وخليفته

٢٣

وولي أمره وحافظ دينه وشارح معارفه وأحكامه وآدابه.

وكما أنّ علوم النبيّ ومعارفه حضورية ومن الله، كذلك علوم الإمام ومقاماته الروحانية ليس باكتسابية، بل من الله تعالى، ولذا ترى إحاطتهم بالعلوم والمعارف الحقّة وعلمهم بالأحكام والآداب الإسلامية من دون الدرس والتحصيل والبحث والتتلمذ والتجربة، ومن أوّل أوان الإمامة إلى آخرها بل وقبلها، وفي زمان الصبا والشباب وبعدها، ومن دون أن يقولوا خلافاً، ويرتكبوا سهوا وخطاء، أو يخالف قولهم أحكام النبيّ، أو يخالف حكم واحد منهم واحدا آخر، ومن دون أن يحتاجوا إلى الفكر والتدبّر والتأمّل.

وهذا من المحالات في سائر أفراد الناس، وإن بلغوا في تحصيل العلم ما بلغوا، فإنّ الإنسان محلّ السهو والنسيان، وليس كلّ مجتهدٍ مصيب، وكلّ عالم ما جهله أكثر ممّا علمه، وكفى المرء نبلاً أن تُعدّ معايبه.

قال أمير المؤمنين (ع): [ منها يعني آل النبيّ عليه الصلاة والسلام ](*) : هُمْ مَوْضِعُ سِرِّهِ، وَلَجَأُ أَمْرِهِ، وَعَيْبَةُ عِلْمِهِ، وَمَوْئِلُ حُكْمِهِ، وَكُهُوفُ كُتُبِهِ، وَجِبَالُ دِينِه، بِهِمْ أَقَامَ انْحِناءَ ظَهْرِهِ، وَأذْهَبَ ارْتِعَادَ فَرَائِصِهِ لا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ مِنْ هذِهِ الأُمَّةِ أَحَدٌ، وَلا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أبَداً. هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ، وَعِمَادُ اليَقِينِ، إِلَيْهمْ يَفِيءُ الغَالي، وَبِهِمْ يَلْحَقُ التَّالي. وَلَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلايَةِ، وَفِيهِمُ الوَصِيَّةُ وَالوِرَاثَةُ، الآنَ إِذْ رَجَعَ الحَقُّ إِلَى أَهْلِهِ، وَنُقِلَ إِلَى مُنْتَقَلِهِ.(١)

فإذا كان في الأمّة بعد ارتحال الرسول (ص) من هذه صفتهم، فكيف يعقل أن يتوجّه إلى آخرين، وكيف يجوّز العقل أن يختار الناس لها من يشاءون، وكيف يرضى الله تعالى ورسوله أن يتقدّم من هو متأخّر، وأن يُنصب للإصلاح والتعليم والتربية وحفظ المعارف من يحتاج إلى إصلاح أمره وتربية نفسه وتحصيل العلوم والمعارف، وكيف يكلَّف الناس من جهة الشرع أو العقل أن يطيعوا ويتّبعوا ممّن هو في مرتبتهم، بل وفيهم من هو أحقّ وأفضل، بل وفيهم من

____________________

(*) هكذا في الأصل. وما بين المعقوفتين ليس من قول الإمام، بل هو عنوان لمقطوعة من الخطبة وضعه جامع النهج، ( لجنة التقويم / شبكة الإمامين الحسنين للتراث والفكر الإسلامي ).

١ - نهج البلاغة، خطبة ٢.

٢٤

لهم خصائص حقّ الولاية وفيهم الوصية والوراثة.

( شكوى أمير المؤمنين علي (ع) )

يقول علي (ع) في النهج: حتى إذا قبض الله رسوله صلّى الله عليه وآله، رجع قوم على الأعقاب، وغالتهم السبل، واتّكلوا على الولائج، ووصلوا غير الرحم، وهجروا السبب الذي أمروا بمودّته، ونقلوا البناء عن رصّ أساسه، فبنوه في غير موضعه، معادن كلّ خطيئة.(١)

وفي مستدرك الحاكم عن علي (ع) قال: إنّ ممّا عهد إلي النبيّ (ص) أنّ الأمة ستغدر بي بعده.(٢)

ويروي أيضاً عن ابن عبّاس قال، قال النبيّ (ص): أما إنّك ستلقى بعدي جهدا! قال: في سلامة من دِيني؟ قال: في سلامة من دينك.

وعن علي (ع) قال: قال لي رسول الله (ص): إنّ الأمّة ستغدر بك بعدي وأنت تعيش على ملّتي وتُقتل على سنّتي، من أحبّك أحبّني ومن أبغضك ابغضني، وإنّ هذه ستُخضّب من هذا. يعنى لحيته من رأسه.(٣)

أقول: راجع في تحقيق غدر الأمّة مبحث: وصيّة رسول الله (ص) وفتنة السقيفة من هذا الكتاب، ثمّ إلى مباحث أخر، حتى تعلم ما صنعوا بعد نبيّهم، بل غدرهم في آخر ساعات من حياته، ومخالفتهم وصيّة رسول الله (ص).

ويشير علي (ع) إلى خلاصة غدرهم ونتيجة صنيعهم في حقّه:

في تاريخ الطبري: عن علي (ع): أنّ النبي (ص) قبض وما أرى أحداً أحقّ بهذا الأمر منّي، فبايع الناس أبا بكر فبايعت كما بايعوا، ثمّ أنّ أبا بكر هلك وما أرى أحداً أحقّ بهذا الأمر منّي، فبايع الناس عمر بن الخطاب فبايعت كما بايعوا، ثمّ إنّ عمر هلك وما أرى أحداً أحقّ بهذا الأمر منّي فجعلني سهماً من

____________________

١ - نهج البلاغة: ١٥٠.

٢ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٠.

٣ - نفس المصدر، ص ١٤٢.

٢٥

ستة أسهم، فبايع الناس عثمان فبايعت كما بايعوا، ثمّ سار الناس إلى عثمان فقتلوه ثمّ أتوني فبايعوني طائعين غير مكرهين، فأنا مُقاتل من خالفني بمن اتّبعني، حتى يحكم الله بيني وبينهم.(١)

أقول: الولاية الحقيقية بجعل الله تعالى وإعطائه، وهي مرتبة تكوينيّة روحانية ومقام معلوم لا يزيد بإقبال الناس وتوجههم، ولا ينقص بإدبارهم وإعراضهم. كما ورد بأنّ الإمام كالكعبة يُؤتى ولا يأتي. وأمّا الإمارة والخلافة الظاهرية فهي تتحصل بإقبال الناس وتوجّههم واعتبارهم، وتنتفي بأدبارهم ومخالفتهم، فإنّ أساس هذه الخلافة تحقّق السلطنة الظاهرية والنفوذ والحكومة والغلبة للحاكم، بأيّ وسيلة كان وبأي طريق وقع، حقّاً أو باطلاً. ولكل من هاتين الخلافتين آثار وأحكام شرعية وعقلية وعرفية، ولا ربط بأحديهما إلى الأخرى.

ثمّ إنّ الأحقّ بالولاية الظاهرية مَن كانت له ولاية حقيقية باطنية ؛ فإنّه أولى لإجراء الأحكام والقوانين الدينية، وهو أعلم بإصلاح أمور الناس دنيوية وأخروية، وإنّه مأمون عن الانحراف والضلال والإضلال، وهو أحرى بالاتّباع والاهتداء، وهذا معنى قوله (ع): وما أرى أحداً أحقّ بهذا الأمر منّي.

ولمّا كان الإمام له أن يفسّر الحقائق ويبيّن الأحكام ويحفظ معارف الدين ويدفع الشكوك والشبهات، فليس من وظائفه أن يأتي الناس ويدعوهم إليه، ويبلّغ الأحكام ويجاهد في التبليغ والدعوة. بل لهم أن يأتوا الإمام، ويستفيدوا من محضره، ويهتدوا بهديه، ويستنيروا بنوره، ويستكملوا بتعاليمه وتربيته.

ومن الأسف: أنّ أكثر الناس عن طريق السعادة لناكبون، وعن صراط الحقيقة لمعرضون، وعن الله وعن رسوله وعن أوليائه لمعتزلون، يريدون متاعاً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة غافلون.

وما أقبح ما صنعوا ؛ حيث خالفوا أهل بيت رسول الله (ص) وأعرضوا عن طريقة أئمّة الهدى، الذين قال فيهم الرسول: إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ١٧١.

٢٦

وعترتي، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبداً.

بل ولم يقنعوا ولم يكتفوا بتركهم والإعراض عنهم، وشرعوا بالتهمة والسبّ والشتم. وكادوا يظنّون أنّ هذا المنكر من المعروف، وأنّهم يتقرّبون بها إلى الله تعالى، فانظر ماذا يقول الإمام علي بن الحسين (ع) في ديدنهم:

في الطبقات، قال منهال: دخلت على علي بن الحسين فقلت: كيف أصبحت أصلحك الله؟ فقال: ما كنت أرى شيخاً من أهل المصر مثلك لا يدري كيف أصبحنا! فأمّا إذ لم تدرِ فأخبرك: أصبحنا في قومنا بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون ؛ إذ كانوا يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، وأصبح شيخنا وسيدنا يُتقربُ إلى عدونا بشتمه أو سبّه على المنابر! وأصبحت قريش تعدّ أنّ لها الفضل على العرب لأنّ محمّداً (ص) منها، لا يعدّ لها فضلٌ إلاّ به، وأصبحت العرب مقرَّه لهم بذلك، وأصبحت العرب تعد أنّ لها الفضل على العجم لأنّ محمّداً (ص) منها، لا يعدّ لها فضل إلاّ به، وأصبحت العجم مقرّه لهم بذلك، فلئن كانت العرب صدقت أنّ لها الفضل على العجم، وصدقت قريش أنّ لها الفضل على العرب لأنّ محمّداً (ص) منها، إنّ لنا أهل البيت الفضل على قريش لأنّ محمّداً (ص) منّا، فأصبحوا يأخذون بحقّنا ولا يعرفون لنا حقّا، فهكذا أصبحنا إذ لم تعلم كيف أصبحنا.(١)

( مَن هم أهل البيت؟ )

أهل الرجل وأهل بيته خواصّه، والخواص تختلف مصداقاً باختلاف الموارد والأفراد والحالات.

فأهل النبيّ من خاصة أهله الذين لهم اختصاص بالنبيّ من جهة الإيمان والروحانية والمعرفة.

وأهل النبيّ بعد ارتحاله هم الذين يختصّون به في زمان حياته وبعد رحلته

____________________

١ - الطبقات، ج ٥، ص ٢١٩.

٢٧

ولا ينقطع اختصاصهم بالموت. فأهل بيت كلّ رجل خواصّه بحسب حاله ومقامه.

وقد يكون الولد خارجاً عن الأهل إذا انقطع الاختصاص وانتفى الارتباط، كما قال الله تعالى:( قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ) .

فاللازم في مفهوم الأهل هو قيد الاختصاص، وإطلاقه على الزوجة والأولاد، من جهة اختصاصهم بالرجل، وإذا فقد الاختصاص انتفت الأهلية.

ويقال: أهل القرية، أهل المدينة، أهل الكتاب، أهل الله، أهل المعرفة، أهل العلم، أهل البيت، أهل التقوى، أهل الذكر.

ولمّا كان هذا المفهوم عنوانا كلّياً غير متعيّن فقد عرّف رسول الله (ص) أهل بيته وعيّن الخواص من عموم أهله وصرّح بأسمائهم وأشخاصهم في الأحاديث الآتية، ثمّ وصّى بهم وذكر مقاماتهم.

( أهل البيت وآل محمّد )

مسند أحمد: عن أم سلمة، قالت: بَيْنَمَا رسولُ اللَّه صَلَّى اللّه عليه وَسَلَّم فِي بَيْتِي يَومًا إِذْ قالتْ الْخَادمُ إِنَّ عَلِيًّا وفاطمةَ بِالسُّدَّةِ. قَالَتْ، فَقَالَ لِي: قُومِي فَتَنَحَّيْ لِي عَنْ أَهْلِ بَيْتِي. قالتْ: فَقُمْتُ فَتَنَحَّيْتُ فِي الْبَيْتِ قَرِيبًا، فدخل عليٌّ وفاطمَةُ وَمَعَهُمَا الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وهمَا صَبِيَّان صغِيرانِ، فَأَخذَ الصَّبِيَّيْنِ فَوَضَعَهُمَا فِي حِجْرِهِ فَقَبَّلَهُمَا، وَاعْتَنَقَ عَلِيًّا بِإِحْدَى يَدَيْهِ وَفَاطِمَةَ بِالْيَدِ الأُخْرَى، فَقَبَّلَ فَاطِمَةَ وَقَبَّلَ عَلِيًّا، فَأَغْدَفَ عَلَيْهِمْ خَمِيصَةً سَوْدَاءَ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِلَيْكَ لا إِلَى النَّارِ، أَنَا وَأَهْلُ بَيْتِي. قَالَتْ، فَقُلْتُ: وَأَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! فَقَالَ: وَأَنْتِ.(١)

وعن أمّ سلمة: أنّ رسول الله (ص) قال لفاطمة: ايتيني بزوجك وابنيك، فجاءت بهم، فألقى عليهم كساء فدكيّاً، ثمّ وضع يده عليهم، ثمّ قال: اللّهمّ إنّ هؤلاء آل محمّد فاجعل صلواتك وبركاتك على محمّد وعلى آل محمّد إنّك حميد

____________________

١ - مسند أحمد، ج ٦، ص ٢٩٦.

٢٨

مجيد. قالت: فرفعت الكساء لأدخل معهم، فجذبه من يدي، وقال: إنّك إلى خير.(١)

أقول: كلمة وأنت في الحديث الأوّل تصديق بكونها إلى الله لا إلى النار، لا في كونها من أهل البيت، ويؤيّد هذا المعنى قوله (ص) في الحديث الثاني - إنّك إلى خير - حيث استدعت أن تكون معهم وتدخل في الكساء.

( أهل البيت والثقلين )

في صحيح مسلم: بإسناده عن زيد بن أرقم، قال: يا ابن أخي والله لقد كبرت سنّي وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله (ص)، فما حدثتكم فاقبلوا وما لا فلا تكلّفونيه، ثمّ قال: قام رسول الله (ص) فينا خطيباً بماء يدعى خمّا بين مكّة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكّر، ثمّ قال أمّا بعد: ألا أيّها الناس فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين ؛ أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به - فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه، ثمّ قال: - وأهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي! أذكّركم الله في أهل بيتي! أذكّركم الله في أهل بيتي! فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد، أليس نساؤه من أهل بيته؟! قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال: ومَن هم؟ قال: آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس.(٢)

وفي مسند أحمد قريب منها.(٣)

أقول: نقل في حاشية الكتاب، قال القاضي: يعني أنّ نساءه من أهل مسكنه ولسنَ المراد، وإنّما أهل بيته وأهله وعصبته - انتهى.

وفي تعميم الكلمة حتى تشمل آل عقيل وآل جعفر وآل عباس نظر لا يخفى على البصير، وهو تفسير بالرأي.

____________________

١ - مسند أحمد، ج ٦، ص ٣٢٣.

٢ - صحيح المسلم، ج ٧، ص ١٢٢.

٣ - مسند أحمد، ج ٤، ص ٣٦٧.

٢٩

ويروي أيضاً قريباً منها، وفيها: فقلنا من أهل بيته نساؤه؟ قال: لا، وايم الله أنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثمّ يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده.(١)

سنن الدارمي: عن زيد بن أرقم، قال رسول الله (ص) يوما خطيباً فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: يا أيّها الناس إنّما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربّي فأجيبه، وإنّي تارك فيكم الثقلين أولهما: كتاب الله فيه الهدى والنور فتمسّكوا بكتاب الله وخذوا به، فحثّ عليه ورغّب فيه، ثمّ قال: وأهل بيتي أذكّركم الله في أهل بيتي. ثلاث مرّات.(٢)

ويروي السنن الكبرى للبيهقي مثلها.(٣)

سنن الترمذي: عن جابر رأيت رسول الله (ص): في حجّته يوم عرفة وهو على ناقته القصوى يخطب، فسمعته يقول: أيّها الناس إنّي تركت فيكم من أخذتم به لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي.(٤)

ويروي أيضاً: عن زيد بن أرقم، قال رسول الله (ص): إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعِترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيها.

أقول: هذه الرواية متواترة معنىً بين الفريقين، فلو لم يكن في موضوع الوصية والخلافة إلاّ هذا الحديث المسلّم المروي عن رسول الله (ص) لكفانا، وهذا أعظم حجّة، وأتقن دليل، وأدلّ شاهد قاطع، على أنّ رسول الله (ص) أوصى الأمّة بالكتاب وبأهل بيته، ودلّهم على هذين الثقلين، وصرّح بأنّهم إن تمسّكوا بهما لن يضلّوا أبداً. والعجب من الأمّة كيف تركوا هذه الوصية، واعرضوا عن طريقة

____________________

١ - صحيح مسلم، ج ٧، ص ١٢٣.

٢ - سنن الدارمي، ج ٢، ص ٤٣١.

٣ - السنن الكبرى، للبيهقي، ج ١٠، ص ١١٤.

٤ - سنن الترمذي، ص ٥٤١.

٣٠

أهل البيت، بل خالفوهم أشدّ خلاف، وخاصموهم ألدّ خصام، ضلّوا وأضلوا، وخسروا خسرانا مبيناً.

وفي مسند أحمد: عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ (ص) قال: إنّي أُوشك أن أُدعى فأُجيب، وإنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي. كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، وإنّ اللطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروني بمَ تخلفوني فيهما.(١)

وروى قريبا منها،وفيها: تارك فيكم خليفتين.(٢)

مستدرك الحاكم: عن زيد بن أرقم قال: رسول الله (ص): إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض. هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه.(٣)

الفائق: النبيّ (ص) - خلّفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي -الثَّقل ( بفتحتين ) المتاع المحمول على الدابّة، وإنّما قيل للجنّ والإنس.الثقلان ، لأنّهما قطّان الأرض، فكأنّهما أثقلاها، وقد شبّه بهما الكتاب والعترة في أنّ الدين يستصلح بهما ويعمر كما عمرت الدنيا بالثقلين.(٤)

أقول: وفي جملة ( لن يفترقا ) إشارة إلى بطلان القول بكفاية الكتاب، وقد قلنا بأنّ الإمام هو كاشف حقائق القرآن ومفسّر معارفه، وحافظ أحكامه، ومبيّن مجمله ومتشابهه، فكيف يُستغنى عن الإمام، وكيف يكفينا كتاب الله، بل وكيف يصحّ لنا العمل بخلاف قول رسول الله (ص) ووصيّته، وكيف يجوز لرجل مسلم أن يقول معترضاً: كفانا كتاب الله، وقد قال الله تعالى:( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) [ النجم: ٤ ]، و:( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) .

____________________

١ - مسند أحمد، ج ٣، ص ١٧.

٢ - مسند أحمد، ج ٥، ص ١٨٢.

٣ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٤٨.

٤ - الفائق، ج ١، ص ١٥١.

٣١

ثمّ إنّ المراد من أهل البيت في هذه الأحاديث ليس إلاّ أهل الكساء والأئمّة المعصومون الذين هم خزّان العلم والمطهّرون من الرجس، بدليل قوله (ص): إن تمسكتم بهما لن تضلّوا أبداً. و: لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض.

( أهل البيت وكيفية الصلاة عليهم )

مسند أحمد: عن طلحة قال: قلت يا رسول الله كيف الصلاة عليك؟ قال، قل: اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم إنّك حميد مجيد، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد.(١)

ويروي عن زيد بن خارجة قال: سألت رسول الله (ص) كيف الصلاة عليك؟ قال: صلّوا واجتهدوا ثمّ قولوا: اللّهمّ بارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم إنّك حميد مجيد.(٢)

ويروي عن كعب، أنّ رجلا قال للنبيّ (ص): يا رسول الله قد علمنا السلام عليك، فكيف الصلاة عليك؟ قال، قولوا: اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم إنّك حميد مجيد، اللّهم بارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم إنّك حميد مجيد.(٣) ويروي بإسناد آخر مثلها.

سنن البيهقي: قال بشير بن سعد: أمرنا الله أن نصلّي عليك يا رسول الله، فيكف نصلّي عليك؟ قال: فسكت رسول الله (ص) حتى تمنّينا أنّه لم يسأله! ثمّ قال رسول الله (ص)، قولوا: اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم، وبارك على محمّد وآل محمّد كما باركت على إبراهيم في العالمين.(٤)

ويروي روايات قريبة منها.

____________________

١ - مسند أحمد، ج ١، ص ١٦٢.

٢ - مسند أحمد، ج ١، ص ١٩٩.

٣ - مسند أحمد، ج ٤، ص ٢٤١.

٤ - سنن البيهقي، ج ٢، ص ١٤٦.

٣٢

سنن النسائي: قلنا: قد عرفنا كيف السلام عليك، فكيف نصلّي عليك؟ قال، قولوا: اللّهم صلّ على محمّد وآل محمّد كما صلّيت على آل إبراهيم.(١)

أقول: وروي روايات كثيرة بهذا المضمون في الكتاب.

مسند أبي عوانة: روى روايات مثلها.(٢)

مستدرك الحاكم: ثمّ قال رسول الله (ص): اللّهم هؤلاء آلي، فصلّ على محمّد وعلى آل محمّد. وأنزل الله عز وجل:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) . هذا حديث صحيح الإسناد ولم يُخرجاه. وقد صحّت الرواية على شرط الشيخين، أنّه علّمهم الصلاة على أهل بيته كما علّمهم الصلاة على آله.(٣)

أقول: يكشف هذا عن شدّة محبّته وتعلّقه بآله ؛ حيث قرن الصلاة عليه بالصلاة عليهم، وليس هذا إلاّ من جهة طهارتهم وتنزّههم، وكمال قربهم من الله ومن الرسول، ونهاية ارتباطهم واتصالهم به، وسيجيء التصريح منه (ص) بأنّ حبّهم حبّ الرسول، وحربهم حربه، وبغضهم بغضه، وطاعتهم طاعته، وأنّهم أمان أهل الأرض، والتمسّك بهم نجاة من الضلال.

ولا يخفى أنّ المصداق المسلّم من الآل هنا: هم أهل الكساء والأئمّة الطاهرون المعصومون الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وهم خزنة علوم النبيّ وورثة الأنبياء وحملة الكتاب والحكمة وأولياء الله المقرّبون وعباده المخلصون.

( أهل البيت وآية التطهير )

صحيح مسلم: بإسناده عن عائشة، قالت: خرج النبيّ (ص) غداة وعليه مِرط مرحّل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثمّ جاء الحسين فدخل معه، ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها، ثمّ جاء علي فأدخله، ثمّ قال:( إِنَّمَا

____________________

١ - سنن النسائي، ج ٣، ص ٤٨.

٢ - مسند أبي عوانة، ج ٢، ص ٢١١.

٣ - مستدرك الحاكم، ج٣، ص ١٤٨.

٣٣

يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) [الأحزاب: ٣٣ ].(١)

الكُنى للبخاري: قال أبو الحمراء صحبت النبيّ (ص) تسعة أشهر، فكان إذا أصبح كلّ يوم يأتي باب عليٍّ وفاطمة، فيقول: السلام عليكم أهل البيت،إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. (٢)

أقول: هذا العمل من النبيّ (ص) يدلّ على نهاية الاهتمام وكمال التوجّه والتعمّد في تعريف أهل البيت وتعيينهم ؛ لئلاّ يبقى مورد للشكّ والاشتباه والترديد في مصداق أهل البيت.

سنن الترمذي: عن عمر بن أبي سلمة، ربيب النبيّ (ص)، قال: لما نزلت هذه الآية على النبيّ ( ص): ( إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) في بيت أم سلمة، فدعا فاطمة وحسناً وحسيناً، فجلّلهم بكساء، وعليّ خلف ظهره فجلّله بكساء، ثمّ قال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، قالت أمّ سلمة: وأنا معهم يا نبيّ الله؟ قال: أنت على مكانك، وأنت على خير. (٣)

ويروي أيضا عن أنس بن مالك: أنّ رسول الله (ص) كان يمرّ بباب فاطمة ستّة أشهر، إذا خرج لصلاة الفجر يقول: الصلاة يا أهل البيت( إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) . ورواه أيضا مسند أحمد.(٤)

الكُنى للدولابي: عن عطية، عن أبيه، عن أُمّ سلمة، قالت: بينا رسول الله (ص) في بيته يوماً إذ قال لي الخادم إنّ علياً وفاطمة بالسدّة، فقال لي: قومي فتنحّي لي عن أهل بيتي. فقمت فتنحّيت في البيت قريباً، فدخل عليّ وفاطمة ومعهما الحسن والحسين وهما صغيران، فأخذ الصبيّين فوضعهما في حجره واعتنق عليّ

____________________

١ - صحيح مسلم، ج ٧، ص ١٣٠.

٢ - الكُنى، للبخاري، ص ٢٥.

٣ - سنن الترمذي، ص ٤٦٢.

٤ - سنن الترمذي، ص ٤٦٢. ومسند أحمد، ج٣، ص ٢٥٩.

٣٤

بإحدى يديه وفاطمة بالأخرى، فقبّلهما وأغدف عليهم خميصة سوداء، وقال: اللّهمّ إليك لا إلى النار، أنا وأهل بيتي. قالت: قلت وأنا يا رسول الله، قال: وأنت.(١)

البيان والتعريف: اللّهم هؤلاء أهل بيتي وخاصيّتي فاذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً. أخرجه الإمام أحمد عن أُمّ سلمة رضي الله عنها.(٢)

وسببه: عنها: أنّ النبيّ (ص) كان في بيتها فأتته فاطمة ببرمة فيها حريرة، فدخلت بها عليه، فقال: ادعي زوجك وابنيك، قالت: فجاء عليّ وحسين وحسن فدخلوا عليه فجلسوا يأكلون من تلك الحريرة وهو على منامة له، وكان تحته كساء خيبري، قالت: وأنا أصلي في الحجرة فانزل الله عز وجل هذه الآية:( إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، قالت فأخذ فضل الكساء فغشّاهم به، ثمّ اخرج يده فألوى بها إلى السماء ثمّ قال: اللّهمّ هؤلاء إلخ.

رواه مسند أحمد: وآخر الحديث: هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً. قالت فأدخلت رأسي البيت فقلت: وأنا معكم يا رسول الله؟ قال: إنّك إلى خير، إنّك إلى خير(٣)

مستدرك الحاكم: عن واثلة قال: جئت أريد علياً ( رض ) فلم أجده، فقالت فاطمة ( رض ): انطلقَ إلى رسول الله (ص) يدعوه، فاجلس! فجاء مع رسول الله (ص) فدخل ودخلت معهما، قال فدعا رسول الله (ص) حسناً وحسيناً فأجلس كلّ واحد منهما على فخذه، وأدنى فاطمة من حجره وزوجها، ثمّ لفّ عليهم ثوبه وأنا شاهد، فقال:( إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، اللّهم هؤلاء أهل بيتي. (٤)

ويروي نظيره، وفيه: اللّهم أهل بيتي أحقّ. هذا حديث صحيح على شرط

____________________

١ - الكُنى، للدولابي، ج ٢، ص ١٢١.

٢ - البيان والتعريف، ج ١، ص ١٥٠.

٣ - مسند أحمد، ج ٦، ص ٢٩٢.

٤ - مستدرك الحاكم، ج ٢، ص ٤١٦.

٣٥

الشيخين ولم يُخرجاه(١)

وفي مسند أحمد: عن شدّاد قال: دخلت على واثلة وعنده قوم، فذكروا علياً، فلمّا قاموا قال لي: ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله (ص)؟ قلت بلى، قال: أتيت فاطمة ( رض ) أسألها عن عليّ، قالت: توجّه إلى رسول الله (ص)، فجلست انتظره حتى جاء رسول الله (ص) ومعه عليّ وحسن وحسين ( رض ) آخذٌ كلّ واحد منها بيده، حتى دخل فأدنى علياً وفاطمة فأجلسهما بين يديه وأجلس حسناً وحسيناً كلّ واحد منهما على فخذه، ثمّ لف عليهم ثوبه - أو قال: كساءا - ثمّ تلا هذه الآية:( إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، وقال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحقّ.(٢)

الاستيعاب: أبو الحمراء مولى النبيّ (ص) قيل اسمه هلال بن الحارث، حديثه عن النبيّ (ص): أنّه كان يمرّ ببيت فاطمة وعليّ عليهما السلام فيقول: السلام عليكم أهل البيت( إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) .(٣)

أقول: وقد صرّح رسول الله (ص) بقوله: ( وأهل بيتي أحقّ، السلام عليكم أهل البيت، هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي، وأنت إلى خير، فتنحّي لي عن أهلي، أنا وأهل بيتي ) بكونهم مصداق أهل البيت في آية التطهير وفي دعاء الرسول مخصوصاً، ولا يعمّ غيرهم في هذا المورد، وان أُطلق على غيرهم في سائر الموارد. وهذا الاختصاص نصّ من رسول الله (ص)، ولا يجوز الاجتهاد في مقابل النصّ.

المحاسن للبيهقي: سُئلت عائشة عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فقالت: وما عسيت أن أقول فيه وهو أحبّ الناس إلى رسول الله (ص)، لقد رأيت رسول الله (ص) قد جمع شملته على عليّ وفاطمة والحسن والحسين، وقال: هؤلاء أهل بيتي اللّهمّ أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً. قيل لها فكيف

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٤٧.

٢ - مسند أحمد، ج ٤، ص ١٠٧.

٣ - الاستيعاب، ج ٤، ص ١٦٣٣.

٣٦

سرت إليه؟! قالت: أنا نادمة، وكان ذلك قدراً مقدوراً.! (١)

مستدرك الحاكم: عن أم سلمة قالت: في بيتي نزلت:( إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) ، قالت: فأرسل رسول الله (ص) إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين، فقال: هؤلاء أهل بيتي(٢)

ويروي أيضاً: عن عبد الله بن جعفر، قال: لمّا نظر رسول الله (ص) إلى الرحمة هابطة، قال: ادعوا لي، ادعوا لي. فقالت صفيّة: مَن يا رسول الله؟ قال: أهل بيتي، علياً وفاطمة والحسن والحسين. فجيء بهم، فألقى عليهم النبيّ (ص) كساءه ثمّ رفع يديه، ثمّ قال: اللّهمّ هؤلاء آلي فصلّ على محمّد وعلى آل محمّد، وأنزل الله عزّ وجلّ( إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣) . هذا حديث صحيح الإسناد ولم يُخرجاه.

أقول: يستفاد من هذه الروايات أمور:

١ - قد صرّح فيها بأنّ المراد من أهل البيت هو عليّ وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام )

٢ - أذهب الله الرجس عنهم وطهّرهم تطهيراً، فقد طهّر قلوبهم ونفوسهم، وأذهب عنهم رجس الشكّ والعصيان، وعصمهم عن الخطأ والخذلان.

٣ - فإذا أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم فلا يجوز نسبة الخطأ والكذب والخلاف والعصيان، فكيف يمكن أن يقولوا خلاف الصدق والحقّ؟! أو أن يدّعوا ما ليسوا له بأهل؟! أو يتملّكوا ما ليس لهم؟! وهل يُعقل أن نتبع ممّن ليس بمعصوم عن الخطأ والرجس مع وجود هؤلاء المطهّرين المعصومين؟!

____________________

١ - المحاسن، للبيهقي، ص ٢٩٨.

٢ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٤٦.

٣ - مستدرك، الحاكم، ص ١٤٨.

٣٧

( بعض ما ورد في أهل البيت )

وقد وردت أحاديث كثيرة عن طرق أهل السنّة، في أنّ أهل البيت: أمان لأهل الأرض.

وأنّ: مَثَلهم كمثل سفينة نوح.

وأنّهم: أوّل من يدخل الجنّة.

وأنّهم: سادة أهل الجنّة.

وأنّ: نسبهم لا ينقطع.

وأنّ: مبغضهم يدخل النار.

وأنّ: رسول الله (ص) حربٌ لمن حاربهم وسلمٌ لمن سالمهم.

وأنّ: صالح الأعمال لا ينفع حتى يُحبوهم. ونحن نورد بعضها بالاختصار.

( أنّهم أمان أهل الأرض )

مستدرك الحاكم: عن ابن عبّاس، قال رسول الله (ص): النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمّتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس. (١)

ويروي أيضا: عن المنكدر، قال رسول الله (ص): النجوم أمانٌ لأهل السماء فإن طمست النجوم أتى السماء ما يوعدون، وأنا أمانٌ لأصحابي فإذا قبضت أتى أصحابي ما يوعدون، وأهل بيتي أمانٌ لأمّتي فإذا ذهب أهل بيتي أتى أمّتي ما يوعدون.(٢)

أقول: قد صرّح رسول الله (ص) بأنّ: اتّباعهم وإطاعتهم يرفع الاختلاف عن الأمّة ويهديهم إلى الحقّ ويمنعهم عن الضلال ويعطيهم الأمان من الانحراف والعقوبات،( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ ) .

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٤٩.

٢ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ٤٥٧.

٣٨

( حُبُّهم وبُغضُهم )

مستدرك الحاكم: عن عليّ ( ع ): قال رسول الله (ص): إنّ أوّل مَن يدخل الجنّة أنت وفاطمة والحسن والحسين. قلتُ: يا رسول الله، فمحبّونا؟ قال: من ورائكم.(١)

مسند أحمد: أنّ رسول الله (ص) أخذ بيد حسن وحسين رضي الله عنهما، فقال: مَن أحبّني وأحبّ هذين وأباهما وأمّهما، كان معي في درجتي يوم القيامة.(٢)

الكُنى للدولابي: عن زيد بن أرقم، أنّ النبيّ (ص) قال لعليّ وفاطمة وحسن وحسين ( عليهم السلام ): أنا حربٌ لمَن حاربتم، وسِلمٌ لمَن سالمتم.(٣)

سير الأعلام: عن أبي هريرة، نظر النبيّ (ص) إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين فقال: أنا حربٌ لمَن حاربَكم وسِلم لمَن سالمكم(٤). يروي مسند أحمد مثلها(٥) . والحاكم في المستدرك مثلها. (٦)

ويروي الذهبي أيضاً: عنه (ص): فلو أنّ رجلاً صفن بين الركن والمقام، فصلّى وصام، ثمّ لقي الله وهو مبغض لأهل بيت محمّد، دخل النار.

أقول: لمّا كان أهل البيت مظهر العلم والحقيقة ومَجلى الصدق والإيمان والطهارة ؛ فطاعتهم والسلام لهم طاعة لله، وبغضهم والحرب لهم حربٌ لله، ومخالفةٌ للحقٌ وانحراف عن صراط الحقيقة، ومَن خالفهم وأبغضهم فهو بعيد عن الله، وبعيد عن رسوله وعن الحقّ، ولا يفيده العمل ولا ينفعه التعبّد الظاهريّ.

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٥١.

٢ - مسند أحمد، ج ١، ص ٧.

٣ - الكُنى، للدولابي، ج ٢، ص ١٦٠.

٤ - سير الأعلام، ج ٢، ص ٩٠.

٥ - مسند أحمد، ج ٢، ص ٤٤٢.

٦ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٤٩.

٣٩

أخبار أصبهان: عن سلمان قال: أنزلوا آل محمّد بمنزلة الرأس من الجسد وبمنزلة العين من الرأس ؛ فإنّ الجسد لا يهتدي إلاّ بالعينين.(١)

ويروي: عن أبي هريرة، قال رسول الله (ص): خيركم خيركم لأهلي من بعدي. (٢)

سنن الترمذي: عن ابن عبّاس، قال رسول الله (ص): أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ مِنْ نِعَمِهِ، وَأَحِبُّونِى بِحُبِّ اللَّهِ، وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِى لِحُبِّى.(٣)

سير الأعلام: عن أبي سعيد قال رسول الله (ص): لا يبغضنا أهل البيت أحدٌ إلاّ أدخله الله النار(٤)، ويروي الحاكم في مستدركه نظيره.(٥)

الفائق: أبو ذر رضي الله عنه: لو صلّيتم حتى تكونوا كالحنايا، ما نفعكم ذلك حتى تُحبّوا آل رسول الله (ص). (٦)

ثمّ قال الزمخشري: حتى تحدبوا وتنحنوا ممّا تجهدون أنفسكم.

أقول: سيأتي في الفصول الآتية أحاديث مروية عن رسول الله (ص) في أنّ من أحبّ علياً فقد أحبّه. ومن أحبّ فاطمة فقد أحبّه. ومن أحبّ الحسنين فقد أحبّه. ومن أبغض واحداً منهم فقد أبغضه. وما يقرب منها.

( أنّهم كسفينة نوح )

العقد الفريد: وروى فيها جعفر بن محمّد رضوان الله عليه: ألاّ إنّ الأبرار عِترتي وأطايب أرومتي، أحلم الناس صغاراً وأعلم الناس كباراً، ألا وإنّا أهل البيت

____________________

١ - أخبار أصبهان، ج ١، ص ٤٤.

٢ - أخبار أصبهان، ج٢، ص ٢٩٤.

٣ - سنن الترمذي، ص ٥٤١.

٤ - سير الأعلام، ج ٢، ص ٩٠.

٥ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٥٠.

٦ - الفائق، ج ١، ص ٣٠٢.

٤٠