الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام0%

الحقائق في تاريخ الاسلام مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 495

الحقائق في تاريخ الاسلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة المصطفوي
تصنيف: الصفحات: 495
المشاهدات: 186535
تحميل: 6849

توضيحات:

الحقائق في تاريخ الاسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 495 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 186535 / تحميل: 6849
الحجم الحجم الحجم
الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

لعمار: يا أبا اليقظان، لن تموت حتى تقتلك الفئة الباغية عن الطريق.(١)

وهذا حديث له طرق بأسانيد صحيحة أخرجا بعضها ولم يُخرجاه بهذا اللفظ.

الكنى للدولابي: عن هند بن عمرو، قال: سمعت عماراً يقول: أمرني رسول الله (ص) أن أقاتل مع عليّ ؛ الناكثين والقاسطين والمقارقين.(٢)

أقول: قد بيّن رسول الله (ص) بأصرح بيان وأبلغ تعبير، طريق هداية المسلمين وهداهم بهذه العلامة الواضحة إلى صراط حق مستقيم، وألزم الأعداء المنافقين حجّته الكاملة، وشاع هذا القول بين العامة والخاصة، كما أشار إليه أمير المؤمنين (ع) في قوله:

أنساب الأشراف: قال علي (ع): إن امرئً من المسلمين لم يعظم عليه قتلُ عمار ولم يدخل عليه بقتله مصيبة موجعة، لغير رشيد. رحم الله عماراً يوم أسلم، ورحم الله عماراً يوم قُتل، ورحم الله عماراً يوم يُبعث حياً. لقد رأيت عماراً ما يُذكر من أصحاب رسول الله (ص) أربعة إلا كان الرابع، ولا خمسة إلا كان الخامس. وما كان أحد من أصحاب محمد يشكّ في أن عماراً قد وجبت له الجنة في غير موطن ولا اثنين، فهنيئاً له الجنة. عمار مع الحق أينما دار. وقاتل عمار في النار.(٣)

أقول: ما أحسن وأتقن ما يُزار به أمير المؤمنين (ع): (السلام عليك يا أمين الله في أرضه وحجته على عباده، السلام عليك يا أمير المؤمنين، أشهد أنك جاهدت في الله حق جهاده، وعملت بكتابه، واتّبعت سُنن نبيه، وألزم أعداءك الحجة مع ما لك من الحجج البالغة على جميع خلقه).

فهذا عمار بن ياسر واحد من حججه البالغة على الخلق

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج ٢، ص١٤٨.

٢ - الكنى للدولابي، ج ١، ص١١٧.

٣ - أنساب الأشراف، ج ١، ص١٧٤.

٣٨١

تقتله الفئة الباغية:

مسند أحمد: عن أبي سعيد الخدري قال: كنا نحمل في بناء المسجد لِبنة لِبنة وعمار بن ياسر يحمل لِبنتين لِبنتين، قال: فرآه رسول الله (ص) فجل يَنفض التراب عنه ويقول: يا عمار ألا تحمل لِبنة كما يحمل أصحابك؟ قال: إني أريد الأجر من الله. قال: فجعل يَنفض التراب عنه ويقول: ويحَ عمار! تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار.(١)

البخاري: وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين فمرّ به النبي (ص) ومسح عن رأسه الغبار وقال: ويح عمار! تقتله الفئة الباغية، عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار.(٢)

السيرة النبوية: فدخل عمار بن ياسر وقد أثقلوه باللِبن، فقال: يا رسول الله (ص) قتلوني، يحملون عليّ ما لا يحملون، قالت أم سلمة زوج النبي (ص): فرأيت رسول الله (ص) ينفض وفرته بيده - وكان رجلاً جعداً -  وهو يقول: ويحّ ابن سمية، ليسوا بالذين يقتلونك، إنما تقتلك الفئة الباغية.(٣)

ويقول: فغضب رسول الله (ص) ثم قال: ما لهم ولعمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، إن عماراً جلدة ما بين عينيّ وأنفي.(٤)

سنن الترمذي: عن أبي هريرة عن النبي (ص) قال: أبشر يا عمار تقتلك الفئة الباغية.(٥)

خصائص النسائي: بأسناد مختلفة كما في الترمذي.(٦)

____________________

١ - مسند أحمد، ج ٣، ص٩١.

٢ - البخاري، ج ٢، ص٨٧.

٣ - السيرة النبوية، ج ٢، ص١٤٢.

٤ - نفس المصدر، ص١٤٣.

٥ - سنن الترمذي، ص٥٤٢.

٦ - خصائص النسائي، ص٢٩.

٣٨٢

ويروي أيضاً: عن حنظلة، قال: كنت عند معاوية فأتاه رجلان يختصمان في رأس عمار يقول كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال عبد الله بن عمرو: يطيب أحدكما نفساً لصاحبه، فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: تقتلك الفئة الباغية.(١)

ويروي أيضاً عن عبد الله بن الحارث: قال عبد الله بن عمرو بن العاص: يا معاوية، ألا تسمع ما يقولون: تقتله الفئة الباغية! فقال لا تزال داحضاً في قولك، أنحن قتلناه؟! وإنما قتله من جاء به إلينا.

مسلم: إن رسول الله (ص) قال لعمار حين جعل يحفر الخندق وجعل يمسح رأسه ويقول: بُؤس ابن سمية تقتلك فئة باغية.(٢)

ثم روى أربعة أحاديث بطرق أُخر بهذا المضمون: تقتلُ عماراً الفئة الباغية.

وقالالنووي (كما في حاشية الكتاب): قال العلماء: هذا الحديث حجة ظاهرة في أن علياً رضي الله عنه كان محقاً مصيباً، والطائفة الأُخرى بغاة، لكنهم مجتهدون فلا إثم عليهم لذلك.

وقال فيزاد المسلم : (ويح) يقال لمن وقع في مهلكة لا يستحقّها فيرثى له، وويل لمن يستحقها فلا يرثى له، وقال الفرّاء: الويح والويس كناية عن الويل. (يدعونه) أي الفئة الباغية. (إلى النار) أي إلى سببها وإن لم يتعمّدوا الدعاء إلى النار، وإن اتّضح أن الحق مع عليّ كرم الله وجهه وطائفته، لأن معاوية وطائفته كانوا مجتهدين ظانّين أنّهم يدعونه إلى الجنّة وإن كان الواقع في نفس الأمر بخلاف ذلك.(٣)

الطبقات: عن هُنيّ مولى عمر بن الخطّاب كنت أول شيء مع معاوية على عليّ، فكان أصحاب معاوية يقولون: لا والله لا نقتل عماراً أبدا، إن قتلناه فنحن كما يقولون، فلما كان يوم صفّين ذهبت أنظر في القتلى فإذا عمار بن ياسر

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ص٣٠.

٢ - مسلم، ج ٨، ص١٨٥.

٣ - زاد المسلم، ج ٤، ص٩٤.

٣٨٣

مقتول، فقال هُنيّ: فجئت إلى عمرو بن العاص وهو على سريره، فقلت: أبا عبد الله، قال: ما تشاء؟ قلت: أنظر أكلمك، فقام إليّ، فقلت: عمار بن ياسر ما سمعت فيه؟ فقال: قال رسول الله (ص): تقتله الفئة الباغية. فقلت هو ذا والله مقتول، فقال: هذا باطل، فقلت: بصر به عيني مقتول، قال: فانطلق فأرنيه، فذهبت به فأوقفته عليه فساعة رآه انتُقع لونه، ثم أعرض في شقّ وقال: إنما قتله الذي خرج به.(١)

ويروي أيضاً: سمعت عبد الله بن سلمة يقول: رأيت عمار بن ياسر يوم صفين شيخاً آدم، في يده الحربة وأنها لترعد، فنظر إلى عمرو بن العاص ومعه الراية، فقال: إن هذه راية قد قاتلت بها مع رسول الله (ص) ثلاث مرات وهذه الرابعة، والله لو ضربونا حتى يُبلّغونا سَعفات هجر لعرفت أن مَصلحتنا على الحق وأنهم على الضلالة.(٢)

ويروي روايتين أخريين، وفيهما: وأنهم على الباطل.

وفيمسند أحمد: ما يقرب منها. وفيها: أن مُصلحينا على الحق.(٣)

ويروي فيالطبقات أيضاً: شهد خزيمة بن ثابت الجمل وهو لا يَسلّ سيفاً، وشهد صفين وقال: أنا لا أصل أبداً حتى يقتل عمار فأنظر من يقتله، فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: تقتله الفئة الباغية. قال: فلما قتل عمار بن ياسر ؛ قال خزيمة: قد بانت لي الضلالة واقترب فقاتل حتى قتل. وكان الذي قتل عمار بن ياسر أبو غاوية المزني طعنه برمح فسقط، وكان يومئذٍ يقاتل في محفّة فقتل يومئذٍ وهو ابن أربع وتسعين سنة، فلما وقع أكبّ عليه رجل آخر فاحتزّ رأسه، فأقبلا يختصمان فيه كلاهما يقول أنا قتلته. فقال عمرو بن العاص: والله إن يختصمان إلا في النار، فسمعها منه معاوية، فلما انصرف الرجلان قال معاوية لعمرو بن العاص: ما رأيت مثل ما صنعت، قوم بذلوا أنفسهم دوننا تقول لهما: إنكم

____________________

١ - الطبقات، ج ٣، ص٢٥٣.

٢ - نفس المصدر، ص٢٥٦.

٣ - مسند أحمد، ج ٤، ص٣١٩.

٣٨٤

تختصمان في النار، فقال عمرو: هو والله ذاك، والله إنك لتعلمه ولوددت أني متّ قبل هذا بعشرين سنة(١) .

أنساب الأشراف: عن حنظلة: بينا أنا عند معاوية إذ أتاه رجلان يختصمان في رأس عمار، فقال عبد الله بن عمرو: لتطلب نفس كل واحد منكما لصاحبه برأس عمار، فإني سمعت رأس الله (ص) يقول: تقتل عماراً الفئة الباغية، فالتفت معاوية إلى عمرو بن العاص، فقال: ألا تُثني عنا مجنونك هذا؟ فلِمَ يقاتل معنا إذاً؟ فقال: إن رسول الله (ص) أمرني بطاعة أبي، فأنا معكم ولست أُقاتل(٢) .

مسند أحمد: نظيرها(٣) .

ويروي أيضاً فيالأنساب: عن عبد الله بن الحارث، قال: إني لأسير مع معاوية من منصرفه من صفين بينه وبين عمرو بن العاص، فقال عبد الله بن عمرو: يا أبتِ، سمعتُ رسول الله (ص) يقول لعمار: ويحك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية. فقال عمرو لمعاوية: ألا تسمع ما يقول هذا؟ فقال معاوية: ما تزلا تدحض بها في قولك، أنحن قتلناه؟ إنما قتله الذين جاءوا به(٤) .

ويروي أيضاً: عن خزيمة كما فيالطبقات (ص٢٥٩)(٥) .

ويروي أيضاً: روايات قريبة منالطبقات (ص٢٥٦)(٦).

تاريخ الطبري: فقال عبد الله بن عمرو لأبيه: يا أبتِ قتلتم هذا الرجل في يومكم هذا! وقد قال رسول الله (ص) فيه ما قال، قال: وما قال؟ قال: ألم تكن معنا ونحن نبني المسجد الناس ينقلون حجراً حجراً ولبنة لبنة، وعمار ينقل حجرين حجرين ولبنتين لبنتين عليه، فأتاه رسول الله (ص) فجعل يمسح

____________________

١ - الطبقات، ج ٣، ص٢٥٩.

٢ - أنساب الأشراف، ج ١، ص١٦٨.

٣ - مسند أحمد، ج ٢، ص١٦٤.

٤ - أنساب الأشراف، ج ١، ص١٦٩.

٥ - نفس المصدر، ص١٧٠.

٦ - نفس المصدر، ص١٧١.

٣٨٥

التراب عن وجهه ويقول: ويحك يا ابن سمية الناس ينقلون حجراً حجراً ولبنة لبنة وأنت تنقل حجرين حجرين ولبنتين لبنتين، رغبة منك في الأجر، وأنت ويحك! مع ذلك تقتلك الفئة الباغية! فدفع عمرو صدر فرسه ثم جذب معاوية إليه فقال: يا معاوية، أما تسمع ما يقول عبد الله؟ قال: وما يقول؟ فأخبره الخبر، فقال معاوية إنك شيخ أخرق ولا تزال تحدّث بالحديث وأنت تدحض في قولك، أوَنحن قتلنا عماراً؟! إنما قتل عماراً من جاء به، فخرج الناس من فساطيطهم وأخبيتهم يقولون: إنما قتل عماراً من جاء به. فلا أدري من كان أعجب هو أو هم.(١)

أقول: هذه نصوص صريحة واردة في تمييز الحق وتشخيص العدل من الباطل والبغي، غير قابلة الطرح ولا التأويل، والعجب من تأويل معاوية بقوله: إنما قتل عماراً من جاء به. فيلزم على تأويله أن يكون رسول الله (ص) قاتل حمزة وسائر الشهداء في غزواته حيث جاء بهم. مع أن عماراً كان على بصيرة من أمره ولم يخرج من بيته متحيراً جاهلاً، وقد سبق قوله: لو ضربونا حتى يبلغونا سعفات هجر لعرفت أن مصلحتنا على الحق وأنهم على الضلالة. والعجب العجاب قول بعض علمائهم المحجوبين عن الحق الذين في أبصارهم غشاوة: إن الطائفة الأخرى بغاة ولكنهم مجتهدون!! فيلزم على قول هؤلاء الجاهلين أعداء أهل البيت أن يكون كل مبطل ومخالف للدبن ومُبدع فيه مجتهداً لا إثم عليه وإن أبدع، خلافاً لصريح الكتاب ونصّ السنة. فإن الاجتهاد الوصول إلى النص ووجدانه، وليس معنى الاجتهاد: أن يتكلّف في تأويل النص الصريح وردّه وتفسيره برأيه ابتغاء الفتنة والفساد، وقد قالوا: إن الاجتهاد في مقابل النص باطل. والدحض: البطلان والزلق.

أحاديث في فضله:

سنن الترمذي: عن عليّ: جاء عمار بن ياسر يستأذن على النبي (ص) فقال:

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٦، ص٢٢.

٣٨٦

ائذنوا له، مرحباً بالطبيب المطيب.(١)

سير الأعلام: عن هاني: قال: كنا جلوساً عند عليّ، فدخل عمار فقال: مرحباً بالطيب المطيب، سمعت رسول الله (ص) يقول: إن عماراً مُليء إيماناً إلى مشاشة.(٢)

الاستيعاب: عن عائشة قالت: ما من أحد من أصحاب رسول الله (ص) أشاء أن أقول فيه إلا قلت، إلا عمار بن ياسر، فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: مُليء عمار إيماناً إلى أخمص قدميه. ويروي رواية أخرى، وفيها: حُشي ما بين أخمص قدميه إلى شحمة أُذنيه إيماناً.(٣)

مسند أحمد: عن خالد بن الوليد قال: كان بيني وبين عمار بن ياسر كلام، فأغلظت له في القول، فانطلق عمار يشكوني إلى النبي (ص) فجاء خالد وهو يشكوه إلى النبي (ص)، قال: فجعل يغلظ له ولا يزيد إلا غلظة والنبي (ص) ساكت لا يتكلم، فبكى عمار وقال: يا رسول الله ألا تراه؟ فرفع رسول الله (ص) رأسه وقال: من عادى عماراً عاداه الله ومن أبغض عماراً أبغضه الله.

قال خالد: فخرجت فما كان شيء أحبّ إليّ من رضا عمار.(٤)

البخاري بإسناده: قال شقيق: كنت جالساً مع أبي مسعود وأبي موسى وعمار، فقال أبو مسعود: ما من أصحابك أحد إلا لو شئت لقلت فيه غيرك، وما رأيت منك شيئاً منذ صحبت النبي (ص) أعيب عندي من استسراعك في هذا الأمر، قال عمار: يا أبا مسعود ما رأيت منك ولا من صاحبك هذا شيئاً منذ صحبتما النبي (ص) أعيب عندي من إبطائكما في هذا الأمر.(٥)

أقول: هذه المكالمة وقعت في الكوفة حين بعث عمار يَستنفر أهلها إلى قتال

____________________

١ - سنن الترمذي، ص٥٤٢.

٢ - سير الأعلام، ج ١، ص٢٩٦.

٣ - الاستيعاب، ج ٣، ص١١٣٧.

٤ - مسند أحمد، ج ٤، ص٨٩.

٥ - البخاري، ج ٤، ص١٤١.

٣٨٧

أهل البصرة.

تاريخ الطبري: عن العُرني قال: انطلقت أنا وأبو مسعود إلى حذيفة بالمدائن فدخلنا عليه، فقال: مرحباً بكما، ما خلفتما من قبائل العرب أحداً أحبّ إليّ منكما، فأسندته إلى أبي مسعود فقلنا: يا أبا عبد الله، حدّثنا فإنا نخاف الفتن! فقال: عليكما بالفئة التي فيها ابن سمية، إني سمعت رسول الله (ص) يقول: تقتله الفئة الباغية الناكبة عن الطريق، وإن آخر رزقه ضياح من لبن. قال العرني: فشهدته يوم صفّين وهو يقول ائتوني بآخر رزق لي من الدنيا! فأتي بضياح من لبن في قدح أروح، له حلقة حمراء، فما أخطأ حذيفة مقياس شعرة، فقال: اليوم ألقى الأحبّة محمداً وحزبه.(١)

سير الأعلام: قال أبو الدرداء: أليس فيكم الذي أعاذه الله على لسان نبيّه من الشيطان؟ يعني عماراً.(٢)

ويروي عن خثيمة قلت لأبي هريرة حدثني، فقال: تسألني وفيكم علماء أصحاب محمد والمجار من الشيطان عمار بن ياسر.

أقول: والعجب اتفاق كل من الموافق والمخالف على هذه الروايات في فضله ومقامه، وأعجب منه، ما روي فيتهذيب ابن عساكر : من أن أهل الشام طلبوا أن يصلوا عليه بعد موته: إن أهل الشام لما بلغهم قتل عمار بن ياسر يوم صفين بعثوا من يعرفه ليأتيهم بعلمه، فعاد إليهم فأخبرهم أنه قد قتل، فنادى أهل الشام: أصحاب علي إنكم لستم بأولى بالصلاة على عمار منّا، فتوادعوا عن القتال حتى صلّوا عليه جميعاً.(٣)

الكنى للدولابي: عن رياح بن الحارث قال: كنت إلى جنب عمار بن ياسر بصفين وركبتي تمسّ ركبته، فقال له رجل: كفر أهل الشام، فقال عمار: لا تقل ذاك، ديننا ودينهم واحد وقبلتنا وقبلتهم واحدة، ولكنهم قوم مفتونون

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٦، ص٣١.

٢ - سير الأعلام، ج ١، ص٢٩٩.

٣ - تهذيب ابن عساكر، ج ٣ ض ٢٨٠.

٣٨٨

جاوزوا عن الحق، حق علينا أن نقاتلهم حتى يرجعوا.(١)

أويس القرني:

مستدرك الحاكم: عن عبد الرحمن قال: لما كان يوم صفين نادى مناد من أصحاب معاوية أصحاب عليّ: أفيكم أويس القرنيّ؟ قالوا: نعم، فضرب دابّته حتى دخل معهم، ثم قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: خير التابعين أويس القرنيّ.(٢)

أقول: شهد مع أمير المؤمنين عليّ (ع) بصفين جماعة من أصحاب رسول الله (ص) ومن خيار التابعين، ومنهم خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وهاشم بن عتبة وأبو عمرة الأنصاري وعمار بن ياسر.

حلية الأولياء: فقضى أن أهل الكوفة وفدوا إلى عمر بن الخطاب، فوفد رجل ممن كان يسخر به، فقال عمر: هل هاهنا أحد من القرنيّين؟ قال: فجاء ذاك الرجل فقال: أنا. قال: إن رسول الله (ص) قد قال: أن رجلاً يأتيكم من اليمن يقال له أويس لا يدع باليمن غير أمّ له، وقد كان به بياض فدعا الله تعالى فأذهبه عنه إلا مثل موضع الدينار أو الدرهم، فمن لقيه منكم فمُروه فليستغفر لكم. قال: فقدم علينا، قال: من أين؟ قال: من اليمن. قال: ما أسمك؟ قال: أويس. قال: فمن تركت باليمن؟ قال: أمّاً لي. قال: أكان بك بياض فدعوت الله فأذهب عنك؟ قال: نعم. قال: فاستغفر لي! قال: أو يستغفر مثلي لمثلك يا أمير المؤمنين؟ قال: فاستغفر له. قال: أنت أخي لا تفارقني.(٣)

ويروي: عن أصبغ: كان أويس إذا أمسى يقول: هذه ليلة الركوع فيركع، حتى يُصبح، وكان يقول إذا أمسى: هذه ليلة السجود فيسجد حتى يصبح، وكان إذا أمسى تصدّق بما في بيته من الفضل من الطعام والثياب.(٤)

____________________

١ - الكنى للدولابي، ج ١، ص١٥٥.

٢ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص٤٠٢.

٣ - حلية الأولياء، ج ٣، ص٧٩.

٤ - نفس المصدر، ص٨٧.

٣٨٩

فتنة:

(الخوارج المارقين)

الملل والنحل: كذلك الخلاف بينه وبين الشُراة المارقين بالنهروان عقداً وقولاً، ونصب القتال معه فعلاً، ظاهر معروف، وبالجملة كان عليّ مع الحق والحق معه.(١)

الشريعة: قال محمد بن الحسين: لم يختلف العلماء قديماً وحديثاً أن الخوارج قوم سوء عُصاة لله عَزَّ وجَلَّ ولرسوله (ص) وإن صلّوا وصاموا واجتهدوا في العبادة، فليس ذلك بنافع لهم، وإن أظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس ذلك بنافع لهم ؛ لأنهم قوم يتأوّلون القرآن على ما يهوون ويُموّهون على المسلمين، وقد حذّرنا الله عَزَّ وجَلَّ منهم وحذّرنا النبيّ (ص) وحذّرناهم الخلفاء الراشدون بعده وحذّرناهم الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان رحمة الله تعالى عليهم. والخوارج هم الشُراة الأنجاس الأرجاس ومن كان على مذهبهم من سائر الخوارج.(٢)

تاريخ الطبري: ثم قال لهم من زعيمكم؟ قالوا: ابن الكّوّاء. قال عليّ: فما أخرجكم علينا؟ قالوا: حكومتكم يوم صفّين. قال: أنشدكم بالله أتعلمون أنهم حيث رفعوا المصاحف فقلتم: نجيبهم إلى كتاب الله، قلت لكم: إني أعلم بالقوم منكم، إنهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، إني صحبتهم وعرفتهم أطفالاً ورجالاً، فكانوا شرّ أطفال وشرّ رجال، امضوا على حقكم وصدقكم، فإنما رفع القوم هذه المصاحف خديعة ودَهناً ومكيدة، فرددتم عليّ رأيي وقلتم: لا بل نقبل منهم. فقلت لكم: اذكروا قولي لكم ومعصيتكم إيَّايَّ، فلمَّا أبيتم إلا الكتابَ

____________________

١ - الملل والنحل، ج ١، ص٢٣.

٢ - الشريعة، ص٢١.

٣٩٠

اشترطت على الحكمين أن يُحييا ما أحيا القرآن وأن يُميتا ما أمات القرآن، فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف حكماً يحكم بما في القرآن، وإن أبيا فنحن من حكمهما براء. قالوا له: فخبّرنا أتُراه عدلاً تحكيم الرجال في الدماء؟ فقال: إنا لسنا حكّمنا الرجال إنما حكّمنا القرآن وهذا القرآن إنما هو خطّ مسطور بين دفّتين لا ينطق، إنما يتكلّم به الرجال. قالوا: فخبّرنا عن الأجل لِمَ جعلته فيما بينك وبينهم؟ قال: ليعلم الجاهل ويتثبّت العالم، ولعل الله عَزَّ وجَلَّ يُصلح في هذه الهُدنة هذه الأمة، ادخلوا مصركم رحمكم الله. فدخلوا من عند آخرهم.(١)

ويروي أيضاً: أن علياً قال لأهل النهر: يا هؤلاء، إنّ أنفسكم قد سوّلت لكم فراق هذه الحكومة التي أنتم ابتدأتموها، وسألتموها وأنا لها كاره، وأنبأتكم أن القوم سألوكموها مكيدة ودَهناً، فأبيتم عليّ إباء المخالفين وعدلتم عنّي عدول النكداء العاصين، حتى صرفت رأيي إلى رأيكم، وأنتم والله معاشر أخفّاء الهام سفهاء الأحلام فلم آتِ لكم - لا أباً لكم - حراماً، والله ما خبلتكم عن أموركم ولا أخفيت شيئاً من هذا الأمر عنكم ولا أوطأتكم عُشوة ولا دنيت لكم الضرّاء. وإن كان أمرنا لأمر المسلمين ظاهراً، فأجمع رأي ملئكم على أن اختاروا رجلين، فأخذنا عليهما أن يحكما بما في القرآن ولا يعدواه، فتاها وتركا الحق وهما يُبصرانه، وكان الجور هواهما، وقد سبق استيثاقنا عليهما في الحكم بالعدل، والصدّ للحق بسوء رأيهما وجور حكمهما والثقة في أيدينا لأنفسنا حين خالفا سبيل الحقّ وأتيا بما لا يعرف، فبيّنوا لنا بماذا تستحلّون قتالنا والخروج من جماعتنا، إن اختار الناس رجلين أن تضعوا أسيافكم على عواتقكم ثمّ تستعرضوا الناس تضربون رقابهم وتسفكون دماءهم إن هذا لهو الخسران المبين، والله لو قتلتم على هذا دجاجة لعظم عند الله قتلها، فكيف بالنفس التي قتلها عند الله حرام.(٢)

أقول: الناكد: الشديد وقليل الخير. الأخفّاء: جمع خفيف. الهام: جمع هامة وهي

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٦، ص٣٧.

٢ - نفس المصدر، ص٤٨.

٣٩١

الرأس. خبله: أفسده. أوطأه الأرض: جعله يطأه ووافقه. والعُشوة: الالتباس والحيرة. والاسيثاق: اخذ الوثيقة.

روايات في الخوارج:

وقد أشار رسول الله (ص) في كلماته إلى هذه الطائفة، وأنهم قوم متعبدون متزهّدون، لم يدخل نور المعرفة وروح الحقيقة في قلوبهم، ولم يعرفوا من الإسلام إلا ظواهر منه، وهم يحسبون أنهم مهتدون، ألا أنهم هم الجاهلون المستكبرون.

مسند أحمد: عن أبي كثير مولى الأنصار قال: كنت مع سيّدي عليّ بن أبي طالب (رض) حيث قُتل أهل النهروان، فكان الناس في أنفسهم من قتلهم. فقال عليّ (رض): يا أيها الناس إن رسول الله (ص) قد حّدثنا بأقوام يَمرقون من الدين كما يَمرق السهم من الرميّة ثم لا يرجعون فيه أبداً حتى يرجع السهم على فوقه، وإن آية ذلك أن فيهم رجلاً أسود مُخدج اليد أحد ثدييه كثدي المرأة إلخ.(١)

مسند أحمد: عن أبي سعيد الخدري قال: إن أبا بكر جاء إلى رسول الله (ص) فقال: يا رسول الله، إني مررت بوادي كذا وكذا، فإذا رجل متخشّع حسن الهيئة يصلي، فقال له النبي (ص): اذهب إليه فاقتله، قال: فذهب إليه أبو بكر، فلما رآه على تلك الحال كره أن يقتله، فرجع إلى رسول الله (ص)، قال: فقال النبي (ص) لعمر: اذهب فأقلته، فذهب عمر فرآه على تلك الحال التي رآه أبو بكر، قال، فكره أن يقتله، قال فرجع فقال: يا رسول الله، إني رأيته يصلي متخشّعاً فكرهت أن أقتله. قال: يا عليّ، اذهب فاقتله، قال فذهب عليّ فلم يره، فرجع فقال: يا رسول الله إنه لم يره، قال، النبي (ص): إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يَمرق السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم في فُوقِه، فاقتلوهم هم شر البرية.(٢)

____________________

١ - مسند أحمد، ج ١، ص٨٨.

٢ - نفس المصدر، ج ٣، ص١٥.

٣٩٢

البخاري بإسناده : قال أبو سعيد الخدري: بينما نحن عند رسول الله (ص) وهو يقسم قسماً إذ أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم، فقال: يا رسول الله اعدل! فقال: ويلك!! ومن يعدل إذا لم أعدل، قد خبتُ وخسرتُ إن لم أكن أعدل، فقال عمر: يا رسول الله، ائذن لي فيه فأضرب عنقه، فقال: دعه، فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمّية، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تَدَرْدَرُ ويخرجون على حين فرقة من الناس. قال أبو سعيد: فاشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله (ص) وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس فأُتي به حتى نظرت إليه على نعت النبي (ص) الذي نعته.(١)

وفيمسند أحمد: ما يقرب منها.(٢)

ويروي البخاري أيضاً بإسناده : يقول رسول الله (ص): يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وعملكم مع عملهم، ويقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمّية، ينظر في السهم فلا يرى شيئاً.(٣)

ويروي بإسناده: عن عبد الله بن عمر، ذكر الحروريّة فقال: قال النبي (ص): يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمّية.(٤)

ويروي أيضاً: جاء عبد الله بن ذي الخويصرة التميميّ فقال: اعدل يا رسول الله! فقال: ويلك!! من يعدل إذا لم أعدل الرواية.

ويروي أيضاً بإسناده: قلت لسهل بن حنيف: هل سمعت النبي (ص)

____________________

١ - البخاري، ج ٢، ص١٧٢.

٢ - مسند أحمد، ج ٣، ص٦٥.

٣ - البخاري، ج ٣، ص١٤٧.

٤ - البخراي، ج ٤، ص١٢٢.

٣٩٣

يقول في الخوارج شيئاً؟ قال: سمعته يقول وأهوى بيده قِبَل العراق: يخرج منه قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرّمية.

ويروي مسلم: روايات بهذه المضامين، وفيها أنه سيخرج من ضضيء هذا قوم يتلون كتاب الله ليّنا رطبا، لئن ادركتُهم لأقتلنّهم قتل ثمود.(١)

ويروي بإسناده: أنّ رسول الله (ص) قال: تمرق مارقة في فرقة من الناس فيلي قتلهم أولى الطائفتين بالحق.(٢)

ويروي أيضاً بإسناده: سيماهم التحالق، قال: هم شرّ الخلق، يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحقّ.

ويروي أيضاً بإسناده: قال عليّ رضي الله عنه: أيها الناس، إني سمعت رسول الله (ص) يقول: يخرج قوم من أمّتي يقرؤون القرآن ليس قراءتكم إلى قرائتهم بشيء ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء، يقرؤون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يَمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمّية، لو يعلم الجيش الذين يُصيبونهم ما قضى لهم على لسان نبيهم (ص) لاتكلوا عن العمل، وآيةُ ذلك أن فيهم رجلاً له عضد وليس له ذراع على رأس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض، فتذهبون إلى معاوية وأهل الشام وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم، والله إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم، فإنهم قد سفكوا الدم الحرام وأغاروا في سرح الناس، فسيروا على اسم الله!

قال سلمة بن كهيل: فنزّلني زيد بن وهب الراسبي منزلاً حتى قال: مررنا على قنطرة فلما التقينا، وعلى الخوارج يومئذٍ عبد الله بن وهب الراسبي، فقال لهم: ألقوا الرماح وسلّوا سيوفكم من جفونها فإني أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروراء، فرجعوا فوحّشوا برماحهم وسلّوا السيوف وشجرهم الناس برماحهم، قال: وقُتل بعضهم على بعض وما أُصيب

____________________

١ - مسلم، ج ٣، ص١١١.

٢ - نفس المصدر، ص١١٣.

٣٩٤

من الناس إلا رجلان، فقال عليّ رضي الله عنه: التمسوا فيهم المُخدّج.(١) فالتمسوه فلم يجدوه، فقام علي رضي الله عنه بنفسه حتى أتى ناساً قد قُتل بعضهم على بعض، قال: أخّروهم، فوجدوه مما يلي الأرض، فكبّر ثم قال: صدق الله وبلّغ رسوله، قال: فقام إليه عبيدة السلماني فقال: يا أمير المؤمنين، الله الذي لا إله إلا هو لسمعت هذا الحديث من رسول الله (ص)؟ فقال: أي والله الذي لا إلا هو. حتى استحلفه ثلاثاً وهو يحلف له.(٢)

وفيمسند أحمد: ما يقرب منها.(٣)

ويروي مسلم أيضاً بإسناده: أنّ الحروريّة لما خرجت، وهو مع عليّ بن أبي طالب (رض)، قالوا: لا حكم إلا لله، قال عليّ: كلمة حق أريد بها باطل ؛ إن رسول الله (ص) وصف ناساً إني لأعرف صفتهم في هؤلاء، يقولون الحق بألسنتهم، لا يجوز هذا منهم ( وأشار إلى حلقه ) من أبغض خلق الله إليه، منهم أسود إحدى يديه طُبى شاة أو حَلَمة ثدي. فلما قتلهم علي بن أبي طالب (رض) قال: انظروا، فنظروا فلم يجدوا شيئاً، فقال: ارجعوا، فوالله ما كذبت ولا كُذبت مرتين أو ثلاثاً، ثم وجدوه في خربة فأتوا به حتى وضعوه بين يديه، قال عبيد الله: وأنا حاضر ذلك من أمرهم وقول عليّ فيهم.(٤)

ابن ماجة بإسناده : عن رسول الله (ص) قال: الخوارج كلاب النار.(٥)

ويروي: روايات أخر بمضامين ما روى في البخاري ومسلم.

السيرة النبوية: جاء رجل من بني تميم يقال له ذو الخويصرة، فوقف عليه وهو يعطي الناس قريباً من البخاري ج ٢، ص١٧٢.(٦)

سنن النسائي: فاقبل رجل غائر العينين، ناتيء الوجنتين، كثُّ اللحية، محلوق

____________________

١ - بصيغة المفعول: الناقص الخلق.

٢ - نفس المصدر السابق، ص١١٥.

٣ - مسند أحمد، ج ١، ص٩٢.

٤ - مسلم، ج ٣، ص١١٦.

٥ - ابن ماجة، ج ١، ص٧٤.

٦ - السيرة النبوية، ج ٤، ص١٣٩.

٣٩٥

الرأس، فقال: يا محمد، اتق الله. قال: من يطع الله إذا عصيته!! أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني، فسأل رجل من القوم قتله فمنعه، فلما ولّى قال: إن من ضضيء هذا قوماً يخرجون يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرميّة، يقتلون أهل الإسلام ويَدَعون أهل الأوثان، لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد.(١)

ثمّ يروي روايات أخر قريبة من المضامين السابقة.

مقالات الإسلاميين: فأمر معاوية أصحابه برفع المصاحف وبما أشار به عليه عمرو بن العاص، ففعلوا ذلك، فاضطرب أهل العراق على عليّ (رضوان الله عليه) وأبوا عليه إلا التحكيم، وأن يبعث عليّ حكماً ويبعث معاوية حكماً، فأجابهم عليّ إلى ذلك بعد امتناع أهل العراق عليه غلاً يجيبهم إليه، فلما أجاب عليّ إلى ذلك، وبعث معاوية وأهل الشام عمرو بن العاص حكماً، وبعث عليّ وأهل العراق أبا موسى حكماً، وأخذ بعضهم على بعض العهود والمواثيق: اختلف أصحاب عليّ عليه وقالوا: قال الله تعالى( فَقاتِلُوا الَّتي‏ تَبْغي‏ حَتَّى تَفي‏ءَ إِلى‏ أَمْرِ اللَّه‏ ) ، ولم يقل وحاكموهم وهم البُغاة، فإن عدتَ إلى قتالهم وأقررت على نفسك بالكفر إذ أجبتَهم إلى التحكيم، وإلا نابذناك وقاتلناك، فقال عليّ (رضوان الله عليه): قد أبيت عليكم في أول الأمر فأبيتم إلا إجابتهم إلى ما سألوا، فأجبناهم وأعطيناهم العهود والمواثيق، وليس يسوغ لنا الغدر. فأبوا إلا خلعه وإكفاره بالتحكيم وخرجوا عليه، فسُمّوا خوارج.(٢)

سنن أبي داود: قال رسول الله (ص): تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها ولّى الطائفتين بالحق.(٣)

ويروي: عن رسول الله (ص): سيكون في أمتي اختلاف وفرقة، قوم يُحسنون القيل ويُسيئون الفعل، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين مروق

____________________

١ - سنن النسائي، ج ٧، ص١١٨.

٢ - مقالات الإسلاميين، ج ١، ص٦٣.

٣ - سنن أبي داود، ج ٢، ص٢٨٦.

٣٩٦

السهم من الرميّة، لا يرجعون حتى يرتدّ على فوقه، هم شرّ الخلق والخليقة، طوبى لمن قتلهم.(١)

ويروي أيضاً: مثل ما فيمسلم ، ص١١٥.

الاحتجاج معهم:

خصائص النسائي: يروي روايات كما في البخاري ومسلم.(٢)

ويروي أيضاً: عن ابن عباس قال: لما خرجت الحروريّة اعتزلوا في دارهم وكانوا ستة آلاف، فقلت لعليّ رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين، أيرد بالظهر لعلّي آتي هؤلاء القوم فاكلّمهم، قال: إنّي أخاف عليك، قلت: كلا، قال: فقمت وخرجت ودخلت عليهم في نصف النهار وهم قائلون، فسلمت عليهم فقالوا: مرحباً بك يا ابن عباس فما جاء بك؟ قلت لهم: أتيتكم من عند أصحاب النبي (ص) وصهره، عليهم نزل القرآن وهم أعلم بتأويله منكم وليس فيكم منهم أحد، لأبلّغكم ما يقولون وتُخبرون بما تقولون! قلت: أخبروني ماذا نقمتم على أصحاب رسول الله (ص) وابن عمّه؟ قالوا: ثلاث. قلت: ما هنّ؟ قالوا: أما إحداهن فإنه حكّم الرجال في أمر الله وقال الله تعالى: ( إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّه‏ ) ، ما شأن الرجال والحكم؟! فقلت: هذه واحدة، قالوا: وأما الثانية فإنه قاتل ولم يسلب ولم يغنم فإن كانوا كفاراً سلبهم وإن كانوا مؤمنين ما أحلّ قتالهم، قلت: هذه اثنان فما الثالثة؟ قالوا: إنه محى نفسه عن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين.

قلت: هل عندكم شيء غير هذا؟ قالوا: حسبنا هذا، قلت: أرأيتم أن قرأت عليكم من كتاب الله ومن سنّة نبيه (ص) ما يردّ قولكم أترضون؟ قالوا: نعم.

قُلت: أما قولكم:(حكّم الرجال في أمر الله) فأنا أقرأ عليكم في كتاب الله أن قد صيّر الله حكمه إلى الرجال في ثمن ربع درهم فأمر الله الرجال أن يحكموا

____________________

١ - سنن أبي داود، ج ٢، ص٣٠٠.

٢ - خصائص النسائي، ص٣١ - ٣٤.

٣٩٧

فيه، قال الله تعالى:( يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ ... ) الآية، فنشدتكم بالله تعالى أحكم الرجال في أرنب ونحوها من الصيد أفضل أم حكمهم في دمائهم وصلاح ذات بينهم، وأنتم تعلمون أن الله لو شاء لحكم ولم يُصيّر ذلك إلى الرجال، قالوا: بل هذا أفضل. وفي المرأة وزوجها: قال الله تعالى:( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُريدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما ... ) الآية، فنشدتكم بالله حكم الرجال في صلاح ذات بينهم وحقن دمائهم أفضل من حكمهم في بضع امرأة؟ أخرجتُ من هذه؟ قالوا: نعم.

قلت وأما قولكم:(قاتلَ ولم يسلب ولم يَغنم): أفتسلبون أمكم عائشة وتستحلون منها ما تستحلون من غيرها وهي أمكم؟ فإن قلتم: إنا نستحل منها ما نستحل من غيرها فقد كفرتم، ولإن قلتم: ليست بأمنا فقد كفرتم، لأنّ الله تعالى يقول:( النَّبِيُّ أَوْلى‏ بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ ) ، فأنتم تدورون بين ضلالتين فأتوا منها بمَخرج! قلت: فخرجتُ من هذه؟ قالوا: نعم.

وأما قولكم:(محى اسمه من أمير المؤمنين)، فأنا آتيكم بمن ترضون، وأراكم قد سمعتم أن النبي (ص) يوم الحُديبية صالح المشركين فقال لعليّ (رضي الله عنه): أكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله (ص). فقال المشركون: لا والله! ما نعلم أنك رسول الله، لو نعلم أنك رسول الله لأطعناك، فاكتب يا محمد بن عبد الله. فقال رسول الله (ص): امحُ يا علي رسول الله، اللَّهُم إنك تعلم أني رسولك، امحُ يا علي واكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله. فوالله رسول الله خير من عليّ وقد محا نفسه ولم يكن محوه ذلك يَمحاه من النبوّة، أخرجتُ من هذه؟ قالوا: نعم. فرجع منهم ألفان، وخرج سائرهم فقُتلوا على ضلالتهم، فقتلهم المهاجرون والأنصار.(١)

المستدرك: قال: لما خرجت الحروريّة فخرجتُ إليهم ولبست أحسن ما يكون من حلل اليمن، قال أبو زميل: كان ابن عباس جميلاً جهيزاً، قال ابن

____________________

١ - خصائص النسائي، ص٣٥.

٣٩٨

عباس: فأتيتهم وهم مجتمعون في دارهم قائلون، فسلّمت عليهم، فقالوا: مرحباً بك يا ابن عباس، فما هذه الحلة؟ قال: قلت: ما تعيبون عليّ! لقد رأيت على رسول الله (ص) أحسن ما يكون من الحلل، ونزلت:( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زينَةَ اللَّهِ الَّتي‏ أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْق‏ ) ، قالوا: فما جاء بك؟ قلت: أتيتكم من عند صحابة النبي (ص) من المهاجرين والأنصار لأبلّغكم قالوا: وأما الأخرى فإنه قاتل ولم يسلب ولم يغنم، كما فيالخصائص باختلاف يسير.(١)

ويروي: عن عبد الله بن شدّاد قال: قدمت على عائشة قالت: فحدّثني عن قصّتهم؟ قلت: إن علياً لما كاتب معاوية وحكّم الحكمين، خرج عليه ثمانية آلاف من قرّاء الناس، فنزلوا أرضاً من جانب الكوفة يقال لها حروراء، وأنهم أنكروا عليه فلما أن بلغ عليّاً ما عتوا عليه وفارقوه، أمر فأذّن مؤذّن لا يدخلنّ على أمير المؤمنين إلا رجل قد حمل القرآن، فلما أن امتلأ الدار من القرّاء دعا بمصحفٍ عظيم فوضعه عليّ بين يديه، فطفق يصكّه بيده ويقول: أيها المصحف حدِّث الناس، فناداه الناس فقالوا: يا أمير المؤمنين، ما تسأله عنه؟! إنما هو ورق ومداد، ونحن نتكلم بما رأينا منه فماذا تريد، قال: أصحابكم الذين خرجوا بيني وبينهم كتاب الله، يقول الله عَزَّ وجَلَّ في امرأة ورجل: ( كما فيالخصائص )، يقول الله في كتابه:( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في‏ رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) ، فبعثه إليهم عليّ بن أبي طالب، فخرجت معهم حتى إذا توسّطنا عسكرهم قام ابن الكّوّاء فخطب الناس فقال: يا حملة القرآن، إن هذا عبد الله بن عباس فواضعوه على كتاب الله ثلاثة أيام، فرجع منهم أربعة آلاف كلهم تائب بينهم ابن الكّوّاء حتى أدخلهم على عليّ، فبعث عليّ إلى بقيّتهم، فقال: قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم فقفوا حيث شئتم حتى يجتمع امة محمد (ص).. فقالت له عائشة: يا ابن شدّاد، فقد قتلهم؟ فقال: والله ما بعث إليهم حتى قطعوا السبيل وسفكوا الدماء بغير حق الله، وقتلوا ابن خباب واستحلّوا أهل الذمة، فقالت:

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج ٢، ص١٥٠.

٣٩٩

الله؟ قلت: الله الذي لا إله إلا هو. قالت: فما شيء بلغني عن أهل العراق يتحدّثون به يقولون: ذو الثدي ذو الثدي؟ فقلت: قد رأيته ووقفتُ عليه مع عليّ في القتلى، فدعا الناس فقال: هل تعرفون هذا قالت: فما قول عليّ حين قام عليه كما يزعم أهل العراق؟ قلت سمعته يقول: صدق الله ورسوله، قالت: وهل سمعته أنت منه قال غير ذلك؟ قلت: اللَّهُم لا، قالت: أجل صدق الله ورسوله.(١)

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.

مسند أحمد: نظيرها.(٢)

الالعقد الفريد: أن علياً لما اختلف عليه أهل النهروان والقرى وأصحاب البرانس، ونزلوا قرية يقال لها: حروراء، وذلك بعد وقعة الجمل، فرجع إليهم عليّ بن أبي طالب فقال لهم: يا هؤلاء، من زعيمكم؟ قالوا: ابن الكوّاء. قال: فليبرز إليَّ! فخرج إليه ابن الكوّاء، فقال له عليّ: يا ابن الكوّاء، ما أخرجكم علينا بعد رضاكم بالحكمين ومُقامكم بالكوفة؟ قال: قاتلتَ بنا عدواً لا نشك في جهاده فزعمت أن قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار، فبينما نحن كذلك إذ أرسلتَ منافقاً وحكّمت كافراً، وكان مما شكّك في أمر الله أن قلت للقوم حين دعوتهم: كتابُ الله بيني وبينكم فإن قضى عليّ بايعتكم وإن قضى عليكم بايعتموني، فلولا شكُّك لم تفعل هذا والحق في يدك. فقال عليّ: يا ابن الكوّاء، إنما الجواب بعد الفراغ: أفرغت فأجيْبُك؟ قال: نعم. قال عليّ: أما قتالك معي عدوّاً لا نشك في جهاده، فصدقتَ ولو شككتُ فيهم لم أقاتلهم. وأما قتلانا وقتلاهم: فقد قال الله في ذلك ما يُستغنى به عن قولي. وأما إرسالي المنافق وتحكيمي الكافر: فأنت أرسلت أبا موسى مبرنساً، ومعاوية حكّم عمراً، أتيت بأبي موسى مبرنساً فقلت: لا نرضى إلا أبا موسى. فهلا قام إليّ رجل منكم، فقال: يا عليّ، لا نعطي هذه الدّنية فإنها ضلالة! وأما قولي لمعاوية: إن جرّني

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج ٢، ص١٥٢.

٢ - مسند أحمد، ج ٤، ص٨٦.

٤٠٠